الجمهــــــــــــورية الجزائرية الّديـــــــــــــــــــــمقراطية الّشعبيةالجمهــــــــــــورية الجزائرية الّديـــــــــــــــــــــمقراطية الّشعبيةالجمهــــــــــــورية الجزائرية الّديـــــــــــــــــــــمقراطية الّشعبيةالجمهــــــــــــورية الجزائرية الّديـــــــــــــــــــــمقراطية الّشعبية

وزارة الّتعليم العالي و البحث العلميوزارة الّتعليم العالي و البحث العلميوزارة الّتعليم العالي و البحث العلميوزارة الّتعليم العالي و البحث العلمي

جامعة محمد لمين دباغينجامعة محمد لمين دباغينجامعة محمد لمين دباغينجامعة محمد لمين دباغين

- - - - 2222- - - - سطيف سطيف سطيف سطيف

كلية اآلداب و الّلغاتكلية اآلداب و الّلغاتكلية اآلداب و الّلغاتكلية اآلداب و الّلغات

قسم الّلغة و األدب العربيقسم الّلغة و األدب العربيقسم الّلغة و األدب العربيقسم الّلغة و األدب العربي

مطبوعة مقّدمة الستكمال ملف مطبوعة مقّدمة الستكمال ملف مطبوعة مقّدمة الستكمال ملف مطبوعة مقّدمة الستكمال ملف

التـّأهيل الجامعيالتـّأهيل الجامعيالتـّأهيل الجامعيالتـّأهيل الجامعي

نادية بوذراعنادية بوذراعنادية بوذراعنادية بوذراع: : : : األستاذة األستاذة األستاذة األستاذة إعداد إعداد إعداد إعداد

::::عنوان المطبـــــــــــــــــــــــــــــــــوعة عنوان المطبـــــــــــــــــــــــــــــــــوعة عنوان المطبـــــــــــــــــــــــــــــــــوعة عنوان المطبـــــــــــــــــــــــــــــــــوعة

محاضرات في الّنقد األدبي الحديث للّسنة الثـّانية سداسي أول محاضرات في الّنقد األدبي الحديث للّسنة الثـّانية سداسي أول محاضرات في الّنقد األدبي الحديث للّسنة الثـّانية سداسي أول محاضرات في الّنقد األدبي الحديث للّسنة الثـّانية سداسي أول ) ) ) ) لسانس ل م دلسانس ل م دلسانس ل م دلسانس ل م د((((

....2017201720172017////2016201620162016::::الّسنة الجامعية الّسنة الجامعية الّسنة الجامعية الّسنة الجامعية

:مقــــــــــــــــــــــــدمة

حيل زمن القطائع و االنفصاالت مبجرد وصول األفكار إىل مأزقها و عجزها عن احتواء الواقع من جهة،

واتساع اهلوة اليت تفصل بينه و بني اإلنسان من جهة أخرى، فالقول ذا املبدأ يف كل حاالته مرجعه اإلنسان،

ستمرار يف الزمن، إذ حيدث اجلمود و الركود حىت و إن اعتقد يوما أنه عبد مسري بيد اآلهلة، و تلك شروط اال

والرتاجع إذا ارتبط الزمن بالثبات و انتفى عنه احلدث، و قمة الوعي ذه الشروط ميزت العامل بعد سنوات من

العجز ارتبط بثبات األفكار، عرفت تلك الفرتة بالقرون الوسطى، تلتها مرحلة انعطاف شديد كان الرتكيز فيها

.كر مبا هو األصل يف كل تغيريمنصبا على الف

و كان اسم عصر النهضة كافيا إلجياز جممل التغريات اليت أصابت العامل، إذ كان استيقاظ اإلنسان إيذانا

بإدراكه ملكامن العجز يف تفكريه، و للثغرات اليت توسطت عالقته بذاته و واقعه و الزيف الذي مشل مرحلة زمنية

و صار اإلنسان ... تصورات املاورائية، و مجلة هذه املعطيات قادت العامل لرب األمان أخرياكاملة كانت حتكمها ال

مركزا بعدما استعاد هويته و كيانه و أناه، و صار ممكن هو احلديث عن فلسفة عقلية و عن علم جترييب يف ظل

لوصول إىل اليقني مبا هو هدف حترر اإلنسان من سيطرة العامل املاورائي إىل عامل حييط به الوضوح و إرادة ا

موضوعي، فما كان من أمر هذا العصر إال أن كان فاحتة لعلوم عديدة كان النقد يف ضمنها مستفيدا من

.مناهجها، فتميز عن غريه بتبنيه لقواعدها منفصال عن الذوقية و الذاتية اليت أغرقت يف اختزال مجالية النص

فه صورة تعكس جماالت يف احلياة خمتلفة، و تطور النقد يف نفس احلقبة و منه صار منظورا إىل النص بوص

الزمنية ليتجاوز الظروف اخلارجية و التمركز حول النص بوصفه كيانا لغويا مجاليا يف ذاته و لذاته، و هو آخر ما

بوابة دخل من وصل إليه التصور النقدي يف العصر احلديث، فكانت املناهج السياقية يف النقد األديب احلديث

فال ميكن تصور تفكري نقدي حداثي دون ...خالهلا العامل عصر التصور النسقي و املناهج احلداثية وما بعدها

املرور بأهم املنعرجات اليت قادت النقد إىل هذا التفكري، و لتحقيق هذا اهلدف جرى احلديث عن تناول هذه

ا من جهة، و من جهة أخرى للبحث عن مكامن التميز املناهج بالوصف و التفصيل بغية وضع حدود دقيقة هل

.ومواطن اإلرهاص اليت حتكمت يف وترية خطى النقد باجتاه األمام

لذلك حاولت صفحات هذه املطبوعة أن تفصل يف أربعة عشر حماضرة من خالهلا يتم الفصل يف مسألة

جة االنبهار بآخر صيحات املناهج احلداثية و ما بعد احلقبة الزمنية احلديثة، اليت رغم التهميش الذي طاهلا نتي

احلداثية، تعد فرتة زمنية أساسية رمست معامل النقد بكل شروطه اليت اتصف ا فيما بعد، كيف ال و العامل

احلديث وضع األسس العلمية و الفلسفية لالجتاه النقدي من خدمة باقي العلوم مع املناهج السياقية إىل الرتكيز

اته و لذاته مع املناهج النسقية، و بعدها لتصورات أخرى تتمركز حول القراءة و التلقي أو املتلقي، و خترج على ذ

النص من متركزه حول ذاته، لتخصيب دالالته و الدعوة إىل استمراريته، فكانت حماضرات هذه املطبوعة مقسمة

ورة املكتملة و املنغلقة على ذاا مع النقد وفق ترتيب استدعى فيه زوال كل منهج ظهور اآلخر، إىل غاية الص

:النسقي، فحاولت احملاضرة األوىل اإلجابة عن األسئلة التالية

ما هي األسباب و املعطيات اليت أدت إىل ظهور نقد غريب حديث باالنطالق من واقع جديد أقل ما يقال عنه -

اب التعارف و االنفتاح، و كذا االتصال بني أنه العصر األكثر طرحا حلقيقة الوعي و الصدمة يف آن، و أسب

العاملني العريب و الغريب، يف ظروف اصطلح على تسميتها بالنهضة مبا هي صورة تعكس عودة إىل احلياة بعد

.سبات طويل دام قرون طويلة

حلديث يف فما هي تلك اإلرهاصات اليت أحاطت بظهور النقد األديب احلديث؟ و ما هو واقع النقد العريب ا-

.ظل هذه الظروف؟ و هل من تربيرات لواقعه؟

أما احملاضرة الثانية، فمتعلقة باملرجعيات اليت أسست لنقد عريب حديث، تراوحت ظروفه بني الفلسفية و العلمية -

.و كذا ضرورة التبويب بوساطة املصطلح

ختالف صورته؟ و ماذا يقصد بالتيار فما هي املرجعيات اليت أحاطت بالنقد األديب احلديث و اليت أدت إىل ا-

العلمي و كذا الفلسفي الذي ارتبط به التفكري النهضوي؟ و مباذا ترتبط قضية املصطلح كما ظهرت يف العصر

.احلديث؟

أما احملاضرة الثالثة، فتناقش قضية اتباع الغرب يف طريقة التأسيس لنهضتهم و تفرد العامل العريب إذ ينطلق من -

ساسه عدم التفريط يف مقومات اهلوية العربية اليت حتفظ هلم متيزهم عن باقي األمم، و يف الوقت وعي سليم، أ

نفسه االنفتاح على طرق التفكري املختلفة لألخذ عنها، و باالنطالق من هذه الظروف جمتمعة،

ميلك من العيوب ما ماذا يقصد بالنقد اإلحيائي؟ و ما هي أهم املبادئ اليت قال ا و ما هي خصائصه؟ و هل-

يدعو إىل ضرورة استبداله و تعديله؟ فال شيء يربأ من الشوائب، خاصة إذا تعلق األمر ببداية استشرافية ظروفها

.قاسية و أوضاعها قاهرة

أما احملاضرة الرابعة، فرتكز على التجديد يف الشعر و النقد بوصفه مرحلة تالية يف تصور اإلنسان العريب احلديث، -

بعدما أثبتت النماذج الشعرية املقلدة عدم جدواها يف عصر صار يفرض جديدا ال ميكن العيش فيه بعقلية حمافظة

.خمتلفة عن أحداثها، فكانت كل الظروف مهيأة للتغيري و التجديد و االختالف عن التقاليد السائدة

ي أهم الشخصيات اليت ارتبط ا فأين ميكن العثور على مواطن التجديد يف الشعر و النقد معا؟ و ما ه-

فكانت اهلدف الذي ينشده هؤالء هو مواكبة اجلديد يف القول و الفعل لكي ال يهمشهم الواقع، و يف املقابل

عدم االنفصال متاما عن اهلوية العربية اليت تدين هلم حبق الوفاء، و هلذا كان النفصاهلم عن سبل التفكري يف

.صاهلم عن اآلخر األجنيب الذي خيتلف عنهم متاما من حيث األصل و اهلويةواقعهم وعي حبقيقة انف

فما -أما احملاضرة اخلامسة، فموضوعها مجاعة الديوان مبا هي أوىل النماذج العربية اليت أرادت مسايرة العصر، -

و ما هي املبادئ ؟و ماذا عن حقيقة نشأا و ظهورها و كذا مصادر معرفتها؟ - الديوان - هي طبيعة هذه اجلماعة

اليت نادت ا؟ و كان هلم مؤلفات تأسيسية خاصة كانت اجلانب امللموس و الشاهد على طريقتهم يف التفكري،

.علما أن احملاوالت اإلبداعية متوت و تنسى إذا مل تدون و ترسخ، فتبقي ما يدل عليها و يرمسها لألجيال األخرى

اعة أخرى شاركت يف ترديد صيحات التجديد يف العامل العريب عن و كانت احملاضرة السادسة، حديثا عن مج -

الواقع الذي يعيشونه سعيا منهم للوصول إىل حل أو مفر خيلصهم من الواقع، و ضمن هذا التصور ارتبطت مجاعة

إنسانية أبولو بدورها بعديد القضايا النقدية اليت انطلقت من واقع الشعر الذي صار بدوره جتربة شعرية وجدانية و

يف الوقت نفسه، و صار الشكل وسيلة ال غاية يف ذاته، و منه،

ما طبيعة هذه اجلماعة؟ و ما هو تاريخ نشأا؟ و أين مواطن التجديد يف شعرها و نقدها؟ و هل كانت حبق -

تتهم؟ وهل منفذا لتيار التجديد يف العامل العريب بعد تفكك مجاعة الديوان و استحالة املواصلة بعد تفككهم و تش

؟ كلها أسئلة - أبولو- هلا ما مييزها دون غريها من حركات التجديد؟ و ملاذا اختارت لنفسها هذا االسم بالذات

. ستحاول احملاضرة اإلجابة عنها يف هذا اجلزء املخصص حلركات التجديد

العامل الغريب، متيز و احملاضرة السابعة، ركزت على الرافد املهجري، و حبكم مسايرم ألحدث ما يوجد يف -

إنتاجهم و تقدم مراحل متطاولة يف التجديد، فعد أعضاء اجلماعة أساتذة بالنسبة للعامل العريب، و من هذا

.املنطلق

ما املقصود بأدب املهجر؟ و ما طبيعة مجاعة الرابطة القلمية؟ و مىت كانت نشأا؟ و ما هي أهم املبادئ -

؟ و هل حقا سعوا من خالل - )نيويورك( أمريكا الشمالية -هم يف أرض املهجرواخلصائص اليت متيزوا ا دون غري

.إنتاجهم خلدمة اللغة العريب؟

و كانت احملاضرة الثامنة، وصفا لسبب االنفصال من جهة عن تاريخ النقد العريب، سوى بعض صور إحياء -

نهم، و مسايرة آخر ما وصلت إليه البحوث البالغة و النحو، و يكون االنبهار بالعامل الغريب هو مربر األخذ ع

عندهم لتفوقهم احلضاري الذي صار واقعا مفروضا سرعان ما أدركه حىت دعاة احملافظة و اإلصالح، الذين صاروا

.بدورهم من دعاة االلتحاق بركب احلضارة العلمية يف الغرب

عند الغرب؟ و ما هي أهم املبادئ اليت يقوم فماذا يقصد باملنهج أوال؟ مث بالنقد التارخيي؟ و كيف نشأ و تطور -

عليها؟ و ماذا عن تلقيه من طرف العامل العريب؟ كل هذه األسئلة جتيب عن مرحلة أولية بدئية انتقالية للنقد

الذي صار األدب من خالله عينة ميكن إدخاهلا حقل العلوم التجريبية و تطبيق خطوات البحث العلمي عليها من

ب من دائرة الذوقية و الذاتية، اليت قضت على األدب يف ضمن حكم ذايت نابع عن ناقد متذوق أجل إخراج األد

.و خمتزل ألهم مواطن األدب و أسبابه

و ناقشت احملاضرة التاسعة، ظهور ما يسمى بالنقد الواقعي الذي كان صورة متطورة للمناهج االجتماعية إذ -

.ترجع األدب إىل الواقع اخلارجي

ما هو تعريف املنهج االجتماعي؟ و ما هو تاريخ نشأته؟ و ما هي النظريات -ت عن مجلة هذه األسئلةو أجاب

اليت ساعدت على إرساء دعائمه؟ و ما هي اهودات اليت أوجدته منهجا قائما بذاته يف العصر احلديث؟ و ما ذا

طت به؟ و هل كان له األثر على النقد العريب عن تأثر العامل العريب به؟ و ما هي أهم األمساء النقدية اليت ارتب

.احلديث عند زعمائه؟

و أحاطت احملاضرة العاشرة، مبنهج النقد النفسي، و االنطالق عندهم كان من أساس الإرادي تكون فيه -

الذات مقابلة للهو، مع اختالف تفسري اهلو، فصار لألدب عالقة وثيقة بعلم النفس، و ظهر ما يسمى مبنهج

د النفسي الذي يعيد أسباب القول عند املبدع إىل هذه العوامل اخلفية اليت حتدث عنها فرويد ألنه جانب النق

الشعوري يتم يف حاالت خاصة لإلنسان، و هذا تفسري ارتباط اإلبداع عند اإلنسان بفرتات معينة دون غريها،

الكتابة تصرف تلك املكبوتات و يستعيد ذلك أن اإلنسان يكون حتت تأثري دوافع كثرية خمتلفة و مبجرد متام

اإلنسان توازنه النفسي، و يتحول الضغط النفسي الذي مر به اإلنسان إىل مصادر إلبداع الشعراء و الكتاب،

وإن كانت البحوث اليت أقامها يونغ بدورها حتاول تفسري هذا العمل األديب، إال أن النقد النفسي ارتبط أكثر

.م النفس احلديثبفرويد، زعيم مدرسة عل

ما هي حدود منهج النقد النفسي؟ و ما هي أهم روافده يف العامل الغريب ؟ و كيف مت -و انطالقا مما سبق

. استقباله من طرف العامل العريب؟ و مبن ارتبط أكثر سواء أيف العامل العريب أو الغريب؟

و هنا يكون البون واسعا بني النقد االجتماعي و النقد و ميزت احملاضرة احلادية عشرة النقد الواقعي،

الواقعي، هذا األخري الذي يكون عمل املبدع فيه و الناقد متميزين، إذ يتعاىل التصور عندهم عن الواقع ليقارب به

ل هذا الواقع، باإلضافة إىل البعد اجلمايل الذي يتشكل عند كليهما حالة التدوين و حالة النقد و املقاربة، و ك

تأثرا بالفلسفة املاركسية احلديثة املتعلقة بعلم اجلمال، اليت ال ترى ضرورة يف النقل احلريف للواقع و الساذج كما ترى

.الواقعية املادية، و ضرورة التصوير اجلمايل به لرفعه من بساطته و تغريه

) االشرتاكية ( رت الواقعية اجلديدة فماهي حدود النقد الواقعي؟ و ما هي روافده و مرجعياته؟ و كيف أث- ،

عليه؟ و يف العامل العريب من هم رواده و مبن ارتبط؟ كلها أسئلة حتاول أن توضح النقد الواقعي و انفصاله عن

النقد االجتماعي و عن تأثري الرافد الفلسفي على النقد يف هذه الفرتة، و عن العودة اليت تأكدت لعلم اجلمال مع

ثة و استعادة اإلبداع ألهم ميزة متيزه عن غريه، خالفا ملا صورته التيارات التارخيية و النفسية و كذا التيارات احلدي

تركيزها على املصادر احلسية، حيث يكون املبدع يف كل حاالته ناقال حرفيا أو منفعال سلبيا أو ...االجتماعية

ي اجلمايل الذي يتقامسه هذه املرة كل من مريضا عصابيا، دون احلديث عن أهم صفة متيز اإلبداع و هو الوع

. املبدع و الناقد

و أجابت احملاضرة الثانية عشرة عن أسئلة، يتعلق األول فيها مباهية النقد اجلديد وحدوده اليت ارتبط ا،

تعامل النقد يف وثانيها، ما هي املرجعيات اليت أدت إىل ظهور هذا النقد املختلف و اجلديد؟ و أخريا، كيف كان

هذه الفرتة بغض النظر عن كل املربرات اليت ارتبطت به سابقا، و هي أيضا تعمل على التذكري باجلانب الشكلي

اجلمايل الذي لطاملا افتقده النص األديب، كونه املادة اليت صنع منها و اغرتابه بني اجلوانب التارخيية

لى ميشه و القضاء على وجوده و مركزيته مبا هو شكل فين و النفسية، اليت عملت كل مرة ع...واالجتماعية

مجايل، يستدعي ناقدا يتحسس فيها هذا اجلانب الذي مييزه عن غريه من النصوص اليت أعدت ألهداف خمتلفة،

.شكلية و مجالية/فصار من الضروري هو االنتقال من فرتة سياقية خارجية إىل أخرى نسقية داخلية

حملاضرة الثالثة عشر، جمموعة من القضايا املشرتكة، و من هذا املنطلق أحاطت بالنص و حددت ا

اإلبداعي جمموعة من األسئلة اليت تعتقد أا أبواب النص و مداخله يتعلق األمر فيها بقضية الصدق الفين، الذي

مستجد طارئ على الشعر جتاوز أعاد احلياة للنص اإلبداعي من خالل جمانية الصنعة فيه، و قضية اخليال مبا هي

فيه املبدع األبعاد احلسية و الواقعية و املادية إىل أخرى ال ترتبط بعامل الواقع، و كذا قضية اجلنس األديب و صار

من الضروري هو الفصل يف األجناس األدبية و فرز شعرها من نثرها، و كذلك قضية الشكل و املضمون وااللتزام،

و قضايا أخرى مستحدثة ظلت يف ... ل النص و كذا الصورة الفنية، و اإلبداع الفين و تفسري األدب و تأوي

الدراسات النقدية املعاصرة حماور أساسية ملناقشة النقد، و هي قضية نقد النقد و احلداثة و ما بعد احلداثة، البنيوية

دون وعيه يف األعمال األدبية، و هذه و ما بعدها و أخريا كانت قضية التناص طريقا مجاليا يسلكه املبدع بوعيه و

.قضايا النقد املعاصر فيما بعد

و من هذا املنطلق ميكن طرح جمموعة من األسئلة، تتعلق حبدود اإلبداع و اخللق يف العامل العريب انطالقا من

ح العصر احلديث كما و كذلك مسايرا لرو .. جمموعة أفكار مت االقتناع ا ملالمستها األبعاد العلمية و الفلسفية

ينبغي أن ينظر إليها، و استثمار األفكار اليت جاء ا أشهر أعالم العصر احلديث يف جمال النقد أمثال كولريدج

.و غريهم كثري ممن أعلنوا عن طرق جديدة يف الكتابة حتقق األهداف املنتظرة... س إليوت ، و وردززورث. وت

مدى التقارب بني القضايا النقدية يف العصر احلديث بني اجلانب النظري - ةو أخريا ناقشت احملاضرة الرابعة عشر

.و التطبيقي؟ فهل كان إميام ذه املستجدات و األفكار داعي العتمادها يف كتابام اإلبداعية؟

جر، أدب امله: صابر عبد الدائم: و لإلجابة عن كل هذه األسئلة اعتمد البحث على جمموعة مراجع أمهها

األدب املقارن أصوله و تطوره و مناهجه، طه :منهج الواقعية يف اإلبداع األديب، الطاهر أمحد مكي:وصالح فضل

عباس حممود العقاد و ابراهيم عبد القادر جتديد ذكرى أيب العالء، :يف الشعر اجلاهلي، طه حسني: حسني

: اإلحيائي و جتديد الشعر، عز الدين إمساعيلالنقد : الديوان يف النقد و األدب، عبد احلكيم راضي:املازين

.و غريها كثري، و أخريا من اهللا التوفيق) ... عرض و تفسري و مقارنة( األسس اجلمالية يف النقد العريب

ساعة و نصف :المدة

)لسانس ل م د (طلبة السنة الثانية : الفئة المستهدفة

:تمهيد

يكاد يتمحور القول يف النقد العريب احلديث حول فرتة كانت النواة األوىل اليت أعلنت عن دخول مرحلة

جديدة مسيت بالعصر احلديث، هذه النواة هي النهضة، مبا حتمله هذه الكلمة من داللة على انقالب جذري

ظروف كانت السبب املباشر يف هذا االنقالب، شهده العامل الغريب و بعده العامل العريب، استجاب كل منهما إىل

انتقل التفكري فيها من التمركز حول معطيات إىل التأكيد على ضرورة االنفصال عنها قصد حتقيق ضة يوجزها

االعتقاد بنجاعة الوعي و اليقظة مبا مها بوابتان لدخول عامل جديد خمتلف، أدت إليه جمموعة من الظروف إذ

.الأكدت ضرورة االنفص

- العامل الغريب - و جيدر البدء باحلديث هنا عن أهم منعطف فكري انتهت إليه سلسلة التفكري البشري

الديين، إىل العودة و االلتفاف حول اإلنسان بوصفه دنيا قائمة / األسطوري/ فمن التمركز حول العامل املاورائي

فيزيقية على العامل إىل استيقاظ هذا اإلنسان و إدراكه ملا بذاا، و من االعتقاد بسيطرة القوى اخلارقة و امليتا

حوله، وسيلته يف ذلك العقل و سبيله العلمية و املوضوعية، و هي أهم ركائز العقل، و مل يتم هذا إال بعد القضاء

على أهم مؤسسة دينية مركزية كانت تلقي الشروط و تكبل اإلنسان، إذ تلزمه جمموعة من القوانني الصارمة

والظاملة يف آن، هذه املؤسسة هي الكنيسة مبا حتمله من هالة تقديسية يرعاها رجال الدين فتعود عليهم بالربح عن

...طريق سلب الناس حقوقهم، و أرواحهم أحيانا

المحاضرة األولى-1

-1-مدخل إلى النقد العربي الحديث

فكان الستيقاظ هذا العقل الغريب أثر كبري يف توجيه مسار العامل بأكمله، إذ مل يبق صدى التغيري حكرا على

عامل الغريب بل تعدى و طال العامل العريب، و كان السبب يف تلك الفرتة الصدمة اليت أحاطت به أثناء احلمالت ال

بغية حتقيق احلضارة اليت ضاقت .. االستعمارية اليت شنها العامل الغريب من أجل البحث عن املوارد و األراضي

تدفقة بعد سبات طويل جترع فيه العامل الغريب ويالت أرضهم الحتوائها و احتواء أفكارهم اليت تفجرت ينابيع م

اجلهل و اجلهالة و كذا اخلوف و الرهبة من مؤسسة تدعي امتالك احلقيقة، و يف الوقت نفسه من عامل صامت

يعمه الفراغ و الغموض و تفسريات أسطورية ظلت األسئلة تراود اإلنسان حول أمكانية صدقها و قدرا على

.العامل الفسيح احتواء حدود هذا

و مل يكن العامل العريب مبعزل عن كل ما حيدث خاصة بعد اتصاله بالعامل الغريب، اتصال أجرب عليه بعد أن

فقد أقوى ركيزة كانت تشعره بفوقيته و ريادته، هذه القوة هي الدولة العثمانية، فبعد اقتسام ممتلكات الرجل

ال بني العرب و الغرب واقع فرض نفسه، و أكد عليه اختالل موازين صار االتص - الدولة العثمانية -املريض

القوى، فمن النقيض إل النقيض صار العامل الغريب سيدا بعد ما كان مسودا، و صار العامل العريب مسودا بعد ما

مبا هو كان سيدا، تلك هي أهم مفارقة لفتت انتباه اإلنسان العريب إىل ثغرات التفكري عنده، و إىل الوعي

.حصيلة جمموعة من الصدمات اليت تلقاها، كان فيها الطرف األكثر ميشا و احملور األكثر اهتماما يف آن

فأما التهميش فيعكسه عدم مشاركته يف صناعة هذه النهضة، رغم ما قيل بشأن حماولة العرب القدماء

ا آخر ما وصلت إليه البحوث الفلسفية و العلمية املسلمني يف األندلس برسم معامل تلك النهضة و اليت أوجزه

املختلفة، و أما مركزيته فتكمن يف حتول أنظار العامل الغريب إليه، نظرة ملؤها الطمع يف أراضيه قصد استغالهلا،

، و جتاوزت األطماع .. استغالال كان سببه التنوع الطبيعي الذي كانت تتميز به، و اتساع مساحاا و ثرائها

إذ حولت أراضيهم الواسعة إىل ساحة للحروب و النزاعات اليت كانت شعار احلربني العامليتني األوىل عندهم

.والثانية، فصارت املفارقة شاسعة بني احلضارتني

كلها إرهاصات لطرق يف التفكري خمتلفة تتمحور حول ضرورة التغيري من أجل إعادة االعتبار هلذا الوجود

مهاله رغم أنه املركز الذي ينبغي احرتام حقوقه، هذا االحرتام ال يشمل مجيع البشر و لكن تكون البشري الذي مت إ

فيه الذات أحق بالتقدير يف مقابل اآلخر الذي ميكن أن يستغل من أجل الذات، و هذا مغزى القول بالذاتية

–يف مقابل الذات املستغلة - الغرب - واملركزية، فاحلركات االستعمارية مثلت أكرب صور االستغالل لفائدة اآلخر

الذي - العرب- من أجل السعي إىل استكمال شروط النهضة و إمكاناا بنهب ثروات هذا الضعيف - العرب

.صار ملكا مستباحا لعدم وجود قوة حتميه أو ترد عنه الظلم

مضادا هلذه النوايا، إذ جتلت و يف مقابل هذا كله كانت احلركات التحررية يف العامل العريب تيارا معاكسا و

و هي تظهر يف صورة الضعيف مهضوم احلقوق و املستغل، و إن كانت -العرب –فيها صور الدفاع عن الذات

املعطيات عكسية إال أا تعكس يف كل حاالا هذا التقديس للذات و املركز، و انطالقا من مجلة هذه املعطيات

سباب و املعطيات اليت أدت إىل ظهور نقد غريب حديث باالنطالق من ميكن طرح إشكالية أساسية تتعلق باأل

واقع جديد أقل ما يقال عنه أنه العصر األكثر طرحا حلقيقة الوعي و الصدمة يف آن و أسباب التعارف واالنفتاح،

تعكس و كذا االتصال بني العاملني العريب و الغريب، يف ظروف اصطلح على تسميتها بالنهضة، مبا هي صورة

.عودة إىل احلياة بعد سبات طويل دام قرون طويلة

فما هي اإلرهاصات اليت أحاطت بظهور النقد األديب احلديث؟ و ما هو واقع النقد العريب احلديث يف ظل -

.هذه الظروف؟ و هل من تربيرات لواقعه؟

تجابة هلا أن ينحو منحى جديدا يف كان للظروف اليت أحاطت بالعامل الغريب أثر كبري، استطاع اإلنسان اس

مجيع ااالت دون استثناء، خاصة ما تعلق األمر فيها باستعادة وجود بشري كان ضائعا و مهمشا و حتت وصاية

سلطات خمتلفة، كانت كلها جتمع على استعباده، و الرتكيز هنا سيكون على جمال من بني مجلة ااالت اليت

ة، سيكون احلديث حول النقد بوصفه صورة تعكس طريقة التفكري اإلنساين وسط أحاطت باإلنسان يف تلك الفرت

.هذا اجلديد الذي حيمله العصر مبستجداته

:في مفهوم النقد-1

استعمال مصطلحالنقد قدمي قدم املعىن العام الذي حييل إليه املفهوم، و تعدد ااالت اليت ارتبط ا، فليس النقد

النقد " نه موضوع يتسع باتساع ااالت اليت تعىن ا وظيفته، و ففي املعىن اللغويموضوع األدب فحسب و لك

متييز الدراهم و غريها كالتنقاد و االنتقاد و التنقد، و نقدها ينقدها نقدا، و انتقدها و تنقدها، و نقده إياها : لغة

فالنا إذا ناقشته يف األمر، و نقد نقدا، أعطاها فانتقدها، قبضها، و نقد الشيء إذا نقده بإصبعه، و ناقدت

الرجل الشيء بنظره، و نقد إليه اختلس النظر حنوه، و نالحظ شدة تقارب معىن النقد األصلي و النقد

.فكالمها يراد به التمييز و الفصل 1"اازي

هو كذلك ال يتعلق و استعمال النقد يف جمال األدب قدمي قدم الكتب النقدية العربية اليت ارتبطت بامسه، و

و النقد يف األدب عبارة قدمية ذكرها " بالنثر أو الشعر فقط، و لكن يطال كل منهما بالتمييز و الدراسة

) هـ337ت (و كانت معروفة قبل عصره بقرنني من الزمان، فابن قدامة ألف نقد الشعر) هـ538ت ( الزخمشري

العمدة يف ( كما أن ابن رشيق أمسى كتابه ) هـ371ت ( ديو ورد لفظ النقد و النقاد يف كتاب املوازنة لآلم

.2..."و غريذلك) هـ463ت ( صناعة الشعرو نقده

و يعود ظهور النقد إىل فرتة زمنية أقدم من ظهور املعاجم، و كان األمر يف املعىن و اللغوي و االصطالحي

و نالحظ أن نقد الشعر و نقد النثر و نقد األدب اصطالحات عرفت يف كتب األدب و النقد قبل " متشاان

فنقد األدب تناوله و دراسته، و النظر فيه، ظهور املعاجم، و أن املعنيني اللغوي و االصطالحي ال خيتلفان،

ومناقشته، و مسات القبح اليت اتضع ا، و نقد األدب، إبراز ما فيه من عيوب و ما فيه من حماسن، و نقد

" األدب إشارة بإجادة ايد و ثلب للمقصر املسيء فالنقد هو العدل باملشاهدة و الفحص ال باألهواء و امليولمع اختالف طرق الوصول إىل .. نقد ارتباطه بالتمييز بني اجليد و الرديء بني احلسن و السيء، فاألصل يف ال3

...هذه األحكام بني الذاتية و النظر و املشاهدة، و بني الدراسة و التحليل

:النقد األدبي-2

ديب جديد على مصطلح النقد األ" و حول مصطلح النقد األديب تتضح املفارقة يف القول بانتماء هذا املصطلح

الساحة العربية، مل تعرفه لغتنا إال يف العصر احلديث بعد االتصال بالغرب، هو ترمجة حرفية للمصطلح الغريب

littéraire criticisme الذي يعين جمموعة األساليب املتبعة مع احتالفها باختالف النقاد لفحص اآلثار

.764، ص 1999، سنة 2ط، -بريوت لبنان -الكتب العلمية ااملعجم املفصل يف األدب، دار: حممد التوجني -1 .764ااملعجم املفصل يف األدب، ص : حممد التوجني -2 .املرجع نفسه و الصفحة نفسها -3

الغامض، و تفسري النص األديب و اإلدالء حبكم عليه، يف األدبية و املؤلفني القدامى و احملدثني بقصد كشف

.4"ضوء مبادئ أو مناهج حبث خيتص ا ناقد من النقاد

و عن تاريخ ظهور النقد األديب، تكاد جتمع البحوث على اقرتاا بالقرن السادس عشر يف إيطاليا، و السابع

يبدو أن املدة الزمنية اليت بدأنا نعرف " ود املصطلح للقرن العشرينعشر يف فرنسا و أملانيا، أما يف العامل العريب، فيع

فيها املصطلح اجلديد تعود إىل مطلع القرن العشرين، و ال شك أن هناك فروقا جوهرية بني املصطلح القدمي

أكثر واملصطلح احلديث تعود إىل طبيعة كل منهما، فالنقد احلديث أوسع دائرة، و أكثر مشوال لعناصر األدب، و

ارتكازا على الثقافات املتعددة، و املعارف املتنوعة، فهو نقد اجتاهات و فلسفات، ينتهي آخر األمر إىل مدارس

نقدية، و يفرض البحث يف فلسفة األدب، و أهدافه و مصادره و وظائفه يف احلياة و يف خصائصه اجلمالية

يعىن بالبيت و البيتني، و ال : و يف معظم أحواله، نقد جزئيات ومبادئه الفنية و أصالته املتميزة، بينما النقد القدمي،

يعىن بالقصيدة كاملة، يغفل التعليل و التحليل ملا يصدر من أحكام، و غالبا ما تكون أحكامه متأثرة باملواقف

.5" الدينية أو املذهبية أو القبلية

احلديث الختالف الصورة اليت ظهر كل و منه صار واضحا هو القول بانفصال النقد القدمي عن النقد

منهما، باالنطالق من مجلة الظروف و األسباب اليت أدت إىل الصورة األوىل و الصورة الثانية، إذ ال تكتفي

باحلكم و لكن تربط القصيدة بقائلها، و تلجأ إىل ما وصل إليه العصر احلديث من انتهاج السبل العلمية

املنقولة الداللة من )نقد(و لعل التوافق العجيب بني اللفظ العريب " ائد دراسة كليةواملوضوعية يف دراسة هذه القص

مييز أو ( املشتق من فعل يوناين قدمي مبعىن ) criticism(متييز الدراهم إىل متييز األساليب، و اللفظ اإلجنليزي

عريب املعاصر، فضال عن أن كثريا جعل من اليسري نقل املفاهيم األوروبية حول مصطلح النقد إىل الفكر ال) حيدد

من األمناط األدبية احلديثة اقتفت آثار اآلداب األوروبية، و إذا كانت املفاهيم الغربية للنقد تلتقي عند كون النقد

األديب يعتمد على فحص املؤلفات و املؤلفني القدماء أو املعاصرين، لتوضيحهم و شرحهم و تقديرهم، فهذا

ات خمتلفة عند النقاد العرب املعاصرين مهما اختلفت اجتاهام النقدية، حبيث ميكن القول املفهوم موجود بعبار

بأن هناك شبه اتفاق على أن النقد هو فن متييز األساليب، كما أن التصورات احلديثة ملفهوم النقد و مهمة الناقد

، 2006، سنة 1ط، -بريوت لبنان –دار االنتشار العريب -املصطلح النشأة التجديد -البالغة و النقد: حممد كرمي الكواز-4 .57ص

.58البالغة و النقد املصطلح النشأة التجديد، ص : د كرمي الكوازحمم -5

ستوقف النقد احلديث كذلك اليت كانت مل تعد كما كانت عليها يف املاضي، و مل تعد املشكالت األساسية اليت ت

.6"تعرتض طريق النقد القدمي

و بالنظر للنقد األديب احلديث صار من املمكن القول بوجود املنهج وسيلة من خالهلا يتم دراسة القصيدة،

و املنهج يف أصله حصيلة جمموعة من الظروف الراهنة اليت انتهى إليها البحث عند فاردناند دي سوسري

Ferdinand de Saussureأما القول باملنهج مطلقا - هذا خبصوص اللغة - و مقاربة األسباب العلمية

فاألمر يتعلق بكل املناهج اليت ظهرت يف العصر احلديث واليت لت من علوم قائمة بذاا و األمر خيص علم

فإن مناهج النقد األديب ..." يةالتاريخ و علم االجتماع و كذلك علم النفس مبا هو حصيلة البحوث الفرويد

تعددت و اختلف الوصول إىل غاياا تبعا الختالف الزاوية اليت انطلق منها كل اجتاه، و هذا االختالف ال يعين

بطبيعة احلال نسخ الالحق للسابق من هذه املناهج، فالسابق له أصالته و أمهيته التأسيسية ألي فكر الحق،

و أمهيته باكتشافه أدوات جديدة ووسائل نقدية متكنه من االقرتاب أكثر من كنه والالحق أيضا يكتسب قيمته

العمل األديب و فك شفراته و اإلمساك مبكوناته و قوانينه اليت حتكمه، فاملناهج النقدية هي نتاج ثقايف و نقدي

منهج منحى خمتلفا مرتاكم قد تتآزر مع بعضها يف فهم النص األديب و مقاربته و قد تتوازى حبيث يأخذ كل

.7"ومتميزا عن غريه من املناهج ليكتسب خصوصيته و استقالليته

و من هذا املنطلق كان النقد األديب احلديث صورة موعة من الظروف و األسباب اليت أسست لعصر

النهضة، مبا هو إميان مببادئ تقدمية يف منهجها و لكنها يف اآلن نفسه غري مفصولة متاما عن املاضي، املاضي

تلقى العامل العريب كل معطياا بوسيط االتصال اليوناين يف العامل الغريب، إذ على أساسها كانت البداية، و قد

اجلربي الذي فرضته احلركات االستعمارية، و ضرورة االنفتاح اليت أوجزا الصدمات الثقافية، فما هي هذه

.الظروف و األسباب؟

:إرهاصات النقد العربي الحديث-1

يب احلديث، و ذلك من خالل اطالعه على كان لالنفتاح على جديد العامل الغريب األثر الكبري على النقد العر

theلقد خضع النقد يف اجنلرتا يف عصر النهضة " آخر ما وصل إليه النقد يف بيئته، فـ

renaissance لالجتاهات النقدية السائدة يف أوروبا، و خباصة يف إيطاليا يف القرنني الرابع عشر و اخلامس

.59املرجع نفسه، ص -6

.2د ت د س ص –غزة –دراسات يف النقد األديب احلديث، جامعة األزهر : حممد صالح زكي أبو محيدة -7

، و إعادة 8"يد للرتاث الفكري الذي ساد اليونان و إيطاليا قدمياعشر، و إننا نعين بعصر النهضة ذلك البعث اجلد

بعث الرتاث اليوناين بدأت جبمع خمطوطاته املكتوبة باللغة اليونانية القدمية، فبدأت على إثرها أوروبا تتجاوز مرحلة

) Pétrarque )1304-1374فلقد بدأ برتارك " القرون الوسطى انطالقا من إعادة بعث تراثها اليوناين

جيمع املخطوطات الالتينية يف ذلك العصر، تلك املخطوطات اليت حافظ عليها أهل أوروبا إبان القرنني التاسع

والعاشر، و لقد تطرق البحث إىل املكتبات املهجورة و األديرة و غريها من األماكن األثرية، و ذا خرجت

ة إىل النور، و كذلك أيضا مؤلفات الكثري من الظلم Quintilienو كونتيليان ciceroكتابات شيشرون

من الشعراء و الكتاب و املؤرخني و اخلطباء، و قرب اية القرن الرابع عشر وصل العامل اليوناين مانويل

إىل فلورانسا و أخذ بعلم لغته اليونانية هناك، مث تواردت املخطوطات manuel chrysolorasكريزولوراس

.9"طاليا بكثرة غري معهودةاليونانية بعد ذلك إىل إي

فكانت الثقافة اليونانية ركيزة متينة قامت عليها احلضارة الغربية، و على أساس هذه املخطوطات وباقرتاب

و مل يقتصر هذا الذوق " القرن اخلامس عشر بدأت تتشكل معامل االجتاه النقدي، و تظهر بعض اآلراء يف النقد

ة فقط بل تعداه إىل أمور احلياة و مشاكل العامل و االجتاهات الفكرية بوجه عام، و لقد الفين على النواحي األدبي

تعرضت هذه الدراسات اليونانية للطبيعة البشرية و أفاضت يف احلديث عن الناحيتني الفكرية و اخللقية، و متركزت

، و إعادة 10" املخلوقات هذه الدراسات حول اإلنسان و عظمته و قوة فكره مما ميزه عما عداه من سائر

.االعتبار للتاريخ اليوناين من طرف أهله، كان جزءا من جهود كثرية قام ا العامل العريب أيام ازدهاره يف األندلس

ففي الوقت الذي ركز فيه العامل الغريب يف مرحلة النهضة على إعادة إحياء الرتاث اليوناين مركزين على

بل ذلك ترمجة أعمال اليونانيني من طرف العامل العريب و تطوير علومهم خاصة يف جمال اجلانب األديب، متت ق

وابن al Ghazaliو الغزايل Fârâbîفلقد أضاف علماء العرب و فالسفتهم أمثال الفرايب " الفلسفة و الطب

و يرجع الفضل الكثري ملا سبق أن عرفه العرب عن الفكر اليوناين، Averroèsو ابن رشد Avicenneسينا

للعرب يف هذا املضمار يف القيام حبركة شاملة حنو تنسيق االجتاهات الفكرية السائدة حينذاك فأصبح للمعرفة بشىت

مكتبة النقد –مكتبة األجنلو مصرية مذاهب النقد و نظرياته يف أجنلرتا قدميا و حديثا، اجلزء األول، : فائق مىت إسحاق -8 .49، ص -القاهرة -األديب

.80املرجع نفسه، ص -9

.81مذاهب النقد و نظرياته يف أجنلرتا قدميا و حديثا، ص : فائق مىت إسحاق -10

نواحيها هدف معني و إطار حمكم األوصال و منهاج قومي نسج على منواله علماء الغرب و فالسفتهم حينما

.11"ميالدية 710لألندلس سنة انتقل الفكر العريب إىل أوروبا بعد فتح العرب

و قد نقلت هذه العلوم بعد ترمجتها إىل العامل الغريب عن اللغة العربية أثناء احلضارة اليت أقامتها يف األندلس

عصر ازدهار العرب و املسلمني يف جمال العلوم و الفلسفة، فكانت قرطبة عاصمة استقبلت الطلبة الوافدين

حضارة ال تقوم على الرفاهية و الراحة فقط و لكن من أجل وضع ركيزة صلبة تستمر من عليها، من أجل حتقيق

خالهلا احلضارة اإلسالمية و يكتب لعلمائها اخللود، و لكن مل يستمر األمر م حىت حتولت أحالمهم يف القيام

ض لصاحل العدو املسيحي، حبضارة تكون مركزها اخلالفة اإلسالمية إىل أوهام أدى إليه التحالف ضد بعضهم البع

إىل حني مت تقدمي األندلس هلم بعدما صارت أرضها جنة، و ارتقى التفكري فيها و صارت النهضة قد قاربت

ظهورها، حىت استحال كل شيء يف األندلس إىل الصليبني و هرب من تبقى من املسلمني ليحافظوا على حيام،

تنجلي معاملها، و بقيت جمرد حرب على ورق ضاعت معظم فانتهت احلضارة العلمية يف األندلس قبل أنت

.صفحاته و أخذ بعضها اآلخر

و عودة إىل بدايات النقد عند الغرب، كانت بداياته غري واضحة متاما، سبب ذلك التشتت الذي كان

فكان الرتكيز منصبا يعيشه الفكر الغريب يف تلك الفرتة، و كذلك ألن املعطيات اجلديدة مل تتحدد معاملها جيدا،

بداية األمر على الفنية و مدى مالءمة املوضوع و كذا البعد عن الغموض و اإلام قدر املستطاع، هذه املالمح مل

فاهتم ... تتضح رغم حماوالت بعض النقاد يف تلك الفرتة احلديث عن حماور مهمة كالبالغة و الزخرفة الفنية

رون و جويل ضد شيشرون، و كانت أعمال توماس ولسون حول فن توماس إليوت مبوضوع البالغة مع شيش

.12البالغة و كذلك روجر إشكام إذ تعرض ألساليب الكتابة باإلضافة إىل األساليب الرتبوية

و رغم كل هذه احملاوالت ظلت كلها تدور حول تقييم النقد، ال البحث عن أبعاده الفنية و اجلمالية، ذلك

و طبيعي أن جند النقد يف هذا العصر ينحو ناحية " ل اجتاه عادة ما تتسم ذه السمات الذاتيةأن البدايات يف ك

نفعية باإلضافة إىل أهدافه اخللقية، فلم يقدر األدب على أساس اجتاهاته الفنية و اجلمالية بل إن تقدير األدب قد

إلنسان، و قوته يف مران املرء و إعداده للحياة احنصر يف دائرة عملية نفعية ضيقة كأثره على الناحية اخللقية يف ا

.82املرجع نفسه، ص -11 .82مذاهب النقد و نظرياته يف أجنلرتا قدميا و حديثا، ص : فائق مىت إسحاق-12

، و فكرة النفعية نابعة يف األصل من اعتماد 13" العملية، و تلك هي خالصة اجتاهات النقد يف عصر النهضة

مل يعد يسعى النقد إىل البحث عن العيوب و مل يعد " العقل وسيلة من خالهلا يتم احلكم على األعمال األدبية، فـ

نقد ( ص املؤلفات الفكرية فحصا تافها و هزيال يف بعض األحيان، إنه حسب شاتوبريان نفسهعمله أن يفح

.14" مواطن اجلمال

فكانت الظروف السياسية و االجتماعية سببا يف ظهور نقد جديد خمتلف، متيز خبصائص و عناصر أدت إىل

لنقد األديب يف الوقت نفسه حيث سيخلق لقد أنشئت اعتبارا من ذلك احلني األسس العقائدية ل" هذا اجلديد

التطور السياسي و االجتماعي أوضاعا مالئمة لنشأة النقد احلقيقي على أنه فن خاص بل و أبعد من ذلك

باعتباره مهنة، إن ما كان ينقصه حسب رأي تيبوديه يف احلياة العامة و خاصة يف احلياة األدبية وجود جهازين

لقرن التاسع عشر، جهاز الصحفيني و جهاز األساتذة، و لقد أخذت الصحافة إبان كبريين تزداد أمهيتهما يف ا

الثورة مظهرا مياثل ما نعرفه اآلن، كما أنشأ نابليون اجلامعة، و لقد ابتدأ فعال عصر النقد حيث شرع الصحفيون

.15"ريةواألساتذة بعد االستبدادية االمرباطورية بالتفكري و التكلم و الكتابة يف شيء من احل

و باإلضافة إىل ما ذكر سابقا حول احلرية اليت فرضتها الصحافة و الطباعة بوصفهما صور للنهضة أحدثت

اجلديد و االنقالب يف عصر النهضة، كان أيضا للجديد الذي طرحته احلياة، و الذي انعكس يف فنون األدب

لنقد و حددت مبادئه، و األمر هنا يتعلق جبملة املختلفة و اليت ظهرت استجابة للعصر، و على أساس تغري ا

و هناك فنون أدبية ميكن أن تنسب إىل هذا العصر خبصائصها الفنية اجلديدة، " الفنون اليت أصبحت جماال للشعر

و استطاعت أن حتتل منزلتها يف عامل األدب و أن تربز بروزا مشهودا بني فنونه املعروفة و أن جند من األدباء تطلعا

ها و غايته ا، و استطاعت يف وقت قصري ال حيسب يف أعمار األمم أن تصل إىل الذروة أو تقارا من حيث إلي

.16" االزدهار و النضج الفين يف نظر كثري من النقاد

و خبصوص األنواع اجلديدة، ظهر الشعر السياسي و كذا االجتماعي و هي أغراض جديدة اقتضتها

جمموعة من الظروف تتعلق معظمها باحلياة اليت أصبح يعيشها العامل العريب على إثر احلركات االستعمارية و صور

.91نفسه، ص املرجع -13

، 2: ط -بريوت باريس -جورج سامل، منشورات عويدات: فيين سامل، مراجعة: النقد األديب، ترمجة : كارويل و فيللو -14 .22، ص 1984

.23املرجع نفسه، ص -15 .16ص ،1983، مزيدة و منقحة، 3:ط -الرياض –التيارات املعاصرة يف النقد األديب، دار املريخ للنشر : بدوي طبانة -16

تتعدى مسألة الفنية و اجلمالية، و إىل االضطهاد و الظلم، و كلها يقتضي للتعامل معها سبل جديدة يف النقد

...جانب هذه األغراض الشعرية ظهرت فنون نثرية جديدة يف مقدمتها القصة و بعدها الرواية

و جممل القول، يرتبط النقد العريب احلديث بالتيارات الفكرية الغربية على اختالفها، فكانت النهضة مبا هي

على العديد من املستجدات، صدمة أصابت العامل العريب فأيقضته بدوره من صورة لوعي الفكر الغريب ما أحاله

وهم االنتساب للخالفة العثمانية و من ختلفهم الذي جره احلكم العثماين، و هو يف نفس الوقت فرصة مبا مسحته

د العرب احلركات االستعمارية من هجرة و ترمجة لعلوم أهلها ، و أصحاا و يف القول كذلك إشادة مبجهو

القدامى يف األندلس الذين كان هلم الفضل يف التوسط بني احلضارة اليونانية و الغربية احلديثة، من خالل ترمجام

ألعمال الفالسفة اليونان و ما أضافوه بدورهم من أفكار كانت تطويرا مل ما قيل يف احلضارة اليونانية، فكان

إرهاصات للصورة اجلديدة اليت صار يكتسيها النقد مبا هو طرق لسبل االنقالب اجلذري الذي أنبأت به النهضة

.خمتلفة عن التقييم الذايت الذوقي الذي ال ينتسب ألي تيار أو اجتاه

و القول ذه اإلرهاصات هو طرق مل املرجعيات املباشرة اليت استقى منها النقد آلياته اإلجرائية اجلديدة يف

ذي مت حتريره من ظلمات القرون الوسطى و من استعباد الكنيسة اليت كبلته قرون عديدة كان سبيل خماطبة العقل ال

...فيها اإلنسان عبدا لعامله املاورائي

:نصوص و تطبيقات

وظيفة النقد األديب و غايته، كما أوضحنا يف هذا الكتاب، تتلخص يف تقومي العمل األديب " يقول سيد قطب

، و بيان قيمته املوضوعية، و قيمه التعبريية و الشعورية، و تعيني مكانه يف خط سري األدب، من الناحية الفنية

وحتديد ما أضافه إىل الرتاث األديب يف لغته، و يف العامل األديب كله، و قياس مدى تأثره باحمليط، و تأثريه فيه،

النفسية اليت اشرتكت يف تكوينه وتصوير مسات صاحبه و خصائصه الشعورية و التعبريية، و كشف العوامل

.17" والعوامل اخلارجية كذلك

انطالقا من النص، ما الفرق بني النقد يف صورته القدمية، و اآلخر الذي حياول رسم حدوده سيد قطب يف - *

هذه العبارات؟

.7، ص 1990-هـ 1410، 6:ط -القاهرة -النقد األديب أصوله و مناهجه، دار الشروق: سيد قطب-17

و ال شيئا من ليست غاية العمل األديب إذن أن يعطينا حقائق عقلية، و ال قضايا فلسفية، " و يقول كذلك

هذا القبيل، كما أنه ليس من غايته أن حيقق لنا أغراضا أخرى جتعله حمصورا يف نطاقها مصبوبا يف قوابلها، ليس

األدب مكلفا أن يتحدث مثال عن صراع الطبقات، و ال عن النهضات الصناعية، كما أنه ليس مكلفا أن يتحول

الكفاح السياسي و االجتماعي يف صورة معينة من الصور إىل خطب وعظية عن الفضيلة و الرذيلة، و ال عن

الوقتية الزائلة، ذلك إال أن يصبح أحد هذه املوضوعات جتربة شعورية و خاصة لألديب، تنفعل ا نفسه من

.18"داخلها، فيعرب عنها تعبريا موحيا مؤثرا

وصفه بالعمل اإلبداعي؟ األديب حىت جيوز/ ما هو احملور األساس الذي يدور حوله النص اإلبداعي - *

.12املرجع نفسه، ص -18

ساعة و نصف :المدة

)لسانس ل و د (طلبة السنة الثانية : الفئة المستهدفة

:تمهيد

يعلن عصر النهضة عن اختالف ركائز التفكري و مبادئه، و تكون املستجدات السابقة الذكر أهم العوامل اليت

أعلنت عن استيفاء عصور بأكملها مت إدراجها ضمن دائرة التخلف و الرجعية و املاضي الذي ينبغي جتاوزه من

الوسطى، و بعث األمل من جديد بوساطة أجل حتصيل حاضر أفضل خمتلف، إذ بإمكانه تبديد ظلمات القرون

الديين، و ألنه الشيء ينطلق من / نور العقل البشري، كان ال بد من البحث عن بديل حيل حمل التفكري املاورائي

فراغ كانت احلضارة اليونانية وجهة رواد عصر النهضة حبثا فيما خلفه فالسفتها، و مل يكن األمر مباشرا إذ كان

طا من خالل الرتمجات اليت قاموا ا هلذا الرتاث اليوناين القدمي خاصة كتب أرسطو علماء العرب وسي

Aristoteو أفالطونPlaton زعماء الفكر اليوناين...

