برنامج المكتبة الشاملة -...

Post on 29-Feb-2020

6 Views

Category:

Documents

0 Downloads

Preview:

Click to see full reader

TRANSCRIPT

http://www.shamela.ws تم إعداد هذا الملف آليا بواسطة المكتبة الشاملة

الكتاب : أسرار البالغة المؤلف : أبو بكر عبد القاهر بن عبد

الرحمن بن محمد الجرجاني

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلواته على سيدنا محمد

النبي وآله أجمعين أعلم أن الكالم هو الذي يعطي العلوم منازلها ويبين

مراتبها ويكشف عن صورها ويجني صنوف ثمرها ويدل على سرائرها ويبرز مكنون ضمائرها وبه أبان الله تعالى اإلنسان من سائر الحيوان ونبه فيه على عظم االمتنان فقال عز من قائل ) ^ الرحمن علم القرآن خلق اإلنسان علمه البيان ( فلواله لم تكن لتتعدى فوائد العلم عالمه وال صح من العاقل أن

يفتق عن أزاهير العقل كمائمه ولتعطلت قوى الخواطر واألفكار من معانيها واستوت القضية في

موجودها وفانيها نعم ولوقع الحي الحساس في مرتبة الجماد ولكان اإلدراك كالذي ينافيه من األضداد

ولبقيت القلوب مقفلة على ودائعها والمعاني مسجونة في مواضعها ولصارت القرائح عن تصرفها

معقولة واألذهان عن سلطانها معزولة ولما عرف كفر من إيمان وإساءة من إحسان ولما ظهر فرق

بين مدح وتزيين وذم وتهجين ثم إن الوصف الخاصبه والمعنى

____________________

(1/1)

النت لنسبه أنه يريك المعلومات بأوصافها التي وجدها العلم عليها ويقرر كيفياتها التي تناولها

المعرفة إذا سمت إليها وإذا كان هذا الوصف مقوم ذاته وأخص صفاته كان

أشرف أنواعه ما كان فيه أجلى وأظهر وبه أولى وأجدر ومن ههنا يبين للمحصل ويتقرر في نفس

المتأمل كيف ينبغي أن يحكم في تفاضل األقوال إذا أراد أن يقسم بينها حظوظها من االستحسان ويعدل

القسمة بصائب القسطاس والميزان ومن البين الجلي أن التباين في هذه الفضيلة والتباعد عنها إلى

ما ينافيها من الرذيلة ليس بمجرد اللفظ كيف واأللفاظ ال تفيد حتى تؤلف ضربا خاصا من التأليف ويعمد بها إلى وجه دون وجه من التركيب والترتيب

فلو أنك عمدت إلى بيت شعر أو فصل نثر فعددت كلماته عدا كيف جاء واتفق وأبطلت نضده ونظامه الذي عليه بنى وفيه أفرغ المعنى وأجرى وغيرت

ترتيبه الذي بخصوصيته أفاد كما أفاد وبنسقهالمخصوص أبان المراد نحو أن تقول في

) قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل ** ( ) منزل قفا ذكرى من نبك حبيب ** ( أخرجته من

كمال البيان إلى محال الهذيان نعم وأسقطت نسبته من صاحبه وقطعت الرحم بينه وبين منشئه بل أحلت

أن يكون له إضافة إلى قائل ونسب يختص بمتكلم وفي ثبوت هذا األصل ما تعلم به أن المعنى الذي له

كانت هذه الكلم بيت شعر أو فصل خطاب هو ترتيبها على طريقة معلومة وحصولها على صورة من

التأليف مخصوصة وهذا الحكم أعنى االختصاص____________________

(1/2)

في الترتيب يقع في األلفاظ مرتبا على المعاني المرتبة في النفس المنتظمة فيها على قضية العقل

ولن يتصور في األلفاظ وجوب تقديم وتأخير وتخصيص في ترتيب وتنزيل وعلى ذلك وضعت

المراتب والمنازل في الجمل المركبة وأقسام الكالم المدونة فقيل من حق هذا أن يسبق ذلك ومن حكم ما ها هنا أن يقع هنالك كما قيل في المبتدأ والخبر والمفعول والفاعل حتى حظر في جنس من الكلم بعينه أن يقع إال سابقا وفي آخر أن يوجد إال مبنيا على غيره وبه الحقا كقولنا إن االستفهام له صدر الكالم وإن الصفة ال تتقدم على الموصوف إال أن

تزال عن الوصفية إلى غيرها من األحكام فإذا رأيت البصير بجواهر الكالم يستحسن شعرا أو يستجيد نثرا

ثم يجعل الثناء عليه من حيث اللفظ فيقول حلو رشيق وحسن أنيق وعذب سائغ وخلوب رائع فاعلم

أنه ليس ينبئك عن أحوال ترجع إلى أجراس الحروف وإلى ظاهر الوضع اللغوي بل إلى أمر يقع من المرء

في فؤاده وفضل يقتدحه العقل من زناده وأما رجوع االستحسان إلى اللفظ من غير شرك من

المعنى فيه وكونه من أسبابه ودواعيه فال يكاد يعد نمطا واحدا وهو أن تكون اللفظة مما يتعارفه الناس

في استعمالهم ويتداولونه في زمانهم وال يكون وحشيا غريبا أو عاميا سخيفا سخفه بإزالته عن

موضوع اللغة وإخراجه عما فرضته من الحكم والصفة كقول العامة أشغلت وانفسد وإنما شرطت هذا

الشرط فإنه ربما استسخف اللفظ بأمر يرجع إلىالمعنى دون مجرد اللفظ كما يحكى من قول

____________________

(1/3)

عبيد الله بن زياد لما دهش افتحوا لي سيفي وذلك أن الفتح خالف االغالق فحقه أن يتناول شيئا هو في

حكم المغلق والمسدود وليس السيف بمسدود وأقصى أحواله أن يكون كونه في الغمد بمنزلة كون

الثوب في العكم والدرهم في الكيس والمتاع في الصندوق والفتح في هذا الجنس يتعدى أبدا إلى

الوعاء المسدود على الشيء الحاوي له ال إلى ما فيه فال يقال افتح الثوب وإنما يقال افتح العكم وأخراج

الثوب وافتح الكيس وههنا أقسام قد يتوهم في بدء الفكرة وقبل إتمام

العبرة أن الحسن والقبح فيهاال يتعدى اللفظ والجرس إلى ما يناجى فيه العقل والنفس ولها إذا

حقق النظر مرجع إلى ذلك ومنصرف فيما هنا لك القول في التجنيسمنها التجنيس والحشو

أما النجنيس فإنك ال تستحسن تجانس اللفظتين إال إذا كان موقع معنيهما من العقل موقعا حميدا ولم

يكن مرمى الجامع بينهما مرمى بعيدا أتراك

استضعفت تجنيس أبى تمام في قوله ) ذهبت بمذهبه السماحه فالتوت ** فيه الظنون

أمذهب أم مذهب ( واستحسنت تجنيس القائل

) حتى نجا من خوفه وما بحا ** ( وقول المحدث

) ناظراه فيما جنى ناظراه ** أو دعائى أمت بماأودعانى (

____________________

(1/4)

ألمر يرجع إلى اللفظ أم ألنك رأيت الفائده ضعفت عن األول وقويت في الثاني ورأيتك لم يزدك بمذهب

ومذهب على أن أسمعك حروفا مكررة تروم لها فائدة فال تجدها إال مجهولة مفكره ورأيت األخر قد

أعاد عليك اللفظة كأنه يخدعك عن الفائده وقد أعطاها ويوهمك كأنه لم يزدك وقد أحسن الزياده

ووفاها فبهذه السريرة صار التجنيس وخصوصا المستوفي منه المتفق في الصورة من حلى الشعر

ومذكوا في أقسام البديع فقد تبين لك أن ما يعطى التجنيس من الفضيله أمر لم يتم إال بنصرة المعنى إذ لو كان باللفظ وحده لما كان فيه مستحسن ولما وجد فيه إال معيب مستهجن ولذلك ذم االستكثار منه والولوع به وذلك أن المعاني

ال تدين في كل موضع لما يجذبها التجنيس إليه إذ األلفاظ خدم المعانى والمصرفه في حكمها وكانت

المعانى هى المالكه سياستها المستحقه طاعتها فمن نصر اللفظ على المعنى كان كمن أزال الشىء

عن جهته وأحاله عن طبيعته وذلك مظنه من االستكراه وفيه فتح أبواب العيب والتعرض للشين

ولهذه الحالة كان كالم المتقدمين الذين تركوا فضل العناية بالسجع ولزموا سجية الطبع أمكن في

العقول وأبعد من القلق وأوضح للمراد وأفضل عند ذوى التحصيل وأسلم من التفاوت وأكشف عن

األغراض وأنصر للجهه التى تنحو نحو العقل وأبعد من التعمد الذي هو ضرب من الخداع بالتزويق

والرضى بأن تقع النقيصه في نفس الصورة وذاتالخلقة

____________________

(1/5)

إذا أكثر فيها عن الوشم والنقش وأثقل صاحبها بالحلى والوشى قياس الحلى على السيف الددان

والتوسع في الدعوى بغير برهان كما قال ) إذا لم تشاهد غير حسن شياتها ** وأعضائها

فالحسن عنك مغيب ( وقد تجد في كالم المتأخرين اآلن كالما حمل صاحبه

فرط شغفه بأمور ترجع إلى ماله اسم في البديع إلى أن ينسى أنه يتكلم ليفهم ويقول ليبين ويخيل إليه أنه إذا جمع بين أقسام البديع في بيت فال ضير أن يقع ما عناه في عمياء وأن يوقع السامع من طلبه

في خبط عشواء وربما طمس بكثرة ما يتكلفه على المعنى وأفسده كمن ثقل العروس بأصناف الحلى

حتى ينالها من ذلك مكروه في نفسها فإن أردت أن تعرف مثاال فيما ذكرت لك من أن العارفين بجواهر

الكالم ال يعرجون على هذا الفن إال بعد الثقه بسالمة المعنى وصحته وإال حيث يأمنون جنايه منه عليه

وانتقاصا له وتعويقا دونه فانظر إلى خطب الجاحظ في أوائل كتبه هذا والخطب من شأنها أن يعتمد فيها األوزان واألسجاع فإنها تروى وتتناقل تناقل األشعار

ومحلها محل النسيب والتشبيب من الشعر الذي هوكأنه ال يراد منه

____________________

(1/6)

إال االحتفال في الصنعه والدالله على مقدار شوط القريحه واألخبار عن فضل القوة واالقتدار على

التفنن في الصفة قال في أول كتاب الحيوان جنبك الله الشبهة وعصمك من الحيرة وجعل بينك

وبين المعرفة سببا وبين الصدق نسبا وحبب إليك التثبت وزين في عينك اإلنصاف وأذاقك حالوة

التقوى وأشعر قلبك عز الحق وأودع صدرك برد اليقين وطرد عنك ذل اليأس وعرفك ما في الباطل

من الزلة وما في الجهل من القلة فقد ترك أوال أن يوفق بين الشبهة والحيرة في

اإلعراب ولم ير أن يقرن الخالف إلى اإلنصاف ويشفع الحق بالصدق ولم يعن بأن يطلب لليأس قرينة تصل جناحه وشيئا يكون رديفا له ألنه رأى التوفيق بين المعانى أحق والموازنه فيها أحسن

ورأى العناية بها حتى تكون أخوه من أب وأم ويذرها على ذلك تتفق بالوداد على حسب اتفاقها بالميالد

أولى من ان يدعها لنصرة السجع وطلب الوزن أوالد علة عسى أن ال يوجد بينها وفاق إال في الظواهر

فأما أن يتعدى ذلك إلى الضمائر ويخلص إلى العقائد والسرائر ففي األقل النادر وعلى الجملة فإنك ال

تجد تجنيسا مقبوال وال سجعا حسنا حتى يكون المعنى هو الذى طلبه واستدعاه وساق نحوه وحتى

تجده ال تبتغى به بدال وال تجد عنه حوال ومن ههنا كان أحلى تجنيس تسمعه وأعاله وأحقه بالحسن واواله ما

وقع من غير قصد من المتكلم إلى اجتالبه وتأهب لطلبه أو ما هو لحسن مالءمته وإن كان مطلوبا بهذه

المنزلة وفي هذه الصورة وذلك كما يمثلون به أبدامن قول

____________________

(1/7)

الشافعي رحمة الله تعالى وقد سئل عن النبيذ فقال أجمع أهل الحرمين على تحريمه ومما نجده كذلك

قول البحتري ) يعشى عن المجد الغبي ولن ترى ** في سؤدد أربا

لغير اريب ( وقوله

) فقد أصبحت أغلب تغليبا ** على أيدي العشيرةوالقلوب (

ومما هو شبية به قوله ) وهوى هوى بدموعه فتبادرت ** نسفا يطأن تجلدا

مغلوبا ( وقوله

) ما زلت تقرع باب بابل بالقنا ** وتزوره في غارةشعواء (

وقوله ) ذهب االعالى حيث تذهب مقلة ** فيه بناظرها

حديد االسفل ( ومثال ما جاء من السجع هذا المجىء وجرى هذا

المجرى في لين مقادته وحل____________________

(1/8)

هذا المحل من القبول قول القائل اللهم هب لي حمدا وهب لي مجدا فال مجد إال بفعال وال فعال إال

بمال وقول ابن العميد فإن االبقاء على خدم السلطان عدل االبقاء على ماله واالشفاق على

حاشيته وحشمه عدل االشفاق على ديناره ودرهمه ولست تجد هذا الضرب يكثر في شىء ويستمر كثرته واستمراره في كالم القدماء كقول خالد ما االنسان

لوال اللسان إال صورة ممثله وبهيمه مهملة وقول الفضل بن عيسى الرقاشى سل االرض فقل من شق أنهارك وغرس أشجارك وجنى ثمارك فإن

لم تجبك حوارا أجابتك اعتبارا وإن انت تتبعته من االثر وكالم النبي تثق كل الثقه بوجودك له على

الصفة التي قدمت وذلك كقول النبي الظلم ظلمات يوم القيامه وقوله ال تزال أمتي بخير ما لم تر الغنى

مغنما والصدقة مغرما وقوله يا ايها الناس افشوا السالم واطعموا الطعام وصلوا االرحام وصلوا بالليل

والناس نيام تدخلوا الجنة بسالم فأنت ال تجد في جميع ما ذكرت لفظا اجتلب من أجل السجع وترك له

ما هو أحق بالمعنى منه وأبر به وأهدى إلى مذهبه ولذلك أنكر األعرابي حين شكا إلى عامل الما بقوله

حالت ركابي وشققت ثيابي وضربت صحابي فقال له العامل ويسجع أيضا إنكار العامل السجع حتى قال

فكيف أقول وذاك انه لم يعلم أصلح لما أراد____________________

(1/9)

من هذه األلفاظ ولم يره بالسجع مخال بمعنى أو محدثا في الكالم استكراها أو خارجا إلى تكلف

واستعمال لما ليس بمعتاد في غرضه وقال الجاحظ النه لو قال حالت إبلى أو جمالي أو نوقى أو بعراني أو صرمتي لكان لم يعبر عن خفي معناه وإنما حلئت

ركابه فكيف يدع الركاب إلى غير الركاب وكذلك قولهوشققت ثيابي وضربت صحابي

فقد نبين من هذة الجملة أن المعنى المقتضى اختصاص هذا النحو بالقبول هو ان المتكلم لم يقد

المعنى نحو التجنيس والسجع بل قادة المعنى إليهما وعبر به الفرق عليهما حتى إنه لو رام تركهما إلى

خالفهما مما ال تجنيس فيه وال سجع لدخل من عقوق المعنى وإدخال الوحشة عليه في شبيه بما ينسبإليه المتكلف للتجنيس المستكره والسجع النافر

ولن تجد ايمن طائرا وأحسن أوال وأخرا وأهدى إلى االحسان وأجلب لإلستحسان من أن ترسل المعاني

على سجيتها وتدعها تطلب النفسها االلفاظ فانها إذا تركت وما تريد لم تكنس إال ما يليق بها ولم

تلبس من المعارض إال ما يزينها فأما أن تضع في نفسك أنه ال بد من أن تجنس او تسجع بلفظين مخصوصين فهو الذي انت منه بعرض االستكراه

وعلى خطر من الخطأ والوقوع في الذم فإن ساعدك الجد كما ساعد في قوله أودعاني امت بما اودعاني

وكما ساعد أبا تمام في نحو قوله ) وأنجدتم من بعد إتهام داركم ** فيا دمع أنجدني

على ساكني نجد (____________________

(1/10)

وقوله ) هن الحمام فإن كسرت عيافة ** من حائهن فإنهن

حمام ( فذاك وإال أطلقت ألسنة العيب وافضى بك طلب

االحسان من حيث لم يحسن الطلب إلى أفحش االساءه وأكبر الذنب ووقعت فيما ترى من ينصرك ال

يرى أحسن من أن ال يرويه لك ويود لو قدر على نفيه عنك وذلك كما تجده ألبي تمام إذ أسلم نفسه للتكلف

ويرى انه إن مر على اسم موضع يحتاج إلى ذكره أو يتصل بقصة يذكرها في شعره من دون ان يشتق منه تجنيسا أو يعمل فيه بديعا فقد باء بإثم وأخل بفرض

حتم من نحو قوله ) سيف األنام الذي سمته هيبته ** لما تخرم أهل

االرض مخترما ( ) إن الخليفة لما صال كنت له ** حليفة الموت فيمن

جار أو ظلما ( ) قرت بقران عين الدين واشتترت ** باألشترين

عيون الشرك فاصطلما ( وكقول بعض المتأخرين

) البس جالبيب القناعة ** إنها أوقى رداء ( ) ينجيك من داء الحريص ** معا ومن أوقار داء (

____________________

(1/11)

وكقول أبي الفتح البستي ) جفوا فما في طينهم للذي ** يعصره من بلة بالله (

وقوله ) أخ لي لفظه در ** وكل فعاله بر (

) تلقاني فحياني ** بوجه بشره بشر ( لم يساعدهما حسن التوفيق كما ساعد في نحو قوله

) وكل غنى يتيه به غنى ** فمرتجع بموت أو زوال ( ) وهب جدى طوى لى األرض طرا ** أليس الموت

يزوى ما زوى لى ( ونحوه

) منزلتى تحفظ من ذلتي ** وباحتي تكرم ديباجتي ( وأعلم أن النكته التى ذكرتها في التجنيس وجعلتها العلة في استيجابه الفضيله وهي حسن اإلفادة مع

ان الصورة صورة التكرير واإلعادة وإن كانت ال تظهر

الظهور التام الذي ال يمكن دفعه إال في المستوفيالمتفق الصورة منه كقوله

) ما مات من كرم الزمان فإنه ** يحيا لدى يحيى بنعبد الله (

أو المرفو الجاري هذا المجرى كقوله ) اودعاني أمت بما أودعاني ** ( فقد يتصور في غير

ذلك من أقسامه أيضا فمما يظهر ذاك فيه ما كاننحو قول ابي تمام

____________________

(1/12)

) يمدون من ايد عواص عواصم ** تصول بأسيافقواض قواضب (

وقول البحتري ) لئن صدفت عنا فربت أنفس ** صواد إلى تلك

الوجوه الصوادف ( وذلك انك تتوهم قبل ان يرد عليك آخر الكلمة كالميم

من عواصم والباء من قواضب أنها هي التي مضت وقد أرادت أن تجيئك ثانية وتعود إليك مؤكدة حتى إذا

تمكن في نفسك تمامها ووعى سمعك آخرها انصرفت عن ظنك األول وزلت عن الذي سبق من

التخيل وفي ذلك ما ذكرت لك من طلوع الفائدة بعد أن يخالطك اليأس منها وحصول الربح بعد أن تغالط

فيه حتى ترى أنه رأس المال فاما ما يقع التجالس فيه على العكس من هذا وذلك

أن تختلف الكلمات من أولها كقول البحترى ) بسيوف إيماضها أوجال ** لألعادي ووقعها آجال (

وكذا قول المتأحر ) وكم سبقت منه إلى عوارف ** ثنائى من تلك

العوارف وارف ( ) وكم غ رر من بره ولطائف ** لشكرى على تلك

اللطائف طائف ( وذلك أن زيادة عوارف على وارف بحرف اختالف من

مبدأ الكلمة في الجملة فانه ال يبعد كل البعد عن اعتراض طرف من هذا التخيل فيه وإن كان ال يقوى

تلك القوة كانك ترى ان اللفظة اعيدت عليك مبدال____________________

(1/13)

من بعض حروفها غيره او محذوفها منها ويبقى في تتبع هذا الموضع كالم حقه غير هذا الفصل وذلك

فصل في قسمة التجنيس وتنويعهحيث يوضع فالذي يجب عليه االعتماد في هذا الفن أن التوهم

على ضر بين ضرب يستحكم حتى يبلغ ان يصير اعتقادا وضرب ال يبلغ ذلك المبلغ ولكنه شىء يجري في الخاطر وانت تعرف ذلك وتتصور وزنه إذا نظرت

إلى الفرق بين الشيئين يشتبهان الشبه التام والشيئين يشبه احدهما باآلخر على ضرب من

التقريب فاعرفه وأما الحشو فإنما كره وذم وأنكر ورد ألنه خال من

الفائدة ولم يحل منه بعائدة ولو أفاد لم يكن حشوا ولم يدع لغوا وقد تراه مع إطالق هذا اإلسم عليه

واقعا من القبول أحسن موقع ومدركا من الرضى أجزل حظ ذاك إلفادته إياك على مجيئه مجىء ما ال

يعول في اإلفادة عليه وال طائل للسامع لديه فيكون مثله مثل الحسنة تأتيك من حيث لم ترقبها والنافعة أتتك ولم تحتسبها وربما رزق الطفيلي ظرفا يحظى به حتى يحل محل األضياف الذين وقع االحتشاد لهم

واألحباب الذين وثق باألنس منهم وبهم واما التطبيق واالستعارة وسائر أقسام البديع فال

شبهة أن الحسن____________________

(1/14)

والقبح ال يعترض الكالم بهما إال من جهة المعاني خاصة من غير أن يكون لاللفاظ في ذلك نصيب أو

يكون لها في التحسين أو خالف التحسين تصعيدوتصويب

أما االستعارة فهي ضرب من التشبيه ونمط من التمثيل والتشبيه قياس والقياس يجري فيما تعيه

القلوب وتدركه العقول وتستفتى فيه األفهامواألذهان ال األسماع واآلذان

وأما التطبيق فأمره أبين وكونه معنويا أجلى وأظهر فهو مقابلة الشىء بضده والتضاد بين األلفاظ

المركبة محال وليس ألحكام المقابلة ثم مجال فخذ إليك اآلن بيت الفرزدق الذي يضرب به المثل في

تعسف اللفظ ) وما مثله في الناس إال مملكا ** أبو أمه حي أبوه

يقاربه ( فانظر أتتصور أن يكون ذلك للفظه من حيث أنك

أنكرت شيئا من حروفه أو صادفت وحشيا غريبا أو سوقيا ضعيفا ام ليس إال ألنه لم يرتب األلفاظ في

الذكر على موجب ترتيب المعاني في الفكر فكد وكدر ومنع السامع أن يفهم الغرض إال بأن يقدم

ويؤخر ثم أسرف في إبطال النظام وإبعاد المرام وصار كمن رمى بأجزاء تتألف منها صورة ولكن بعد ان يراجع فيها بابا من الهندسة لفرط ما عادى بين

اشكالها وشدة ما خالف بين أوضاعها وإذا وجدت ذلك امرا بينا اليعارضك فيه شك وال يملكك معه امتراء فانظر إلى األشعار التى اثنوا

عليها من جهة االلفاظ ووصفوها بالسالسة ونسبوهاإلى الدماثة وقالوا كأنها الماء جريانا والهواء لطفا

____________________

(1/15)

والرياض حسنا وكأنها النسيم وكأنها الرحيق مزاجها التسنيم وكأنها الديباج الخسرواني في مرامي األبصار ووشى اليمن منشورا على أذرع التجار