فتعلق األمر يف البداية بالفكر و التفكري و إرساء مبادئ معينة ملنظومة فكرية قوامها العقل و املنطق مبا مها

دليل اإلنسان و مرشده، و هذه أفكار لطاملا ارتبطت بأرسطو إذ ركز عليها بالبحث، و كان املنطق الصوري

امل منظورا إليه بطريقة خمتلفة ال عالقة له فيها بالتصور خالصة ما انتهت إليه البحوث الفلسفية آنذاك، فصار الع

املاورائي، و لكن للعقل منهج يف التقصي ميكن من خالله التفسري و البحث و بعدها الوصول إىل نتيجة، هذه

النتيجة هي صورة لليقني الذي ينشده اإلنسان و يسعى قصارى جهده من أجل الوصول إليه و حتقيق الراحة

.ليت ينشدها العقل، فتجيب عن األسئلة اليت تشوش تفكريهالنفسية ا

و مل يبق األمر متعلقا بعمليات ذهنية عقلية، و لكن جتاوزت كل هذا لتقارب الواقع و العامل احلسي واملادي،

ل العقل و الواقع من أج/ و كل هذا بشر مبيالد البحث العلمي التجرييب الذي يرى ضرورة املطابقة بني الفكر

حتقيق البعد املادي، و كان االنطالق من سبل التفكري هذه كفيل باإلعالن عن اية مرحلة تارخيية كان االعتقاد

المحاضرة الثانية-2

-2مدخل إلى النقد العربي الحديث

فيها سائدا حول العامل املاورائي، و البحث يف سبل التفكري هذه يهدف إىل مقاربة مناهل و مرجعيات النقد

يت حتكم يف مصريها اجلديد الذي أعلن عنه عصر النهضة العريب احلديث الذي كان جماال من بني مجلة ااالت ال

.مبا هو انفتاح على كل احلضارات و العلوم و هو يف الوقت نفسه ختلص من سيطرة كانت تكبل الفكر و تعيقه

فكانت املعرفة بابا واسعا دخل منه النقد تفكريا أكثر وضوحا و موضوعية، بعيدا عن كل أشكال الذوق

فكانت أوىل مستجدات النقد ارتباطه مبفهوم املنهج بعدما صار للعقل منطق خاص به يتمثل ... والتذوق الفين

تكون حصيلة جمموعة من األسباب، فكان يف جمموعة خطوات يراد الوصول من خالهلا إىل نتيجة، هذه النتيجة

الضبط هو أوىل األهداف اليت عمل النقد على حتقيقها يف عامل األدب و العلوم اإلنسانية، فتقاربت بوساطة

املنهج العلوم الطبيعية و العلوم اإلنسانية و صارت سبل الوصول عند كليهما متشاة، يكون العقل هو أساسها،

.مضبوطة بوصفه منظومة حمددة و

و رغم اختالف العلوم الطبيعية و العلوم اإلنسانية لكون هذه األخرية أكثر ارتباطا باألرواح، إال أن العقل يف

النهاية كان وسيطا يف اإلحساس و الشعور و كذا أساسا يف الذوق، فال خيلو التفكري يف هذه الفرتة من اعتماد

لوم على اختالفها، علوما طبيعية كانت أو إنسانية، و تأكد االرتباط العقل، و منه جرى التقريب بني سائر الع

التام بني هاذين الطرفني نتيجة انتهت إليها البحوث اللغوية عند فاردناند دي سوسري، حيث أكد انفصال علم

فصارت للغة اللغة عن خدمة العلوم األخرى، إذ هي علم قائم بذاته ال يهدف إال خلدمة اللغة يف ذاا و لذاا،

.سبل يف التحليل تقارب سبل التحليل العلمية

وكانت آراء سوسري فتحا عظيما دخل العامل من خالله تصورا جديدا خمتلفا للغة استثمرته البحوث النقدية

سانية فيما بعد، و صار املنهج رفيقا دائما للغة شأنه يف ذلك شأن باقي العلوم، و يف املقابل انفصلت العلوم اإلن

كل ميلك ما يثبت علميته ...عن بعضها البعض، فكان علم النفس و علم االجتماع و علم للتاريخ و آخر للفلك

و انفصاله عن غريه، و رغم عدم وضوح معامل التفكري الفلسفي و العلمي يف بداية عصر النهضة إال أن األمر

حىت صار أداا و وسيلتها يف املقاربة، فتكون اختلف فيما بعد و تدرج تعلق املنطق و العلم ذه ااالت

اإلشكالية يف اية هذا التمهيد متعلقة باملرجعيات اليت أسست لنقد عريب حديث، تراوحت ظروفه بني الفلسفية

.و العلمية و كذا ضرورة التبويب بوساطة املصطلح

اختالف صورته؟ و ماذا يقصد بالتيار فما هي املرجعيات اليت أحاطت بالنقد األديب احلديث و اليت أدت إىل-

العلمي و كذا الفلسفي الذي ارتبط به التفكري النهضوي؟ و مباذا ترتبط قضية املصطلح كما ظهرت يف العصر

.احلديث؟

كلها مستجدات انتهت إليها مجلة التغريات اليت مر ا العامل بعد مرحلة الضعف و االحنطاط أيام القرون

مبا حتمله هذه الكلمة من داللة renaissanceزامنا مع عصر اصطلح على تسميته بعصر النهضة الوسطى و ت

على اخلروج من دائرة الغموض و اإلام إىل علم تضبطه حدوده و قوانينه،ـ إذ ينفصل عن كل تفسري أسطوري

العامل من خالهلا بقي خميفا و بقي كان ميأل الفجوة بينه و بني واقعه و رغم االعتقاد باملنظومة األسطورية إال أن

اإلنسان عبدا إلرادات ما ورائية خارقة رغم ما يزحزح هذه االعتقادات من حلظات يتدخل فيها العقل، عقل مت

جتميده و تقييده جبملة من االعتقادات املضللة و املموهة، إال أن االستيقاظ و الفتح على يد رواد النهضة من

.لكنيسة و قوانينها و قالوا بإمكانية حترير اإلنسان عن طريق سبل العقل و العلممفكرين قادوا ثورة ضد ا

: التيار العلمي-1

فلم يعد الدارس يكتفي باملعاين اللغوية، " أصبح للنقد مناهج خاصة به متيزه و حتدد له حيزا وسط باقي العلوم

كنه جاوز ذلك إىل منهج عريض عميق، يعترب األدب و النكت النحوية ، و الصور البيانية لأللفاظ و الرتاكيب، ل

مثرة طبيعية لشيئني، البيئة و األديب و يريد بالبيئة أهم ما حتمل من معىن، لتشمل مجيع املؤثرات الطبيعية،

والصناعية، و السياسية و االجتماعية و العلمية و الفنية اليت توافرت لشعب ما يف عصر من العصور فكانت

.19"ية و تربته الصاحلة لنضج األدب و غرس األدباءعوامله األدب

مل يكن سوى بوابة من خالهلا دخل النقد عامل املوضوعية و العلمية و قد St.Beefوعمل سانت بيف

جنح أكثر من غريه يف تربير وجود النقد العلمي " إذ Hippolyte tinأسهم يف إرساء دعائمها هيبوليت تني

ب أن ال حنكم إال باسم مقاييس موضوعية، و أن نبحث بال كلل عن املميزات و األسباب و يف رسم مبادئه، جي

و مع ذلك فإنه مل يكن إال مثاليا مشغوفا بالتجريد، و فكرا نظريا نظاميا قليل القدرة على املالحظة الدؤوبة

اعية، و ال أي مفهوم جدي عن الدقيقة ، و ال جند يف نقده، بالرغم من الظواهر، إي إملام جمد بالسببية االجتم

.35النقد األديب، ص : كارلوين و فيللو -19

، فكان سانت بيف وهيبوليت تني أوىل النقاد الذين أرسوا دعائم العلمية و املوضوعية إىل 20" السببية النفسية

عامل النقد يف العصر احلديث و حماوالم مل تكن سوى البداية اليت أعقبتها جمهودات أخرى أدخلت النقد يف

.كل العلوم و املعارف يف هذا العصرجمال العلم و جعلت منه جماال ل

فارتبط النقد يف بدايته بباقي العلوم اليت ظهرت يف عصر النهضة، و كان يؤدي وظيفة خلدمتها و تعلق األمر

و أساس هذا االرتباط هو االعتقاد بانعكاس األدب نتيجة حالة نفسية ... يف بدايته بعلم النفس و علم االجتماع

هانكان يعترب النقد بوجه خاص وسيلة لتحليل حاالت نفس " ورد األدب هلذه األسباب، فـ.. امعينة أو واقع م

لدى فرد أو بيئة، إننا نستطيع أن نتساءل لو قبلنا هذه النظرة إال أن تسمح املعرفة املسبقة لظروف األثر بإيضاح

طقية، خاصة و أن األثر وحده ال أكثر واقعية لألثر األديب، على كل حال فإن حركة جدلية قد تكون أكثر من

يستطيع أن ميدنا باملعلومات عن نفسية الكاتب، إن علم النفس التحليلي قد أدرك ذلك، و هناك كثري من

التحفظات حول علم النفس االجتماعي الذي ورثه هانكان عن تني، و الذي منعه أن يرى تنوع الطرائف اليت

. "21موعة من الناس هو رسوهلا احلي و الشاهد عليهايعرب ا الكاتب عن وؤية العامل اخلاص

بعد Descartesوالبحث يف التيار العلمي هو إحالة مباشرة ملفهوم املنهج كما أشار إليه ديكارت

يف مقابل أرسطو و علم العصور الوسطى، صار للكواكب تاريخ، و أصبح " استثمار الفالسفة اليونانيون القدماء

، أصبحت البقع الشمسية أيضا تارخيية، و انتهت فكرة أرسطو عن النجوم اخلالدة، و غري القابلة للكون تاريخ

للفساد و السموات اخلالدة، و افرتض ديكارت خلق الكون من احلركة و تركز املادة، و استعاد ديكارت فكرة

عامل سفلي متغري و آخر علوي خالد، جاليلو عن العامل الواحد، أي فكرة العامل املتغري من دون تقسيم العامل إىل

و القاعدة الثالثة من قواعد هلداية الروح عن العالقات بني احلدس و االستنباط حتلل ما نقدر أن نستخلصه من

القدماء، و قد اكتشف ديكارت أن قراءة القدماء ال تنفع من دون منهج كما اكتشف أن علماء الرياضيات

جا مبعىن أم كانوا يكتشفون خواص الدوائر، متثيال ال حصرا، الواحدة تلو األخرى، القدماء كانوا ال ميتلكون منه

.49املرجع نفسه، ص -20 .64-63النقد األديب، ص ص : كارلوين و فيللو -21

" من طريق حيل بعينها، لذلك كان هدفه يف اجلزء الثاين من خطاب يف املنهج، صياغة املبادئ اجلديدة أي املنهج22 .

على املعتقد و صار للعقل عندما انتصر العلم Kantوفكرة الوصول إىل منهج كانت وجودا أكده كانط

سبل أخرى للتفكري غري السبل العقيمة اليت كانت متليها الكنيسة، فبحث كانط يف خطأ املعتقد و زيفه مقارنة

كان يسود القرن السابع عشر نوع من الشك الذي مارسه مونتاين " باملنهج الذي ارتبط مبعايري علمية

montaigne لعقل و االعتقاد حيث كان االعتقاد غري عقلي بطبعه، يف كما ساد ذلك القرن التناحر بني ا

ضوء ذلك، كان طموح ديكارت الصريح هو أن يعيد بناء الفلسفة، يف كتاب األوملبيكا روى الكواليس اليت كانت

تطارده و األشباح اليت كانت تطارده يف الكنيسة، و كانت هذه األشباح تشري إىل اخلطأ الذي كان يضايقه، من

ستخلص ديكارت قواعد املنهج هلداية الروح العلمي و صاغ مقاييس الصواب و اخلطأ، و مقياس استخراج هنا ا

.23" الصواب من اخلطأ، و قد قصد بذلك أن يضيف نظاما جديدا للتحوالت اليت طرأت منذ ثالثة أجيال

سابق عهده، و صار ميلك وكلها روافد و مرجعيات سامهت يف صبغ النقد األيب احلديث صبغة خمتلفة عن

.آليات منهجية حتيل إىل انتمائه و انفصاله عن علم معني

:التيار الفلسفي -2

حتتل املرحلة الفكرية صدارة عصر النهضة مبا هي إعادة إحياء الرتاث اليوناين و األفكار اليت انتهى إليها

أرسطو، و مبادئ املنطق الصوري و أساس القول بالعقل املنطقي عند أرسطو هو مبدأ عدم التناقض، و قبل

اجلديد الذي أضافه ديكارت إىل سبل الوصول إىل التفصيل يف مسألة مبادئ العقل املنطقي، وجب اإلشارة إىل

احلقيقة، فإىل جانب وقوفه مع السبل و اخلطوات اليت أقرها أرسطو من قبل، إذ قال مبنهج الشك طريقا للوصول

للبحث عن احلقيقة يلزمنا، و لو مرة واحدة يف " إىل احلقيقة و هو ما اصطلح على تسميته بالكوجيتو الديكاريت

.24" نشك يف مجيع األشياء، ما أمكننا الشكحياتنا، أن

-اهليئة املصرية العامة للكتاب -حبث يف إسهام رشدي راشد –و حتديث تاريخ العلوم تاريخ العلوم العربية :وائل غايل -22 .60، ص 2005 -القاهرة

.60، ص -حبث يف إسهام رشدي راشد –تاريخ العلوم العربية و حتديث تاريخ العلوم :وائل غايل -23

نصوص خمتارة، افريقيا -العايل، الفلسفة احلديثةحممد سبيال و عبد السالم بن عبد : الشك املنهجي،من كتاب: ديكارت -24 .47، ص 2010، 2:، ط-املغرب -2000شرق

فيكون الشك أساس يف الوصول إىل احلقيقة و ال ميكن الوصول إىل الصدق ما مل منر باخلطأ مرحلة ضرورية

يف أنه من املفيد أيضا أن ننعت باخلطأ كل ما كان حيتمل الشك بل من املفيد جدا أن ننعت باخلطأ " يف الشك

أقل داع للشك، و ذلك حىت ميكننا، لو تأتى لنا اكتشاف بعض األشياء تظهر لنا بيئة كل ما تصورنا فيه

، و باالنطالق من الشك 25" الصدق، بالرغم من احتياطنا هذا، اعتبارها أكثر األشياء يقينا و أيسرها معرفة

كن جيب أن و ل" يكون العقل هو الفاصل يف حقيقة هذه القضايا و موضحا ملواطن اليقني و الصدق فيها

يالحظ أي ال أقصد أن تستخدم هذه الطريقة الشاملة يف النقد، إال عند شروعنا يف النظر يف احلقيقة، إذ من

املؤكد أنه فيما يتعلق بتوجيه حياتنا، كثريا ما يلزمنا اتباع آراء هي راجحة فقط، و ذلك ألننا لو حاولنا التغلب

علينا دائما فرص العمل، و كذلك، عندما تتعدد اآلراء الراجحة على كل شكوكنا، لكان يف ذلك ما يكاد يفوت

يف موضوع واحد وال نستطيع ترجيح الواحد منها على اآلخر، يقضي العقل باختيار أي واحد و إتباعه بعد ذلك

.26" على أنه يقيين أكرب اليقني

ق القول بالكوجيتو، و هي سبل وقد ربط بني الوجود و التفكري و ضرورة اقرتان كل طرف باآلخر عن طري

إن كوين أرى " يسعى من خالهلا ديكارت للوصول يقينا إىل احلقيقة اليت ال حتتمل الشك، بعد الشك فيها أوال

الفكر شاكا يف حقيقة األشياء األخرى يقتضي اقتضاء بديهيا و يقينيا أىن موجود، يف حني أنين توقفت عن

حقيقيا ملا جاز يل أن أعتقد أنين موجود إىل أي مكان و ال يعتمد على التفكري و كان سائر ما كنت تصورته

شيء مادي، مبعىن أن النفس اليت تقوم متميزة عن البدن هي أيسر منه معرفة، و أنه لو مل يكن اجلسم موجودا

.27"على اإلطالق، لكانت النفس موجودة بتمامها

يس إال تثمينا ملا جاءت به البحوث األرسطية من قبل حول والقول بالشك طريقا يف الوصول إىل احلقيقة ل

سبل الوصول إىل احلقيقة، و رغم كل احملاوالت للتأسيس ألسس و مبادئ املنطق الصوري يعزى فيه الفضل

إن علم املنطق بدأ مع أرسطو كامال و منتهيا، و للعلم أن املنطق األرسطي، تصدى للرد " للمعلم األول أرسطو

ائيني إذ يأخذ مسلمام كما هي و حيوهلا إىل صور منطقية يف شكل مقدمات و نتائج يرغمهم على السفسط

.48املرجع نفسه، ص -25نصوص خمتارة ، ص -حممد سبيال و عبد السالم بن عبد العايل، الفلسفة احلديثة: الشك املنهجي،من كتاب: ديكارت -26

48. -نصوص خمتارة –الفلسفة احلديثة : ب حممد سبيال و عبد السالم بن عبد العايلنقد العقل اخلالص، عن كتا: إميانويل كانط -27

.51، ص

، و ال يستقيم هذا املنطق إال باالعتماد على 28" على التسليم ا و هو ما يعرف يف املنطق األرسطي بالقياس

.دم التناقض و الثالث املوفوعجمموعة أسس أوهلا مبدأ اهلوية و ثانيها مبدأ العلية و السببية و احلتمية و ع

فموضوع املنطق الصوري، هو " وعلى كل، يقوم املنطق على قوانني يتحرى من خالهلا عدم الوقوع يف الزلل

أن يضع القواعد اليت جتعل الفكر متفقا مع ذاته، و ال يتناقض مع هذه الوقائع اليت وضعها بذاته، و بالتايل، فهو

و القواعد اليت حيتاج إليها الفكر لكي يستطيع أن يصل من مقدمات إىل نتائج صحيحة يبحث يف أي القوانني

، فالتناسق و االنسجام هو أساس الرتتيب يف الوصول إىل النتائج انطالقا من 29"بواسطة املقدمات نفسها

.األسباب اليت متنع الفكر من الوقوع يف التناقض

: المنظومة المصطلحية-3

لق بقيام نظرية معرفية و منهج علمي، فاألمر يقتضي منظومة مصطلحية تضمن حقوق مبا أن األمر متع

التخصص، و حتديد املصطلح عمل يقتضي يف حد ذاته تتبعا ملراحل اللفظة و املفاهيم اليت ارتبطت به قصد

منهج البحث يقتضي التحديد، و الكشف عن املالبسات اليت متر ا" ختصيصه ليالئم حقل التخصص فـ

املفاهيم أو املصطلحات، فرز املراحل اليت تشكلت فيها داللة املصطلح أو اختذت هلا مسات حمددة، لذلك ال بد

، و منه صار البحث جاريا عن 30"من الوقوف على اجلذر اللغوي، و االنطالق منه إىل إشكال الداللة األخرى

و النقد يف حقيقته تعبري عن موقف " يقتهمصطلحات ميكن إدخاهلا ضمن املفهوم النقد عامة، انطالقا من حق

كلي متكامل يف النظرة إىل الفن عامة، أو إىل األدب خاصة، يبدأ بالتذوق، أي القدرة على التمييز، و يعرب منها

إىل التفسري و التعليل و التقومي، و هي خطوات ال تغين إحداها عن األخرى، و هي متدرجة على هذا النسق،

31" جا واضحا، مبنيا على قواعد جزئية أو عامة، مؤيدا بقوة امللكة بعد قوة التمييزكي يتخذ املوقف.

" ولتحقيق أهداف ختدم التخصص صار املصطلح أكثر إشكالية يتناوهلا كل جمال قبل أن تقوم له قائمة

الغوص يف حبره الزاخر، أداة ال غىن للمرء عنها إذا ما أراد اخلوض يف خضم الفكر و -بعامة - لقد بات املصطلح

يف زمن تطورت فيه أمناط احلياة اإلنسانية و رحبت أفاق الفكر و تنوعت اختصاصاته، و تعددت وسائل التواصل

.13ص 2011 -اجلزائر -مبادئ عامة يف املنطق، دار هومة للطباعة و النشر و التوزيع: لعموري عليش -28 .34مبادئ عامة يف املنطق، ص : ، لعموري عليش -29 .11، ص -املصطلح النشأة و التجديد- البالغة و النقد: حممد كرمي الكواز -30 .54املرجع نفسه، ص -31

و االتصال بني البشر يف خمتلف امليادين، و دقت تقنيتها و تعقدت آلتها و هو بذلك يشكل العمود الفقري

ملصطلح عادة ما ينطلق من العام قصد ختصيصه، فهو ميكن أن يدرج ، و ا32" بالنسبة للحقول املعرفية األخرى

و املصطلح النقدي جزء من املصطلح العام و هو اللفظ الذي يسمى " ضمن دائرة حبث ختصص بعينه عن طريق

مفهوما معينا داخل ختصص ال يلزم من ذلك أن تكون التسمية ثابتة يف مجيع األعصر و ال يف مجيع البيئات و ال

أن يسمى اللفظ مفهوما نقديا لدى اجتاه نقدي ما لليعترب من ألفاظ - بل يكفي مثال –مجيع االجتاهات لدى

.33"ذلك االجتاه النقدية أي مصطلحاته، أي أنه جمموع األلفاظ االصطالحية لتخصص النقد

وضوعي اختذه الباحثون هو لفظ م" علما أنه مت حتديد املصطلح يف املعاجم من خالل وضع احلدود التالية

و العلماء لتأدية معىن معني يوضح املقصود، و املصطلح من مشكالت األمم يف كل العصور، و قد ظهرت

مشكلة املصطلح العريب منذ بدؤوا بتدوين علوم القرآن و تأليف الكتب، و تضخمت املشكلة حيث شرعوا

لح يناسبهم، و إن عجزوا استخدموا اللفظة اإلغريقية أو بالنقل و الرتمجة، فعمدوا إىل نبش العربية الستخراج مصط

و عدوها مصطلحا يفي بالغرض، و جمال املصطلح الفلسفة و العلوم و الدين و القانون، فظهرت بعض ...اهلندية

و لكل علم مصطلحاته كما لكل حرفة، و تعقدت األمور يف العصر . الكتب يف الكتب مثل التعريفات للجرجاين

كثرة العلوم الوافدة، فقام العلماء يؤلفون كتبا و معاجم يف املصطلحات، فظهرت كتب يف مصطلح احلديث مع

الفلسفة، و مصطلح التاريخ، و مصطلح األدب و مصطلح اللغة، باإلضافة إىل ما تصطلح عليه اامع اللغوية

.34" والعلمية

ات اليت كانت سببا يف إرساء ركائزه ضمن باقي وجممل القول، ارتبط النقد األديب احلديث بعديد املرجعي

العلوم اليت ظهرت يف العصر احلديث، فتأثر بدوره بنفس الظروف اليت أصابت العامل بالتغيري و التجديد، فكانت

العلمية و املوضوعية شعار الدراسات يف فرتة العصر احلديث، فارتبط النقد بدوره ذا التيار و صار النقد علما له

و مبادئه اليت كانت جتعله يف بداية األمر خدمة لباقي العلوم النفسية و االجتماعية اعتقادا منهم بصدور أسسه

األدب عن الظروف و األدب هو تفسري هلذه العوامل، إىل أن مت الفتح اللغوي على يد فاردناند دي سوسري

لسانيات، أما املرجع الثاين فكانت الفلسفة فنحى باللغة منحى خمتلفا ظهر على إثره ما يسمى بعلم اللغة، أو ال

–جامعة قاصدي مرباح -مصطلح النقد يف كتاب األدب و النقد لعبد السالم املسدي،رسالة ماجستري: إدريس بن فرحات -32 .1، ص 2012-2011 -ختصص نقد عريب و مصطلحاته -ورقلة

.63،ص 2001، 1:ط -لبنان ناشرون -يث، مكتبة لسان العرب،حنو معجم ملصطلحات النقد احلد: أمحد مطلوب -33 .797املعجم املفصل يف األدب، ص :حممد التوجني -34

العقلية مبا طرحته من أفكار أسست ملفهوم املنهج من جهة، و قامت بتعليم اإلنسان كيفية الوصول إىل احلقيقة

و هي القاعدة اليت تأثر ا كثري ) أنا أفكر إذن أنا موجود( عن طريق الشك، و هو ما يفسر الكوجيتو الديكاريت

العرب يف عصرهم، و أخريا كان لزاما على الناقد أن ميلك منظومة مصطلحية متيزه عن غريه و تقيم ركيزة من النقاد

.علمه يف عصر صار فيه املصطلح دليل التخصص و ميزته

:نصوص و تطبيقات

إن ما نذهب إليه هو أن علم النقد علوم، لذا وجب احلديث عن علوم النقد، فكثريا مما نستعمله، وبتسميات "

خمتلفة، إمنا هو يندرج ضمن تلك العلوم، فشرحنا النصوص األدبية مثال يف املؤسسات الرتبوية ال خيرج عن باب

ه اختصاص األدب، إمنا هو من باب النقد أساسا، النقد، بل هو أحد علومه الفرعية، بل إن ما درجنا على تسميت

و عند ذلك وجبت ) األدب الوصفي( و ليس األدب إال املادة اليت تعتمد يف الدرس، إال أن قصدنا باألدب

التسمية الثانية ال األوىل جند على سبيل املثال أيضا الدراسة األدبية أو القراءة أو نظرية األدب فهي أمور و إن

.35" تها، فجامعها واحد، هو النقدتنوعت تسمي

.حلل و ناقش النص، معتمدا على املرجعيات اليت أحاطت بالنقد احلديث و املعامل اليت ميزته عن سابقه - *

ترتكز االجتاهات اإلنسانية يف النقد األديب احلديث على عنصرين أساسني مها اخلربة و القيمة، و حياول "

يستجلي املعاين من خالل خربته، معتمدا يف ذلك على منظومة القيم اليت حيتفظ ا يف الناقد يف هذا االجتاه أن

داخل نفسه، و ذلك ما جيعل الناقد الذي ينتمي إىل ثقافة إيديولوجية معينة يرفض القيم اليت تنادي ا ثقافة أو

.36"إيديولوجية أخرى تتعارض مع إيديولوجيته

.تفسري القول بتخصص النقد و انفصالهباالنطالق من النص كيف ميكن - *

.17، ص 1997، 1:، ط cardage 2000، قرطاج)املنهج أوال( يف علوم النقد األديب : توفيق الزيدي35 .9، ص 1994-1414، 1: ط -القاهرة -التوزيعنظرية النقد األديب احلديث، دار األمني للنشر و : يوسف نور عوض-36

ساعة و نصف :المدة

)لسانس ل م د (طلبة السنة الثانية : الفئة المستهدفة

:تمهيد

كانت الرتمجة و االنفتاح على العامل الغريب سببا يف رسم معامل الوعي يف عاملنا العريب، و رغم الظروف القاسية

اليت مت يف ظلها هذا الوعي، كان احرتام احلاضر و اإلميان مبستقبل أفضل يستحق الصمود أمام الصدمات املتتالية

الغريب، و ألن لكل بداية أساس تقوم عليه كانت البداية يف اليت كانت نتيجة مستجدات عصر النهضة يف العامل

العامل الغريب إعادة بعث و إحياء الرتاث اليوناين القدمي، ألنه املرحلة األكثر ازدهارا يف تارخيه و مل يكتف بإعادة

يف تلك الفرتة إحياء الرتاث الفلسفي فقط و لكن جتاوز هذا إىل إعادة إحياء األجناس األدبية الكربى اليت عرفت

.و هي امللحمة و الدراما، إذ كانت النماذج األحق باالقتداء يف عصر النهضة

وكانت املدرسة الكالسيكية و التقليدية صدى هلذا التفكري عند اإلنسان الغريب الذي أراد التأسيس

يثبت التأثر و اإلتباع آلخر ما وصل للحضارة انطالقا من ركيزة القدماء، و يف مقابل هذا ظهر يف العامل العريب ما

إليه تيار النهضة يف العامل الغريب، فظهر ما يسمى باملدرسة اإلحيائية أو االجتاه اإلحيائي، و قد اجته هذا االجتاه

إىل الرتاث العريب القدمي حبثا فيه عن مكامن التميز و التفرد، فكانت حماكاة القصائد الشعرية اليت تنتمي إىل عصر

عف و االحنطاط إعادة رسم صورة مشاة لفرتة عرفت بالركاكة و الضعف و هو األمر الذي عدل مسار الض

- الشعر –اإلحياء يف العامل العريب و التوجه إىل مرحلة أخرى أكثر داللة على رقي مستوى اللغة و اإلبداع الفين

.يف العامل العريب

المحاضرة الثالثة-3

النقد اإلحيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــائي

ثا فيه عن مكامن القوة و اإلبداع الفين ورسم القواعد و املبادئ فكانت وجهته العصر اجلاهلي و العباسي حب

العامة اليت حتدد هيكل و لغة و مجالية و فنية القصيدة جريا على سنن التفكري النهضوي اعتمادا على فكرة

معينة، فال التقليد و احملاكاة يف بداية األمر، مبا هو السبيل األجنع يف كل بداية ال متلك أسسا واضحة و ال معامل

بديل من البحث عن هذه الركيزة ألنه ال وجود لشيء يتكئ على العدم، أو يوجد من فراغ، ألن البناء الذي

تنعدم فيه األسس سرعان ما ينهار و يثبت عجزه عن الصمود أمام أضعف التيارات، ألن األصل فيها عدم قوا،

اوزة عصور الضعف و البحث عن مواطن ميكن أن فكان البحث عن هذه القوة يف عصر النهضة هو ضرورة جم

.تؤخذ عنها القوة و املتانة

فاتسم االجتاه اإلحيائي باحملافظة معيارا كان اهلدف منه األخذ من خريات املاضي قصد استشراف مستقبل

ف و لكن ليس يبىن على ركائز متينة، ركائز يكون أساسها جهود املاضني من القدماء، فالنقد اإلحيائي استشرا

انفصاال عن املاضي، إذ هو عودة يكون الفرز فيها أساس إقامة هذه العالقة بغية احلصول على بناء قومي إذ

يتجنب أخطاء املاضني و يشجع اجنازام و كل هذا يف سبيل احملافظة على اهلوية، كل و احلضارة اليت ينتمي

.ب فتكون فاحتة لعصر النهضةإليها، فيصبغ القدمي بصبغة جديدة خالية من الشوائ

والقول بالصورة اجلديدة هو تأكيد مرة أخرى على أن النهضة كانت ضة فكرية قوامها اعتماد العقل

والوعي بالواقع و احمليط و املاضي، و السعي لبناء مستقبل أحسن حتكمه قوانني وضعية، العقل هو مصدرها،

صر الوسيط، إذ استطاع أن يوجز صورة لالستعباد ودحضا للقوانني املاورائية الظاملة اليت كانت حتكم العامل يف الع

و الظلم و االضطهاد، و كلها معايري مت القضاء بوساطتها على حقب زمنية متطاولة و دون أن يتم لإلنسان أجناز

ما ميكن أن يعطي قيمة هلذا الفرتة، ذلك أن الزمن خيلده احلدث املميز و إذا انتفى هذا احلدث كان الزوال هو

.الزمن مصري هذا

و كل منهم يسعى من أجل احلفاظ - العربية و الغربية –فكان العود لزاما للتاريخ املشرف املتعلق بكل أمة

على الرتاث و اهلوية، فكانت أوىل خطوام قراءة الرتاث القدمي و البحث فيه عن معامل التميز و اإلشراق، والقول

ة للماضي، يكون اهلدف منها اسرتجاع اهلوية اليت تكاد تضيع متاما وسط بالنسبة للعامل العريب بداية األمر هو عود

احلركات االستعمارية اليت يكون هدفها األول بعد االستيالء على األراضي طمس اهلوية بدءا بتدنيس مقوماا،

.فكان اإلحياء وسيلة للدفاع يف بداية األمر

بناء اهلوية و خاصة العربية مركزا دارت حوله رحى التقليد فكانت اللغة العربية بوصفها مقوما أساسيا يف

وحماكاة القدماء يف طريقة قوهلم و كذا األلفاظ اليت كتبوا ا، لتخليص اللغة من كل ما تعلق ا أيام عصر

الضعف و االحنطاط، و االعتماد على املعجم العريب القدمي هو السبيل الوحيد للحصول على لغة فصيحة وسليمة

خالية من كل الشوائب، لغة أهل البدو، و إحياء لغة كان سبيال من خالله مت إحياء كل ما تعلق ذه اللغة من

تفاسري و أحاديث فكان لالهتمام باللغة جانب آخر مت استدراكه و هو اجلانب الديين الذي كان الرتكيز فيه بداية

.األمر على لغة معجزة و متميزة كذلك

ورغم إتباع الغرب يف طريقة التأسيس لنهضتهم إال أن املالحظ على العامل العريب يف هذه الفرتة هو

االنطالق من وعي سليم، أساسه عدم التفريط يف مقومات اهلوية العربية اليت حتفظ هلم متيزهم عن باقي األمم،

نها، و باالنطالق من هذه الظروف جمتمعة، ويف الوقت نفسه االنفتاح على طرق التفكري املختلفة لألخذ ع

ماذا يقصد بالنقد اإلحيائي؟ و ما هي أهم املبادئ اليت قال ا و ما هي خصائصه؟ و هل ميلك من العيوب ما -

يدعو إىل ضرورة استبداله و تعديله؟ فال شيء يربأ من الشوائب، خاصة إذا تعلق األمر ببداية استشرافية ظروفها

.ها قاهرةقاسية و أوضاع

:في مفهوم المصطلح-1

إن أفضل ما حييط حبدود املفهوم املعجم، الذي بإمكانه أن يضبط املصطلحات مبا يقارا من دالالت انطالقا من

الداللة نفسها، هلذا ورد يف املعجم املفصل يف األدب ما يقابل القول باالجتاه اإلحيائي عن طريق القول بإحياء

ركد األدب العريب وحتجرت عقلية " يف يف داللته للمصطلح موضوع البحث، يذكراألدب، و هو مصطلح رد

كثري من أدبائه و لغوييه، فظن املفكرون أن إعادة احلياة إىل جسم األدب غدت من املستحيالت بعد غفوة

و أعادت دامت مخسة قرون حتت نري العصر العثماين، لكن رياح الثقافة الغربية هبت على الشرق فأحيت مواته،

احلياة إىل جذوره اليابسة فثبتت فروعه بدعائم راسخة، و خاف لفيف من األدباء على األدب العريب من هجمة

الغرب أن تذوب شخصيته، و تزول معامله، و حني استيقاظ رجال الفكر يف عصر النهضة من سبام العميق أو

مبنظار املشتاق، يستعيدون به أجمادهم، ويستلهمون تنبه األدباء من غفوم نظروا إىل العصر العباسي الذهيب

تراثهم، فأعملوا الفكر يف إزاحة غشاوة التقهقر و االحنطاط بادئ ذي بدء، مث أخذوا يدرسون إنتاج األقدمني من

.37"أدب و نقد، مث ما لبثوا أن أخذوا باإلبداع بعد اإلتباع

و ما جرى لألدب العريب يف عصر النهضة جرى ألوروبا يف " هذا يف العامل العريب، أما يف العامل الغريب

القرنني الرابع عشر و اخلامس عشر، فحني أخذت ستائر العصور الوسطى تنحسر من عقلية الغرب املتحجر،

وتبعث النور يف رداه، أصحاب املذاهب عمدوا إىل تقليد اآلداب اإلغريقية و الالتينية، فظهر إثر ذلك املذهب

اإلغريقية و الالتينية ( و برز أدباء يدرسون اللغتني العريقتني l’école classique) الكالسيكية( اإلتباعي

ليفسحوا لطالب العلوم و اآلداب اال لنهل اآلداب القدمية، و كذا األمر جرى يف صقلية يف عهد ملكها )

.38"1250فريديريك الثاين عام

" املعجم عن املصطلح كصورة رديفة للكالسيكية عند الغربوحول مصطلح اإلحيائية يذكر نفس

الالتينية اليت تعين وحدة األسطول، مث تطور classisلغة مشتقة من اللفظة classicismeالكالسيكية

و الكالسيكية أقدم )class(مفهومها إىل معىن جمموعة من الطالب، مث غدت تؤدي معىن املكان الذي جيمعهم

و السابقة يف نشأا، و يرجع ظهورها إىل القرن اخلامس عشر، إثر حركة اإلحياء األديب والعلمي املذاهب األدبية،

اليت عرفت يف إيتالية، بعد هرب العلماء من القسطنطينية عندما دخلها العثمانيون، و تدل اليوم لفظة كالسيك

أنه هادئ و رزين و يدل على عقل مبعىن ... داللة عامة، موسيقى كالسيكية، رقصة كالسيكية، فرش كالسيكي

و فكر مهذبني مستوحيني من القدمي، أما يف نطاق األدب فتعين األدب الذي ظهر يف القرن السابع عشر و ال

.39"سيما يف فرنسا

وقد نادت الكالسيكية بنفس الشعارات اليت رفعها االجتاه اإلحيائي و زاد عليه انطالقا من كونه الكل الذي

و هكذا كان " ن نظرية يف املعرفة، و يكون األدب يف املقابل اجلزء منها إذ يدخل ضمن جماالا املعرفيةانبثق ع

للكالسيكية فضالن، إحياء النثر القدمي، و تنشيط األدب اجلديد، و إبعاده عن سلطة الكنيسة، كما أا خدمت

براز عوامل التأثر و التأثري، فاألدب الكالسيكي النقد األديب و األدب املقارن كثريا بإحيائها ذلك الرتاث، و إ

أدب حمافظ، تقليدي هادئ، و يتصف أسلوبه باجلودة و عباراته بالفصاحة، بعيدا كل البعد عن الصنعة والزخرفة،

.40-39املعجم املفصل يف األدب، ص ص :حممد التوجني -37 .40املعجم املفصل يف األدب، ص ، ص :حممد التوجني -38 .725املرجع نفسه، ص -39

و عن خمالفة النحويني و اللغويني، و هكذا نالحظ أن فكرة الكالسيكية هي الرجعة إىل القدمي اجلي، و السري

و كذلك فعل العرب قدميا حنو أدم األقدم، و حديثا حنو أدم القدمي، و هم أخذوا يف العصر على خطاه،

.40" احلديث املذهب الكالسيكي الغريب، كما أخذوا آراء أرسطو يف عصر الرتمجة

نفتاحها فتنفتح الكالسيكية على االجتاه اإلحيائي حدا حتتوي فيه املبادئ اليت قال ا، و تزيد عليها ال

على كل ااالت دون استثناء، ذلك أا املدرسة األوىل اليت ظهرت عقب عصر النهضة، و كل حماوالت العودة

إىل القدمي دف احملافظ و التعقل يف القول و الفعل، و منه صار هو ممكن ضبط حدود اإلحياء باالنطالق من

اليت حيملها القول باإلتباع و التقليد، إتباع ال يوصف املذهب الكالسيكي، الذي ينادي بدوره بنفس الشعارات

.بالعماء و لكنه مميز قوامه العقل و التزام اجليد

:مبادئ النقد اإلحيائي و خصائصه-2

القصيدة العمودية يف العامل العريب هي تقاليد الكتابة الشعرية العربية القدمية و على أساسها فقط ميكن

اإلبداعية، فالقواعد اليت أرساها املرزوقي من قبل يف موضوعه عمود الشعر ظل الصورة املالئمة التفريق يف الكتابة

للكتابة الشعرية، و مت اإلحياء يف عصر النهضة على أساس القول بارتباط الكتابة الشعرية ذه الشروط اليت يكون

ما جيب، و الرتكيز على الشكل يف الكتابة االنفصال عنها ابتعادا يف الوقت ذاته عن حقيقة القصيدة العربية ك

اإلبداعية عند العرب انطلق يف األصل من تعريف الشعر بوصفه كالم موزون مقفى، على إثرها يكون شرط هيكل

.الكتابة هو ما حيدد هوية الكتابة

على أساسها والبحث يف الرتاث العريب هو استدعاء يف الدرجة األوىل لتلك القواعد اليت كانت تقوم

القصيدة، و لعل الرتكيز على هيكلها نابع يف األصل من عدم وجود صعوبة يف حتقيق اللغة اليت كانت السليقة

دافعها، لكن إشكاالت العصر احلديث اختلفت، إذ صارت اللغة اليت وصلت إليها يف عصر االحنطاط صورة

بداية األمر إىل اللغة قصد استعادة صورا األوىل اليت مشوهة يشوا العجز، و هو ما لفت انتباه دعاة اإلحياء يف

.ينتظر منها وضع األسس الركيزة هلوية عربية صافية

إن أول مبدأ قامت عليه مدرسة البعث و اإلحياء هو احملافظة على اللغة يف صورا الفصيحة و األصلية،

وقد " فعدت اللغة مقوما أساسيا من مقوماا، و عنها قيل اليت تشمل اللغة املكتوبة و املنطوقة على حد سواء،

.726املرجع نفسه، ص -40

احنرف كثري من الناس يف العصور القدمية و يف هذا العصر احلديث عن هذه اللغة املعربة الفصحى فأنتجوا آثارا

ائعة اليت فيها لذة ة فيها متعة، و لكننا مل نعدها أدبا و مل نرفعها إىل هذه املرتبة اليت تضع فيها هذه اآلثار الر

نستمد منها غذاء القلوب و العقول و األرواح، مث إن األدب العريب أدب منطوق مسموع قبل أن يكون أدبا

مكتوبا مقروءا، و هو من أجل هذا حريص على أن يلذ اإلنسان حني ينطق به و يلذ اآلذان حني تصغي إليه،

ء قط عنايتهم بفصاحة اللفظ و جزالته، و رقة وليس أدل على ذلك من أن العرب يف مجيع عصورهم مل يعنوا بشي

األسلوب و رصانته، و قد جعلوا األعراب و الصطفاء اللفظ و املالءمة بني الكلمة و الكلمة يف اجلرس الذي

.41" ييسر على اإلنسان نطقه و يزين يف األذن وقعه أساسا لكل هذه اخلصال

ختري " اللفظ و كذا بني اللفظ و املعىن، و قاعدته ويتجاوز األمر اللفظ إىل قضية العالقة بني اللفظ و

اللفظ الفصيح الرصني اجلزل للمعىن الصحيح املصيب، و املالءمة بني اللفظ و اللفظ و بني املعىن و املعىن يف كل

ما يكون هذا االنسجام اخلاص الذي يستقيم به الشعر و النثر يف لغتنا العربية الفصحى، مع احلرص كل احلرص

اإلعراب و اإليثار كل اإليثار لأللفاظ الصحيحة اليت تقرها معاجم اللغة املعروفة وحدها، إن كان الكاتب على

حمافظا غاليا يف احملافظة، أو اليت جاءت يف قصائد الشعراء و رسائل الكتاب و إن مل ترد يف املعجمات إن كان

عب أو من لغة العلم احلديث أو بعض اللغات األديب مسحا معتدال، و قد جيرتئ الكاتب فيستعري من لغة الش

األجنبية كلمة أو كلمات إن كان من اددين الغالة يف التجديد، و قد يبلغ ذا الغلو أقصاه، فينحرف بأسلوبه

حنو العامية املبتذلة بعض االحنراف أو حنو مذهب من مذاهب األوروبيني يف القول، و لكنه على ذلك كله

رج بالعربية عن أصوهلا، و إمنا يريد أن يغنيها أو ينميها و يعرب ما يضيفه إليها من األلفاظ متحفظ حمتاط ال خي

.42"واألساليب

وإىل جانب التأكيد على موضوع اللفظ و معناه، يواصل زعماء البعث و اإلحياء التأكيد على ضرورة

الشعر خبياله و موسيقاه بفكره ف" تعلق الشعر بالوزن و املوسيقى و مالءمة كل هذا لألحاسيس و املشاعر

وعواطفه، بوجدانه و ألفاظه، بأنغامه و أوزانه ينطوي على ألوان من احلركة املتجاذبة املنتظمة، يف أجزاء تشكل كال

موحدا موقعا متناغما ال يشوبه أي تشويش أو خلل حيمل ظالال حتت خطوطه، ليؤدي وظيفته بتجرد و جتاوب

ظ و التعبري، إىل جانب األفكار و العواطف و املوسيقى، تلتقي هذه الدالالت مع يف حركة منتظمة بني األلفا

.71التيارات املعاصرة يف النقد األديب، ص : بدوي طبانة -41 .71التيارات املعاصرة يف النقد األديب ، ص : بدوي طبانة -42

سواها من عناصر متكاملة لتكون من الشعر فنا ذات داللة حيمل رمزا و إحياء، و صوتا و نطقا، تتساوى كلها يف

.43"طريقة األداء اجلميل األمجل

ويذكر صاحب كتاب النقد اإلحيائي مقولة توجز ما سبق ذكره عن قواعد األخذ عن شعر القدماء،

الشعر قول موزون مقفى يدل على معىن و لكنه ساقه سياقة مغايرة تتضمن العاطفة من جهة، و تشري إىل " يقول

ذوات قوايف، ألفاظه قليلة الكمية، املوهبة أو الطبع اخلاص من جهة أخرى، و الشعر ألفاظ موزونة متساوية،

تنطبق على معان كثرية الكيفية، و أهواء معنوية عشقتها النفس فأودعتها يف أهداب احلس و وجوده عن خاصية

يف طبع طوع، خيتص به بعض النوع، و جيده على قدر اهلوى النفس الغالب و اتقاد الفكر األديب و ذكاء احلس

.44"الثاقب

: في العالم العربي النقد اإلحيائي-3

تكون العودة إىل املعجم العريب القدمي هو هدف أساسي من أهداف زعماء اإلحياء قصد العودة إىل أجماد

أي أن النهوض ما يكون بإحيائهما و العودة ما إىل ما كانا عليه، " العربية، و فصاحتها و سالمة قواعدها

ادة األمر إىل ما كان عليه يف سابق عهده، و إذا كنا قد مسعنا نغمة تأب على وهنا جتئ كلمة إحياء عنده مبعىن إع

احلكم السابق بإجياب املزية أو سلبها، فقد كان ذلك يف ميدان املقاربة و النقد النظري، أما يف جمال اإلبداع فإن

ينحوا احملدثون طريقني اثنني - اءاإلحي - ، و يف نفس االجتاه45" القدمي هو املثل األعلى اجلدير باحملاكاة و التقليد

.يف سبيل احملاكاة

فأما األول فريتبط بضرورة االنقياد التام للرتاث العريب مجلة و تفصيال، بينما يرى الرأي اآلخر ضرورة

األخذ ولكن مبا يتالءم و العصر الذي يعيش فيه، و يذكر صاحب كتاب النقد اإلحيائي انتماء حسني املرصفي

و يرى أن السبيل إىل التفوق هو احرتام الصواب " االجتاه و خاصة يف كتابه الوسيلة األدبية إىل علوم العربية هلذا

، 46"أيا كان مصدره، و عدم احتقار الرأي املخالف، و التحرر من كل التصورات السابقة و األفكار الشائعة

.75، ص 1985: ، سنة1: األنواع األدبية مذاهب و مدارس، مؤسسة عز الدين للطباعة و النشر ، ط:شفيق البقاعي -43، 1993: ، سنة1: حلب، ط -جامعة القاهرة -النقد اإلحيائي و جتديد الشعر،دار الشايب للنشر: عبد احلكيم راضي -44

.46ص .54املرجع نفسه، ص -45 .72املرجع نفسه، ص -46

اء، و لعل القول ذا املعطى هو إشارة إىل وضرورة مسايرة العصر هي أهم شرط قال به زعماء البعث و اإلحي

البصر بقدرات كل فرد يف اتمع ليوضع يف املوضع الذي يليق به، " ضرورة الوعي و باب أول من أبواب اإلبداع

و املوضع الذي يليق به هو املوضع الذي يصلح له، و وضع املرء يف املوضع الذي يصلح له حتقيق ملصلحة الفرد

زاوية الفرد ستتاح له الفرصة لتحقيق ذاته حني يكون قادرا على اإلبداع و حتقيق أقصى عطاء فيما واجلماعة، فمن

على أقصى طاقته على ... كل فرد... ستحصل من الفرد... و على مستوى اجلماعة.. هو مهيأ له حبكم قدراته

.47"العطاء و النتيجة بعد ذلك مغرية، و هي سعادة الفرد و رقي اتمع

و هي نظرة تعيد إىل " ومن هذا املنطلق نادى املرصفي بضرورة إحياء روح اللغة و ليس شكلها أو قالبها فقط

الصورة البيانية قيمتها و دورها احلقيق بعد أن حتولت يف نظر املتأخرين، و يف أشعارهم، إىل حلى فارغة وطالء

الشعر ليس صنعة، و " تقليد مفرغ من روحه ، و منه جرى ضرورة اكتساب املوهبة و ليس جمرد48"خارجي زائف

ال ميكن أن يتعلم من القواعد، قواعد البيانيني و العروضيني، و إمنا هو قبل كل شيء موهبة و طبع، مث إن هذه

املوهبة تنمو بكثرة حفظ الشعر، و كذلك باملران و املمارسة، و حيمل نص ابن خلدون يف صناعة الشعر الذي

يلته أسس هذا املنهج، إذ يذكر أن أول شرط لعمل الشعر و إحكام صناعته احلفظ من نقله املرصفي يف وس

و من كان خاليا من احملفوظ فنظمه قاصر رديء، و ال يعطيه الرونق -أي من جنس شعر العرب - جنسه

تالء من مث بعد االم...واحلالوة إال كثرة احملفوظ، فمن قل حفظه أو عدم مل يكن له شعر، و إمنا هو نظم ساقط

يقبل على النظم و باإلكثار منه تستحكم ملكه و ترسخ، فكما أن قواعد النحو ال تغين .. احلفظ و شحذ القرحية

يف اكتساب ملكة اللغة، فإن قواعد العروض و البالغة ال تغين يف تكوين ملكة األدب أو الشعر إذا ال بد مع

.49"لآلثار املمتازة املوهبة و العلم بالقواعد من كثرة املطالعة و احلفظ

ومنه ميكن الفصل يف مرحلة اإلحياء بني مرحلتني، مرحلة تدعو إىل االنقياد التام للقدامى يف الشكل

واملضمون، حيث صارت قصائد اإلحيائيني قطعا هاربة من العصور القدمية، و الثانية هي مرحلة إحياء حييط ا

ورة مميزة باكتساا أهم صفة و هي املوهبة و الطبع، و كذا الوعي حول هذا األخذ، الذي تكون فيه الص

االنطالق من العصر، فحملت مرحلة اإلحياء التجديد بداخلها، و هي املرحلة اليت يتم تطويرها فيما بعد مع

.زعماء التجديد

.78املرجع نفسه،ص ، -47

.106النقد اإلحيائي و جتديد الشعر، ص : عبد احلكيم راضي -48 .126املرجع نفسه، ص -49

ية خطوة أوىل حنو ورغم أن هناك من يرى يف املرصفي من دعاة اإلحياء الواعي، و يرى يف كتابه الوسيلة األدب

هذا الوعي، إال أن هناك يف املقابل من يرى فيه مقلد شبيه بتلميذه البارودي الذي قاد مرحلة البعث و اإلحياء،

يتفق معه أيضا يف أن قول الشعر يتطلب حفظ الكثري من " النطالقهم من فكرة احلفظ و ضرورته يف اإلبداع فـ

مث يعقب ذلك نسيان احملفوظ لتمحي .... ملكة ينسج على منواهلا الشعر اجلزل القدمي حىت ينشأ يف النفس

رسومه احلرفية الظاهرة حىت إذا نسيت و قد تكيفت النفس ا، انتقش األسلوب فيها كأنه منوال يأخذ بالنسج

افة ، و ذلك هو تصور اإلبداع يف نظر البارودي ال يكاد خيرج عن احتواء الثق50" عليه بأمثاهلا من كلمات أخرى

.العربية القدمية

وجممل القول، يتعلق األمر يف النقد اإلحيائي بانتماء هذا التيار إىل املذهب الكالسيكي و التصور الذي

أقامت مبادئها على أساسه يف مطلع عصر النهضة، و تشابه القول حول هذه املرحلة يف العامل العريب و الغريب

ايتها بنيت على أساس الرتاث اليوناين عند الغرب و اجلاهلي و العباسي يف على حد سواء، ذلك أن النهضة يف بد

العامل العريب، و يف العامل العريب كان الرتكيز يف حماكاة القدماء على العودة إىل الشكل القدمي و هيكل القصيدة

عجم العريب القدمي من أجل العربية القدمية و من وزن و حبر و قافية، و أهم نقطة ركز عليها هؤالء العودة إىل امل

إعادة إحياء اللغة الفصيحة يف صورا التقليدية، و السبب يف ذلك وصول اللغة العربية مع عصر االحنطاط إىل

.أدىن دركاا ملختلف الظروف اليت أحاطت بالعامل العريب آنذاك

املطابقة يف الشكل و املضمون للرتاث وحول تيار اإلحياء عرف اجتاهني اثنني كان األول فيهما الدعوة إىل

العريب القدمي، و كان هذا التيار حمافظا حد التعصب و يف املقابل كان االجتاه اآلخر أكثر انفتاحا إذ اشرتط يف

املبدع املوهبة و الطبع و تلك هي مربرات اإلبداع الفين يف نظره، و لعل أهم من نادي ذا االجتاه حسني املرصفي

.لوسيلة األدبية إىل العلوم العربيةيف كتابه ا

:نصوص و تطبيقات

اعلم أن األدب معرفة األحوال اليت يكون اإلنسان املتخلق ا حمبوبا " يقول حسني املرصفي يف تعريفه لألدب

عند أويل األلباب، الذين هم أمناء اهللا على أهل أرضه، من القول يف موضعه املناسب له، فإن لكل قول موضعا

فإن لكل مقام : ل جرول الشاعر املشهور باحلطيئةخيصه، حبيث يكون وضع غريه فيه خروجا عن األدب، كما قا

م الرؤية اجلديدة للنقد و الشعر عند عبد الرمحن شكري، رسالة ماجستري، جامعة أ:دخيل اهللا حامد أبو طويلة اخلديدي -50 .28-27دون سنة، ص ص -فرع األدب –القرى كلية اللغة العربية

مقاال، و من الصمت و هو السكوت املقصود من وضعه، فإن للصمت موضعا، يكون القول فيه خالف األدب،

.51"رحم اهللا امرءا قال خريا فغنم أو سكت فسلم( يرشد إىل ذلك قوله صلى اهللا عليه و سلم

.عند املرصفي؟ باالنطالق من النص ناقش مصطلح األدب - *

و القول العام يف الشعر أنه و إن كان صناعة من الصناعات، جيود بدقة معناه، و مالحة " و يقول أيضا

لفظه، و إحكام بنائه، كما سيأيت بيانه، و يردأ خبالف ذلك، لكنه متغري األمر و احلال بتغيري العوائد تغيريا

إذ كان مبنزلة الفاكهة اليت ال تطيب إال بعد الغذاء، و أول مغري له عظيما، إذ مل يكن من حوائج الناس األصلية،

و الشعراء يتبعهم الغاوون، أمل تر أم يف كل واد يهيمون و أم يقولون ما ال ( اإلسالم ، و قول اهللا عز و جل

سبما تقتضيه وساوس معناه أن الشعراء كانوا مرتسلني مع األهواء، ال مينعهم مانع و ال يردعهم رادع، ح) يفعلون

الشهوات، و هلم قوة على حتسني القبيح، تقبيح احلسن، و سفهاء الناس هلم تبع، فكان يتولد من ذلك ما يتولد

من الفنت و الفساد بني الناس، و قد استثىن سبحانه الشعراء الذين عقلوا الدين، فوقفوا عند حدوده، و اجتنبوا

معمورة بذكر حماسن ما أرشد اهللا إليه، فهم ال يضعون األشياء إال يف الفحشاء و املنكر، حيث كانت أوقام

.52"مواضعها

.باالنطالق من النص ناقش مصطلح الشعر عند املرصفي؟ - *

-عبد العزيز الدسوقي، اهليئة املصرية العامة للكتاب: الوسيلة األدبية إىل العلوم العربية، حققه و قدم له: حسني املرصفي-51 .37، ص 1982، 1:ج -القاهرة

.43عبد العزيز الدسوقي، ص : حققه و قدم لهالوسيلة األدبية إىل العلوم العربية، : حسني املرصفي-52

ساعة و نصف :المدة

)لسانس ل و د ( طلبة السنة الثانية: الفئة المستهدفة

: تمهيد

استيقظ العامل العريب يف عصر النهضة على أصداء واقع جديد يعيشه الغرب بعد خروجه من مرحلة القرون

الوسطى، و بعد سعيه الستعادة أجماده الضائعة اليت عايشها يف عصوره القبلية، و االلتفات إىل هذه املرحلة هو

ا هذا، و القول يف احملاضرة السابقة حول فرتة إعادة أهم إجناز تدين إليه البشرية بالتقدير و االمتنان إىل يومن

البعث و اإلحياء هو إشارة لبداية جديدة و إن كان حمور االهتمام فيها عودة إىل املاضي البعيد، فالعودة للرتاث

ق بالفرز و التنقيب فكرة حتمل يف ذاا إرادة التغيري و بداية التفكري و البحث عن وضع جديد، هذا الوضع ينطل

من ركيزة املاضي و أجماده و هي نفسها الفكرة اليت آمن ا العامل الغريب يف بداية ضته، و كان لألخذ عنه

.سبيالن الرتمجة و اهلجرة

فكانت الرتمجة وسيلة حوار و حتاور بني احلضارات كلها، فتحت على إثرها أبواب الثقافات تأخذ كل منها

و اإلحياء يف العامل العريب تأثرا مببادئ الكالسيكية و االتباعية يف العامل الغريب، عن األخرى، فكان اجتاه البعث

وإرادة التقليد نابعة أصال من االنبهار الذي حدث للعامل العريب يف ظل الصدمة اليت تلقاها بعد سقوط الدولة

امل العريب إىل أسفل دركات التحقيق العثمانية و اختالل موازين القوى، و صارت اخلالفة العثمانية ومها تردى بالع

و اإلجناز بعد االنفصال عن كل ما تعلق باخلالفة األندلسية و سيطرة الساللة الرتكية وراء غطاء الدولة العلية اليت

.تريد رفع راية اإلسالم و ما أحاط ا من هاالت التقديس

المحاضرة الرابعة-4

إرهاصات التجديد في النقد العربي الحديث

يف كتاب الوسيلة األدبية للمرصفي صورة عن والبدء باحلديث عن التجديد هو عودة للتقليد، و ما قيل

إرادة املسايرة خرجت من رحم الرتاث القدمي، فيحمل االنتقاء و التصويب يف حد ذاته عن الرتاث إرادة العودة عن

ألن املدرسة يف حد ذاا مل دف إىل التجديد و لكن هدفها -و لكن ليس مطلقا - بعض النماذج الرتاثية

انطالقا من الرتاث، و نفس النظرة إذا مت قلبها أفقيا تصبح وعيا بضرورة التجديد بالرتكيز على البعث و اإلحياء،

.النص اإلبداعي يف ذاته

ويصبح أصل النظر إىل الرتاث العريب نظرة إىل مصدرها، و األمر يتعلق هذه املرة بالعامل الغريب و األخذ عن

ثابتة أقيم على أساسها صرح العلم التجرييب و الفلسفة العقلية، و منه األصل يف األفكار النهضوية مبا هي أسس

إىل التبويب للحصول على علم جديد مستقل، فيكون االحتذاء بالنماذج التقليدية إصرار على عدم مسايرة

ية اليت العصر مبا هو مرحلة انفصالية جديدة يكون الوعي فيها هدفا و ليس ضرورة العودة إىل سابق العهد باملركز

.ميليها التمركز حول الذات و صد اآلخر و رفضه

ميلي على - أحد أهم املقوالت اليت مت إحياؤها يف العصر احلديث - وهلذا األخذ مببادئ املنطق الصوري

اإلنسان احلديث حتري كل املوضوعية و البعد عن الذاتية، يف الفصل بني اخلطأ و الصواب، فكانت النماذج

العصر احلديث دليال كافيا على االنفصام و التشرذم و املفارقة اليت تتشكل بني هذه النصوص و العصر املقلدة يف

الذي هم فيه، و هي أوىل اخلطوات اليت قاد الرتكيز عليها إىل الوعي بضرورة اخلروج من دائرة التقليد األعمى الذي

الشعراء فيه إىل احملافظة على اللغة العربية يف صارت مناذجه فارغة و قوالبه جامدة، ففي الوقت الذي يسعى

مناذجها التقليدية، هو حكم يف الوقت نفسه على مجود هذه اللغة و انفصاهلا عن العصر احلديث، و انتمائها إىل

املعجم العريب القدمي غري قابلة للتجديد و االستمرار، و بعبارة أخرى قتلها يف صورها التقليدية، و ال يكون حل

روج من هذه الصور إال مبحاولة التجديد الذي يكون أساسه مسايرة العصر أو االلتفات للحضارة الغربية من اخل

.أجل البحث عن اجلديد

فكانت إرهاصات التجديد هلذا النقد، انطالقا من عيوب الصورة اليت انتهى إليها اجتاه اإلحياء و البعث يف

و التجديد من رحم إرادة البعث و اإلحياء، و ظهر من النقاد و الشعراء يف العامل العريب، فخرجت إرادة التغيري

العصر احلديث من يؤمن ذه الفكرة و ينادي ا، و صار زعماء حركة اإلحياء زعماء حركة التجديد، نذكر على

ناقد اجلزائري رمضان سبيل املثال أمحد شوقي الذي بدأ إحيائيا و انتهى جمددا و مغريا، و نذكر أيضا الشاعر و ال

الذي انطلق من واقع األدب اجلزائري و الواقع يف ظل الظروف االستعمارية و رأى من التخلف احملافظة ...محود

على النماذج القدمية و ضرورة االلتفات للعامل الغريب و األخذ عن هذا القوي الذي صار واقعا هو االعرتاف

.بريادته و تفوقه

ضان محود كان ينتمي للتيار اإلصالحي يف اجلزائر بداية األمر، إذ كان االحتذاء عنده مع العلم أن رم

بالنماذج القدمية هو منتهى أهدافه و غاياته، و انطالقا مما سبق كان التجديد يف الشعر و النقد مرحلة تالية يف

اها يف عصر صار يفرض جديدا ال تصور اإلنسان العريب احلديث، بعدما أثبتت النماذج الشعرية املقلدة عدم جدو

ميكن العيش فيه بعقلية حمافظة خمتلفة عن أحداثها، فكانت كل الظروف مهيأة للتغيري و التجديد و االختالف

.عن التقاليد السائدة

فأين ميكن العثور على مواطن التجديد يف الشعر و النقد معا؟ و ما هي أهم الشخصيات اليت ارتبط ا -

.امل العريب و ما هي مدونام؟التجديد يف الع

:إرهاصات التجديد عند العرب-1

إن أوىل إرهاصات التجديد يف النقد العريب احلديث هي تلك النظرة املختلفة اليت انتقلت من النسج على

منوال العباسيني إىل ضرورة االطالع على ثقافة الغرب و اآلخر الذي أصبح يتفوق و جبدارة على العامل العريب،

نفتاح و االتصال بثقافة اآلخر و يف املقابل االنفصال فكانت املقاالت يف تلك الفرتة تنشر الوعي بضرورة هذا اال

و املتتبع للكتابات النقدية جيد أن إرهاصات االنفتاح على آداب األمم األوروبية بدأت " عن الطابع الرجعي

تتسلل و تأخذ طريقها يف الربع األخري من القرن التاسع عشر عرب مقاالت متناثرة يف الصحف و االت بأقالم،

.53" ب صروف و قسطاكي احلمصي، و جنيب حداد، و إبراهيم اليازجي و غريهميعقو

فصار النقاد الغرب منتهى الرتكيز عند العرب انبهارا م من جهة و قصد األخذ عنهم من جهة أخرى،

ري صورة النقد، فيكون الفرق بني اإلحياء و التجديد نظرة األوىل باجتاه املاضي و الثانية باجتاه الغرب من أجل تغي

إذ صار عند زعماء اإلحياء صورا جامدة و مطابقة للقدمي مفرغة من روحها غري معربة عن أصحاا و ال عصرها،

بدأ 1887ففي املقتطف ديسمرب سنة " ألن األمر متعلق باحلفظ مث النسج الذي ينم عن احتواء تام هلذا املاضي

صيص حيز كبري لقضاياه و مشكالته، و العناية بنقد الكتب اليت يعقوب صروف يدعو إىل االهتمام بالنقد، و خت

و أشار إىل منابعه الثقافية فذكر أن من أشهر النقاد عند االجنليز ديردون و بوب و كولريدج و هازلت ... تصدر

.33، ص الرؤية اجلديدة للنقد و الشعر عند عبد الرمحن شكري:دخيل اهللا حامد أبو طويلة اخلديدي -53

انت، و عند الفرنسيني فولتري و سانت بيف و تني و عند األملان لسنج و جوته و شليغل وك.. و براون و ماكويل

.54"و لعل هذه األمساء اليت رددها صروف هي اليت شغلت و تشغل النقد احلديث

فكانت ضرورة االحتكاك واضحة من خالل االلتفات إليهم أوال مث بداية البحث عن مواطن ميكن من

16ن كتب قسطاكي احلمصي يف جملة البيا" خالهلا حماورة هذه الثقافة رغم اختالفها و اختالف لغتها فـ

وازن فيه بني كتاب العربية و الكتاب الغربيني من حيث تقبلهم ) الصدق( موضوعا بعنوان 1898أغسطس

و تساءل ماذا يفعل كتابنا لو أصام من النقد ما أصاب كتاب األفرنج من سهام، و ضرب هلم مثال ما ... للنقد

و الكاتب إمييل زوال، فلو كان بول فرلني و غريه أخذه جولوميرت الكاتب الشهري من النقد على الشاعر بول فرلني

.55" كبعض املتغطرسني عندنا لشغلوا جول المري من النقد باملماحكة و اهلذر

فكتب جنيب شاهني يف مقال " فالصحافة و املقاالت كانت وسيطا بني العامل الغريب و العريب يف جمال النقد

قال فيه يظهر أوال الشعراء 1902عدد يناير سنة ) لة املقتطف( صريون بعنوان الشعراء احملافظون و الشعراء امل

آخر ما يفكر يف خلع القدمي اخللق و التزيي باجلديد ذي الطالوة، فمن كان زمرة الشعراء و املتشاعرين الذين

دمي و اقتباس اجلديد ينظمون الشعر أو يدعون النظم، ال تكاد ترى واحدا يف املائة حياول جماراة العصر، و نبذ الق

و تقليد الشعراء العصريني من األمم األخرى، و السبب يف ذلك اقتصار شعرائنا على درس الشعر العريب، و عدم

االحتفال بدرس الشعر األجنيب، إما ألم جيهلون اللغات األجنبية و حيسبون أن آهلة الشعر ال توحي إال إليهم

ة و سفها مث يلفت جنيب احلداد، نظر الشعراء إىل طريقة الشاعر االجنليزي وأن ما ينظمه الشعراء األجانب نفاي

.56"والرتسكوت عندما يريد الوصف

فبدت آراء التجديد واضحة عند النقاد العرب، و قد حملوا يف حاالت كثرية أن السبب يف اإلعراض عن النقد

عقد االنتماء من جهة أخرى، و القول بالرتمجة الغريب ينم عن اجلهل أوال و عن عدم القدرة على التخلص من

سبيال يف األخذ عن اآلخر ليس صورة أولية، ألن األمر يتعلق باهلجرة إىل العامل الغريب و االتقاء و التعارف بني

النقاد فيما بينهم و بناء صداقات شخصية، فيمكن أن تعد اهلجرة بعد الرتمجة ثاين صور إرهاصات التجديد يف

لعل أهم من يتجه له النظر النقدي، عند حماولة رصد بواكري التجديد يف " عريب احلديث، فنذكر من هؤالء النقد ال

.34الرؤية اجلديدة للنقد و الشعر عند عبد الرمحن شكري ، ص :دخيل اهللا حامد أبو طويلة اخلديدي-54 .34املرجع نفسه، ص -55 .36املرجع نفسه، ص -56

شعرنا العريب خليل مطران الذي هاجر إىل فرنسا و اتصل باألدب الغريب مباشرة عن طريق اللغة الفرنسية، مث عاد

.57" مع أدباء ذلك الزمن إىل مصر حيث اتصل فيها باحلياة الفكرية، و عقد صداقات محيمة

:رواد التجديد في العالم العربي-2

فكان خليل مطران زعيما للتجديد يف العامل العريب و كانت كتابات اددين ترجع له الفضل دائما يف

إرساء معامل التجديد يف العامل العريب، و هناك من جعل صاحب البداية الفعلية للتجديد و صاحب الفضل على

ملدارس التجديدية اليت جاءت فيما بعد، و يف مقابل هذا، هناك من النقاد من أنكر عنه الريادة خاصة أولئك ا

الذين يعودون للنقد اإلجنليزي و ليس الفرنسي، و هناك من ينكر عنه لقب الريادة يف التجديد من خالل

لكن مطران رد على الرأي األخري بقوله إنه استحضار القصائد اليت كتبها، و اليت ال ختلو بدورها من التقليد، و

و هكذا يضع مطران النقط على احلروف فيما " كان يتعمد اجلمع بني التقليد و التجديد حفاظا على انتمائه

.58" يتعلق مبذهبه يف الشعر، من جماراة للقدمي و حماوالت حذرة للتجديد

يكون العود للعامل األورويب سبيال على أساسه يتم ويف كل حاالت القول بشأن الزعامة حلركة التجديد،

فالنزعة إىل التجديد كانت يف أول األمر نزعة رجعية كما ترى، و اتفق أن أنصارها " التأريخ لدخول هذه املرحلة

قرؤوا الشعر األورويب فرأوا أن مبادئ رجعيتهم هي مبادئ األدب األورويب الصحيح السليم، و أن األدب األورويب

ينهم على حتقيق تلك الرجعية، و أنه إذا تقدم م األدب األورويب فيكون تقدما كما كان يتقدم أدب اجلاهلية يع

" و صدر اإلسالم لو أنه مل تعرتضه عوارض اجلمود و القيود املصطنعة اليت تغلبت على األدب العريب بعد ذلك59.

الواقع الذي يعيشه العامل العريب صنع املفارقة بني صورة ومل يكن التوجه للعامل األورويب من فراغ، ذلك أن

الواقع كما هو و بني القصائد اليت يكتبها الشعراء تقليدا للقدماء، رغم أن األصل يف كتابة الشعر كما يعرفه

يق القدماء هو تعبريه عن الواقع و انطالقا منه، فكان ال بد من املالءمة و املواءمة بني هذه األطراف قصد حتق

التوازن، خاصة بعد أن صار جديد الشعراء ظاهرا، فكان ال بد للنقد من ضرورة االنتقال و التجديد، فصار ما

أوال ما شهده اإلنتاج األديب العريب يف العقود األخرية من تطور نوعي يف " يربر هذه احلاجة و يدعو إليها أمران

.39الرؤية اجلديدة للنقد و الشعر عند عبد الرمحن شكري ، ص :دخيل اهللا حامد أبو طويلة اخلديدي-57 .45املرجع نفسه، ص -58 .169النقد اإلحيائي و جتديد الشعر، ص : عبد احلكيم راضي-59

غ التمسك مبناهج عتيقة ملا قد يؤول إليع تباعد الشقة بني أشكال إبداعه و تنويع يف أساليب آدائه، بات معه سائ

مادة أدبية متطورة و أجهزة نقدية أظهرت التجربة حمدوديتها، و قصورها عن استنطاق هذه املادة من بقاء األثر

ي يف األديب اجلديد ساكتا عن مكنونه مستغلقا، ال يفهم و ال يبوح خبصوبة اإلبداع فيه، ثانيا أن النهج التقليد

النقد استنفد طاقته يف البحث و قدم أقصى ما يف وسعه تقدميه، و اتضح عجزه عن جتاوز األحكام الذوقية

االنطباعية و معاجلة األدب مبا فيه القدمي خارج املفاهيم اجلارية، مفاهيم الصدق و احلق و األمانة يف تصوير الواقع

.60"االجتماعية العامةو نقله، سواء أتعلق ذلك بذات املبدع أم باحلياة

فضرورة املواءمة جاءت يف األصل من التأثر بالفكر الفلسفي الغريب الذي صار ينبذ العودة إىل الوراء، ويف

املقابل حييي كل نظرة معاصرة أو حديثة، و القول هنا يشمل ما قام به طه حسني بوصفه مجع يف اآلن نفسه بني

و قد جاء حديث األربعاء، بعد " مبدأ اهلوية و بني ضرورة األخذ عن العامل الغريب التسلح بالعلوم العربية، و هي

ذلك لكي ينبئ عن وظيفة هامة للناقد األديب عند طه حسني متأثرا بالشك الديكاريت تتجلى يف وجوب مترد

و التاريخ و مناهج البحث الناقد على التبعية و امليل يف التذوق و املقارنة من خالل إتقانه لعلوم اللغة و البيان

يعتمد على احلس الدقيق املرهف و الذوق املهذب املسمى جمليا شخصية الناقد فيما يقدم من دراسة و فيما

.61"يصور من مواطن اجلمال يف اآلثار األدبية

ن تعلق األمر فتكون الدراسة النقدية يف رأي طه حسني عمال خمتلفا عن الوظيفة التقليدية للناقد القدمي، و إ

فإذا حاول طه حسني ناقدا " بالقصائد القدمية ، و فيما يلي موجز لطريقة الدراسة النقدية عند طه حسني نذكر

نراه ميتح من كل مصادر املعرفة يف سبيل تأكيد املباشر –تناول نص شعري قدمي كمعلقة لبيد على سبيل املثال

ت الذاتية اخلالصة كما تتجلى الطبيعة األساسية هلذا النقد يف وجوب للناقد إزاء العمل املنقود، و دعم االنطباعا

نقدا - رائدا –اهتزاز الناقد إزاء جزئيات اللغة خالل السياق العمل الشعري، و هذا هو ما جيعل نقد طه حسني

صنعة البالغة انطباعيا تأثريا يعود إىل ما سبق أن ذكرناه من استخالص لوظيفة الناقد يف القدمي من معرفة أصول

من خالل تعمق األلفاظ و استخراج ما يف أحشائها من معىن مدخر باإلضافة إىل وظيفة هامة بينها طه حسني

، 1998: ، سنة1: ط –سوسة -حممد علي احلامي النقد العريب احلديث مدارس النقد الغربية، دار:حممد الناصر العجيمي -60 .15ص

جامعة -دار املعارف) دراسة يف تطور مفهوم التذوق البالغي( وظيفة الناقد األديب بني القدمي و احلديث: سامي منري عامر -61 .60، ص 1984 - االسكندرية

ملعظم نقادنا املعاصرين أال و هي الطابع اجلديل الذي يغلب عليه الرسوخ إميانه حبرية الكاتب يف إبداء رأيه النقدي

.62"يف عرف الناس يف مسلمات عصره و قلبه لألوضاع املألوفة

ولعل التجديد الذي مت على مستوى النقد كان استجابة مباشرة للتغيري الذي طرأ على القصيدة احلديثة أوهلا

من ناحية املضمون و ثانيا من ناحية الشكل و كلها ظروف أدت إىل اختالف النقد و تغري سبل دراسته

و سبق احملاولة األوىل " و اليت غري ذات بال مقارنة بالعصر احلديث وانفصاله يف الوقت نفسه عن املعايري القدمية،

أمر طبيعي ألا حماولة التجديد يف املعاين و يف املضمون و املوضوعات، أما الثانية فكانت يف الزون و املوسيقى،

ن ال بد أن يفرض أي الشكل أو القالب، و كانت نتيجة طبيعية إجيابية للمحاولة األوىل فإن املضمون اجلديد كا

.63" قالبا أو شكال جديدا

وال خيرج احلديث عن التجديد يف الشعر عن وسيط الرتمجة سبيال يف سبيل رسم معامل هذا الشعر اجلديد

و حركة الرتمجة األدبية كانت مواكبة حلركة الرتمجة العلمية، و يكفي أن نذكر أن " الذي يبتعد عن الصورة القدمية،

قد ترجم نزرا يسريا من الشعر الفرنسي، و لكن انتشار مدارس اللغات ) ختليص اإلبريز( نفسه يف كتابهالطهطاوي

مدارس اإلرساليات التبشريية و اجلاليات األجنبية أمدت حركة الرتمجة بطائفة كبرية من العارفني بالفرنسية

ينهلوا من منابع جديدة خمتلفة، موضوعات واالجنليزية خاصة ليرتمجوا أو ليعاونوا األدباء و الشعراء على أن

لشعرهم، و ال ننسى فرض االستعمار االجنليزي لغته على املدارس آخر القرن املاضي و أوائل هذا القرن مما انتعش

ترمجة مسرحيات شكسبري مثال ملساعدة التالميذ على مقررات، األدب االجنليزي يف برامج دراستهم، و كانت

البازغ جنمه تتطلب بدورها حظا آخر من الرتمجة و التعريب و االقتباس لتسد حاجة املسارح حاجة املسرح العريب

الناشئة كل هذا فتح النوافذ على الشعر الفرنسي و االجنليزي و بسطت أمام شعرائنا موائد جديدة يغرتفون منها

.64"وع لألداء اجلديدموضوعام و جيادلون مع قوالب الشعر املوروث حىت تستقيم هلم خصائصه و تتط

كان " وعلى هذا تنسب بدايات التجديد يف الشعر العريب احلديث إىل عبد الرمحن شكري، و عنه قيل

شكري أبرز هذا الثالوث و أكثر من فصل يف االختالف بني شعر الديوان و شعر من سبقوه، لقد وقف العقاد

.60املرجع نفسه، ص -62 -القاهرة -دار الكتاب املصري -عبد الرمحن شكري -عاصر يف مصرأعالم األدب امل:محدي السكوت و مارسدن جونز -63 .39، ص 1980، 1:ط .40املرجع نفسه، ص -64

أقوى بدعا و هو يهاجم شعر شوقي خاصة، بشكل جائز يف ذكر بعض الفروق و كان قلمه أكثر سخرية و رمبا

، و يف املقابل، 65"على عبقرية هذا الشاعر العظيم، ولكن شكري فصل أكثر رمبا ألنه أحس أنه موضع هجوم

البدع ألنه ميعن يف اإلتيان باألفكار اجلديدة و لكنه مؤمن برسالته و هي أن ينقل الشعر " فقد قالوا عنه أنه شاعر

.66"آداة وصف إىل أداة تعبري وجدانمن جمرد

ورغم أن آراءه التجديدية كانت سديدة إال أنه مل يؤلف نظرية كما فعل النقاد اآلخرون، بل كانت آراؤه

مل يؤلف شكري نظرية متماسكة متكاملة و إمنا هو يعرض بتفصيل " متناثرة هنا و هناك يف مقدمات دواوينه

ليفه الشعري و النثري، و قد نشر ديوانه وتكرار ملوضوعات متفرقة حول الشعر و الشاعر يف مواضع شىت من تأ

قد قدم له العقاد مبقدمة يف حنو عشر 1913األول و الثاين دون مقدمات و إن يكن الديوان الثاين املنشور سنة

صفحات عن الشعر بعامة و خص الصفحات الثالث األخرية لرأيه يف شعر شكري باعتباره خري من ميثل الشعر

الذاتية و ختليص الشعر من الصخب، الوحدة " يف الشعر و الشعراء، دعا فيها إىل ، و خبصوص رأيه 67"اجلديد

العضوية يف القصيدة فهي مثل التمثال الذي يكمل كل جزء فيها سائر األجزاء، التحرر من القافية بتنويعها أو

له و اإلنسانية، تصوير لباب التحرر منها ائيا، العناية باملعىن و إدخال األفكار الفلسفية و التأمل يف السكون ك

األشياء و جهرها و البعد عن األعراض، تصوير الطبيعة و الغوص إىل ما وراء ظواهرها، التقاط األشياء البسيطة

.68"العابرة و التعبري عنها تعبريا فنيا مجيال

هذا عن الشعر، أما الشاعر فهو يرى ضرورة التزام الشاعر ببعض الشروط اليت جتعله أهال للعيش يف هذا

أما عن الشاعر فإن أول ما نادى به شكري يف هذه املقدمة " العصر، و يف الوقت نفسه فاعال و منفعال و مؤثرا

عر راغبا يف أن يفكر كل فكر و أن حيس كل أنه يكون عند الشاعر ما مساه بالشره العقلي الذي جيعل الشا

احساس، و ينبغي للشاعر لكي جيئء شعره عظيما أن يتذكر أنه يكتب للعامة و لقرية و ال ألمة و إمنا هو

يكتب للعقل البشري و نفس اإلنسان أين كان، و هو ال يكتب لليوم الذي يعيش فيه و إمنا يكتب لكل يوم

.69" وكل دهر

.45املرجع نفسه، ص -65 .45، ص -عبد الرمحن شكري -أعالم األدب املعاصر يف مصر:محدي السكوت و مارسدن جونز -66

.46املرجع نفسه، ص -67 .48-47املرجع نفسه، ص ص --68 .49املرجع نفسه، ص -69

قول، من العودة للرتاث القدمي قصد اإلحياء و إعادة البعث تتحول أنظار العامل العرب للوجهة ومجاع ال

الغربية بعدما أثبتت طرق التقليد عدم جدواها، فكان األخذ عن آخر ما وصل إليه تيار التجديد يف العامل الغريب

و كانت وسيلتهم الرتمجة يف بداية األمر، هو وجهة العرب، و منها لوا عنهم طريق التفكري العلمية و املوضوعية

مث تسىن هلم زيارة هذه الدول الغربية يف املهجر و منها اطلعوا على آخر ما وصلوا إليه يف إجنازهم، و صار لزاما

.على النقاد و الشعراء التحرر من النماذج القدمية و البحث عن سبل جديدة

جماله ما يثبت اجتاهه للتجديد نذكر خليل مطران أمحد شوقي تعلق التجديد بشخصيات خمتلفة كل له يف

و غريهم كثري، و كانت مقاالت الديوان صورة واضحة و مدونة لتلك الرغبة يف االنفصال عن ... وطه حسني

.النماذج التقليدية و رسم أخرى مسايرة للعصر الذي يعيشه اإلنسان احلديث

:نصوص و تطبيقات

:يقول رمضان محود

لست أختار ما حييت سواها******************تلمين يف حبها و هواهاال

إن روحي و ما إليــــــــــــــــــه فداها***************هي عيين و مهجيت و ضمريي

كوكبا ســـــــــــــــــــاطعا بربج عالها****************إن عمري ضحية ألراها

و شقائي مسلــــــــــــــــــــــــــــم بشقاها*****************فهنائي موكل برضاها

تنطوي األرض أم خير مســــــــــــــــاها***************إن قليب يف عشقها ال يبايل

و قضى أن يرد روحي صداهـــــا************قد قضى اهللا أن تكون كصوت

ــــــــــــــــــــــيب نار وراها و صدود احلبــ*************مل أنل حبييب إال صدودا

كل ذنيب يف كون قليب اصطفاها*************هجرتين من غري ذنب و لكن

يف يد الوجد حمرقا بلظـــــــــــــــــــــــــــــــــــاها*************قيدتين و خلفتين أسريا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــرداهامن وداعي تعلقي بـ**************فارقتين بال وداع و خافت

عذبت مهجيت بشحط نواهـــــــــــــــــــا**************تركتين و مل تراعي هياجي

.باالنطالق من هذه األبيات، حدد مكامن التجديد يف شعر رمضان محود - *

ساعة و نصف :المدة

)لسانس ل م د (طلبة السنة الثانية : الفئة المستهدفة

:تمهيد

غريت شعارات التجديد كثريا يف التصورات اليت آمن ا العامل العريب يف عصر النهضة حول ضرورة استعادة

زمنية ماضية، و أفكار األجماد الضائعة، ذلك أن األمر يتعلق بأفكار مل يعد جيدي األخذ ا الرتباطها بفرتة

التجديد هذه يف البداية مل تكن سوى شعارات تكتب مقاالت و تتوىل الصحافة مهمة نشرها و إيصاهلا للقارئ

سواء أكان شاعرا أو ناقدا و مجلة األفكار اليت مت الرتويج هلا يف األصل كانت ملثقفني أخذوا عن اآلخر األجنيب،

...نتقال للعامل الغريب، اجنلرتا أو فرنساإما بطريق الرتمجة أو اهلجرة و اال

فكانت األفكار التجديدية خالصة قراءات معمقة ألعمال النقاد و الفالسفة الغربيني، و أخريا انتهت كل

.. هذه احملاوالت املتفرقة إىل إقامة جتمعات أو بعبارة أخرى مدارس قصد حماولة التوحيد بني اآلراء و املبادئ

ذه األهداف قاد إىل القيام بإنشاء مجاعة الديوان أو مدرسة الديوان و هي ثالثية التكوين، تقاسم والقول

تأسيسها كل من العقاد و املازين و شكري، و قد مجع هؤالء اتفاقهم حول نفس اآلراء التجديدية اليت يكون

ينفصل عن العلوم العربية اليت تكون مصدرها العامل الغريب، و لكن يف الوقت نفسه على الشاعر أو الناقد أن ال

.أوىل أولويات اهلوية العربية

ويف مقابل القول ذا، كانت آراؤهم كلها صورا جديدة خمتلفة عن التصور التقليدي للقصيدة العربية من

جهة، و بعدها لآلراء و القضايا النقدية من جهة أخرى، فكانت أسباب القوة يف القصيدة العربية كما أحياها

اسبة لعصر خيتلف بكل معطياته عن العصر القدمي، زعماؤها سببا يف الثغرة اليت حالت دون احلصول على صورة من

فليس األمر متعلقا باملعجم العريب القدمي يف مقابل استخدام لغة تعرب عن موجودات العصر احلديث، و لكن األمر

المحاضرة الخامسة -5

جماعة الديوان

متعلق مبنظومة فكرية تفرض بدورها واقعا خمتلفا و كل قالب خمتلفا عن هذه الظروف هو صورة هلذا العجز

.يرة الواقعوالنقص يف مسا

فكان التمرد على هذه الصور التقليدية هو منتهى التفكري عند هؤالء اددين، متردا يقدم يف املقابل اجلديد

والبديل، هذا البديل يعد مؤِسسا و مؤَسسا، فارتبطت مجاعة الديوان بالتيار الرومانسي االجنليزي الذي حياول

عته املدرسة الكالسيكية إذ انتهت مبادئها معاملا للرجعية اخلروج عن األقانيم القدمية، و هو التيار الذي شج

والتخلف، و انطالقا من النظرة الرومانسية تؤمن مجاعة الديوان بالتيار الوجداين الذايت الذي يرى املوهبة و الصدق

وروث يف آداء الشعر أهم من القالب، الذي يكون مفرغا من روح عصره ألنه يقوم على احملافظة، حمافظة على م

.يتعلق األمر فيه بالشكل و املضمون و هو ما أثار حفيظة اددين، فرأوا يف ذلك تأكيدا على ختلف األداء

واألمر ال يتعلق بالنقد و الشعر فقط بل طال الفكر العريب كله يف عصر صارت فيه احلضارة الغربية متميزة

نماذج املصنوعة و تظهر هذه الصناعة من خالل تكييفها دون أدىن شك، فصار من الضروري االبتعاد عن هذه ال

هلذا الواقع، فكانت شعارات املدارس التجديدية أقرب للواقع و الفكر معا، ورافقت هذه املدارس ظهور الرومانسية

ل يف العامل الغريب كنظرية ال تتعلق باألدب فقط بل هي نظرة فلسفية تقدس الذات و الوجدان و اخليال، هذا اخليا

الذي ال يكتفي بتحرير الذات من التقليد و لكن حيررها من ذاا و منطيتها و من واقعها إىل عامل آخر ال حتده

.حدود الواقع و ال تتحكم فيه أشكال الصور أو مناذج

فتشكلت للقصيدة مالمح جديدة مل يعرفها املبدع العريب من قبل، دليله يف ذلك الفكر مبا هو إمكانات

ماالت متعددة ال تقبل مفهوم احملافظة و تأىب التقليد كما أا تسبح يف حبر من اخليال ال حدود له، فكان ال واحت

بد أمام هذه التغريات أن تتشكل مالمح جديدة لنقد يالئم هذا اجلديد، و هي املبادئ اليت تزعمتها املدارس

، بل هناك جمموعة من املدارس اليت أخذت على واجلماعات يف العصر احلديث، و ال يتعلق األمر جبماعة فحسب

.عاتقها مهمة التأسيس كما يفعل أصحاب التيار اجلديد يف العامل الغريب

وسيخصص احلديث هنا القول حول مجاعة الديوان مبا هي أوىل املدارس اليت تشكلت معاملها يف العصر

ج من التخلف و مواكبة العصر بكل معطياته، دليلهم احلديث و استجابة لظروف العصر احلديث، إذ حياول اخلرو

يف ذلك الفكر اجلديد الذي وصل إليهم عن طريق وسائل خمتلفة، أمهها اهلجرة و االطالع على ثقافة اآلخر يف

موطنها األصلي دون تزييف، و حماولة الرسم على مثال دون اخلروج عن اهلوية اخلاصة، من أجل جتنب الوقوع يف

.عمى الذي ميحو اهلوية و يطمسهاالتقليد األ

فكانت اهلدف الذي ينشده هؤالء هو مواكبة اجلديد يف القول و الفعل لكي ال يهمشهم الواقع، و يف

املقابل عدم االنفصال متاما عن اهلوية العربية اليت تدين هلم حبق الوفاء، و هلذا كان النفصاهلم عن سبل التفكري يف

انفصاهلم عن اآلخر األجنيب الذي خيتلف عنهم متاما من حيث األصل و اهلوية،و لعل ما مييز واقعهم وعيا حبقيقة

الرعيل األول من النقاد يف العصر احلديث، يف مقدمة هؤالء العقاد و غريه من النقاد الذين تشبعوا من الثقافة

.العربية و كذا الغربية

حقيقة نشأا و ظهورها و كذا مصادر معرفتها؟ و ما هي ؟و ماذا عن- الديوان - فما هي طبيعة هذه اجلماعة-

املبادئ اليت نادت ا؟ و كان هلم مؤلفات تأسيسية خاصة كانت اجلانب امللموس و الشاهد على طريقتهم يف

التفكري، علما أن احملاوالت اإلبداعية متوت و تنسى إذا مل تدون و ترسخ، فتبقي ما يدل عليها و يرمسها لألجيال

.خرىاأل

:جماعة الديوان و تاريخ نشأتها-1

يف النقد العريب احلديث لتحيل إىل نفس التسمية و تفسري األمر ... كثريا ما ترد املدرسة و املذهب و االجتاه

متعلق بطريقة تفكري الناقد و األديب احلديث، إذ كانت هذه الدالالت متساوية ال فرق بينها من حيث الوضع،

مل يفرق نقاد العصر " ضحه املعجم املفصل يف األدب عند حتديده لداللة املذاهب األدبية، يذكرو هذا ما يو

احلديث العريب بني املذهب و املدرسة و االجتاه، و رأو أا نزعات و تيارات تعاجل مظاهر الشكل و مضامني

ضي، و منها ما يقيس موضوعاته على املعىن، فمنها ما مييل إىل التجديد، و منها ما يرفضه و يتمسك بأهداب املا

.70" القضايا املعاصرة، و بعض هذه املذاهب مادي، و بعضها فين، و ثالث نفسي

ويف مقابل هذه املصطلحات عرف مصطلح اجلماعة يف كثري من املوضع ليخصص داللة حمددة، و القول

ي يطلق على االجتاه األديب الذي التزم به مجاعة الديوان مصطلح لفظ" يشمل مجاعة الديوان، الذي قيل بشأا

كل من األدباء، عباس حممود العقاد، عبد الرمحن شكري، عبد القادر املازين، و ذلك نسبة إىل كتاب الديوان

إذ أن الديوان يعترب ذا األثر الفعال يف التفات الناس إىل ذلك املذهب 1921الذي أصدره العقاد و املازين سنة

نشره بعد ذلك ملا ثار حوله من ضجة كان من أهم دوافعها إجالل الناس لشوقي فإذا بالديوان اجلديد، و يف

.777املعجم املفصل يف األدب، ص :حممد التوجني -70

حيطه معلنا ذلك يف غري مباالة و اكرتاث، و معتزما أيضا حتطيم أمثال شوقي ممن اعتربوهم أصناما طالت عبادة

.71..."الناس هلم

ه كتاب يف األدب و النقد، إال أن اآلراء املوجودة وعلى الرغم من عدم مشاركة عبد الرمحن شكري يف تأليف

يف الكتاب مشرتكة بينهم حبكم الثقافة اليت اشرتكوا يف تلقيها، و األمر كذلك يتعلق بالكالم الذي يكرره العقاد

حول فضل عبد الرمحن شكري يف وضع الكثري من اآلراء و األفكار التجديدية اليت أرست دعائم الديوان، ويتعلق

مر عنده مبقدمات دواوينه الشعرية، و حىت األبيات الشعرية اليت كان يصوغها موافقة لآلراء اليت وردت يف األ

الديوان، و قد عرفت مجاعة الديوان ذا االسم دون املدرسة ألسباب تتعلق خبصوصية استخدام مصطلح

يقتضي ) مجاعة( ، ذلك أن لفظ مدرسة مثال: مصطلح اجلماعة أوىل يف االستعمال من مصطلح آخر ك" اجلماعة

االجتماع و ال يقتضي التجانس أو التماثل أو التوحد، و هذا ما ينطلق من وجهة نظري على مجاعة الديوان، إذ

أا جمتمعة ضمن إطار عام و هو املدرسة الرومانسية أو االجتاه الوجداين، و رغم التقارب يف املرجعية و األهداف

اجلماعة النقدية و نتاجام األدبية يلحظ جوانب اختالف واضحة بينهم، تعود يف أكثرها إال أن املتعمق يف آراء

.72" إىل طبيعتهم لشخصية، و قدرم على استيعاب الثقافة اليت تشبعوا ا

من حيث الثقافة إىل االجنليزية، و قد وصلت إليهم -العقاد، شكري و املازين - وينتمي هذا الثالثي

ت األخرى العاملية عن طريق اللغة االجنليزية اليت كانت وسيطا بينهم و بني ما قاله النقاد و الشعراء يف العامل الثقافا

الغريب، و لعل أحق من ميكنه احلديث عن كتاب الديوان هم أصحابه أنفسهم، إذ بينوا حمتوى و هدف هذا

ية يف العصر احلديث، و قصد حتقيق هذا املبتغى الكتاب الذي أمجل و أوجز خالصة آراء أصحابه النقدية و األدب

هو كتاب يتم يف عشرة أجزاء، موضوعه األدب عامة، و وجهته اإلبانة " كانت مقدمة الكتاب وسيطا، فقيل عنه

عن املذهب اجلديد يف الشعر و النقد و الكتابة و قد مسع الناس كثريا عن املذهب اجلديد يف بضع السنوات

آثاره و يأت األذهان الفتية املتهذبة لفهمه و التسليم بالعيوب اليت تؤخذ على شعراء اجليل األخرية و رأو بعض

-2011 –ورقلة -املصطلح النقدي عند مجاعة الديوان، رسالة ماجستري، جامعة قاصدي مرباح:حممد الصديق معوش-71 .15، ص 2012

.17-16املرجع نفسه، ص ص -72

املاضي و كتابه و من سبقهم من املقلدين، فنحن ذا الكتاب يف أجزائه العشرة و مبا يليه من الكتب نتمم عمال

.73"مبدوءا و نرجو أن نكون فيه موفقني إىل اإلفادة مسددين إىل الغاية

و أقرب ما منيز به " كذلك قاموا بتمييز مذهبهم يف القول عن مذهب البقية، فقالوا يف نفس املوطن عنه

مذهبنا أنه مذهب إنساين مصري عريب، إنساين ألنه من ناحية يرتجم عن طبع اإلنسان خالصا من تقليد الصناعة

عامة، و مظهر الوجدان املشرتك بني النفوس قاطبة، املشوهة، و ألنه من ناحية أخرى مثرة لقاح القرائح اإلنسانية

و مصري ألن دعاته مصريون تؤثر فيهم احلياة املصرية، و عريب ألن لغته العربية، فهو ذه املثابة أمت ضة أدبية

ظهرت يف لغة العرب منذ وجدت، إن مل يكن أدبنا املوروث يف أعم تظاهرة إال عربيا حبتا يدير بصره إىل عصر

.، إىل جانب كثري من املقاالت اليت صدرت قبل الكتاب74"اهلية اجل

:مواطن التجديد عند جماعة الديوان-2

ورد يف كتاب الديوان عديد القضايا املتعلقة مبواطن التجديد عندهم، فطرحت هذه القضايا نقلة نوعية فيها

ة جديدة مسيت بالتجديدية و فيها انفصل النقد احلديث من مرحلة اإلحياء، مبا هي مرحلة تقليد إىل مرحل

اختلفت كل املفاهيم املتعلقة بالشعر و النقد، انطالقا من تغري طريقة التفكري اليت كانت نتيجة منطقية لوضع

فكري فلسفي معني أماله التواصل مع احلضارة الغربية و األخذ عنها، و أوىل هذه القضايا متعلقة مبفهوم الشعر

.عند مجاعة الديوان

:مفهوم الشعر -*

والقول حول مفهوم الشعر انفصل عن ما قيل عنه قدميا، و يف الوقت نفسه مل يضبط بتعريف حمدد، ولكن

بأنه " تعددت املفاهيم اليت حتدثوا عنها بتعدد جوانبه، و من بني املفاهيم اليت ارتبطت بالشعر عند هذه اجلماعة

عبري يرتبط بالعامل الداخلي للشاعر، هذا هو جوهر مفهوم الشعر عند تعبريه و إصرارهم الشديد على أن الشعر ت

، و قد 75".أعضاء مجاعة الديوان و يتضح ذلك من كتابام النقدية الكثرية املتفرقة بل و إنتاجهم الشعري كذلك

، ص 1921 -القاهرة–ديوان يف النقد و األدب، دار الشعب للطباعة ال:عباس حممود العقاد و ابراهيم عبد القادر املازين -733-4. .4، ص الديوان يف النقد و األدب، :عباس حممود العقاد و ابراهيم عبد القادر املازين -74، ص 1973جامعة عني مشس سنة، -التجديد يف الشعر و النقد عند مجاعة الديوان، أطروحة دكتوراه: سعاد حممد جعفر -75

134.

اب اليت محل تعريف الشعر عندهم من هذه الناحية بيتا شعريا ينسب إىل عبد الرمحن شكري، و هو من بني األسب

أال يا " جعلت عبد الرمحن شكري رائدا يف مجاعة الديوان رغم عدم مشاركته يف إنتاج الكتاب، و البيت يقول

.76"طائر الفردوس إن الشعر وجدان

ومن هذا املنطلق هدمت أول قاعدة تبناها زعماء حركة اإلحياء و هي التقليد و ضبط الشعر بالقوالب

ال يربحها، و انتقل الرتكيز عندهم من الوزن و القافية و الشكل إىل حمور أكثر أمهية، ويتمثل والنماذج القدمية، إذ

يف الوجدان أو عامل الشاعر الداخلي، حيث تتجلى املوهبة و الشعرية مبعزل عن كل تصوير يرجع قول الشعر إىل

واطف هو دعوى قول الشعر تلك القدرة على احلفظ و بعدها النسج على مثال، فيكون صدق املشاعر و الع

وليس االعتماد على احملاكاة و التقليد، و مرجعهم يف ذلك التيار الرومانسي الذي يركز على الذات و الشعور

والوجدان، فانتقلوا من إميام بضرورة العقل إىل أمهية الذات و الوجدان، و األمهية تكمن عند مجاعة يف إيصال

.هي يف نفس الشاعر و هي شروط الصدق و الفنية يف تصورهمالفكرة و العاطفة للمتلقي كما

فالشعر يف نظرمها تعبري " والصدق هنا ينقل جتربة الشعر من كوا جتربة شخصية فردية إىل كوا جتربة عامة

من مباشر عن نفس الشاعر، و الشاعر باعتباره إنسانا يعيش يف اتمع و يشعر بقومه و يتجاوب مع ما يف وطنه

أحداث،فإنه إذا عرب تعبريا صادقا عن نفسه فهو إمنا يعرب بطريقة غري مباشرة عن جنسه و عن جمتمعه و عن بيئته

، و لكن شكري يزيد على قول هذا ما يراه مالئما للشعر، إذ يربطه باخليال، فليس الوجدان 77"و عن عصره

عند عبد الرمحن شكري ال شخصيته فهي ال ترتبط فالقصيدة" واحمليط لدى الشاعر إال ذلك العامل غري احملدود

حبياة قائلها و ال حبياة شيء حمدد خارجها ارتباطا مباشرا، و إمنا هي خلق خيايل مستقل بذاته، الشاعر فيها

يستفيد من الواقع، و يأخذ منه و لكنه يتطور به و يضيف إليه من نفسه و ما يقتضيه الفن، و يعدل فيه و يبتعد

.78"عليه الضوء الساطع فيكشف عن حقيقته و ال ينقله كما هو بأية حال من األحوال عنه ليلقي

فيكون اخليال هو املسافة اليت يزيد فيها شكري عن مفهوم الشعر عند اجلماعة، و يكون التنفيس و كشف

قدية املتعلقة بالشعر وهي احلقيقة هو اهلدف املنتظر من الشعر، و قد أصر العقاد و املازين على بعض املقاييس الن

و آية الصدق عندمها أن تكون مناذج الشعر ترتجم لكل خاجلة من خواجل النفس " ما تعلق مبقياس الصدق

.املرجع نفسه، و الصفحة نفسها-76 .137، ص التجديد يف الشعر و النقد عند مجاعة الديوان: سعاد حممد جعفر -77 .139، ص املرجع نفسه -78

الشاعرة، و أثر من آثار تلك احلياة الباطنة و الظاهرة، و الشاعر إذا بلغ التوافق بني خالئقه و بشعره هذا املبلغ

.79" آية الشاعرية أو امللكة الفنية فتلك آية التعبري الصادق أو تلك

و األمر ) شعر الشخصية( وهي دعوة إىل ترك الصنعة و القول بالطبع، و إىل جانب الصدق نذكر قضية

هنا يتعلق بوجدان الشاعر و مكامن الذاتية يف قول الشعر، إذ يتحرى الشاعر التعبري عن املشاعر الداخلية اخلاصة

. به

.هذا عن الشعر أما الشاعر فقد وضعوا له جمموعة من احلدود

:مفهوم الشاعر -*

و إىل جانب هذه الصفات املميزة " وعنه اجتمع زعماء مجاعة الديوان على توفر الشاعر على جمموعة صفات هي

اعر يف نظر أعضاء الشاعر عن بين البشر و اليت تتمثل يف التفوق يف اإلحساس و التفكري، فإن الفنان أو الش

مجاعة الديوان حيتاج إىل املوهبة األصلية اليت هي هبة السماء باإلضافة إىل تنمية هذه املوهبة بالدراسة و االطالع

و التمرين املستمر و قد أدرك شكري هذه احلقيقة فأخذ يشرح لقرائه ضرورة نقل املوهبة الشعرية باالطالع املستمر

افة اللغات و ذلك ألن االستعداد الفطري ال يكفي وحده، بل ال بد أن يعضده و حىت نتهيأ لقول الشعر يف ك

.80"يقويه استعدادا آخر يكمن يف االطالع املستمر

فتتحول قراءة الشعر عند شكري من االطالع على الثقافة اجلاهلية عند زعماء اإلحياء إىل االطالع على

تصور عام يشمل العقل البشري عامة، و يشرتط أن يتوفر الشاعر الشعر يف كل الثقافات و اللغات للوصول إىل

على شرط املوهبة و الطبع، كما أن مجاعة الديوان تتفق كلها مع الرومانسيني و الربناسيني حول رأيهم يف غاية

عر هي خلق فغاية الش" الشعر اليت جيب أن تبتعد عن الغاية االجتماعية و الغاية األخالقية و كذا الغاية الدينية

اجلمال ألن اجلمال هو جمال الفن الوحيد، و هو غاية يف ذاته الائي، و ليس خادما للحس ألنه حيتوي احلقيقة

اإلهلية و اإلنسانية فهو القيمة املشرتكة اليت تلتقي عندها طرق التفكري، و معىن هذا أن للشعر رسالة إنسانية يف

.81" فس و مشاعرها الصادقة، و يف السمو بالنفس عن طريق املتعةهداية الصفوة إىل التعرف على مواطن الن

.153املرجع نفسه، ص -79 .170، ص ، ص التجديد يف الشعر و النقد عند مجاعة الديوان: سعاد حممد جعفر -80 .177املرجع نفسه، ص -81

وحترير الشعر من هذه الغايات هو متحور حول التجربة الشعرية لدى الشاعر و انفصاهلا عن أي ارتباط بأي

عري جمال كان، و تشمل اجلزئيات كما تتعلق بالكليات دون أي قيد أو شرط، هذا و قد حتدثوا على اإلبداع الش

اإلبداع الشعري عند شكري يصدر عن انفعال ملتهب جتلى يف ثنائية أساليب الشعر يف ذهن الشاعر " و رأو أنه

و تتضارب العواطف يف قلبه و لكنه تضارب ال يزعج نبضه طيور األنغام الشعرية اليت تغرد يف ذهنه، مث تتدفق

يف غري هذه احلالة فالشعر الذي يصنعه يأيت فاتر األساليب الشعرية كالسيل من غري تعمد لبعضها دون بعض أما

العاطفة، قليل الطالوة و التأثري، و إدمان االطالع أساس الشعر، ألنه هو الذي يهييء الطبع، أما انتقاد

األساليب عند النظم، فدليل على أن الشاعر غري متهئء الطبع ناضجه ليس يف إصابة نغمة و ال يف قلبه

.82"عاطفة

فالشعر هو " ول أصول الشعر يرى شكري أن الشعر خيضع لعناصر ثالثة العواطف و اخليال و الذوقوح

كلمات العواطف و اخليال و الذوق السليم، فأصوله ثالثة مرتاوحة فمن كان ضئيل اخليال، أتى شعره ضئيل

بانة عن حركات تلك الشأن و من كان ضعيف العواطف أتى شعره ميتا ال حياة له، فإن حياة الشعر يف اإل

العواطف، و قوته مستخرجة من قوا، و جالله من جالهلا، و من كان ينقصه الذوق أتى شعره كاجلنني ناقص

اخللقة، غري أن بعض الناس حيسب أن سالمة الذوق يف رصف الكلمات كأمنا الشعر عندهجلبة و قمقمة بال

عر سائرا إال أذا كان غري الشاعر مقدرة على التأليف بني طائل معىن، أو كأمنا هو طنني الذباب، و ال يكون الش

.83" اللفظ و املعىن

كما أضافوا إىل هذه األصول الثالثة اإليقاع الشعري و الوحدة الفنية، كما أكدوا على قيمة العاطفة يف

، 84" جد شعر من دوافالشعر مهما اختلفت أبوابه و تباينت أغراضه حيتوي دائما على العاطفة و ال يو " الشعر

إذا ذهبنا نبحث عن فهم مجاعة الديوان للخيال، جند أم ينظرون إليه " كما أكدوا على قيمة اخليال، فورد بشأنه

على أنه وسيلة من وسائل التعبري، و أنه ليس غاية يف ذاته، كما أم يفهمونه على أنه البعد عن املبالغات

يف الوصف و حتري الصحة و الصدق الشعوري قدر اإلمكان، و هذا واألكاذيب و مهامجة االجتاه احلسي

.184، ، ص التجديد يف الشعر و النقد عند مجاعة الديوان: سعاد حممد جعفر -82 .188املرجع نفسه، ص -83 .189املرجع نفسه، ص -84

يتماشى مع مفهوم الشعر عندهم الذي ينص على أن الشعر تعبري عن الوجدان هدفه إظهار احلقيقة، و إثارة

.85"الشعور و إحداث املتعة

فالشعر يف نظر " ويف مقابل تأكيدهم على أمهية هذه الشروط تنزل اللغة يف تصورهم عن صدارة قول الشعر

العقاد و املازين ملكة إنسانية و ليس ملكة لسانية، هو اخلواطر و األحاسيس و العواطف، أو هو حقائق احلياة،

عن هذه األشياء فاالهتمام ا ال يأيت إال من أجل االهتمام أوال مث اللغة ثانيا، ألن اللغة يف نظرهم آداة للتعبري

كما طالب أعضاء مجاعة " ، و حول املعاين86"بالتعبري عن األحاسيس و احلقائق، فهي وسيلة و ليست غاية

الديوان بالوضوح يف التعبري عن املعىن و استنكروا تعمد الغموض أو االام أو التكلف و التصنع، طالبوا أيضا

ق املعىن و صدقه، فالفنان يف نظرهم ال يطالب بأن يكون سهال لكل إنسان و ال يقيد باملعاين و اخلواجل اليت بعم

يتساوى يف التفطن إليها مجيع الناس، ألن السهولة ليست أساس البالغة و حمورها إال على فرض واحد و هو أن

.87"يؤدي ا الشاعر املعاين اليت يؤديها غريه مبشقة و اعتساف

الذوق االهتمام التقييم النقد

التفسير بالمضمون العلمي

بدل الشكل التحليل الفلسفي

.202املرجع نفسه ، ص -85 241، ص التجديد يف الشعر و النقد عند مجاعة الديوان: سعاد حممد جعفر -86 .250املرجع نفسه، ص -87

التجديد في النقد عند الديوان- *

التجديد التلميح جدة وحدة الشعر

الموضوعات البنية الموضوعي في اإليقاع دون التصريح

القصصي و الموسيقى

التجديد في الشعر-*

وجممل القول، تعد مجاعة الديوان أوىل اجلماعات اليت ظهرت يف العصر احلديث، اهتمت بالشعر والنقد،

فرأت ضرورة إعادة النظر يف قوانني حركة البعث و اإلحياء و هذا مبسايرة العصر تأثرا باملنظومة الفكرية اليت صارت

تأثر روادها باحلركة الفكرية يف أوروبا أجنلرتا بالضبط، فتشبعوا بالثقافتني العربية و حتكم العامل بعد عصر النهضة،

الغربية، و قرروا جمموعة من القواعد التجديدية يف االني الشعر و النقد، و أنشؤوا كتابا نقديا ال يزال إىل اليوم

شعر و النقد، ميكن إجياز جمموعة من املبادئ مرجعا مهما يف جمال النقد العريب احلدبق، هو كتاب الديوان يف ال

اليت نادوا ا يف سبيل حتقيق التجديد، ففي جمال النقد قالوا بضرورة الذوق و الطبع و االبتعاد عن التكلف و

التصنع، اعتماد التقييم و التوجيه بعد التفسري و التحليل، و كذا االهتمام باملضمون و يأيت الشكل يف املرتبة

و كذلك اعتماد آخر ما وصل إليه التفكري العلمي و الفلسفي يف العامل العريب، و يف جمال الشعر جرى الثانية

احلديث حول جدة املوضوعات و كذلك وحدة البنية و ظهور الشعر املوضوعي القصصي و كذا التجديد يف

...اإليقاع و املوسيقى و كذا الرتكيز على التلميح دون التصريح

:تطبيقاتنصوص و

و على نفسها جنت براقش، فنحن نكتب هذه الفصول لنظهر لشوقي و من " يقول إبراهيم عبد القادر املازين

على شاكلته عجز حيام و وهن أسلحتهم و نضطرهم إىل العدول عن أساليبهم املستهجنة يأسا من صالحها

ال متوه على الناس أقدارهم إال ريثما تنكشف يف هذه األيام، إذ يعلمون أا ال تعصم من النقد الصحيح و

أسرارهم، و نقول لشوقي يف أن سنة اهللا مل جتر بأن يقوض الغابر املستقبل، و لكنها قد جتري بأن يقوض احلاضر

الغابر و املستقبل احلاضر، فإن كان يكربه أن يتنفس الناس اهلواء كما يتنفسه و ال يشتفي إال بأن يصغر الدهر

ة صاحلة فال شفى اهللا نفسه من غيظها و ال أبرد عليها وغرة قيظها، و إنه ليلذ لنا أن نكون حنن حربه من كل بقي

.88"و بالءه و أن نستطيع اإلدالة للحق من الباطل يف غرض من األغراض فإا لذة نادرة يف هذا العامل

داعية يف العصر احلديث و أهم انطالقا من النص وضح وجهة نظر أعضاء مدرسة الديوان يف الكتابة اإلب - *

الشروط اليت ترتبط ا؟

و لقد كان مما قيل يف املدينة احلديثة أن أقالم أدبائها إحدى احلواجز اليت " ويقول عباس حممود العقاد

فرد تصوا أن ترتد إىل العصور املظلمة و أا عصمة هلا من أن تستبد بعقوهلا عادة أو تسيطر على ميوهلا مصلحة

أو طائفة و أا سالح من أسلحتها املاضية ختشاه كل قوة و حيسب حسابه كل طاغية فأي عصمة ملصر يف

أقالم هؤالء املخططني و النظامني و هم ذه احلال من اخلور و املداجاة؟؟ إال أن العصا يف يد األكار ألنفع

.89"ولةملدينة مصر و أصون لسمعتها من كل قلم تشرعه تلك النفوس املهز

.من نص العقاد حدد الرافد الذي يراه مناسبا لالقتداء ؟ - *

.11الديوان يف األدب و النقد، ص : يم عبد القادر املازينعباس حممود العقاد و ابراه-88 .122الديوان يف األدب و النقد، ص : عباس حممود العقاد و ابراهيم عبد القادر املازين -89

ساعة و نصف :المدة

)لسانس ل م د (طلبة السنة الثانية : الفئة المستهدفة

:تمهيد

كان جلماعة الديوان الفضل الكبري يف إرساء دعائم النهضة، سواء تعلق األمر بالشعر أو بالنقد، و ذلك من

خالل ما قدموه من قضايا نقدية دف من خالهلا إلعادة رسم صورة جديدة هليكل القصيدة و كذا مضموا،

اإلجناز، إال أنه من الصعب إثبات زعامة وإن اختلف أعضاء اجلماعة مبا قدموه من سعي حثيث يف سبيل هذا

أحدهم يف مقابل اآلخر، و ألن نوازع النفس البشرية هي اليت تربوا فوق كل اجتماع مل تلبث هذه اجلماعة حىت

تفرقت، و صار من الصعب هو مواصلة االجناز يف ظل هذه املشاحنات اليت انتهت إىل عودة كل واحد منهم إىل

.عقاد يكتب وحده أفكارا ضمن املقاالتحيزه املعتاد و بقي ال

واية مرحلة الديوان مل تكن يف الواقع سوى بداية جديدة عرفت هذه املرة باسم آخر خمتلف هو مجاعة

أبولو، فباالنطالق من التسمية تتسع خميلة اإلدراك لدى السامع لتصل إىل أبعد فرتة زمنية وصلنا منها تيار النهضة

بوصفها -األساطري - ألمر يتعلق هنا باحلضارة اليونانية و أقدم النصوص اليت عرفت يف تلك الفرتةو التجديد، و ا

فيض من الدالالت الرمزية اليت أرشدت إليها سذاجة التفكري البدائي، مبا هو وجود يسعى إىل تثبيت ركائزه يف

هلة، هذا التصور امليتافيزيقي الذي حيمل عامل غريب خمتلف ال ميلك حوله أي تفسري، فتعلق األمر يف البداية باآل

يف ذاته الداللة على كل ما هو خارق و مفارق،و ذلك هو عزاء اإلنسان و هو وحيد يصارع قوى الطبيعة اليت

.تشعره باخلوف بسبب جهله ألسباا

المحاضرة السادسة-6

جماعة أبولو

ف، املهم أا تشغل ويكون أبولو إله من بني عديد اآلهلة اليت ارتبطت كل منها بوظيفة ما أو متعدد الوظائ

الفراغ الذي يفصل بني اإلنسان و الطبيعة من جهة، و بينه و بني القدر من جهة أخرى، فالقول بتسمية كهذه

ملدرسة ظهرت يف العصر احلديث يف العامل العريب حيمل يف ذاته جمموعة من الدالالت اليت يكون يف مقدمتها

، و حماولة من أعضائها الحتواء املاضي و احلاضر الغريب يف سبيل رسم االنفتاح و التأثر املفرط بالثقافة الغربية

.معامل التجديد

فكانت مدرسة أبولو ثاين املدارس بعد انتهاء مجاعة الديوان و تفككها، و ارتباط أبولو باسم اجلماعة دون

متعلق يف اجلماعة باالختالف بني املدرسة تفسريه يتشابه مع التفسري الذي ارتبط جبماعة الديوان، ذلك أن األمر

أعضائها، و هذا ما شهدته مدرسة الديوان و كذلك أبولو كما سيأيت ذكره فيما بعد، أما املدرسة فاألمر يتعلق

فيها بتوحيد هذه املبادئ و عدم االختالف حوهلا، فتلك االختالفات اليت ظلت رفيقة هذه اجلماعات من بدايتها

.ذي جعلها تسمى مجاعة بدل مدرسةحىت زواهلا هو السبب ال

ومدرسة أبولو حنت بدورها منحى التجديد و بقيت على عهدها مبا نادت به مجاعة الديوان، و ألن

االختالف سنة كونية، فكان هو ما مييز هذه اجلماعات بعضها عن بعض يف ظل تيار قادم من الغرب عنيف

مل العريب على جتنبه ألنه الوجود الذي تزداد حالته سوءا و يعم الوهن جيرف كل ما جيده أمامه، تيار ال طاقة للعا

جسده كله، بسبب املآسي و الصدمات اليت كانت مثرة ختلف جنته بانتساا للدولة العثمانية زمنا طويال، كان

ه و تصحيح األخطاء الرتكيز فيها منصبا متاما على إثبات قيادة هذه الدولة العلية، يف مقابل قام الغريب بتطوير نفس

اليت آمن ا يف عصوره الوسطى، فتميز بقدر استشعاره للنقص و ضرورة التغيري بدءا باملنظومة الفكرية وبعدها كل

.ااالت

فلم يكن االستعمار الغريب بالنسبة للعامل العريب سوى صدمة أيقظته من سبات عميق كان يعيش فيه

ال يف اآلن نفسه، فهذه اجلماعات اليت تقام يف املشرق العريب و خاصة يف مصر ال استعمارا صامتا و هادئا، و قات

جتد من مفر سوى اهلرب إىل حضارة الغرب، و القول هنا يتعلق بالفئة املثقفة اليت استطاعت أن تتقن اللغة

حضارم يأيت منبهرا م االجنليزية، أو متنح هلا فرصة اهلجرة و االطالع على واقع العامل الغريب، و كل مهاجر إىل

.مبا حققوه، و جيذم إليها قدرم على مقاربة األبعاد العلمية و الفلسفية لكل اجتاه

فكانت هذه اجلماعات تنتمي للتيار الرومانسي يف معظمها، ألن الكالسيكية يف تصورهم حمافظة، واحملافظة

لعريب هو السبيل الوحيد للخروج من واقعهم الذي صار مزريا عقبة حتول دون تطورهم، فكان التجديد يف العامل ا

و يتدهور األمر بالنسبة إليه كل حني، فجاءت هذه اجلماعات موغلة يف تبنيها للمبادئ الرومانسية، هذه املبادئ

اليت كان سر اجنذام إليها سحر التحرر الذي حيملونه شعارا لتفكريهم و شعرهم، و حىت حيام، فكانت

ارهم صدى لكل جديد حيمله الغرب، فارتبطت مجاعة أبولو بالرومانسية املتشائمة على غري عادة حركات أفك

التجديد يف العامل العريب، و األمر يتعلق بتدهور الواقع العريب من سيء إىل أسوأ، فكانت هذه الظروف هي

و كلها أصداء للرومانسية املتشائمة دعوى اإلميان ذا االجتاه الذي يقود األمل فيه إىل الفقد و احلرمان،

.باالنطالق من هذا الواقع

فلم تكن خترج صيحات التجديد يف العامل العريب عن الواقع الذي يعيشونه سعيا منهم للوصول إىل حل أو

قت من مفر خيلصهم من الواقع، و ضمن هذا التصور ارتبطت مجاعة أبولو بدورها بعديد القضايا النقدية اليت انطل

واقع الشعر الذي صار بدوره جتربة شعرية وجدانية و إنسانية يف الوقت نفسه، و صار الشكل وسيلة ال غاية يف

ذاته، و منه،

ما طبيعة هذه اجلماعة؟ و ما هو تاريخ نشأا؟ و أين مواطن التجديد يف شعرها و نقدها؟ و هل كانت حبق -

تفكك مجاعة الديوان و استحالة املواصلة بعد تفككهم و تشتتهم؟ وهل منفذا لتيار التجديد يف العامل العريب بعد

؟ كلها أسئلة - أبولو- هلا ما مييزها دون غريها من حركات التجديد؟ و ملاذا اختارت لنفسها هذا االسم بالذات