كقوله ) ولما قضينا من منى كل حاجة ** ومسح باألركان

من هو ماسح ( ) وشدت على دهم المهارى رحالنا ** ولم ينظر

الغادي الذي هو رائح ( ) أخذنا بأطراف األحاديث بيننا ** وسالت بأعناق

المطى األباطح ( ثم راجع فكرتك واشحذ بصيرتك وأحسن التأمل ودع

عنك التجوز في الرأي ثم أنظر هل تجد الستحسانهم وحمدهم وثنائهم ومدحهم منصرفا إال إلى استعارة

وقعت موقعها وأصابت غرضها أو حسن ترتيب تكامل معه البيان حتى وصل المعنى إلى القلب مع وصول

اللفظ إلى السمع واستقر في الفهم مع وقوع العبارة في األذن وإال إلى سالمة الكالم من الحشو غير المفيد والفضل الذي هو كالزيادة في التحديد وشىء داخل المعاني المقصودة مداخلة الطفيلي الذي يستثقل مكانه واألجنبي الذي يكره حضوره

وسالمته من التقصير الذي يفتقر معه السامع إلى تطلب زيادة بقيت في نفس المتكلم فلم يدل عليها بلفظها الخاص بها واعتمد دليل حال غير مفصح أو

نيابة مذكور ليس لتلك النيابة بمستصلح وذلك أن أولما يتلقاك من محاسن هذا الشعر أنه قال

) ولما قضينا من منى كل حاجة ** ( فعبر عن قضاء المناسك بأجمعها والخروج من فروضها وسننها من

طريق أمكنة أن يقصر معه اللفظ وهو طريقةالعموم ثم نبه بقوله

) ومسح باألركان من ** (____________________

(1/16)

هو ماسح ** ( على طواف الوداع الذي هو آخر األمرودليل المسير الذي هو مقصوده من الشعر ثم قال

) أخذنا بأطراف األحاديث بيننا ** ( فوصل بذكر مسح األركان ما وليه من زم الركاب وركوب الركبان ثم دل

بلفظه األطراف على الصفة التي يختص بها الرفاق في السفر من التصرف في فنون القول وشجون

الحديث أو ما هو عادة المتطرفين من اإلشارة والتلويح والرمز واإليماء وأنبأ بذلك عن طيب

النفوس وقوة النشاط وفضل االغتباط كما توجبه ألفة األصحاب وأنسة األحباب وكما يليق بحال من

وفق لقضاء العبادة الشريفة ورجا حسن اإلياب وتنسم روائح األحبة واألوطان واستماع التهاني

والتحايا من الخالن واإلخوان ثم زان ذلك كله بإستعارة لطيفة طبق فيها مفصل التشبيه وأفاد

كثيرا من الفوائد بلطف الوحى والتنبيه فصرح أوال

بما أومأ إليه في األخذ بأطراف األحاديث من انهم تنازعوا أحاديثهم على ظهور الرواحل وفي حال

التوجه إلى المنازل وأخبر بعد بسرعة السير ووطاءة الظهرإذ جعل سالسة سيرها بهم كالماء تسيل به

األباطح وكان في ذلك ما يؤكد ما قبله ألن الظهور إذا كانت وطيئة وكان سيرها السير السهل السريع

زاد ذلك في نشاط الركبان ومع ازدياد النشاط يزداد الحديث طيبا ثم قال بأعناق المطى ولم يقل

بالمطي ألن السرعة والبطء يظهران غالبا في أعناقها ويبين أمرهما من هواديها وصدورها وسائر أجزائها تستند إليها في الحركة وتتبعها في الثقل

والخفة ويعبر عن المرح والنشاط إذا كانا في أنفسها بأفاعيل لها خاصة في العنق والرأس ويدل عليهما بشمائل مخصوصة في المقاديم فقل اآلن هل بقيت عليك حسنة تحيل فيها على لفظة من

ألفاظها حتى إن فضل الحسنة يبقي لتلك اللفظةولو ذكرت على اإلنفراد

____________________

(1/17)

وأزيلت عن موقعها من نظم الشاعر ونسجه وتأليفه وترصيفه وحتى تكون في ذلك كالجوهرة التي هي وإن ازدادت حسنا بمصاحبة أخواتها واكتست رونقا بمضامة أترابها فإنها إذا جليت للعين فردة وتركت

في الخيط فذة لم تعدم الفضيلة الذاتية والبهجة التي في ذاتها مطوية والشذرة من الذهب تراها

بصحبة الجواهر لها في القالدة واكتنافها لها في عنق الغادة وصلتها بريق حمرتها والتهاب جوهرها بانوار تلك الدور التي تجاورها وألالء الآللىء التي

تناظرها تزداد جماال في العين ولطف موقع من حقيقة الزين ثم هي إن حرمت صحبة تلك العقائل وفرق الدهر الخثون بينها وبين هاتيك النفائس لم

تعر من بهجتها األصلية ولم تذهب عنها فضيلة الذهبية ليس هذا بقياس الشعر الموصوف بحسن

اللفظ وإن كان ال يبعد أن يتخيله من ال ينعم النظر وال يتم التدبر بل حق هذا المثل أن يوضع في نصرة

بعض المعاني الحكمية والتشبيهية بعضا وازدياد

الحسن منها بأن يجامع شكل منها شكال وأن يصل الذكر بين متدانيات في والدة العقول إياها

ومتجاورات في تنزيل األفهام لها وأعلم أن هذا الفصول التي قدمتها وإن كانت قصايا

ال يكاد يخالف فيها من به طرق فإنه قد يذكر األمر المتفق عليه ليبنى عليه المختلف فيه هذا ورب وفاق

من موافق قد بقيت عليه زيادات أغفل النظر فيها وضروب من التلخيص والتهذيب لم يبحث عن أوائلها

وثوانيها وطريقة____________________

(1/18)

في العبارة عن المغزى في تلك الموافقة لم يمهدها ودقيقة في الكشف عن الحجة على مخالف لو عرض

من المتكلفين لم يجدها حتى تراه يطلق في عرض كالمه ما برز منه وفاقا في معرض خالف ويعطيك

إنكارا وقد هم باعتراف ورب صديق واالك قلبه وعاداك فعله فتركك مكدودا ال تشتفي من دائك

المقصدبعالج وتبقى منه في سوء مزاج وأعلم أن غرضي في هذا الكالم الذي أبتدأته

واألساس الذي وضعته أن أتوصل إلى بيان أمر المعاني كيف تتفق وتختلف ومن أين تجتمع وتفترق

وأفصل أجناسها وأنواعها وأتتبع خاصها ومشاعها وأبين أحوالها في كرم منصبها من العقل وتمكنها في نصابه و قرب رحمها منه أو بعدها حين تنسب

عنه وكونها كالحليف الجاري مجرى النسب أو الزنيم الملصق بالقوم ال يقبلونه وال يمتعضون له وال يذبون دونه وإن من الكالم ما هو كما هو شريف في جوهرة

كالذهب األبريز الذي تختلف عليه الصور وتتعاقب عليه الصناعات وجل المعول في شرفه على ذاته

وإن كان التصوير قد يزيد في قيمته ويرفع في قدره ومنه ما هو كالمصنوعات العجيبة من مواد غير

شريفه فلها ما دامت الصورة محفوظة عليها لم تنتقض وأثر الصنعة باقيا معها لم يبطل قيمة تغلوا

ومنزلة تعلوا____________________

(1/19)

وللرغبة إليها انصباب وللنفوس بها إعجاب حتى إذا خانت األيام فيها أصحابها وضامت الحادثات أربابها وفجعتهم فيها بما يسلب حسنها المكتسب بالصنعة

وجمالها المستفاد من طريق العرض فلم يبق إال المادة العارية من التصوير والطينة الخالية من

التشكيل سقطت قيمتها وانحطت رتبتها وعادت الرغبات التي كانت فيها زهدا وأوسعتها عيون كانت تطمح إليها إعراضا دونها وصدا وصارت كمن أحظاه

الجد بغير فضل كان يرجع إليه في نفسه وقدمه البخت من غير معنى يقضى بتقدمه ثم أفاق فيه

الدهر عن رقدته وتنبه لغلطته فأعاده إلى دقة أصله وقلة فضله وهذا غرض ال ينال على وجهه وطلبة ال تدرك كما ينبغي إال بعد مقدمات تقدم وأصول تمهد

وأشياء هي كاألدوات فيه حقها أن تجمع وضروب من القول هي كالمسافات دونه يجب أن يسار فيها

بالفكر وتقطع وأول ذلك وأواله وأحقه بأن يستوفيه النظر ويتقصاه

القول على التشبيه والتمثيل واالستعارة فإن هذه أصول كثيرة كان جل محاسن الكالم إن لم نقل كلها متفرعة عنها وراجعة إليها وكأنها أقطاب تدور عليها المعاني في متصرفاتها وأقطار تحيط بها من جهاتها

وال مثل قولهم الفكرة فخ العمل وقوله ) وعرى أفراس الصبا ورواحله ** ( وقوله السفر

ميزان القوم وقول األعرابي ) كانوا إذا اصطفوا سفرت بينهم السهام ** وإذا

تصافحوا بالسيوف قفز الحمام ( والتمثيل كقوله ) فانك كالليل الذي هو مدركي ** ( ويؤتى بأمثلة إذا حقق النظر في األشياء يجمعها االسم األعم وينفرد كل منها بخاصة من لم يقف عليها كان قصير الهمة

في طلب____________________

(1/20)

الحقائق ضعيف المنة في البحث عن الدقائق قليل التوق إلى معرفة اللطائف يرضى بالجمل والظواهر

ويرى أن ال يطيل سفر الخاطر ولعمري إن ذلك أروح للنفس وأقل للشغل إال أن من طلب الراحة ما يعقب

تعبا ومن اختيار ما تقل معه الكلفة ما يفضي إلى أشد الكلفة وذلك أن األمور التي تلتقي عند الجملة

وتتباين لدى التفصيل وتجتمع في وحدة ثم يذهب بها التشعب ويقسمها قبيال بعد قبيل إذا لم تعرف

حقيقة الحال في تالقيها حيث التقت وافتراقها حيث افترقت كان قياس من يحكم فيها إذا توسط األمر

قياس من أراد الحكم بين رجلين في شرفهما وكرم أصلهما وذهاب عرقهما في الفضل ليعلم أيهما اقعد

في السؤدد وأحق بالفخر وأرسخ في أرومة المجد وهو ال يعرف من نسبتهما أكثر من والدة األب األعلى

والجد األكبر لجواز أن يكون واحد منهما قرشيا أو تميميا فيكون في العجز عن أن يبرم قضية في

معناهما ويبين فضال أو نقصا في منتماها في حكم من ال يعلم أكثر من أن كل واحد منهما آدمي ذكر أو

خلق مصور واعلم أن الذي يوجبه ظاهر األمر وما يسبق إليه

الفكر أن نبدأ بجملة من القول في الحقيقة والمجاز ونتبع ذلك القول في التشبيه والتمثيل ثم ننسق ذكر

االستعارة عليهما ونأتي بها في أثرهما وذلك أنالمجاز

____________________

(1/21)

أعم من االستعارة والواجب في قضايا المراتب أن نبدأ بالعام قبل الخاص والتشبيه كاألصل في

االستعارة وهي شبيه بالفرع له أو صورة مقتضية من صوره إال أن ههنا أمورا اقتضت أن تقع البداية

باالستعارة وبيان صدر منها والتنبيه على طريق االنقسام فيها حتى إذا عرف بعض ما يكشف عن

حالها ويقف على سعة مجالها عطف عنان الشرح إلى الفصلين اآلخرين فوفي حقوقهما وبين

فروقهما ثم ننصرف إلى استقصاء القول في تعريف االستعارةاالستعارة

اعلم أن االستعارة في الجملة أن يكون لفظ األصل في الوضع اللغوي معروفا تدل الشواهد على أنه

اختص به حين وضع ثم يستعمله الشاعر أو غير الشاعر في غير ذلك األصل وينقله إليه نقال غير الزم

تقسيم االستعارةفيكون هناك كالعارية ثم إنها تنقسم أوال قسمين أحدهما أن ال يكون لنقله

فائدة والثاني أن يكون له فائدة وأنا أبدأ بذكر غير المفيد فإنه قصير الباع قليل االنساع ثم أتكلم على المفيد الذي هو المقصود

وموضع هذا الذي ال يفيد نقله حيث يكون اختصاص االسم بما وضع له من طريق أريد به التوسع في

أوضاع اللغة والتنوق في____________________

(1/22)

مراعاة دقائق في الفروق في المعاني المدلول عليها كوضعهم للعضو الواحد أسامي كثيرة بحسب اختالف أجناس الحيوان نحو وضع الشفة لإلنسان والمشفر للبعير والجحفلة للفرس وما شاكل ذلك

من فروق ربما وجدت في غير لغة العرب وربما لم توجد فإذا استعمل الشاعر شيئا منها في غير الجنس الذي وضع له فقد استعاره منه ونقله عن أصله وجاز

به موضعه كقول العجاج وفاحما ومر سنا مسرجا يعنى أنفا برق كالسراج والمرسن في األصل

للحيوان ألنه الموضع الذي يقع عليه الرسن وقالاآلخر يصف إبال

) تسمع للماء كصوت المسحل ** بين وريدها وبينالجحفل (

وقال آخر والحشو من حفانها كالحنظل فأجرى الحفان على صغار اإلبل وهو موضوع لصغار النعام

وقال أخر ) فبتنا جلوسا لدى مهرنا ** ننزع من شفتيه الصفارا

) فاستعمل الشفة في الفرس وهي موضوعة لإلنسان

فهذا ونحوه ال يفيدك شيئا لو لزمت األصلي لم يحصل لك فال فرق من جهة المعنى بين قوله من

شفتيه وقوله من جحفلتيه لو قاله إنما يعطيك كال االسمين العضو المعلوم فحسب بل االستعارة ههنا بأن تنقصك جزءا من الفائدة أشبه وذلك أن االسم في هذا النحو إذا نفيت عن نفسك دخول االشتراك

عليه باالستعارة دل____________________

(1/23)

ذكره على العضو وما هو منه فإذا قلت الشفة دلت على اإلنسان أعنى تدل على أنك قصدت هذا العضو من اإلنسان دون غيره فإذا توهمت جرى االستعارة

في االسم زالت عنها هذه الداللة بانقالب اختصاصها إلى االشتراك فإذا قلت الشفة في موضع قد جرى فيه ذكر اإلنسان والفرس دخل على السامع بعض

الشبهة لتجويزه أن تكون استعرت االسم للفرس ولو فرضنا أن تعدم هذه االستعارة من أصلها وتحظر لما

كان لهذه الشبه طريق على المخاطب فاعرفه وأما المفيد فقد بان لك باستعارته فائدة ومعنى من

المعاني وغرض من األغراض لوال مكان تلك االستعارة لم يحصل لك وجملة تلك الفائدة وذلك الغرض التشبيه إال أن طرقه تختلف حتى تفوت النهاية ومذاهبه تتشعب حتى ال غاية وال يمكن

االنفصال منه إال بفصول جمة وقسمة بعد قسمة وأنا أرى أن اقتصر اآلن على إشارة تعرف صورته على الجملة بقدر ما تراه وقد قابل خالفه الذي هو غير المفيد فيتم تصورك للغرض والمراد فإن األشياء تزداد بيانا باألضداد ومثاله قولنا رأيت أسدا وأنت

تعنى رجال شجاعا وبحرا تريد رجال جوادا وبدرا وشمسا تريد إنسانا مضيء الوجه متهلال وسللت

سيفا على العدو تريد رجال ماضيا في نصرتك أو رأيا نافذا وما شاكل ذلك فقد استعرت اسم األسد للرجل

ومعلوم أنك أفدت بهذه االستعارة ما لوالها لم يحصل لك وهو المبالغة في وصف المقصود

بالشجاعة وإيقاعك منه في نفس السامع صورةاألسد في بطشه وإقدامه وبأسه

____________________

(1/24)

وشدته وسائر المعاني المركوزة في طبيعته مما يعود إلى الجراة وهكذا أفدت باستعارة البحر سعته

في الجود وفيض الكف وبالشمس والبدر ما لهما من الجمال والبهاء والحسن المالىء للعيون والباهر

للنواظر وإذ قد عرفت المثال في كون االستعارة مفيدة على

الجملة وتبين لك مخالفة هذا الضرب للضرب األول الذي هو غير المفيد فإني اذكر بقية قول مما يتعلق به أعنى بغير المفيد ثم اعطف على أقسام المفيد

وأنواعه وما يتصل به ويدخل في جملة من فنون القول بتوفيق الله عز وجل وأساله عز اسمه المعونة

وأبرأ إليه من الحول والقوة وارغب إليه في أن يجعل كل ما ينصرف فيه منصرفا إلى ما يتصل

برضاه ومصروفا عما يؤدي إلى سخطه اعلم أنه إذا ثبت أن اختصاص المرسن بغير اآلدمي ال يفيد أكثر مما يفيده األنف في اآلدمي وهو فصل هذا العضو من غيره ولم يكن باستعارته لآلدمي مفيدا ما ال يفيد باألنف لم يتصور أن يكون استعارة من جهة

المعنى وإذا كان مدار أمره على اللفظ لم يتصور أن يكون في غير لغة العرب بلى إن وجد في لغة

الفرس مراعاة نحو هذه الفروق ثم نقلوا الشيء من الجنس المخصوص به إلى جنس آخر كانوا قد سلكوا

في لغتهم مسلك العرب في لغتها وليس كذلك المفيد فإن الكثير منه تراه في عداد ما يشترك فيه

أجيال الناس ويجرى به العرف في جميع اللغات فقولك رأيت أسدا تريد وصف رجل بالشجاعة وتشبيهه باألسد على المبالغة أمر يستوي فيهالعربي والعجمي وتجده في كل جيل وتسمعه

____________________

(1/25)

من كل قبيل كما أن قولنا زيد كاألسد على التصريح بالتشبيه كذلك فال يمكن أن يدعى أننا إذا استعملنا

هذا النحو من االستعارة فقد عمدنا إلى طريقة في

المعقوالت ال يعرفها غير العرب أو لم تتفق لمن سواهم ألن ذلك بمنزلة أن تقول إن تركيب الكالم

من االسمين أو من االسم والفعل يختص بلغة العرب وإن الحقائق التي تذكر في أقسام الخبر ونحوه مما

ال نعقله إال من لغة العرب وذلك مما ال يخفي فساده فإذا ذكر المجاز وأريد أن يعد هذا النحو من االستعارة فيه فالوجه أن يضاف إلى العقالء جملة وال تستعمل لفظة توهم أنه من عرف هذه اللغة وطرقها الخاصة

بها كما تقول مثال فيما يختص باللغة العربية من األحكام نحو اإلعراب بالحركات والصرف ومنع

الصرف ووضع المصدر مثال موضع اسم الفاعل نحو رجل صوم وضيف وجمع االسم على ضروب نحو جمع السالمة والتكسير وجمع الجمع وإعطاء االسم الواحد

في التكسير عدة أمثلة نحو فرخ وأفرخ وفراخ وفروخ وكالفرق بين المذكر والمؤنث في الخطاب

وجملة الضمائر وما شاكل ذلك وإلغفال هذا الموضع والتجوز في العبارة عنه دخل الغلط على من جعل الشيء من هذا الباب سرقة وأخذا حتى نعى عليه

وبين أنه من المعاني العامية واألمور المشتركة التي ال فضل فيها للعربي على العجمي وال اختصاص له

بجيل دون جيل على ما ترى القول فيه إن شاء الله تعالى في موضعه وهو تعالى ولى المن بالتوفيق له

بفضله وجوده ولو أن مترجما ترجم قوله وإال النعام وحفانه ففسر الحفان باللفظ المشترك الذي هو كاألوالد والصغار

ألنه ال يجد في اللغة التي بها يترجم____________________

(1/26)

لفظا خاصا لكان مصيبا ومؤديا للكالم كما هو ولو انه ترجم قولنا رأيت أسدا يريد رجال شجاعا فذكر ما

معناه معنى قولك شجاعا شديدا وترك أن يذكر االسم الخاص في تلك اللغة باألسد على هذه الصورة لم

يكن مترجما للكالم بل كان مستأنفا من عند نفسه كالما وهذا باب من االعتبار يحتاج إليه فحقه أن

يحفظ وعسى أن يجىء له زيادة بسط فيما يستقبل فاعلم انك قد تجد الشيء يخلط بالضرب األول الذي

هو استعارة من طريق اللفظ ويعد في قبيله وهو إذا حققت ناظر إلى الضرب اآلخر فهو مستعار من جهة المعنى وجار في سبيله فمن ذلك قولهم إنه لغليظ

الجحافل وغليظ المشافر وذلك أنه كالم يصدر عنهم في مواضع الذم فصار بمنزلة أن يقال كأن شفته

في الغلظ مشفر البعير وجحفة الفرس وعلى ذلكقول الفرزدق

) فلو كنت ضبيا عرفت قرابتي ** ولكن زنجيا غليظالمشافر (

فهذا يتضمن معنى قولك ولكن زنجيا كأنه جمل ال يعرفني وال يهتدي لشرفي وهكذا ينبغي أن يكون

القول في قولهم أنشب فيه مخالبه ألن المعنى على أن يجعل له في التعلق بالشيء واالستيالء عليه حالة كحاله األسد مع فريسته والبازي مع صيده وكذا قول

الحطيئة ) قروا جارك العيمان لما جفوته ** وقلص عن برد

الشراب مشافره ( حقة إذا حققت أن يكون في القبيل المعنوي وذلك أنه وإن كان عنى نفسه بالجار فقد يجوز أن يقصد

إلى وصف نفسه بنوع من سوء____________________

(1/27)

الحال ويعطيها صفة من صفات النقص ليزيد بذلك في التهكم بالزبرقان ويؤكد ما قصده من رميه

بإضاعة الضيف واطراحه وإسالمه للضر والبؤس ولبس ببعيد من هذه الطريقة من ابتدأ شعرا في ذم

نفسه ولم يرض في نفسه ولم يرض في وصف وجهه بالتقبيح والتشويه إال بالتصريح الصريح دون

اإلشارة والتنبيه وأما قول مزرد

) فما رقد الولدان حتى رأيته ** على المكر يمريهبساق وحافر (

فقد قالوا إنه أراد أن يقول بساق وقدم فلما لم تطاوعه القافية وضع الحافر موضع القدم وهو وإن

كان قد قال بعد هذا البيت ما يدل على قصده أن يحسن القول في الضيف وتباعده من أن يكون قصد

الزراية عليه أو يحول حول الهزء به واالحتقار لهوذلك قوله

) فقلت له أهال وسهال ومرحبا ** بهذا المحيا منمحي وزائر (

فليس بالبعيد أن يكون فيه شوب مما مضى وان يكون الذي أفضى به إلى ذكر الحافر قصده أن يصفه

بسوء الحال في مسيره وتقاذف نواحي األرض به وان يبالغ في ذكره بشدة الحرص على تحريك بكرة

واستفراغ مجهوده في نفسه ويؤنس بذلك أن تنظرإلى قوله قبل

____________________

(1/28)

) وأشعث مسترخي العالبي طوحت ** به األرض منباد عريض وحاضر (

) فابصر ناري وهي شقراء أوقدت ** بعلياء نشزللعيون النواظر (

وبعده فما رقد الولدان فإذا جعله أشعث مسترخي العالبي فقد قربت المسافة بينه وبين أن يجعل قدمه

حافرا ليعطيه من الصالبة وشده الوقع على جنبالبكر حظا وافرا وهكذا قول اآلخر

) سأمنعها وسوف اجعل أمرها ** إلى ملك أظالفهلم تشقق (

هو في حد التشبيه واالستعارة ألن المعنى على أن األظالف لمن تزيى بالملك عن مشابهة كأنه قال