. ستحاول احملاضرة اإلجابة عنها يف هذا اجلزء املخصص حلركات التجديد

:هاجماعة أبولو و تاريخ نشأت-1

مجاعة أبولو مجاعة أدبية دعا إليها الشاعر " أوردت املعاجم األدبية ضبطا لطبيعة اجلماعة من خالل إيراد

، و أسند رئاستها إىل الشاعر أمحد شوقي، مث تقلدها خليل مطران، وجعل 1932أمحد أبو زاكي، و أسسها عام

، و بني يف عددها األول فكرة اجلمعية، 1925 نفسه كاتب سرها، و أصدر جملة بامسها ظلت تنشر حىت عام

وغايتها، و أسباب اختيار هذا االسم هلا، فأما االسم فقد استعري من امليثولوجيا اإلغريقية اليت تزعم أن أبولو رب

و لكن أبولو رب " الشعر و املوسيقى، و كأن هذه اجلماعة أرادت امسا عامليا هلا و لفنها، و يقول شوقي ضيف

ر، ال يفرق يف ربوبيته بني شعر و شعر، و ال بني مذهب فين و مذهب، و لعل هذا أول ما يالحظ كل الشع

على تلك اجلماعة، فلم يكن هلا هدف شعري و ال مذهب أديب معني، بل هي مجاعة كل شعر مصري، و من

مساعيل، صاحل أبرز أعضائها، علي حممود طه، إبراهيم ناجي، عبد اللطيف النجار، اهلمشري، حممود حسن إ

.90"و ملا مل يكن هلم مذهب معني و ال منهج واضح مل يكتب هلا البقاء...جودة، حممد عبد الغين حسن

أوبولو، " ويورد نفس املعجم توضيحا بشأن التسمية و اآلهلة اليت مت اختيارها لتكون بوابة و واجهة اجلماعة

عند اليونان، كما أنه يشفي من األمراض و جييد العزف على رب النور و املوسيقا و الشفاء و النبوءة و الشعر

آالت الطرب، و يعد أمجل آهلة اإلغريق، و هلذا ميثل حامال قيثارة، و الكتابة األبولونية تتسم بالرصانة و اجلدية

أية لغة واالتزان نسبة إليه، و هو اسم جلماعة من الشعراء أسسها أمحد زكي أبوشادي مبصر، ترى الشعر شعرا يف

بأحاسيسه و خياالته و حقائقه، تقدر الشعر املتجرد و املرسل و احلر و الرمزي كثريا، و ال تبخس القدمي قدره،

و خصصتها للشعر احلديث و نقده، و السمو بالشعراء و مناصرم 1932عام ) أبولو( أصدر جملة حتمل امسها

.91"هضني حلركتهاو توجيههم، و مل يقدر هلا العيش طويال لكثرة املنا

أبوللو هو إله النور واملوسيقى apollonienأبوللو" وعن أصل التصور اليوناين هلذا اإلله يذكر معجم آخر

و الشفاء و النبوءة و الشعر عند اليونان و الرومان، و صفة أبوللوين تستخدم لتصف كتابة تتسم بالرصانة ورباطة

، و النحلة املنتمية إىل أبوللو تفهم عادة على أا يف تضاد مع حنلة ديونيسوس اجلأش و االتزان و االنضباط الذايت

، كما يعزى إىل مدرسة أبوللو إحداثها 92"اليت متثل ما هو جامح مشوس مفتقد لالنضباط و االتزان يف احلياة

اليت كوا الشاعر مدرسة أبوللو" اجلديد و التغيري و النهضة يف الوطن العريب يف العصر احلديث، و عنها قيل

، و أحدثت آثارا كبرية يف النهضة األدبية املعاصرة، و 1932، عام )1955- 1892( الكبري الدكتور أبو شادي

قد دعا أبوشادي إىل األصالة و الفطرة الشعرية و العاطفة الصادقة و إىل الوحدة التعبريية و التناول الفين السليم

وحدة القصيدة و امتاز شعره جبدة املعاين، و بانسجام املوسيقى و التحرر للفكرة و املعىن و املوضوع، و دعم

البياين، و باخليال الغريب، و بالتأمل الصويف، و التعمق الفكري و النفسي أو الفلسفي، و جبوانب شعره اإلنساين،

.93"و بشره القصصي و التمثيلي و بشعره يف الطبيعة

.319املعجم املفصل يف األدب، ص :حممد التوجني-90 .29- 28املعجم املفصل يف األدب، ص ص :حممد التوجني -91

.7،ص 1986 -تونس -املصطلحات األدبية، املؤسسة العربية للناشرين املتحدين، معجم :إبراهيم فتحي-92 .42، ص -مكتبة األزهر –دراسات يف األدب العريب احلديث و مدارسه ، دار الكتب :حممد عبد املنعم خفاجي-93

ا هذه اجلماعة، ينسب إليها جمموعة من النقاد الذين أخذوا على عاتقهم وإىل جانب الشعراء الذين أسسو

، )النقد األديب(و ) شعر اليوم(و ) الشعر املعاصر(مصطفى السحريت مؤلف : و من نقادها" مهمة التجديد، نذكر

يكون و قد تأثر باجتاهات املدرسة دون أن ) قضايا الفكر يف األدب املعاصر( مث وديع فلسطني صاحب كتاب

عضرا فيها، و يف شعر أيب القاسم الشايب، و إبراهيم طوقان، و التيجاين بشري، تأثرا واضحا مبدرسة أبوللو، و يلح

شعراء هذه املدرسة يف التعبري عن نفوسهم و عن فلسفة األمل اليت تنطوي عليهم جواحنهم، و ميزجون مشاعرهم

.94"مبراثي اجلمال يف الطبيعة

:خصائصها الفنية-2

واصلت مجاعة أبوللو القول امشية القافية إذا ما قورنت باملضمون، و أن القافية تصنع يقضي على شرط

يرى بعض النقاد املعاصرين أن التضحية بالوزن و املوسيقى و القافية يف الشعر العريب قد " الطبع يف الشعر

مع وجود األوزان و املوسيقى و القوايف، أي أن استطاعت أن تعوضنا عنها مزايا فنية مل تكن لتتحقق يف نظرهم

، و كذلك 95"التضحية كانت يف مقابل فوائد و مزايا، هي يف نظرهم أهم من االحتفاظ بتلك القيود الشكلية

القول بضرورة الوحدة العضوية، و هو السبيل الذي يتخلى فيه الناقد عن وحدة البيت كما هو متعارف عليه يف

.96"ميزة حقيقية كسبها الشعر اجلديد، بدال من القيود الفنية األخرى اليت ختلى عنها هذه" الشعر القدمي

وإىل جانب القضاء على هاجس القافية، يكون الصدق هو شرط من شروط قول الشعر عند الشاعر

ألعمال األدبية وأهدافها، و املتتبع لتيارات النقد احلديث يرى يف كثري منها اجتاها حنو التفهم العميق لروح ا" ادد

و ما ينبغي أن تكون عليه حىت تستطيع أن تساير العصر، و جتاري تيار احلياة، و بذلك يكون األدب معربا عنها

هي، و عن األدب الذي يعيش فيها، ال عن حياة ال حيياها األديب، أو ال حتياها اجلماعة اليت يعيش بينها، و يف

األديب و إحساس اجلماعة، يلتمس الصدق الفين الذي يطالب به األدباء، وينشد املطابقة بني األدب و مشاعر

يف األعمال األدبية و الفنية، ليكون الشعر و الكتابة و اخلطابة متسمة بالصدق، فيما تعرب عنه من العواطف

مة و اخلاصة، فهذه واالنفعاالت و اآلالم و اآلمال و إذا كان الشعر يدل على الشاعر كما عرفناه يف حياته العا

آية الشاعرية األوىل ألن الشعر تعبري و الشاعر هو الذي يعرب عن النفوس اإلنسانية، فإذا كان القائل ال يصف

.42املرجع نفسه، ص -94 .269التيارات املعاصرة يف النقد األديب، ص : بدويطبانة-95 .269فسه، ص املرجع ن-96

حياته و طبيعته يف قوله، فهو بالعجز عن وصف حياة اآلخرين و طبائعهم األول و هو إذن ليس بالشاعر الذي

.97"ورة ضمرييستحق أن يتلقى منه الناس رسالة حياة و ص

" كما يذهب أعضاء مجاعة أبولو إىل ضرورة البساطة أثناء القول، و املقصود ذا املصطلح يف النقد

البساطة واقع مجايل يرتبط بعملية التنوع، من هاتني الصفتني يبدو التعبري اجلمايل يف ظاهر األشكال رغم بساطة

ل البيضاوي أو حىت شكل مثرة األناناس إذا اتصفت هذه األشكال هندستها الفنية سواء يف الشكل اهلرم أو الشك

، و عادة ما ترتبط البساطة بالطبع و "98اتني الصفتني البساطة، التنوع جاء احلكم اجلمايل عليها بالرضى

مر التلقائية و تبتعد عن كل شروط التكلف و التصنع يف القول، و هو ميثل قيمة مجالية ال تضاهيها قيمة ألن األ

.يتعلق باالنسجام و التناسق الذي يشكل الكالم و هو يف حالة بعيدة عن التعقيد و الغموض

اخليال هو تلك " هذا، و يكون اخليال هو شرط يف قول الشعر لدى اددين يف مجاعة أبوللو، و عنه قيل

بط اخليال بالرومانسية أكثر من ، فارت99"القوة احلية اليت يستطيع اإلنسان بوساطتها تبيان العامل اخلارجي

مث جاء الرومانسيون ميزجون " الكالسيكية، فكان التجديد يف العامل الغريب إعادة صياغة مبادئ الرومانسية

مشاعرهم بالصور الشعرية و يقابلون بني الطبيعة و حاالم النفسية و يرون يف األشياء أشخاصا تفكر و تأىب

هذا عن مجاعة 100" املناظر الطبيعية اليت تبدو و كأا ال تشاركهم شعورهم وتشاركهم عواطفهم و ينفرون من

.ابوللو و تصورها للنص اإلبداعي

أما خليل مطران، بوصفه عضوا، فقد كان ينادي بالقضاء على شكل القصيدة القدمي و الدعوة إىل الشعر

األديب املطلع على الة املصرية و على كتابه و لكن الناقد" احلر من جهة، و األخذ بالشعر املرسل بادئ األمر

مرآة األيام و على شعره املنظم املنثور املتعدد النماذج، ال ميكنه إال اإلقرار بفضل هذا املعلم املرشد امللهم الذي

خلق آفاقا جديدة من التأمل و األحاسيس و التصوف حىت استحق أن يدعى شاعر العربية االبتداعي

تنسب األفضلية ملطران يف مواطن عديدة ساعده على ذلك كثرة اطالعه على اآلداب الغربية و ، كما101"األول

دعم مطران وحدة القصيدة و شخصية الفنان، و عزز رسالته كما تدعم الدميقراطية حقوق اإلنسان، و " العاملية فـ

.301املرجع نفسه، ص -97 .105األنواع األدبية مذاهب و مدارس، ص : شفيق البقاعي-98 .15، ص 1979 -صيدا بريوت –املدرس و األنواع األدبية، منشورات املكتبة العصرية : سفيق البقاعي و سامي هاشم-99

.15املرجع نفسه، ص -100 .44،ص 2012 -القاهرة -مؤسسة هنداوي للتعليم و الثقافةأمحد زكي أبو شادي، قضايا الشعر املعاصر، -101

ء يف هذا الوجود، صغريا كان أم فتح له باب احلياة على مصراعيه كما أفسح له آفاق اخليال، و أبرز له كل شي

كبريا، كموضوع شعري خليق بعنايته و أهل للتناول الفين إذا ما استطاع الشاعر أن يتجاوب معه، و حبب إليه

املوضوعات لإلنسانية بدل االقتصار على العواطف الذاتية فحسب، و أقنع شعراء مدرسته بأن على كل منهم

ليست وظيفة الشاعر أن يكون نظاما لغويا أو بني املرتلني االنتهازيني، بل عليه رسالة مثالية ال بد من آدائها، و

أن يكون بني زعماء الفكر و رسل الوجدان، و دعاة اإلصالح، و أعالم اإلميان جليلهم و ملا بعد جيلهم، و أن

الفنان و حكمة الفيلسوف جيمع بني كل القيم اليت تؤهل للزعامة الروحية و العقلية، و اليت تزاوج ما بني أحالم

.102"الواقعي ذه التعاليم و ما إليها

ويرجع الفضل إليه يف ابتداع الشعر الوجداين التشاؤمي، و األمر متعلق عنده بتجاوب شخصية عاشها

جلة باإلضافة إىل انتمائه للتيار الرومانسي الوجداين و عاطفة احلب اليت هلبت فؤاد مطران يف صباه، مث ألقته يف

احلزن العميق بقية حياته، هي دعامة الزاوية يف بنيان شعره الوجداين، اليت أسبغت احلنان على إخوانياته اجلديدة

، و ابتداعه هذا مل يأت من انفصاله عن الثقافة 103"من ذكريات و تقدير و رثاء، اليت حفل ا ديوانه الرائع

و خليل مطران " ، و من داخلها استطاع أن يولد الصور اجلديدةالعربية القدمية، و لكنه متشبع باللغة العربية

و تلميذ أملعيته، هو الذي خلق العديد من )الشيخ ناصف و الشيخ إبراهيم( األديب اللغوي تلميذ اليازجيني

الصيغ والرتاكيب البيانية احلرة اليت صدمت التقاليد أوال، و لكن سرعان ما مكنت للعربية و أدبائها من حرية

التصرف البياين اجلميل، وفاقا حلاجات العصر و خليل مطران مرتجم شكسبري، و نصري الفن و مدير األوبرا

بالقاهرة، واألديب الكرمي النفس، هو أفضل مثل يضرب إىل جانب املعري و أيب متام يف الرب باألدباء، مريدين و

.104"إليثار و االنصراف و التشجيع ملستحقيهتالميذ، بل و خصوما على السواء يف روح فريدة من احملبة و ا

فكان خليل مطران يف نظر أبوشادي ملهم عصر التجديد و خاصة مجاعة أبوللو مبا طرحه من قضايا

جديدة متجددة من خالهلا انفصلوا و زادوا على مجاعة الديوان، و ال تتوقف املبادئ عند هذا احلد و لكن يطال

لغة العربية، و لكن ليس وصوال مباشرا للمدلول بل مباعدة يكون اإلحياء و اإلحالة التجديد كذلك استعمال ال

طريق هذه اللغة، فكانت الرمزية شعار هذه اجلماعة، و منه طرقوا للغة استخدامات أخرى مل تطرق بعد و يف

.مقابل هذا االبتعاد عن سبلها التقليدية

.45املرجع نفسه ، ص .-102 .45أمحد زكي أبو شادي، قضايا الشعر املعاصر، ص -103 .45املرجع نفسه، ص -104

كان استجابة للمواضيع اليت يودون مقاربتها و اليت يكون مصدرها والقول ذه الطريقة يف استخدام اللغة

اخليال ال العقل، و يف اجلانب اآلخر يضاف إىل االستعمال اللغوي استعمال ألفاظ أجنبية أسطورية، و تسمية

اجلماعة يف مقدمة هذه االستعماالت، فطالت األساطري كذلك عناوين القصائد و حىت أبياا، و يدخل كل هذا

ضمن الرمز اللغوي، و كذلك استحدثت مواضيع جديدة مل تكن مألوفة، و هي يف األصل مأخوذة عن االجتاه

الرومانسي، و هذا من خالل موضوعات الطبيعة و املرأة و كذلك احلنني و الذكريات و كلها تدخل ضمن التيار

.الوجداين، و كله يف صورة حزينة شعار االجتاه احلب، احلرمان و الفقد

ويكون موطن التجديد األكثر ارتباطا بشكل القصيدة ما تعلق بإجياد عنوان مناسب هلا، و العنوان هو

استحداث جديد مقارنة بالقصائد القدمية إذ كانت تعرف مبقدماا، فكانت مجاعة أبوللو تنبئ عن ظهور الشعر

، لدرجة أن قصائدهم كانت ترحب بالشكل احلر، من خالهلا حترير قصائدها من الشروط الشكلية الكالسيكية

الشعر املرسل، هو التزام حبر واحد مع التحرر من القافية، " املرسل الذي ال يلتزم بقواعد معينة، يف مقدمتها القافية

و هذا اللون كان معروفا عند العرب و لكن مل يأخذ دوره إال يف العصر احلديث متأثرا بالشعر الغريب، و تبناه عدد

لشعراء و منهم الزهاوي و أبو شادي، و قد اعترب أصحاب هذه النزعة القافية سدا منيعا دون عواطفهم، من ا

وشبهه بعضهم باملوشح، يف حني أن املعارضني له اموا أصحابه بالقصور، و مع أن الشعر املرسل اندثر إال أنه

أن ترجم الشعر الغريب إىل العربية، و عرفوا أنه كان ممهدا لظهور الشعر احلر، و مل يربع به الشعراء احملدثون إال

الشعر الذي تنقصه األوزان و القوايف، و يعتمد على اإليقاعات الصوتية الطبيعية، إال أن الشعر املرسل االجنليزي

مقيد بتنسيق خاص ينجم عن تناوب املقاطع املنبورة يف األلفاظ، يف حني أن الشعر العريب املرسل يعتمد التفعيلة

املتكررة أساسا دون البحر، و من الشعر االجنليزي الذي نظم على املرسل مسرحيات شكسبري، و فردوسا ميلتون

.105"املفقود و املستعاد

وجممل القول، يتعلق األمر يف مجاعة الديوان باحلديث عن ثاين التجمعات األدبية و النقدية اليت ظهرت

ما عليها االنطالق من النتائج اليت وصلت إليها مدرسة الديوان و تزيد عليها، يف العصر احلديث، و اليت كان لزا

وهذه اجلماعة تنتمي للتيار الرومانسي املتشائم الذي صادف الظروف الصعبة اليت عاشها العاملني العريب و الغريب،

يب، تكون اإلنسانية فانفتحت اجلماعة على العامل الغريب بشكل أوسع احتوى فيه ماضي و حاضر العامل الغر

وسيطا بينهم، فإىل جانب القضايا اليت اقرتحتها مدرسة الديوان، من صدق و طبع و جتربة صادقة، أضافوا القول

.563املعجم املفصل يف األدب، ص :حممد التوجني-105

بعنوان للقصيدة يوجز الكالم حوهلا و حيتوي دالالا، و كذا التخلي متاما عن شرط القافية و األخذ بالشعر

.حلراملرسل و استشراف القول بشروط الشعر ا

ومع اجلماعة مت رسم صورة جديدة للغة العربية و كذا صياغاا، و كله أبعد اللغة العربية عندهم عن

معجمها القدمي و استحدث الرمز مبا هو آلية جديدة يف التعبري طالت املرأة و الطبيعة و احلب، و يتعلق األمر يف

...قد و كذا األملاحلب هذه املرأة بصورته دليال على احلرمان و الف

:نصوص و تطبيقات

فالشعر شعر يف أية لغة بأحاسيسه و ارتعاشاته و ومضته و خياالته، و حبقائقه "... يقول أمحد زكي أبوشادي

األزلية و مثالياته، و إذا قدرنا ألوان هذا الشعر املتجرد أو املرسل أو احلر أو الرمزي أو السريايل و حنوها، فليس

نبخس الضروب األخرى من الشعر حقها، أو ندعو إىل إغفاهلا، كما يدعو إىل ذلك بعض األدباء معىن ذلك أننا

الذين ال يقدرون أن ثروة أية لغة هي مبجموع آداا، و أن اخلري كل اخلري يف تنوع ضروا، ال يف حصرها،

املعارف عامة، فاإلمالء ومذهب احلصر مضاد للحرية، يف حني أن احلرية هي صديقة اآلداب و الفنون، بل و

على الشعراء و التحكم فيهم هو أوال قتل ملواهبهم، مث قتل للشعر و ممكناته، مث إفقار للغة و آداا، هذا ما

آمنت به أمريكا يف ثقافتها، بل يف مجيع مرافق حياا فوثبت إىل األمام وثبات جبارة، و تسلمت زعامة العامل

.106...احلر

.ماهية الشعر كما يراه أمحد زكي أبو شاديحلل النص مبينا - *

و هذا ما جيب على العامل العريب أن حيتذيه حىت تصري حرية الشعور و الفكر و النظر فيه " ويقول أيضا

النرباس الوهاج للتقدم املنشود، و على ذلك فنحن إذا جمدنا هذا الضرب أو ذاك من الشعر فلسنا بغافلني عن

خرى، و ال ميكن بأي حال أن ندعو إىل احلد من احلرية أو أن حنارب اإلبداع، و إمنا حنارب مزايا الضروب األ

الضحل و الفقر و الرجعية و العجز اليت تتظاهر بعكس حقيقتها و جتين على األصالة و العبقرية و حنن ال نتحكم

حه، و ال يكون جمرد صانع يف ميول أي شاعر و حسبنا أن يكون خملصا يهدي إلينا عصارة قلبه و نفثات رو

.9قضايا الشعر املعاصر، ص : أمحد زكي أبو شادي-106

يلعب باأللفاظ و املعاين و يعبث ا و بالناس، فتتناثر هذه الرغوة الرباقة و تتزايل على مر األجيال كما حدث

.107"لشعر كثري مل تسانده العاطفة الصادقة و اإلميان الصحيح

.أين ميكن إدراج احملافظة على األقانيم اجلديدة وفق تصور أبو شادي - *

.الصفحة نفسها املرجع نفسه، و-107

ساعة و نصف :المدة

)لسانس ل م د (طلبة السنة الثانية : الفئة المستهدفة

:تمهيد

كان هناك يف العامل الغريب من العرب من استقر - مصر خاصة –ويف مقابل ما حيدث يف العامل العريب

هناك بعدما هاجر، و األمر هنا ال يتعلق بفرنسا و ال اجنلرتا و لكن البلد الذي قصده األدباء يف هذه الفرتة ليس

بط احلديث يكون حول نيويورك، فأصداء االجتاهات البلد املستعمر و لكن العامل اجلديد أو أمريكا، و بالض

التجديدية يف الوطن العريب كانت قد وصلت إىل هؤالء يف بلد املهجر، فقرروا بدورهم البحث عن مكان هلم

وسط هذا التيار من جهة، و العمل على إثبات اهلوية و اليت تكون وسيلتها نشر اللغة العربية و االهتمام ا يف

.- مريكاأ-بلد خمتلف

فظهر يف أمريكا إىل جانب العصبة األندلسية ما يسمى جبماعة الرابطة القلمية، و نفس التفسري ينطبق

عليهم إذ جتمعهم األهداف و لكن يف املقابل ختتلف اآلراء و املبادئ يف تفاصيلها و إن كانت كلها تنحو املنحى

ة اللغة العربية و هو ما جاء يف مقدمة أهدافها إال أن الرومانسي التجديدي، و رغم أن هدف الرابطة هو خدم

االجتاه الذي جوه هو التجديد الذي هدفه اخلروج عن الشروط التقليدية يف الكتابة العربية القدمية معتمدين يف

بادئ ذلك على آخر ما وصلت إليه الكتابات الغربية وفق االجتاه الرومانسي، فلم ختتلف تلك املبادئ كثريا عن امل

التجديدية اليت أقيمت يف الوطن العريب، و التشابه أصله تلك العالقة اليت تربط بني مجاعة الديوان و مجاعة أبوللو،

و كذا الرابطة القلمية، إذ كانت وسيلتهم الصحافة يف نشر أعماهلم و أفكارهم التجديدية عرب املقاالت اليت

من خالل طرحها هلذه األفكار، و كثريا ما كانت تقابل هذه األفكار تكتب باللغة العربية، فتضمن هذه اللغة قراء

باالستحسان أحيانا و االستهجان أخرى، و يكون التقدير عندهم وسيلته الكتابة و سبيله الصحافة و هذه

.ظروف ينتظر منها تعميم استعمال اللغة العربية

المحاضرة السابعة-7

جماعة الرابطة القلمية

د خمتلف األفكار التجديدية اليت انتمت لثقافات خمتلفة، ويف املقابل كانت هذه االت وسيطا عنها قرأ النقا

غربية و عاملية، و كذلك من العامل العريب و إليه كذلك، و األمهية اليت تكتسيها هذه التجمعات يف املهجر هي

وجودها على أرض ينتظر منها دائما اجلديد، فيكون التلقي مباشرا ألحدث ما وصلت إليه إرادات التجديد، و ما

ذكر هلذه اجلماعات يف املهجر كثرة إنتاجها إذا ما قورن بالوطن العريب الذي كانت ظروفه تعيقه و هو العيش يف ي

ظل املآسي و اآلالم اليت يسلطها املستعمر على الشعوب العربية،و إن كانت هذه الظروف حافزا للعمل من

.جهة، إال أنه من جهة أخرى حد من إنتاجهم نتيجة الضغوط

أما األدباء يف املهجر فالدافع وراء كتابام عادة ما يكون احلنني إىل أرض الوطن فربعوا يف فن النثر

والكتابة كل الرباعة، فلم تعد القصيدة هي ما يشغل بال هؤالء، و لكن صار لألدب مناذج أخرى، تكون اللغة

البالية من جهة أخرى، كما حيسب ألدباء املهجر فيها أكثر حتررا من الشروط الشكلية أوال و من القوالب القدمية

ختلصهم من الظروف الصعبة اليت عانوا منها يف أوطام، و اليت كانت سببا يف هجرم، و األمر متعلق باملستعمر

أوال و بالظروف الصعبة يف املعيشة ثانيا، علما أن معظم املهاجرين العرب يف تلك الفرتة كانوا شبابا قدموا من

ان أو سوريا، باجتاه العامل اجلديد، أو األمريكتني الشمالية و اجلنوبية، ألن األمر خيتلف بينهم بالرتكيز على لبن

اإلنتاج و الشهرة، فأمريكا الشمالية حوت مجاعة الرابطة القلمية و كانت أمريكا اجلنوبية موطنا للعصبة األندلسية،

.صر احلديثو هي بدورها أحد أهم اجلماعات اددة يف الع

يف أمريكا الشمالية كانت نيويورك هي موطن الرابطة القلمية، و لذلك عد نشاطها أقوى من غريها، إذ كان

هدفهم من وفرة اإلنتاج هو انتشال األدب العريب من الضعف و الوهن الذي عم جسده، و إعادة االعتبار له،

صورة جديدة له مقبولة يف العصر الذي نعيش فيه، ليس من خالل اإلحياء، و لكن بوساطة التجديد ورسم

لذلك كانت موضوعام تنتمي لواقع عصرهم، و مكوثهم يف أمريكا ال يعين وقوفهم مبعزل عما حيدث يف العامل

ل األورويب، إذ كانت األفكار التنويرية و الدميقراطية يف فرنسا و اجنلرتا تصلهم فيتأثرون ا و يكتبون إميانا ا، ولع

ما شجع كثرة إنتاجهم ظهورهم يف فرتة كان فيها الصراع قد وصل أوجه بني الشرق و الغرب و احلربني العامليتني

.األوىل و الثانية

فكانت تلك األحداث ملهمة، إذ تصور صراعا بني قوتني عامليتني ينشد كل منهما البقاء لألقوى، يف مقابل

عليه العامل العريب، و الذي عجز عن رد الظلم عن نفسه أو حتريرها يف احلركات االستعمارية الضعف الذي هو

ظل اختالل موازين القوى، بني الشمال القوي و اجلنوب الضعيف، و كلها أحداث زادت بصدماا الوعي لدى

امش الشباب العريب الذي فر من مواطنه األصلية لعدم توفرها على أدىن شروط األمن و األمان و وجودهم على ه

.ما حيتفي به العامل من جديد يف األفكار و املواضيع

وحبكم مسايرم ألحدث ما يوجد يف العامل الغريب، متيز إنتاجهم و تقدم مراحل متطاولة يف التجديد، فعد

.أعضاء اجلماعة أساتذة بالنسبة للعامل العريب، و من هذا املنطق

عة الرابطة القلمية؟ و مىت كانت نشأا؟ و ما هي أهم املبادئ ما املقصود بأدب املهجر؟ و ما طبيعة مجا-

؟ و هل حقا سعوا من خالل - )نيويورك( أمريكا الشمالية -واخلصائص اليت متيزوا ا دون غريهم يف أرض املهجر

.إنتاجهم خدمة اللغة العريب؟

:في مفهوم أدب المهجر-1

إن أول ما يلفت االنتباه حول هذه التسمية االختالف الذي مييزها دون غريها من األلفاظ املتعلقة بكلمة

األدب، فعادة ما ترتبط هذه الكلمة مبا يشري إىل االنتماء، و يتعلق األمر هنا باملهجر، فماذا تقول املعاجم األدبية

أن يبتدعه أهله، و هم يف بلدهم و وطنهم، غري أن العصر األصل يف األدب : أدب املهجر" حول هذا املصطلح

احلديث عرف مجاعات قدر هلا أن تعيش خارج وطنها، و تبدع فوق أرض غري أرضها، فقد مجعت بعض العرب

الغربة يف غري أرضهم فشكلوا ما يعرف باجلاليات، أطلق عليهم اسم املغرتبني، أو املهاجرين، و صدر عنهم أدب

هجر، أو األدب املهجري، و هو ظاهرة جديدة يف األدب العريب املعاصر، و هو حصيلة إبداع يدعى بأدب امل

.108"أناس نزحوا عن وطنهم مكرهني

وباختالف املواطن اليت جاءوا منها كان التقاؤهم يف مكان واحد و هدف مشرتك هو ما وحد بينهم حتت

منذ أواخر القرن التاسع " أو املغرتبني، فوحدة الوطن الذي اجتمعوا فيه وحد بينهم - أدباء املهجر - تسمية واحدة

ريكية هربا من جور األتراك، و انتجاعا للرزق و حبا عشر شرع الشباب من سوريا و لبنان ينزحون إىل القارة األم

و كان من بينهم قلوب متوثبة للحرية، و يف قلوم آفاق رحاب من الفكر النري و اخليال اخلصيب، ...للمغامرة،

، فكان املهجر بداية األمر مفرا جلأ إليه الشباب العريب بعد ما شهدوه 109" أولئك كانوا من الرعيل املثقف الواعي

.من ظروف قاسية

.71املعجم املفصل يف األدب، ص :حممد التوجني-108 .71املرجع نفسه، ص -109

ويف املهجر هناك عرف جتمعني اثنني أخذ كل منهم على عاتقه مهمة التجديد و خدمة اللغة العربية يف

ينقسم هؤالء األدباء املهجرون إىل فئتني، فئة املهجر الشمايل، أي الذين قطنوا الواليات املتحدة، " البالد الغربية

لربازيل، و لكل منهما خصائص و مميزات، منها األصيل و منها املكتسب، وفئة املهجر اجلنويب، و على األخص ا

و قد برز أدباء املهجر بشكل ظاهر منذ احلرب الكونية األوىل، و احلق أن فئة املهجر الشمايل كانت أبعد أثرا من

و باإلنسان كانت فئة اجلنوب على الرغم من أن اجلنوبيني كانوا أقوى، و أن صلة الشماليني باحلياة اإلنسانية

أكثر، و كانوا يف أدم متحررين من كل تأثري قدمي يف الفهم و يف اإلنتاج، أما اجلنوبيني، فأغلبهم ساروا على سنن

احملافظني يف الشرق، و مالوا إىل احملافظة على الديباجة العربية البليغة، و على اجلزالة اللفظية، و قواعد اللغة

.110" لنثر يف اجلنوب فكان حظه ضئيال، إال يف الصحف األدبيةوالعروض و البالغة، أما ا

والقول حول أدب املهجر ارتبط بالتجديد سبيله مسايرة أحدث ما وصل إليه األدب و النقد يف العامل

الغريب، و قد كانت هذه الفئة مثقفة تتقن اللغات املختلفة و هو ما جعلهم يستطيعون نقل أحدث ما وصلت

ضارة، بوسيط اللغة العربية إىل العامل العريب، و عن أصول و منابع هذه الفئة اليت أسست ألدب املهجر يف إليه احل

إن اجلذور األساسية ألدب املهجر تضرب بأصالة يف أعماق األرض اليت احتضنت البذور " كتاب أدب املهجر

طئت أقدامهم أرض العامل اجلديد حيث الفطرية األوىل هلذا األدب، و اليت أتت أكلها بعد ذلك طيبا حينما و

تعددت الروافد اليت غذت أدب هؤالء املهاجرين يف مهاجرهم، و األرض هي سوريا و لبنان، و كانتا خاضعتني

يف القرن التاسع عشر و أوائل القرن العشرين للحكم العثماين، و رأت الدولة العثمانية أن خري وسيلة إلضعاف

حىت 1841، هي إثارة الفنت بني سكانه، و قد بدأت نريان هذه الفنت تندلع منذ سنةلبنان، و إخضاعه لسيطرا

بلغت ذروا يف فتنة الستني، اليت اشرتكت يف تأجيجها الدولة العلية و الدول األوروبية ذات املصاحل املتعددة يف

، و نقحت 1861ه سنةلبنان و املشرق، و منح اجليل على إثر ذلك نوعا من االستقالل الذايت، وضعت أسس

بعد ثالث سنوات، و محته الدول السبع اليت اشرتكت يف إعداده و هي الدولة العلية و اجنلرتا و فرنسا و بروسية

. 111"1864والنمسة مث إيطاليا اليت انظمت إليها سنة

ين دواوين شعرية ومل تكن البداية عند أدباء املهجر التجديد مباشرة و لكن كتب الرعيل األول من املهاجر

ارتبطت مبرحلة التقليد، و اليت تلتها يف ما بعد مراحل أخرى تعلقت األوىل بالرتمجة و االطالع على اآلداب الغربية

.72-71املعجم املفصل يف األدب ، ص ص :حممد التوجني -110 .3، ص 1993، 1:ط -القاهرة - أدب املهجر، دار املعارف: صابر عبد الدائم-111

و األجنبية يف لغتها، و بعدها مرحلة التأليف اليت وافقت ظهور الرتمجات األدبية، و من بني صور التقليد عند

و بعده ديوان النحلة يف الغرب 1895غرب، مليخائيل رستم الشويري سنةديوان الغريب يف ال" هؤالء نذكر

و ديوان 1905ديوان نسمات الغصون لسليمان داود سالمة سنة 1901للدكتور لويس صابوجني سنة

نفحات األرض لرزق حداد و قد أصدره بعد الديوان السابق، و هذه الدواوين و غريها من بواكري الشعر املهجري

التقليدي الذي ال خيرج عن التجارب القدمية مثل مدح السلطان و الرثاء و املعارضة لقصائد األقدمني، يف طوره

إال أن ذلك مل مينع أن تكون هناك بذور جديدة أمثرت بعد ذلك و ظهرت جلية يف نتاج كبار أدباء املهجر أمثال

.112"لوفجربان و أيب ماضي و نعيمة و القروي و شفيق املعلوف و فوزي املع

وانقسم أدب املهجر إىل جتمعني اثنني، أوهلما الرابطة القلمية و الثانية العصبة األندلسية، و هنا موضع

و كان نصيب العرب ثقافة وأدبا " للحديث عن الرابطة القلمية يف مشال أمريكا، فاحتسب للعرب ما قام به هؤالء

ن الثامن عشر، و شغلت التاسع عشر كله، و امتدت إىل القرن من هذه اهلجرات عظيما، و بدأت يف آخر القر

العشرين،حني تدفقوا يف أعداد كبرية على أمريكا، مشاهلا و جنوا و وسطها، و كان بينهم مجهرة ال بأس ا من

امل الشعر، املثقفني، و يف مهاجرهم نشروا االت األدبية، و أقاموا النوادي و أفادوا مما رأوه و قرؤوه، فجددوا ع

والنثر و النقد و رققوا أنغام القصيدة و أضافوا إىل حمتواها جديدا من الفلسفة الرؤى، و إىل أشكاهلا جديدا من

الصيغ و التصوير، مما جعل اجتاههم متميزا يف نطاق األدب العريب، و عرفوا باسم شعراء املهجر، و ترك ذلك

.113"منهم، أو اتصل م، أو عن طريق كتبهم و جمالم صداها واضحا يف الوطن العريب على يد من عاد

فأشارت كتب األدب املقارن عن أمهية أدب املهجر يف ترسيخ معامل التجديد يف الوطن العريب و أمهيتها يف

دب نقل اآلداب من أمة إىل أخرى بوساطة الرتمجة و تأكيد مبدأ التأثري و التأثر، بني األدب العريب املستقبل، واأل

.الغريب يف العصر احلديث

:تعريف الجماعة أهم روادها-2

هي أحد أطراف أدب املهجر الذي اختذ من موطن االغرتاب قطبا إلحداث التجديد يف األدب العريب، يف

الشعر و النثر معا، و يذكر صاحب املعجم املفصل يف األدب ضبطا دقيقا بالسنوات لكل ما يتعلق ذه اجلماعة

يف املهجر ) الرابطة القلمية( ولدت فكرة 1920نيسان 20الرابطة القلمية يف " ظهرت يف أمريكا الشماليةاليت

.15أدب املهجر، ص : صابر عبد الدائم -112 .57، ص 1987، 1:ط -القاهرة -األدب املقارن أصوله و تطوره و مناهجه، دار املعارف:كيالطاهر أمحد م-113

برئاسة جربان خليل جربان، و يعاونه ميخائيل نعيمة يف إدارا مستشارا ) الواليات املتحدة األمريكية( الشمايل

مال و هم إيليا أبو ماضي، نسيب عريضة، عبد ووليم كاتسفليس خازنا، و معهم سبعة أعضاء حيملون اسم الع

املسيح حداد، وديع باحوط، إلياس عطا اهللا، و مل يكن هؤالء خرية أدباء املهجر الشمايل، و لكنهم كانوا

لينثروا فيها أزهارهم، ) السائح( متقاربني يف امليول األدبية و الذوق الفين، و فتح عبد املسيح حداد هلم جريدته

ح، تصدر عددا ممتازا يف صدر كل عام، عاشت الرابطة إحدى عشر سنة، مث تبعثر أعضاؤها عام وكانت السائ

، فقد هجم املوت على جربان، مث رشيد أيوب مث إلياس عطا اهللا و نسيب عريضة، مث ندرة حداد، 1931

.114"فاآلخرين، و عاد نعيمة إىل قريته بلبنان، و توقفت السائح

م بنحوهم للمنحى الفلسفي يف كتابام، فكانت كتابام إىل جانب اجتاههم وقد متيزوا عن غريه

الرومانسي الوجداين، مصبوغة بالصبغة الفلسفية اليت كانت حتيل إىل ثقافتهم و كثرة قراءام و مواكبتهم للجديد

أيب ماضي، و نسيب و قد ملعت يف املهجر الشمايل أمساء جربان، و نعيمة، و " الذي يطرأ يف العامل العريب،

عريضة، و رشيد أيوب، و عبد املسيح حداد، و ندرة حداد، و الرحياين، و مسعود مساحة، و نعمة احلاج،

وأغلبهم من أعضاء الرابطة القلمية، و ضرب الشماليون يف أكثر الفنون األدبية، و شقوا طرقا و فنون جديدة،

فكانت أقاصيصهم و روايام من أجود ما عرفه األدب العريب وكان نثرهم شعرا رائعا ساحرا، و كتبوا يف القصة،

يف فن القصة، و ج أغلبهم يف آدام النهج الفلسفي، فقد متيز أدب جربان و نعيمة و أيب ماضي و الرحياين

، و قد حددوا جمموعة من القضايا اليت ميزم عن غريهم و من خالهلا أقاموا115"ونسيب عريضة بالنزعة الفلسفية

.املبادئ و األسس

:مواطن التجديد عند الرابطة القلمية-3

قبل البحث يف جديد الرابطة وجب وصف مؤلفام انطالقا من مبدأ االختالف، و حتديد مواطن اجلدة

و عن الرابطة القلمية صدرت األعمال األدبية " عندهم، و يتعلق األمر بقضية التأمل يف ما وراء اإلنسان و الوجود

ليت توضح إىل حد بعيد مدى إغراق املهجريني يف التأمل يف كل جماالت الوجود و ما وراءه و النفس اإلنسانية ا

والطبيعة و ما وراءها، و قيم احلياة من خري و شر وحب و بغض، و كان للشماليني يف هذه النزعة الباع الطويل،

الذي عبد به الطريق أمام األدباء اآلخرين و يف و يف مقدمتهم ميخائيل نعيمة بشعره و نثره و منهجه النقدي

.468األدب املقارن أصوله و تطوره و مناهجه ، ص :الطاهر أمحد مكي -114 .72املعجم املفصل يف األدب، ص :حممد التوجني-115

إذن فاألدب الذي هو أدب، ليس إال رسوال بني نفس الكاتب و نفس سواه و األديب ( كتابه الغربال يقول

.116"الذي يستحق أن يدعى أديبا هو من يزود رسوله من قلبه و لبه

األدب نفسه، و لذلك سعوا إىل إبعاد الصور عن فيكون شكل اللغة من هذا املنطلق يف الدرجة الثانية بعد

التكليف و التعقيد، باإلضافة إىل سهولتها و قدرا على إيصال املوضوع دون حواجز و عقبات، هذا هدفها،

وأبرز من ميثل الرابطة القلمية، ميخائيل نعيمة، و آرائه النقدية حول األدب، و هذا األفكار مت ختليدها يف كتاب

و كتاب الغربال مل يؤلفه " يد الطبعات اليت تؤكد صالبته يف مواجهة اجلديد، و هو كتاب الغربالصدرت له عد

األستاذ ميخائيل نعيمة دفعة واحدة وفقا للمنهج املرسوم، و إمنا هو جمموعة من املقاالت النقدية اليت نشرها

فهي مقدمة ) رواية التمثيلية العربيةال( املؤلف يف الصحف أو كتبها كمقدمات لبعض مؤلفاته مثل مقاالته عن

و ليس يف هذا ما ينقص من قيمة الكتاب و أمهيته يف شيء، فإن عددا كبريا ) اآلباء و البنون( ملسرحيته املسماة

من روائع إنتاجها األديب املعاصر ليس إال جمموعة من املقاالت اليت نشرها رواد أدبنا و نقدنا املعاصر يف الصحف

.117"و االت

وإصدار كتاب الغربال قد رافق فرتة الشباب عند ميخائيل نعيمة، و رغم ذلك أكد الكتاب يف كثري من

أن يؤكد أن ميخائيل نعيمة كانت قد توافرت لديه عندئذ من الثقافة و اخلربة باحلياة ما مكنه من أن " مواضعه

و هذا ما نشهده عندما نطالع ... وة احلق بل فتوهيستقر يف فلسفة ائية يف وظيفة األدب و يف منهج النقد مع ق

يف غرباله تلك احلمالت القوية العنيفة على أنصار األدب التقليدي و من يسميهم ضفادع األدب الذين كانوا وال

يزالون أحيانا يواصلون النقيق كلما عثروا بتجديد يف اللغة و وسائل تعبريها حبيث تستطيع أن تؤكد أنه إذا كان

ئيل نعيمة قد دعا بعد الغربال إىل النقد األديب فإننا ال نظن أنه قد أتى جبديد، فضال عن تأكدنا من أن روح ميخا

.118"التسامح ال بد أن تكون قد ضعفت من عنف و متسكه مبا يعتربه احلق و اخلري و اجلمال

دي، و رغم تقارب التاريخ الذي هذا، و قد اجتمعت الرابطة القلمية مع الديوان يف عدائها لالجتاه التقلي

و هناك مسألة تارخيية هامة جيب أن نفصل فيها " ظهر فيه الكتابان إال أن هذا ال يؤدي إىل تأثر أحدمها باآلخر

، و ظهر 1921يف وقتني بالغي التقارب، إذ زهر الديوان يف سنة ) الديوان و الغربال( أوال، و هي ظهور كتايب

.18أدب املهجر، ص :صابر عبد الدائم-116 .20،ص 1997 -مصر -عاصرون، ضة مصر للطباعة و النشر و التوزيعالنقد و النقاد امل:حممد مندور-117 .21املرجع نفسه، ص -118

يرميان إىل هدف واحد هو اهلجوم العنيف على مدرسة األدب التقليدي أي مدرسة ، و الكتابان1923الغربال

البعث، و الدعوة إىل أدب التجديد، قد يوحي بتأثري أحدمها على اآلخر، و لكن االستقراء التارخيي السليم يؤكد

.119"أن هذا التأثر املتبادل مل حيدث

نتبني أن منهج نعيمة النقدي هو املنهج التأثري الذايت، فهو وعن منهجه النقدي و من مقاله عن الغربالة،

إن لكل ناقد غرباله، و لكل موازينه و مقاييسه، و هذه املوازين و املقاييس ليست مسجلة ال يف السماء وال "يقول

طوره يف األرض، و ال قوة تدعمها و تظهرها قيمة صادقة سوى قوة الناقد نفسه، و قوة الناقد هي ما يبطن به س

من اإلخالص يف النية و احملبة ملهنته و الغرية على موضوعه و دقة الذوق و رقة الشعور و تيقظ الفكر، و ما أوتيه

، و هذه املقاييس هي ملك لكل ناقد 120" بعد ذلك من مقدرة البيان إليصال ما يقوله إىل عقل القارئ و قلبه

" ييس عن غريه ناقد فاشل و عاجز عن أداء وظيفته، فيجبعلى حد يتحكم فيها، و يعد الناقد الذي يأخذ املقا

أن يتميز بقوة التمييز الفطرية، تلك القوة اليت توجد لنفسها قواعد و ال توجدها القواعد، و اليت تبتدع لنفسها

فع مقاييس و موازين و ال تبتدعها املقاييس و األوزان، فالناقد الذي ينقد حسب القواعد اليت وضعها سواه ال ين

.121"نفسه و ال منقوده و ال األدب بشيء

كذلك يكون املنهج النقدي بالنسبة لنعيمة ليس وسيلة تفسري و تقييم فحسب، و لكن وظيفته اإلبداع

والوصول إىل ما مل يصل إليه حىت صاحب األدب نفسه، و باإلضافة إىل هذا يدعو إىل جمموعة من املقاييس اليت

الدعوة إىل شعر وجداين ذايت، احلاجة إىل اإلفصاح " قد و النقاد املعاصرون و هيفصل فيها صاحب كتاب الن

عن املشاعر النفسية، احلاجة إىل نور احلقيقة لالهتداء يف هذه احلياة، احلاجة إىل اجلميل يف كل شيء و احلاجة

نقيق ( حيث أخذ يهاجم يف مقاله " ، و حول اللغة حتدث نعيمة و هاجم املتزمتني بقواعدها122"إىل املوسيقى

األدباء و النقاد املتزمتني يف اللغة و قواعدها و علومها، و يرى يف تزمتهم هذا ما يشبه نقيق الضفادع، ) الضفادع

و ال تزال تستخدمها اإلنسانية كوسيلة و عنده أن اللغة ما هي إال جمرد رموز كغريها من الرموز اليت تستخدمها

لإلفصاح عما خيتلج يف النفس من فكر أو إحساس و حسبها أن تستطيع أداء هذه الوظيفة، بل من اخلري تبسيط

تلك الرموز إىل أقصى حد مستطاع، ألا كلها ازدادت تبسيطا ازدادت قدرة على حتقيق وظيفتها يف نقل الفكر

.25-24املرجع نفسه، ص ص -119 .27-26النقد و النقاد املعاصرون، ص ص :حممد مندور -120 .27املرجع نفسه، ص -121 .30-29، ص ص املرجع نفسه-122

اآلباء و ( ، إىل حد استخدام اللهجة العامية، و كان ذلك يف مسرحية 123"و االحساس من نفس إىل نفس

).البنون

وجممل القول، تدخل الرابطة القلمية ضمن أدب املهجر، و هو األدب الذي يكتب من طرف أشخاص

مغرتبون عن بلدهم األصلي لسبب من األسباب، و كذلك حدث مع شباب لبنانيني و سوريني حني هاجروا إىل

ريكا و بالضبط نيويورك، عرفت هذه اجلماعة بإنتاجها الوفري نتيجة إقامتها يف بلد حيدث عنده اجلديد دائما، أم

وكذلك يف ظروف أحسن بكثري من اليت عاشوها يف بلدهم األصلي بسبب االستعمار، و قد هلم إجناز كتاب عرب

م اليت كتبت يف االت، هذا الكتاب مسي بالغربال و نسب إىل عن آرائهم النقدية اليت مجعت خالصة ملقاال

كاتبه ميخائيل نعيمة، و تتلخص اآلراء اجلديدة اليت قالوا ا يف طرقهم للجوانب الفلسفية يف كتابام، و هو ما

يثبت تأثرهم باجلانب الفلسفي، كما أم يعدون اللغة رموزا يف الدرجة الثانية إذا ما قورنت باملضمون الذي ينتظر

اإلبداع، اشرتكت مع باقي اجلماعات يف معاداة االجتاه التقليدي، استحداثهم ملفهوم الغربلة اليت يتميز من من

خالهلا كل ناقد عن غريه، فتصبح مهمة النقد مهمة مميزة إذ جيب أن تتوفر يف الناقد جمموعة صفات، و احلكم

.بالفشل على النقد الذي ينطلق من مبادئ وجدت قبال

:طبيقاتنصوص و ت

أجل، إن مهنة الناقد الغربلة، لكنها ليست غربلة الناس، بل غربلة ما " .. يقول ميخائيل نعيمة يف مفهومه للغربلة

يدونه قسم من الناس من أفكار و شعور و ميول، و ما يدونه الناس من األفكار و الشعور، و امليول هو ما

بلة اآلثار األدبية، ال غربلة أصحاا، و إذا كان من الكتاب أو تعودنا أن ندعوه أدبا، فمهنة الناقد، إذن، هي غر

الشعراء من ال يفصل بني آثاره األدبية اليت جيعلها تراثا للجميع و بني فرديته اليت ال تتعداه و دائرة حمصورة من

عرا، كذلك أقربائه و أصحابه فذاك الكاتب أو ذاك الشاعر مل ينضج بعد، و ليس أهال ألن يسمى كاتبا أو شا

الناقد الذي ال مييز بني شخصية املنقود و بني آثاره الكتابية ليس أهال ألن يكون من حاملي الغربال أو الدائنني

.124"بدينه

.ناقش مصطلح الغربلة عند مجاعة الرابطة القلمية - *

.33املرجع نفسه، ص -123 .13، ص 1991، 15:ط - بريوت لبنان –دار نوفل الغربال، : ميخائيل نعيمة-124

حد يف أمر واحد، وهذا من الشائع عن الناقدين أم قلما اتفق اثنان منهم يوما على رأي وا" ويقول كذلك

القول قريب من احلقيقة، إذا ملن يقصد به التهكم، ألن لكل ناقد غرباله، لكل موازينه و مقاييسه، و هذه املوازين

و املقاييس ليست مسجلة ال يف السماء و ال على األرض، و ال قوة تدعمها و تظهرها قيمة صادقة سوى قوة

طن به سطوره من اإلخالص يف النية، و احملبة ملهنته، و الغرية على موضوعه، الناقد نفسه، و قوة الناقد هي ما يب

و دقة الذوق، و رقة الشعور، و تيقظ الفكر، و ما أوتيه بعد ذلك من مقدرة البيان لتنفيذ ما يقوله، إىل عقل

و يعملون مبشيئته، القارئ و قلبه، فالناقد الذي توافرت له مثل هذه الصفات ال يعدم أناسا ينضوون حتت لوائه،

فيستحبون ما حيب، و يستقبحون ما يقبح، فيصبح، و هو وراء منضذته، سلطانا تأمتر بأمره، و تتمذهب مبذهبه،

.125"و تتحلى حباله، و تتذوق بذوقه ألوف من الناس

.ما هي حقيقة املقاييس النقدية اليت يتحدث عنها ميخائيل نعيمة - *

.16الغربال ، ص : ميخائيل نعيمة -125

ساعة و نصف :المدة

)لسانس ل م د (طلبة السنة الثانية : الفئة المستهدفة

:تمهيد

يعد العصر احلديث فتحا جديدا، على إثره مت الطعن يف كثري من املعتقدات اليت كانت سائدة، و أمهها تلك

املتعلقة خبرافة التفكري و سذاجته و متركزه حول امليتافيزيقا،و املعروف أن من أحىي احلضارات بعد املوات هو بعث

املهم المتناعهم عن التفكري باالعتماد على النحو أفكار فالسفة اليونان الذين كانوا يف عصرهم شواذ ع

األسطوري و املاورائي، و حنو منحى السبل األكثر قابلية للتصديق العتمادها على عامل احلس، و األمر بالنسبة

الواقع متعلق أكثر بأرسطو، ألن سبل البحث عند أفالطون تركز على العامل املثايل، و رغم ذلك / لعامل احلس

التفكري لكليهما و حجتهم يف ذلك البحث بوساطة العقل املنظم، و هو أحد أهم احملاور اليت حتدث تنسب سبل

.عنها أستاذهم سقراط

والعودة ملثل هذه املدونات و إعادة قراءا أحدث االنقالب و التغيري الكثري يف مجيع ااالت، و يف كل

لم التجرييب هو أكرب ما حققته هذه املدونات من إجناز بقي يعود اجتاه أدركته سبل التفكري البشري، و كان الع

John و جون لوك Galileoو غاليلوFrancis Baconبالفضل على البشرية كلها، فرانسيس بيكون

locke و دفيد هيومDavid Hume هؤالء كانوا بوابة العصر اجلديد مبا دحضوه من أفكار أسطورية ، /

أخرى مبا أحدثوه من جديد، إذ صار لكل ما يف العامل تفسري و تعليل و تقديري دينية من جهة، و من جهة

زماين و مكاين، بدل التفكري األسطوري الذي خيضع كل ما يف الوجود إىل تفسري ميتافيزيقي يتعلق األمر فيه

ي قدرته على مبجموعة من القوى اخلارقة، يكون اإلنسان فيها عبدا هلذه القوى، و ضعيف أمامها بطريقة تلغ

.التفكري

الثامنةالمحاضرة -8

النقد التاريخي

، )logos(ويف مقابل هذا جاءت حبوث العصر احلديث من أجل أن تثبت سيادة اإلنسان و مركزية عقله

وهو تطور لفكرة العقل املنظم كما وردت من قبل، و كل هذه املستجدات عملت على إحداث التغيري، تغيري

أساس احلكم على جودة أو رداءة العمل األديب، و هو طال فكرة الذوق و تذوق األعمال األدبية الذي كان

الشعار الذي كان سائدا أيضا يف العامل العريب و بدايات النقد العريب القدمي، و تأثرا بالفلسفة التجريبية مث وضع

حد ملعيارية التذوق و االلتفات إىل ضرورة وضع القوانني و القواعد تشبها يف ذلك بالعلم التجرييب، و ضرورة

.وضع هذه القوانني هو ما أرشد العامل إىل طريق املنهج سبيال يف الدراسة

فصار من الضروري التخلص من التقييم العفوي و استدعاء األدب إىل حقل العلوم التجريبية، وسيطهم يف

موعة من ذلك املنهج مبا هو سبيل مشرتك بني كل ااالت على اختالفها، و قد توىل كما يف كل اجتاه جم

املفكرين على عاتقهم مهمة البحث عن قواعد و سبل للدراسة العلمية هلذا النص األديب الذي أغرقت الذوقية يف

اختزاله، و اختزال عناصره، و احلكم عليه دون مراعاته، بل بالعودة لذاتية الناقد اليت حترمه حقه، و القول ببدايات

ملنهج النقد التارخيي سبيال و طريقا للدراسة، هذه الدراسة تعيد استثمار التفسري العلمي لألعمال األدبية هو طرق

كما أرساها البحث عند أرسطو و أفالطون و كما طورته البحوث العلمية فيما .. وسائل االستقراء و االستدالل

.بعد

خارجية، ال ميكن تفسري تؤمن هذه الدراسة بالعالقات اخلارجية لألعمال األدبية، و أا نتاج حميط و بيئة

هذه األعمال إال بالعودة هلذه الظروف جمتمعة، و ينتمي منهج النقد التارخيي من حيث تصنيف املناهج إىل

املناهج السياقية اليت ترجع األدب إىل سياق خارجي حمدد، و استنباط السبل العلمية يف الدراسة هو دعوى

زة و البعيدة عن النص األديب يف ذاته، و تنتقل الدراسة من النظرة اخلروج عن السبل الذوقية القاصرة و العاج

الكلية اليت تستدعي الذوق إىل النظرة اجلزئية اليت تتوىل مهمة تتبع الظاهرة عن طريق االستقراء و االستدالل الذي

.تكون وسيلته العلمية

ليس إال مرحلة أولية تلتها مراحل والقول ذه الظروف جمتمعة حول سبل الدراسة يف العصر احلديث،

عديدة طورت يف العلم انطالقا من صورته األولية كما وردت عند أرسطو يف الفلسفة التجريبية سعيا منها للوصول

إىل اليقني عن طريق تفسري النتائج املتوصل إليها، و منهج النقد التارخيي ظهر يف العامل الغريب و انتقل إىل العامل

ريق الرتمجة و أبواب التواصل اليت فتحت بعد احلركات االستعمارية و البعثات، و صار النهج على العريب عن ط

طريق الغرب منتهى التفكري عند العرب، خاصة بعد زوال سبب اإلبقاء على النقد الذوقي عند العرب، و األمر

لغة العربية عن أصلها الفصيح متعلق أوال بفقد الصفات اليت كانت متيز الناقد عن غريه و اختالف صورة ال

والسليم، و صار اجلمع بني شاعر و ناقد باملواصفات القدمية معادلة صعبة التحقيق لزوال أسباا، و زوال أسباب

.ارجتال الشعر مع إمكانية تدوينه

فصار االختالف هو سبب االنفصال من جهة عن تاريخ النقد العريب، سوى بعض صور إحياء البالغة

والنحو، و يكون االنبهار بالعامل الغريب هو مربر األخذ عنهم، و مسايرة آخر ما وصلت إليه البحوث عندهم

افظة و اإلصالح، الذين صاروا بدورهم لتفوقهم احلضاري الذي صار واقعا مفروضا سرعان ما أدركه حىت دعاة احمل

.من دعاة االلتحاق بركب احلضارة العلمية يف الغرب، و انطالقا مما سبق

ماذا يقصد باملنهج أوال؟ مث بالنقد التارخيي؟ و كيف نشأ و تطور عند الغرب؟ و ما هي أهم املبادئ اليت يقوم -

األسئلة جتيب عن مرحلة أولية بدئية انتقالية للنقد عليها؟ و ماذا عن تلقيه من طرف العامل العريب؟ كل هذه

الذي صار األدب من خالله عينة ميكن إدخاهلا حقل العلوم التجريبية و تطبيق خطوات البحث العلمي عليها من

أجل إخراج األدب من دائرة الذوقية و الذاتية، اليت قضت على األدب يف ضمن حكم ذايت نابع عن ناقد متذوق

.ألهم مواطن األدب و أسبابهو خمتزل

:في مفهوم المنهج-1

لغة، الطريق، و يف علم الرتبية، السبيل اليت يسلكها : املنهج" يضبط املعجم حدود املنهج من خالل القول بـ

مية املريب لبلوغ األهداف الرتبوية عن طريق التدريس و ضروب النشاط عامة، مبا يالئم البيئة و الثقافة، اخلطة العل

اليت يصفها الباحث، أو تضعها املؤسسة، لدارس موضوع أو قضية، و يتطلب نقاط منظمة و منسقة، تكون

و يقصد به دراسة خمتلف الظواهر synchroniqueاملنهج التزامين: النسق الذي ينتهج، و ينقسم إىل قسمني

و يقصد به diachronique: ي، و املنهج التطور descriptifيف مدة زمنية حمددة، و يطلق عليه الوصفي

.126"البحث يف الظواهر حبسب التطور الزمين املتعاقب، و لذا يقرن به مصطلح آخر هو التارخيي

فاألصل يف املنهج اعتماده على القواعد و القوانني املنظمة و املتناسقة اليت يعتمدها الباحث من أجل

و له السبيل اآلين و اآلخر التطوري الذي يعمل على تقصي حتقيق شروط العلمية يف الوصول إىل النتيجة،

method(e)،méthodeمنهج " الظاهرة زمنيا، و يذكر صاحب معجم الفلسفة حول املنهج ما يلي

.831املعجم املفصل يف األدب، ص :حممد التوجني-126

(f)بوجه عام، وسيلة حمددة توصل إىل غاية معينة، و املنهج العلميméthode scientifique خطة

: غية الوصول إىل كشف حقيقة أو الربهنة عليها، و املنهج التارخييمنظمة لعدة عمليات ذهنية أو حسية ب

méthode historique(f)،historical method (e) و هو منهج يعتمد على النصوص و الوثائق

اليت هي مادة التاريخ األوىل، و دعامة احلكم القوية فيتأكد من صحتها، و يفهمها على وجهها، و ال حيملها

، 127" و لذا يستعيد املاضي، و يكون أجزاءه البالية و يعرض منه صورة تطابق الواقع ما أمكن أكثر من طاقتها

فينتمي املنهج التارخيي إىل صميم الدراسة العلمية يف كل ااالت، بوصفها تركيزا على املراحل الزمنية املختلفة و

.عدم الرتكيز على احلاضر فقط

: la critique historique" نه يف جمال النقد، يقابل املنهج التارخييهذا عن املنهج بصفة عامة، و ع

التاريخ له معنيان، عام و خاص، املنهج العام ينظر يف البحوث اليت تنظر إىل الفرد يف عالقاته بالتطور البشري،

تماعي و السياسي ويف احلقل األديب يقتضي دراسة األديب أو احلركات األدبية العامة تبعا للتطور الفين و االج

والديين و استعمل هذا املنهج يف أملانيا و إيطاليا و فرنسا حبذر و قلما درست أسسه الفلسفية، و التأريخ باملعىن

اخلاص يأخذ من التأريخ أضيق دالالته أي ارتباط احلدث بزمن، و من مث تقسيم األدب إىل عصور و صفات كل

و ذلك لتتم الغاية و تتحقق السمة .. ن يعرض بصيغة الفاعل و املنفعلاألدب بصيغة املنفعل و إن كان الواجب أ

النقدية للباحث و الداللة على جترده و انعتاقه من موروث مل يعرف التاريخ إال حباكميه و مل يعرف األدب إال

.128"بالتبعية للحاكمني شأن كل احلاالت األخرى

ي إىل العصر احلديث بعد استثمار آخر ما وصلت إليه فالنقد التارخيي ذا الوصف منهج حديث ينتم

و التأرخيية النقدية ذا املعىن اخلاص الذي جيعل منها متجها حديثة النشأة، ألننا نعلم أن النقد " الفلسفة التجريبية

ه وهو قائما على قواعد أرسطو يف معياريت - كذلك–و ظل قرونا طويلة ) تقومييا، تقديريا( ظل قرونا طويلة حكميا

يف النص نفسه و يف العوامل املؤثرة يف النص و يف صلة النص بظروفه و زمانه، و إذا -على أي حال–ال ينظر

- ورد شيء عن عصر أو أديب فإنه يرد عرضا متقطعا و يعود االهتمام بتارخيية األدب هذه إىل القرن الثامن عشر

.195،ص 1983معجم الفلسفة، اهليئة العامة لشؤون املطابع األمريية ، :جممع اللغة العربية-127، 1:ط -بريوت لبنان -ؤسسة اجلامعية للدراسات و النشر و التوزيعالنقد األديب يف آثار أعالمه، امل:حسني احلاج حسن-128

.63-62، ص ص 1996

ر مبسبباا بعيدا عن التجرد أو العزل، و قد جرى و ما صحبه من فكر و فلسفة و ربط الظواه - عصر التنوير

.129" ذلك يف كل مكان يف أوروبا، و أمر فرنسا مشهور و ألملانيا مكان خاص من التارخيية

ويف الفرق بني التاريخ و النقد التارخيي تكمن أمهية الناقد، إذ هو يستطيع الفصل بني االني و إلزام نفسه

و املنهج التارخيي يف النقد، شأن أي منهج حساس، إذا فقد فيه " حدود النقد التارخيي لكي ال يستدرجه التاريخ

ر مؤرخا أو مجاعة و حكمه العصر مبقياسه و حكمه و صار صاحبه توازنه زلت به قدمه و اختل ميزانه و صا

-منذ البداية –النص األديب لديه مادة للتاريخ و مل يصر للتاريخ مادة للنقد، و يقتضي هذا أن حيدد الناقد

عالقته بالتاريخ، و هو ناقد له املؤهالت الالزمة، صميم عمله النص األديب مبا فيه من حياة العواطف و األخيلة،

و هو يستعني بتاريخ العصر و نظمه السائدة على استجالء النص األديب، و إدراك ما خبأة الزمن وراء حروفه،

من وقائع و أحداث و مواقع و أعالم، و حتديد ما كان أللفاظه ومصطلحاته - أو أشار إليه –والعلم مبا تضمن

.130" من دالالت خاصة

س غاية، وسيلة من خالل اعتماد أحداثه لتفسري النص األديب لكن دون فالتاريخ يف نظر الناقد وسيلة و لي

ميش أهم ما يشري إليه النص من عواطف و مشاعر و خياال كذلك من خالله يتشكل العمل األديب بوصفه

نصا خمتلفا عن نص الواقع مبا هو أحداث جمردة، فالناقد عليه أوال أن يدرك أن األحداث وسيلة تفسريية فحسب

.ليس هدفا يف ذاته، لكي تبقى اهلوة واسعة بني النقد التارخيي و التاريخ مبا هو عامل قائم بذاته و

:تاريخ النقد التاريخي-2

لعل من أشهر النقاد الذين ظهر لديهم التوجه العلمي التجرييب يف منهج دراستهم لألدب هو أرنست

-1849(و برونتيري)1893-1828(تنيو )1869-1804(و كذلك سانت بيف)1892-1823(دنيان

و لقد مضى هؤالء النقاد ينكرون التذوق األديب و الشخصي و كا ما يتصل بالذوق و أحكامه يف جمال )1906

دراسة األدب، و أخذوا يضعون قوانني ثابتة لألدب ثبات قوانني العلوم الطبيعية، قوانني تطبق على كل األدباء

، فسانت بيف إىل جانب حميط العمل اإلبداعي يغوص يف روح 131ل العناصركما تطبق قوانني الطبيعة على ك

.398، ص 1979، 1:ط -بريوت -مقدمة يف النقد األديب، املؤسسة العربية للدراسات و النشر:علي جواد الطاهر-129 .398مقدمة يف النقد األديب، ص :علي جواد الطاهر -130-، ص 86، قراءة حتليلية ملرجعيات منهج النقد التارخيي، جملة نزوى العدد )سلطنة عمانكانب من ( ينظر حمسن الكندي -1311-2.

املؤلف من أجل استجالء الدالالت، سبيله يف ذلك املنهج العلمي، عن طريق دراسة األدب دراسة تفصيلية يف

.عالقته ببيئته و ثقافتهم و أمزجتهم و تربيام

و هو كذلك مثل سانت بيف يؤمن باملنهج التجرييب، و هذا ،)اجلنس البيئة و الزمن( أما تني فجاء بثالثيته

:تفصيلها

اجلنس و هو جمموعة االستعدادات الفطرية اليت متيز جمموعة من الناس احندروا من أصل واحد، و حول البيئة

العادات ويقصد ا الوسط اجلغرايف و املكاين الذي أنشأ فيه أفراد األمة نشوءا بعدهم ميارسون حياة مشرتكة يف

واألخالق، و خبصوص الزمان و العصر يتعلق األمر باألحداث األساسية و االجتماعية اليت تكون طابعا عاما

، تارخييا تطور النقد التارخيي مثله مثل باقي املناهج إذ ساهم يف ذلك ثلة من النقاد، 132يرتك أثره على األدب

من النقاد الذين اتبعوا هذا " لصحافة و اجلامعة واضحاواألمر متعلق بداية األمر بسانت بيف، كما كان دور ا

املنهج الناقد الفرنسي املعروف بسانت بيف، كتب عن القرن السادس عشر و السابع عشر، و مل يدع العصر

يتحكم فيه و ينسيه مواهبه و جوانب األصالة، و الذي ساهم يف تطور النقد األديب خالل ذلك القرن، الصحافة

.133"ل على النقد األديب التارخيي، و اجلامعات أيضا شرعت تم بالدراسات التارخييةكان هلا الفض

" والنص األديب ال يرتبط بالتطور أو التخلف، و لكن يتعلق األمر فيه بالبحث عن مواطن لتفسري األدب

الناقد يتابع نقده يف ضوء و كل عصر له حلقات هلا صلة مبا قبلها و ما بعدها و ... وكما نعلم أن التاريخ عصور

التاريخ هلذه العصور، و يقتضي النقد أن يربط بينها و يربط تطور الظاهرة األدبية من عصر إىل عصر سلبا أو

و ما متيز به عصر من عصر، و ما كان هلذه الروابط من عالقة بنظائرها يف التقسيم الزمين على األساس ... إجيابا

زم باخلضوع إىل التقسيم السياسي، فقد تضعف الدولة أو األمة سياسيا السياسي، و هو بال شك غري مل

، رغم أن العالقة 134"واقتصاديا و إداريا و يبقى األدب قويا و قد تضعف الدولة أو األمة و يبدو األدب ضعيفا

و صحيح أن " بني األدب و الواقع دياليكتيكية، الواقع يؤثر يف األدب، و األدب بدوره يعود ليؤثر فيه، و هكذا

الناقد يرصد مدى ما عرب عنه كل أدب عن عصره، و ما أثر كل عصر يف أدبه، و لكنه غري ملزم بالنتاج الضعيف

يدافع عنه بعوامل الزمن أو مينحه القوة منحا شخصيا بالنسبة إىل الظروف احمليطة، و الواجب عليه أن يبقى

.2، ص ، قراءة حتليلية ملرجعيات منهج النقد التارخيي)كانب من سلطنة عمان( ينظر حمسن الكندي -132 .63النقد األديب يف آثار أعالمه، ص :حسني احلاج حسن-133

.64املرجع نفسه ، ص -134

لظهور يف زمنه و مل يدرك معاصروه و أبعاده و معانيه، الضعيف على ضعفه و ينتشل القوي الذي مل جيد فرصة ا

.135"و يرعى رعاية خاصة النصوص العميقة اليت استوعب ا أصحاا عصرهم و ضمنوها عناصر البقاء بعده

وقيمة الواقع عند الناقد تكمن يف االستعانة باحلقائق لكي ال حييد عن جادة الصواب و هو يدرس النص

الناقد يدرس التاريخ و يدرس األدب على أساس من العصور، " ربطا وثيقا بني النص و العصر األديب، فريبط

والقرون، و يقابل بينها و يرى احلدود اليت يتصل فيها األدب بالعصر و احلدود، و مهه األول النص األصيل

ره أنه استغىن بالعصر على يكتشف أسراره و ال جيد ذه الطريقة من يهامجه، ألنه بقي ناقدا، و كل ما يف أم

الفهم و التفهم و حفظته معرفته من الشطوح و البعد عن احلقائق، إن التاريخ لدى الناقد وسيلة للنقد، و نقده

، و على الناقد أيضا أن ينفصل عن عصره، و يتحدث باسم العصر 136"بال ريب تأرخيي يف حدود هذه الدائرة

مال األدبية تابعا حلالة العصر الذي هو فيه، فتختلف الوسائل عند الذي كتب فيه األدب و يبقى تقييم األع

.الناقد باختالف العصر، و عليه أن يتسلح بوسائل العصر الذي يعيش فيه

و اشتهرت " كما كان لسانت بيف حضور يف كتابة السرية النقدية، و األمر كذلك متعلق فيها بالتاريخ

و يف منتصف القرن املاضي بدأ سانت بيف بنشر أحاديث biographieهج أوروبا بالسرية النقدية على من

االثنني موجزها إن دراسة النقد احلق بنظره يتكون من دراسة كل مؤلف حسب أحوال طبيعته لكي يقيم له وصفا

، و الدراسة التارخيية 137" فيما بعد و يف موضعه الصحيح من سلم الفن–حيويا حافال حىت ميكن أن ينزل

نهجها هذا تؤمن أنه ال ميكن احلديث عن شيء دون االطالع على ظروفه و أسبابه و تلك قيمة الدراسة مب

التاريخ " التارخيية، والرتكيز على األثر سببه انعدام الدليل على الزمن بغيابه و يصبح التاريخ فرتات زمنية متطاولة فـ

السلف و أفعاهلم، و القليل جدا من هذه األفعال و يصنع من وثائق، و الوثائق هي اآلثار اليت خلفتها أفكار

األفكار هو الذي يرتك آثارا حمسوسة، إن وجدت فنادرا ما تبقى، ألن عارضا بسيط قد يكفي لزواهلا، و كل فكرة

أو فعل ال خيلف أثرا، مباشرا أو غري مباشر، أو طمست معامله هو أمر ضاع على التاريخ، كأن مل يكن البتة، و

.64املرجع نفسه، -135 .64النقد األديب يف آثار أعالمه، ص :حسني احلاج حسن -136 .65املرجع نفسه، ص -137

الوثائق صار تاريخ عصور متطاولة من ماضي اإلنسانية جمهوال أبدا، إذ ال بديل عن الوثائق، حيث ال بفقدان

.138"وثائق فال تاريخ

:النقد التاريخي عند العرب-3

وإىل جانب سانت بيف نبغ يف النقد التارخيي تني و قد تأثر به طه حسني كثريا، و هو ما أدى إىل ارتباط

ذكرى أيب ( و من يطلع على مذهب تني كما حدده طه حسني يف " بطه حسني يف العامل العريب النقد التارخيي

دون أن يذكر صاحبه، و ما قاله عن ذلك فيما بعد يف األدب اجلاهلي، و مل يبق لديه شك يف تأثر طه ) العالء

اجلنس و البيئة و الزمان ترغمه حسني بتني فعلى غرار تني الذي يرى أن الكاتب أو الشاعر ما هو إال أثر ملؤثرات

على أن يصدر ما كتب أو نظم من آثار، خيربنا طه حسني بأنه لن يدرس حياة أيب العالء وحدها ، و إمنا يريد أن

يدرس أيضا، حياة النفس اإلسالمية يف عصره، ذلك أنه يعتقد أن حكيم املعرة و ما له من آثار ما هو إال حمصلة

.139"اله و ارتوى من معارفه و آدابه و عارك طوائفه و رجاالتهلعصر كابد أحداثه و أحو

و هذه العلل منها ما هو " وعاد للعلل اليت أثرت يف املعري ليحددها انطالقا من منهجه يف الدراسة و هي

مادي و ما هو معنوي، و من العلل املادية البيئة الطبيعية، كاعتدال اجلو و صفائه، و خصب األرض و مجال

و من العلل املعنوية مثال ظلم احلكومة و جورها، و جهل .. الرىب، و رقة املاء و عذوبته، و نقاء الشمس و ائها

األمة و مجودها، و شدة اآلداب املوروثة و خشونتها و هذه العلل تشرتك يف تكوين الرجل و تنشئ نفسه، بل

ملتتبع لكتابات طه حسني إتباعه التيار العلمي ، و يالحظ ا140"وتلهمه أيضا، و ما يعن له من خواطر و آراء

و لقد أعلم أن ) " جتديد ذكرى أيب العالء املعري( وأعراضه عن السبل التقليدية يف النقد، يقول يف مقدمة كتابه

ناسا قرأوا هذا الكتاب فدفعوا أو اندفعوا إىل نقده بعلم أو بغري علم، خملصني و غري خملصني، و لقد كنت أود لو

ت فيما كتبوا شيئا يستحق أن يسطر أو يناقش، و لكين آسف األسف كله ألين مل أجد فيما كتبوه إال شتما وجد

و سبا، و إال طرقا يف الفهم معوجة، و مناهج يف التفكري عتيقة، فمن الواجب علي لنفسي و للقراء أال أضيع

لص ال يدعوه إىل نقده إال حب العلم و الرغبة الوقت يف العناية بذلك و مناقشته، و مازلت أنتظر نقد الناقد املخ

، 4:ط -الكويت–عبد الرمحن بدوي، وكالة مطبوعات : النقد التارخيي، ترمجة: الجنلواوسينوبوس و بول ماس و امانويل كانت-138 .5،ص 1981

-2005جامعة اجلزائر،ختصص نقد أديب حديث، -،أطروحة دكتوراهتطور النقد املنهجي عند طه حسني:حممد شنويف-139 .88، ص 2006

.88املرجع نفسه، ص -140

يف اإلصالح، فأما هذا الذي يبغضك و حيقد عليك فيتخذ النقد سبيال إىل إيذائك و النيل منك، فخليق بك أن

.141..."ترتكه و شأنه، و أن تنصرف عنه

ليس على اآلداب من ذلك " وكان يدعو إىل ضرورة دراسة املناهج احلديثة يف سبيل التقدم و االزدهار، يقول

بأس، فإن هذا املثال املشوه ال بد من أن يكمل يوما إذا عين الناس عناية صحيحة يدرس اآلداب على املناهج

احلديثة، و لست أزعم أنا لسنا يف حاجة إىل درس اآلداب على املنهج القدمي، بل أقول إنا يف حاجة إىل املنهجني

لتقوى يف أنفسنا ملكة اإلنشاء، و فهم اآلثار العربية التليدة، و يف حاجة إىل معا، يف حاجة إىل املنهج القدمي

، فطه حسني يؤمن أن األدب ابن بيئته و 142"املنهج احلديث، و لنحسن استنباط التاريخ األديب من هذه اآلثار

كن فصلها، فبعضها أنه كذلك كل ال ميكن فصله و الظواهر يف احلقيقة ليست إال يف تعالقها بعضها ببعض، ال مي

فاملؤرخ الذي ال يؤمن باملذاهب احلديثة، و ال يصطنع يف البحث طرائقه الطريفة، و ال " سبب يف وجود اآلخر

يرضى أن يعرتف مبا بني أجزاء العامل من االتصال احملتوم، و ال أن يسلم بأن الشيء الواحد على صغره وضآلته،

ال يطمئن إىل أن احلركة التارخيية جربية ليس لالختيار فيها مكان، املؤرخ إمنا هو الصورة كما أوجده من العلل، و

القدمي الذي يرفض هذا كله، و ال مييل إليه، ملزم مع ذلك أن يبحث عن حياة األمة اإلسالمية، إذا حبث عن

.143"حياة أيب العالء، فإنه إن مل يفعل ذلك، استحال عليه أن يفهم الرجل أو يهتدي من أمره إىل شيء

ويؤكد طه حسني يف كل مرة ارتباط األعمال األدبية بأسباا و عللها، و أنه ال ميكن الوصول إىل نتائج

إمنا احلادثة التارخيية و القصيدة الشعرية، واخلطبة " موضوعية ما مل تستدعى هذه األسباب و تقرأ األعمال يف ظلها

كل أولئك نسيج من العلل االجتماعية و الكونية، خيضع جييدها اخلطيب، و الرسالة ينمقها الكاتب األديب،

، فكم هي عالقة وطيدة تلك اليت يقيمها طه حسني بني 144" للبحث و التحليل، خضوع املادة لعمل الكيمياء

األدب و العلوم األخرى اليت يكون أساسها التجريب، فكل األحداث ناقصة ما مل ترتبط بأسباا و ال يتعلق

لتارخيي فقط، و لكن بالتاريخ بصفة عامة، إذ تكون أحداثه جامدة ما امتنع تفسريها و تعليلها األمر بالنقد ا

.وربطها بعصرها كل ال ينبغي فصله، و يف ذلك حتقيق ألبعاد املوضوعية و العلمية يف الدراسة

.4،ص 1963، 6:ط -القاهرة–جتديد ذكرى أيب العالء، دار املعارف :طه حسني-141 .9املرجع نفسه، ص -142 .17جتديد ذكرى أيب العالء، ص :طه حسني -143 .19املرجع نفسه، ص -144

يف بداية العصر احلديث وجممل القول، يرتبط النقد التارخيي بسبل الفلسفة العلمية التجريبية اليت ظهرت

كصورة استثمرت سبل أرسطو يف االستقراء و االستدالل، و احلديث عن هذا النوع من النقد هو استحضار

.ملفهوم املنهج بوصفه ذا داللة مزدوجة تتعلق األوىل باملنهج الوصفي و الثاين باملنهج التارخيي

ي يف جمال النقد لكل من سانت بيف و تني و برونتيري تنسب البدايات األوىل الستخدام املنهج التارخي

Brundtaar .. و قد حاول كل واحد منهم إحداث اجلديد بإدخال العلم التجرييب يف جمال النقد رغبة منهم

بتفسري األدب باالعتماد على الظروف اخلارجية اليت يتدرج القول فيها باختالف العصور، و كان العامل العريب

استقبال هذا اجلديد تأثرا ذه الشخصيات الرائدة، من بينهم نذكر طه حسني يف كتابه جتديد ذكرى كالعادة يف

أيب العالء املعري و يف األدب اجلاهلي، صار األدب فيها رؤيا شاملة حتكي عن حياة و أخالق و طبائع و أمزجة

.جداينشعوب بأكملها دون ميش أهم ما مييز العمل اإلبداعي و هو اجلانب الو

:نصوص و تطبيقات

حنن بني اثنني، إما أن نقبل يف األدب و تارخيه ما قاله القدماء، ال نتناول ذلك من " ... يقول طه حسني

أخطأ األصمعي أو أصاب، : النقد إال ذا املقدار اليسري الذي ال خيلو منه كل حبث و الذي يتيح لنا أن نقول

هتدى الكسائي أو ضل الطريق، و إما أن نضع علم املتقدمني كله موضع حبث، ووفق أبو عبيدة أو مل يوفق، و ا

لقد أنسيت، فلست أريد أن أقول البحث و إمنا أريد أن أقول الشك، أريد أال نقبل شيئا مما قال القدماء يف

ق بني هاذين األدب و تارخيه إال بعد حبث و تثبت إن مل ينتهيا إىل اليقني فقد ينتهيان إىل الرجحان، و الفر

املذهبني يف البحث عظيم، فهو الفرق بني اإلميان الذي يبعث على االطمئنان و الرضا، و الشك الذي يبعث

على القلق و االضطراب و ينتهي يف كثري من األحيان إىل اإلنكار و اجلحود، املذهب األول يدع كل شيء حيث

يف مجاله و تفصيله إال مسا رفيقا، أما املذهب الثاين فيقلب تركه القدماء ال يناله بتغيري و ال تبديل و ال ميسه

.145"العلم القدمي رأسا على عقب، و أخشى إن مل ميح أكثره أن ميحو منه شيئا كثريا

.عن أي منهج يتحدث طه حسني يف هذا النص - *

و أول شيء أفجؤك به يف هذا احلديث هو أين شككت يف قيمة الشعر اجلاهلي و أحلحت " ويقول أيضا

يف الشك، أو قل أحل علي الشك، فأخذت أحبث أفكر و أقرأ و أتدبر، حىت انتهى يب هذا كله إىل شيء إال يكن

.3، ص 1926شعر اجلاهلي، دار الندوة، يف ال: طه حسني-145

اهليا ليست من اجلاهلية يف شيء، و إمنا يقينا فهو قريب من اليقني، ذلك أن الكثرة املطلقة مما نسميه شعرا ج

هي منتحلة خمتلفة بعد ظهور اإلسالم، فهي إسالمية متثل حياة املسلمني و ميوهلم و أهواءهم أكثر مما متثل حياة

اجلاهليني، و أكاد ال أشك يف أن ما بقي من الشعر اجلاهلي الصحيح قليل جدا ال ميثل شيئا و ال يدل على أي

ي االعتماد عليه يف استخراج الصورة األدبية الصحيحة هلذا الشعر اجلاهلي، و أنا أقدر النتائج شيء، و ال ينبغ

اخلطرة هلذه النتيجة و لكين مع ذلك ال أتردد يف إثباا و إذاعتها، و ال أضعف عن أن أعلن إليك و إىل غريك

م أو عنرتة ليس من هؤالء الناس يف شيء، من القراء، أن ما تقرؤه على أنه شعر امرئ القيس أو طرفة أو ابن كلثو

و إمنا هو انتحال الرواة أو اختالق األعراب أو صنعة النحاة أو تكلف القصاص أو اخرتاع املفسرين و احملدثني

.146"واملتكلمني

.ناقش االجتاه الذي سلكه طه حسني يف قراءة النصوص اجلاهلية - *

.6املرجع نفسه، -146

ساعة و نصف :المدة

)لسانس ل م د (طلبة السنة الثانية : الفئة المستهدفة

:تمهيد

جرى احلديث دائما عن ريادة احلضارة اليونانية و عودة كل املعارف إىل جذور التفكري عند أفالطون

وأرسطو، و قد ردد ذلك النقاد يف عصر النهضة و قالوا بسيطرة التفكري األرسطي على الساحة النقدية ردحا من

ة األوىل املتعلقة مباهية األدب، و رغم أن بدايات الزمن، و األمر يتعلق هذه املرة باالجتاه االجتماعي و املقول

التفكري عند اإلنسان متحورت حول الفلسفة و مناقشة إشكالية الوجود، و كذا السعي وراء إعطاء مفهوم و تصور

للعامل املثايل و الواقعي، بقيت وسيطا قائما مشل كل املوجودات و الظواهر مبا يف ذلك األدب بوصفه ظاهرة

.ستدعي البحث عنهاإبداعية ت

فالقول حول احملاكاة يف احلضارة اليونانية عند أفالطون تعلق يف بداية األمر بتلك الصورة الباهتة و املشوهة

اليت يظهر من خالهلا العامل املثايل يف الواقع، و األمر خيص كل ما فيه من موجودات و السعي هنا دائم لتأكيد

املثايل، و يف مقابل القول بالنقص و التغري الذي ينسب للعامل الواقعي مبا هو عامل الثبات و الكمال على العامل

مشوه، و هذه الفكرة مت تطويرها يف ما بعد ليقارب األمر مسألة الفن و هو حمور الواقع الذي ينتمي إليه األدب،

احملاكاة عند أرسطو، و على فدارت األفكار األولية حول تطوير األدب للواقع أو احمليط و هذا ما فصلت فيه

اختالف و تفرد فكرة احملاكاة عند أرسطو مبا تزعمه، إال أن األمر متعلق باالنطالق من هذا الواقع سعيا لرسم

.مالمح هذا الفن أو األدب، و يكون الفاعل هذا الفنان أو املبدع

المحاضرة التاسعة-9

النقد االجتمـــــــــــــــــــــــــاعي

ما يقال أول كتاب يقرؤه اإلنسان فيأخذ فمنذ البدايات األوىل ارتبطت مادة األدب بالواقع، ألن الطبيعة ك

عنه العلم و اخلربة و التجربة، و ظل الوجود باختالف عصوره ملهم اإلنسان و مرجعه يف اإلبداع و التميز، فأفق

التفكري عند اإلنسان حتده حدود العامل حوله و يضيق هذا التصور إذا غابت عنه الطبيعة مبا تطرحه من جديد،

صور عند أرسطو هو االنطالق من فكرة النقص أو التغري الذي هو مسة الواقع و خاصيته، فهذا واالنتقال يف الت

التعدد و االختالف الذي يطرحه الوجود، و هذه احلدود الدقيقة اليت تفصل بني األشياء فتؤدي إىل اختالفها هي

الواقع و حياوره لريسم له صورة من منهل اإلبداع عند اإلنسان، و يف حماولته للتعبري عن هذا الواقع هو حياكي

وجهة نظره هو، فيكتب عن هذا الواقع و حياول أن يرمم النقص املوجود يف هذا الواقع بوساطة اللغة، فتكون

.الصورة املبدعة أكثر اكتماال من الواقع ذاته

قع بدوره يؤثر يف األدب وليس مطلقا هو تعلق الفن بالواقع عن طريق إمتام النقص املوجود فيه، و لكن الوا

إذ مينحه رؤى و تصورات بغية اإلبداع، فيكون األصل يف العالقة اليت جتمع بني األدب و الواقع جدلية، هو يتأثر

بالواقع و يعود الواقع ليؤثر فيه، و تلك هي العالقة األزلية اليت جعلت األدباء و النقاد يفسرون األعمال األدبية

ي يكون سبب الكتابة، فرغم أن املنهج االجتماعي حديث النشأة إال أن القول مببادئه انطالقا من واقعها الذ

األدب بالواقع قبل أن توضع مبادئه الواضحة يف العصر احلديث و عده منهجا نقديا / قدمية قدم ارتباط الفن

نهج االجتماعي و املنهج سياقيا، يكون تفسري األدب فيه انطالقا من عوامل خارجية، و هنا يطرح التقارب بني امل

التارخيي، ذلك أن األمر يف كليهما يتعلق بالبيئة احمليطة باألدب، و منه القول بالتيار العلمي الذي ينتمي إليه

.كالمها

فالتفسري و التقييم وفق املنهج االجتماعي يستعري بدوره آليات العلم التجرييب من استدالل و استقراء يف

األديب، و لكن ما يفصل املنهج األول عن الثاين هو سبيل تتبع الظاهرة، فاملنهج التارخيي هو سبيل دراسة العمل

األخذ بالسبيل التطوري أو التعاقيب يف تفسري األدب انطالقا من ربطه مبحيطه و واقعه، فيكون املنهج التعاقيب

الدراسة الوصفية اآلنية اليت يكون الواقع وسيلته يف الدراسة، بينما األمر بالنسبة للمنهج االجتماعي فمتعلق ب

احلايل و اآلين فيها السبيل األجنع يف الدراسة، و سلطة التصور الفين لألدب دلت عليه املناهج النقدية، إذ ال تربح

إال و تعود لالعتقاد ذه العالقة و استحالة الفصل بني األدب و الواقع و هذا ما صورته نظريات عديدة قبلية

ة من نظرية احملاكاة عند أفالطون و أرسطو و بعدها نظرية االنعكاس و االعتقاد عند املاركسية و اجلدلية وبعدي

و هيبوليت Madame de Style املادية، وصوال إىل ظهور املنهج االجتماعي و جمهودات مدام دي ستايل

و أخريا تعلق األمر بالنظرية البنيوية اليت ما لبثت أن وجدت خمرجا George Lukatsتني و جورج لوكاتش

لألدب يوجزه االعتقاد بوجود مرجع داخلي يتكئ عليه النص األديب، و ظهور ما يسمى بالنقد الواقعي الذي كان

.صورة متطورة للمناهج االجتماعية إذ ترجع األدب إىل الواقع اخلارجي

عريف املنهج االجتماعي؟ و ما هو تاريخ نشأته؟ و ما هي النظريات اليت ساعدت ما هو ت - وانطالقا مما سبق

على إرساء دعائمه؟ و ما هي اهودات اليت أوجدته منهجا قائما بذاته يف العصر احلديث؟ و ما ذا عن تأثر

لنقد العريب احلديث عند العامل العريب به؟ و ما هي أهم األمساء النقدية اليت ارتبطت به؟ و هل كان له األثر على ا

.زعمائه؟

كلها أسئلة حتاول أن تضبط حدود املنهج االجتماعي و جل التصورات اليت ظهرت حوله، بدءا بالصور

األوىل و انتهاء بالصورة املكتملة يف العصر احلديث كاستجابة ملتطلبات املنهج العلمي التجرييب، دون الرتكيز على

ذلك التيار الذي يؤمن باالنتماء املطلق لألدب إىل هذا العامل الواقعي الذي يلهمه و يتوقف انتماء هذا النقد إىل

.تفسري األدب على استدعائه

:في مفهوم المصطلح-1

يرى رواد النقد االجتماعي أن عالقة النقد األديب باملنهج االجتماعي وثيقة، إذ تؤدي كل اجتاهاته هدفا

إن النقد األديب حسب زميا " Pierre Zima ع يف آن، و هذت ما يراه بيري زميايكشف عن األدب و اتم

ليس إال دراسة سيميوطيقية أو أسلوبية مبنظور اجتماعي، و تنطلق دراسته بصفة أساسية من حتليل اخلطاب

، حتمل خصائص االجتماعي أو اللهجات اجلماعية يف النص، باعتبارها بىن اجتماعية باملاهية/ اللغوي أو اللغوي

اللحظة التارخيية اليت تنتمي إليها، فمن حتليل األسلوب أو اللغة داخل النص يصل إىل الدراسة الرتكيبية الداللية

املتكاملة القادرة على كشف النص و اتمع يف نفس الوقت، و دون انفصال، و هو ذا يواصل جبهد ملحوظ

روايات، إجناز ميخائيل باختني و غريه من منظري االجتاه اهلام الذي ومفيد، خاصة يف الدراسات التطبيقية على ال

يبحث عن العالقة االجتماعية داخل البىن النصية، باعتبار أن العالقة بني اتمع و النص، ليست عالقة انفصال

.147" أو تأثري و تأثر و إمنا هي عالقة كمون بصفة أساسية

أمينة رشيد، سيد البحراوي، دار : عايدة لطفي، مراجعة: ،ترمجة)حنو علم اجتماع للنص األديب( النقد االجتماعي:بيري زميا-147 .9، ص 1991، 1:ط -القاهرة -الفكر للدراسات و النشر و التوزيع

الجتماعي عند زميا وثيقة، جتعل يف األصل عالقة أولية بني األدب و اتمع، وعالقة النقد األديب باملنهج ا

إن النقد االجتماعي للنصوص " و يفصل بيري زميا بني مصطلحني كثريا ما يكون هناك تقارب يف استعماهلما

sociocritique و علم اجتماع النص مها مرتادفان، و أن كلمةsociocritique ،النقد االجتماعي

sociologie du texte) علم اجتماع األدب( حت أكثر تداوال من غريها ألا أقصر من مصطلحأصب

لشارل مورون، فإن املدخل املقرتح هنا psychocritiqueعلى الرغم من أنه يذكرنا بالنقد النفسي للنصوص

.148"ال يقرتب من مدخل مورون إال يف االعتناء عموما بوضع البنيات النصية يف االعتبار

ورغم التقارب يف استعمال املصطلحني يف حقل النقد إال أن النقد االجتماعي للنصوص أقرب إىل حقل

هذه اجلهود لفهم " النقد، ألنه ال يهدف إىل العلمية بقدر ما يستعملها وسيلة قصد تقييم العمل األديب، يقول

ان إىل التقييم، و هذا ال يرفع بالضرورة وشرح النص دخل موقف اجتماعي و لغوي خاص تؤدي يف أغلب األحي

مسألة معرفة إذا كان اإلنتاج األديب جيدا أو سيئا، إنه يسعى باألحرى إىل إظهار األوجه اإليديولوجية للنص

النقد االجتماعي للنصوص، sociocritiqueومتييزها عن مساواا النقدية داخل هذا السياق، فإن التعريف

الذي هو أكثر حيادية و ال يتبقى sociologie du texteة من علم اجتماع النص يبدو أيضا أكثر مالءم

.149"غري استخراج وجهة النظر اليت بدءا منها يتم نقد النص و اتمع

وجممل اآلراء تذهب املذهب االجتماعي و ترى يف األدب صورة تمع حيده الزمان و املكان و اإلبداع

يبدأ النقد االجتماعي ملبدأ يقول إن عالئق الفن باتمع ذات أمهية حيوية، و أن " يربحهخيلق داخل هذا احليز ال

تقصي هذه العالئق قد ينظم استجابة املرء اجلمالية إىل عمل من أعمال الفن و يعمقها، إن الفن ال يتخلق يف

يستجيب تمع هو منه يف فراغ و إنه ليس من عمل شخص حقا، بل من عمل خالق حمدد يف الزمان و املكان،

القمة، ألنه جزؤه الناطق، فالناقد االجتماعي، إذن، يعين بفهم الوسط االجتماعي و مدى استجابة الفنان له

.150"وطريقته

، ص أمينة رشيد، سيد البحراوي، : عايدة لطفي، مراجعة: ،ترمجة)حنو علم اجتماع للنص األديب (النقد االجتماعي:بيري زميا -148 .12-11ص

.13، ص املرجع نفسه -149عناد غزالن إمساعيل و جعفر : ترمجة و تقدمي و تعليق)مقاالت معاصرة يف النقد( مخسة مداخل للنقد األديب:ويلربس سكوت-150

.135، ص 1984للنشر، صادق اخلليلي، دار الرشيد

غري أن الفرنسي تاين هو الذي أوصله إىل كماله مبقولة " ويرد تعريف آخر لألدب يقرب النقد االجتماعي

، و القول بالعالقة بني األدب و اتمع عام ال 151"لة الفرتة، و العنصر و الوسطالشهرية بأن األدب حصي

إن النزوع إىل ربط الفن بالقيم " يقتصر على عامل دون آخر و لكن الفكرة متداولة بني مجيع األمم على اختالفها

و جاك لندن و هاملني االجتماعية أمر طبيعي، و لعله جوهري يف احلركة الواقعية، و يف أمريكا عين هويلز،

كارالند، و فرانك نوريس بالعالقة بني األدب و اتمع، عندما استعاض الناقد بالنظرية االجتماعية أو السياسية

و جد أن لديه نظرة متكاملة عن مقادير عظيمة من األدب، و هكذا جاء مؤلف جون ) جمتمع( عن مصطلح

لى وجهة النظر االشرتاكية، فيما جاءت قوة تيارات رئيسية يف ، معتمدا ع1908) روح األدب األمريكي( ماكي

، و كذلك جاء ضعفها، يلتزم املؤلف الليربالية اجلفرسونية، و ال شك 1927الفكر األمريكي بقلم بارينكتون يف

ات ك و ييل، كانوا يفكرون ضمنيا يف الـأقل، يف تأثري .أن الناقدين األوائل يف عصرنا، أمثال راندولف بورن، ت

، هذا حول النقد االجتماعي، أما عن تاريخ ظهوره، و مجلة النظريات اليت أرهصت لظهور 152"اتمع يف الفنانني

النظرية يف العصر احلديث، فالعود فيها بادئ األمر إىل الفرتة اليونانية و النظريات األوىل اليت حيكت حول

.األدب

:تاريخ النقد االجتماعي و إرهاصاته-2

عود البدايات األوىل لالعتقاد بالعالقة الوثيقة بني األدب و الواقع إىل نظرية احملاكاة عند أفالطون وأرسطو، ت

على اختالف كل منهم يف تقديره لوظيفة الفنان أو األديب، غري أن األصل يف الفكر الذي انطلق منه كل منهما

الشعر نوع من احملاكاة، و هو يستخدم املصطلح ذاته، يرى أرسطو بأن " هو االعتقاد بتصوير األدب هلذا الواقع

الذي يستخدمه أفالطون لكنه مينحه مفهوما جديدا متباينا عن مفهوم أفالطون الذي كان يرى أن الشعر حماكاة

للمحاكاة و بالتايل فهو صورة مزيفة و مشوهة عن عامل املثل أو احلقيقة اخلالصة، و إذا كان أفالطون قد عمم

حملاكاة على كل شيء يف الواقع أو يف العامل الطبيعي، فإن أرسطو قد قصر مفهوم احملاكاة على الفنون، مفهوم ا

.153"كما رفض أرسطو رأي أستاذه القائل بأن احملاكاة نقل حريف ملظاهر الطبيعة

.135املرجع نفسه، ص -151 .136، ص )مقاالت معاصرة يف النقد( مخسة مداخل للنقد األديب:ويلربس سكوت -152، 1:،ط -بريوت لبنان –يف نظرية األدب، دار املنتخب العريب للدراسات و النشر و التوزيع :شكري عزيز املاضي-153

.32،ص 1993

أن األديب حني حياكي فإنه ال ينقل فقط بل يتصرف يف هذا " ويف هذه النقطة خيتلف عنه أرسطو، فريى

املنقول، بل ذهب أرسطو أبعد من ذلك حني قال بأن الشاعر ال حياكي ما هو كائن و لكنه حياكي ما ميكن أن

تقاد بتصوير األدب للواقع مطلقا إىل ، كما يعود االع154"يكون أو ما ينبغي أن يكون بالضرورة أو االحتمال

أستندت نظرية االنعكاس يف تفسري األدب نشأة و ماهية و وظيفة إىل الفلسفة الواقعية املادية، " نظرية االنعكاس

هذه الفلسفة اليت ترى بأن الوجود االجتماعي أسبق يف الظهور من وجود الوعي، و قد استطاعت نظرية

يدة متاما عن نشأة األدب و طبيعته و وظيفته، و لعلها أكثر النظريات حيوية و االنعكاس أن تقدم مفاهيم جد

.155"قدرة على االستمرار بفضل منهجها الذي يتمم باحلركة

وركز أعضاء هذه النظرية على ضرورة اشتقاق املعايري النقدية هلذا األدب من واقع املرحلة االجتماعية والثقافية

إن أعالم نظرية " ، و كله يدخل ضمن تأكيدهم على العالقة بني األدب و اتمعالذي انتج فيها األدب

االنعكاس يشددون على الداللة االجتماعية لألعمال األدبية و الفنية و على الصلة بني األدب و اتمع، غري أن

بني أعالم هذه النظرية مدى العالقة بني األدب و اتمع و شكل هذه العالقة قد ظل و مازال مثار نقاش واسع

و خصومها، و بني أعالمها فيما بينهم على حنو ما نرى يف كتابات بليخانوف و لوكاتش و أرنست فيشر

، و يف االجتاه اآلخر تكون املادية و اجلدلية يف التيار املاركسي كذلك أحد النظريات اليت قالت 156" وغريهم

يف هذه النظرية بالقول بتأثر األدب بالواقع و عودته للتأثري يف هذا بالعالقة بني األدب و الواقع، و األمر متعلق

.الواقع، وفق عالقة جدلية

الطبيعة مل توجد قبل البشر فحسب، بل قبل الكائنات احلية مجيعا أيضا " وترى النظرية املادية اجلدلية أن

" ي أن يوجد قبل الطبيعة، إنه معطى ثانوبالتايل بصورة مستقلة عن الوعي، الطبيعة معطى أول، و ماكان للوعالنقد اجلديل يسعى من ناحية إىل الكشف عن العالقة اجلدلية " ، و قد ارتبط االجتاه الواقعي بالنقد املاركسي157

بني األدب و الواقع الطبيعي، و من ناحية أخرى إىل حماولة كشف األبنية و آليات هذه العالقة، املضمونية

.33املرجع نفسه، ص -154 .83يف نظرية األدب ، ص :عزيز املاضيشكري -155 .94-93املرجع نفسه، ص ص -156 -بريوت –جورج طرابيشي، دار الطليعة : ألف باء املادية اجلدلية، ترمجة: فاسيلي بودوستنيك أوفشي باخوت -157 .37،ص 1،1979:ط

و هذه القوانني "..، كما ينسب للنقد املاركسي صفة العلمية"...158ا و سياقاا املختلفةالتشكيلية يف جتليا

الكلية هي اليت يقيم عليها النقد املاركسي مسته العلمية، فهو نقد علمي بنفس القدر الذي ميكن احلديث فيه عن

ية أخرى تدعي مساته، هو املعرفة يف املعجم املاركسي و العلم هنا، كما هو يف اجتاهات نقد) اشرتاكية علمية(

.159"القياسية اليقينية اليت يتوصل إليها باملالحظة و االختيار و من مث بالقوانني املستبطنة من فوضى الظواهر

وهذا النقد أثر يف العامل العريب و عد خملص النقد من االنطباعية و أهم الشخصيات اليت أخذت عنه نذكر

مة موسى و عمر فاخوري و مفيد شوباشي و حسني مروة و لويس عوض، و أمني عصام حفين ناصف و سال

فرع من فروع " العامل، و آخر النظريات اليت أخذت بعالقة األدب باتمع البنيوية التكوينية، و البنيوية التكوينية

بنيوية يف صيغتها البنيوية نشأ استجابة لسعي بعض املفكرين و النقاد املاركسيني للتوفيق بني طروحات ال

الشكالنية، و أسس الفكر املاركسي أو اجلديل، أو ما يسمى أحيانا، يف تركيزه على التفسري املادي الواقعي للفكر

Lucien ، و رغم حماوالت املاركسيني إال أن النظرية تنسب للوسيان غولدمان 160"و الثقافة عامة

Goldman"،كالتايل، إذا كانت البىن يف واقع األمر متيز ردود فعل و يوضح غوملان بنيوية هو، أي التكوينية

الناس للمشكالت املختلفة اليت تثريها العالقة بينهم و بني حميطهم االجتماعي و الطبيعي، فإن هذه البىن تقوم

وبشكل دائم، يدور ضمن بنية اجتماعية أكرب، و عندما يتغري الوضع، فإن تلك البىن تتوقف عن آداء ذلك

.161"و تفقد بالتايل شخصيتها العقالنية، مما يؤدي بالناس للتخلي عنها و إحالل بىن جديدة حملها الدور،

يف العمل األديب جيد احمللل أو الناقد البنيوي التكويين رؤية العامل هذه ال بوصفها " ويفسر العمل األديب بقوله

ك االبداع، و كلما ازدادت قدرات املبدع ازداد اقرتابه من إبداع كاتب، و إمنا بوصفها تكوينا معرفيا متجاوزا لذل

من تلك الرؤية و صدق متثيله هلا، حىت و إن مل يع ذلك، فثمة حتمية ماركسية يف تلك العالقة التعبريية تأخذ

شكل البنية، أو العالقات الدينامية بني عناصر العمل األديب، اليت ميكن القول إا تسكن الوعي الكاتب هذه

، املركز الثقايف العريب )لحا نقديا معاصراإضاءة ألكثر من سبعني تيارا و مصط( دليل الناقد األديب:سعد البازعي:ميجان الرويلي-158 .372، ص 2002، 3:ط -الدار البيضاء املغرب –

.372املرجع نفسه، ص -159 .76، ص )إضاءة ألكثر من سبعني تيارا و مصطلحا نقديا معاصرا( دليل الناقد األديب:سعد البازعي:ميجان الرويلي -160 .77املرجع نفسه، ص -161

بنية، بتعبري آخر، هي رؤية العامل و قد متاثلت يف العمل األديب، أي حتولت إىل نسق من الرؤى و األفكار ال

.162"املرتابطة

:عالقة األدب بعلم االجتماع-3

أخذ العامل العريب النقد االجتماعي عن العامل الغريب كغريه من املناهج اليت تأثر ا و استقاها يف العصر

برز املنهج االجتماعي كحركة نقدية موجهة لألديب " هدفهم يف ذلك التخلص من النظرة االنطباعيةاحلديث، و

يف بداية القرن التاسع عشر حني تغلبت النظريات االشرتاكية و الرأمسالية على النظم االقتصادية و االجتماعية يف

مع، أو هكذا ينبغي أن يكون، و أن النقد العامل العريب، فظهرت طبقة من النقاد ترى أن األدب يف خدمة ات

يصبح عدمي الفائدة إذا حتجر أمام مجال النص أو رداءته، و األوىل أن ينظر النقد إىل العمل األديب على أنه جزء

من نظام احلياة العام، فيحدد األهداف اليت يرمي إليها، و الفكرة االجتماعية اليت يعكسها، و قد رفضت هذه

اد كل أشكال التحكم و السيطرة على مقدرات الشغب و ثرواته، فحاربت البورجوازية و اإلقطاع الفئة من النق

.163" بأشكاهلما االقتصادية و األدبية، و شجبت األعمال األدبية املؤيدة هلذه النظم القاسية

ذين رفضوا املنهج وأهم من مثل النقد االجتماعي يف العامل العريب سالمة موسى، الذي كان من األوائل ال

القدمي، و رأوا ضرورة التوصيل بني األدب و اتمع، و سالمة موسى يرى ضرورة الربط بني األدب و اتمع يف

مقابل عدم االهتمام بالشكل، ألن اهتمامه بالشكل يبعده عن خدمة اتمع، و كان ضد األدب امللوكي الذي

سالة األدب يف منهج سالمة موسى تربوية، تغري اتمع و تعين كانت ر " يهدف ملدح امللوك و يعده غري صادق

مبعاجلة شؤونه، كما يرى أن األدب للحياة و اإلنسانية و اتمع، و أنه ليس نكتة بديعة، أو بيتا رائعا، إمنا هو

بالرغم ارتقاء و تطور لتعميم اخلري و الشرف و اإلخاء و احلب، مما يالحظ أن سالمة موسى مل يكن ماركسيا،

من دعوته إىل سيادة االجتاه االجتماعي يف األدب، و بالرغم من كتابته عن أدباء الروس أو تبنيه الجتاهات األدب

.164"الروسي على أن دعوته هذه كانت عامال الشتداد عود األدب االجتماعي يف اخلمسينات

.78املرجع نفسه، ص -162 -حبث يف مادة النقد األديب -املنهج االجتماعي ورواده يف النقد األديب احلديث،قسم اللغة العربية: أمحد عبد احلميد مهدي-163

.1ص -جامعة املدينة العاملية - شاه علم ماليزيا .2املرجع نفسه ، ص -164

االجتماعي، و لكنه مل يهمل اجلانب الشعوري كما يعد حممد مندور أيضا من بني النقاد الذين آمنوا باالجتاه

من أبرز النقاد االجتماعيني الذين نرصد " للعمل األديب كما مل ينف اجلانب التأثري للناقد، فعد حممد مندور

( اجتاهام النقدية، و الذي يعد من املؤسسني للفكر و الفلسفة االشرتاكية يف األدب فقد محل طويال شعارا

و جتلى هذا الشعار يف إعجابه باألعمال األدبية ذات املضامني االجتماعية الواضحة، فهو ) ةاألدب نقد احليا

يعجب برواية زينب حملمد حسني هيكل، و يعتربه رائد الواقعية، كما يعجب ب، ليلى صبيح حلافظ إبراهيم،

د املضمون يف أغلب لتضمنه مواقف جديدة خالدة، غري أنه يعيب على حافظ اهتمامه البالغ بلغته مما يفس

.165"األحيان

وجممل القول، ميكن القول خبصوص املنهج االجتماعي أنه التصور الذي يرجع الفن إىل الواقع و يفسره

انطالقا منه، و عن أصل هذا النقد، فيتعدد القول به بني القدمي و احلديث، فنظرية احملاكاة تتصدر النظريات يف

النظر إىل األدب، و تعود أيضا إىل املاركسية و املادية اجلدلية، و أيضا إىل التصور إحالتها إىل هذه الطريقة يف

العلمي التجرييب اجلديد الذي يستثمر مبادئ علم االجتماع مبا هو علم قائم بذاته له مبادئه و قواعده و أسسه

لوا نتائج البحوث العلمية يف ومربراته، و يعزى الفضل يف ظهور املنهج االجتماعي إىل نفس الرواد الذين استغ

.الدراسة النقدية التارخيية وصوال إىل البنيوية التكوينية عند لوسيان غولدمان

ويف العامل العريب تأثر النقاد كثريا مبا جاء به هؤالء يف جمال النقد و برز منهم كل من سالمة و موسى و حممد

Ernstو لوكاتش و أرنست فيشر Plekhanov يخانوفو يف العامل الغريب اشتهر كل من بل.... مندور

Ficher...