اجعل أمرها إلى ملك ال إلى عبد جاف متشقق األظالف ويدل على ذلك أن أبا بكر بن دريد قال في أول الباب الذي وضعه لالستعارة يقولون للرجل إذا عابوه جاءنا حافيا متشقق األظالف ثم انشد البيت

فإذا كان من شروط هذه االستعارة أن يؤتى بها في موضع العيب والنقص فال شك في أنها معنوية وكذا

قوله ) وذات هدم عار نواشرها ** تصمت بالماء تولبا جدعا

) فأجرى التولب على ولد المرأة وهو لولد الحمار في األصل وذلك ألنه يصف حال ضر وبؤس ويذكر أمراه

بائسة فقيرة والعادة في مثل ذلك الصفة بأوصاف البهائم ليكون ابلغ في سوء الحالة وشدة االختالل

ومثله سواء قول اآلخر____________________

(1/29)

) وذكرت أهلي بالعراق ** وحاجة الشعث التوالب ( كأنه قال الشعث التي لو رأيتها حسبتها توالب لما

بها من الغبرة وبذاذة الهيئة والجدع في البيت بالدال غير معجمة حكى شيخنا رحمه الله قال انشد

المفضل تصمت بالماء تولبا جذعا بالذال المعجمة فأنكره األصمعي وقال إنما هو تصمت بالماء تولبا

جدعا وهو السيء الغذاء قال فجعل المفضل يصيح فقال األصمعي لو نفخت في الشبور ما نفعك تكلم

بكالم الحكل واصب وأما قول األعرابي كيف الطال وأمه فمن جنس

المفيد أيضا ألنه أشار إلى شيء من تشبيه المولود بولد الظبي أال تراه قال بعد أن انصرف عن السخط

إلى الرضي وبعد أن سكن عنه فورة الجوع الذي دعاه إلى أن قال ما أصنع به آكله أم أشربه حتى قالت

المرأة غرثان فار بكوا له وأما قوله____________________

(1/30)

) إذا اصبح الديك يدعو بعض أسرته ** عند الصباحوهم قوم معازيل (

فاستعارة القوم ههنا وإن كانت في الظاهر ال تفيد اكثر من معنى الجمع فإنها مفيدة من حيث أراد أن يعطيها شبها مما يعقل على أن هذا إذا حققنا في

غير ما نحن فيه وبصدده في هذا الفصل وذلك انه لم يجتلب االسم المخصوص باآلدميين حتى قدم تتزيلها

منزلتهم فقال هم فأتى بضمير من يعقل وإذا كان األمر كذلك كان القوم جاريا مجرى الحقيقة ونظيره أنك تقول أين األسود الضارية وأنت تعنى قوما من

الشجعان فيلزم في الصفة حكم ما ال يعقل فتقول الضارية وال تقول الضارون البتة ألنك وضعت كالمك على انك كأنك تحدث عن األسود في الحقيقة وعلى

هذه الطريقة ينبغي أن يجرى بيت المتنبي ) زحل على أن الكواكب قومه ** لو كان منك لكان

أكرم معشرا ( وإن لم يكن معنا اسم آخر سابق يثبت حكم ما يعقل

للكواكب كالضمير في قوله هم قوم وذلك أن ما يفصح به الحال من قصده أن يدعى للكواكب هذه المنزلة يجرى مجرى التصريح بذلك أال ترى انه ال يتضح وجه المدح فيه إال بدعوى أحوال اآلدميين ومعارفهم للكواكب ألنه يفاضل بينه وبينها في

األوصاف العقلية بداللة قوله لكان اكرم معشرا ولن يتحصل ثبوت وصف شريف معقول لها وال الكرم

على الوجه الذي يتعارف في الناس حتى تجعل كأنها تعقل وتميز ولو كانت المفاضلة في النور والبهاء

وعلو المحل ومشاكل____________________

(1/31)

ذلك لكان ال يلزم حينئذ ما ذكرت وحق القول في هذا القبيل أعنى ما يدعى فيه لما ال يعقل العقل فصل

يفرد به ولعله يجىء في موضعه بمشيئة الله القول في األستعاره المفيدةوتوفيقه

اعلم أن االستعارة في الحقيقة هي هذا الضرب دون األول وهى أمد ميدانا وأشد افتنانا وأكثر جريانا وأعجب حسنا وإحسانا وأوسع سعة وأبعد غورا

وأذهب نجدا في الصناعة وغورا من أن تجمع شعبها وشعوبها وتحصر فنونها وضروبها نعم وأسحر سحرا

وأمأل بكل ما يمأل صدرا ويمتع عقال ويؤنس نفسا ويوفر انسا وأهدى إلى أن تهدى إليك عذارى قد تخير لها الجمال وعنى بها الكمال وأن تخرج لك من بحرها جواهر إن باهتها الجواهر مدت في الشرف والفصيلة

باعا ال يقصر وأبدت من األوصاف الجليلة محاسن ال تنكر وردت تلك بصفرة الخجل ووكلتها إلى نسبتها من الحجر وأن تثير من معدتها تبرا لم ترى مثله ثم

تصوغ فيها صياغات تعطل الحلى وتريك الحلى

الحقيقي وان تأتيك على الجملة بعقائل يأنس إليها الدين والدنيا وشرائف لها من الشرف الرتبة العليا

وهى أجل من أن تأتى الصفة على حقيقة حالهاوتستوفي جملة جمالها

ومن الفضيلة الجامعة فيها أنها تبرز هذا البيان أبدافي صورة مستجدة

____________________

(1/32)

تزيد قدره نبال وتوجب له بعد الفضل فضال وإنك لتجد اللفظة الواحدة قد اكتسبت فيها فوائد حتى تراها

مكررة في مواضع ولها في كل واحد من تلك المواضع شأن مفرد وشرف منفرد وفضيلة مرموقة وخالبة مرموقة ومن خصائصها التي تذكر بها وهى

عنوان مناقبها أنها تعطيك الكثير من المعاني باليسير من اللفظ حتى تخرج من الصدفة الواحدة عدة من الدرر وتجنى من الغصن الواحد أنواعا من

الثمر وإذا تأملت أقسام الصنعة التي بها يكون الكالم في حد البالغة ومعها يستحق وصف البراعة وجدتها تفتقر إلى أن تعيرها حالها وتقصر عن أن تنازعها

مداها وصادفتها نجوما هي بدرها وروضا هي زهرها وعرائس ما لم تعرها حليها فهي عواطل وكواعب ما

لم تحسنها فليس لها في الحسن حظ كامل فإنك لترى بها الجماد حيا ناطقا واألعجم فصيحا واألجسام الخرس مبينة والمعاني الخفية بادية جلية وإذا نظرت في أمر المقاييس وجدتها وال ناصر لها أعز منها وال

رونق لها ما لم تزنها وتجد التشبيهات على الجملة غير معجبة ما لم تكنها إن شئت أرتك المعاني

اللطيفة التي هي من خبايا العقل كأنها قد جسمت حتى رأتها العيون وإن شئت لطفت األوصاف

الجسمانية حتى تعود روحانية ال تنالها إال الظنون وهذه إشارات وتلويحات في بدائعها وإنما ينجلي

الغرض منها ويبين إذا تكلم على التفاصيل وأفرد كل فن بالتمثيل وسترى ذلك إن شاء الله وإليه الرغبة

في أن نوفق للبلوغ إليه والتوفر عليه وإذ قد عرفتك أن لها هذا المجال الفسيح والشأو البعيد فأني أضع لك فصال بعد فصل وأجتهد بقدر

الطاقة في الكشف والبحث____________________

(1/33)

فصل وهذا فصل قسمتها فيه قسمة عامية ومعنى العامية

أنك ال تجد في هذه االستعارة قسمة إال أخص من هذه القسمة وأنها قسمة االستعارة من حيث

المعقول المتعارف في طبقات الناس وأصناف اللغات وما تجد وتسمع أبدا نظيره من عوامهم كما

تسمع من خواصهم أعلم أن كل لفظة دخلتها االستعارة المفيدة فإنها ال تخلو من أن تكون اسما أو فعال فإذا كانت اسما فأنه

يقع مستعارا على قسمين أحدهما أن تنقله عن مسماه األصلي إلى شىء آخر ثابت معلوم فتجريه

عليه وتجعله متناوال له تناول الصفة مثال للموصوف وذلك قولك رأيت أسدا وأنت تعنى رجال شجاعا ورنت

لنا ظبية وأنت تعنى أمرأة وأبديت نورا تعنى هدى وبيانا وحجة وما شاكل ذلك فاالسم في هذا كله كما تراه متناوال شيئا معلوما يمكن أن ينص عليه فيقال

أنه عنى باالسم وكنى به عنه ونقل عن مسماه األصلي فجعل اسما له على سبيل االستعارة

والمبالغة في التشبيه والثاني أن يؤخذ االسم عن حقيقته ويوضع موضعا ال

يبين فيه شىء يشار إليه فيقال هذا هو المراد باالسم والذي استعير له وجعل خليفة السمه األصلي

ونائبا منابه ومثاله قول لبيد ) وغداة ريح قد كشفت وقرة ** إذ أصبحت بيد

الشمال زمامها ( وذلك أنه جعل للشمال يدا ومعلوم أنه ليس هناك مشار إليه يمكن أن تجرى اليد عليه كاجراء األسد

والسيف على الرجل في قولك انبرى لي أسد يزأر وسللت سيفا على العدو ال يفل والظباء على النساء في قوله من الظباء الغيد والنور على الهدى والبيان

في قولك أبديت____________________

(1/34)

نورا ساطعا وكاجراء اليد نفسها على من يعز مكانه كقولك أتنازعنى في يد بها أبطش وعين بها أبصر

يريد إنسانا له حكم اليد وفعلها وغناؤها ودفعها وخاصة العين وفائدتها وعزة موقعها ولطف موضعها

ألن معك في هذا كله ذاتا ينص عليها وترى مكانها في النفس إذا لم تجد ذكرها في اللفظ وليس لك

شىء من ذلك في بيت لبيد بل ليس أكثر من أن تخيل إلى نفسك أن الشمال في تصريف الغداة على

حكم طبيعتها كالمدبر المصرف لما زمامه بيده ومقادته في كفه وذلك كله ال يتعدى التخيل والوهم

والتقدير في النفس من غير أن يكون هناك شىء يحس وذات تتحصل وال سبيل لك إلى أن تقول كنى باليد عن كذا وأراد باليد هذا الشيء أو جعل الشيء الفالني يدا كما تقول كنى باألسد عن زيد وعنى به

زيدا وجعل زيدا أسدا وإنما غايتك التي ال مطلع وراءها أن تقول أراد أن يثبت للشمال في الغداة

تصرفا كتصرف اإلنسان في الشيء بقلبه فاستعار لها اليد حتى يبالغ في تحقيق التشبيه وحكم الزمام

في استعارته للغداة حكم اليد في استعارتها للشمال إذ ليس هناك مشار إليه يكون الزمام كناية عنه ولكنه

وفي المبالغة شرطها من الطرفين فجعل على الغداة زماما يكون أتم في إثباتها مصرفة كما جعل

للشمال يدا ليكون أبلغ في تصييرها مصرفة ويفصل بين القسمين أنك إذا رجعت في القسم األول إلى

التشبيه الذي هو المغزى من كل استعارة تفيد وجدته يأتيك عفوا كقولك في رأيت أسدا رأيت رجال كاألسد

ورأيت مثل األسد أو شبيها باألسد وإن رمته في القسم الثاني وجدته ال يواتيك تلك المواتاة إذ ال وجه

ألن يقول إذ أصبح شىء مثل اليد للشمال أو حصل شبيه باليد للشمال وإنما يتراءى لك التشبيه بعد أن

تخرق إليه سترا وتعمل تأمال____________________

(1/35)

وفكرا وبعد أن تغير الطريقة وتخرج عن الحد األول كقولك إذ أصبحت الشمال ولها في قرة تأثيرها في

الغداة شبه المالك تصريف الشيء بيده وإجراؤه على موافقته وجذبه نحو الجهة التي تقتضيها طبيعته

وتنحوها إرادته فأنت كما ترى تجد الشبه المنزع ههنا إذا رجعت إلى الحقيقة ووضعت االسم المستعار في موضعه األصلي ال يلقاك من المستعار نفسه بل مما

يضاف إليه أال ترى انك لم ترد أن تجعل الشمال كاليد ومشبهة باليد كما جعلت الرجل كاألسد ومشبها

باألسد ولكنك أردت أن تجعل الشمال كذي اليد من األحياء فأنت تجعل في هذا الضرب المستعار له وهو

نحو الشمال ذا شىء وغرضك أن تثبت له حكم من يكون له ذلك الشىء في فعل أو غيره ال نفس ذلك

الشىء فاعرفه وهكذا قول زهير

) وعرى أفراس الصبا ورواحله ( ال تستطيع أن تثبت ذواتا أو شبه الذوات تتناولها األفراس والرواحل في

البيت على حد تناول األسد الرجل الموصوف بالشجاعة والبدر الموصوف بالحسن أو البهاء

والسحاب المذكور بالسخاء والسماحة والنور العلم والهدى والبيان وليس أال انك أردت أن الصبا قد ترك

واهمل وفقد نزاع النفس اليه وبطل فصار كاألمر ينصرف عنه فتعطل اآلته وتطرح أداته وكالجهة من جهات المسير نحو الحج أو الغزو أو التجارة يقضى

منها الوطر فتحط عن الخيل التي كانت تركب إليها لبودها وتلقى عن اإلبل التي كانت تحمل لها قتودها

وقد يجىء وإن كان كالتكلف أن تقول إن األفراسعبارة

____________________

(1/36)

عن دواعي النفوس وشهواتها وقواها في لذاتها أو األسباب التي تفتل في حبل الصبا وتنصر جانب

الهوى وتلهب أريحيه النشاط وتحرك مرح الشبابكما قال

) ونعم مطيه الجهل الشباب ( وقال ) كأن الشباب مطية الجهل ( وليس من حقك أن

تتكلف هذا في كل موضع فانه ربما خرج بك إلى ما يضر المعنى وينبو عنه طبع الشعر وقد يتعاطاه من يخالطه شىء من طباع التعمق فتجد ما يفسد أكثر

مما يصلح ولو انك تطلبت للمطية في بيت الفرزدق ) لعمري لئن قيدت نفسي لطالما ** سعيت واوضعت

المطية في الجهل ( مثل هذا التأول تباعدت عن الصواب وعدلت عما

يسبق إلى القلب وذلك أن المعنى على قولك لطالما سعيت في الباطل وقديما كنت في اإلسراع إلى الجهل بصورة من يوضع المطية في سقرة وهذا

الموضع يتجلى تمام التجلي إذا تكلم على الفرق بين التشبيه والتمثيل وسيأتيك ذلك إن شاء الله تعالى

وكذا قولهم هو مرخى العنان وملقى الزمام ال وجه ألن تتوقع إال وأن تجرى العنان عليه ويتناوله المعنى

على انتزاع الشبه من الفرس في حال ما يرخى عنانه وإن ينظر إلى الصورة التي توجد من حاله تلك

في العقل ثم يجاء بها فيعار لها الرجل ويتصور بمقتضاها في النفس ويتمثل ولو قلت إن العنان

ههنا بمعنى النهى وإن المراد أن النهى قد أبعد عنه ونحو ذلك دخلت في ظاهر من التكلف وأتعبت نفسك

في غير جدوى وعادت زيادتك نقصانا وطلبكاإلحسان إساءة

واعلم أن إغفال هذا األصل الذي عرفتك من أن االستعارة ال تكون على هذا الوجه الثاني كما تكون

على األول مما يدعو إلى مثل هذا التعمق____________________

(1/37)

وانه نفسه قد يصير سببا إلى أن يقع قوم في التشبيه وذلك أنهم إذا وضعوا في أنفسهم أن كل

اسم يستعار فال بد أن يكون هناك شىء يمكن اإلشارة إليه بتناوله في حال المجاز كما يتناول

مسماة في حال الحقيقة ثم نظروا في مخرج قوله تعالى ) ^ ولتصنع على عيني واصنع الفلك بأعيننا (

فلم يجدوا للفظه العين ما يتناوله على حد تناول النور مثال للهدى والبيان ارتبكوا في الشك وحاموا

حول الظاهر وحملوا أنفسهم على لزومه حتى

يفضي بهم إلى الضالل البعيد وارتكاب ما يقدح فيالتوحيد ونعوذ بالله من الخذالن

وطريقه أخرى في بيان الفرق بين القسمين وهو أن الشبه في القسم األول الذي هو نحو رأيت أسدا تريد

رجال شجاعا وصف موجود في الشيء الذي له استعرت واليد ليست توصف بالشبه ولكنه صفة

تكسبها اليد صاحبها وتحصل له بها وهي التصرف على وجه مخصوص وكذا قولك أفراس الصبا ليس

الشبه الذي استعرت له األفراس موجودا في األفراس بل هو شبه يحصل لما يضاف إليه األفراس

حيث يراد الحقيقة نحو قولنا عرى أفراس الغزو وأجمعت خيل الجهاد وذلك ما يوجبه الفعل الواقع على األفراس نحو إن وقوع الفعل الذي هو عرى

على أفراس الغزو يوجب اإلمساك عن الغزو والتركله وعلى هذا القياس

وإذا تقرر أمر االسم في كون استعارته على هذين القسمين فمن حقنا أن ننظر في الفعل هل يحتمل

هذا االنقسام والذي يجب العمل عليه أن الفعل ال يتصور فيه أن يتناول ذات شيء كما يتصور في

االسم ولكن شأن الفعل أن يثبت المعنى الذي اشتق منه للشيء في الزمان الذي تدل صيغته عليه فإذا

قلت ضرب زيد أثبت الضرب لزيد في زمان ماض وإذا____________________

(1/38)

كان كذلك فإذا استعير الفعل لما ليس له في األصل فانه يثبت باستعارته له وصفا هو شبيه بالمعنى الذي

ذلك الفعل مشتق منه بيان ذلك أن تقول نطقت الحال بكذا وأخبرتني

اسارير وجهه بما في ضميره وكلمتني عيناه بما يحوي قلبه فتجد في الحال وصفا هو شبيه بالنطق من اإلنسان وذلك أن الحال تدل على األمر ويكون فيها امارات يعرف بها الشيء كما أن النطق كذلك وكذلك العين فيها وصف شبيه بالكالم وهو داللتها

بالعالمات التي تظهر فيها وفي نظرها وخواص أوصاف يتحدد بها ما في القلوب من اإلنكار والقبول

أال ترى إلى حديث الجمحي

حكى عن بعضهم قال أتيت الجمحي استشيره في امرأة أردت التزوج بها فقال اقصيرة هي أم غير

قصيرة قال فلم افهم ذلك فقال لي كأنك لم تفهم ما قلت إني ألعرف في عين الرجل إذا عرف واعرف

فيها إذا أنكر واعرف إذا لم يعرف ولم ينكر أما إذا عرف فإنها تخاوص وإذا لم يعرف ولم ينكر فإنها

تسجو وإذا أنكر فإنها تجحظ أردت بقولي قصيره أي هي قصيره النسب تعرف بابيها أو جدها قال الشيخ أبو الحسن وهذا من قول النسابة البكري لرؤبة بن

العجاج لما آتاه فقال له من أنت قال رؤبة بن العجاجفقال قصرت وعرفت

قال وعلى هذا المعنى قول رؤبة ) قد رفع العجاج ذكرى فادعني ** باسم إذا األنساب

طالت يكفني ( وامر العين اظهر من أن تحتاج فيه إلى دليل ولكن

إذا جرى الشيء في____________________

(1/39)

الكالم هو دعوى في الجملة كان اآلنس للقارىء أن يقترن به ما هو شاهد فيه فلم ير شيء احسن من

إيصال دعوى ببرهان وإذا كان أمر الفعل في االستعارة على هذه الجملة رجع بنا التحقيق إلى أن وصف الفعل بأنه مستعار

حكم يرجع إلى مصدره الذي اشتق منه فإذا قلنا في قولهم نطقت الحال أن نطق مستعار فالمعنى أن

النطق مستعار وإذا كانت االستعارة تنصرف إلىالمصدر كان الكالم فيه على ما مضى

ومما تجب مراعاته أن الفعل يكون استعارة مره من جهة فاعلة الذي رفع به ومثاله ما مضى ويكون أخرىاستعاره من جهة مفعولة وذلك نحو قول ابن المعتز

) جمع الحق لنا في إمام ** قتل البخل واحياالسماحا (

فقتل واحيا إنما صارا مستعارين بان عديا إلى البخل والسماح ولو قال قتل األعداء واحيا لم يكن قتل

استعارة بوجه ولم يكن احيا استعارة على هذا الوجهوكذا قوله

) واقرى الهموم الطارقات حزامة ** ( هو استعارة من جهة المفعولين جميعا فأما من جهة

الفاعل فهو محتمل للحقيقة وذلك أن تقول اقرى االضياف النازلين اللحم العبيط ومثله قوله قرى الهم إذ ضاف الزماع وقد يكون الذي يعطيه حكم االستعارة

أحد المفعولين دون اآلخر كقوله ) نقريهم لهذميات نقد بها ** ما كان خاط عليهم كل

زراد (____________________

(1/40)

فصل اعلم أن االستعارة كما علمت تعتمد التشبيه ابدا وقد

قلت أن طرقة تختلف ووعدتك الكالم فيه وهذا الفصل يعطى بعض القول في ذلك بإذن الله تعالى وأنا أريد أن أدرجها من الضعف إلى القوة وأبدا في

تنزيلها ثم بما يزيد في االرتفاع ألن التقسيم إذا ارتفع في خارج من األصل فالواجب أن يبدأ بما كان

أقل خروجا منه وادنى مدى في مفارقته وإذا كان األمر كذلك فالذي يستحق بحكم هذه الجملة أن يكون

أوال من ضروب االستعارة أن يرى معنى الكلمة المستعارة موجودا في المستعار له من حيث عموم

جنسه على الحقيقة إال أن لذلك الجنس خصائص ومراتب في الفضيلة والنقص والقوة والضعف فأنت

تستعير لفظ األفضل لما هو دونه ومثاله استعارة الطيران لغير ذي الجناح إذا أردت السرعة وانقضاض

الكواكب للفرس إذا أسرع في حركته من علو والسباحة له إذا عدا عدوا كان حاله فيه شبيها بحالة

السابح في الماء ومعلوم أن الطيران واالنقضاض والسباحة والعدو كلها جنس واحد من حيث الحركة على اإلطالق إال انهم نظروا إلى خصائص األجسام

في حركتها فافردوا حركة كل نوع منها باسم ثم انهم إذا وجدوا في الشئ في بعض األحوال شبها من حركة غير جنسه استعاروا له العبارة من ذلك الجنس

فقالوا في غير ذي الجناح طار كقوله ) وطرت بمنصلى في يعمالت ** (

____________________

(1/41)

وكما جاء في الخبر كلما سمع هيعة طار إليها وكماقال

) لو يشا طار به ذو ميعة ** الحق اآلطال نهد ذوخصل (

ومن ذلك أن فاض موضوع لحركة الماء على وجه مخصوص وذلك أن يفارق مكانه دفعه فينبسط ثم انه

استعير للفجر كقوله ) كالفجر فاض على نجوم الغيهب ** (

ألن للفجر انبساطا وحالة شبيهة بانبساط الماءوحركته في فيضه

فأما استعارة فاض بمعنى الجود فنوع آخر غير ما هو المقصود ههنا ألن القصد اآلن إلى المستعار الذي

توجد حقيقة معناه من حيث الجنس في المستعار لهوكذلك قول أبي تمام

) وقد نثرتهم روعة ثم احدقوا ** به مثلما ألفت عقدامنظما (

وقول المتنبي ) نثرتهم فوق االحيدب نثرة ** كما نثرت فوق

العروس الدراهم ( استعارة ألن النثر في األصل لألجسام الصغار

كالدراهم والدنانير والجواهر والحبوب ونحوها الن لها هيئة مخصوصة في التفرق ال تأنى في األجسام الكبار وآلن القصد بالنثر أن تجتمع أشياء في كف أو وعاء ثم يقع فعل تتفرق معه دفعه واحدة واألجسام