:نصوص و تطبيقات

أن التملق آفة األدب، و هو يشوه الواقعية السليمة اليت ينبغي أن يصورها تصويرا حيا، " يرى سالمة موسى

وهو هنا يعرض بطه حسني و العقاد اللذين سايرا امللك، فقد عاب سالمة موسى على طه حسني وصفه للملك

عاب على العقاد أنه وصف امللك فاروق بصاحب مصر، و بأن سلوكه الشخصي يعترب قدوة للمواطنني، كما

فاروق بالفيلسوف، يف حني هؤالء احلكام و خباصة امللك على األدب و الفن، و يفسر سالمة موسى اهتمام طه

حسني و العقاد باألدب القدمي، أن هذا األدب ملوكي، و أن اتمع العريب نفسه كان أمرييا إقطاعيا، و هلذا جاء

.2املرجع نفسه، ص -165

ايا اتمع، و يرد طه حسني على هذه اآلراء فيتهم موسى بالشعوبية، و يرى أن األدب منافقا مل يهتم بقض

األدب العريب لن يضريه سخط عليه، و لكنه ال ينكر التهمة، فيقرر أن امللوك و األثرياء اختذوا وسيلة إلنتاج

األدب للحياة : األدب يف بعض الظروف، و أن األدب يالئم البيئة اليت ينشأ فيها على كل حال، كما يرى

واإلنسانية و اتمع، و أنه ليس نكتة بديعة، أو بيتا رائعا و إمنا هو ارتقاء و تطور لتعميم اخلري و الشرف واإلخاء

.166...."و احلب

.انطالقا من النص ما هي حدود األدب امللوكي، و األدب االجتماعي عند سالمة موسى - *

.2لنقد األديب احلديث، ص املنهج االجتماعي و رواده يف ا: أمحد عبد احلميد مهدي-166

ساعة و نصف :المدة

)لسانس ل م د (طلبة السنة الثانية : الفئة المستهدفة

:تمهيد

أغرقت املناهج النقدية االجتماعية يف نسبة قول األدب إىل األسباب االجتماعية، لدرجة صار فيها األدب

صورة فوتوغرافية عن هذا الواقع، و إن استدعت بعض املناهج اجلانب اجلمايل يف النقد، إال أن األمر بالنسبة

ام، و رغم هذا كله ال يكاد يذكر األدب إال و يربط إليهم هو العودة دائما للواقع بوصفه املصدر الوحيد لإلهل

باإلبداع، و تلك هي الفجوة اليت سرعان ما انتبه إليها النقاد، فغريوا من وجهة نظرهم قليال ناحية جانب آخر

موجود ال حمال و ال ميكن أن ينفصل عنه األدب، ألنه املادة اليت يصنع منها، و األمر متعلق هنا بقضية أكد

أفالطون و بسببها مت إخراج الشعراء من مجهوريته و قال بضرر الشعر كونه يؤجج املشاعر و العواطف، عليها

.واألمر مل يتوقف هذا احلد و لكن انتقل إىل أرسطو و مفهوم التطهري عنده

بداع مل فتكونت منذ البداية مفاهيم حول اجلانب النفسي لألدب، و إن كان الرتكيز على هذا احليز من اإل

يبدو واضحا، فالسبب يف ذلك نقص البحوث اليت تتناول هذا اجلانب الوجداين الروحي املعقد اليت حتيل إىل ذات

يعمها الغموض، و إن كانت بعض البحوث قد أشارت إليها، و لكن يف كل حاالا كان ينقصها الدقة، و تذكر

ذا اال اليت كان أصحاا ابن قتيبة القاضي اجلرجاين، الدراسات النقدية العربية القدمية بعض احملاوالت يف ه

ولكن بقي العامل يراوح األفكار النفسية كما يراوح غريها إىل أن مت الفتح يف العصر احلديث، و استطاع اإلنسان

أن يطور نظرية يف العامل أساسها آراء أفالطون و أرسطو، و أن يعلن عن وجود املنهج وسيلة ا يتم حتقيق

.العلمية و املوضوعية، و األمر نفسه مت مع منهج النقد النفسي

والبدايات الفعلية هلذا املنهج كانت مع زعماء التحليل النفسي يف العامل الغريب، سيغموند فرويد

Sigmund Freud و يونغJeune فارتبط األدب ارتباطا وثيقا بعلم النفس، و صار األدب منظورا إليه ،

المحاضرة العاشرة-10

النقد النفسي

على جوانب يف اإلنسان مهمشة و خمفية تتحكم فيه قبل أن يتحكم فيها، و تفسري هذا كون اإلبداع كرد فعل

صورة لعقدة نفسية وجب عالجها، و األمر يف البداية انطلق من مساحة الشعور ليصل إىل منطقة الالشعور، فعد

من النصوص األدبية اليت األدب عمال غري مفهوم حىت على الكاتب نفسه، و قد عاد يف ذلك إىل جمموعة

.أكدت اجتاهه هذا و انطالقا من أحداثها و شخصياا مت الكشف عن جمموعة عقد نفسية

فاملعروف أن فرويد قد استفاد كثريا من النصوص اإلبداعية اليت وضحت هذا اجلانب يف اإلنسان على حد

ه باحلواس و هي شروط البحث العلمي، و لكن قد اعتقاده، إذ عامل النفس البشرية غامض و غائر ال ميكن إدراك

الكتابة أو الكالم أو األحالم، ففي دراساته يقارب كثريا /يبقى ما يدل عليه و يشرحه، إذا انطلق املرء من التدوين

بني احللم و األدب، و يعد اإلبداع صورة أو إخراج للكبت الذي يسكن اإلنسان فيوقعه يف األمراض النفسية ،

بداع هو عمل يتجنب اإلنسان من خالله الوقوع فريسة للمرض، و الوضع كذلك بالنسبة للحلم الذي وعمل اإل

.يتوىل مهمة التفريغ

فاألحالم عادة ما تعرب عن عامل الالشعور البشري أو الكبت الذي يؤرق اإلنسان و يقلقه و التنفيس يكون

بداع انطالقا من هذا التصور رد فعل إرادي و الإرادي شعوري تفسريا للحلم الذي يراه اإلنسان أثناء نومه، فاإل

والشعوري، يعكس حقيقة ما يدور بداخل اإلنسان من انفعاالت و مشاعر و عواطف، و كأن األمر عند فرويد

هو استدعاء مباشر للحد األول الذي ضبطه أفالطون للشعر، و كذلك فكرة التطهري و التنفيس عند أرسطو،

تفسري سبب قول الشعر عند هؤالء املفكرين احملدثني، و األمر متعلق بفرويد و يونغ، إال أن وعلى اختالف

اهلدف عندهم االنطالق من املالحظات العامة قصد مجع العينة إذ من خالهلا ميكن بناء جمموعة من القوانني

.واملبادئ اليت يتكئ عليها علم النفس احلديث

أساس الإرادي تكون فيه الذات مقابلة للهو، مع اختالف تفسري اهلو، فصار واالنطالق عندهم كان من

لألدب عالقة وثيقة بعلم النفس، و ظهر ما يسمى مبنهج النقد النفسي الذي يعيد أسباب القول عند املبدع إىل

ذا تفسري هذه العوامل اخلفية اليت حتدث عنها فرويد ألنه جانب الشعوري يتم يف حاالت خاصة لإلنسان، و ه

ارتباط اإلبداع عند اإلنسان بفرتات معينة دون غريها، ذلك أن اإلنسان يكون حتت تأثري دوافع كثرية خمتلفة

ومبجرد متام الكتابة تصرف تلك املكبوتات و يستعيد اإلنسان توازنه النفسي، و يتحول الضغط النفسي الذي مر

إن كانت البحوث اليت أقامها يونغ بدورها حتاول تفسري هذا به اإلنسان إىل مصادر إلبداع الشعراء و الكتاب، و

.العمل األديب، إال أن النقد النفسي ارتبط أكثر بفرويد، زعيم مدرسة علم النفس احلديث

ما هي حدود منهج النقد النفسي؟ و ما هي أهم روافده يف العامل الغريب ؟ و كيف مت - وانطالقا مما سبق

.لعامل العريب؟ و مبن ارتبط أكثر سواء أيف العامل العريب أو الغريب؟استقباله من طرف ا

كلها أسئلة جتيب عن الوجه اآلخر الذي ارتبط به اإلبداع و الكتابة األدبية، و تفسري لالعتقاد السائد حول

ناؤها يف العصر اجلانب الشعوري و الوجداين للكتابة األدبية، و لكن انطالقا من وجهة نظر علمية ركيزة مت ب

احلديث، تعبريا عن وصول الوعي البشري حدا يتم فيه تفسري اجلانب الروحي و الوجداين للذات البشرية اليت مل

تعد مع البحوث اجلديدة بسيطة و مفهومة، و لكن دنيا قائمة بذاا و عامل غامض حق الوقوف عنده قصد

ة البشرية من جهة ثانية، و األمر متعلق هنا بعالج أمراضه البحث بني طياته لتعريف اإلنسان بنفسه أوال و خدم

.النفسية و الروحية

:في مفهوم النقد النفسي-1

قبل احلديث عن النقد النفسي يفسر االجتاه النفسي األدب بطريقة تبعده عن عامله اخلارجي من جهة و تدجمه

فالعامل اخلارجي ليس " املرجع كذلك ألقوال املبدعني يف عامل خفي من جهة ثانية، هذا العامل هو امللهم الوحيد و

سوى صورة للعامل الداخلي و رموزه، و لكن كيف السبيل إىل العامل الداخلي، كيف مياط اللثام عنه، يف حالة

احللم يتسىن للفكر أن يرى ما ال تراه العني يف حالة الوعي، يقول بودلري، إذ ذاك تتحادث األلوان و تتهادى

ت أنغاما موسيقية و تتحدث العطور يف عوامل الفكر، فلإلنسان إذن شخصية مزدوجة و ينربي هذا األصوا

.167.." االزدواج يف عراك بني الذات الواقعية و الذات الضبابية

والقول باالزدواجية هو تفسري للهو و األنا عند اإلنسان مبا مها عاملان منفصالن تنعكس فيها اهلو و تظهر

و لكن النفس تنطوي على أدران كثرية، فهل يستقي الشاعر موضوعاته من األدران، " ل الكتابة اإلبداعيةمن خال

نعم، لقد تبدل عند هؤالء الشعراء املفهوم اخللقي فأصبحت األخالق يف نظر الرمزي هي التعبري الصاحل حبيث ال

و بعد أن وجدت :ن هو فضيلة يقول ماالرميهتعجز األلفاظ عن تأدية الفكرة و التعبري الكامل عن كوامن الباط

مفتاح نفسي، و وسط دائرا، متسكت كالعنكبوت املقدس خبيوط خرجت من حيز فكري أحوك ا، حيث

.92-91املدارس و األنواع األدبية، ص ص : شفيق البقاعي سامي هاشم-167

و ما اخللود النسيب إذا قيس بغبطة تأمل األبدية، إذ أمتتع باألبدية، و أناجي يف عمق ... تتالقى أبدع التطريز

.168"نفسي

لالشعوري لدى اإلنسان التفسري الوحيد لالنفصال الذي يكون بني الذات حالة اإلبداع و بينها فكان العامل ا

يف السنوات " يف حاالا العادية، و هلذا كان لالجتاه النفسي صدى واسعا و خمرجا مقبول ألسباب اإلبداع فـ

أ بريل قد ترجم إىل .كان أ 1910 األوىل من عقدنا الثاين كان معظم األدباء قد تعرفوا على أفكار فرويد، ففي

ترجم تفسري األحالم، و كذلك كان الدكتور أرنست 1912ثالث مسامهات يف نظرية اجلنس و يف ( االجنليزية

حماولته األوىل يف شرح هاملت مبنظور فرويدي، كان هلذه األعمال أمهية خاصة عند 1910جونز قد نشر يف

اح للعمليات الفنية، و للمفاهيم الالواعية عند الفنانني، و للدوافع القصصية األدباء، إذ بدت أا مفتاحا بل مفت

.169"يف الشخوص

وألن املنطلق عند فرويد علمي تأثر به عديد النقاد يف تلك الفرتة، خاصة و أن النظرية صادفت مراحل عند

ب األدباء املبدعني حنو النظرية الفرويدية من السهل تفسري اجنذا" الفرنسيني تلح على تفسري اجلانب اإلنساين له فـ

صورة لإلنسان كضحية للمحيط أو لعلم اإلحياء، تقيم األفكار )الفرنسية خاصة( فقد رمست الطبيعة األدبية

الفرويدية الدليل على هذه النظرات و تضع املصطلحات لتفسري ارتباط اإلنسان بدوافعه الذاتية امللزمة، أو الكبت

تمع عليه، حكم الفرويدية على ذلك اإلنسان أنه مريض قبل أن يكون نذال، و هو حكم يتفق الذي يفرضه ا

متاما مع رفض الطبيعة إدانة كائن ليس مسؤوال، و إمنا هو معقل ختدعه قوى طبيعية و ما ال قبل للبشر عليه، وقد

ت و استثمار الظروف املعاكسة، إن بدا أن علم النفس كذلك يقر كذلك بالنزعة الرومانسية إىل التعبري عن الذا

الرمزيني الفرنسيني، و التجريبيني الذين تبعوهم ميكن اآلن أن يعد جا من مناهج ) جنون(الكثري من

.170"الالوعي

فارتبط االجتاه النفسي بعديد من طرق التعبري عن الكاتب و كان تفسري كثري من االجتاهات، الرومانسية،

ة، و قد امتد التأثر باالجتاه من األدب إىل النقد الحتوائه على تفسري العديد من احلاالت الواقعية ، و الرمزي

انتشر استعمال علم النفس يف " النفسية اإلبداعية و مزودة مبصطلحاا، فكان علم النفس وسيلة النقد األديب

.93املدارس و األنواع األدبية ، ص : شفيق البقاعي سامي هاشم -168 .75، ص )مقاالت معاصرة يف النقد(مخسة مداخل للنقد األديب: ويلربس سكوت--169 .76املرجع نفسه، ص -170

، و ماكس إيتمان و فلويد 1919 الشكوكية نظرات يف الشعر املعاصر( النقد األديب ابتداء من كونراد أيكن يف

قد ساعدا على املعاجلات النفسانية، على الرغم من ميلها إىل توكيد القيم ) ذي ماسز( ديل، احملرران يف

االجتماعية، و يف انكلرتا كتب روبرت كريفز من هذا املنطلق اجلديد، على الرغم من أن وجهة نظره كانت ذات

ه ريفرز عن تصارع الشخوص الالواعية، و طالب هربرت ريد باستعمال .رية وخصوصية معينة، بالنظر لتطبيقه نظ

.171"1926)العقل و الرومانسية( ميدان املعرفة هذا يف النقد، يف كتابه

وقد استطاع علم النفس أن جييب على الكثري من األسئلة املتعلقة باألدب، أحدها الشخوص الواردة يف

العمل اإلبداعي انطالقا من السرية الذاتية للمبدع أو الكاتب، و كذلك االنطالق العمل اإلبداعي، و كذا شرح

من علم دقيق يناقش عملية اخللق و اإلبداع، فصار التحليل النفسي بديال عن األحكام الذاتية و القيمية املفرغة

ملبدعني يف جمال علم من كل حتليل علمي دقيق، و األمر نفسه أقره فرويد عندما نسب األستذة لألدباء و ا

.النفس، إذ استطاعوا أن يطرقوا عوامل كثرية جمهولة لدى علماء النفس، فكانوا هم املرشد هلا من خالل كتابام

:مصادر النقد النفسي و مرجعياته-2

يعود الفضل بادئ األمر لرائد علم النفس احلديث، سيغموند فرويد اليت استطاع أن يؤسس لعلم النفس

ديث، ساعده على ذلك تكوينه الفكري الذي كان نتيجة انتمائه لليهود يف بلد أورويب و كذلك كونه متحصل احل

بدأت أحباثه تعرف طريقها " على شهادة الدكتوراه يف الطب، و لكن أحباثه احلقيقية بدأت مع أول كتاب أصدره

يف نظرية اجلنس وقصده ) ثالث مقاالت( هاالذي أتبعه بكتب أخرى أمه) تفسري األحالم(إىل النجاح بنشر كتابه

يف العقد األول من هذا القرن طالب كثريون، معظمهم من بين جنسه، عملوا على نشر آرائه بإصدار الكتب

.172"واالت، و تأسيس الرابطات العلمية و انفصل عنه بعضهم مث استقلوا بآرائهم و كونوا مدارسهم اخلاصة

الكشف عن الالشعور و أعراض الكبت، و كذلك منطقة اهلو مبا هي منطقة بعيدة وكان الفضل لفرويد يف

يف النفس البشرية مفعمة بالرغبات املكبوتة و الغرائز و الطاقات، و تسيطر عليها اللذة، و القول بأعمال فرويد

ليونيل تريلنج و قد أشار الناقد األمريكي " يستدعي تأثر فرويد باألدب بنفس النسبة اليت أثر فيها هو

l.trilling تأثري فرويد يف األدب مل يكن أعظم من تأثري األدب يف فرويد، و يكفي أن نلقي " إىل ذلك بقوله

.77، ص )مقاالت معاصرة يف النقد(مخسة مداخل للنقد األديب: ويلربس سكوت -171معهد اللغة و األدب العريب -جامعة اجلزائر -أطروحة دكتوراه -الفكر الفرويدي و أثره يف النقد العريب:ابن حلي عبد اهللا-172

3، ص 1988-1989

نظرة سريعة على فهرس األعالم يف أي عمل من أعماله لندرك التأثري الكبري لألدب يف تكوينه، إذ جند عرب كتاباته

.173"األدبية القدمية إىل العصر احلديثسلسلة طويلة من األمساء متتد من العصور

فيعد فرويد أحسن من شرح اخليال، إذ بني أسبابه و طرقه، و تأثريه أخريا على اإلنسان فعد الفنان يف نظر

شخص انطوائي عرف كيف حيقق رغباته الالشعورية عن طريق اخليال بفضل قدرات خاصة يتمتع ا، " فرويد

خطر العصاب، و يدعو اآلخرين مبا لفنه من سحر إىل التخلص من الكبت و التمتع واستطاع بذلك أن يدرأ عنه

، و األصل يف تصور فرويد أنه يأخذ عن األدب منهال يعتقد جتاوزه لقدرة علم النفس عن 174" بالفاكهة احملرمة

شعراء و الروائيني إن ال" اإلحاطة و استيعاب حيز الالشعور البشري، فقد ورد عنه يف كتاب هذيان و أحالم قوله

هم أعز حلفائنا و ينبغي أن نقدر شهادم أحسن تقدير، ألم يعرفون األشياء بني السماء و األرض مل تتمكن

بعد حكمتنا املدرسية من احللم ا، فهم يف معرفة النفس شيوخنا، حنن الناس العاديني ألم يرتوون من منابع مل

يرى يف األدب وسيلة ميكن لإلنسان أن يعيش بداخلها عن طريق التنفيس ، كما 175"يتكمن العلم بعد من بلوغها

ألن اللغة اليت اكتسبناها " والتحرر من عامل القواعد و القوانني، الذي يؤدي إىل وقوعه يف الكبت سببا لألمراض

من أجل العيش، طلب شيء أو االستجابة له: من خالل عالقاتنا اليومية مع أبنائنا و أقاربنا ال تصلح إال للفعل

و كان شفويا يف العصور و احلضارات اليت مل تعرف الكتابة، ميكن لإلنسان أن ( و إمجاال فشيء فقط كاألدب

ورؤيته للعامل ترتسخ ) النبيلة( يسائل نفسه و قدره الكوين و اشتغاله االجتماعي و الذهين، إن تصوراته

فات الدينية و املالحم املدنسة و احملكيات النموذجية والقصص باحتكاكها باألساطري أي ما تبغي قراءته، و باخلرا

.176"و املسرح و االعرتافات املؤثرة كانت أو شعرا

فكل املفاهيم املتعلقة باألدب تفصل بني الكاتب و كتابته و حتيل غموض املنطقة اليت يصدر عنها و صعوبة

و إذا كان املعىن فائضا يف النص، فإنه يوجد يف مكان ما نقصان يف الوعي، " الوصول من خالهلا إىل حدود

دام الوعي أو من الالوعي نفسه، أما مهمة الناقد واحلدث األديب ال حييا إال إذا انطوى يف نفسه على جزء من انع

يف كل األزمنة فهي الكشف عن هذا النقصان أو هذا الفيض، و بصفة عامة، مبا أن األدب حيتوي يف دواخله

على شيء من الالشعور، فإننا سننجذب إىل التقريب بينهما إىل حد املزج، إن جمموع اآلثار األدبية تقدم وجهة

.63املرجع نفسه، ص -173 .67، ص -أثره يف النقد العريب الفكر الفرويدي و:ابن حلي عبد اهللا -174 .7، ص 1997حسن املودن، الس األعلى للثقافة: التحليل النفسي و األدب، ترمجة: جان بيلمان-175 .8املرجع نفسه، ص -176

ان و وسطه، كما تقدمها حول الكيفية اليت يدرك ا اإلنسان يف الوقت نفسه هذا الوسط نظر واقع اإلنس

، و انطالقا من النتائج اليت وصل إليها علم النفس احلديث عدت اللغة معلما على 177"والروابط اليت يقيمها معه

ا هي عامل غامض و ممتنع عامل احلقيقة لدى اإلنسان من خالل قدرا على كشف منطقة الالشعور يف اإلنسان مب

.هو الوصول إىل األفكار املوجودة فيه

الفن هو اال الوحيد الذي تصان فيه كل قوة األفكار إىل يومنا " والفن فقط جمال لتجلية هذه األمور

، تولد هذا، ففي الفن فقط حيدث لإلنسان، املعذب برغباته، أن حيقق شيئا شبيها باإلشباع، و بفضل الوهم الفين

هذه اللعبة اآلثار االنفعالية نفسها، كان األمر يتعلق بشيء من الواقع، لقد صدق من حتدث عن سحر الفن

، فملغز ذلك العامل الذي يصوره األدب، و لكنه حيمل بداخله دليال على أطراف 178"وقارن الفنان بالساحر

باألدب و عده وسيطا بني عامل اجلوهر و ) فرويد( احلقيقة و اجلوهر البشري، و هو دعوى اهتمام علم النفس

.الواقع من خالل الكتابة رموزا و إحياءات

فهذا ألفرد أدلر صاحب مدرسة علم النفس الفردي ) Adler )"1870 -1937 وعلم النفس عند أدلر

األول على خيالف أستاذه فرويد يف أن تكون الغريزة اجلنسية سبب الوحيد لظهور األمراض العصابية و الباعث

الفن، و يرى أن الشعور بالنقص هو السبب الرئيسي يف نشأة العصاب، و أن الباعث األساسي على الفن هو

غريزة حب الظهور أو حب السيطرة و التملك، و لعل الشيء الذي مييز نظرية أدلر، إىل جانب هذا البحث هو

ه ال ميكن أن تقوم مبفردها فهما مكتمال للطبيعة اهتمامه باجلانب االجتماعي، فالدوافع الالشعورية، يف تصور

.179"البشرية، إذ ال بد من تفاعل عامل الشخصية الباطين بالعالقات الشيئية املوضوعية

و هذا كارل غوستاف يونغ، يرى أيضا أن أستاذه فرويد على كثري يف إعطاء هذه ) 1961- 1875" (ويونغ

األمهية الكبرية للغريزة اجلنسية، حني عدها سبب نشأة العصاب عند الفنانني، و الباعث األول على الفن، واحلق

هر الفن، و يسميه الالشعور الفردي أو أن فرويد يوافق أستاذه على مبدأ الالشعور بوصفه مظهرا من مظا

الشخصي أو اخلافية خاصة، و لكنه يضيف إليه نوعا آخر يسميه الالشعور اجلمعي أو اخلافية العامة، و يعده

.10املرجع نفسه، ص -177 .23حسن املودن، ، ص : التحليل النفسي و األدب، ترمجة: جان بيلمان -178دراسة شعرية –) سيكولوجية الصورة الشعرية يف نقد العقاد منوذجا( نظرية النقد النفسياملدخل إىل: زين الدين خمتاري-179

.14، ص 1998منشورات احتاد كتاب العرب -نقدية

املنهج األساسي لألعمال األدبية و الفنية و البوتقة اليت تنصهر فيها كل النماذج البدائية و الرواسب القدمية،

. 180"ثة و األفكار األوىلوالرتاكمات املورو

:النقد النفسي عند العرب-3

يعد حممد سويف من بني أهم النقاد العرب الذين أخذوا عن علم النفس يف جمال النقد، و أكدوا على عدم

إن لغة " جدوى القول خبارجية انتماء العمل األديب و كذلك انفصاله عن دور املنطق و العقل يف إبداعه، يقول

ال تفهم لغة العواطف و إن منطق العواطف ال يتحرج من قبول التناقض، بل إنه يذهب إىل القول بأن العقل

التناقض هو قانون احلياة العاطفية، إن اللجوء إىل منطق العاطفة ال حيل املشكلة بل يزيدها غموضا إال إذا حكمنا

ة إىل سبب موضوعي و ال ذايت و لكن يتعلق ، و ال يعيد أسباب اخلربة اجلمالي181" على أنفسنا بالصمت املطلق

يبدو لنا أن أحسن ما " األمر فيها بلحظة منفصلة عن الزمن، كما ال حتدها احلدود ألا تقع يف عامل الالاية

توصف به اخلربة اجلمالية هو أا والدة جديدة، تتجدد مع كل خربة مجالية جديدة، هي نشوء حلظية فورية تغمرنا

قد قطعنا الصلة بني اللحظة الراهنة و بني املاضي، بل ال تتحقق إال إذا أنكرنا املاضي لكي بعد أن نكون

نستسلم هلذا االجنذاب الذي نلمح من خالله املطلق و الالمتناهي، و لكن اخلربة اجلمالية تكشف لنا أيضا ذاتا

.182"عارية أي بكل ثرائها احلق

جتاه النفسي من آخر ما وصل إليه زعماؤه عند الغرب فرويد و يونغ وقد انطلق حممد سويف يف دراسته لال

و أضاف إليه، الدقة اليت يقتضيها البحث التجرييب فقام بذلك عن طريق استحضار مسودات شعرية و العمل

و قد ذهب الباحثون يف تفسريها مذاهب عدة، عرضنا أمهها و هي القول باإلهلام أو احلدس أو " عليها، يقول

امي الفرويدي و اإلسقاط عند يونغ مث أوردنا رأي برجسون، و قد فندنا هذه األقوال كال على حدة، و بينا التس

عجزها عن أن تستوعب جوانب اإلبداع الشعري، مجيعا و أرجعنا ذلك يف النهاية إىل أن الباحثني مل يعتمدوا على

ستنباطية عابرة، مث قدمنا معاجلتنا للموضوع على املنهج التجرييب الدقيق، بقدر ما اعتمدوا على بعض مالحظات ا

أساس جترييب دقيق، فبدنا باستخبار الذي وصعناه على أساس خطة دينامية تكاملية كوناها من قبل، و عرضنا

.14املرجع نفسه، ص -180 .22مزيدة و منقحة، ص 4: ط -القاهرة -األسس النفسية لإلبداع الفين يف الشعر خاصة، دار املعارف:حممد سويف-181 .23رجع نفسه، ص امل-182

لإلجابات الواردة من الشعراء و استخلصنا مبدئيا أهم ما تدل عليه هذه اإلجابات فيما يتعلق بديناميات

.183"اإلبداع

اين هذه الشخصيات هو العقاد، إذ تبىن الدراسة النفسية للشاعر و األديب، و قد كانت له بدوره معايري وث

و اعتمد العقاد يف " لدراسة هذه املعايري هي رسم الصورة النفسية و اجلسدية، و ثانيا استنباط مفتاح الشخصية

اسة و الثقافة، و كا ما يتصل ذه الظروف من رسم الصورة النفسية على ظروف العصر و البيئة، و النشأة و السي

عوامل االستعداد املوروث من جانب األبوين، و عوامل االستعداد الفطري من جانب تكوين الشخصية ذاا،

كالتكوين النفسي و اخللقي و املزاجي، و ينبغي أن نعرف أن هذه الظروف و العوامل مل تكن مقصودة لذاا

.184"و إمنا توسل ا الناقد الوصول إىل مالمح الصورة النفسيةبوصفها أدوات معرفية،

فقد اعتمد يف تشكيل مالحمها على الوصف اخلارجي للبنية اجلسدية، جتسد ما يسمى " أما الصورة اجلسدية

القائم على دراسة الشخصية بواسطة الظواهر psychodiagnosيف علم النفس بالتشخيص النفسي

عند العقاد أكثر من رسم فهو حمور احلياة و مسبار الطبيعة، و هو " مفتاح الشخصية، فيحمل، أما 185"اخلارجية

دون أن تزيد على هذا، ألا ال .. تلك األداة الصغرية اليت تتيح لنا فك مغاليق الشخصية و النفاذ إىل سريرا

اها، متاما كما هو مفتاح البيت ميكن أن حتيط بكل صفاا و خالئقها و ال ميكن أن متثل كل خصائصها و مراي

قد ينفذ بنا إىل حصنه املغلق وراء األسوار و اجلدران، و لكنه ال يصف شكله وصفا تاما، و ال ميثل اتساعه متثيال

.186" كامال

فأقر ... وجممل القول، ارتبط النقد النفسي بزعماء التحليل النفسي يف العامل الغريب، فرويد و يونغ و أدلر

د بأستذة الشعراء و املبدعني يف عامل علم النفس، إذ يرى أن هؤالء طرقوا مواطن يعجز عنها الطب الرتباطه فروي

بعامل األرواح، فربط النقد النفسي بني نتائج علم النفس احلديث و مواطن الشعور و الالشعور و اهلو و كذا

عي، فعدوا العمل األديب مبثابة األحالم دليل مفسرة ا العمل اإلبدا... الكبت و العصاب و األمراض النفسية

.307املرجع نفسه، ص -183دراسة شعرية –) سيكولوجية الصورة الشعرية يف نقد العقاد منوذجا( املدخل إىل نظرية النقد النفسي: زين الدين خمتاري -184

.22، ص -نقدية .23-22، ص ص املرجع نفسه-185 .23املرجع نفسه، ص -186

املواطن الالشعورية، و عدوا املبدع مصاب حلظة إبداعه حباالت شعورية و الشعورية غامضة تكون الكتابة فيها

.حلظات للتفريغ من أجل جتنب اإلصابة باألمراض النفسية

... من النقاد، نذكر حممد سويف و العقاد و انتقل منهج النقد النفسي إىل العامل العريب و نبغ فيه عديد

وغريهم من الشخصيات اليت رأت ضرورة ربط العمل اإلبداعي بنفسية املبدع و ليس العامل اخلارجي أو الواقع

.كما تصورته املناهج النقدية السابقة، و كلها تدور يف فلك املناهج السياقية

:نصوص و تطبيقات

نؤثر أن نتحدث عن اخلربة اجلمالية قبل أن نصفها بأا إحساس أو تأثر أو إننا" يقول مصطفى سويف

تعبري، فقد تكون كل ذلك و لكنها شيء آخر أيضا، ليست اخلربة اجلمالية ذاتية حبتة، إا ال ترجع فقط إىل ما

نت اخلربة اجلمالية تنفعل به النفس فهي ليست يف جوهرها إحساسا بالسار و باملكدر، باللذة أو باألمل، و إن كا

جمسمة فيما يعرتي النفس من حركات و انفعاالت، كما أا ليست يف جوهرها إشارة إىل املوضوع احلسي

اخلارجي و ال متثيال به، ليست ضربا من التصور الذهين و ال تعبريا عن أمر موضوعي، أي أا ال تنتمي إىل الواقع

ىل بعض الوسائل التعبريية اليت يستخدمها العلم من أصوات العلمي كما يصوغه العقل و إن كانت تلجأ إ

وأشكال، إن جمال اخلربة اجلمالية إذن ليس اال الذايت البحت و ال اال املوضوعي البحت، جماهلا بينهما و إن

أن كان يضمهما بشكل من األشكال، و لدينا موقف الفنان املبدع إزاء أثره أقوى دليل على ما نذهب إليه إذ

موقف الفنان احلق يتضمن دائما عدم الرضا عن عمله، ألن الفن احلق ليس تقليدا و ال تركيبا سواء اعتربناه من

الوجهة الذاتية تقليدا ملا شعرت به ذات الفنان من قبل أو من الوجهة املوضوعية متثيال أو حماكاة ملا تقدمه الطبيعة

"187.

.ند مصطفى سويفحلل النص مبينا حدود النقد النفسي ع - *

.22-21يف الشعر خاصة، ص ص األسس النفسية لإلبداع الفين : مصطفى سويف-187

ساعة و نصف :المدة

)لسانس ل م د (طلبة السنة الثانية : الفئة المستهدفة

:تمهيد

كثريا ما يقع اخللط بني النقد االجتماعي و النقد الواقعي، ذلك أن األصل يف اعتمادمها واحد و هو الواقع،

إذ يعتقد أن النقد االجتماعي رديف للواقعي و كل منهما يرى يف األدب صورة عاكسة للواقع الذي حييط

ما، فيتعلق األمر باجتاه ظهور وفق رؤى معينة باألديب، و الفصل يف هذا الوضع هو العودة لفرتة ظهور كل منه

وتطور ليصل يف النهاية إىل صورة خمتلفة و منفصلة عن الصورة األوىل ليشكل بدوره اجتاها آخر، فالنقد

االجتماعي كما مت توضيحه يرد تفسري األدب إىل واقعه اخلارجي، و يف اعتقاده أن األدب يتشكل استجابة هلذا

مرجعه يف اإلبداع مهمش، و يف الوقت نفسه كثري من اجلوانب املتعلقة يف العمل اإلبداعي وا الواقع الذي يكون

.يتميز الكالم الفين عن غريه مهملة و مبعدة

فجرى تطوير هذه الرؤية، و مع ظهور الواقعية اجلديدة ارتسمت هلذه النظرية مالمح جديدة تتعلق يف جمملها

بعلم اجلمال، فال يتحقق األول ما مل يراع فيه البعد اجلمايل الذي مييزه، فصار البحث يف األدب عن األبعاد

و صار جوهر األدب هو ... لسياسية و حىت االقتصاديةاجلمالية اليت تعكس هذا الواقع بأبعاده االجتماعية و ا

هذا البعد اجلمايل الذي انطلق القول به من آخر ما وصل إليه علم اجلمال املاركسي، و صارت العالقة بني

.األدب و الواقع يرسي دعائمها القول باجلانب اجلمايل اإلبداعي

د اجلمالية للتجربة اإلبداعية من أجل البحث عن املضامني فالنقد الواقعي من هذا املنطلق هو غوص يف األبعا

املتعلقة بالواقع، يكون البحث فيها ليس سطحيا و لكن فتحا للمغاليق و دخول بوعي الناقد إىل أبعاد املضامني،

المحاضرة الحادية عشر-11

النقد الواقعي

فالقول بالنقد الواقعي هو استدعاء لعلم اجلمال يف صورته اجلديدة املتطورة يف العصر احلديث، فيكون عمل

ألديب ليس هو النقل احلريف للواقع كما هو، أو كما أشارت إليه اآلراء املتعلقة بالنقد االجتماعي، و لكن األمر ا

فيه متعلق بصورة وجدانية خمتلفة تتكون بني املبدع و واقعه، فال يصور الواقع انطالقا من انفعاالته احلسية املباشرة،

فيقارب األشياء يف الواقع ال كما يراها، و لكن بأبعاد خمتلفة عن و لكن بوعي مجايل يفرتض توفره يف املبدع،

.الواقع متثل وعيا و يقظة بالعامل، و إن كان مصدرها الواقع كما هو ببساطته

فيتعاىل املبدع عن التصوير الفوتوغرايف للواقع كما عرف عنه، و يصبح عمله أكثر وعيا من عرض أحداث

ون تأثريها متغريا بتغري هذه الظروف، و املبدع هو الذي ينصرف عن الرؤية السطحية مؤقتة على أرض الواقع، يك

و يتعاىل عنها ليصور العامل صورة راسخة فنية مجالية ال حيكمها العقل و لكن حيكمها اخليال مبا هو هذا النقل

ليس القراءة السطحية ولكن النوعي للواقع كما هو، و يبطنه من خالل دالالت متعالية، و يكون عمل الناقد إذن

عمال موازيا يضاهي عمل األديب يف بعض األحيان، ألن وظيفته هي الكشف عن هذا املبطن يف الكالم

باستدعاء ذوقه اجلمايل الذي يقارب من خالله الصور اجلمالية، فينبئ يف بعض األحيان عن دالالت يف األدب،

.حىت صاحب اإلبداع مل ينتبه إليها

هذه النظرة ينتهي زمن النقد الذي يبىن على االستحسان و االستهجان، كما انتهى زمن التزود وفق

مبجموعة من القوانني اليت تؤخذ عن مناهج يف النقد خمتلفة، و يصبح الناقد بدوره مبدعا إذ ميتلك القدرة على

هنا تكمن خصوصية النقد ذلك، و يكون قادرا على الفصل بني الوعي االجتماعي و الواقع االجتماعي، و

الواقعي، إذ يتحدث عن واقع خمتلف عن الواقع احلسي، إذ هو الواقع الذي يتكون يف ذهن و خميلة املبدع انطالقا

.من الوعي به و اليقظة مبختلف عناصره

فيه والناقد وهنا يكون البون واسعا بني النقد االجتماعي و النقد الواقعي، هذا األخري الذي يكون عمل املبدع

متميزين، إذ يتعاىل التصور عندهم عن الواقع ليقارب به الواقع، باإلضافة إىل البعد اجلمايل الذي يتشكل عند

كليهما حالة التدوين و حالة النقد و املقاربة، و كل هذا تأثرا بالفلسفة املاركسية احلديثة املتعلقة بعلم اجلمال،

للواقع و الساذج كما ترى الواقعية املادية، و ضرورة التصوير اجلمايل به لرفعه اليت ال ترى ضرورة يف النقل احلريف

.من بساطته و تغريه

ماهي حدود النقد الواقعي؟ و ما هي روافده و مرجعياته؟ و كيف أثرت الواقعية - ومن هذا املنطلق،

ن ارتبط؟ كلها أسئلة حتاول أن توضح النقد عليه؟ و يف العامل العريب من هم رواده و مب) االشرتاكية ( اجلديدة

الواقعي و انفصاله عن النقد االجتماعي و عن تأثري الرافد الفلسفي على النقد يف هذه الفرتة، و عن العودة اليت

تأكدت لعلم اجلمال مع التيارات احلديثة و استعادة اإلبداع ألهم ميزة متيزه عن غريه، خالفا ملا صورته التيارات

تركيزها على املصادر احلسية، حيث يكون املبدع يف كل حاالته ناقال ...رخيية و النفسية و كذا االجتماعيةالتا

حرفيا أو منفعال سلبيا أو مريضا عصابيا، دون احلديث عن أهم صفة متيز اإلبداع و هو الوعي اجلمايل الذي

.يتقامسه هذه املرة كل من املبدع و الناقد

ة املبدع عن النقل احلريف إىل الوعي مبا ينقل، مشكال صورة خمتلفة ختتفي وراءها الظروف وتتعاىل وظيف

، و على الناقد املتسلح ذا الوعي أن ميتلك القدرة على كشف هذه ..االجتماعية و السياسية و االقتصادية

خالل إضفائه لذوقه اجلمايل، احلقائق من النقد انطالقا من حتليل األبعاد اجلمالية اليت يظهر فيها الناقد من

.واحلديث عن هذا النوع هو إيذان برؤية معاصرة للنقد كما يبدو خمتلفة عما كانت عليه من قبل

:في مفهوم النقد الواقعي-1

يقتضي األمر بداية ضبط مفهوم النقد الواقعي قصد فرز احلدود الدقيقة اليت تفصل بني تصور الواقعية و النقد

و قد بدأ استخدام مصطلح الواقعية يف روسيا يف الستينات من القرن املاضي، حيث اختذه بعض النقاد " الواقعي

شعارا هلم، على أنه كان يعين لديهم حينئذ جمرد التحليل و النقد، فالكاتب الواقعي ليس إال عامال يفكر، على

قد برز يف تلك اآلونة موقف فيما بعد و ) ماو(حد تعبري أحدهم، و هو نفس التعبري الذي استخدمه

يرفض الطبيعية الفوتوغرافية و يدافع عن اهتمامه احلي بالعناصر اخليالية 1863ديستويفسكي الذي كتب عام

الفريدة، و يقول يف إحدى رسائله الشهرية، إن تصوري عن الواقع و الواقعية خيتلف إىل مدى بعيد عن تصورات

يت أكثر واقعية من واقعيتهم، مث يشري إىل عمق تناوله للقضايا إذا قورن بسطحية نقادنا و كتابنا الواقعيني، فمثالي

يطلقون على خطأ الكاتب السيكولوجي، بينما أنا يف حقيقة األمر واقعي ( تصويرهم للحياة، و يضيف قائال

.188"بأمسى ما تعنيه الكلمة، إذ أنين أصور أغوار النفس البشرية العميقة

و يف ظل اخللط بني هذين " اخللط، كثريا ما يقع التداخل بني مصطلح الواقعية و الطبيعية ويف مقابل هذا

املصطلحني قائما حىت الربع األول من القرن العشرين، إىل أن نشر الناقد بري مارتينو، كتابني هامني أوهلما عام

و حدد فيهما التمييز القاطع بني ) سيةالطبيعة الفرن( بعنوان 1923و الثاين عام )القصة الواقعية( بعنوان 1913

.18،ص 1980، 2:ط -القاهرة -منهج الواقعية يف اإلبداع األديب، دار املعارف:صالح فضل-188

املصطلحني، فالطبيعة هي مبدأ زوال و تقتضي عرضا علميا لألدب و فلسفة مادية حمددة، أما الواقعية فهي ذلك

التيار الزاخر الذي جيرف يف مساره كثريا من اإليديولوجيات و الفلسفات و الذي اغتسل مبائه معظم كبار الكتاب

.189"نني األخريينالعامليني يف القر

ورغم السعي دائما للفصل بني النقد االجتماعي و الواقعي، إال أن النقد االجتماعي هو األب الشرعي

للنقد الواقعي، فمن التصوير الفوتوغرايف الواقع، إىل التمرد على هذا الواقع و حماولة جماوزته من خالل رسم صورة

نشبت يف أوطان عديدة متنوعة إىل أقصى مدى، و اجتاهاا اخلاصة و كانت جذور هذه احلركة اليت" خمتلفة

بأسلوب أشد تنوعا من ذلك، و من هنا جندها تتسم بلون من التماسك اإليدبولوجي الذي يدور حول التمرد

رومان ( و) أناتول فرانس( االنساين، و تكفي اإلشارة إىل بعض أعالمها الذين ينتمون إىل آداب خمتلفة مثل

لكي نرى بوضوح تالقي اجتاهام، و ليست الواقعية الغربية اليوم يف موجتها الثالثة ) توماس مان(و)شو( و) ندروال

سوى امتدادا هلذا التمرد من وجهة النظر االجتماعية املوضوعية مما يؤكد بصفة قاطعة استمرار تأثري زعماء التمرد

.190"هذا على اجتاهات املرحلة األخرية

تبطت الواقعية النقدية بالقصة و الرواية أكثر من غريها من الفنون، ذلك أن هذين النوعني ارتبطا أكثر وقد ار

بوصف الواقع و نقله، و على اختالف صور نقل هذا الواقع، يكون عمل الناقد الواقعي هو التوسط اجلمايل من

لنقاد احملدثني إىل أن كل من القصة إمنا و نتيجة لذلك خيلص بعض ا" أجل الكشف عن هذا الواقع مبطنا و مغيبا

هي واقعية يف بعض ظواهرها و غري واقعية يف بعضها اآلخر، و جيب على النقد أن يقتصر على تقييم نسبة

الواقعية يف كل عمل مبقارنة ما أجهد الكاتب نفسه يف عرضه مبا ميكن أن نراه بالفعل قد حتقق يف هذا العرض،

، 191" سيب سيكتب كثريا من املوضوعية و الدقة عندما ندعمه باألسس اجلمالية للواقعيةغري أن هذا املعيار الن

إن واقعية القرن العشرين اختلفت اختالفا كليا، و واقعية القرن " لذلك كثريا ما تذكر الواقعية و الواقعية اجلديدة

القصة الواقعية، بل قد نقول إن التاسع عشر الختالف العامل الذي تصفه مع متسكها باملتطلبات اجلوهرية لفن

.19منهج الواقعية يف اإلبداع األديب ، :صالح فضل -189 .22املرجع نفسه، ص -190 .34املرجع نفسه، ص -191

النظرة الواقعية السائدة يف القصص قبل املدرسة الواقعية يف القرن املاضي، قد عادت إىل الظهور، و قد استفادت

.192"من جتارب هؤالء الطبيعيني و الواقعيني و ما فتحوه من ميادين كانت حمرمة على الكتاب و الفنانني

:مرجعيات النقد الواقعي-2

تعود اجلذور األوىل لظهور الواقعية اجلديدة إىل تلك املرحلة احلرجة اليت عاشها اإلنسان الغريب يف ظل سيطرة

النظام الرأمسايل، حيث سعى اإلنسان يف هذه الفرتة للوصول إىل االنسجام يف عصر يعيش فيه مقيدا، و هو

ا عن الواقعية القدمية سواء أمن حيث شخوصها أو التناقض الذي تولدت عنه الواقعية اجلديدة، اليت ختتلف كثري

لكن إذ يبحث املرء عن متزق اإلنسان و خالصه، بصورة " أحداثها، أو حىت املميزات اليت تنسب إليها جمتمعة

رئيسية لدى األفراد، تربز إىل املقدمة مسألة التمزق يف احلس و العقل، و إنه جللي متاما من جهة أخرى أن النقطة

ية يف هذه املسألة وثيقة الصلة باملثالية الفلسفية، كما أنه من اجللي كذلك، أنه تواجهنا هنا موضوعيا مسألة املركز

رئيسية من مسائل انقسام اإلنسان عن طريق التقسيم الرأمسايل للعمل، إن التطوير الوحيد اجلانب و االستعبادي

م الرأمسايل للعمل، يدع سائر صفات و نوازع اإلنسان لقدرات مفردة لإلنسان، هذا التطوير الناشيء عن التقسي

طليقة، فهي تضمحل أو ترتعرع على حنو سدميي فوضوي، و إذ يتوقف غوته و شللر عند هذه النقطة من املسألة

.193" فيما يطرحان بذلك القضية الكربى لالنسجام املمكن بني النوازع البشرية

رب إىل مفهوم االشرتاكية منه إىل الرأمسالية، و صار الواقع غري صادق وأمام هذا التصور صار االعتقاد أق

ينقل االنسجام و اجلمال يف ظل النظام الرأمسايل، فكانت الكتابات صورة خمتلفة عن الواقع، و تناقضها وتفككها

االجتماعي هنا يكتسب املضمون" هو احلقيقة اليت ينشدها، و من هذا املنطلق ميكن حتقيق االنسجام املنتظر

اإلنساين ملقوالت اجلمال و االنسجام اجلمالية أمهية حالية ضخمة تتخطى األدب و الفن، إن الواقعيني الكبار يف

عصر الرأمسالية املزدهرة و لنأخذ منوذج بلزاك كمثل على ذلك، قد حتتم عليهم، من حيث هم مصورون صادقون

للحياة اجلميلة و االنسجام املنسجم، و قد استطاعوا، إذا للواقع، أن يتخلوا بصورة حامسة عن تقدمي و عرض

أرادوا أن يكونوا واقعيني كبارا، أن يصوروا احلياة املتنافرة و املمزقة، احلياة اليت تستحق كل ما يف اإلنسان من عظيم

.59ص -القاهرة–الواقعية يف األدب الفرنسي، دار املعارف :ليلى عنان-192،ص 1985، 3: نايف بلوز، املؤسسة اجلامعية للدراسات و النشر و التوزيع،ط: دراسات يف الواقعية، ترمجة:جروج لوكاتش -19312.

نت النتيجة و مجيل بال رمحة، بل تفعل ما هو أسوء من ذلك متسخه دختليا و تفسده و تشده إىل القذارة، و كا

.194"النهائية اليت وصلوا إليها هي أن اتمع الرأمسايل مقربة كبرية لألصالة و العظمة اإلنسانيتني العريقتني

وهلذا ارتبطت الواقعية اجلديدة باحلديث عن ما جيب أن يكون ليه هذا الواقع، املتناقض يف ظاهره، و قد

روسيا، و هو ما أمثر االشرتاكية أو الواقعية اجلديدة، أما عن عالقتها أثرت هذه التناقضات يف أوروبا و كذلك يف

بالنقد، فقد كان علم اجلمال املاركسي دليلها يف ذلك، و لعل التناقضات و الفجوات اليت بدت واضحة على

و اجلمالية الواقع، جعلت الواقعية متتنع عن ضبط القيم، و لكن تنطلق من الواقع ملهما لتصنع منه عاملا خمتلفا

يف هذا الطور حاولت " تكمن يف ذلك االنفصال الذي ينتقل فيه األديب من الواقع إىل العامل الذي يرمسه

الرومانتيكية أن تقطع األدب عن الواقع آخذة به إىل العامل اآلخر، إىل جلة الالمعقول، إىل غرائب أمريكا الشمالية

انتيكية كان أقصر زمنا بكثري من سيادة اآلهلة و األبطال اإلغريق و الشرق و القفقاس، لكن تأثري السماء الروم

والرومان يف عهد الكالسيكية ، يف القرن التاسع عشر أخذ الواقع بتالبيب األدب و جعل منه كامت أسراره،

ة اليومية، التارخيية، جماهلا حىت املواضيع احلياتية العادي –شاعره، باحثة، و ناقده، و سعت الواقعية االجتماعية

واألمر الذي وضع شكسبري بداية له، و صارت الواقعية تكتسب بذلك مع كل عصر جديد، قوى هائلة من جراء

) وضيع( و )رفيع(اقرتاا من احلياة، و هي هنا، باملقارنة مع الكالسيكية و الرومانتيكية، مل تقسم الواقع إىل

، فجمعت 195" لتطور التارخيي كله كان الواقع مصدرا هلافحيث احلياة مثة الشعر بالنسبة هلا، و على مدى ا

الواقعية اجلديدة بني العلمية و املوضوعية النطالقها من احملسوس و الفلسفية اليت تفارق من خالهلا الواقع احلسي،

.وحتدث بطريقة مجالية يف عامل اخليال األبعاد االفرتاضية هلذا الواقع كما يبدو و كيف ينبغي أن يكون

:النقد الواقعي عند العرب-3

يعد حممد مندور و حسني مروة أهم الشخصيات اليت تبنت النقد الواقعي، انطالقا من تقسيمهم لالشرتاكية

أول األمر، و قد قدم حسني مروة مناذج تطبيقية اتبع فيها سبيل النقد الواقعي مبا هو طريقة جديدة أغرت العامل

( يقول حسني مروة يف مقدمة كتابه " ... علمي موضوعي واقعي، و آخر مجايل فينالعريب مبا يتمتع به من شق

فإذا كان ال بد يل يف ختام هذا احلديث الشبيه باملقدمة، أن أقول كلمة عن " دراسة نقدية يف ضوء املنهج الواقعي

.15املرجع نفسه، ص -194 ، ص2012-دمشق -شوكت يوسف، منشورات اهليئة العامة السورية للكتاب: لواقعية النقدية يف األدب، ترمجة:س بيرتوف-19586.

يف الدراسة النقدية، و هو هذا الكتاب، فليس عندي أكثر من القول إنه حماوالت متواضعة، لتطبيق املنهج الواقعي

و يب رجاء خملص، و متواضع أيضا، أن تنال هذه ... املنهج الذي أشعر بطمأنينة عقلية و وجدانية ألنين أنتهجه

.196..."احملاوالت شرف كوا حبثا عن احلقيقة، و شرف كوا لبنة صغرية يف بناء ضة نقدية منهجية يف بالدي

اعة النقد التأثري من جهة، و كذلك النقد الذي تغيب فيه ذاتية الناقد، فيصبح وهو يف هذا ال يؤمن بنج

جمرد مطبق موعة من القوانني اليت يؤدي تكرار القول ا إىل مجود النقد و موته، فوظيفة النقد يف نظر حسني

إعانته على تفهم فإن أول ما تعنيه وظيفة النقد تثقيف القارئ ب" مروة منفصلة عن كل تعصب أو فكر قبلي

األعمال األدبية و كشف املغلق من مضامينها، و إدخاله إىل مواطن أسرارها اجلمالية، و إرداف ذوقه و حسه

اجلمايل، و إغناء وجدانه و وعيه بالقدرة على استبطان التجارب و األفكار و الدالالت االجتماعية و املواقف

.197"ل العمل الفين، جتاه قضايا عصره و وطنه أو جمتمعهاإلنسانية اليت يقفها الشاعر أو الكاتب، خال

وحتدث حسني مروة بتفاؤل عن انتقال املناهج النقدية املختلفة للعامل العريب، و لكن يؤكد على فكرة عدم

ليس يعنيين اآلن تبيان وجه " اعتمادها و تفضيل النقد التأثري الذي يصور بالنسبة إليه ختلفا واضحا، يقول

صواب يف هذا اجلدل بل يعنيين توكيد القول بأن حركة النقد األديب بلبنان مصابة بالتخلف على حنو فاجع، ال

و لست أزعم أن تعدد املدارس النقدية عندنا هو ... واحلكم هنا ليس عاما شامال، بل له استثناءات مرموقة،

و إمنا ... تلك قد يكون مظهر العافية و احليوية املظهر البارز هلذا التخلف، فإن تعدد املدارس يف هذه احلركة أو

الذي أقوله هو فقدا املدارس األدبية، و سيطرة النقد الذايت االعتباطي القائم على نوع العالقة الشخصية بني

.198" الناقد و صاحب العمل األديب، ال على نوع العالقة الفنية بني الناقد و العمل األديب ذاته

وجممل القول، يتطور القول بانتماء األدب إىل الواقع مع املناهج االجتماعية ليصل إىل مرحلة يكون فيها

قد وصل أوجه، و ذلك بتغيري النظرة البسيطة السطحية اليت كانت تربط بني األدب و الواقع ربطا بسيطا مباشرا

، ال كما هو و لكن كيف ميكن أن يكون، و هنا يصبح وفوتوغرافيا، إىل آخر أكثر تعقيدا و داللة على الواقع

احلديث عن واقع خمتلف يتشكل من الفجوة اليت يرتكها الفراغ الذي يتوسط بني الواقع كما هو و احللم الذي

يراود اإلنسان يف احتماله، و للحديث عن النقد الواقعي استحضار للفلسفة املاركسية يف اجلمال و طرق البحث

.9،ص 1988 -بريوت –دراسات نقدية يف ضوء املنهج الواقعي، مكتبة املعارف :حسني مروة-196 .8دراسات نقدية يف ضوء املنهج الواقعي، ، ص :حسني مروة -197 .8املرجع نفسه، ص -198

انطالقا من طرق املبطن و املغيب يف كالم املبدع، على إثرها يتحول عمل الناقد إىل عمل مقارب أو عن اجلمالية

متجاوز لعمل املبدع يف ذاته، قالت الواقعية اجلديدة بظروف خمتلفة لواقع هو يف األصل خمتلف عن الواقع العادي

احتوى العامل العريب النقد الواقعي كباقي و منه كانت الفجوة واسعة بني النقد االجتماعي و النقد الواقعي،

...التيارات النقدية احلديثة، و برز فيهال جمموعة من الرواد أمثال حممد مندور و حسني مروة و غريهم كثريون

: نصوص و تطبيقات

و إذا كانت مناهج البحث العملية موضوع اهتمام الغربيني بوجه عام، فإننا حنن " ... يقول حممد مندور

الشرقيني أشد منهم حاجة إليها، لعدة أسباب، منها ما يرجع إىل مزاجنا القومي، و منها ما يرجع إىل نظم التعليم

ذب و النفور على تفكريهم ضبابا قد يعمي معامل احلق، يف بالدنا، فالشرقيون عاطفيون، كثريا ما تنشر مشاعر اجل

و يف كثري، إن مل يكن يف كافة البالد العربية، مل تستقم بعد نظم التعليم حبيث تسفر عن عقل مكون حيتاط يف

التأكيد و حيرص على مالبسة الواقع، كما أن التحصيل ال يزال طاغيا فيها على الفهم، و يف هاتني احلقيقتني

.199"سيتني ما يظهر حاجتنا إىل دراسة املناهج لعلنا خنرج منها بقيادة فكرية ضرورية القا

و اللغة اليت هي مستودع تراث األمم ال نزال حنن بعيدين عن استخراج ما يف خباياها من حقائق " و يقول

ون املليئة باألحداث، حىت إنسانية عامة، حقائق خاصة للسعي العريب و العقلية العربية كما رست ا خالل القر

ليصبح القول بأننا ال نزال نعيش على ما خلفه علماء النحو و الصرف و البالغة األقدمون، و عندما يدعي

بعضنا التجديد ال يعدو، يف احلقيقة، التطريز على ثوب خلق، حىت أصبحنا أشبه مبن يرقص يف السالسل، و كم

.200...."يصرف قرشا إىل مليمات ليقرقع ا يذكرين سادتنا الباحثون يف اللغة بفقري

باالنطالق من النصني و باالعتماد على معطيات احملاضرة كيف ميكن الفصل بني النقد االجتماعي و النقد - *

.الواقعي

، 1996التوزيع ، ، ضة مصر للطباع و النشر و)منهج البحث يف األدب و اللغة( النقد املنهجي عند العرب: حممد مندور-199 .392ص

.393املرجع نفسه، ص -200

ساعة و نصف :المدة

)م د لسانس ل (طلبة السنة الثانية : الفئة المستهدفة

:تمهيد

كان ظهور النقد اجلديد إعالن عن ميش كل وجود سياقي متعلق بالنص اإلبداعي و األديب، و هذا األمر

حنى بالنقد منحى خمتلفا يف كل التيارات اليت ظهرت يف العصر احلديث، فصار النص منظورا إليه شكال منفصال

لو تعلق األمر باألخالق و العقيدة، فمع ظهور هذا النوع من عن كل غائية أو نفعية، مهما كان هذا اال، حىت

النقد بدت اإلرهاصات األوىل اليت تعلي من قيمة النص اإلبداعي يف مقابل باقي ااالت، تارخيية ، اجتماعية،

حتة هلذا و الباحث عن تاريخ هلذا النقد ال يعدم اجلذور القبلية، إذ يكون النقد اجلمايل عند أرسطو فا...نفسية

التصور يف مقابل ما اعتقده أفالطون سابقا و قوله بالنقد األخالقي وضرورة ارتباط الفن بالقيمة األخالقية والنفعية

.و هو سبب طرده للشعراء من مجهوريته

العقدية و كل ماله /ومع دخول العامل الغريب مرحلة القرون الوسطى صار األدب خلدمة األغراض الدينية

ة بالكنيسة و باستيقاظ العامل على إثر عصر النهضة مل يركز على الشكل يف بداية األمر بقدر ما كان الرتكيز عالق

على اإلعالء من شأن هذا األدب الذي ينبغي أن يؤدي يف نظرهم وظيفة ما، هذه الوظيفة هي اليت ترفع من

يا منهم العتماده وسيلة قصد إحياء هذا الرتاث شأنه و تقدره، فتعلق األدب يف بداية األمر باملنهج اإلحيائي سع

العريق الذي سيصبح ركيزة الفكر النهضوي احلديث، و بعدها صار االجتاه العلمي و الفلسفي هو ما يسري

اجتاهات األدب، فانتمى إىل هذه العلوم باختالف اجتاهاا، فصار مع علم التاريخ وثيقة تارخيية و مع علم

ة لواقع ينبغي دراسته، و مع علم النفس آثار نفسية يرتكها املبدع جتنبا للكبت، و منه االجتماع صورة مطابق

المحاضرة الثانية عشر-

النقد الجديد

لتجنب الوقوع يف األمراض النفسية، مع العلم أن النقد يف كل حاالته مل يفقد قيمته التقييمية، و هو ما فصل بني

ة استقر على ضرورة الرتكيز على شكل هذه املناهج يف جماالا و يف جمال النقد و األدب، و لكن األمر يف النهاي

.هذا األدب بغض النظر عن عامله اخلارجي الذي كان جيرب على االرتباط به

وفكرة الرتكيز على األدب منفصال عما سواه فكرة بدأت أول األمر مع النقد اجلديد يف أمريكا، و لكن

العلمية و اللغوية، فظهر يف روسيا ما يسمى الفكرة تطورت و مت فيها استثمار آخر ما وصلت إليه البحوث

بالشكالنية الروسية ألن لكل اجتاه مربراته اليت أدت إىل ظهوره، و مع النقد اجلديد انفصل الناقد عن إغراقه يف

حتري املناهج املختلفة قصد تفسري هذا األدب، و صار ليس من قبيل التخصص أن خيدم األدب جماال آخر غري

ما لفت االنتباه إىل القيمة اجلمالية اليت ينتظرها الناقد من املبدع قصد حتقيق الفنية و املتعة جماله هو، و هو

.بالرتكيز على النص

والقول ذه األهداف اليت صار ينشدها األدب هي استدعاء لكل املناهج اليت جاءت فيما بعد و اليت

ه و أسبابه، و هذه األسباب اليت أدى اإلغراق فيها إىل تركز على النص األديب و شكله، دون البحث يف حميط

اعتماد كل اجتاه منفصال عن اآلخر سبب التهميش الذي طاهلا كلها معا، يف سبيل اإلعالء من شأن هذا النص

األديب، و التمركز حول الشكل يف العملية النقدية أجرب الناقد يف املقابل أن يتخلى عن كل عواطف شخصية

ديب أو األدب، و كذلك الردود الفعلية اليت قد تؤثر على هذا األدب الذي مل يعد يف خدمة أي جمال متعلقة باأل

و ال ينتمي إىل أي اجتاه، فارتبط النقد اجلديد بتحرير األدب من الغائية و النفعية اليت لطاملا عدت شرطا يف

.وجوده، و صار الرتكيز فقط على اجلمالية و الشكل

فال جيوز اجلمع بني مصطلحي النقد احلديث و النقد اجلديد و املطابقة بينهما حبكم التشابه يف ترمجة

املصطلح، ذلك أن األمر يف النقد احلديث يشمل كل االجتاهات اليت سبق احلديث عنها و اليت ارتبطت بالعصر

دب خمتلف ال يتعلق األمر فيه بالسياقات احلديث، بينما األمر بالنسبة للنقد اجلديد فيتعلق بفتح باب لأل

اخلارجية، و لكن الرتكيز سيكون على النسق الداخلي للنص يف العالقات اليت تربط بني ألفاظ و مجل هذا النص

األديب فيما بينها، مبعزل عن عاملها و أسباا و مؤلفها، و التخلص من كل سلطة و غاية و تلك هي مربرات

.دوالنقد اجلديد كما يب

وانطالقا مما سبق ميكن طرح األسئلة التالية، يتعلق األول فيها مباهية النقد اجلديد وحدوده اليت ارتبط ا،

وثانيها، ما هي املرجعيات اليت أدت إىل ظهور هذا النقد املختلف و اجلديد؟ و أخريا، كيف كان تعامل النقد يف

ارتبطت به سابقا، و هي أيضا تعمل على التذكري باجلانب الشكلي هذه الفرتة بغض النظر عن كل املربرات اليت

اجلمايل الذي لطاملا افتقده النص األديب، كونه املادة اليت صنع منها و اغرتابه بني اجلوانب التارخيية

و النفسية، اليت عملت كل مرة على ميشه و القضاء على وجوده و مركزيته مبا هو شكل فين ...واالجتماعية

ايل، يستدعي ناقدا يتحسس فيها هذا اجلانب الذي مييزه عن غريه من النصوص اليت أعدت ألهداف خمتلفة، مج

.شكلية و مجالية/فصار من الضروري هو االنتقال من فرتة سياقية خارجية إىل أخرى نسقية داخلية

:في حدود مصطلح النقد الجديد-1

جلديد باألهداف اليت نادت إليها الشكالنية الروسية، إذ دعا كل شبيهة تلك األهداف اليت طرحها النقد ا

منهما إىل ضرورة فصل النص عن واقعه اخلارجي على اختالفه، ألنه بنية مغلقة ال حتيل إال إىل ذاا، ذاا هذه

بني التوجهات إن العالقة القائمة " اليت حتقق اجلمالية انطالقا من الشكل الذي يكون بنية تربطها عالقات داخلية

اجلمالية و األبعاد الفلسفية قارة و قائمة بالقوة، حىت و إن تبدى لنا غري ذلك مع بعض التوجهات الشكالنية أو

تلك اليت تدعو صراحة إللغاء كل ما هو خارج النص أو سابق عليه سواء كانت قيما ذاتية أو اجتماعية أو

ها و تشابكها و تعقدها، و النقد اجلديد األجنلوسكسوين ال يشذ أخالقية متصلة بسريورة احلياة البشرية يف تنوع

عن هذه القاعدة، فامتداداته النظرية تتجاذا نزعتان مها، االجنذاب للفلسفة املثالية من جهة و النزعة احمللية

.201"احملافظة من جهة أخرى

ارة النقد اجلديد على حركة نقدية ظهرت يف تدل عب" هذا عن عالقتها باملناهج النقدية املعاصرة، أما عنها فـ

، بعد صدور كتاب الشاعر و الناقد 1941أمريكا خالل النصف األول من القرن العشرين، و ذلك سنة

األمريكي جوكرو رانسوم بعنوان النقد اجلديد، و منذ ذلك التاريخ شاعت هذه التسمية و ارتبطت بنزعة النقد

تبس أحيانا بنظريا الفرنسية حيث شاع خالل الستينات من القرن املاضي، إال األديب، على أن هذه التسمية تل

أن املصطلح كان وضع يف بدايات القرن التاسع عشر على يد جون سبنجاردن يف كتابه النقد اجلديد سنة

ل بعض ، إال أنه مل يلق رواجا كبريا أنذاك، و لقد بدا واضحا يف كتاب رانسوم الذي وقف فيه عند أعما1911

األدباء املعاصرين له من االجنليز و األمريكان و يف مقدمتهم ريتشارد امبسون، يت سي إليوت، و فيه دعا النقاد

و أثره يف النقد الروائي العريب من -دراسة مقارنة للنقد اجلديد يف فرنسا -النقد اجلديد و النقد الروائي العريب: عمر عيالن-201 .3، ص 2006-2005يف األدب احلديث، -أطروحة دكتوراه دولة –قسنطينة –خالل بعض مناذجه، جامعة منتوري

لالهتمام مبوضوع نقدهم و الرتكيز على معىن النص للعمل األديب بدال من االجتاه إىل تفسريه على ضوء الظروف

.202"د أثرت يف إنتاجهاخلارجية اليت أحاطت به أو العوامل اليت تكون ق

والقول ذه الظروف يشري إىل تبين التيار النسقي و إخراج النص من التيار السياقي الذي كان خيضع له،

و بناء على " كون نقده عود هلذه الظروف اخلارجية ظنا من الناقد أا سبب إخراجه يف الصورة اليت هو عليها

لألعمال األدبية، فهو ينظر للنص كجسد مغلق منقطع عن العوامل ذلك فإن النقد اجلديد هو رؤية جديدة

و كنسيج من العالقات الداخلية املتشابكة اليت ينبغي على الناقد ...) سرية، حياة مؤلفه، نفسيته، بيئته( اخلارجية

إىل علم األلسنية أن يكتشفها و يربر وجود القوانني اليت تتحكم بإنتاج النصوص األدبية، فإنه قد جلأ هلذه الغاية

ليستمد من قواعدها و قوانينها كل ما يساعده على القيام بتشريح لغوي و يفحص عمل الكتابة، و هذه الرؤية

اجلديدة تدعو إىل ضرورة وجود ناقد معين مبوضوع نقده، دون االهتمام باملؤثرات اخلارجية و إىل ضرورة عزل النص

.203" عما يؤثر فيه

لتمركز حول النص األديب صار األدب غاية و وسيلة يف آن، مبعزل عن عامله اخلارجي، وباالنطالق من ا

وصار ممكن هو احلديث عن هدف آخر ينشده الناقد أثناء نقده للعمل األديب، بدل الغائية و النفعية اليت كانت

إن " يفة النقد اجلديدةهذا اهلدف حيدد من خالل وظ... تصور األدب وسيلة لغاية اجتماعية، نفسية و تارخيية

النقد هو عبارة عن فكرة لكنه أيضا متعة، إنه نوع أديب قلما نقرؤة، و لكن من منا ال يقرأ الشعر، إن حب

األدب هو تقدير لقيمة فرح االكتشاف، أخريا ها هي احلقيقة تنكشف و تتضح فرح اكتشاف ذلك اجلزء اهول

.204"إليه إال عرب النقدو امللعون أحيانا اكتشاف ال ميكن الوصول

صار القول بضرورة النقد اجلديد هو شاغل النقاد و األدباء، و ذلك لوصول كل املناهج السابقة إىل مأزقها،

ألا تركز على جانب يف حني مل باقي اجلوانب، فكل منهج يأيت يعلن عن عدم جدوى الذي قبله و يصبح

النقد استنفذ طاقته يف البحث و قدم أقصى ما يف وسعه تقدميه، و اتضح إن النهج التقليدي يف" تقليديا و باليا

عجزه عن جتاوز األحكام الذوقية و االنطباعية و معاجلة األدب مبا فيه القدمي خارج املفاهيم اجلارية، مفاهيم

–ورقلة –جامعة قاصدي مرباح -فصول من كتاب ما هو األدب منوذج -النقد اجلديد عند رشاد رشدي:سهام مشري-202 .4، ص 2015-2014ماسرت يف النقد األديب و مصطلحاته،

.5-4املرجع نفسه ، ص ص -203 .18، ص 1993 - دمشق –ات وزارة الثقافة قاسم املقداد، منشور : النقد األديب يف القرن العشرين،ترمجة:جان ايف تادييه-204

، 205"الجتماعية عامةالصدق و احلق و األمانة يف تصوير الواقع و نقله، سواء أتعلق ذلك بذات املبدع أم باحلياة ا

فصارت االجتاهات التارخيية و النفسية و االجتماعية مناهج تقليدية، ينبغي جماوزا إلغراقها يف العوامل اخلارجية،

.مبا فيها نفسية املؤلف و ميش األدب مبا هو املدونة و العينة، اليت جيري العمل عليها يف النقد

:التاريخ و المرجعيات-2

تعدد القول بالروافد اليت أخذ عنها النقد اجلديد، خاصة الفلسفية منها، و انتمائها، فالفلسفة األوروبية

" سجلت حضورها يف التأثري على االجتاه اجلديد، و كذلك ينسب لألمريكان حيازم لألسبقية يف هذا التيار

ديد يف أمريكا ينهل من منابع الفلسفة املثالية عند ففيما يتعلق باجلانب األول فإن هناك من يرى بأن النقد اجل

اليت تناولت مفهوم اجلمال الفين من منظور عالقته باملتعة ) 1831-1770( و هيجل)1804- 1724(كانط

اجلمالية و أثرها يف النفس اإلنسانية، و هذه األفكار سامهت بشكل كبري يف ظهور توجهات فنية تركز بصورة

نية أكثر من أي شيء آخر مثل مدرسة الفن للفن أو املدرسة الرمزية، أما االجنذاب أو النزعة كبرية على املتعة الف

الثانية للنقد اجلديد فهي ارتباطه مبا يعرف مبدرسة اجلنوب و هي مجاعة من النقاد كانت مرتبطة بربنامج سياسي

كانت تنادي مببدأ املساواة يف توزيع األراضي وثقايف يشمل األقلية اجلنوبية يف الواليات املتحدة األمريكية، و اليت

و تعمل على حماربة النزعات االجتماعية و النفسية التجديدية، كما اتسمت مواقف اجلماعة باحملافظة و اإلقليمية

.206"يف الطرح حىت يف املنظور اجلمايل، فقد نادى أحد أقطاا و هو آالن تيت مببدأ اجلمالية األقلية

حات املباشرة اليت أدت إىل ظهور النقد اجلديد يف أمريكا فهي أطروحات ريتشاردز يف التفاعل أما األطرو

، 1979- 1893بدأ النقد اجلديد يف الواليات املتحدة، متأثرا بأعمال آيفور أومستالونغ ريتشاردز " النصي

لريتشاردز والذي )قد األديبمبادئ الن( بظهور كتاب 1924وإليوت، لكن ميكن القول أنه ظهر بصورة دقيقة عام

كان مبثابة أطروحة أثارت إشكاليات وجدال قويا لدى النقاد و الدارسني و خباصة يف بريطانيا يف النصف الثاين

، تركز 207" أوغدن.ك.من القرن العشرين، هذا باإلضافة إىل كتاب معىن املعىن الذي ألفه باالشرتاك مع تشارلز

قوالت النصية و ضرورة الرتكيز على اخلصائص و املميزات املكونة للحقيقة األدبية، أطروحة ريتشاردز على تبين امل

بالرتكيز على اللغة اليت تكتب ا هذه األعمال األدبية، هذه اللغة اليت حتقق وظيفني أوهلا الوظيفة االنفعالية

.15النقد العريب احلديث و مدارس النقد الغربية، ص : حممد الناصر العجيمي-205 .4-3، ص ص -دراسة مقارنة للنقد اجلديد يف فرنسا -النقد اجلديد و النقد الروائي العريب: عمر عيالن -206 .4املرجع نفسه، ص -207

ا عن الواقع و يؤدي وظيفة يف ذاته، وثانيها الوظيفة املرجعية، املتعلقة بالرموز اليت تكتب ا، فينفصل النص كلي

فالشعر يف أصل تكوينه ال عالقة له بالواقع ألنه ال يتطابق معه و ال يصوره و لكنه يهدف إىل وظيفة إثارة

املشاعر و العواطف، و يف هذه النقطة ختتلف مدرسة النقد اجلديد عن الشكالنية الروسية، إذ مش القيمة

إن نظرة ريتشاردز هذه على ما حتمله يف طياا من دعوة شكلية " ة الشعرية فحسباالنفعالية و تركز على اللغ

فهي ختتلف عن املدرسة الشكالنية اليت مل البعد اإلنساين االنفعايل من النص، و اليت تبناها النقاد اجلدد يف

ردز على الرغم من دعوته أمريكا فيما بعد، رغم عدم اطالعهم على أدبيات املدرسة الشكالنية الروسية، فريتشا

إىل االهتمام و التمحيص يف جزئيات النص األديب، ألن تفاعل عناصر النص جمتمعة هي اليت تعطيه معىن

ووظيفة، فهو باملقابل يدعو ملبدأ حتديد انفعالية اللغة الشعرية يف مستوى املؤلف و القارئ أي البحث عن القيمة

.208" األدبية املتولدة عن التواصل مع النص

وباإلضافة إىل أطروحات ريتشاردز تضاف مدرسة اجلنوب من خالل مقوالا حول النص الشعري والبالغة

أ سينجارن .أطلق ج" حمافظتها)مدرسة النقد اجلديد( اجلديدة لتؤسس للنقد اجلديد، و ينسب إىل هذه املدرسة

و كلينيث tate allenو آالن تيت t s eliotس إليوت .ت(مصطلح النقد اجلديد على أعمال النقاد

و غريهم ممن خالفوا ... و ليفرransom john croweو جون كروانسوم brooks kleanthبروكس

النقد النفسي و االجتماعي، و هذا النقد الذي ظهر يف الواليات املتحدة األمريكية و أوروبا بعد احلرب العاملية

النفسية و االجتماعية و اجلمالية و الذوقية، و أصحابه يرون يف النقد األوىل يناقض املناهج النقدية الكالسيكية

الكالسيكي قصورا كونه يتناول قضايا مرضية بعيدة عن العمل األديب أو يعاجل قضايا و ظواهر اجتماعية و تارخيية

.209" بدل اهتمامه حبقائق و خبايا النص األديب

رسة اجلنوب هي املرجعيات اليت أدت إىل استقامة النقد اجلديد فكانت أطروحات ريتشاردز و كذا تأثري مد

كيانا مستقال معلنا عن اية املرحلة السياقية و الدخول يف مرحلة حق هلا أن تطلق عليها اسم اجلديدة الرتباطها

و إمهال عامله بأهم املبادئ اليت أسست لتيار النقد املعاصر فيما بعد، مبا دعت إليه من التمركز حول النص األديب

.اخلارجي و كذا مؤلفه

:النقد الجديد عند العرب -3

.5-4، ص -دراسة مقارنة للنقد اجلديد يف فرنسا -النقد اجلديد و النقد الروائي العريب: عمر عيالن -208 .7املرجع نفسه، ص -209

إن أول من يطالعنا يف العامل العريب حول النقد اجلديد رشاد رشدي الذي انطلق يف كتابه، ما األدب؟ للقول

ة العربية، باملقوالت اليت تؤسس هلذا النقد و تبين التيار الغريب، و ذلك دون االنفصال متاما عن مقومات اهلوي

واملقصود تلك العلوم اليت أولت للجانب الشكلي و اجلمايل األمهية و القيمة، يتحدث ريتشاردز

Richardsو ظل هذا املفهوم للبالغة سائدا إىل " عن قيمة البالغة و كيف أعيد إليها احلياة مع النقد اجلديد

فتغري مفهوم البالغة و عها مفاهيم األدب و النقد أن قامت مدرسة النقد اجلديد يف أعقاب احلرب العاملية األوىل

، حني قال بأن الفن ليس تعبريا عن 1919نفسها، و يستشهد رشاد رشدي مبا كتبه ت س إليوت يف فرنسا

إحساس صادق مهما بلغ األحساس أو التعبري عن شخصيته تعبريا متعمدا مباشرا بل هو تعبري عن هذه

.210"...الشخصية بطريقة غري مباشرة

ذلك أن " T.S Eliot س إليوت.كما يعيد استثمار البالغة مبنظور جديد عن طريق اإلحالة إىل قول ت

العمل الفين يتأتى من خالل إبداع موضوعي متميز ميكن أن يتذوقه البشر بصرف النظر عن الزمان و املكان و يف

صدق اإلحساس أو يف صدق التعبري أو مجال هذا يقول رشاد رشدي، فالبالغة وفقا للنقد اجلديد ليست يف

األسلوب أو إفصاحه عن شخصية الكاتب بل كما يقول إليوت، يف أن خيلق الكاتب معادال موضوعيا

لإلحساس الذي يرغب يف التعبري عنه، حىت إذا ما اكتمل خلق هذا الشيء، أو هذا املعادل املوضوعي، استطاع

، كما يرى رشاد رشدي أن الربط بني األدب و الواقع 211"ف إىل إثارتهأن يثري يف القارئ اإلحساس الذي يهد

و إذا كانت " ليس ضرورة و ال حتمية جيب االحتكام إليها، كما أن الرتكيز على األدب يقتضي فصله عن صاحبه

تم أيضا هذه املوضوعية البالغية حتتم فصل األدب عن احلياة حىت يقوم بوظيفته خري قيام من أجلها أيضا فإا حت

إن العمل الفين ال ميكن أن يكون تعبريا عن : فصل العمل األديب عن شخصية الفنان يقول رشاد رشدي يف ذلك

.212" شخصية الفنان الصحيح إنين أنظر بعيين الكاتب، و لكين ال أنظر إليه بل إىل ما يشري إليه

فإذا كان العمل األديب يصور " قعوحول عالقة الشكل باملضمون حتدث عن ضرورة فصل األدب عن الوا

احلياة فإنه يف الوقت نفسه ليس صورة لنا، فالعمل األديب ال ميكن أن يكون إال صورة لنفسه فقط، مبعىن أنه ال

ميكن أن يزودنا بشيء خارج عن نطاقه ألن قيمة العمل األديب ليست فيما ميدنا به من معلومات أو خربات

ذي حيدثه يف نفوسنا كما هو كامال حمددا كما أبدعه الفنان، و يؤكد رشاد رشدي مطلقة بل يف األثر املعني ال

.25-24، ص -فصول من كتاب ما هو األدب منوذج -النقد اجلديد عند رشاد رشدي:سهام مشري -210 .26-25املرجع نفسه ص ص -211 .36املرجع نفسه، ص -212

على أن احلياة هي األصل الذي نشأ عنه العمل األديب، و ذلك مبا فيها من مشاعر و خربات خمتلفة تشكل املادة

عملية اإلبداع و التشكيل اخلام اليت يصوغ منها الفنان عمله األديب، و بالتايل تبقى عناصر احلياة كما كانت بعد

.213"الفين

كما يستحضر مقولة موضوعية األدب و يؤكد على أمهيتها و يف مقابلها انفصال األدب عن حياة صاحبه،

و يستند رشاد رشدي يف رأيه لفكرة أن األدب تعبري عن شخصية الكاتب أو بيئته ما تزال عالقة " وعن واقعه

يف أوائل هذا القرن فأثبت أن اإلحساس واخللق ) بندييت كروتشي( ف اإليطايل بأذهان الناس و يستشهد بالفيلسو

، فعدت الذاتية قيدا يكبل اإلبداع و ال ميكنه 214" األديب حيتم أن ينقل هذا اإلحساس من الذاتية إىل املوضوعية

الكاتب أو عمق أفكاره فمهما كانت األصالة اآلراء اليت ينادي ا" حتقيق هذا اإلبداع إال عند حتري املوضوعية

أو جدة إحساسه، فهو بدون القدرة الفنية ال يستطيع إال أن يسري يف حيز ضيق هو حيز ذاتيته، و هو يف ذلك

احليز الضيق ال يستطيع اخللق، كل ما يستطيع أن يفعل هو أن يعرب عن ذاته، و الكاتب الذي ال ميلك من القدرة

يته جيد نفسه منساق إىل التعبري عن هذه الذات حىت عندما ال يرغب يف التعبري الفنية القدر الكايف حلمايته من ذات

.215"عنها، و عند ذلك جيد العمل الفين الذي حياول بناءه ينهار و يتفكك و يفقد كيانه

وإىل جانب رشاد رشدي يف العامل العريب تلقى النقاد النقد اجلديد و كتبوا و نشروا تأثرا به العديد من

األعمال من بني هذه الشخصيات نذكر إحسان عباس و عز الدين امساعيل و شكري عياد و جربا ابراهيم جربا

....و غريهم كثري

وجممل القول، خيتلف النقد اجلديد عن النقد احلديث انطالقا من توجه كل واحد منهم، و إن كان ميكن

ة الزمنية، إال أن النقد اجلديد حنى منحى خمتلفا بالنقد يف تلك إدراج النقد اجلديد ضمن النقد احلديث حبكم الفرت

الفرتة إذ ابتعد عن السياقات اخلارجية احمليطة بالنص األديب و متركز حول النص األديب و يركز على الشكل

الشكالنية و يتشابه االعتقاد عند النقد اجلديد والبحوث اليت وصلت إليها ... واجلمالية اليت جتعله إبداعا أدبيا

الروسية اليت عزلت النص عن عوامله اخلارجية و مؤلفه لرتكز على الداخل، و يذكر ظهور النقد اجلديد يف أمريكا

و قد جتلت مرجعياته يف أطروحات ريتشاردز و مدرسة اجلنوب، و هي إرهاصات انتهت إىل قيام هذه املدرسة

.38ه، ص املرجع نفس-213 .45، ص -فصول من كتاب ما هو األدب منوذج -النقد اجلديد عند رشاد رشدي:سهام مشري -214 .47املرجع نفسه، ص -215

مببادئ النقد اجلديد إىل العامل العريب و تأثر به النقاد العرب و قد انتقل االعتقاد ... كيانا مستقال قائما بذاته

إذ حاولوا ... نذكر منهم رشاد رشدي و إحسان عباس و عز الذين إمساعيل و جربا إبراهيم جربا و شكري عياد

ة اليت االنطالق من أفكارهم و استثمار البالغة العربية و حماولة إجياد مقابالت هلا يف البالغة اجلديدة الغربي

...لت بصورا عن الصورة القدميةانفص

:نصوص و تطبيقات

أن املفهوم القدمي للبالغة " يف كتاب ما هو األدب؟ يقول رشاد رشدي يف فصل بعنوان بالغة العمل األديب

و الذي ساد عصورا و تغلغل يف مدارس أدبية كثرية حددها بأا جمرد تعبري صادق عن إحساس صادق مارسه

األديب ككل، و اعترب النقاد األسلوب األديب، و لذلك ظلت البالغة مرنة باألسلوب و ليست بشكل العمل

البليغ هو األسلوب الذي يعرب تعبريا صادقا عن شخصية الكاتب أي أنه مل يكن فرق بني بالغة اخلطيب يف عمله

و بني بالغة اخلطيب يف خطبته أو بالغة الصحفي يف مقالته، طاملا أن منهم من يعرب عن فكره و موقفه

قا، و بالتايل فليس هناك فرق بني العمل الفين و بني كل من اخلطبة أو املقالة وشخصيته و إحساسه تعبريا صاد

.216" فقيمة كل منها تنتهي بإدراك معناها أو مضموا

الفن ليس تعبريا عن إحساس صادق مهما بلغ اإلحساس أو التعبري عن شخصيته تعبريا متعمدا مباشرا، بل "

مباشرة، و ذلك عندما يركز جهده يف خلق شيء حمدد كما يشبه ذلك هو تعبري عن هذه الشخصية بطريقة غري

متاما عمل النجار يف صنعه للكرسي و املهندس يف صنعه لآللة، فالكرسي و اآللة ليسا تعبريا عن شخصية

.217"صانعيهما

.ما هي حدود النقد اجلديد، و أين يكمن التميز فيه عن غريه - *

.24النقد اجلديد عند رشاد رشدي، ص : سهام مشري-216 .25-24املرجع نفسه، ص ص -217

ساعة و نصف :المدة

)لسانس ل م د (طلبة السنة الثانية : الفئة المستهدفة

:تمهيد

يبقى النص حمافظا على طبيعته، و يف املقابل تتعدد مداركه و أبعاده انطالقا من اختالف النظرة إليه، و منه

اختلف النقد القدمي عن النقد احلديث رغم أن املدونات وسيلتها اللغة العربية مبا هي وسيط إبداعي متعلق باألمة

و لكن يشمل كل األمم و احلضارات باختالف اللغة عند كل العربية، و األمر ال يتعلق باللغة العربية فحسب

منهم، و قدميا جرى احلديث كثريا حول موضوع السرقات األدبية و أثرها السليب على النص اإلبداعي و كذا

قصية اللفظ و املعىن و الصراع الذي دار قدميا من أجل إثبات أيهما يصنع فنية النص األديب، و قضية عمود

و كثرية تلك القضايا اليت طرحت يف النقد القدمي كحصيلة انتهت إليها حماوالت ضبط حدود ... ريهاالشعر و غ

.اإلبداعي/النص األديب

و رغم أن الدراسات النقدية العربية يف البدايات سيطرت عليها الذاتية، إال أن ظهور الدراسات اللغوية

األصل من القواعد الثابتة، و رغم ذلك ظل النقد حمافظا على والبالغية طبعها بطابع املوضوعية النطالقها يف

صورته يطرح قضاياه هذه يف مقابل النص األديب، و االنتقال إل العصر احلديث بدوره ال ينفي فكرة القضية ولكن

خيتلف يف طرحها انطالقا من اختالف طرق و سبل النظر إىل هذا النص األديب الذي حنت به التيارات العلمية

منحى املناهج النقدية اليت غريت طرق النظر من خالهلا إىل النص اإلبداعي، و صارت طرق دراسة النصوص

علمية و موضوعية متاما، و ال يظهر اجلانب الذايت فيها إال يف اختيار املدونة اإلبداعية اليت يريد الناقد دراستها أو

.مقاربتها

المحاضرة الثالثة عشر-13

-1-القضايا النقدية

عمل املبدع، إذ مل تعد جمرد احلكم باجلودة و الرداءة على النصوص، و صارت وظيفة الناقد معادلة أو تفوق

لكن االنطالق من النص اإلبداعي بغية صنع نص جديد بإتباع جمموع اآلليات اليت يطرحها املنهج املتبع يف قراءة

رحلة اليت النصوص و على اختالف هذه املناهج تعدى وظيفة الناقد التفسري و التحليل إىل التأويل، و هي امل

يتجاوز فيها الناقد وظيفة املبدع، إذ يدخل النص إىل عوامل مل ختطر على بال مبدعه أصال من خالل كشف

املبطن يف داللتها فينطبع النقد بالرؤى اجلمالية للناقد، و يتحول النقد إىل عملية إبداعية جديدة يكون أساسها

.العمل اإلبداعي األول

صصات خمتلفة يف تلقي العمل اإلبداعي يقوم العمل فيه على تفسري األدب من فانطالق النقد من خت

... منطلقات خمتلفة بوسعه االنفصال عن النص كمركز، و االنتقال إىل مناقشة قضايا تارخيية و اجتماعية و نفسية

مل، ذلك أن األمر و كذا طرق اجلانب اجلمايل و البحث عنه يف العمل األديب هو طرق ألبواب التأويل يف التعا

متعلق بالكشف الذي يتجاوز ما يظهر من النص األديب إىل ما يعتقد أنه مبطن داخل النص، انطالقا من طريقة

كتابة هذا النص الذي خيضع فيه صاحبه موعة من الشروط، أمهها القدرة على صناعة عامل خمتلف عن العامل

د التصور اجلمايل و املنسجم للواقع، وصوال إىل النقد اجلديد الواقعي باالنطالق منه و الوعي به، و تلك حدو

....وميش السياقات اخلارجية و التمركز حول النسق النصي

وكل هذه الظروف جمتمعة عاشها النقد يف العصر احلديث، فاستدعى بدوره عديد القضايا اجلديدة واملختلفة

يلة ما انتهت إليه البحوث و املناهج يف عامل النص اإلبداعي، عن قضايا النقد القدمي، كانت هذه القضايا حص

واالنطالق فيها كان من كل هذه املناهج جمتمعة تقديرا منها لكل جديد أضفته إىل حقل النقد األديب، فصارت

إذ شعارام قضايا للنقد احلديث، على الناقد احملدث أن حييط ا و ينطلق منها يف دراسة النصوص اإلبداعية،

صارت حماور ال غىن للناقد احلديث عنها، إذ هي مفاتيح الكتابة اإلبداعية و إشكاالته املطروحة وفق مستجدات

.العصر

ومن هذا املنطلق أحاطت بالنص اإلبداعي جمموعة من األسئلة اليت تعتقد أا أبواب النص و مداخله يتعلق

ياة للنص اإلبداعي من خالل جمانبة الصنعة فيه، و قضية اخليال مبا األمر فيها بقضية الصدق الفين، الذي أعاد احل

هي مستجد طارئ على الشعر جتاوز فيه املبدع األبعاد احلسية و الواقعية و املادية إىل أخرى ال ترتبط بعامل الواقع،

نثرها، و كذلك و كذا قضية اجلنس األديب و صار من الضروري هو الفصل يف األجناس األدبية و فرز شعرها من

... قضية الشكل و املضمون و االلتزام، و تفسري األدب و تأويل النص و كذا الصورة الفنية، و اإلبداع الفين

وقضايا أخرى مستحدثة ظلت يف الدراسات النقدية املعاصرة حماور أساسية ملناقشة النقد، و هي قضية نقد النقد

ما بعدها و أخريا كانت قضية التناص طريقا مجاليا يسلكه املبدع بوعيه و احلداثة و ما بعد احلداثة، البنيوية و

.ودون وعيه يف األعمال األدبية، و هذه قضايا النقد املعاصر فيما بعد

كلها أسئلة حتاول مقاربة النقد األديب احلديث، مبا هو وضع جديد صار يعيشه انطالقا من أوضاعه املختلفة

االت، مبا يف ذلك النقد، كانت هذه اليقظة علمية و فلسفية، فآمنت اليت أدخلت العامل يفضة عمت كل ا

كل ااالت ا و بنجاعتها يف إخراج الفكر البشري من طور التخلف إىل الوعي مبا أحدثته من ردة فعل منبهرة

رة و االنفتاح على اآلخر بآخر ما وصلت إليه هذه الدراسات يف مجيع ااالت، و كنقلة نوعية حنو عامل احلضا

الذي انتقل من كونه مستعمرا و عدوا إليه، كمصدر للوعي و الفلسفة و العلم، فخرج العامل العريب من الطوباوية

اليت يعتقدها صفة الرتاث و على أساسها مت التعصب إىل طرق أخرى يف التفكري، يكون البحث عن ثغرات العامل

.كريهالعريب و مطباته جانب آخر يف تف

:االلتزام-1

كثريا ما يرد مصطلح االلتزام يف النقد األديب احلديث، و هلذا املصطلح عدة أبعاد للفهم، فااللتزام قد حييل

إىل احملافظة من جهة، و لكنه من جهة أخرى قد يعين شيئا خمتلفا متاما، خاصة إذا تعلق هذا املصطلح بالعصر

إذن باألدب امللتزم " يد وفق العلوم اليت ظهرت و ضبطت كل جماالت احلياةاحلديث يف جو تسوده إرادات التجد

خلقي و لكن من خالل املتعة الفنية اليت جتعل اخللق و تربية الوعي تابعني للجمال و املتعة اجلمالية يف األدب

ضعه اتمع اجلديد على أن هذا اخللق ال يقوم على إثارة الوساوس األخالقية، بل على دراسة شاملة عميقة ميا ي

من مصاعب يعاين منها، أو يعاين منها بعض أفراده، فجانب املعاناة هو جمال جودة األدب و الفن، و هو جمال

النقد الذايت اخلالص دون احلديث عن معاين خلقية أو اجتماعية حديثا مباشرا، بل جيب البحث عن املواطن اليت

.218"يف التجربة األدبية يعوزها التغري الفوري لتكون هي املوضوع

فينتقل هذا املصطلح من داللة احملافظة إىل داللة املعاصرة، و يف التزام املبدع بعصره الذي يعيش فيه، فيتناول

قضاياه املختلفة بالدراسة و املناقشة يف صورة خلقية و بطريقة فنية و إبداعية حتقق األبعاد اجلمالية املنتظر من

خيطئ من يعتقد أن االجتاه العام يف األدب امللتزم ميثله الوجوديون " العمل اإلبداعي بوصفه نصا خمتلفا عن غريه

.146ص -الفجالة القاهرة –النشر قضايا معاصرة يف األدب و النقد، دار ضة مصر للطبع و :حممد غنيمي هالل-218

وحدهم، أو ميثله سارتر وحده من بينهم، و احلق أن سارتر قد انفرد من بني نقاد الغرب بالتعمق يف فلسفة االلتزام

و الفردية احملضة اليت و بسط أسسها و التدليل على ضرورة هذا االلتزام إلنقاذ األدب من الرتدي يف هوة الدعاية

من –تؤذن بفنائه، و تقوم دعوة االلتزام يف وجه دعوة األدب اخلالص أو الفن للفن من ناحية، مث إن هذه الدعوة

مدعمة حبرية الفرد اليت تقيدها احلدود اإلنسانية و الوعي االجتماعي، و هي لذلك على طرف - ناحية أخرى

رتاكية عند أتباع ماركس و مشايعي سياسته يف الكتلة الشرقية اليت متثل يف النقيض من فلسفة الفن الواقعية االش

.219" ذلك اجتاها مضادا الجتاه الغرب و هو اجتاه وضعي جربي جيحده دعاة االلتزام الغريب كل احلجود

والقول بقضية االلتزام يرتبط أكثر بالعمل النثري دون العمل الشعري، ألن طبيعة األعمال النثرية من قصة

و الوجه احلق أن " ورواية تقتضي هذا االرتباط الفين باجلانب االجتماعي الذي يعكس الشخوص و األحداث

ئلها الفنية، فعمل الناثر قابل لاللتزام ألنه علينا أن نفرق بني عمل الشاعر و عمل الناثر يف طبيعتها و وسا

اجتماعي بطبيعته و فيه خيرج القاص و املؤلف و املسرحي حتما من حدود ذاته لتربير تصويره الفين االجتماعي

، و االلتزام هنا ليس مبعىن املطابقة هلذا الواقع، و لكن من خالل 220"من خالل األحداث و تصوير األشخاص

و دعاة االلتزام خيالفون الواقعية القدمية، إذ يرون أن احلرية يف " الوعي و إرادة تغيري هذا الواقع اخللق الذي يوفره

الفن مستحيلة، ألن ذاتية الكاتب تتجلى يف اإلدراك نفسه، فإذا أتأمل يف هذا العامل، ملا حيتوي عليه من مظامل،

يها و الثورة لتغيريها، أي أنه يصور مساوئ العامل فلن يكون هذا التأمل عن برودة طبع، بل باإلحياء بالسخط عل

بوصفها مساوئ جيب أن متحي، فبالرغم من أن األدب شيء و األخالق شيء آخر نرى يف أعماق فرائض الفن

فرائض اخللق، على أن يكون هذا اخللق قائما على استخدام الناس كوسائل، بل على أم إرادات خرية يف

م هذا األدب امللتزم مع النفعية يف أية صورة من صورها ألن النفعية جتعل بواعث العمل مستقبل خري، و ال يتالء

األديب خارجية، فيحتفظ الكاتب مبظهر املوهبة أي فن العثور على كلمات براقة و لكن يف داخلها شيء ميت،

ية الزدهاره، ألن حترير اإلنسان، فقد حتول األدب إىل دعاية، و يف العهد الثوري حقا جيد العمل األديب البيئة املوات

و سيطرة اتمع الذي ال طبقات فيه، كالمها مثل العمل الفين غاية مطلقة و مطالب غري مشروطة، يستطيع

.221"العمل الفين أن يعكسها يف مقاصده

:قضية الشكل و المضمون-2

.147قضايا معاصرة يف األدب و النقد، ، ص :حممد غنيمي هالل -219 .151املرجع نفسه، ص -220 .154املرجع نفسه، ص -221

ألة اليت طرحت منذ القدمي بني أنصار إن البحث يف قضية الشكل و املضمون قدمي قدم النقد، ذلك أا املس

اللفظ و أنصار املعىن أو املضمون، مع االختالف يف تناول القضيتني بني القدمي و احلديث، ذلك أن األمر متعلق

يف احلديث بدخول اجلمالية عامل النص األديب و قضية الشكل و املضمون يف العصر احلديث أكثر تعقيدا منه يف

يتعلق جبزء ال ميكن فصله عن جزئه الثاين، ذلك أن الشكل يعكس املضمون، و املضمون هو القدمي، ألن األمر

و هلذا فإن عالقة اللفظ و املعىن عند كولريدج هي عالقة حية، فال نستطيع " املادة اخلام اليت يتكون منها الشكل

ذا الفهم جعل الشكل و املضمون أن ننقل لفظة أو نغريها إال إذا تغري املعىن، و كذلك فإن كولريدج يف ضوء ه

جزءا ال يتجزأ من التجربة الشعورية و بل إنه جعل الوزن و املوسيقى الشعرية عنصرا ملتحما بسائر العناصر

األخرى املكونة للقصيدة لقد جعل الوزن مثرة من مثار اخليال، و جعل مصدر الوزن هي العاطفة أو االنفعال الذي

ن الشعري يتحقق من التوازن بني العاطفة و اإلرادة، يقول كولريدج رمبا أن الوزن نتيجة تسيطر عليه اإلرادة، فالوز

فعل إرادي ال مزج اللذة باالنفعال فإنه جيب أن تكون آثار هذه اإلرادة واضحة يف سائر اللغة املنظومة حسب

.222"تدخل اإلرادة، إن الوزن الشعري وحده، ال ميكن أن يقيم قيمة فنية يف ذاته

يتعلق بالكل الذي ال ميكن فصله و هي العالقة اليت تربط بني الشكل Kolrdj فاألمر عند كولريدج

واملضمون، فصارت قدمية تلك الصراعات اليت دارت بني النقاد يف قضية الشكل و املصمون، و أن الصورة الكلية

يظل شيء من شكل القصيدة و ال بنيتها ال" تتحدد من خالل الصورة اليت ينتهي اجلمع بينهما شكل و مضمون

العروضية و ال عالقتها اإليقاعية، و ال أسلوا اخلاص ا عندما تفصل عما حتتويه من معىن، فاللغة ليست لغة،

بل أصوات، إال إذا عربت عن معىن، كذلك يعترب احملتوى بدون شكل استخالصا لشيء ليس له وجود ملموس،

ة خمتلفة ألصبح شيئا خمتلفا، و ال بد من أن تدرك القصيدة ككل حىت تتم عملية اإلدراك، ألننا لو عربنا عنه بلغ

ألنه ال وجود ألي منهما بدون اآلخر، و استخالص الواحد من اآلخر ... وال تناقض بني الشكل و احملتوى،

.223" قتال لالثنني

انتقاهلا من عصر إىل آخر، و كذلك وفكرة عدم القدرة على الفصل بني الشكل و املضمون قدمية و مت

لكن هذا اإلدراك " حتدث العرب يف نظرية النظم مع اجلرجاين، و مرت إىل النقاد العرب احملدثني عرب العامل الغريب

لعدم إمكان الفصل بني الشكل و احملتوى و لتبادل العالقة بني االثنني قدمي قدم أرسطو و قد عاد النقد

.18،ص 1991، 1:ط -أربد األردن –قضايا النقد احلديث، دار األمل للنشر و التوزيع : حممد صايل محدان-222 -الكويت –، الس الوطين للثقافة و الفنون و اآلداب 110حممد عصفور، عامل املعرفة : نقدية، ترمجةمفاهيم : رينيه ويليك-223

.46،ص 1987

ىل تأكيده، و احندر هذا التأكيد بطرق ملتوية عرب كولريدج أو الرمزيني الفرنسيني أو دي الرومانسي األملاين إ

سانكتس، إىل نقد القرن العشرين إىل كروتشه، و الشكليني الروس، و النقد اجلديد يف أمريكا و إىل تاريخ البنية

.224"األملاين

:اإلبداع الفني-3

احلديث متعلقة بتلك العالقة اليت جتمع بني املبدع و أدبه، بعيدا عن فكرة وثالث القضايا اليت تناوهلا النقد

إن العربة يف " الذاتية و املوضوعية، و تركيزا على اجلانب الفين و اإلبداعي و اخللقي الذي يصري إليه العمل األديب

كرة و إمنا العربة ملا صار إليه النقد األديب ليست املوضوع باعتباره شيئا خارجيا، و ال بالفكرة باعتبارها جمرد ف

املوضوع أو الفكرة بعد أن سيطر عليها الشاعر أو األديب و بعد أن انصهرت يف ذاته و بعد أن حتول إىل فن، إن

، فاإلبداع 225"كل موضوع و كل فكرة ليسا إال جمرد مادة من املواد اخلام اليت تتحول عند تناوهلا إىل شيء جديد

فاملوقف الذي يقفه أديب هذا العصر من األحداث السياسية أو االجتماعية هو " احلديثواخللق هو أساس النقد

موقف الفنان أوال و قبل كب شيء، موقف الفنان الذي يرى وراء كل حدث و كل قضية سياسية أو اجتماعية

نسانية تكتسب اخللود داللة إنسانية ما حبيث تتحول احلادثة أو القضية املرتبطة بزمن ما أو جمتمع ما إىل قضية إ

.226" والالزمنية عن طريق تأمل الفنان و رؤيته اخلاصة

فيتعاىل العمل األديب عن االرتباط بزمان و مكان يتعلق بأحداث متغرية و عارضة، ليصبح هذا الوجود

ن املوسيقى األبدي و األزيل، وسيلته يف ذلك اللغة مبا هي مادته اخلام الذي يشكل منها هذا املضمون، و تكو

.هي أدوات هذه اللغة اليت تريد حتقيق اإلبداع الفين

:الخيال-4

أحد أهم القضايا الكربى يف النقد األديب احلديث، و رغم احلديث عن هذا املصطلح يف الثقافات العربية

د الفيلسوف األملاين كانط إذ والغربية القدمية، إال أم مل يعريوه اهتماما كبريا و مل يتم اإلعالء من شأنه إال على ي

أن اخليال أجل قوى اإلنسان و أنه ال غىن ألية قوة أخرى من قوى اإلنسان عن اخليال، و تبع كانت يف " يرى

.46حممد عصفور، ص : مفاهيم نقدية، ترمجة: رينيه ويليك -224 -بريوت لبنان -قضايا النقد األديب بني القدمي و احلديث، دار النهضة العربية للطباعة و النشر: حممد زكي العشماوي-225

.30، ص 1979 .31املرجع نفسه، ص -226

، و من هذا املنطلق ميكن القول إن قضية اخليال كانت 227"هذا الفهم الرومانسيون و أصحاب املذاهب األدبية

يون يف العصر احلديث ملا ها من قدرة على جتسيد املبادئ اليت نادوا ا، فارتبط أهم احملاور اليت تناوهلا الرومانس

أن اخليال هو تلك القدرة " فريىWordsworth اخليال بشخصيتني ووردزوورث و كولريدج، فأما ووردزوورث

ري جمموعا متألفا العناصر املتباعدة يف أصلها و املختلفة كل االختالف كي تص - معا –الكيماوية اليت ا متتزج

منسجما، و هو يرى أن اخليال ال يدرك إال عن طريق الشعور، فإذا كان األمر كذلك، فإن قوى العقل ال تستطيع

أن تضعف أو تنقص من اخليال شيئا، و على هذا األساس يكون اخليال ذا مكانة تفوق قوى العقل األخرى على

.228"تتألف على تصوير احلقيقة شرط أن تكون الصور اليت ينتجها منسقة متأزرة،

فأما اخليال األويل فهو اخليال الذي عن " أما األمر بالنسبة لكولريدج فمتعلق باخليال األويل و اخليال الثانوي

طريقه يستطيع األديب أن يلم جبميع أجزاء الصورة الشعرية و تفاصيلها الدقيقة، و لكي توضح األمر نسوق مثاال

هو ... أمامي وردة فإن اخليال األويل جيمع أجزاء الصورة كلها من أوراق و ساق و رائحة على ذلك، لو كان

فهو " ، أما اخليال الثانوي229" و يقابل هذا عن كانت ما أمساه باخليال اإلنتاجي - إن صح التعبري -إدراك علمي

ختيار اجلزئيات اليت يريدها فهو أشد خطرا من اخليال األويل، ألن األديب أو الشاعر يف هذه املرحلة يلجأ إىل ا

يشرتك مع اخليال األويل يف هذه الناحية من حيث أنه يصطحب الوعي اإلرادي، و لكنه خيتلف عنه من حيث

الدرجة و طريقة العمل، ألنه يلجأ إىل اختيار جزئيات من الصورة و يقوم بتحليلها و التأليف بينها و يصهرها يف

.230"جديدا، إنه يذيب و يالشي كي خيلق من جديد بوتقة نفسه ليخلق منها شيئا

كما ارتبط اخليال بالرمزيني و الربناسيني و السرياليني، و قد ارتبط اخليال مبفهوم احلقيقة متاما عند

إا حقيقة ذات طابع ذايت تعمل على إجياد عوامل من صنع اخليال، و لكنها غري منفصلة عن الكون " الرومانسيني

بل إا تعطيه أعلى حق له، عن طريق إلقاء الضوء على احلقيقة الكامنة من وراء كل مظهر له، يف حماولة املنظور،

تتسم باألصرار الكامل من أجل االهتداء إىل ما هو باق و أساسي، فالشاعر على وعي تام بالقدرة الرائعة للخيال

ين إنكار حقيقة راسخة ليست مما يسهل االهتداء يف كشف احلقيقة لإلنسان و إنكار هذه القوة اخلالقة إمنا يع

إليها يف التجربة املعتادة أو حىت يف الدراسات املتخصصة، فهذه احلقيقة اليت يتوصل إليها تتميز بدقتها و عمقها،

.53قضايا النقد احلديث، ص : حممد صايل محدان -227 .54قضايا النقد احلديث، ، ص : حممد صايل محدان --228 .54املرجع نفسه، ص -229 .54املرجع نفسه، ص -230

إا تعطينا استبصارا عميقا باحلياة، رغم أن تلك احلقيقة قد حتتلف عن احلقيقة العلمية أو احلقيقة الفلسفية،

اخليال ذو صلة وثيقة بالواقع و احلقيقة، و إال فما ذا يكون الشعر؟ و ماذا تكون فائدته، إذا مل يكن يكشف ف

.231" عن حقائق؟ إنه لن يكون عندئذ ذا صلة باحلياة، و يكون تقدير الشعر و تذوقه أمرا عقيما ال قيمة له

:الجنس األدبي-5

إن قضية التجنيس قدمية إذ مت تناوهلا عند اليونان، و القضايا الكربى املتعلقة بالشعر و امللحمة و الدراما، ويف

العصر احلديث مت إحياء هذا اجلانب من اإلبداع و لكن بالرتكيز على جانب آخر من خالله ميكن الفصل بني

و مقتضياته، فأوىل األجناس اليت تعرض هلا العصر احلديث األجناس، فيضبط اجلنس األديب من خالل قالبه الفين

بني الذاتية و املوضوعية، فأما الذاتية، فمتعلقة بالشعر الغنائي، و املوضوعية تلك اليت توجزها املسرحية و القصة

فائص خصائص اجلنس اخلطايب أنه خارجي يف عالقته بنفس اخلطيب" وتعرض اخلطابة يف انفصاهلا جنسا خمتلفا

و أنه نفعي مباشر، فأما السمة األوىل فمظهرها حرص اخلطيب على التوجه إىل مجهوره، و جتاوزه نطاق ذاته

حتما، إال يف حدود ما يستغله من احلديث عن صفات شخصية بقصد التأثري يف اجلمهور بقدر ما استقر يف

نه يبدأ و قد احناز إىل رأي أو ذهن مجهوره عنها، و هو مع ذلك غري موضوعي يف وسائله، إذ من الواضح أ

جانب، سواء كشف عنه منذ البدء أم مهد للكشف عنه بتهيئة مشاعر مجهوره أوال، فال تستلزم اخلطابة من

حيث هي، أن تكون ذاتية تكشف عن اجلانب النفعي للخطيب، و مع ذلك ال يصدق عليها أا موضوعية

.232"حمايدة جتاه ما تعرض له من مسائل

هذه الصفات اليت ترتبط باخلطابة جتعلها مبنأى عن التجنيس األديب، ألا ال حتقق قيمة معينة، ميكن وكل

من خالل تبويبها و ادعاء انتمائها إىل جانب معني، و تطهري األدب سواء أكان شعرا أم قصة و مسرحية من

الشعر الغنائي ذايت من حيث الطابع اخلطايب مل يتم إال يف العصر احلديث، و حول تصنيف األجناس يعد

و لذلك كانت نظرة الشاعر إىل مجهوره ثانوية بالقياس إىل إخالصه يف تصوير أطواء نفسه، و إن مل " مصدره

تنقطع صلته به عن طريق الرتاسل يف املشاعر، و لكن الصلة بني الشاعر و اجلمهور كانت أقوى يف العهد

ا شعراء الديوان و املهاجرين إىل أمريكا، مث تولدت الرمزية فنفدت يف مفهوم الرومانتيكي األورويب، و يقابله يف أدبن

أطروحة دكتوراه يف النقد و البالغة، اململكة مفهوم اخليال و وظيفته يف النقد القدمي و البالغة،:فاطمة سعيد أمحد محدان-231 .6، ص 1989 -جامعة أم القرى -العربية السعودية

.157قضايا معاصرة يف األدب و النقد، ، ص :حممد غنيمي هالل -232

الشعر الغنائي و سيطرت عليه، و لن تزال، يف النزعة الواقعية للشعر يف حني ترتبط التجربة الكلية بواقع الشاعر،

.233" مع رؤية واضحة

ذي ارتبط بالشعر إال أن طبيعتها تقرا من النثر، وثاين هذه األجناس املسرحية، فبالرغم من أصلها الدرامي ال

أكثر من الشعر، ألا مرتبطة باملدينة، و تكون القصة وريثة شرعية جلنس امللحمة فرتتبط هي بدورها بالنثر من

.أجل حتقيق غاية القص االجتماعية غاية اإلنسانية

:الصدق الفني-6

عواطف و مشاعر وجدانية، ال تكلف فيها و ال صنعة، فالشاعر أن يكون الشعر صورة ملا خياجل النفس من

و بالتايل أصبح مقياس األصالة " الصادق هو الشاعر الذي حيقق الطبع، و هذه مسات حتيل إىل أصالة الشعر

الفنية عندما يتمثل يف أن يكون ديوان الشاعر مرآة صادقة تتجلى فيها صورة ناطقة حلياته و أن يصدر الشاعر

، و 234" عه، و ال يروض الكالم فيما يتعارض مع هذا الطبع و هذا وحده جيعل فنه و حياته شيئا واحداعن طب

لذلك من أجل توفر الصدق على الشاعر " أهم ما قيل بشأن هذه القضية كان من طرف أعضاء مجاعة الديوان

را، و اعتربوا أن القول الذي ميكنه أن يلتزم مبجموعة من اخلصائص املتعلقة به أوال و باملوضوع الذي يقول فيه شع

و قد تفرع عن مقياس " أن يعمم على اجلميع هو قول ال يتوفر على الصدق و النزاهة و ال يتحرى الدقة،

الصدق الفين قضايا أخرى أثارها العقاد و املازين، منها قضية شعر الطبع و ليس شعر الصنعة هو الشعر احلقيقي،

الذي يعرب عن نفس صاحبه أصدق تعبري و هو بذلك يعترب شعرا عصريا، و يف ذلك والشعر املطبوع عندمها هو

ألم لو مل ينطقوا به ... قول العقاد، كان شعر العرب مطبوعا ال تصنع فيه و كانوا يصفون ما وصفوا يف أشعارهم

فال موضع لتلك شعرا جلاشت به صدورهم زفريا، و جرت به عيوم دمعا و اشتعلت أفئدم فكرا، و أما حنن

األشياء من أنفسنا، و الشعر العصي كهذا الشعر يف أنه شعر الطبع، و أنه أمثر من آثار روح العصر يف نفس

أبنائه، فمن كان يعيش بفكره و نفسه يف غري هذا العصر فما هو من أبنائه، و ليست خواطر نفسه من

.235"خواطره

.162، ص قضايا معاصرة يف األدب و النقد، :حممد غنيمي هالل-233 .153عة الديوان، ص التجديد يف الشعر و النقد عند مجا: سعاد حممد جعفر-234 .154املرجع نفسه، ص -235

عديد األفكار اجلديدة اليت عدت انعطافا شديدا يف تاريخ البشرية وجممل القول، محل العصر احلديث للنقد

مجعاء، فكانت العلمية و الفلسفية هي مرشد البشرية إىل هذه املستجدات، و مجلة املناهج اليت ظهرت يف هذه

الفرتة استطاعت أن توجه تفكري اإلنسان منحى خمتلف، و هو ما أوجز احلديث عن جمموعة من القضايا اليت

يزت النقد احلديث عن غريه، و مجلة هذه القضايا أمهها االلتزام مبا هو صورة حتيل إىل ضرورة ارتباط األدب م

بعصره و مؤلفه و خبصوص الشكل و املضمون أعاد العصر احلديث التأكيد على عدم القدرة يف الفصل بني

اء كولريدج من جهة ثانية و حول الشكل و املضمون، و هو استدعاء لنظرية النظم من جهة و تأكيد على آر

اإلبداع الفين متركز النقد احلديث حول ضرورة قيام العمل اإلبداعي على مفهوم اخللق و االبداع و انفصاله عن

كل صنعة ، و يكون اخليال مستجد محله العصر احلديث و أواله اهتماما كبريا و جعل األدب حموره اخليال وحول

دب بني شرط الذاتية و املوضوعية و فصل اخلطابة عنهما، و أخريا يكون الصدق الفين اجلنس األديب مت جتنيس األ

....شعار اإلبداع يف العصر احلديث مبا هو داللة على الطبع و البعد عن التكلف

:نصوص و تطبيقات

حيظى باهتمام و اخليال أحد القوى اخلفية اليت اسرتعت انتباه العلماء منذ وقت مبكر، فكان ال بد أن "

إن مل يكن بكل أنواع النشاط الثقايف، فعلى األغلب بأكثره سواء تركز ذلك يف واسع، ملا للخيال من صلة وثيقة ّ

.236"دائرة الفنون كالشعر و الرسم و املوسيقى أوفق املعارف العلمية

تقدمني كلمة يطلقوا على و حني تتفرع هذه املسائل يبدو هذا التصور واضحا، فلم يكن عند اإلغريق امل"

على حني أا ال تعين عند أرسطو سوى اإلدراك احلسي fantasiaاخليال، و قد استعمل فيلوسرتانس كلمة

الضعيف، و مبعىن التذكر شبه الباهت لشيء سبقت معرفته، و قد كان الشعور باحلاجة إىل كلمة تعين اخليال

.237"مرهصا بتقدم ملحوظ للنظرية اجلمالية

هناك إدراك حسي و تفكري صرف، و ذلك اإلدراك احلسي عند باوجمارتن فيه كثري من الغموض على حني "

أن التفكري الصرف واضح كل الوضوح، و سبب هذا الغموض هو أن اجلميل يكون يف األجزاء الغامضة من

( و معرفة عقلية واضحة ) استيطيقا( الوعي البسيط، و بذلك أصبح هناك نوعان من املعرفة معرفة حسية غامضة

- 1412 -القاهرة -، دار الفكر العريب) عرض و تفسري و مقارنة( األسس اجلمالية يف النقد العريب: عز الدين إمساعيل-236 .2، ص 1992

.13املرجع نفسه ، ص -237

و ختتلف احلقيقة املنطقية عن االستيطيقا يف أن احلقيقة امليتافيزيقية أو املوضوعية تتمثل حينا يف العقل، ) منطق

عندما تكون احلقيقة منطقية باملعىن الضيق، و حينا فيما يشبه العقل و ملكات اإلدراك البسيطة عندما تكون

.238"استيطيقا

.النصني السابقني، كيف يتميز العمل اإلبداعي بوساطة اخليالانطالقا من - *

.16، ص )عرض و تفسري و مقارنة( األسس اجلمالية يف النقد العريب: عز الدين إمساعيل -238

ساعة و نصف :المدة

)لسانس(طلبة السنة الثانية : الفئة المستهدفة

: تمهيد

عرف النقد يف العصر احلديث الكثري من املستجدات، كانت يف األصل انعكاسا للواقع اجلديد الذي صار

يعيشه اإلنسان يف ظل الظروف الراهنة، أجرب فيها العامل العريب على التخلي عن آخر سبل التمسك بالرتاث

ال ميكن فيها ميشه أو جتنبه، ألن تيارات واحملافظة سعيا منهم إىل التعايش مع واقع صار يفرض نفسه، بطريقة

التجديد أثارها كانت قوية، حبيث استطاعت أن تقنع اجلميع باألفكار اليت صار إليها العمل و كذا الفلسفة

والفكر، فطهر يف العامل العريب بني أوساط الشباب العديد من اجلماعات اليت تنادي بالتجديد، منها ما كان

.من استقر يف املهجر و أعلن عن مبادئهداخل الوطن و منها

ويف كل هذه اجلماعات على اختالفها دعوة صرحية إىل تبين الصور اجلديدة لألدب و النقد، صور صارت

بعد االنفتاح و الرتمجة حتمل لغة مشرتكة ميكن فهمها و من مثة االقتداء ا، فصار لألدب أقالم جديدة يكتب

ح خمتلفة عن تلك اليت ورثها عن النقد القدمي، و يتعلق األمر يف املفاتيح بتلك القضايا ا و صار للنقد مفاتي

النقدية اليت تناوهلا العصر القدمي و اليت مل تعد جتدي مع الصورة اجلديدة و األهداف اليت صار يشهدها األدب يف

.هذا العصر

كتابته انصبت جممل التيارات احلديثة يف األدب فصار لزاما على األديب أن يلتزم مبجموعة من القواعد يف

على هدف الغائية و النفعية، اليت تنتظر من األديب حال كتابته، و على الناقد أن يوسع املدارك من خالل

دراسته اعتمادا على اجتاهات علمية مضبوطة يتم من خالهلا خدمة اإلنسانية و التعبري عن خلجاا و انفعاالا

المحاضرة الرابعة عشر-14

-2-القضايا النقدية

مجايل، سوى االجتاه األخري الذي نفى عن األدب كل قيمة نفعية إال الرتكيز على النسق النصي، يف طابع فين

الذي خيضع بدوره موعة من الشروط اليت تفصله عن غريه من الكالم و تقيم حدوده اخللقية و اإلبداعية و كذا

.الفنية و اجلمالية

والقول ذه الظروف جمتمعة أدى إىل ظهور القضايا النقدية الكربى يف العامل الغريب، مث انتقلت إىل العامل

العريب اليت كانت مدارسه حمطة الحتواء هذا اجلديد املبتكر، و الرتكيز على هذه اجلماعات هو بالضرورة

الوقت و هو ما يطرح اإلشكالية اليت تقع بني استحضار هلوية أعضائها الذين كانوا شعراء و نقاد يف نفس

استجالب القضايا كوسائل، و مدى تطبيقها يف األعمال اإلبداعية يف العصر احلديث، فالتحول الذي طرأ يف

املنظومة النقدية و األدبية مشله حتول يف املنظومة الفكرية و التصورية، و منه صار لزاما على املبدع إن أراد

ه و إبداعه أن ال حييد عن هذه الظروف اليت أسست هلا مناهج كربى أخذت عن العلم و الفلسفة االعرتاف بأدب

.اإلسرتاتيجية يف التفكري

وصارت ضرورة احتواء الواقع تتوجب على املبدع أن يتسلح ذه الشروط اليت ال غىن للشاعر و ال للناقد

ه األفكار يف موطنها و مطالعة إبداعام، صار بتفكريه ينتمي عنها، و نتيجة كثرة اطالع املثقف العريب على هذ

للعامل الغريب من حيث الشروط اإلبداعية، غري أن املختلف بينهم و بني العامل الغريب حمافظة العرب على اللغة

أطرها العربية يف الكتابة، و هو السبب الذي جعل من شرط اإلحاطة بالعلوم العربية ركيزة ال ميكن القول خارج

وقوانينها، أما ما عدى ذلك فاملبدع ابن واقعه الذي صار التعبري عنه ليس بسيطا، و لكن رؤية فلسفية إنسانية

عامة و شاملة، فكان اجلديد يف اإلبداع هو مدى التزام املبدع بروح العصر الذي احتضنه، و ينسب إىل كتاب