الكبار ال يكون فيها ذلك لكنه لما اتفق في الحربتساقط المنهزمين على غير ترتيب ونظام كما يكون

____________________

(1/42)

في الشيء المنثور عبر عنه بالنثر ونسب ذلك إلى الممدوح إذ كان هو سبب ذلك االنتثار فالتفرق الذي

هو حقيقة النثر من حيث جنس المعنى وعمومه موجود في المستعار له بال شبهة ويبينه أن النظم

في األصل لجمع الجواهر وما كان مثلها في السلوك ثم لما حصل في الشخصين من الرجال أن يجمعهما

الحاذق المبدع في الطعن في رمح واحد ذلك الضرب من الجمع عبر عنه بالنظم كقولهم انتظمهما برمحه

وكقوله ) قالوا أينظم فارسين بطعنة ** (

وكان ذلك استعارة الن اللفظة وقعت في األصل لما يجمع في السلوك من الحبوب واألجسام الصغار إذ

كانت تلك الهيئة في الجمع تخصها في الغالب وكان حصولها في أشخاص الرجال من النادر الذي ال يكاد

يقع وإال فلو فرضنا أن يكثر وجوده في األشخاص الكبيرة لكان لفظ النظم أصال وحقيقة فيها كما يكون حقيقه في نحو الحبوب وهذا النحو لشدة

الشبه فيه يكاد يلحق بالحقيقة ومن هذا الحد قوله ) وفي يدك السيف الذي امتنعت به ** صفاة الهدى من أن ترق فتخرقا ( وذلك أن أصل الخرق أن يكون

في الثوب وهو في الصفاة استعارة ألنه لما قال ترق قربت حالها من حال الثوب وعلى ذلك فإنا نعلم

أن الشق والصدع حقيقة في الصفاة ونعلم أن الخرق يجامعها في الجنس ألن الكل تفريق وقطع ولو لم يكن الخرق والشق واحدا لما قلت شققت الثوب والشق عيب في الثوب وتشقق الثوب قول

من ال يستعير ولكن لو قلت خرق الحشمة لم يكن منالحقيقة في شىء وكان خارجا من هذا الفن الذي

____________________

(1/43)

نحن فيه ألنه ليس هناك شق ولو جاء شق الحشمة أو صدع مثال كان كذلك أعني ال يكون له أصل في

الحقيقة وال شبه بها ومن هذا الضرب قوله تعالى ) ^ ومزقناهم كل

ممزق ( يعد استعارة من حيث إن التمزيق للثوب في أصل اللغة إال أنه على ذلك راجع إلى الحقيقة من

حيث إنه تفريق على كل حال ولبس يحسن غيره إال أنهم خصوا ما كان مثل الثوب بالتمزيق كما خصوه

بالخرق وإال فأنت تعلم أن تمزيق الثوب تفريق بعضه من بعض ومثله أن القطع إذا أطلق فهو إلزالة

األنصال من األجسام التي تلتزق أجزاؤها وإذا جاء في تفريق الجماعة وإبعاد بعضهم من بعض كقوله تعالى ) ^ وقطعناهم في األرض أمما ( كان شبه

االستعارة وإن كان المعنى في الموضعين على إزالة االجتماع ونفيه فإن قلت قطع عليه كالمه أو قلت

تقطع الوقت بكذا كان نوعا آخر ومن االستعارة القريبة من الحقيقة قولهم أثرى

فالن من المجد وأفلس من المروءة وكقوله ) إن كان أغناها السلو فإننى ** أمسيت من كبدي

ومنها معدما ( وذلك أن حقيقة اإلثراء من الشيء كثرته عندك ووصف الرجل بأنه كثير المجد أو قليل المروءة

كوصفه بأنه كثير العلم أو قليل المعرفة في كونه حقيقة وكذلك إذا قلت أثرى من الشوق أو الوجد أو

الحزن كما قال ) وفي الركاب حريب ** من الغرام ومثرى (

فهو كقولك كثر شوقه وحزنه وغرامه وإذا كان كذلك فهو في أنه نقل إلى شىء جنسه جنس الذي هو

حقيقة فيه بمنزلة طار أو طر____________________

(1/44)

أمرا منه وكذا معنى أعدم من المال انه خال منه وأن المال يزول عنه فإذا أخبر أن كبده قد ذهبت عنه فهو

في حقيقة من ذهب ماله وعدمه والعدم في المال وفي غير المال بمنزلة واحدة ال تتغير له فائدة

والمعدم موضوع لمن عدم ما يحتاج إليه فالكبد مما يحتاج إليه وكذلك المحبوبة فإنما تقع هذه العبارة في نفسك موقع الغريب من حيث إن العرف جرى

في اإلعدام بأن يطلق على من عدم ما جنسه جنس المال ويؤنسك بما قلت انك لو قلت عدم كبده لم يكن مجازا ولم تجد بينه وبين خال من كبده وزالت

عنه كبده كبير فرق أال تراك تقول الفرس عادم للطحال تريد ليس له طحال وهذا كالم ال استعارة

فيه كما أنك لو قلت الطحال معدوم في الفرس كانكذلك

ومن الالئق بهذا الباب البين أمره ما أنشده أبو

العباس في الكامل من قول الشاعر ) لم تلق قوما هم شر إلخوتهم ** منا عشية يجرى

بالدم الوادي ( ) نقريهم لهذميات نقد بها ** ما كان خاط عليهم كل

زراد ( قال ألن الخياطة تضم خرق القميص والزراد يضم حلق الدرع أفال تراه بين أن جنسهما واحد وأن كال

منهما ضم ووصل وإنما يقع الفرق____________________

(1/45)

من حيث إن الخياطة ضم أطراف الخرق بخيط يسلك فيها على الوجه المعلوم والزرد ضم حلق الدرع

بمداخلة توجد بينها إال أن الشكاك الذي يلزم أحد طرفي الحلقة اآلخر بدخوله في ثقبتيهما في صورة

الخيط الذي يذهب في منافذ اإلبرة واستقصاء القول في هذا الضرب والبحث عن أسراره ال يمكن إال بعد

أن تقرر الضروب المخالفة له من االستعارة فاقتصرمنه على القدر المذكور وأعود إلى القسمة

ضرب ثان يشبه هذا الضرب الذي مضى وإن لم يكن إياه وذلك أن يكون الشبه مأخوذا من صفة هي

موجودة في كل واحد من المستعار له والمستعار منه على الحقيقة وذلك قولك رأيت شمسا تريد

إنسانا يتهلل وجهه كالشمس فهذا له شبه باستعارة طار لغير ذي الجناح وذلك أن الشبه مراعى في التأللؤ وهو كما يعلم موجود في نفس اإلنسان

المتهلل ألن رونق الوجه الحسن من حس البصر مجانس لضوء األجسام النيرة وكذلك إذا قلت رأيت

أسدا تريد رجال فالوصف الجامع بينهما هو الشجاعة وهى على حقيقتها موجودة في اإلنسان وإنما يقع

الفرق بينه وبين السبع الذي استعرت اسمه له فيها من جهة القوة والضعف والزيادة والنقصان وربما

ادعى لبعض الكماة والبهم مساواة األسد في____________________

(1/46)

حقيقة الشجاعة التي عمود صورتها انتفاء المخافة عن القلب حتى ال تخامره وتفرق خواطره وتحلل

عزيمته في األقدام على الذي يباطشه ويريد قهره وربما كف الشجاع عن اإلقدام على العدو ال لخوف يملك قلبه ويسلبه قواه ولكن كما يكف المنهي عن

الفعل ال تخونه في تعاطيه قوة وذلك أن العاقل من حيث الشرع منهي عن أن يهلك نفسه أال ترى أن

البطل الكمي إذا عدم سالحا يقاتل به فلم ينهض إلى العدو كان فاقدا شجاعته وبأسه ومتبرئا من النجدة

التي يعرف بها ثم إن الفرق بين هذا الضرب وبين األول أن

االشتراك ههنا في صفة توجد في جنسين مختلفين مثل أن جنس اإلنسان غير جنس الشمس وكذلك

جنسه غير جنس األسد وليس كذلك الطيران وجرى الفرس فإنهما جنس واحد بال شبه وكالهما مرور

وقطع للمسافة وإنما يقع االختالف بالسرعة وحقيقة السرعة قلة تخلل السكون للحركات وذلك ال يوجب اختالفا في الجنس فإن قلت فإذن ال فرق بين

استعارة طار للفرس____________________

(1/47)

وبين استعارة الشفة للفرس فهال عددت هذا في القسم اللفظي غير المفيد ثم إنك إن اعتذرت بأن

في طار خصوص وصف ليس في عدا وجرى فكذلك في الشفة خصوص وصف ليس في الجحفلة

فالجواب أنى لم أعده في ذلك القسم ألجل أن خصوص الوصف الكائن في طار يراعى في استعارته

للفرس أال تراك ال تقوله في كل حال بل في حال مخصوصة وكذا السباحة ألنك ال تستعيرها للفرس

في كل أحوال جريه نعم وتأبى أن تعطيها كل فرس فالقطوف البليد ال يوصف بأنه سابح وأما استعارة

اسم لعضو نحو الشفة واألنف فلم يراع فيه خصوص الوصف أال ترى أن العجاج لم يرد بقوله ومرسنا

مسرجا أن يشبه أنف المرأة بأنف نوع من الحيوان ألن هذا العضو من غير اإلنسان ال يوصف بالحسن

كما يكون ذلك في العين والجيد وهكذا استعارة الفرسن للشاة في قول عائشة رضى الله عنها ولو

فرسن شاة وهو للبعير في األصل ليس____________________

(1/48)

الن يشبه هذا العضو من الشاة به من البعير كيف وال شبه هناك وليس إذن في مجىء الفرسن بدل

الظلف أمر أكثر من العضو نفسه ضرب ثالث وهو الصميم الخالص من االستعارة وحده

أن يكون الشبه مأخوذا من الصور العقلية وذلك كاستعارة النور للبيان والحجة الكاشفة عن الحق

المزيلة للشك النافية للريب كما جاء في التنزيل من نحو قوله عز وجل ) ^ واتبعوا النور الذي أنزل معه ( وكاستعارة الصراط للدين في قوله تعالى ) ^ اهدنا

الصراط المستقيم وانك لتهدى إلى صراط مستقيم ( فأنت ال تشك في أنه ليس بين النور والحجة ما بين

طيران الطائر وجرى الفرس من االشتراك في عموم الجنس الن النور صفة من صفات األجسام محسوسة والحجة كالم وكذا ليس بينهما ما بين الرجل واألسد من االشتراك في طبيعة معلومة تكون في الحيوان

كالشجاعة فليس الشبه الحاصل من النور في البيان والحجة ونحوهما إال أن القلب إذا وردت عليه الحجة

صار في حالة شبيهة بحال البصر إذا صادف النور ووجهت طالئعه نحوه وجال في معارفه وانتشر

وانبث في المسافة____________________

(1/49)

التي يسافر طرف اإلنسان فيها وهذا كما تعلم شبه لست تحصل منه على جنس وال على طبيعة وغريزة

وال على هيئة وصورة تدخل في الخلقة وإنما هوصورة عقلية

واعلم أن هذا الضرب هو المنزلة التي تبلغ عندها االستعارة غاية شرفها ويتسع لها كيف شاءت

المجال في تفننها وتصرفها وههنا تخلص لطيفة روحانية فال يبصرها إال ذوو األذهان الصافية والعقول

النافذة والطباع السليمة والنفوس المستعدة الن تعي الحكمة وتعرف فصل الخطاب ولها ههنا أساليب

كثيرة ومسالك دقيقة مختلفة والقول الذي يجرى مجرى القانون والقسمة يغمض فيها إال أن ما يجب

أن تعلم في معنى التقسيم لها أنها على أصول أحدها إن يؤخذ الشبه من األشياء المشاهدة والمدركة

بالحواس على الجملة للمعاني المعقولة والثاني أن يؤخذ الشبه من األشياء المحسوسة لمثلها إال أن

الشبه مع ذلك عقلي واألصل الثالث أن يؤخذ الشبه من المعقول للمعقول فمثال ما يجرى على األصل األول ما ذكرت لك من استعارة النور للبيان والحجة

فهذا شبه أخذ من محسوس لمعقول أال ترى أن النور مشاهد محسوس بالبصر والبيان والحجة مما يؤديه

إليك العقل من غير واسطة من العين أو غيرها من الحواس وذلك أن الشبه ينصرف إلى المفهوم من الحروف واألصوات ومدلول األلفاظ هو الذي ينور

القلب ال األلفاظ هذا والنور يستعار للعلم نفسه أيضاواإليمان

____________________

(1/50)

وكذلك حكم الظلمة إذا استعيرت للشبهة والجهل والكفر ألنه ال شبهة في أن الشبهة والشكوك من المعقول ووجه التشبيه أن القلب يحصل بالشبهة

والجهل في صفة البصر إذا قيده دجى الليل فلم يجد منصرفا وان استعيرت للضاللة والكفر فألن صاحبهما

كمن يسعى في الظلمة فيذهب في غير الطريق وربما دفع إلى هلك وتردى في اهوية ومن ذلك

استعارة القسطاس للعدل ونحو ذلك من المعاني المعقولة التي تعطى غيرها صفة االستقامة والسداد كما استعارة الجاحظ في فصل يذكر فيه علم الكالم فقال وهو العيار على كل صناعة والزمام على كل

عبارة والقسطاس الذي به يستبان نقصان كل شىء

ورجحانه والراووق الذي به يعرف صفاء كل شىء وكدره وهكذا إذا قيل في النحو انه ميزان الكالم ومعياره فهو اخذ شبه من شىء هو جسم يحس

ويشاهد لمعنى يعلم ويعقل وال يدخل في الحاسة وذلك اظهر وابين من أن يحتاج فيه إلى فضل بيان

وأما تفننه وسعته وتصرفه من مرضى ومسخوط ومقبول ومرذول فحق الكالم فيه بعد أن يقع الفراغ

من تقرير األصول ومثال األصل الثاني وهو أخذ الشبه من المحسوس

للمحسوس ثم الشبه عقلي قول النبي إياكموخضراء الدمن الشبه مأخوذ للمرأة

____________________

(1/51)

من النبات كما ال يخفي وكالهما جسم إال أنه لم يقصد بالتشبيه لون النبات وخضرته وال طعمه وال رائحته وال شكله وصورته وال ما شاكل ذلك وال ما يسمى طبعا كالحرارة والبرودة المنسوبتين في

العادة إلى العقاقير وغيرها مما يسخن بدن الحيوان ويبرد بحصوله فيه وال شىء من هذا الباب بل القصد

شبه عقلي بين المرأة الحسناء في المنبت السوء وبين تلك النابتة على الدمنة وهو حسن الظاهر في رأى العين مع فساد الباطن وطيب الفرع مع خبث

األصل كما أنهم إذا قالوا ) هو عسل إذا ياسرته ** وإن عاسرته فهو صاب (

كما قال ) عسل األخالق ما ياسرته ** فإذا عاسرت ذقت

السلعا ( فالتشبيه عقلي إذ ليس الغرض الحالوة والمرارة

اللتين تصفهما لك المذاقة ويحسهما الفم واللسان وإنما المعنى انك تجد منه في حالة الرضى

والموافقة ما يملؤك سرورا وبهجة حسب ما يجد ذائق العسل من لذة الحالوة ويهجم عليك في حالة

السخط واإلباء ما يشدد كراهتك ويكسبك كربا ويجعلك في حال من يذوق المر الشديد المرارة وهذا

أظهر من أن يخفي ومن هذا األصل استعارة الشمس للرجل تصفه

بالنباهة والرفعة والشرف والشهرة وما شاكل ذلك من األوصاف العقلية المحضة التي ال تالبسها إال

بغريزة العقل وال تعلقها إال بنظر القلب ويظهر من ههنا اصل آخر وهو أن اللفظة الواحدة

تستعار على____________________

(1/52)

طريقين مختلفين ويذهب بها في القياس والتشبيه مذهبين أحدهما يفضى إلى ما تناله العيون واآلخر

يومىء إلى ما تمثله الظنون ومثال ذلك قولك نجوم الهدى تعنى أصحاب رسول الله ورضى الله عنهم

فانه استعارة توجب شبها عقليا ألن المعنى أن الخلق بعد رسول الله اهتدوا بهم في الدين كما

يهتدي السارون بالنجوم وهذا الشبه باق لهم إلى يوم القيامة فبالرجوع إلى علومهم وآثارهم وفعالهم

وهديهم تنال النجاة من الضاللة ومن لم يطلب الهدى من جهتهم فقد حرم الهدى ووقع في الضالل كما أن من لم ينظر إلى النجوم في ظالم الليل ولم يتلق داللتها على المسالك التي تفضي إلى العمارة

ومعادن السالمة وخالفها وقع في غير الطريق وصار بتركه االهتداء بها إلى الضالل البعيد والهلك

المبيد فالقياس على النجوم في هذا ليس على حد تشبيه المصابيح بالنجوم أو النيران في األماكن

المتفرقة ألن الشبه هناك من حيث الحس والمشاهدة ألن القصد إلى نفس الضوء واللمعان

والشبه ههنا من حيث العقل ألن القصد إلى مقتضى ضوء النجوم وحكمه وعائدته ثم ما فيها من الداللة

على المنهاج واألمن من الزيغ عنه واالعوجاج والوصول بهذه الجملة منها إلى دار القرار ومحل

الكرامة نسأل الله تعالى أن يرزقنا ذلك ويديم توفيقنا للزوم ذلك االهتداء والتصرف في هذا الضياء

إنه عز وجل ولى ذلك والقادر عليه ومما ال يكون الشبه فيه إال عقليا قولنا في أصحاب

رسول الله ملح األلنام وهو مأخوذ من قوله عليه السالم مثل أصحابي كمثل الملح في الطعام ال يصلح

الطعام إال بالملح قالوا فكان____________________

(1/53)

الحسن رحمة الله عليه يقول فقد ذهب ملحنا فكيف نصنع فأنت تعلم أن ال وجه ههنا للتشبيه إال من

طريق الصورة العقلية وهو أن الناس يصلحون بهم كما يصلح الطعام بالملح والشبه بين صالح العامة

بالخاصة وبين صالح الطعام بالملح ال يتصور أن يكون محسوسا وينطوي هذا التشبيه على وجوب مواالة

الصحابة رضى الله عنهم وان تمزج محبتهم بالقلوب واألرواح كما يمزج الملح بالطعام فباتحاده به

ومداخلته ألجزائه يطيب طعمه وتذهب عنه وخامته ويصير نافعا مغذيا كذلك بمحبة الصحابة رضى الله

عنهم تصلح االعتقادات وتنتفي عنها األوصاف المذمومة وتطيب وتغذو القلوب وتنمى حياتها

وتحفظ صحتها وسالمتها وتقيها الزيغ والضالل والشك والشبهة والحيرة وأما حكمة في حال القلب

من حيث العقل فحكم الفساد الذي يعرض لمزاج البدن من أكل الطعام الذي لم يصلح بالملح ولم تنتف عنه المضار التي من شأن الملح أن يزيلها

وعلى ذلك جاء في صفتهم أن حبهم إيمان وبغضهم نفاق هذا وال معنى لصالح الرجل بالرجل إال صالح

نيته واعتقاده ومحال أن تصلح نيتك واعتقادك بصاحبك وأنت ال تراه معدن الخير ومعانه وموضع الرشد ومكانه ومن علمته كذلك مازجتك محبته ال محالة وسيط وده بلحمك ودمك وهل تحصل من

المحبة إال على الطاعة والموافقة في اإلرادة واالعتقاد وقياسه قياس الممازجة بين األجسام أال

تراك تقول____________________

(1/54)

فالن قريب من قلبي تريد الوفاق والمحبة وعلى هذه الطريقة جرى تمثيلهم النحو بالملح في قولهم

النحو في الكالم كالملح في الطعام إذ المعنى أن الكالم ال يستقيم وال تحصل منافعه التي هي الدالالت

على المقاصد إال بمراعاة أحكام النحو فيه من اإلعراب والترتيب الخاص كما ال يجدي الطعام وال تحصل المنفعة المطلوبة منه وهي التغذية ما لم

يصلح بالملح فأما ما يتخيلونه من أن معنى ذلك أن القليل من

النحو يغنى وان الكثير منه يفسد الكالم كما يفسد الملح الطعام إذا كثر فيه فتحريف وقول بما ال يتحصل على البحث وذلك انه ال تتصور الزيادة

والنقصان في جريان أحكام النحو في الكالم أال ترى انه إذا كان من حكمه في قولنا كان زيد ذاهبا أن

يرفع اإلسم وينصب الخبر لم يخل هذا الحكم من أن يوجد أوال يوجد فإن وجد فقد حصل النحو في الكالم

وعدل مزاجه به ونفى عنه الفساد وأن يكون كالطعام الذي ال يغذو البدن وإن لم يوجد فيه فهو

فاسد كائن بمنزلة طعام لم يصلح بالملح فسامعه ال ينتفع به بل يستضر لوقوعه في عمياء وهجوم

الوحشة عليه كما يوجبه الكالم الفاسد العاري من الفائدة وليس بين هاتين المنزلتين واسطة يكون

استعمال النحو فيها مذموما وهكذا القول في كل كالم وذلك أن إصالح الكالم األول بإجرائه على حكم

النحو ال يغنى عنه في الكالم الثاني والثالث حتى يتوهم أن حصول النحو في جملة واحدة من قصيدة أو رسالة يصلح سائر الجمل وحتى يكون أفراد كل جملة بحكمها منه تكريرا له وتكثيرا ألجزائه فيكون

مثله مثل زيادة أجزاء الملح على قدر الكفاية وكذلكال يتصور

____________________

(1/55)

في قولنا كان زيد منطلقا أن يتكرر هذا الحكم ويتكثر على هذا الكالم فيصير النحو كذلك موصوفا بان له

كثيرا هو مذموم وأن المحمود منه القليل وإنما وزانه في الكالم وزان وقوف لسان الميزان حتى ينبىء عن مساواة ما في إحدى الكفتين األخرى فكما ال يتصور في تلك الصفة زيادة ونقصان حتى يكون

كثيرها مذموما وقليلها محمودا كذلك الحكم في الصفة التي تحصل للكالم بإجرائه على حكم النحو ووزنه بميزانه فقول أبي بكر الخوارزمي والبغض

عندي كثرة اإلعراب كالم ال نحصل منه عل طائل ألن اإلعراب ال يقع فيه قلة وكثرة إن اعتبرنا الكالم

الواحد والجملة الواحدة وإن اعتبرنا الجمل الكثيرة وجعلنا إعراب هذه الجملة مضموما إلى إعراب تلك

فهي الكثرة التي ال بد منها وال صالح مع تركها والخليق بالبغض من ذمها وإن كان أراد نحو قول

الفرزدق ) وما مثله في الناس إال مملكا ** أبو أمة حي أبوه

يقاربه ( وما كان من الكالم معقدا موضوعا على التأويالت

المتكلفة فليس ذلك بكثرة وزيادة في اإلعراب بل هو بأن يكون نقصا له ونقصا أولى ألن اإلعراب هو أن يعرب المتكلم عما في نفسه ويبينه ويوضح الغرض ويكشف اللبس والواضع كالمه على المجازفة في

التقديم والتأخير زائل عن اإلعراب زائغ عن الصواب متعرض للتلبيس والتعمية فكيف يكون ذلك كثرة في اإلعراب إنما هو كثرة عناء على من رام أن يرده إلى

اإلعراب ال لكثرة اإلعراب وهذا هو كاالعتراض على طريق شجون الحديث ويحتاج إليه في اصل كبير وهو

أن من حق العاقل أن ال يتعدى____________________

(1/56)

بالتشبيه الجهة المقصودة وال سيما في العقلياتوارجع إلى النسق

مثال األصل الثالث وهو أخذ الشبه من المعقول للمعقول أول ذلك وأعمه تشبيه الوجود من الشىء