الفتح اجلديد يف طرق الكتابة، فحق هلا أن تصنف ضمن العصر احلديث الكثري من اإلبداعات اليت كانت مبثابة

.األعمال اإلبداعية اجلديدة يف هذا العصر

وانطالقا من هذا التصور عرف لإلبداع الفين تصنيفا جديدا مل يعرف من قبل وفق التجنيس األديب، فظهر

كما مت وضع منظومة ... بل كالبالغة مثالالنثر مقابال للشعر، و مت تطوير العلوم اليت أنشئت حول اجلمالية من ق

مصطلحية كبرية جديدة سواء أتعلق األمر حبقل النقد أو حىت حقل اإلبداع، إذ صارت هناك ألفاظ جديدة حترر

من خالهلا الفكر العريب من املعجم العريب القدمي، وفق صورة حضارية مدنية، كما مت استحداث سبل جديدة

ا اخليال باتساعه و تعدد مداركه، يف مقابل طريقة يف التفكري اقتضت منه االنطالق ورؤى خمتلفة للقول احتضنه

من الواقع قصد جتاوزه و ليس مطابقته، و مت القضاء على شعر املماليك الذي اتصف بالزيف و التكلف، و أعيد

ر مشولية ، كقضية اللفظ مناقشة املسائل الكربى يف النقد القدمي و تغيري وجهة النظر فيها انطالقا من فكر أكث

.واملعىن

ومن هذا املنطلق ميكن طرح جمموعة من األسئلة، تتعلق حبدود اإلبداع و اخللق يف العامل العريب انطالقا من

و كذلك مسايرا لروح العصر احلديث كما .. جمموعة أفكار مت االقتناع ا ملالمستها األبعاد العلمية و الفلسفية

إليها، و استثمار األفكار اليت جاء ا أشهر أعالم العصر احلديث يف جمال النقد أمثال كولريدج ينبغي أن ينظر

.و غريهم كثري ممن أعلنوا عن طرق جديدة يف الكتابة حتقق األهداف املنتظرة... س إليوت ، و وردززورث. وت

النظري و التطبيقي؟ فهل كان إميام ذه فما مدى التقارب بني القضايا النقدية يف العصر احلديث بني اجلانب -

.املستجدات و األفكار داعي العتمادها يف كتابام اإلبداعية؟

:قضايا النقد الحديث بين النظرية و التطبيق-1

حاولت قضايا النقد احلديث أن جتمع بني رؤى االجتاهات اجلديدة يف النقد من أجل ترسيخ قيم معينة، تنهض

دة مطالبة بضرورة االلتزام، ليس االلتزام مبعىن احملافظة، و لكن االلتزام بقضايا معينة، هذه القضايا نظرية نقدية جدي

تضمن قيمة اإلبداع و أمهيته خلدمة اإلنسانية، و ليس الذات فقط و لتصوير واقع يتعاىل عن النظرة البسيطة و

رة الفن يستطيع أن جيمع بني قضيتني بال و يف احلقيقة فإن كان عمل أصيل داخل دائ" السطحية و املطابقة

تعارض، تطوره يف اتمع، و تطور اتمع بواسطته فهو حيمل إلينا قيما اجتماعية تظافرت وتشابكت يف إطار

هذا اتمع، و هو يف الوقت نفسه حيمل إلينا ذاتية الفنان و وجهة نظره اليت تستطيع أن تغري أو تعدل الكثري من

ال يستطيع أن يتجرد من مسؤوليته االجتماعية، فإذا ) فالفن( ارثة إذا أعطيت العبقرية املاحنة هلذه القدرةالقيم املتو

مل يكن باستطاعته أن يتجرد منها فليس باستطاعته الفنان أن يتخلص من مسؤوليته األخالقية عن النتائج اليت قد

.239"تكون لفنه يف جمتمعنا

رد اإلدراك الواعي ألبعاد اتمع و اإلنسانية و لكن وظيفته تتجاوز هذه املدارك إىل فوظيفة املبدع أكرب من جم

و يف هذا املعىن الذي يؤكد قدرة الفنان على اإلحساس " عوامل أكثر اتساعا يعجز اإلحاطة ا التساعها

طريق التغيري الذي يرى بتموجات احلياة االجتماعية، و الرصد املتفتح خللجات اتمع و االستكشاف الواعي عن

الكاتب حممود متيور، إن بوسع القاص املوهوب حبسه املرهف، و يقظته احلادة يف الشعور بأرق اخللجات اليت

.90، ص 1988 -االسكندرية - فلسفة اإللتزام يف النقد األديب بني النظرية و التطبيق، منشأة املعارف:رجاء عيد --239

تسري يف اتمع قادر على أن يقنص اخلفي العميق الكامن يف واعية اجلمهور، فال يلبث أن يعرب عنه، أن حييله

ول من ذلك مدفوعا بعامل الشعوري ختفي عليه مالحمه، فهو يتأثر باتمع إىل مادة مكتوبة و قد يكون فيما يزا

. 240"الذي يعيش فيه فيرتجم عن هذا التأثر قبل أن حيسه سواه يف عمله القصص

وعلى إثر هذه الشروط جرى اإلبداع و اخللق األديب يف سبيل حتقيق هذه القيم اجلديدة لإلبداع، و يف العامل

هناك كتابات شعرية تؤدي هذه األهداف و حول موضوع االلتزام يورد صاحب كتاب قضايا العريب كانت

و إذا أردنا أن " معاصرة يف األدب و النقد بعض النماذج اليت تؤدي وظيفة االلتزام يف الشعر احلديث، يقول

نقارن هذا التعبري النثري من شعرنا احلديث، فل) الشعر اخلالص( نضرب مثال يوضح ما قاله سارتر و ما قاله دعاة

الذي يشف يف يسر عن قصد املتكلم بدون داللة إحيائية حني نقول، إىل أين ذهب اخلادم؟ يقول شاعرنا إبراهيم

أين أهلوك بساطا و ندامى؟ فاالستفهام يف البيت ******و أين السمر**** أين ناديك: ناجي يف قصيدته العودة

يا : نرتمجه شعرا) رامبو(نظري ذلك االستشهاد سارتر ببيت الشاعر الفرنسي يفتح أفاقا نفسية رهيبة رحيبة، و

.241"من يل بنفس غري ذات قصور*****للفضول و يا لشم فصور

فليس مث مسؤول يتوجه الشاعر إليه باالستفهام و ال " فيعلق سارتر على هذا البيت للشاعر رامبو قائال

يف االستفهام نفسه : و ال يسمح االستفهام هنا جبواب، أو باألحرىسائل، إذ الشاعر غائب وراء تعبريه،

إن كل الناس ذو : اإلجابة، أو هل هو استفهام تقرييب؟ و لكن من احلق االعتقاد بأن رامبو أراد أن يقول

و لو أراد أن يقول ذلك لقاله، و يف الوقت نفسه مل يقصد إىل بيان معىن آخر سوى هذا فلم يفعل ... نقائص

ى أن صاغ استفهاما مطلقا، و منح تعبريا مجيال منطلقا من روحه وجودا استفهاميا، و بذا صار االستفهام سو

.242"و ليس هذا بداللة بل هو جوهر ذو وجود خارجي... شيئا

فالقول من هذا املنطلق يعتقد أن الشعر يف ذاته ال خيرج عن تقاليده التعبريية يف الكالم العادي، و خيتفي

شاعر وراء هذه األساليب ليقرر حقائق ال تنطلق من ذاتية، و لكنه تقريري شامل ال حييل إليه بذاته فقط، ولكن ال

متعلق بالطبيعة البشرية مجعاء، و هنا يتعاىل الشاعر عن االرتباط بذاتيته و يالمس أبعادا موضوعية إنسانية من

.90فلسفة اإللتزام يف النقد األديب بني النظرية و التطبيق، ص :رجاء عيد -240 .148قضايا معاصرة يف األدب و النقد، ص :حممد غنيمي هالل-241

.149املرجع نفسه، ص -242

ا يف قالب مجايل، ال ميكن إدراك أبعاده إال من خالل خالل تراكيب و مؤلفات لغوية خترج عن تقاليد استعماهل

.ناقد تسلح ببصرية و يقظة و وعي حيمله على جتاوز الظاهر من الدالالت ليقارب املبطن منها

وحول قضية الشكل و املضمون سبق و أن قرر القول يف النقد احلديث، عدم القدرة على الفصل بني

ني لعملة واحدة، و قد ساق صاحب كتاب قضايا النقد احلديث منوذجا الشكل و املضمون، ذلك أا وجه

و مهما يكن " شعريا مليخائيل نعيمة يدلل من خالله عن قضية الشكل و املضمون كما اعتقده كولريدج، يقول

فإننا نرى أن حناول حتليل نص شعري لندرك كيف يتضافر الشكل و املضمون يف عملية اخللق األديب، و اقرتح أن

:خنتار نصا مليخائيل نعيمة يناجي فيها دودة األرض، يقول

و أجري حثيثا خلف نعشي و أكفاين******تدبني دب الوهن يف جسمي الغاين

لكنت أالقي يف دبيبك إميــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاين******و لوال ضباب الشك يا دودة الثرى

و اترك أحزاين تكفن أحــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــزاين*******فاترك أفكاري تذيع غرورها

دواعي وجدي أو بواعث وجــــــــــــــــــــــــــداين******و أزحف يف عيشي نظريك جاهال

كام إنسانحلكمة ريب ال ألحـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ*******و مستسلما يف كل أمر و حالة

و أمشي بصريا يف مسالك عميــــــــــــــــــــــــان********فها أنت عمياء يقودك مبصر

و يل فيها من ضيق فكري سجنــــــــــــان******لك األرض مهدا و السماء مظلة

ــــاينو لكن جبهلي و ادعائي يعرفــــــــــــــــــــــــــ********لئن ضاقتا يب مل تضيقا حباجيت

.243"و فكر عنيد بالتساؤل أضنـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاين******قلب مسلم: ففي داخلي ضدان

هذه األبيات تصف كيف يعكس الشاعر صورة هذه الدودة و هي متثله و تصوره من الداخل، و عاد مرة

تلف متاما عن الدودة و عن نفسه و يغدو موضوعا أخرى ليعود إىل الصورة اخلارجية كما تبدو لينتهي إيل شيء خم

منظر الدودة ارتد إىل فلسفة تدور حول هذه احلياة و اجلري وراء ملذاا، إا مرآة عكست نفسية " جديدا عاما

الشاعر، إنه توجد واضح بني الذات اخلارجية، و الذات الداخلية، بل لعلين ال أبالغ إذا قلت إا درجة من

.19قضايا النقد احلديث، ص : حممد صايل محدان-243

، و يصور ميخائيل نعيمة من خالل هذه األبيات صورة كلية جتمع يف 244" قد وصل إليها الشاعرالصوفية و

.إنشائها الشكل و املضمون معا إذ أصبحنا كال ال ميكن فصله

والقول بإمكانية فصله هو طعن يف قيمة القصيدة و هدفها الدقيق الذي أراده الشاعر و الذي أوجزه

فهو ما يزال يشك و لوال هذا الشك لوجد يف دبيب هذه الدودة إميانه، و لكن من "صاحب الكتاب يف قوله

قبيل احلرية املختارة ترك أفكاره جتول حسب ما وى، و لكن النتيجة أن أحزانه بدأت تكفن أحزانه، إنه توحد

منافذ جديدة للشاعر واضح بني الذات اخلارجية و الذات الداخلية، إن هذه الرؤية اجلديدة كمنظر الدودة فتحت

زمانا و مكانا، إذ به يتوحد مع الطبيعة يتوحد شكله و إميانه، تتوحد نفسه، املتوقدة املضطربة من الطبيعة

اخلارجية، و مع ذلك فهو مازال يعاين من شعور يف نفسه ال يدري كنهه إنه قلب مسلم و فكر عنيد يتقابالن يف

و هلذا يكون الشكل قالبا الحتواء املضمون، الذي يؤدي فيه تغيري ، 245"شيء من التناظر أمام حقائق الوجود

).ميخائيل نعيمة( صورته إىل تغيري الداللة كما يريدها صاحب القصيدة

وحول اإلبداع الفين، يعطي صاحب كتاب النقد األديب بني القدمي و احلديث صورة منوذجية هلذا اإلبداع

ونية يف الصورة اجلمالية، ذكر قول عمر اخليام عند نظر إىل إبريق اخلمر الذي بوساطته تتوحد الصورة الك

لقد كان هذا اإلبريق عاشقا مثلي، و كانت يده هذه يدا معانقة حلبيب، استطاع إبريق اخلمر يف هذا "أمامه

كل املوقف أن يوحي للشاعر مبوقف اإلنسان من املوجودات، كما استطاع أن ميثل أمامه وحدة وجود فأصبحت

الكائنات و املوجودات، ترجع يف أصول تكوينها إىل شيء واحد، و هكذا حتول إبريق اخلمر من جمرد موضوع

خارجي إىل موضوع داخلي حبيث، أصبح اإلبريق و كأنه جمرد رمز عن مشاعر حمددة و عن موقف إنساين معني

.246" وانتهى األمر بأن أصبح املوضوع ذاتا و الذات موضوعا

فإن انتقلنا " س املرجع يدرج منوذجا آخر هو جربان خليل جربان الذي تشابه برأيه مع رأي عمر اخليامونف

إىل جربان خليل جربان الذي وقع موقفا مشاا ملوقف اخليام يف حلظة من حلظات اإلهلام و كان جالسا إىل جوار

، و إن 247)"حطبة تستدفئ حبطبة(تدفئ بقولهاملدفأة يف ليلة من ليايل الشتاء البارد فوصف نفسه و هو جالس يس

.19املرجع نفسه، ص -244 .19قضايا النقد احلديث، ص : حممد صايل محدان-245 .33-32 قضايا النقد األديب بني القدمي و احلديث، ص ص: حممد زكي العشماوي-246 .33املرجع نفسه، ص -247

كانت الفكرة نفسها تلك اليت يطرحها الشاعران إال أن االختالف يكمن يف التعبري الفين عن هذه الفكرة، وعادة

هي تتوقف على مدى قدرة الشاعر و وسائله الفنية، و حول فكرة اخللق األديب خيتلف حافظ و شوقي يف التعبري

طبيعة الشاعر نفسه و قدراته الفنية ومدى " و هذا االختالف نابع يف األصل من ) رثاء سعد( على نفس الفكرة

.248" سيطرته على جتربته و متكنه من عناصر فنه

:يقول حافظ

كيف ينصب يف النفوس الصبايــا*****إيه يا ليل هل شهدت املصابا"

غابـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاأن الرئيس وىل و ******بلغ املشرقني قبل انبالج الصبح

.249..."كان أمضى يف األرض منها شبابا******* وانع النربات سعد فسعد

:و يقول شوقي يف نفس املناسبة

و احنىن الشرق عليها فبكاها******* شيعوا الشمس و مالوا بضحاها "

إن الطبيعة اخلاصة قادرة " ، و منه ميكن القول250"و فتناها يوشع، مهت فناء******* ليتين يف الركب ملا أفلت

على أن تتحمس باملوقف، و أن تنقل إىل األذهان أدق املشاعر و أخص اإلحساسات اليت جييش ا صدر

الشاعر عنصر هام ضروري يف كل عمل فين، و لكن هذه الطبيعة القادرة على أن تتحمس و تنفعل لن تكون هلا

البتكار األديب اليت تتمثل يف القدرة على خلق لغة جتعل اإلحياء اللفظي من القوة و السيطرة و قيمة بدون قوة ا

.251" بعد املدى و احليوية و الدقة حبيث حيقق ما حيقق من قيمة

فاللفظة توضح " وحول اخليال تتعدد مداركه بتعدد مواطنه، فعند الرمزيني يكون اإلحياء هو وسيلة هذا اخليال

كاا حبيث توحي بأجواء نفسية رصينة ال تعرفها اللفظة مبعناها املعجمي فكلمة غروب مثال قد توحي مبصرع يف م

الشمس الدرامي و قد توحي بالزوال و النطماس معامل احلياة، و نسوق مثاال على ذلك من قصيدة نشيد

:السكون خلليل شيبوب، يقول

.33قضايا النقد األديب بني القدمي و احلديث، ص: حممد زكي العشماوي -248 .33قضايا النقد األديب بني القدمي و احلديث، ص :حممد زكي العشماوي-249 .34املرجع نفسه، ص -250 .35املرجع نفسه، ص-251

لنسيم األســـــــــــــودحلوا كمر ا***** أعد على نفسي نشيد السكون"

و امسع عزيف اليأس يف أصلعي******* و استبدل األنات باألدمع

و استبقين باهللا يا منشدي

تلفح أجفاين، و أحالمي******* فامليل سكران، و أنفاسه

حاملة أكــــــــــــــــــــــــــــفان أيامي ******* تنساب حويل زفرة زفرة

، و ختتلف جتربة اخليال الرمزي عن الربناسي، و يف ما 252"على بقايا الوتر الدرامي****** هال نغم قامت باهللا

يلي ما يوضح الفرق بني اخليال الرمزي و اآلخر الربناسي، و القصيدة النموذج هذه املرة للبارودي يف وصف

:القصر

ذهب املتبوع و التبع هيهات، قد******* هل باحلمى عن سريرا مللك من يزع"

ينأى به اخلوف أو يدنو به الطـــــــمع******** هذي اجلزيرة فانظر هل ترى أحدا

للملك منها لوفد العـــــــــــــــــــــــــــــــــــز مرتبع******** أضحت خالء و كانت قبل منزلة

صــــــــــــدعباألمر كادت قلوب الناس تن******** كانت منازل أهالك إذا صدعوا

لقد نقل البارودي نقال " ،و تفسري ذلك253"و إمنا صفو بني الورى ملع******* و الدهر كالبحر ال ينفك ذا كدر

مباشرا صورة القصر و ما حل به، و من خالل ذلك جعل القارئ يستشف هدفا سعى إليه البارودي، و هو

إلنسان، فالربناسيون يلجؤون إىل الصور اسمة اليت استحالة الزمان، فإذا الدهر حبر مضطرب ال يكاد يصفو ا

توحي للقارئ بصورة موازية و لعلهم يف ذلك يرتكون اال للقارئ يف عملية اخليال، فاخليال ليس خياهلم بل

.254"خيال القارئ أو السامع اآليت من أثر املوضوع الذي يطرحه الشاعر

.58-57قضايا النقد احلديث، ص ص : حممد صايل محدان-252 .56املرجع نفسه، ص -253 .املرجع نفسه، و الصفحة نفسها-254

من ارتبط مفهوم اخليال م، يسوق صاحب الكتاب منوذجا عن وعن اخليال عند الرومانسيني و هم أهم

أما يف مرحلة اخليال الثانوي فهو " اخليال الثانوي الذي يكون حسب تصوره معقدا باملقارنة مع اخليال األويل

:يستبعد بعض اجلزئيات و خيتار جزئيات، فإذا هي عند الشاعر

محرا و أردية خضراعليها حلى ******* و مائسة تزهى و قد خلع احليا

، فالشاعر هنا مل يذكر الساق 255"و يسكن يف أعطافها ذهبا نضرا******** يذوب هلا ريق الغمائم فضة

واألوراق، و لكنه اختار من جزئيات الصورة ما يناسب إحساسه، فإذا هي مائسة ختتال على مثيالا من الورود

هكذا فإذا حنن أمام خلق جديد خيتلف عن منظر .... ء مجيلوحتول لوا أمحر إىل حلى و لوا األخضر إىل ردا

إا قدرة عليا قادرة على متثل األشياء و حتليلها و صهرها لتخلقها من جديد، هذه مهمة ... الوردة املألوف

.256" اخليال الثانوي

ا و صارت اسرتاتيجية وجممل القول، تربعت قضايا النقد احلديث اجلديدة عرش النقد و الكتابة اإلبداعية مع

يف التفكري ال ميكن إنكارها، إذا أراد الناقد و املبدع أن يعيش يف عصره دون أن يهمشه هذا العصر و يستبعده ،

وجتلى ذلك من خالل استثمار هذه القضايا يف القصائد الشعرية، و كذا االنطالق منها يف دراسة األعمال

نماذج اإلبداعية عن التزام األدب بقضايا عصره، فكانت القصائد يف الشعرية، فاستطاع البحث أن يعطي بعض ال

معظمها صور لواقع أو تأريخ أو تفريغ لنفسية صاحبها، و حول الشكل و املضمون أمجع النقاد حول عدم القدرة

ائد على الفصل بني الشكل و املضمون يف األعمال األدبيةـ، ألا كل ال ميكن فصله، و حول اخليال اتسعت قص

العصر احلديث مبواطن طرقها هلذه الطريقة يف اإلبداع، فحدثت من خالل هذه النماذج املقاربة بني التنظري وتطبيق

.هذه القضايا يف اإلبداع

:نصوص و تطبيقات

إننا يف جمال اللغة و األدب خنضع ملبدأ ال خالف حوله هو مبدأ رمزية اللغة، فالكلمات يف اللغة ليست "

إال رموزا تتضمن شحنا من املشاعر و األحاسيس، إننا عندما ننظم قصيدة فنحن يف احلقيقة ننظم كلمات

لشكلي، إن األلفاظ هلا أرواح ختتزن يف وأرواحا، و لسنا كمن يرصف قطعا مجيلة من الفسيفساء ذات اجلمال ا

.54قضايا النقد احلديث، : حممد صايل محدان -255 .55املرجع نفسه، ص -256

داخلها مشاعر و أحاسيس و هي تتفاعل مع بعضها البعض داخل النص األديب، و هي يف هذا التفاعل مع

غريها داخل السياق قادرة على منح بعضها البعض دالالت خاصة، و هكذا تكون اللغة يف يد األديب عبارة عن

ة على هذا النحو، فإننا بذلك ال ميكن أن نفصل بني الفكر اخلالص ارد أو أداة خلق، و إذا فهمنا رمزية اللغ

املادة اردة أو املادة و بني الشعور و اإلحساس لذا، فنحن نعجب كثريا من أن نرى اليوم من املعاصرين من ال

ذوق الفين كما يأباه يزال يفهم الشعر و األدب على أنه شكل و مضمون، إن هذا الفهم يأباه العمل األديب و ال

.257"الفهم الصحيح لعملية اخللق األديب

. حلل النص، مبينا العالقة اليت جتمع بني الشكل و املضمون يف العمل اإلبداعي - *

.18قضايا النقد احلديث، ص : حممد صايل محدان-257

:خاتــــــــــــــــــــــــــــــــــــمة

مقدماا األسئلة املطروحة يف بداية العمل، وجممل القول يصل البحث يف ايته إىل جمموعة من النتائج اليت كانت

:و هي كما يلي

يرتبط النقد العريب احلديث بالتيارات الفكرية الغربية على اختالفها، فكانت النهضة مبا هي صورة لوعي -

تساب الفكر الغريب ما أحاله على العديد من املستجدات، صدمة أصابت العامل العريب فأيقظته بدوره من وهم االن

للخالفة العثمانية و من ختلفهم الذي جره احلكم العثماين، و هو يف نفس الوقت فرصة مبا مسحته احلركات

االستعمارية من هجرة و ترمجة لعلوم أهلها، و أصحاا و يف القول كذلك إشادة مبجهود العرب القدامى يف

ة و الغربية احلديثة، من خالل ترمجام ألعمال األندلس الذين كان هلم الفضل يف التوسط بني احلضارة اليوناني

الفالسفة اليونان و ما أضافوه بدورهم من أفكار كانت تطويرا مل ما قيل يف احلضارة اليونانية، فكان االنقالب

اجلذري الذي أنبأت به النهضة إرهاصات للصورة اجلديدة اليت صار يكتسيها النقد مبا طرق لسبل خمتلفة عن

. الذايت الذوقي الذي ال ينتسب ألي تيار أو اجتاهالتقييم

والقول ذه اإلرهاصات هو طرق مل املرجعيات املباشرة اليت استقى منها النقد آلياته اإلجرائية اجلديدة يف

ان سبيل خماطبة العقل الذي مت حتريره من ظلمات القرون الوسطى و من استعباد الكنيسة اليت كبلته قرون عديدة ك

...فيها اإلنسان عبدا لعامله املاورائي

ارتبط النقد األديب احلديث بعديد املرجعيات اليت كانت سببا يف إرساء ركائزه ضمن باقي العلوم اليت ظهرت -

يف العصر احلديث، فتأثر بدوره بنفس الظروف اليت أصابت العامل بالتغيري و التجديد، فكانت العلمية واملوضوعية

الدراسات يف فرتة العصر احلديث، فارتبط النقد بدوره ذا التيار و صار النقد علما له أسسه و مبادئه اليت شعار

كانت جتعله يف بداية األمر خدمة لباقي العلوم النفسية و االجتماعية اعتقادا منهم بصدور األدب عن الظروف

ى يد فاردناند دي سوسري فنحى باللغة منحى خمتلفا واألدب هو تفسري هلذه العوامل، إال أن مت الفتح اللغوي عل

ظهر على إثره ما يسمى بعلم اللغة، أو اللسانيات، أما املرجع الثاين فكانت الفلسفة العقلية مبا طرحته من أفكار

أسست ملفهوم املنهج من جهة، و قامت بتعليم اإلنسان كيفية الوصول إىل احلقيقة عن طريق الشك، و هو ما

و هي القاعدة اليت تأثر ا كثري من النقاد العرب يف ) أنا أفكر إذن أنا موجود( كوجيتو الديكاريت يفسر ال

عصرهم، و أخريا كان لزاما على الناقد أن ميلك منظومة مصطلحية متيزه عن غريه و تقيم ركيزة علمه يف عصر

.صار فيه املصطلح دليل التخصص و ميزته

د اإلحيائي بانتماء هذا التيار غلى املذهب الكالسيكي و التصور الذي أقامت يتعلق األمر يف النق -

مبادئها على أساسه يف مطلع عصر النهضة، و تشابه القول حول هذه املرحلة يف العامل العربية و الغريب على حد

لعباسي يف العامل سواء ذلك أن النهضة يف بدايتها بنيت على أساس الرتاث اليوناين عند الغرب و اجلاهلي و ا

العريب، و يف العامل العريب كان الرتكيز يف حماكاة القدماء على العودة إىل الشكل القدمي و هيكل القصيدة العربية

القدمية و من وزن و حبر و قافية، و أهم نقطة ركز عليها هؤالء العودة إىل املعجم العريب القدمي من أجل إعادة

ا التقليدية، و السبب يف ذلك وصول اللغة العربية مع عصر االحنطاط إىل أدىن إحياء اللغة الفصيحة يف صور

.دركاا ملختلف الظروف اليت أحاطت بالعامل العريب أنذاك

وحول تيار اإلحياء عرف اجتاهني اثنني كان األول فيهما الدعوة إىل املطابقة يف الشكل و املضمون للرتاث -

ا التيار حمافظا حد التعصب و يف املقابل كان االجتاه اآلهخر أكثر انفتاحا إذ اشرتط يف العريب القدمي، و كان هذ

املبدع املوهبة و الطبع و تلك هي مربرات اإلبداع الفين يف نظره، و لعل أهم من نادي ذا االجتاه حسني املرصفي

.يف كتابه الوسيلة األدبية إىل العلوم العربية

القدمي قصد اإلحياء و إعادة البعث تتحول أنظار العامل العرب للوجهة الغربية بعدما من العودة للرتاث -

أثبتت طرق التقليد عدم جدواها، فكان األخذ عن آخر ما وصل إليه تيار التجديد يف العامل الغريب هو وجهة

ة يف بداية األمر، مث تسىن العرب، و منها لوا عنهم طريق التفكري العلمية و املوضوعية و كانت وسيلتهم الرتمج

هلم زيارة هذه الدول الغربية يف املهجر و منها اطلعوا على آخر ما وصلوا إليه يف إجنازهم و صار لزاما على النقاد

.و الشعراء التحرر من النماذج القدمية و البحث عن سبل جديدة

للتجديد نذكر خليل مطران أمحد شوقي تعلق التجديد بشخصيات خمتلفة كل له يف جماله ما يثبت اجتاهه -

و غريهم كثري، و كانت مقاالت الديوان صورة واضحة و مدونة لتلك الرغبة يف االنفصال عن ... و طه حسني

.النماذج التقليدية و رسم أخرى مسايرة للعصر الذي يعيشه اإلنسان احلديث

ر احلديث، اهتمت بالشعر و النقد، فرأت ضرورة تعد مجاعة الديوان أوىل اجلماعات اليت ظهرت يف العص -

إعادة النظر يف قوانني حركة البعث و اإلحياء و هذا مبسايرة العصر تأثرا باملنظومة الفكرية اليت صارت حتكم العامل

ية، وقرروا بعد عصر النهضة، تأثر روادها باحلركة الفكرية يف أوروبا أجنلرتا بالضبط، فتشبعوا بالثقافتني العربية و الغرب

جمموعة من القواعد التجديدية يف االني الشعر و النقد، و أنشؤوا كتابا نقديا ال يزال إىل اليوم مرجعا مهما يف

جمال النقد العريب احلدبق، هو كتاب الديوان يف الشعر و النقد، ميكن إجياز جمموعة من املبادئ اليت نادوا ا يف

لنقد قالوا بضرورة الذوق و الطبع و االبتعاد عن التكلف و التصنع، اعتماد سبيل حتقيق التجديد، ففي جمال ا

التقييم و التوجيه بعد التفسري و التحليل، و كذا االهتمام باملضمون و يأيت الشكل يف املرتبة الثانية و كذلك

جرى احلديث حول جدة اعتماد آخر ما وصل إليه التفكري العلمي و الفلسفي يف العامل العريب، و يف جمال الشعر

املوضوعات و كذلك وحدة البنية و ظهور الشعر املوضوعي القصصي و كذا التجديد يف اإليقاع و املوسيقى وكذا

...الرتكيز على التلميح دون التصريح

يتعلق األمر يف مجاعة الديوان باحلديث عن ثاين التجمعات األدبية و النقدية اليت ظهرت يف العصر -

يث، و اليت كان لزاما عليها االنطالق من النتائج اليت وصلت إليها مدرسة الديوان و تزيد عليها، و هذه احلد

اجلماعة تنتمي للتيار الرومانسي املتشائم الذي صادف الظروف الصعبة اليت عاشها العاملني العريب و الغريب،

و حاضر العامل الغريب، تكون اإلنسانية فانفتحت اجلماعة على العامل الغريب بشكل أوسع احتوى فيه ماضي

وسيطا بينهم، فإىل جانب القضايا اليت اقرتحتها مدرسة الديوان، من صدق و طبع و جتربة صادقة، أضافوا القول

بعنوان للقصيدة يوجز الكالم حوهلا و حيتوي دالالا، و كذا التخلي متاما عن شرط القافية و األخذ بالشعر

.القول بشروط الشعر احلراملرسل و استشراف

ومع اجلماعة مت رسم صورة جديدة للغة العربية و كذا صياغاا، و كله أبعد اللغة العربية عندهم عن

معجمها القدمي و استحدث الرمز مبا هو آلية جديدة يف التعبري طالت املرأة و الطبيعة و احلب، و يتعلق األمر يف

...على احلرمان و الفقد و كذا األمل احلب هذه املرأة بصورته دليال

تدخل الرابطة القلمية ضمن أدب املهجر، و هو األدب الذي يكتب من طرف أشخاص مغرتبون عن بلدهم -

األصلي لسبب من األسباب، و كذلك حدث مع سباب لبنانيني و سوريني حني هاجروا إىل أمريكا و بالضبط

وفري نتيجة إقامتها يف بلد حيدث عنده اجلديد دائما، و كذلك يف ظروف نيويورك، عرفت هذه اجلماعة بإنتاجها ال

أحسن بكثري من اليت عاشوها يف بلدهم األصلي بسبب االستعمار، و قد هلم إجناز كتاب عرب عن آرائهم النقدية

ائيل نعيمة، اليت مجعت خالصة ملقاالم اليت كتبت يف االت، هذا الكتاب مسي بالغربال و نسب إىل كاتبه ميخ

و تتلخص اآلراء اجلديدة اليت قالوا ا يف طرقهم للجوانب الفلسفية يف كتابام، و هو ما يثبت تأثرهم باجلانب

الفلسفي، كما أم يعدون اللغة رموزا يف الدرجة الثانية إذا ما قورنت باملضمون الذي ينتظر من اإلبداع، اشرتكت

ه التقليدي، استحداثهم ملفهوم الغربلة اليت يتميز من خالهلا كل ناقد عن مع باقي اجلماعات يف معاداة االجتا

غريه، فتصبح مهمة النقد مهمة مميزة إذ جيب أن تتوفر يف الناقد جمموعة صفات، و احلكم بالفشل على النقد

.الذي ينطلق من مبادئ وجدت قبال

يرتبط النقد التارخيي بسبل الفلسفة العلمية التجريبية اليت ظهرت يف بداية العصر احلديث كصورة استثمرت -

سبل أرسطو يف االستقراء و االستدالل، و احلديث عن هذا النوع من النقد هو استحضار ملفهوم املنهج بوصفه

.باملنهج التارخييذا داللة مزدوجة تتعلق األوىل باملنهج الوصفي و الثاين

.. تنسب البدايات األوىل الستخدام املنهج التارخيي يف جمال النقد لكل من سانت بيف و تني و برونتيري -

و قد حاول كل واحد منهم إحداث اجلديد بإدخال العلم التجرييب يف جمال النقد رغبة منهم بتفسري األدب

القول فيها باختالف العصور، و كان العامل العريب كالعادة يف باالعتماد على الظروف اخلارجية اليت يتدرج

استقبال هذا اجلديد تأثرا ذه الشخصيات الرائدة، من بينهم نذكر طه حسني يف كتابه جتديد ذكرى أيب العالء

املعري و يف األدب اجلاهلي، صار األدب فيها رؤيا شاملة حتكي عن حياة و أخالق و طبائع و أمزجة شعوب

.كملها دون ميش أهم ما مييز العمل اإلبداعي و هو اجلانب الوجداينبأ

ميكن القول خبصوص املنهج االجتماعي أنه التصور الذي يرجع الفن إىل الواقع و يفسره انطالقا منه، وعن -

التها إىل هذه أصل هذا النقد، فيتعدد القول به بني القدمي و احلديث، فنظرية احملاكاة تتصدر النظريات يف إح

الطريقة يف النظر إىل األدب، و تعود أيضا إىل املاركسية و املادية اجلدلية، و أيضا إىل التصور العلمي التجرييب

اجلديد الذي يستثمر مبادئ علم االجتماع مبا هو علم قائم بذاته له مبادئه و قواعده و أسسه و مربراته، و يعزى

إىل نفس الرواد الذين استغلوا نتائج البحوث العلمية يف الدراسة النقدية الفضل يف ظهور املنهج االجتماعي

.التارخيية وصوال إىل البنيوية التكوينية عند لوسيان غولدمان

ويف العامل العريب تأثر النقاد كثريا مبا جاء به هؤالء يف جمال النقد و برز منهم كل من سالمة و موسى و حممد

...امل الغريب اشتهر كل من بليخانوف و لوكاتش و أرنست فيشر و يف الع.... مندور

فأقر فرويد بأستذة ... ارتبط النقد النفسي بزعماء التحليل النفسي يف العامل الغريب، فرويد و يونغ و أدلر -

عامل األرواح، الشعراء و املبدعني يف عامل علم النفس، إذ يرى أن هؤالء طرقوا مواطن يعجز عنها الطب الرتباطه ب

فربط النقد النفسي بني نتائج علم النفس احلديث و مواطن الشعور و الالشعور و اهلو و كذا الكبت و العصاب

مفسرة ا العمل اإلبداعي، فعدوا العمل األديب مبثابة األحالم دليل املواطن الالشعورية، ... و األمراض النفسية

شعورية و الشعورية غامضة تكون الكتابة فيها حلظات للتفريغ من أجل وعدوا املبدع مصاب حلظة إبداعه حباالت

.جتنب اإلصابة باألمراض النفسية

وغريهم ... و انتقل منهج النقد النفسي إىل العامل العريب و نبغ فيه عديد من النقاد، نذكر حممد سويف و العقا

بدع و ليس العامل اخلارجي أو الواقع كما من الشخصيات اليت رأت ضرورة ربط العمل اإلبداعي بنفسية امل

.تصورته املناهج النقدية السابقة، و كلها تدور يف فلك املناهج السياقية

يتطور القول بانتماء األدب إىل الواقع مع املناهج االجتماعية ليصل إىل مرحلة يكون فيها قد وصل أوجه، -

ت تربط بني األدب و الواقع ربطا بسيطا مباشرا و فوتوغرافيا، إىل و ذلك بتغيري النظرة البسيطة السطحية اليت كان

آخر أكثر تعقيدا و داللة على الواقع، ال كما هو و لكن كيف ميكن أن يكون، و هنا يصبح احلديث عن واقع

خمتلف يتشكل من الفجوة اليت يرتكها الفراغ الذي يتوسط بني الواقع كما هو و احللم الذي يراود اإلنسان يف

احتماله، و للحديث عن النقد الواقعي استحضار للفلسفة املاركسية يف اجلمال و طرق البحث عن اجلمالية

انطالقا من طرق املبطن و املغيب يف كالم املبدع، على إثرها يتحول عمل الناقد إىل عمل مقارب أو متجاوز

هو يف األصل خمتلف عن الواقع العادي و منه لعمل املبدع يف ذاته، قالت الواقعية اجلديدة بظروف خمتلفة لواقع

كانت الفجوة واسعة بني النقد االجتماعي و النقد الواقعي، احتوى العامل العريب النقد الواقعي كباقي التيارات

...النقدية احلديثة، و برز فيهال جمموعة من الرواد أمثال حممد مندور و حسني مروة و غريهم كثريون

د اجلديد عن النقد احلديث انطالقا من توجه كل واحد منهم، و إن كان ميكن إدراج النقد خيتلف النق -

اجلديد ضمن النقد احلديث حبكم الفرتة الزمنية، إال أن النقد اجلديد حنى منحى خمتلفا بالنقد يف تلك الفرتة إذ

و يركز على الشكل و اجلمالية اليت ابتعد عن السياقات اخلارجية احمليطة بالنص األديب و متركز حول النص األديب

و يتشابه االعتقاد عند النقد اجلديد والبحوث اليت وصلت إليها الشكالنية الروسية اليت ... جتعله إبداعا أدبيا

عزلت النص عن عوامله اخلارجية و مؤلفه لرتكز على الداخل، و يذكر ظهور النقد اجلديد يف أمريكا و قد جتلت

ات ريتشاردز و مدرسة اجلنوب، و هي أرهاصات انتهت إىل قيام هذه املدرسة كيانا مستقال مرجعياته يف أطروح

و قد انتقل االعتقاد مببادئ النقد اجلديد إىل العامل العريب و تأثر به النقاد العرب نذكر منهم رشاد ... قائما بذاته

إذ حاولوا االنطالق من ... عيادرشدي و إحسان عباس و عز الذين إمساعيل و جربا إبراهيم جربا و شكري

أفكارهم و استثمار البالغة العربية و حماولة إجياد مقابالت هلا يف البالغة اجلديدة الغربية اليت انفصلت بصورا

...عن الصورة القدمية

، محل العصر احلديث للنقد عديد األفكار اجلديدة اليت عدت انعطافا شديدا يف تاريخ البشرية مجعاء -

فكانت العلمية و الفلسفية هي مرشد البشرية إىل هذه املستجدات، و مجلة املناهج اليت ظهرت يف هذه الفرتة

استطاعت أن توجه تفكري اإلنسان منحى خمتلف، و هو ما أوجز احلديث عن جمموعة من القضايا اليت ميزت

صورة حتيل إىل شرورة ارتباط األدب بعصره النقد احلديث عن غريه، و مجلة هذه القضايا أمهها االلتزام مبا هو

ومؤلفه و خبصوص الشكل و املضمون أعاد العصر احلديث التأكيد على عدم القدرة يف الفصل بني الشكل

واملضمون و هو استدعاء لنظرية النظم من جهة و تأكيد على آراء كولريدج من جهة ثانية و حول اإلبداع الفين

ورة قيام العمل اإلبداعي على مفهوم اخللق و االبداع و انفصاله عن كل صنعة ، متركز النقد احلديث حول ضر

ويكون اخليال مستجد محله العصر احلديث و أواله اهتماما كبريا و جعل األدب حموره اخليال و حول اجلنس

دق الفين شعار األديب مت جتنيس األدب بني شرط الذاتية و املوضوعية و فصل اخلطابة عنهما، و أخريا يكون الص

....اإلبداع يف العصر احلديث مبا هو داللة على الطبع و البعد عن التكلف

تربعت قضايا النقد احلديث اجلديدة عرش النقد و الكتابة اإلبداعية معا و صارت اسرتاتيجية يف التفكري -

هذا العصر و يستبعده ، وجتلى ذلك ال ميكن إنكارها، إذا أراد الناقد و املبدع أن يعيش يف عصره دون أن يهمشه

من خالل استثمار هذه القضايا يف القصائد الشعرية، و كذا االنطالق منها يف دراسة األعمال الشعرية، فاستطاع

البحث أن يعطي بعض النماذج اإلبداعية عن التزام األدب بقضايا عصره، فكانت القصائد يف معظمها صور

ية صاحبها، و حول الشكل و املضمون أمجع النقاد حول عدم القدرة على الفصل لواقع أو تأريخ أو تفريغ لنفس

بني الشكل و املضمون يف األعمال األدبيةـ، ألا كل ال ميكن فصله، و حول اخليال اتسعت قصائد العصر

و تطبيق هذه احلديث مبواطن طرقها هلذه الطريقة يف اإلبداع، فحدثت من خالل هذه النماذج املقاربة بني التنظري

.القضايا على اإلبداع

:قائمة المصادر و المراجع

:الكتب -*

.2012 -القاهرة -أمحد زكي أبو شادي، قضايا الشعر املعاصر، مؤسسة هنداوي للتعليم و الثقافة- )1

نصوص –الفلسفة احلديثة : نقد العقل اخلالص، عن كتاب حممد سبيال و عبد السالم بن عبد العايل: إميانويل كانط- )2

. -خمتارة

.1983، مزيدة و منقحة، 3:ط -الرياض –التيارات املعاصرة يف النقد األديب، دار املريخ للنشر : بدوي طبانة- )3

أمينة رشيد، سيد البحراوي، : عايدة لطفي، مراجعة: ،ترمجة)حنو علم اجتماع للنص األديب( النقد االجتماعي:بيري زميا- )4

.1991، 1:ط - القاهرة -التوزيع دار الفكر للدراسات و النشر و

.1997، 1:، ط cardage 2000، قرطاج)املنهج أوال( يف علوم النقد األديب : توفيق الزيدي- )5

، ص 1993 -دمشق –قاسم املقداد، منشورات وزارة الثقافة : النقد األديب يف القرن العشرين،ترمجة:جان ايف تادييه- )6

18.

.1997حسن املودن، الس األعلى للثقافة: األدب، ترمجةالتحليل النفسي و : جان بيلمان- )7

، 3: نايف بلوز، املؤسسة اجلامعية للدراسات و النشر و التوزيع،ط: دراسات يف الواقعية، ترمجة:جروج لوكاتش - )8

1985.

، 1:ط - لبنان بريوت -النقد األديب يف آثار أعالمه، املؤسسة اجلامعية للدراسات و النشر و التوزيع:حسني احلاج حسن- )9

1996.

-عبد العزيز الدسوقي، اهليئة املصرية العامة للكتاب: الوسيلة األدبية إىل العلوم العربية، حققه و قدم له: حسني املرصفي- )10

.1982، 1:ج -القاهرة

.1988 -بريوت –دراسات نقدية يف ضوء املنهج الواقعي، مكتبة املعارف :حسني مروة- )11

- دار الكتاب املصري -عبد الرمحن شكري -أعالم األدب املعاصر يف مصر:زمحدي السكوت و مارسدن جون- )12

.1980، 1:ط -القاهرة

نصوص خمتارة، -حممد سبيال و عبد السالم بن عبد العايل، الفلسفة احلديثة: الشك املنهجي،من كتاب: ديكارت - )13

.2010، 2:، ط-املغرب -2000افريقيا شرق

.90، ص 1988 -االسكندرية -قد األديب بني النظرية و التطبيق، منشأة املعارففلسفة اإللتزام يف الن:رجاء عيد- )14

–، الس الوطين للثقافة و الفنون و اآلداب 110حممد عصفور، عامل املعرفة : مفاهيم نقدية، ترمجة: رينيه ويليك- )15

.46،ص 1987 -الكويت

دراسة شعرية –) ية الصورة الشعرية يف نقد العقاد منوذجاسيكولوج( املدخل إىل نظرية النقد النفسي: زين الدين خمتاري- )16

.1998منشورات احتاد كتاب العرب -نقدية

-دمشق -شوكت يوسف، منشورات اهليئة العامة السورية للكتاب: لواقعية النقدية يف األدب، ترمجة:س بيرتوف- )17

2012.

-دار املعارف) دراسة يف تطور مفهوم التذوق البالغي( وظيفة الناقد األديب بني القدمي و احلديث: سامي منري عامر - )18

.1984 - جامعة االسكندرية

.1990-هـ 1410، 6:ط -القاهرة -النقد األديب أصوله و مناهجه، دار الشروق: سيد قطب- )19

.1979 -صيدا بريوت –املدرس و األنواع األدبية، منشورات املكتبة العصرية : شفيق البقاعي و سامي هاشم- )20

19851: ، سنة1: األنواع األدبية مذاهب و مدارس، مؤسسة عز الدين للطباعة و النشر ، ط:لبقاعيشفيق ا- )21

، 1:،ط -بريوت لبنان –يف نظرية األدب، دار املنتخب العريب للدراسات و النشر و التوزيع :شكري عزيز املاضي- )22

1993.

.1993، 1:ط -القاهرة - أدب املهجر، دار املعارف: صابر عبد الدائم- )23

.1980، 2:ط -القاهرة -منهج الواقعية يف اإلبداع األديب، دار املعارف:صالح فضل- )24

.1987، 1:ط -القاهرة -األدب املقارن أصوله و تطوره و مناهجه، دار املعارف:الطاهر أمحد مكي- )25

.1926يف الشعر اجلاهلي، دار الندوة، : طه حسني- )26

.1963، 6:ط -القاهرة– جتديد ذكرى أيب العالء، دار املعارف:طه حسني- )27

.1921 -القاهرة–الديوان يف النقد و األدب، دار الشعب للطباعة :عباس حممود العقاد و ابراهيم عبد القادر املازين- )28

: ، سنة1: حلب، ط -جامعة القاهرة -النقد اإلحيائي و جتديد الشعر،دار الشايب للنشر: عبد احلكيم راضي- )29

1993.

- القاهرة -، دار الفكر العريب) عرض و تفسري و مقارنة( اجلمالية يف النقد العريب األسس: عز الدين إمساعيل- )30

.2، ص 1412-1992

.1979، 1:ط -بريوت -مقدمة يف النقد األديب، املؤسسة العربية للدراسات و النشر:علي جواد الطاهر- )31

، 1:ط -بريوت –طرابيشي، دار الطليعة جورج : ألف باء املادية اجلدلية، ترمجة: فاسيلي بودوستنيك أوفشي باخوت - )32

1979.

مكتبة النقد –مذاهب النقد و نظرياته يف أجنلرتا قدميا و حديثا، اجلزء األول، مكتبة األجنلو مصرية : فائق مىت إسحاق- )33

.-القاهرة -األديب

، 2: ط -بريوت باريس -جورج سامل، منشورات عويدات: فيين سامل، مراجعة: النقد األديب، ترمجة : كارويل و فيللو- )34

1984 ،

-الكويت–عبد الرمحن بدوي، وكالة مطبوعات : النقد التارخيي، ترمجة: الجنلواوسينوبوس و بول ماس و امانويل كانت- )35

.1981، 4:ط

.2011 -اجلزائر -مبادئ عامة يف املنطق، دار هومة للطباعة و النشر و التوزيع: لعموري عليش- )36

: ، سنة1: ط –سوسة -العريب احلديث مدارس النقد الغربية، دار حممد علي احلامي النقد:حممد الناصر العجيمي- )37

1998.

.-القاهرة–الواقعية يف األدب الفرنسي، دار املعارف :ليلى عنان )38

- بريوت لبنان -قضايا النقد األديب بني القدمي و احلديث، دار النهضة العربية للطباعة و النشر: حممد زكي العشماوي- )39

.30ص ، 1979

.18،ص 1991، 1:ط -أربد األردن –قضايا النقد احلديث، دار األمل للنشر و التوزيع : حممد صايل محدان- )40

.2د ت د س ص –غزة –دراسات يف النقد األديب احلديث، جامعة األزهر : حممد صالح زكي أبو محيدة- )41

.-مكتبة األزهر –ار الكتب دراسات يف األدب العريب احلديث و مدارسه ، د:حممد عبد املنعم خفاجي- )42

.146ص -الفجالة القاهرة –قضايا معاصرة يف األدب و النقد، دار ضة مصر للطبع و النشر :حممد غنيمي هالل- )43

، سنة 1ط، - بريوت لبنان –دار االنتشار العريب -املصطلح النشأة التجديد -البالغة و النقد: حممد كرمي الكواز- )44

، ضة مصر للطباع و النشر و )منهج البحث يف األدب و اللغة( نهجي عند العربالنقد امل: حممد مندور-2006

.1996التوزيع ،

.1997 - مصر -النقد و النقاد املعاصرون، ضة مصر للطباعة و النشر و التوزيع: حممد مندور- )45

.مزيدة و منقحة 4: ط -القاهرة -األسس النفسية لإلبداع الفين يف الشعر خاصة، دار املعارف:مصطفى سويف- )46

، املركز )إضاءة ألكثر من سبعني تيارا و مصطلحا نقديا معاصرا( دليل الناقد األديب:سعد البازعي:ميجان الرويلي- )47

.2002، 3:ط -الدار البيضاء املغرب –الثقايف العريب

.1991، 15:ط - بريوت لبنان –الغربال، دار نوفل : ميخائيل نعيمة- )48

-اهليئة املصرية العامة للكتاب -حبث يف إسهام رشدي راشد –العربية و حتديث تاريخ العلوم تاريخ العلوم :وائل غايل- )49

.2005 -القاهرة

عناد غزالن إمساعيل و : ترمجة و تقدمي و تعليق)مقاالت معاصرة يف النقد( مخسة مداخل للنقد األديب:ويلربس سكوت- )50

.1984جعفر صادق اخلليلي، دار الرشيد للنشر،

.1994-1414، 1: ط -القاهرة -نظرية النقد األديب احلديث، دار األمني للنشر و التوزيع: ر عوضيوسف نو - )51

:المعاجم - *

19861 -تونس -معجم املصطلحات األدبية، املؤسسة العربية للناشرين املتحدين، : إبراهيم فتحي- )52

2001.1، 1:ط -لبنان ناشرون -حنو معجم ملصطلحات النقد احلديث، مكتبة لسان العرب،: أمحد مطلوب )53

.1999، سنة 2ط، -بريوت لبنان -ااملعجم املفصل يف األدب، دار الكتب العلمية: حممد التوجني )54

.1983معجم الفلسفة، اهليئة العامة لشؤون املطابع األمريية ، :جممع اللغة العربية )55

:الرسائل- *

جامعة قاصدي -لعبد السالم املسدي،رسالة ماجستريمصطلح النقد يف كتاب األدب و النقد : إدريس بن فرحات )56

.2012-2011 -ختصص نقد عريب و مصطلحاته -ورقلة –مرباح

معهد اللغة و األدب - جامعة اجلزائر -أطروحة دكتوراه -الفكر الفرويدي و أثره يف النقد العريب:ابن حلي عبد اهللا- )57

.1989-1988العريب

الرؤية اجلديدة للنقد و الشعر عند عبد الرمحن شكري، رسالة ماجستري، جامعة أم :دخيل اهللا حامد أبو طويلة اخلديدي )58

.دون سنة -فرع األدب –القرى كلية اللغة العربية

.1973جامعة عني مشس سنة، -التجديد يف الشعر و النقد عند مجاعة الديوان، أطروحة دكتوراه: سعاد حممد جعفر )59

ورقلة –جامعة قاصدي مرباح -فصول من كتاب ما هو األدب منوذج -شديالنقد اجلديد عند رشاد ر :سهام مشري- )60

.2015-2014ماسرت يف النقد األديب و مصطلحاته، –

و أثره يف النقد الروائي العريب -دراسة مقارنة للنقد اجلديد يف فرنسا -النقد اجلديد و النقد الروائي العريب: عمر عيالن- )61

- 2005احلديث، يف األدب -أطروحة دكتوراه دولة –قسنطينة –ي من خالل بعض مناذجه، جامعة منتور

2006.

مفهوم اخليال و وظيفته يف النقد القدمي و البالغة، أطروحة دكتوراه يف النقد و البالغة، اململكة :فاطمة سعيد أمحد محدان )62

.6، ص 1989 -جامعة أم القرى -العربية السعودية

-2005جامعة اجلزائر،ختصص نقد أديب حديث، -طه حسني،أطروحة دكتوراه تطور النقد املنهجي عند:حممد شنويف- )63

2006.

–ورقلة -املصطلح النقدي عند مجاعة الديوان، رسالة ماجستري، جامعة قاصدي مرباح:حممد الصديق معوش- )64

2011-2012.

:مقاالت - *

حبث يف مادة النقد -،قسم اللغة العربيةاملنهج االجتماعي ورواده يف النقد األديب احلديث: أمحد عبد احلميد مهدي- )65

..-جامعة املدينة العاملية -شاه علم ماليزيا -األديب

.86، قراءة حتليلية ملرجعيات منهج النقد التارخيي، جملة نزوى العدد )كاتب من سلطنة عمان( حمسن الكندي )66

:فهرس الموضوعات

4................................................................................مقدمة- *

-1-مدخل إلى النقد العربي الحديث : المحاضرة األولى-1

10.................................................................................متهيد- *

12........................................................................يف مفهوم النقد- 1

13...........................................................................النقد األديب- 2

15..........................................................إرهاصات النقد العريب احلديث- 1

19....................................................................وص و تطبيقاتنص- *

-2مدخل إلى النقد العربي الحديث : المحاضرة الثانية- 2

20.................................................................................متهيد- *

22........................................................... ..............التيار العلمي- 1

24...................................................................... التيار الفلسفي - 2

26................................................................... املنظومة املصطلحية- 3

28....................................................................وص و تطبيقاتنص- *

النقد اإلحيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــائي: المحاضرة الثالثة- 3

29.................................................................................متهيد- *

31...................................................................يف مفهوم املصطلح- 1

33.....................................................مبادئ النقد اإلحيائي و خصائصه- 2

35.......... ..............................................النقد اإلحيائي يف العامل العريب- 3

37 ...................................................................نصوص و تطبيقات- *

إرهاصات التجديد في النقد العربي الحديث: المحاضرة الرابعة-4

39............................................................................... متهيد- *

41.........................................................إرهاصات التجديد عند العرب- 1

43..........................................................رواد التجديد يف العامل العريب- 2

47..................................................................نصوص و تطبيقات- *

جماعة الديوان: المحاضرة الخامسة -5

48...............................................................................متهيد- *

50........................................................ مجاعة الديوان و تاريخ نشأا- 1

52....................................................وانمواطن التجديد عند مجاعة الدي- 2

52...................................................................... مفهوم الشعر - *

54......................................................................مفهوم الشاعر - *

57..................................................................تطبيقاتنصوص و - *

جماعة أبولو: المحاضرة السادسة-6

59..............................................................................متهيد- *

61.........................................................مجاعة أبولو و تاريخ نشأا- 1

63................................................................. خصائصها الفنية- 2

66................................................................نصوص و تطبيقات- *

جماعة الرابطة القلمية: المحاضرة السابعة-7

68............................................................................متهيد- *

70............................................................يف مفهوم أدب املهجر- 1

72........................................................تعريف اجلماعة أهم روادها- 2

73.................................................يد عند الرابطة القلميةمواطن التجد- 3

76...............................................................نصوص و تطبيقات- *

النقد التاريخي: المحاضرة الثامنة-8

78............................................................................متهيد- *

80................................................................. يف مفهوم املنهج- 1

82..............................................................تاريخ النقد التارخيي- 2

84.........................................................العربالنقد التارخيي عند - 3

87..............................................................نصوص و تطبيقات- *

النقد االجتمـــــــــــــــــــــــــاعي: المحاضرة التاسعة-9

88..........................................................................متهيد- *

90............................................................ يف مفهوم املصطلح- 1

92..............................................تاريخ النقد االجتماعي و إرهاصاته- 2

94....................................................عالقة األدب بعلم االجتماع- 3

96............................................................نصوص و تطبيقات- *

النقد النفسي: المحاضرة العاشرة-10

97.........................................................................متهيد- *

99........................................................يف مفهوم النقد النفسي- 1

101..............................................مصادر النقد النفسي و مرجعياته- 2

104.....................................................النقد النفسي عند العرب- 3

106........................... .............................نصوص و تطبيقات- *

النقد الواقعي: المحاضرة الحادية عشر-11

107......................................................................متهيد- *

109......................................................يف مفهوم النقد الواقعي- 1

111.....................................................الواقعيمرجعيات النقد - 2

112....................................................النقد الواقعي عند العرب- 3

113........................................................ نصوص و تطبيقات- *

ديدالنقد الج: المحاضرة الثانية عشر-12

115......................................................................متهيد- *

117..............................................يف حدود مصطلح النقد اجلديد- 1

119........................................................التاريخ و املرجعيات- 2

120................................................... ديد عند العربالنقد اجل - 3

123.........................................................نصوص و تطبيقات- *

-1-القضايا النقدية : المحاضرة الثالثة عشر-13

124......................................................................متهيد- *

126....................................................................االلتزام- 1

127...................................................قضية الشكل و املضمون- 2

129..............................................................اإلبداع الفين- 3

129....................................................................اخليال- 4

131............................................................ اجلنس األديب- 5

132.............................................................الصدق الفين- 6

133........................................................نصوص و تطبيقات- *

-2-القضايا النقدية : المحاضرة الرابعة عشر-14

135..................................................................... متهيد- *

137...................................ايا النقد احلديث بني النظرية و التطبيققض- 1

143........................................................نصوص و تطبيقات- *

145.....................................................................خامتة- *

151..........................................................املصادر و املراجع- *

155........................................................فهرس املوضوعات - *