مرة بالعدم والعدم مرة بالوجود أما األول فعلى معنى أنه لما قل في المعاني التي بها يظهر للشىء قدر ويصير له ذكر صار وجوده كال وجود وأما الثاني

فعلى معنى أن الفاعل كان موجودا ثم فقد وعدم إال أنه لما خلف آثارا جميلة تحيى ذكره وتديم في الناس

اسمه صار لذلك كأنه لم يعدم وأما ما عداهما من األوصاف فيجىء فيها طريقان أحدهما هذا وذلك في

كل موضع كان موضوع التشبيه فيه على ترك االعتداد بالصفة وإن كانت موجودة لخلوها مما هو

ثمرتها والمقصود منها والذي إذا خلت منه لم تستحقالشرف والفضل

تفسير هذا انك وصفت الجاهل بأنه ميت وجعلت الجهل كأنه موت على معنى أن فائدة الحياة

والمقصود منها هو العلم واإلحساس فمتى عدمهما الحي فكأنه قد خرج عن حكم الحي ولذلك جعل النوم

موتا إذ كان النائم ال يشعر بما بحضرته كما ال يشعرالميت

والدرجة األولى في هذا أن يقال فالن ال يعقل وهو بهيمة وحمار وما أشبه ذلك مما تحطه عن معاني

المعرفة الشريفة ثم أن يقال فالن ال يعلم وال يفقه وال يحس فينفي عنه العلم واإلحساس جملة لضعف

أمره فيه وغلبة____________________

(1/57)

الجهل عليه ثم تجعل التعريض تصريحا فيقال هو ميت خارج من الحياة وهو جماد توكيدا وتناهيا في

إبعاده عن العلم والمعرفة وتشددا في الحكم بان ال مطمع في انحسار غياية الجهل عنه وإفاقته مما به

من سكرة الغي والغفلة وان يؤثر فيه الوعظ والتنبيه

ثم لما كان هذا مستقرى في العادة أعنى جعل الجاهل ميتا خرج منه أن يكون المستحق لصفة الحياة

هو العالم المتيقظ لوجه الرشد ثم لما لم يكن علم أشرف وأعلى من العلم بوحدانية الله تعالى وبما

نزله على النبي جعل من حصل له العلم بعد أن لم يكن كأنه إنما وجد الحياة وصارت صفة له مع وجود نور اإليمان في قلبه وجعل حالته السابقة التي خال فيها من اإليمان كحالة الموت التي تعدم معه الحياة

وذلك قوله تعالى ) ^ أو من كان ميتا فأحييناه (وأشباه ذلك

ومن هذا الباب قولهم فالن حي القلب يريدون أنه ثاقب الفهم جيد النظر مستعد لتمييز الحق من

الباطل فيما يرد عليه بعيد من الغفلة التي كالموت

ويذهبون به في وجه آخر وهو انه حرك نافذ في األمور غير بطىء النهوض وذلك أن هذه األوصاف من أمارات الصحة واعتدال المزاج وتوقد نار الحياة وهذا

يصلح في اإلنسان والبهائم ألنه تعريض بالقدرة والقوة والمذهب األول إشارة إلى العلم والعقل

وكلتا الصفتين أعنى القدرة والعلم مما يشرف به الحي ومما يضاده الموت وينافيه ولما كان األمر

كذلك صار إطالق الحياة مرة عبارة عن العلم وأخرىعن القدرة وإطالق الموت

____________________

(1/58)

إشارة إلى عدم القدرة وضعفها تارة وإلى عدم العلموضعفه أخرى

والقول الجامع في هذا أن تنزيل الوجود منزلة العدم إذا أريد المبالغة في حط الشىء والوضع منه

وخروجه عن أن يعتد به كقولهم هو والعدم سواء معروف متمكن في العادات وربما دعاهم اإليغال وحب السرف إلى أن يطلبوا بعد العدم منزلة هي

أدون منه حتى يقعوا في ضرب من التهوس كقولأبي تمام

) وأنت انزر من ال شىء في العدد ** ( وقول ابن نباته

) ما زلت اعطف أيامي فتمنحني ** نيال أدق منالمعدوم في العدم (

ويتفرع على هذا إثبات الفضيلة للمذكور بإثبات اسم الشىء له ويكون ذلك على وجهين أحدهما أن يريد

المدح واثبات المزية والفضل على غاية المبالغة حتى ال يحصل عليه مزيدا فإذا أردت ذلك جعلت اإلثبات

كأنه مقصور عليه ال يشارك فيه وذلك قولك هذا هوالشىء وما عداه فليس

____________________

(1/59)

بشىء أي أن ما عداه إذا قيس إليه صغر وحقر حتى ال يدخل في اعتداد وحتى يكون وجدانه كفقدانه فقد نزلت الوجود فيمن عدا المذكور منزلة العدم وأما أن يكون التفضيل على توسط ويكون القصد األخبار بأنه

غير ناقص على الجملة وال ملغى منزل منزلة المعدوم قولك هذا شىء أي داخل في االعتداد وفي هذه الطريقة أيضا تفاوت فانك تقول مرة هذا إما ال شىء تريد إن تقول أن اآلخر ليس بشىء وال اعتداد

به أصال وتقول أخرى هذا شىء تريد شيء له قدر وخطر وتجرى لك هذه الوجوه في أسماء األجناس

كلها تقول هذا هو الرجل ومن عداه فليس من الرجولية في شىء وهذا هو الشعر فحسب تبالغ في

التفضيل وتجعل حقيقة الجنسية مقصورة على المذكور وتقول هذا رجل تريد كامل من الرجال ال أن من عداه فليس برجل على الكمال وقد تقول هذا إما

ال رجل تريد يستحق أن يعد في الرجال ويكون قصدك أن تشير إلى أن هناك واحدا آخر ال يدخل في

االعتداد أصال وال يستحق اسم الرجل وإذ كان هذا هو الطريق المهيع في الوضع من

الشيء وترك االعتداد به والتفضيل له والمبالغة في االعتداد به فكل صفتين تضادتا ثم أريد نقص الفاضلة

منهما عبر عن نقصها باسم ضدها فجعلت الحياة العارية من فضيلة العلم والقدرة موتا والبصر

والسمع إذا لم ينتفع صاحبهما بما يسمع ويبصر فلم يفهم معنى المسموع ولم يعتبر بالمبصر أو لم يعرف

حقيقته عمى وصمما وقيل للرجل هو أعمى أصميراد انه ال يستفيد شيئا مما يسمع

____________________

(1/60)

ويبصر فكأنه لم يسمع ولم يبصر وسواء عبرت عن نقص الصفة بوجود ضدها أو وصفها بمجرد العدم

وذلك أن في إثبات أحد الضدين وصفا للشيء ونفيا للضد اآلخر الستحالة أن يوجدا معا فيه فيكون

الشخص حيا ميتا معا أصم سميعا في حالة واحدة فقولك في الجاهل هو ميت بمنزلة قولك ليس بحي

وان الوجود في حياته بمنزلة العدم هذا هو ظاهر المذهب في األمر والحكم إذا أطلق القول فاما إذا

قيد كقوله أصم عما ساءة سميع فتثبت له الصفتان معا على الجملة إال أن مرجع ذلك إلى أن يقال انه

كان يفقد السمع في حال ويعود إليه في حال أو انه في حق هذا الجنس فاقد اإلدراك مسلوبه وفيما عداه

كائن على حكم السميع فلم يثبت له الصم على الجملة إال للحكم بان وجود سمعة كالعدم إال أن ذلك

في شيء دون شيء وعلى التقييد دون اإلطالق فقد تبين إذن أن اصل هذا الباب تنزيل الموجود منزلة المعدوم لكونه بحيث ال يعتد به وخلوه من

الفضيلة والطريق الثاني في شبه المعقول من المعقول أن ال يكون على تنزيل الوجود منزلة العدم ولكن على

اعتبار صفة معقولة يتصور وجودها مع ضد ما استعرت اسمه فمن ذلك أن يراد وصف األمر بالشدة

والصعوبة والبلوغ في كونه مكروها إلى الغاية القصوى فيقال لقى الموت يريدون لقي األمر األشد

الصعب الذي هو في كراهة النفس له كالموت____________________

(1/61)

ومعلوم أن كون الشيء شديدا صعبا مكروها صفة معلومة ال تنافي الحياة وال يمنع وجودها معه كما

يمنع وجود الموت مع الحياة أال ترى أن كراهة الموت موجودة في اإلنسان قبل حصوله كيف واكره ما

يكون الموت إذا صفت مشارع الحياة وخصبت مسارح اللذات فكلما كانت الحياة أمكن واتم كانت الكراهة للموت أقوى واشد ولم تخف كراهته على العارفين

إال لرغبتهم في الحياة الدائمة الصافية من الشوائب بعد أن تزول عنهم هذه الحياة الفانية ويدركهم

الموت فيها فتصورهم لذة األمن منه قلل كراهتهم له كما أن ثقة العالم بما يعقبه الدواء من الصحة

يهون عليه مرارته فقد عبرت ههنا عن شدة األمر بالموت واستعرته له من اجلها والشدة ومحصولها

الكراهة موجودة في كل واحد من المستعار له والمستعار منه فليس التشبيه إذن من طريق الحكم

على الوجود بالعدم وتنزيل ما هو موجود كأنه قد خلع صفة الوجود وذلك أن هذا الحكم إنما جرى في تشبيه

الجهل بالموت وجعل الجاهل ميتا من حيث كان للجهل ضد ينافي الموت ويضاده وهو العلم فلما أردت أن تبالغ في نفي العلم الذي يجب مع نفيه

الجهل جعلت الجهل موتا لتؤيس من حصول العلم للمذكور وليس لك هذا في وصف األمر الشديد

المكروه بأنه موت أال ترى أن قوله ) ال تحسبن الموت موت البلى ** وإنما الموت سؤال

الرجال ( ال يفيد أن للسؤال ضدا ينافي الموت أو يضاده على

الحقيقة وان هذا القائل قصد بجعل السؤال موتا نفي ذلك الضد وان يؤيس من وجوده وحصوله بل

أراد أن في السؤال كراهة ومرارة مثل ما في الموتوان نفس الحر

____________________

(1/62)

تنفر منه كما تنفر نفوس الحيوان جملة من الموتوتطلب الحياة ما أمكن في الخالص منه

فان قلت المعنى فيه أن السؤال يكسب الذل وينفي العز والذليل كالميت لفقد القدرة والتصرف فصار

كتسميتهم خمول الذكر موتا والذكر بعد الموت حياة كما قال أمير المؤمنين علي رضى الله عنه مات

خزان المال والعلماء باقون ما بقى الدهر أعيانهم مفقودة وأمثالهم في القلوب موجودة قلت إني آنس انهم لم يقصدوا هذا المعنى في السؤال وإنما أرادوا

الكراهة ولذلك قال بعد البيت الذي كتبته ) كالهما موت ولكن ذا ** اشد من ذاك لذل السؤال (

هذا وليس كل ما يعبر عنه بالموت ألنه يكره ويصعب وال يستسلم له العاقل إال بعد أن تعوزه الحيل فانه

يحمل هذا المحمل وينقاد لهذا التأويل أترى المتنبيفي قوله

) وقدمت أمس بها موته ** وال يشتهى الموت منذاقه (

أراد شيئا غير انه لقى شدة وأما العبارة عن خمول

الذكر بالموت فانه وان كان يدخل في تنزيل الوجودمنزلة العدم من حيث يقال أن الخامل لما لم

____________________

(1/63)

يذكر ولم بين منه ما يتحدث به صار كالميت الذي ال يكون منه قول بل وال فعل يدل على وجوده فليس

دخوله فيه ذلك الدخول وذلك أن الجهل ينافي العلم ويضاده كما ال يخفي والعلم إذا وجد فقد وجدت

الحياة حتما واجبا وليس كذلك خمول الذكر والذكر ألنه ليس إذا وجد الذكر فقد وجدت الحياة ألنك تحدث

عن الميت بأفعاله التي كانت منه في حال الحياة فيتصور الذكر وال حياة على الحقيقة وال يتصور العلم

وال حياة على الحقيقة وهكذا القول في الطرف األخر وهو تسمية من ال يعلم ميتا وذلك أن الموت ها

هنا عبارة عن عدم العلم وانتفائه وعدم العلم على اإلطالق حتى ال يوجد منه شىء أصال وحتى ال يصح

وجوده يقتضي وجود الموت على الحقيقة وال يمكن أن يقال إن خمول الذكر يوجب الموت على الحقيقة

فأنت إذن في هذا تنزل الوجود منزلة العدم على وجه ال ينصرف إلى الحقيقة وال يصير إليها وإنما

يمثل ويخيل وأما في الضرب األول وهو جعل من ال يعلم ميتا ومن يعلم هو الحي فإنك تالحظ الحقيقة

وتشير إليها وتحطب في حبلها فاعرفه وأما قولهم في الغنى إذا كان بخيال ال ينتفع بماله إن غناء فقر فهو في الضرب األول أعنى تنزيل الوجود

منزلة العدم لمعرى الوجود مما هو المقصود منه وذلك أن المال ال يراد لذاته وإنما يراد لالنتفاع به في

الوجوه التي تعدها العقالء انتفاعا فإذا حرم مالكه هذه الجدوى وهذه الفائدة فملكه له وعدم الملك

سواء والغنى إذا صرف إلى المال فال معنى له سوى ملك اإلنسان الشيء الكثير منه أال تراه يذكر مع

الثروة فيقال____________________

(1/64)

غنى مثر مكثر فإذا تبين بالعلة التي مضت أنه ال يستفيد بملكه هذا المال معنى وأن ال طائل له فيه

فقد ثبت أن غناه والفقر سواء ألن الفقر أن ال يملك المال الكثير وأما قول اللؤماء إن انتفاعه في

اعتقاده أنه متى شاء انتفع به وما يجد في نفسه من عزة االستظهار وأنه يهان ويكرم من أجله فمن

أضاليل المنى وقد يهان ويذل ويعذب بسببه حتىتنزع الروح دونه

ثم إن هذا الكالم وضعه العقالء الذين عرفوا ما االنتفاع وهذا المخالف ال ينكر أن االنتفاع لو عدم

كان ملكه اآلن لمال وعدم ملكه سواء وإنما جاء يتطلب عذرا ويرخي دون لؤمه سترا ونظير هذا انك ترى الظالم المجترىء على األفعال القبيحة يدعى

لنفسه الفضيلة بأنه مديد الباع طويل اليد وأنه قادر على أن يلجىء غيره إلى التطامن له ثم ال يزيده احتجاجه إال خزيا وذال عند الله وعند الناس وترى

المصدق له في دعواه أذم له وأهجى من المكذب ألن الذى صدقه أيس من أن ينزع إلى اإلنسانية بحال والذى كذب رجا أن ينزع عند التنبيه والكشف عن

القبيح وأما قولهم في القناعة إنها الغنى كقوله إن القنوع

الغنى ال كثرة المال يريد القناعة وكما قال اآلخر ) إن القناعة فاعلمن غنى ** والحرص يورث أهله

الفقرا (____________________

(1/65)

وجعلهم الكثير المال إذا كان شرها حريصا علىاالزدياد فقيرا

فما يرجع إلى الحقيقة المحضة وان كان في ظاهرالكالم كالتشبيه والتمثيل

وذلك أن حقيقة الغنى هو انتفاء الحاجة والحاجة أن تريد الشيء وال تجده والكثير المال إذا كان الحرص

عليه غالبا والشره له أبدا صاحبا وكان حاله كحل من به كلب الجوع يأكل وال يشبع أو من به البغر يشرب

وال يروى فكما أن إصابته من الطعام والشراب القدر الذي يشبع ويروى إذا كان المزاج معتدال والصحة

صحيحة ال تنفي عنه صفة الجائع والظمآن لوجود الشهوة ودوام مطالبة النفس وبقاء لهيب الظمأ

وجهد العطش وكذلك الكثير المال له ال تحصل صفة الغنى وال تزول عنه صفة الفقر مع بقاء حرصه الذي

يديم له الفرم والشهوة والحاجة والطلب والضجر حين يفقد الزيادة التي يريدها وحين يفوته الربح من

تجاراته وسائر متصرفاته حتى ال يكاد يفصل بين حاله وقد فاته ما طلب وبينها وقد أخذ بعض ماله وغصب ومن أين تحصل حقيقة الغنى لذي المال الكثير وقد تراه من بخله وشحه كالمقيد دون ما ملكه والمغلول

اليد يموت صبرا ويعانى بؤسا وال تمتد يده إلى ما يزعم انه يملكه فينفقه في لذة نفس أو فيما يكسب

حمدا اليوم واجرا غدا ذاك ألنه عدم كرما يبسط أنامله وجودا ينصر آمله وعقال ينصره وهمة تمكنه

مما لديه وتسلطه عليه كما قال البحتري ) وواجد مال اعوزته سجيه ** تسلطه يوما على ذلك

الوجد (____________________

(1/66)

فقولهم إذن أن القناعة هي الغنى ال كثرة المال إخبار عن حقيقة نفذت بها قضايا العقول وصححتها الخبرة والعبرة ولكن رب قضية من العقل نافذة قد

صارت كأنها من األمور المتجوز فيها أو دون ذلك في الصحة لغلبة الجهل والسفه على الطباع وذهاب من

يعمل بالعقل ويذعن له ويطرح الهوى ويصبو إلى الجميل ويأنف من القبيح ولذهاب الحياء وبطالنه وخروج الناس من سلطانه ويأس العاقل من أن يصادف عندهم أن نبه أو ذكر سمعا يعي وعقال

يراعي فجرى الغنى على كثرة المال والفقر على قلته مما يزيله العرف عن حقيقته في اللغة ولما كان الظاهر من حال الكثير المال انه ال يعجز عن شىء يريده من لذاته وسائر مطالبه سمى المال الكثير غنى وكذلك لما كان من قل ماله عجز عن

أرادته سمى قلة المال فقرا فهو من جنس تسمية السبب باسم المسبب وإال فحقيقة الغنى انتفاء

االحتياج وحقيقة الفقر االحتياج والله تعالى الغنى

على الحقيقة الستحالة االحتياج عليه جل وتعالى عن صفات المخلوقين وعلى ذاك ما جاء في الخبر من أن

رسول الله قال أتدرون ما المفلس قالوا المفلس فينا يا رسول الله من ال درهم له وال متاع قال المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصالته

وزكاته وصيامه فيأتي وقد شتم هذا واكل مال هذا وقذف هذا وضرب هذا وسفك دم هذا فيعطى هذا

من حسناته وهذا من حسناته فان فنيت حسناته قبل أن يفنى ما عليه من الخطايا أخذ من خطاياهم

فطرحت عليه ثم طرح في النار وذاك انه بين الحكم في اآلخرة فلما كان اإلنسان إنما يعد غنيا في الدنيا بماله ألنه يجتلب به المسرة ويدفع المضرة وكان هذا

الحكم في اآلخرة للعمل الصالح ثبت ال محالة أنيكون

____________________

(1/67)

الخالي نعوذ بالله من ذلك هو المفلس إذ قد عرى مما ألجله يسمى الخالي من المال في الدنيا مفلسا

وهو ما يوصله إلى الخير والنعيم ويقيه الشروالعذاب نسأل الله التوفيق لما يؤمن من عقابه

وإذا كان البحث والنظر يقتضي أن الغنى والفقر في هذا الوجه داالن على حقيقة هذا التركيب في اللغة كقولك غنيت عن الشىء واستغنيت عنه إذا لم تحتج

إليه وافتقرت إلى كذا إذا احتجت إليه وجب أن ال فصليعدواها ههنا في المستعار والمنقول عن أصله

إن قال قائل أن تنزيل الوجود منزلة العدم أو العدم منزلة الوجود ليس من حديث التشبيه في شىء ألن التشبيه أن يثبت لهذا معنى من معاني ذاك أو حكما

من أحكامه كإثباتك للرجل شجاعة األسد وللحجة حكم النور في انك تفصل بها بين الحق والباطل كما

تفصل بالنور بين األشياء وإذا قلت في الرجل القليل المعاني هو معدوم أو قلت هو والعدم سواء فلست تأخذ له شبها شىء من ولكنك تنفيه وتبطل وجوده كما انك إذا قلت ليس هو بشيء أو ليس برجل كان

كذلك وكما ال يسمى أحد نحو قولنا ليس بشيء

تشبيها كذلك ينبغي أن ال يكون قولك وأنت تقلل الشيء أخبرت عنه معدوم تشبيها وكذلك إذا جعلت

المعدوم موجودا كقولك مثال للمال يذهب ويفنىويثمر صاحبه ذكرا جميال وثناء حسنا

____________________

(1/68)

إنه باق لك موجود لم يكن ذلك تشبيها بل إنكارا لقول من نفي عنه الوجود حتى كأنك تقول عينه باقية كما كانت وإنما استبدل بصورة صورة فصار

جماال بعد ما كان ماال ومكارم بعد أن كان دراهم وإذا ثبت هذا في نفس الوجود والعدم ثبت في كل ما كان على طريق تنزيل الصفة الموجودة كأنها غير موجودة نحو ما ذكرت من جعل الموت عبارة عن

الجهل فلم يكن ذلك تشبيها ألنه إذا كان ال يراد بجعل الجاهل ميتا إال نفي الحياة عنه مبالغة ونفي العلم

والتمييز واإلحساس الذي ال يكون إال مع الحياة كان محصوله أنك لم تعتد بحياته وترك االعتداد بالصفة ال يكون تشبيها إنما هو نفي لها وإنكار لقول من أثبتها

فالجواب أن األمر كما ذكرت ولكن تتبعت فيما وضعته ظاهر الحال ونظرت إلى قولهم موجود

كالمعدوم وشىء كال شىء ووجود شبيه بالعدم فان أبيت أن تعمل على هذا الظاهر لم أضايق فيه أال أن من حقك أن تعلم أنه ال غنى بك عن حفظ الترتيب

الذي رتبته في إعطاء المعقول اسم معقول آخر أعنى ال بد من أن تعلم انه يجيء على طريقين

أحدهما تنزيل الوجود منزلة العدم كما مضى من أن جعل الموت عبارة عن الجهل وإيقاع اسمه عليه

يرجع إلى تنزيل حياته الموجودة كأنها معدومة والثاني أن ال يكون هذا المعنى ولكن على أن ألحد

المعنيين شبها باآلخر نحو أن السؤال يشبه فيكراهته وصعوبته على نفس الحر الموت

وأعلم أني ذكرت لك في تمثيل هذه األصول الواضح الظاهر القريب المتناول الكائن من قبيل المتعارف في كل لسان وما تجد اعترافا به وموافقة عليه من

كل إنسان أو ما يشابه هذا الحد ويشاكله____________________

(1/69)

ويداخل هذا الضرب ويشاركه ولم اذكر ما يدق ويغمض ويلطف ويغرب وما هو من األسرار التي

أثارتها الصنعة وغاصت عليها فكرة األفراد من ذوي البراعة في الشعر ألن القصد إذا كان لتمهيد

األساس ووضع قواعد للقياس كان األولى أن يعمد إلى ما هو اظهر وأجلى من األمثلة لتكون الحجة بها

عامة ال يصرف وجهها بحال والشهادة تامة ال تجد من السامعين غير قبول وإقبال حتى إذا تمهدت القواعد

وأحكمت العرى والمعاقد اخذ حينئذ في تتبع ما اخترعته القرائح وعمد إلى حل المشكالت عن ثقة

بأن هيئت المفاتح هذا وفي االستعارة بعد من جهة القوانين واألصول

شغل الفكر ومذهب القول وخفايا ولطائف تبرز من حجبها بالرفق والتدريج والتلطف والتاني ولكني أظن أن الصواب أن أنقل الكالم إلى القول على

وحقيقتهما والمراد منهما خصوصاالتشبيه والتمثيل في كالم من يتكلم على الشعر ونتعرف أهما

متساويان في المعنى أو مختلفان أم جنسهما واحد أال أن أحدهما أخص من اآلخر وأنا أضع لك جملة من

التشبيهالقول نبين بها هذه األمور التشبيه والتمثيل وأقسامه

اعلم أن الشيئين إذا شبه أحدهما باآلخر كان ذلك على ضر بين أحدهما أن يكون من جهة أمر بين ال

يحتاج فيه إلى تأول____________________

(1/70)

واآلخر أن يكون الشبه محصال بضرب من التأول فمثال األول تشبيه الشيء بالشيء من جهة الصورة والشكل نحو أن يشبه الشيء إذا استدار بالكرة في

وجه وبالحلقة في وجه آخر وكالتشبيه من جهة اللون

كتشبيه الخدود بالورد والشعر بالليل والوجه بالنهار وتشبيه سقط النار بعين الديك وما جرى في هذا

الطريق أو جمع الصورة واللون كتشبيه الثريا بعنقود الكرم المنثور والنرجس بمداهن در حشوهن عقيق

وكذلك التشبيه من جهة الهيئة نحو انه مستو منتصب مديد كتشبيه القامة بالرمح والقد اللطيف بالغصن

ويدخل في الهيئة حل الحركات في أجسامها كتشبيه الذاهب على االستقامة بالسهم السديد ومن تأخذه

األريحية فيهتز بالغصن تحت البارح ونحو ذلك وكذلك كل تشبيه جمع بين شيئين فيما يدخل تحت الحواس

نحو تشبيهك صوت بعض األشياء بصوت غيره كتشبيهاطيط الرحل بأصوات الفراريج كما قال

) كان أصوات من إيغالهن بنا ** أواخر الميس ايقاضالفراريج (

تقدير البيت كان أصوات أواخر الميس أصوات الفراريج من إيغالهن بنا ثم فصل بين المضاف

والمضاف إليه بقوله من إيغالهن وكتشبيه صريفأنياب البعير بصياح البوازي كما قال

____________________

(1/71)

) كأن على أنيابها كل سحرة ** صياح البوازي منصريف اللوائك (

وأشباه ذلك من األصوات المشبهة له وكتشبيه بعض الفواكه الحلوة بالعسل والسكر وتشبيه اللين الناعم

بالخز والخشن بالمسح أو رائحة بعض الرياحين برائحة الكافور أو رائحة بعضها ببعض كما ال يخفي

وهكذا التشبيه من جهة الغريزة والطباع كتشبيه الرجل باألسد في الشجاعة والذئب في النكر

واألخالق كلها تدخل في الغريزة نحو السخاء والكرم واللؤم وكذلك تشبيه الرجل بالرجل في الشدة

والقوة وما يتصل بها فالشبه في هذا كله بين ال يجرى فيه التأول وال

يفتقر إليه في تحصيله وأي تأول يجرى في مشابهة الخد للورد في الحمرة وأنت تراها ههنا كما تراها

هناك وكذلك تعلم الشجاعة في األسد كما تعلمها في

الرجل ومثال الثاني وهو الشبه الذي يحصل بضرب من

التأول كقولك هذه حجة كالشمس في الظهور وقد شبهت الحجة بالشمس من جهة ظهورها كما شبهت

فيما مضى الشيء بالشيء من جهة ما أردت من لون أو صورة أو غيرهما إال أنك تعلم أن هذا التشبيه ال

يتم لك إال بتأول وذلك أن تقول حقيقة ظهور الشمس وغيرها من األجسام أن ال يكون دونها حجاب

ونحوه مما يحول بين____________________

(1/72)

العين وبين رؤيتها ولذلك يظهر الشيء لك وال يظهر لك إذا كنت من وراء حجاب أو لم يكن بينك وبينه ذلك

الحجاب ثم تقول أن الشبهة نظير الحجاب فيما يدرك

بالعقول ألنها تمنع القلب رؤية ما هي شبهة فيه كمايمنع الحجاب العين أن ترى ما هو من ورائه

ولذلك توصف الشبهة بأنها اعترضت دون الذي يروم القلب إدراكه ويصرف فكره للوصول إليه من صحة حكم أو فساده فإذا ارتفعت الشبهة وحصل العلم

بمعنى الكالم الذي هو الحجة على صحة ما أدى من الحكم قيل هذا ظاهر كالشمس أي ليس ههنا مانع

عن العلم به وال للتوقف والشك فيه مساغ وان المنكر له إما مدخول في عقله أو جاحد مباهت

ومسرف في العناد كما أن الشمس الطالعة ال يشك فيها ذو بصر وال ينكرها إال من ال عذر له في إنكاره

فقد احتجت في تحصيل الشبه الذي أثبته بين الحجةوالشمس إلى مثل هذا التأويل كما ترى

ثم أن ما طريقة التأول يتفاوت تفاوتا شديدا فمنه ما يقرب مأخذه ويسهل الوصول إليه ويعطى المقادة طوعا حتى انه يكاد يداخل الضرب األول الذي ليس

من التأول في شىء وهو ما ذكرته لك ومنه ما يحتاج فيه إلى قدر من التأمل ومنه ما يدق ويغمض حتىيحتاج في استخراجه إلى فضل روية ولطف فكره فما يشبه الذي بدأت به في قرب المأخذ وسهولة المأتى قولهم في صفة الكالم ألفاظه كالماء في

السالسة وكالنسيم في الرقة وكالعسل في الحالوة يريدون أن اللفظ ال يستغلق وال يشتبه معناه وال

يصعب الوقوف عليه وليس هو بغريب وحشىيستنكره لكونه غير مألوف

____________________

(1/73)

أو ما ليس في حروفه تكرير وتنافر يكد اللسان من اجلهما فصارت لذلك كالماء الذي يسوغ في الحلق

والنسيم الذي يسرى في البدن ويتخلل المسالك اللطيفة منه ويهدى إلى القلب روحا ويوجد في

الصدر انشراحا ويفيد النفس نشاطا وكالعسل الذي يلذ طعمه وتهش النفس له ويميل الطبع إليه ويحب

وروده عليه فهذا كله تأول ورد شىء إلى شىء بضرب من التلطف وهو ادخل قليال في حقيقة

التأول وأقوى حاال في الحاجة إليه من تشبيه الحجةبالشمس

وأما ما تقوى فيه الحاجة إلى التأول حتى ال يعرف المقصود من التشبيه فيه ببديهة السماع فنحو قول

كعب االشقري وقد أوفده المهلب على الحجاج فوصف له بنيه وذكر مكانهم من الفضل والبأس

فسأله في آخر القصة قال فكيف كان بنو المهلب فيهم قال كانوا حماة السرح نهارا فإذا اليلوا

ففرسان البيات قال فأيهم كان انجد قال كانوا كالحلقة المفرغة ال يدرى أين طرفاها فهذا كما ترى ظاهر األمر في فقرة إلى فضل الرفق به والنظر أال

ترى أنه ال يفهمه حق فهمه إال من له ذهن ونظر____________________

(1/74)

يرتفع به عن طبقة العامة وليس كذلك تشبيه الحجة بالشمس فانه كالمشترك البين االشتراك حتى يستوي في فعرفته اللبيب اليقظ والمضعوف

المغفل وهكذا تشبيه األلفاظ بما ذكرت قد تجده في كالم

العامي فأما ما كان مذهبه اللطف مذهب قوله هم كالحلقة فال تراه إال في اآلداب والحكم المأثورة عن

الفرق بين التشبيهالفضالء وذوى العقول الكاملة والتمثيل

وإذ قد عرفت الفرق بين الضربين فاعلم أن التشبيه عام والتمثيل أخص منه فكل تمثيل تشبيه وليس كل

تشبيه تمثيال فأنت تقول في قول قيس ابن الخطيم ) وقد الح في الصبح الثريا لمن رأى ** كعنقود

مالحية حين نورا ( انه تشبيه حسن وال تقول هو تمثيل وكذلك تقول ابن

المعتز حسن التشبيهات بديعها ألنك تعنى تشبيهه المبصرات بعضها ببعض وكل ما ال يوجد التشبيه فيه

من طريق التأول كقوله ) كان عيون النرجس الغض حولها ** مداهن در

حشوهن عقيق ( وقوله ) وارى الثريا في السماء كأنها ** قدم تبدد من ثياب

حداد ( وقوله

) وتروم الثريا ** في الغروب مراما ( ) كانكباب طمر ** كاد يلقى اللجاما (

____________________

(1/75)

وقوله ) قد انقضت دولة الصيام وقد ** بشر سقم الهالل

بالعيد ( ) يتلو الثريا كفاغر شره ** يفتح فاه ألكل عنقود (

وقوله ) لما تعرى أفق الضياء ** مثل ابتسام الشفة

اللمياء ( ) وشمطت ذوائب الظلماء ** قدنا لعين الوحش

والظباء ( ) داهية محذورة اللقاء ** ويعرف الزجر من الدعاء ( ) بإذن ساقطة األرجاء ** كورد السوسنه الشهباء (

) ذا برثن كمثقب الحذاء ** ومقلة قليلة األقذاء (

) صافية كقطرة من ماء ** (____________________

(1/76)

وما كان من هذا الجنس وال تريد نحو قوله ) اصبر على مضض الحسو ** د فان صبرك قاتلة (

) فالنار تأكل نفسها ** إن لم تجد ما تأكله ( وذلك إن إحسانه في النوع األول أكثر وهو به أشهر

وكل ما ال يصح أن يسمى تمثيال فلفظ المثل ال يستعمل فيه أيضا فال يقال ابن المعتز حسن األمثال تريد به نحو األبيات التي قدمتها وإنما يقال صالح بنعبد القدوس كثير األمثال في شعره يراد نحو قوله

) وان من أدبته في الصبا ** كالعود يسقى الماء فيغرسه (

) حتى تراه مورقا نادرا ** بعد الذي أبصرت من يبسه)

____________________

(1/77)

وما أشبهه مما الشبه فيه من قبيل ما يجرى فيهالتأول ولكن إن قلت في قول ابن المعتز

) فالنار تأكل نفسها ** إن لم تجد ما تأكله ( إنه تمثيل فمثل الذي قلت ينبغي أن يقال ألن تشبيه الحسود إذا صبر عليه وسكت عنه وترك غيظه يتردد

فيه بالنار التي ال تمد بالحطب حتى يأكل بعضهابعضا مما حاجته إلى التأول ظاهرة بينة

فقد تبين بهذه الجملة وجه الفرق بين التشبيه والتمثيل وفي تتبع ما أجملت من أمرهما وسلوك

طريق التحقيق فيهما ضرب من القول ينشط له من فصليأنس بالحقائق

اعلم أن الذي أوجب أن يكون في التشبيه هذا االنقسام أن االشتراك في الصفة يقع مرة في

نفسها وحقيقة جنسها ومرة في حكم لها ومقتضى

فالخد يشارك الورد في الحمرة نفسها ويجدها في الموضعين بحقيقتها واللفظ يشارك العسل في الحالوة ال من حيث جنسه بل من جهة حكم وامر يقتضيه وهو ما يجده الذائق في نفسه من اللذة

والحالة التي تحصل في النفس إذا صادفت بحاسة الذوق ما يميل إليه الطبع ويقع منه بالموافقة فلما كان كذلك احتيج ال محالة إذا شبه اللفظ بالعمل في

الحالوة أن يبين أن هذا التشبيه ليس من جهة الحالوة نفسها وجنسها ولكن من مقتضى لها وصفة

تتجدد في النفس بسببها وأن القصد أن يخبر بأن السامع يجد عند وقوع هذا اللفظ في سمعه حالة في

نفسه شبيهه بالحالة التي يجدها____________________

(1/78)

الذائق للحالوة من العسل حتى لو تمثلت الحالتان للعيون لكانتا تريان على صورة واحدة ولوجدتا من

التناسب على حد الحمرة من الخد والحمرة من الورد وليس ههنا عبارة أخص بهذا البيان من التأول ألن

حقيقة قولنا تأولت الشيء أنك تطلبت ما يؤول إليه من الحقيقة أو الوضع الذي يؤول إليه من العقل ألن

أولت وتأولت فعلت وتفعلت من آل األمر إلى كذا يؤول إذا انتهى إليه والمآل المرجع وليس قول من

جعل أولت وتأولت من أول بشيء ألن ما فاؤة وعينه من موضع واحد ككوكب وددن ال يصرف منه فعل

وأول أفعل بداللة قولنا أول منه كقولنا اسبق منه وأقدم فالواو األولى فاء والثانية عين وليس هذا

موضع الكالم في ذلك فيستقصي وأما الضرب األول فإذا كان المثبت من المشبه في الفرع من جنس المثبت في األصل كان أصال بنفسه وكان ظاهر أمره وباطنه واحدا وكان حاصل جمعك

بين الورد والخد انك وجدت في هذا وذاك حمرة والجنس ال تتغير حقيقته بان يوجد في شيئين وإنما يتصور فيه التفاوت بالكثرة والقلة والضعف والقوةنحو أن حمرة هذا الشيء أكثر واشد من حمرة ذاك

وإذا تقررت هذه الجملة حصل من العلم بها أن التشبيه الحقيقي األصلي هو الضرب األول وأن هذا

الضرب فرع له ومرتب عليه ويزيد ذلك بيانا أن مدار التشبيه على أنه يقتضي ضربا من االشتراك ومعلوم أن االشتراك في نفس الصفة اسبق في التصور من

االشتراك في مقتضى____________________

(1/79)

الصفة كما أن الصفة نفسها مقدمة في الوهم على مقتضاها فالحالوة أوال ثم إنها تقتضي اللذة في

نفس الذائق لها وإذا تأملنا متصرف تركيبه وجدناه يقتضي أن يكون الشيئان من االتفاق واالشتراك في الوصف بحيث يجوز أن يتوهم أن أحدهما اآلخر وهكذا

تراه في العرف والمعقول فان العقالء يؤكدون أبدا أمر المشابهة بان يقولوا ال يمكنك أن تفرق بينهما ولو رأيت هذا بعد أن رأيت ذاك لم تعلم انك رأيت

شيئا غير األول حتى تستدل بأمر خارج عن الصورة ومعلوم أن هذه القضية إنما توجد على اإلطالق

والوجود الحقيقي في الضرب األول وأما الضرب الثاني فإنما يجيء فيه على سبيل التقدير والتنزيل

فأما أن ال تجد فصال بين ما يقتضيه العسل في نفس الذائق وما يحصل باللفظ المرضى والكالم المقبول في نفس السامع فمما ال يمكن ادعاؤه إال على نوع

من المقاربة أو المجازفة فإما على التحقيق والقطع فال فالمشابهات المتأولة التي ينتزعها العقل من

الشيء للشيء ال تكون في حد المشابهات االصليه الظاهرة بل الشبه العقلي كان الشيء به يكون

فصلشبيها بالمشبه به ثم إن هذا الشبه العقلي ربما انتزع من شىء واحد كما مضى من انتزاع الشبه للفظ من حالوة العسل وربما انتزع من عدة أمور يجمع بعضها إلى بعض ثم

يستخرج من مجموعها الشبه فيكون سبيله سبيل الشيئين يمزج أحدهما باآلخر حتى تحدث صورة غير

ما كان لهما في حال األفراد ال سبيل____________________

(1/80)

الشيئين يجمع بينهما وتحفظ صورتهما ومثل ذلك قوله عز وجل ) ^ مثل الذين حملوا التوراة ثم لم

يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا ( الشبه منتزع من أحوال الحمار وهو أنه يحمل األسفار التي هي أوعيه العلوم ومستودع ثمر العقول ثم ال يحس بما

فيها وال يشعر بمضمونها وال يفرق بينها وبين سائر األحمال التي ليست من العلم في شىء وال من

الداللة عليه بسبيل فليس له مما يحمل حظ سوى انه يثقل عليه ويكد جنبيه فهو كما ترى مقتضى أمور

مجموعه ونتيجة ألشياء الفت وقرن بعضها إلى بعض بيان ذلك انه احتيج إلى أن يراعى من الحمار فعل

مخصوص وهو الحمل وان يكون المحمول شيئا مخصوصا وهو األسفار التي فيها إمارات تدل على

العلوم وان يثلث ذلك بجهل الحمار ما فيها حتى يحصل الشبه المقصود ثم إنه ال يحصل من كل واحد من هذه األمور على االنفراد وال يتصور أن يقال انه تشبيه بعد تشبيه من غير أن يقف األول على الثاني ويدخل الثاني في األول ألن الشبه ال يتعلق بالحمل

حتى يكون من الحمار ثم ال يتعلق أيضا بحمل الحمار حتى يكون المحمول األسفار ثم ال يتعلق بهذا كله

حتى يقترن به جهل الحمار باألسفار المحمولة على ظهره فما لم تجعله كالخيط الممدود ولم يمزج حتى

يكون القياس قياس أشياء يبالغ في مزاجها حتى تتحد وتخرج عن أن تعرف صورة كل واحد منها على

االنفراد بل تبطل صورها المفردة التى كانت قبل المزاج وتحدث صورة خاصة غير اللواتي عهدت

ويحصل مذاقها حتى لو فرضت حصولها لك في تلك األشياء من غير امتزاج فرضت ماال يكون لم يتم

المقصود ولم تحصل النتيجة المطلوبة وهي الذمبالشقاء في شىء

____________________

(1/81)

يتعلق به غرض جليل وفائدة شريفة مع حرمان ذلك الغرض وعدم الوصول إلى تلك الفائدة واستصحاب

ما يتضمن المنافع العظيمة والنعم الخطيرة من غير

أن يكون ذلك االستصحاب سببا إلى نيل شىء منتلك المنافع والنعم

ومثال ما يجيء فيه التشبيه معقودا على أمرين اال انهما ال يتشابكان هذا التشابك قولهم هو يصفو

ويكدر ويمر ويحلو ويشج ويأسو ويسرج ويلجم ألنك وإن كنت أردت ان تجمع له الصفتين فليست إحداهما ممتزجه باألخرى ألنك لو قلت هو يصفو ولم تتعرض

لذكر الكدر أو قلت يحلو ولم يسبق ذكر يمر وجدت المعنى في تشبيهك له بالماء في الصفاء وبالعسل في الحالوة بحالة وعلى حقيقته وليس كذلك اآلمر

في اآلية ألنك لو قلت كالحمار يحمل اسفارا ولم تعتبر ان يكون جهل الحمار مقرونا بحمله وان يكون

متعديا إلى مت تعدى إليه الحمل لم يتحصل لك المغزى منه وكذلك لو قلت هم كالحمار في أنه يجهل

األسفار ولم تشترط أن يكون حمله االسفار مقرونا بجهله لها لكان كذلك وكذلك لو ذكرت الحمل والجهل

مطلقين ولم تجعل لهما المفعول المخصوص الذي هو األسفار فقلت هو كالحمار في انه يحمل ويجهل

وقعت من التشبيه المقصود في اآلية بأبعد البعد والنكته أن التشبيه بالحمل لألسفار إنما كان بشرط

أن يقترن به الجهل ولم يكن الوصف بالصفاءوالتشبيه بالماء فيه بشرط أن يقترن به الكدر

____________________

(1/82)

ولذلك لو قلت يصفو وال يكدر لم تزدد في صميم التشبيه وحقيقته شيئا وانما استدمت الصفة كقولك

فصليصفو ابدا وعلى كل حال اعلم أن الشبه إذا انتزع من الوصف لم يخل من وجهين أحدهما أن يكون ألمر ال يرجع إلى نفسه

واآلخر أن يكون ألمر ال يرجع إلى نفسه فاألول ما مضى في نحو تشبيه الكالم بالعسل في الحالوة

وذلك أن وجه التشبيه هناك أن كل واحد منهما يوجب في النفس لذة وحالة محمودة ويصادف منها قبوال

وهذا حكم واجب للحالوة من حيث هي حالوة أوللعسل من حيث هو عسل

واما الثاني وهو ما ينتزع منه التشبيه ألمر ال يرجع

إلى نفسه فمثالة أن يتعدى الفعل إلى شىء مخصوص يكون له من اجله حكم خاص نحو كونه

واقعا في موقعه وعلى الصواب أو واقعا غير موقعه كقولهم هو كالقابض على الماء والراقم في الماء

فالشبه ههنا منتزع مما بين القبض والماء وليس بمنتزع من القبض نفسه وذلك أن فائدة قبض اليد

على الشىء أن يحصل فيها فإذا كان الشىء مما ال يتماسك ففعلك القبض في اليد لغو وكذلك القصد

في الرقم أن يبقى اثر في الشىء إذا فعلته فيماال يقبله كان فعلك كال فعل وكذلك قولهم يضرب في

حديد بارد وينفخ في غير فحم وإذا ثبت هذا فكل شبه كان هذا سبيله فانك ال تجد

بين المعنى المذكور وبين المشبه إذا أفردته مالبسه البتة أال تراك تضرب الرقم في الماء والقبض عليه ألمور الشبه بينهما وبينها البتة من حيث هما رقم

وقبض وإذ قد عرفت هذا فالحمل في اآلية من هذا القبيل

أيضا ألنه تضمن____________________

(1/83)

الشبه من اليهود ال ألمر يرجع إلى حقيقة المحل بل ألمرين آخرين أحدهما تعدية إلى األسفار واآلخر

اقتران الجهل لألسفار به وإذا كان األمر كذلك كان قطعك الحمل عن هذين األمرين في البعد من الغرض كقطعك القبض والرقم عن الماء في

استحالة أن يعقل منهما ما يعقل بعد تعديهما إلىالماء بوجه من الوجوه فاعرفه

فان قلت ففي اليهود شبه من الحمل من حيث هو حمل على حال وذلك أن الحافظ للشىء بقلبه يشبه

الحامل للشىء على ظهره وعلى ذلك يقال حملة الحديث وحملة العلم كما جاء في األثر يحمل هذا

العلم من كل خلف عدوله ورب حامل فقه إلى من هو افقه منه فالجواب أن األمر وان كان كذلك فان هذا الشبه لم يقصد ههنا وانما قصد ما يوجبه تعدى

الحمل إلى األسفار مع اقتران الجهل بهابه وهو

العناء بال منفعة يبين ذلك أنك قد تقول للرجل يحمل في كمه أبدا دفاتر علم وهو بليد ال يفهم أو كسالن ال يتعلم إن كان يحمل كتب العلم فالحمار أيضا قد يحمل تريد أن تبطل دعواه آن له في حملة فائدة وان تسوي بينه وبين الحمار في فقد الفائدة مما

يحمل فالحمل ههنا نفسه موجود في المشبهبالحمار ثم التشبيه ال ينصرف

____________________

(1/84)

إليه من حيث هو حمل وانما ينصرف إلى ما ذكرت لك من عدم الجدوى والفائدة وانما يتصور آن يكون الشبه راجعا إلى الحمل من حيث هو حمل حيث

يوصف الرجل مثال بكثرة الحفظ للوظائف آو جهد النفس في األشغال المتراكمة وذلك خارج عن

الغرض مما نحن فيه ومن هذا الباب قولهم أخذ القوس باريها وذلك أن

المعنى على وقوع األخذ في موقعه ووجوده من أهله فلست تشبه من حيث األخذ نفسه وجنسه ولكن من

حيث الحكم الحاصل له بوقوعه من بارى القوس على القوس وكذلك قولهم ما زال يفتل منه في

الذروة والغارب الشبه مأخوذ بين الفتل وما تعدى إليه من الذروة والغارب ولو أفردته لم تجد شبها بينه

وبين ما يضرب هذا الكالم مثال له ألنه يضرب في الفعل أو القول يصرف به اإلنسان عن االمتناع إلى

اإلجابة وعن اإلباء عليك في مرادك إلى موافقتك والمصير إلى ما تريد منه وهذا ال يوجد في الفتل من

حيث هو فتل وانما يوجد في الفتل إذا وقع فيالشعر من ذروة البعير وغاربه

واعلم آن هذا الشبه حكمه واحد سواء أخذته ما بين الفعل والمفعول الصريح أو ما يجرى مجرى المفعول فالمفعول كالقوس في قولك أخذ القوس باريها وما

يجرى مجرى المفعول الجار مع المجرور كقولككالرقم

____________________

(1/85)

في الماء وهو كمن يخط في الماء وكذلك الحال كقولهم كالحادي وليس له بعير فقولك وليس له بعير جملة من الحال وقد احتاج الشبه إليها ألنه مأخوذ ما بين المعنى الذي هو الحدو وبين هذه الحال كما كان

مأخوذا بين الرقم والماء وما بين الفتل والذروة والغارب وقد تجد بك حاجة إلى مفعول وإلى الجار مع المجرور كقولك وهل يجمع السيفان في الغمد

وآنت كمن يجمع السيفين في غمد آال ترى آن الجمع فيه ال يغنى بتعديه إلى السيفين حتى يشترط كونه

جمعا لهما في الغمد فمجموع ذلك كله يحصل الغرض وهكذا نحو قول العامة هو كثير الجور على إلفه

وقولهم كمبتغى الصيد في عريسه األسد ألن الصيدمفعول وفي عريسه جار مع المجرور

فإذا ثبت هذا ظهر منه أنه ال بدد لك في هذا الضرب من الشبه من جملة صريحة أو حكم الجملة فالجملة الصريحة قولك أخذ القوس باريها وحكم الجملة أن

تقول هذا منك كالرقم في الماء والقبض على الماء فتأتى بالمصدر أو تقول كالراقم في الماء وكالقابض

على الماء فتأتى باسم الفاعل وذاك آن المصدر واسم الفاعل ليسا بجملتين صريحا

ولكن حكم الجملة قائم فيهما وهو أنك أعملتهما عمل الفعل أال ترى انك عديتهما على حسب ما تعدى

الفعل وخصائص هذا النوع من التمثيل اكثر من أنتضبط وقد وقفتك على الطريقه

فهذا أحد الوجوه التى يكون الشبه العقلى بها حاصال لك من جملة من الكالم وأظنه من أقوى األسباب

والعلل فيه____________________

(1/86)

وعلى الجملة فينبغى أن تعلم آن المثل الحقيقي والتشبيه الذي هو األولى بأن يسمى تمثيال لبعده عن التشبيه الظاهر الصريح ما تجده ال يحصل لك إال من جملة من الكالم او جملتين أو أكثر حتى إن التشبيه كلما كان اوغل في كونه عقليا محضا كانت الحاجة

إلى الجملة اكثر اال ترى إلى نحو قوله عز وجل ) ^ انما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء

فاختلط به نبات األرض مما يأكل الناس واألنعام حتى إذا أخذت األرض زخرفها وازينت وظن أهلها انهم

قادرون عليها أتاها امرنا ليال او نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن باألمس ( كيف كثرت الجمل فيه

حتى إنك ترى في هذه اآلية عشر جمل إذا فصلت وهي وإن كان قد دخل بعضها في بعض حتى كأنها

جملة واحدة فإن ذلك ال يمنع من أن تكون صورة الجمل معنا حاصلة تشير إليها واحدة واحدة ثم إن الشبه منتزع من مجموعها من غير ان يمكن فصل

بعضها عن بعض وإفراد شطر من شطر حتى إنك لو حذفت منها جملة واحدة من أى موضع كان أخل ذلك

بالمغزى من التشبيه وال ينبغى آن تعد الجمل في هذا النحو بعد التشبيهات

التى يضم بعضها إلى بعض واألعراض الكثيرة التى كل واحد منها منفرد بنفسه بل بعد جمل تنسق ثانيه

منها على أولة وثالثة على ثانية وهكذا فإن ما كان من هذا الجنس لم تترتب فيه الجمل ترتيبا محصوصا

حتى يجب أن تكون هذه سابقة وتلك تالية لها والثالثة بعدهما اال ترى انك إذا قلت زيد كاألسد بأسا والبحر جودا والسيف مضاء والبدر بهاء لم يجب عليك أن تحفظ في هذه التشبيهات نظاما مخصوصا بل لو بدأت بالبدر وتشبيهه به في الحسن وأخرت تشبيهه

في باألسد في الشجاعة كان المعنى بحاله وقوله____________________

(1/87)

) النشر مسك والوجوه دنا ** نير واطراف األكفعنم (

إنما يجب حفظ هذا الترتيب فيها ألجل الشعر فأما أن تكون هذه الجمل متداخلة كتداخل الجمل في اآلية وواجبا فيها أن يكون لها نسق مخصوص كالنسق في

األشياء إذا رتبت ترتيبا مخصوصا كان لمجموعهاصورة خاصة فال

وقد يجىء الشىء من هذا القبيل يتوهم فيه أن

إحدى الجملتين أو الجمل تنفرد وتستعمل بنفسها تشبيها وتمثيال ثم ال يكون كذلك عند حسن التأمل

مثال ذلك قوله ) كما أبرقت قوما عطاشا غمامه ** فلما رأوها

أقشعت وتجلت ( هذا مثل في أن يظهر للمضطر إلى الشىء الشديد

الحاجة إليه أمارة وجوده ثم يفوته ويبقى لذلك بحسرة وزيادة ترح وقد يمكن أن يقال إن قولك

أبرقت قوما عطاشا غمامه تشبيه مستقل بنفسه ال حاجة به إلى ما بعده من تمام البيت في إفادة

المقصود الذي هو ظهور أمر مطمع لمن هو شديد الحاجة إال أنه وإن كان كذلك فإن حقنا أن ننظر في

مغزى المتكلم في تشبيهه ونحن نعلم أن المغزى أن يصل ابتداءا مطمعا بانتهاء مؤيس وذلك يقتضى

وقوف الجملة األولة على ما بعدها من تمام البيت ووزان هذا أن الشرط والجزاء جملتان ولكنا نقول إن

حكمهما حكم جملة واحدة____________________

(1/88)

من حيث دخل في الكالم معنى يربط إحداهما باألخرى حتى صارت الجملة لذلك بمنزلة اإلسم

المفرد في امتناع أن تحصل به الفائدة فلو قلت إن تأتنى وسكت لم يفد كما ال يفيد إذا قلت زيد وسكت

فلم تذكر اسما آخر وال فعال وال كان منويا في النفس معلوما من دليل الحال ثم إن األمر وإن كان كذلك فقد يجوز أن يخرج الكالم عن الجزاء فتقول

تأتيني فتعود الجملة على اإلفادة إلغنائك لها عن أن ترتبط بأخرى وإزالتك المعنى الذى أوجب فقرها إلى صاحبة لها إال أن الغرض األول يبطل والمعنى يتبدل فكذلك االقتصار على الجملة التى هي أبرقت قوما

عطاشا غمامه تخرج عن غرض الشاعر فإن قلت فهذا يلزمك في قولك هو يصفو ويكدر وذلك أن االقتصار على أحد األمرين يبطل غرض

القائل وقصده آن يصف الرجل بأنه يجمع الصفتين وأن الصفاء ال يدوم فالجواب أن بين الموضعين فرقا

وإن كان يغمض قليال وهو أن الغرض في البيت أن يثبت ابتداء مطمعا مؤنسا أدى إلى انتهاء مؤيس

موحش وكون الشىء ابتداء آلخر هو له انتهاء معنى زائد على الجمع بين األمرين والوصف بأن كل واحد

منهما يوجد في المقصود وليس لك في قولك يصفو ويكدر أكثر من الجمع بين الوصفين ونظير هذا أن تقول هو كالصفو بعد الكدر في حصول معنى يجب معه ربط أحد الوصفين باآلخر في الذكر ويتعين به العرض حتى لو قلت يكدر ثم يصفو فجئت بثم التي

توجب الثاني مرتبا على األول وأن أحدهما مبتدأواآلخر بعده صرت بالجملة إلى حد ما نحن عليه

____________________

(1/89)

من االرتباط ووجوب أن يتعلق الحكم بمجموعهما ويوجب الشبه إن شبهت ما بينهما على التشابك

والتداخل دون التباين والتزايل ومن الواضح في كون الشبه معلقا بمجموع الجملتين

حتى ال يقع في الوهم تميز إحداهما على األخرى قوله بلغني أنك تقدم رجال وتؤخر أخرى فإذا آتاك

كتابي هذا فاعتمد على أيهما شئت والسالم وذلك أن المقصود من هذا الكالم التردد بين األمرين وترجيح الرأي فيهما وال يتصور التردد والترجيح في الشىء

الواحد فلو جهدت وهمك أن تتصور لقولك تقدم رجال معنى وفائدة ما لم تقل وتؤخر أخرى آو تنوه في

قلبك كلفت نفسك شططا وذكر آبو أحمد العسكرى أن هذا النحو من الكالم

يسمى المماثلة وهذه التسميه توهم أنه شىء غير المراد بالمثل والتمثيل وليس االمر كذلك كيف وأنت تقول مثلك مثل من يقدم رجال ويؤخر أخرى ووزان

هذا أنك تقول زيد األسد فيكون تشبيها على الحقيقة وإن كنت لم تصرح بحرف التشبيه ومثله أنك تقول

أنت ترقم في الماء وتضرب في حديد بارد وتنفخ في غير فحم فالتذكر ما يدل صريحا على أنك تشبه

ولكنك تعلم أن المعنى على قولك أنت كمن يرقم في الماء وكمن يضرب في حديد بارد وكمن ينفخ في

غير فحم وما أشبه ذلك مما تجىء فيه بمشبه به

ظاهر تقع هذه األفعال في صفة اسمه أو صفته____________________

(1/90)

واعلم آن المثل قد يضرب بجمل ال بد فيها من أن يتقدمها مذكور يكون مشبها به وال يمكن حذف

المشبه به واالقتصار على ذكر المشبه ونقل الكالم اليه حتى كأنه صاحب الجملة إال انه مشبه بمن صفته

وحكمه مضمون تلك الجملة بيان هذا آن قول النبي الناس كإبل مائة ال تكاد تجد

فيها راحلة ال بد فيه من المحافظة على ذكر المشبه به الذي هو اإلبل فلو قلت الناس ال تجد فيهم راحلة

أو ال تجد في الناس راحلة كان ظاهر التعسف وههنا ما هو أشد اقتضاء للمحافظة على ذكر ما تعلق

الجملة به وتسند إليه وذلك مثل قوله عز وجل ) ^إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء ( األيه

لو أردت أن تحذف الماء الذي هو المشبه به وتنقل الكالم إلى المشبه الذي هو الحياة أردت ما ال تحصل منه على كالم يعقل ألن األفعال المذكورة المحدث

بها عن الماء ال يصح إجراؤها على الحياة فاحفظ هذا األصل فإنك تحتاج إليه وخصوصا في االستعارة على

ما يجىء القول فيه آن شاء الله تعالى والجملة إذا جاءت بعد المشبه به لم تخل من ثالثة

أوجه أحدها أن يكون المشبه به معبرا عنه بلفظ موصول وتكون الجملة صلة كقولك أنت الذي من

شأنه كيت وكيت كقوله تعالى ) ^ مثلهم كمثل الذياستوقد نارا فلما أضاءت ما حوله (

____________________

(1/91)

والثاني أن يكون المشبه به نكرة تقع الجملة صفة له كقولنا أنت كرجل أمره من كذا وكذا وقول النبيالناس كإبل مائة ال تجد فيها راحلة وأشباه ذلك

والثالث آن تجىء الجملة مبتدأة وذلك إذا كان المشبه به معرفة ولم يكن هناك الذي كقوله تعالى ) ^ كمثل

في مواقع التمثيل فصلالعنكبوت اتخذت بيتا ( وتأثيره

واعلم أن مما اتفق العقالء عليه أن التمثيل إذا جاء في أعقاب المعانى أو برزت هي بإختصار في

معرضه ونقلت عن صورها األصلية إلى صورته كساها____________________

(1/92)

أبهة وكسبها منقبة ورفع من أقدارها وشب من نارها وضاعف قواها في تحريك النفوس لها ودعا

القلوب إليها واستثار لها من أقاصي األفئدة صبابةوكلفا وقسر الطباع على أن تعطيها محبة وشغفا

فإن كان مدحا كان أبهى وأفخم وأنبل في النفوس وأعظم وأهز للعطف وأسرع لإللف وأجلب للفرح

وأغلب على الممتدح وأوجب شفاعة للمادح وأقضى له بغر المواهب والمنائح وأسير على األلسن وأذكر

وأولى بأن تعلقه القلوب وأجدر وإن كان ذما كان مسه اوجع وميسمه ألذع ووقعه

أشد وحده أحد____________________

(1/93)

وإن كان حجاجا كان برهانه أنور وسلطانه أقهروبيانه أبهر

وان كان افتخارا كان شأوه أبعد وشرفه أجد ولسانهألد

وان كان اعتذارا كان إلى القبول أقرب وللقلوب أخلب وللسخائم أسل ولغرب الغضب أفل وفي عقد

العقود أنفث وعلى حسن الرجوع ابعث____________________

(1/94)

وإن كان وعظا كان اشفي للصدر وادعى إلى الفكر وأبلغ في التنبيه والزجر واجدر بأن يجلى الغياية

ويبصر الغاية ويبرىء____________________

(1/95)

العليل ويشفي الغليل وهكذا الحكم إذا استقريت فنون القول وضروبه

وتتبعت أبوابه وشعوبه وإن أردت أن تعرف ذلك وإنكان تقل الحاجة فيه____________________

(1/96)

إلى التعريف ويستغنى في الوقوف عليه عنالتوقيف فانظر إلى نحو قول البحتري

____________________

(1/97)

) دان على أيدى العفاة وشاسع ** عن كل ند فيالندى وضريب (

) كالبدر افرط في العلو وضوءه ** للعصبة السارينجد قريب (

وفكر في حالك وحال المعنى معك وأنت في البيت األول لم تنته إلى الثاني ولم تتدبر نصرته إياه

وتمثيله له فيما يملي على اإلنسان عيناه ويؤدي إليه ناظراه ثم قسمهما على الحال وقد وقفت عليه

وتأملت طرفيه فإنك تعلم بعد ما بين حالتيك وشدة تفاوتهما في تمكن المعنى لديك وتحببه إليك ونبله في نفسك وتوفيره ألنسك وتحكم لى بالصدق فيما

قلت____________________

(1/98)

والحق فيما ادعيت وكذلك فتعهد الفرق بين أن تقول فالن يكد نفسه

في قراءة الكتب وال يفهم منها شيئا وتسكت وبينآن تتلو اآلية وتنشد قول الشاعر

) زوامل لالشعارالعلم عندهم ** بجيدها إال كعلماألباعر (

) لعمرك ما يدري البعير إذا غدا ** باوساقه او راح مافي الغرائر (

والفصل بين آن تقول أرى قوما لهم بهاء ومنظر وليس هناك مخبر بل في األخالق دقة وفي الكرم ضعف وقلة وتقطع الكالم وبين أن تتبعه نحو قول

الحكيم أما البيت فحسن واما الساكن فردىء وقول ابن لنكك

) في شجر السرو منهم مثل ** له رواء وماله ثمر ( وقول ابن الرومي

) فغدا كالخالف يورق للعين ** ويأبى اإلثمار كلاإلباء (

وقول اآلخر ) فإن طرة راقتك فانظر فربما ** أمر مذاق العود

والعود أخضر ( وانظر إلى المعنى في الحالة الثانية كيف يورق

شجره ويثمر ويفتر ثغره ويبسم وكيف تشتار األرى من مذاقته كما ترى الحسن في شارته وأنشد قول

ابن لنكك____________________

(1/99)

) إذا أخو الحسن أضحى فعله سمجا ** رأيت صورتهمن أقبح الصور (

وتبين المعنى واعرف مقداره ثم أنشد البيت بعده

) وهبك كالشمس في حسن ألم ترنا ** نفر منها إذامالت إلى الضرر (

وانظر كيف يزيد شرفة عندك وهكذا فتأمل بيت أبيتمام

) وإذا أراد الله نشر فضيلة ** طويت أتاح لها لسانحسود (

مقطوعا عن البيت الذي يليه والتمثيل الذي يؤديه واستقص في تعرف قيمته على وضوح معناه وحسن

مزيته ثم أتبعه إياه ) لوال اشتعال النار فيما جاورت ** ما كان يعرف

طيب عرف العود ( وانظر هل نشر المعنى تمام حلته وأظهر المكنون

من حسنة وزينته وعطرك بعرف عوده وأراك النضرة في عوده وطلع عليك من مطلع سعوده واستكمل

فضله في النفس ونبله واستحق التقديم كله إالبالبيت األخير وما فيه من التمثيل والتصوير

وكذلك فرق في بيت المتنبي ) ومن يك ذا فم مر مريض ** يجد مرا به الماء الزالال

) لو كان سلك بالمعنى الظاهر من العبارة كقولك إن

الجاهل الفاسد الطبع يتصور المعنى بغير صورته ويخيل إليه في الصواب انه خطأ هل كنت تجد هذه

الروعة وهل كان يبلغ من وقم الجاهل ووقذه وقمعه وردعه والتهجين له والكشف عن نقصه ما بلغ

التمثيل في البيت وينتهى إلى حيث ينتهى____________________

(1/100)

وإن اردت اعتبار ذلك في الفن الذي هو اكرم وأشرف فقابل بين أن تقول إن الذي يعظ وال يتعظ يضر بنفسه من حيث ينفع غيره وتقتصر عليه وبين

أن تذكر المثل فيه على ما جاء في الخبر من ان النبي قال مثل الذي يعلم الخير وال يعمل به مثل

السراج الذي يضىء للناس ويحرق نفسه ويروى مثل الفتيلة تضىء للناس وتحرق نفسها وكذا فوازن بين

قولك للرجل وأنت تعظه إنك ال تجزى على السيئة

حسنه فال تغر نفسك وتمسك وبين أن تقول في أثره إنك ال تجنى من الشوك العنب وانما تحصد ما تزرع

وأشباه ذلك وكذا بين أن تقول ال تكلم الجاهل بما ال يعرفه ونحوه وبين أن تقول ال تنثر الدر قدام

الخنازير أوال تجعل الدر في أفواه الكالب وتنشد نحو قول الشافعي رحمه الله أأنثر درا بين سارحة الغنم وكذا بين أن تقول الدنيا ال تدوم وال تبقى وبين آن تقول هي ظل زائل وعارية تسترد ووديعة تسترجع وتذكر قول النبي من في الدنيا ضيف وما في يديه عارية والضيف مرتحل والعارية مؤداة وتنشد قول

لبيد ) وما المال واألهلون إال ودائع ** وال بد يوما أن ترد

الودائع ( وقول اآلخر

) إنما نعمة قوم متعه ** وحياة المرء ثوب مستعار (____________________

(1/101)

فهذه جملة من القول تخبر عن صيغ التمثيل وتخبر عن حال المعنى معه فأما القول في العلة والسبب

لم كان للتمثيل هذا التأثير وبيان جهته ومأتاه وما الذي أوجبه واقتضاه فغيرها وإذا بحثنا عن ذلك وجدنا

له أسبابا وعلال كل منها يقتضي أن يفخم المعنى بالتمثيل وينبل ويشرف ويكمل فأول ذلك وأظهره

أن أنس النفوس موقوف على أن تخرجها من خفي إلى جلى وتأتيها بصريح بعد مكنى وان تردها في الشىء تعلمها إياه إلى شىء آخر هي بشأنه اعلم

وثقتها به في المعرفة احكم نحو آن تنقلها عن العقل إلى اإلحساس وعما يعلم بالفكر إلى ما يعلم

باالضطرار والطبع ألن العلم المستفاد من طرق الحواس أو المركوز فيها من جهة الطبع وعلى حد

الضرورة يفضل المستفاد من جهة النظر والفكر في القوة واالستحكام وبلوغ الثقة فيه غاية التمام كما قالوا ليس الخبر كالمعاينة وال الظن كاليقين فلهذا يحصل بهذا العلم هذا األنس أعنى األنس من جهة االستحكام والقوة وضرب آخر من األنس وهو ما

يوجبه تقدم األلف كما قيل ) ما الحب إال للحبيب األول ** (

ومعلوم آن العلم األول آتى النفس أوال من طريق الحواس والطباع ثم من جهة النظر والرويه فهو إذن

أمس بها رحما وأقوى لديها ذمما واقدم لها صحبةوآكد عندها حرمة وإذا نقلتها في الشىء بمثله عن

____________________

(1/102)

المدرك بالعقل المحض وبالفكرة في القلب إلى ما يدرك بالحواس أو يعلم بالطبع وعلى حد الضرورة فأنت كمن يتوسل إليها للغريب بالحميم وللجديد

الصحبة بالحبيب القديم فأنت إذن مع الشاعر وغير الشاعر إذا وقع المعنى في نفسك غير ممثل ثم

مثله كمن يخبر عن شىء من وراء حجاب ثم يكشف عنه الحجاب ويقول ها هو ذا فأبصره تجده على ما

وصفت فإن قلت إن األنس بالمشاهدة بعد الصفة والخبر

إنما يكون لزوال الريب والشك في األكثر أفتقول إن التمثيل إنما أنس به ألنه يصحح المذكور والصفة

السابقة ويثبت أن كونها جائز ووجودها صحيح غير مستحيل حتى ال يكون تمثيل إال كذلك فالجواب أن

المعانى التى يجىء التمثيل في عقبها على ضربين غريب بديع يمكن أن يخالف فيه ويدعى امتناعه

واستحالة وجوده وذلك نحو قوله ) فإن تفق األنام وأنت منهم ** فإن المسك بعض دم

الغزال ( وذلك أنه أراد أنه فاق األنام وفاتهم إلى حد بطل

معه آن يكون بينه وبينهم مشابهة ومقاربة بل صار كأنه أصل بنفسه وجنس برأسه وهذا أمر غريب وهو أن يتناهى بعض أجزاء الجنس في الفضائل الخاصة

به إلى أن يصير كأنه ليس من ذلك الجنس وبالمدعى له حاجة إلى آن يصحح دعواه في جواز وجوده على الجملة إلى أن يجىء إلى وجوده في الممدوح فإذا قال فإن المسك بعض دم الغزال فقد احتج لدعواه وأبان أن لما ادعاه أصال في الوجود وبرأ نفسه من

صفة الكذب وباعدها من سفه المقدم على غير

بصيرة والمتوسع في الدعوى من غير البينه وذلك أن المسك قد خرج عن صفة الدم وحقيقته حتى ال يعد

في جنسه____________________

(1/103)

إذ ال يوجد في الدم شىء من أوصافه الشريفة الخاصة بوجه من الوجوه ال ما قل وال ما كثر وال في

المسك شيء من األوصاف التي كان لها الدم دماالبتة

والضرب الثاني أن ال يكون المعنى الممثل غريبا نادرا يحتاج في دعوى كونه على الجملة إلى بينة

وحجة واثبات نظير ذلك أن ينفي عن فعل من األفعال التي يفعلها اإلنسان الفائدة ويدعى أنه ال يحصل منه على طائل ثم يمثله في ذلك بالقابض على الماء والراقم فيه فالذي مثلت ليس بمنكر

مستبدع إذ ال ينكر خطأ اإلنسان في فعله أو ظنهوأمله وطلبه أال ترى أن المغزى من قوله

) فأصبحت من ليلى الغداة كقابض ** على الماءخانته فروج األصابع (

أنه قد خاب في ظنه أنه يتمتع بها ويسعد بوصلها وليس بمنكر وال عجيب وال ممتنع في الوجود خارج

من المعروف المعهود أن يخيب ظن اإلنسان في أشباه هذا من األمور حتى يستشهد على إمكانه

وتقام البينه على صدق المدعى لوجدانه وإذا ثبت أن المعاني الممثلة تكون على هذين الضربين فإن فائدة التمثيل وسبب األنس في

الضرب األول بين الئح ألنه يفيد فيه الصحة وينفي الريب والشك ويؤمن صاحبه من تكذيب المخالف

وتهجم المنكر وتهكم المعترض وموازنته بحالة كشف الحجاب عن الموصوف المخبر عنه حتى يرى ويبصر

ويعلم كونه على ما أثبته عليه موازنة ظاهرة صحيحة وأما الضرب الثاني فإن التمثيل وإن كان ال يفيد فيه

هذا الضرب من الفائدة فهو يفيد أمرا آخر يجرىمجراه وذلك أن الوصف كما يحتاج إلى

____________________

(1/104)

إقامة الحجة على صحة وجوده في نفسه وزيادة التثبيت والتقرير في ذاته وأصله فقد يحتاج إلى بيان

المقدار فيه ووضع قياس من غيره يكشف عن حده ومبلغه في القوة والضعف والزيادة والنقصان وإذا

أردت أن تعرف ذلك فانظر أوال إلى التشبيه الضريح الذي ليس بتمثيل كقياس الشيء على الشيء في

اللون مثال كحنك الغراب تريد أن تعرف مقدار الشدةال أن تعرف نفس السواد على اإلطالق

وإذا تقرر هذا األصل فإن األوصاف التي ترد السامع فيها بالتمثيل من العقل إلى العيان والحس وهي

في أنفسها معروفة مشهورة صحيحة ال تحتاج إلى الداللة على أنها هل هي ممكنة موجودة أم ال فإنها وإن غنيت من هذه الجهة عن التمثيل بالمشاهدات

والمحسوسات فإنها تفتقر إليه من جهة المقدار ألن مقاديرها في العقل تختلف وتتفاوت فقد يقال في

الفعل انه من حال الفائدة على حدود مختلفة في المبالغة والتوسط فإذا رجعت إلى ما تبصر وتحس

عرفت ذلك بحقيقته وكما يوزن بالقسطاس فالشاعر لما قال كقابض على الماء خانته فروج األصابع أراك

رؤية ال تشك معها وال ترتاب انه بلغ في خيبه ظنه وبوار سعيه إلى أقصى المبالغ وانتهى فيه إلى ابعد

الغايات حتى لم يحظ ال بما قل وال ما كثر فهذا هو الجواب ونحن بنوع من التسهيل والتسامح

نقع على أن األنس الحاصل بانتقالك في الشىء عن الصفة والخبر إلى العيان ورؤية البصر ليس له سبب

سوى زوال الشك والريب فأما إذا رجعنا إلى التحقيق فإنا نعلم أن المشاهدة

تؤثر في النفوس مع____________________

(1/105)

العلم بصدق الخبر كما اخبر الله تعالى عن إبراهيم عليه الصالة والسالم في قوله ) ^ قال بلى ولكن

ليطمئن قلبي ( والشواهد في ذلك كثيرة واألمر فيه

ظاهر ولوال أن األمر كذلك لما كان لنحو قول أبىالتمام

) وطول مقام المرء في الحى مخلق ** لديباجتيهفاغترب تتجدد (

) فإنى رأيت الشمس زيدت محبه ** إلى الناس أنليست عليهم بسرمد (

معنى وذلك أن هذا التجدد ال معنى له إن كانت الرؤية ال تفيد أنسا من حيث هي رؤية وكان األنس لنفيها

الشك والريب أو لوقوع العلم بأمر زائد لم يعلم من قبل وإذا كان األمر كذلك فأنت إذا قلت للرجل أنت

مضيع للحزم في سعيك ومخطىء وجه الرشاد وطالب لما ال تناله إذا كان الطلب على هذه الصفة ومن هذه الجهة ثم عقبته بقولك وهل يحصل في كف القابض على الماء شىء مما يقبض عليه فلو تركنا حديث تعريف المقدار في الشدة والمبالغة ونفي الفائدة من أصلها جانبا بقى لنا ما تقتضيه الرؤيه للموصوف على ما وصف عليه من الحالة

المتجددة مع العلم بصدق الصفة يبين ذلك أنه لو كان الرجل مثال على طرف نهر في وقت مخاطبة صاحبه وإخباره له بأنه ال يحصل من سعيه على شىء فادخل

يده في الماء وقال انظر هل حصل في كفي من الماء شىء فكذلك أنت في أمرك كان لذلك ضرب من التأثير زائد على القول والنطق بذلك دون الفعل ولو

أن رجال أراد أن يضرب لك مثال في تنافي الشيئين فقال هذا وذاك هل يجتمعان وأشار إلى ماء ونار

حاضرين وجدت لتمثيله من التأثير ماال تجده إذا أخبرك بالقول فقال هل يجتمع الماء والنار وذلك

الذي تفعل____________________

(1/106)

المشاهدة من التحريك للنفس والذي يجب بها من تمكن المعنى في القلب إذا كانت مستفادة من

العيان ومتصرفة حيث تتصرف العينان وإال فال حاجة بنا في أن الماء والنار ال يجتمعان إلى ما يؤكده من

رجوع إلى مشاهدة واستيثاق بتجربة

ومما يدلك على أن التمثيل بالمشاهدة يزيد أنسا وإن لم يكن بك حاجة إلى تصحيح المعنى أو بيان لمقدار المبالغة فيه انك قد تعبر عن المعنى بالعبارة التي

تؤديه وتبالغ وتجتهد حتى ال تدع في النفوس منزعا نحو أن تقول وأنت تصف اليوم بالطول يوم كأطول

ما يتوهم وكأنه ال آخر له وما شاكل ذلك من نحوقوله

) في ليل صول تناهى العرض والطول ** كأنما ليلهبالحشر موصول (

فال تجد له من األنس ما تجده لقوله ) ويوم كظل الرمح قصر طوله ** ( على أن عبارتك األولى أشد وأقوى في المبالغة من هذا فظل الرمح

على كل حال متناه تدرك العين نهايته وأنت قد أخبرت عن اليوم بأنه كأنه ال آخر له وكذلك تقول يوم

كأقصر ما يتصور وكأنه ساعة وكلمح البصر كال وال فتجد هذا مع كونه تمثيال ال يؤنسك إيناس قولهم أيام

كأباهيم القطا وقول ابن المعتز____________________

(1/107)

) بدلت من يوم كظل حصاة ** ليال كظل الرمح غيرموات (

وقول آخر ) ظللنا عند باب أبي نعيم ** بيوم مثل سالفة الذباب

) وكذا تقول فالن إذا هم بالشىء لم يزل ذاك عن

ذكره وقلبه وقصر خواطره على إمضاء عزمه ولم يشغله شىء عنه فتحتاط للمعنى بأبلغ ما يمكن ثم ال ترى في نفسك له هزة وال تصادف لما تسمعه أريحية

وإنما تسمع حديثا ساذجا وخبرا غفال حتى إذا قلت ) إذا هم ألقى بين عينيه عزمه ** (

امتألت نفسك سرورا وأدركتك طربة كما يقول القاضي أبو الحسن ال تملك دفعها عنك وال تقل إن

ذلك لمكان اإليجاز فإنه وإن كان يوجب شيئا منه فليس األصل له بل ألن أراك العزم واقفا بين

العينين وفتح إلى مكان المعقول من قلبك بابا من

العين وههنا إذا تأملنا مذهب آخر في بيان السبب الموجب

لذلك هو ألطف مأخذا وأمكن في التحقيق واولى بان يحيط بأطراف الباب وهو أن لتصور الشبه من

الشيء في غير جنسه وشكله والتقاط ذلك له من____________________

(1/108)

غير محلته واجتالبه إليه من النيق البعيد بابا آخر من الظرف واللطف ومذهبا من مذاهب اإلحسان ال

يخفي موضعه من العقل واحضر شاهدا لك على هذا أن تنظر إلى تشبيه المشاهدات بعضها ببعض فإن

التشبيهات سواء كانت عاميه مشتركة أم خاصية مقصورة على قائل دون قائل تراها ال يقع بها اعتداد

وال يكون لها موقع من السامعين وال تهز وال تحرك حتى يكون الشبه مقررا بين شيئين مختلفين في

الجنس فتشبيه العين بالنرجس عامي مشترك معروف في أجيال الناس جار في جميع العادات

وأنت تنظر إلى بعد ما بين العينين وبينه من حيث الجنس وتشبيه الثريا بما شبهت به من عنقود الكرم المنور واللجام المفضض والوشاح المفصل وأشباه

ذلك خاصي والتباين بين المشبه والمشبه به فيالجنس على ماال يحفى

وهكذا إذا استقريت التشبيهات وجدت التباعد بين الشيئين كلما كان أشد كانت إلى النفوس أعجب

وكانت النفوس لها أطرب وكان مكانها إلى أن تحدث األريحية اقرب وذلك أن موضع االستحسان ومكان االستظراف والمثير للدفين من االرتياح والمتألف

للنافر من المسرة والمؤلف ألطراف البهجة انك ترى بها الشيئين مثلين متباينين ومؤتلفين مختلفين وترى الصورة الواحدة في السماء واألرض وفي

خلقة اإلنسان وخالل الروض وهكذا طرائف تنثال عليك إذا فصلت هذه الجملة وتتبعت هذه اللمحة

ولذلك تجد تشبيه البنفسج____________________

(1/109)

في قوله ) والزوردية تزهو بزرقتها ** بين الرياض على حمر

اليواقيت ( ) كأنها فوق قامات ضعفن بها ** أوائل النار في

أطراف كبريت ( أغرب وأعجب وأحق بالولوع وأجدر من تشبيه

النرجس بمداهن در حشوهن عقيق ألنه إذ ذاك مشبه لنبات غض يرف وأوراق رطبة ترى الماء منها يشف

بلهب نار مستول عليه اليبس وباد فيه الكلف ومبنى الطباع وموضوع الجبلة على ان الشىء إذا ظهر من

مكانه لم يعهد ظهوره منه وخرج من موضع ليس بمعدن له كانت صبابة النفوس به أكثر وكان بالشغف

منها أجدر فسواء في إثارة التعجب وإخراجك إلى روعة المستغرب وجودك الشىء في مكان ليس من

امكنته ووجود شىء لم يوجد ولم يعرف من أصله في ذاته وصفته ولو أنه شبه البنفسج ببعض النبات او صادف له شبها في شىء من المتلونات لم تجد له

هذه الغرابة ولم ينل من الحسن هذا الحظ____________________

(1/110)

وإذا ثبت هذا األصل وهو أن تصوير الشبه بين المختلفين في الجنس مما يحرك قوى االستحسان

ويثير الكامن من االستظراف فإن التمثيل أخص شىء بهذا الشان وأسبق جار في هذا الرهان وهذا

الصنيع صناعته التي هو اإلمام فيها والبادىء لها والهادي إلى كيفيتها وأمره في ذلك انك إذا قصدت

ذكر ظرائفه وعد محاسنه في هذا المعنى والبدع التي يخترعها بحذقه والتأليفات التي يصل إليها

برفقة ازدحمت عليك وغمرت جانبيك فلم تدر أيهاتذكر وال عن أيها تعبر كما قال

) إذا أتاها طالب يستامها ** تكاثرت في عينه

كرامها ( وهل تشك في انه يعمل عمل السحر في تأليف

المتباينين حتى يختصر بعد ما بين المشرق والمغرب ويجمع ما بين المشئم والمعرق وهو يريك للمعانى

الممثلة باألوهام شبها في األشخاص الماثلة واألشباح القائمة وينطق لك األخرس ويعطيك البيان

من األعجم ويريك الحياة في الجماد ويريك التئام عين األضداد فيأتيك بالحياة والموت مجموعين والماء

والنار مجتمعين كما يقال في الممدوح هو حياة ألوليائه موت ألعدائه ويجعل الشيء من جهة ماء

ومن أخرى نارا كما قال ) أنا نار في مرتقى نظر الحاسد ** ماء جار مع

اإلخوان ( وكما يجعل الشىء حلوا مرا وصابا عسال وقبيحا

حسنا كما قال ) حسن في عيون أعدائه أقبح ** من ضيفه رأته

السوام (____________________

(1/111)

ويجعل الشىء أسود أبيض في حال كنحو قوله ) له منظر في العين أبيض ناصع ** ولكنه في القلب

أسود أسفع ( ويجعل الشىء كالمقلوب إلى حقيقة ضده كما قال ) غرة بهمة أال إنما كن ** ت أغرا أيام كنت بهيما ( ويجعل الشىء قريبا بعيدا معا كقوله دان على أيدي

العفاة وشاسع وحاضرا وغائبا كما قال ) أيا غائبا حاضرا في الفؤاد ** سالم على الحاضر

الغائب ( ومشرقا مغربا كقوله

) له إليكم نفس مشرقة ** إن غاب عنكم مغربابدنه (

وسائرا مقيما كما يجىء في وصف الشعر الحسن الذي يتداوله الرواة وتتهاداة األلسن كما قال

القاضي أبو الحسن

) وجوابه األفق موقوفة ** تسير ولم تبرح الحضرة (____________________

(1/112)

وهل يخفي تقريبه المتباعدين وتوفيقه بين المختلفين وأنت تجد إصابة الرجل في الحجة وحسن تخليصه للكالم وقد مثلت تارة بالهناء ومعالجة اإلبل

الجربي به وأخرى بحز القصاب اللحم وإعماله السكين في تقطيعه وتفريقه في قولهم يضع الهناء

مواضع النقب وهو الجرب ويطبق المفصل فانظر هل ترى مزيدا في التناكر والتنافر على ما بين طال

القطران وجنس القول والبيان ثم كرر النظر وتأمل كيف حصل االئتالف وكيف جاء من جمع أحدهما إلى

اآلخر ما يأنس إليه العقل ويحمده الطبع حتى إنك لربما وجدت لهذا المثل إذا أورد عليك في أثناء

الفصول وحين تبين الفاضل في البيان من المفضول قبوال وال ما تجد عند فوح المسك ونشر الغالية وقد وقع ذكر الحز والتطبيق منك موقع ما

ينفي الحزازات عن القلب ويزيل أطباق الوحشة عنالنفس

وتكلف القول في أن للتمثيل في هذا المعنى المدى الذي ال يجارى إليه والباع الذي ال يطاول فيه

كاالحتجاج للضروريات وكفى دليال على تصرفه فيه باليد الصناع وإيفائه على غايات االبتداع انه يريك

العدم وجودا والوجود عدما والميت حيا والحي ميتا أعنى جعلهم الرجل إذا بقى له ذكر جميل وثناء

حسن بعد موته كأنه لم يمت وجعل الذكر حياة له____________________

(1/113)

كما قال ذكرة الفتى عمره الثاني وحكمهم على الخامل الساقط القدر الجاهل الدنىء بالموت

وتصييرهم إياه حين لم يكن ما يؤثر عنه ويعرف به

كأنه خارج عن الوجود إلى العدم أو كأنه لم يدخل فيالوجود

ولطيفة أخرى له في هذا المعنى هي إذا نظرت اعجب والتعجب بها أحق ومنها أوجب وذلك جعل

الموت نفسه حياة مستأنفة حتى يقال إنه بالموت استكمل الحياة في قولهم فالن عاش حين مات يراد الرجل تحمله النفس األبية وكرم النفس واألنفة من العار على أن يسخو بنفسه في الجود والبأس ففعل

ما فعل كعب بن مامة في اإلتيان على نفسه أو ما يفعله الشجاع المذكور من القتال دون حريمة

والصبر في مواطن االباء والتصميم في قتال األعداء حتى يكون له يوم ال يزال يذكر وحديث يعاد على مر

الدهور ويشهر كما قال ابن نباتة ) بأبى وأمي كل ذي ** نفس تعاف الضيم مرة (

) يرضى بان يرد الردى ** فيميتها ويعيش ذكره ( وانه ليأتيك من الشىء الواحد بأشباه عدة ويشتق من

األصل____________________

(1/114)

الواحد أغصانا في كل غصن ثمر على حدة نحو أن الزند بإيرائه يعطيك شبه الجواد والذكى الفطن

وشبه النجح في األمور والظفر بالمراد وباصالده شبه البخيل الذي ال يعطيك شيئا والبليد الذي ال يكون

له خاطر ينتج فائدة ويخرج معنى وشبه من يخيب سعيه ونحو ذلك ويعطيك من القمر الشهرة في

الرجل والنباهة والعز والرفعة ويعطيك الكمال عن النقصان والنقصان بعد الكمال كقولهم هالل نما

فعاد بدرا يراد بلوغ النجل الكريم المبلغ الذي يشبه أصله من الفضل والعقل وسائر معانى الشرف كما

قال أبو تمام اهد منهما ** لو أمهلت4) لهفي على تلك الشو

حتى تصير شمائال ( ) لغدا سكونهما حجى وصباهما ** كرما وتلك

األريحية نائال ( ) إن الهالل إذا رأيت نموه ** أيقنت أن سيصير بدرا

كامال ( وعلى هذا المثل بعينه يضرب مثال في ارتفاع الرجل في الشرف والعز من طبقة إلى أعلى منها كما قال

البحترى ) شرف تزيد بالعراق إلى الذي ** عهدوه بالبيضاء أو

ببلنجرا (____________________

(1/115)

) مثل الهالل بدا فلم يبرح به ** صوغ الليالى فيهحتى أقمرا (

ويعطيك شبه اإلنسان في نشأته ونمائه إلى أن يبلغ حد التمام ثم تراجعه إذا انقضت مدة الشباب كما قال

) المرء مثل هالل حين تبصره ** يبدو ضئيال ضعيفاثم يتسق (

) يزداد حتى إذا ما تم أعقبه ** كر الجديدين نقصا ثمينمحق (

وكذلك يتفرع من حالتي تمامه ونقصانه فروع لطيفةفمن ذلك قول ابن بابك

) وأعرت شطر الملك شطر كماله ** والبدر فيشطر المسافة يكمل (

قاله في األستاذ أبي على وقد استوزره فخر الدولة بعد وفاة الصاحب وأبا العباس الضبي وخلع عليهما

وقول أبى بكر الخوارزمي ) أراك إذا أيسرت خيمت عندنا ** مقيما وإن أعسرت

زرت لماما ( ) فما أنت إال البدر إن قل ضوءة ** اغب وإن زاد

الضياء أقاما ( المعنى لطيف وإن كانت العبارة لم تساعده على

الوجه الذي يحب فإن األغباب أن يتخلل وقتي الحضور وقت يخلو منه وإنما يصلح ألن يراد أن القمر إذا نقص نوره لم يوال الطلوع كل ليلة بل يظهر في

بعض الليالي____________________

(1/116)

ويمتنع من الظهور في بعض وليس األمر كذلك ألنه على نقصانه يظهر كل ليلة حتى يكون السرار وقال

ابن بابك في نحوه ) كذا البدر يسفر في تمة ** فإن خاف نقص المحاق

انتقب ( وهكذا ينظر إلى مقابلته الشمس واستمداده من

نورها وإلى كون ذلك سبب زيادته ونقصه وامتالئه من النور واالئتالق وحصوله في المحاق وتفاوت حاله

في ذلك فيصاغ منه أمثال ويبين أشباه ومقاييسفمن لطيف ذلك قول ابن نباتة

) قد سمعنا بالغر من آل ساسان ** ويونان فيالعصور الخوالي (

) والملوك األولى إذا ضاع ذكر ** وجدوا في سوائراألمثال (

) مكرمات إذا البليغ تعاطى ** وصفها لم يجده فياألقوال (

) وإذا نحن لم نضفها إلى مد ** حك كانت نهاية فيالكمال (

) إن جمعناهما اضر بها الجمع ** وضاعت فيه ضياعالمحال (

) فهو كالشمس بعدها يمأل البدر ** وفي قربها محاقالهالل (

وغير ذلك من أحواله كنحو ما خرج من الشبه من بعده وارتفاعه وقرب ضوئه وشعاعه في نحو ما

مضى من قول البحترى دان على أيدي العفاة البيتينومن ظهوره بكل مكان ورؤيته في كل موضع كقوله

) كالبدر من حيث التفت رايته ** يهدي إلى عينيكنورا ساطعا (

في أمثال كذلك تكثر ولم اعرض لما يشبه به من حيث المنظر وما تدركه العين نحو تشبيه الشىء

بتقويس الهالل ودقته والوجه بنوره وبهجته فإنا فيذكر ما كان تمثيال وكان الشبه فيه معنويا

____________________

(1/117)

فصل آخر وإن كان مما مضى إال أن األسلوب غيرة وهو أن

المعنى إذا أتاك ممثال فهو في األكثر ينجلى لك بعد أن يحوجك إلى طلبه بالفكرة وتحريك الخاطر له

والهمة في طلبه وما كان منه ألطف كان امتناعهعليك اكثر وإباؤه اظهر واحتجابه أشد

ومن المركوز في الطبع أن الشىء إذا نيل بعد الطلب له أو االشتياق إليه ومعاناة الحنين نحوه كان

نيله أحلى وبالميزة أولى فكان موقعه من النفس اجل وألطف وكانت به أضن واشغف وكذلك ضرب

المثل لكل ما لطف موقعه ببرد الماء على الظمأ كماقال

) وهن ينبذن من قول يصبن به ** مواقع الماء منذي الغلة الصادي (

وأشباه ذلك مما ينال بعد مكابدة الحاجة إليه وتقدم المطالبة من النفس به فإن قلت فيجب على هذا أن

يكون التعقيد والتعمية وتعمد ما يكسب المعنى غموضا مشرفا له وزائدا في فضله وهذا خالف ما عليه الناس أال تراهم قالوا إن خير الكالم ما كان

معناه إلى قلبك أسبق من لفظه إلى سمعك فالجواب أنى لم أرد هذا الحد من الفكر والتعب وإنما

أردت القدر الذي يحتاج إليه في نحو قوله ) فإن المسك بعض دم الغزال (

وقوله ) وما التأنيث السم الشمس عيب ** وال التذكير فخر

للهالل ( وقوله

) رأيتك في الذين أرى ملوكا ** كأنك مستقيم فيمحال (

____________________

(1/118)

وقول النابغة ) فانك كالليل الذي هو مدركي ** وإن خلت أن

المنتأى عنك واسع (

وقوله ) فانك شمس والملوك كواكب ** إذا طلعت لم يبد

منهن كوكب ( وقول البحتري

) ضحوك إلى األبطال وهو يروعهم ** وللسيف حدحين يسطو ورونق ( وقول امرىء القيس

) بمنجرد قيد األوابد هيكل ** ( وقوله

) ثم انصرفت وقد أصبت ولم اصب ** جذع البصيرةقارح األقدام (

فانك تعلم على كل حال أن هذا الضرب من المعنى كالجوهر في الصدف ال يبرز لك إال أن تشقه عنه

وكالعزيز المحتجب ال يريك وجهه حتى تستأذن عليه ثم ما كل فكر يهتدى إلى وجه الكشف عما اشتمل

عليه وال كل خاطر يؤذن له في الوصول إليه فما كلأحد يفلح في شق الصدفة

____________________

(1/119)

ويكون في ذلك من أهل المعرفة كما ليس كل مندنا من أبواب الملوك فتحت له وكان

) من النفر البيض الذين إذا اعتزوا ** وهاب رجالحلقة الباب قعقعوا (

أو كما قال ) تفتح أبواب الملوك لوجهه ** بغير حجاب دونه أو

تملق ( وأما التعقيد فإنما كان مذموما ألجل أن اللفظ لم

يرتب الترتيب الذي يمثله تحصل الداللة على الغرض حتى احتاج السامع أن يطلب المعنى بالحيلة ويسعى

إليه من غير الطريق كقوله ) وكذا اسم أغطية العيون جفونها ** من أنها عمل

السيوف عوامل ( وانما ذم هذا الجنس ألنه أحوجك إلى فكر زائد على

المقدار الذي يجب في مثله وكدك بسوء الداللة وأودع المعنى لك في قالب غير مستور وال مملس

بل خشن مضرس حتى إذا رمت إخراجه منك عسرعليك وإذا خرج خرج مشوه الصورة ناقص الحسن

هذا وانما يزيدالطلب فرحا بالمعنى وأنسا به وسرورا بالوقوف عليه إذا كان لذلك أهال فأما إذا كنت معه

كالغائص في البحر يحتمل المشقة العظيمة ويخاطر بالروح ثم يخرج الخرز فاألمر بالضد مما بدأت به

ولذلك كان أحق أصناف التعقيد بالذم ما يتعبك ثم ال يجدي عليك ويؤرقك ثم ال يروق لك وما سبيله إال

سبيل البخيل الذي يدعوه لؤم____________________

(1/120)

في نفسه وفساد في حسه إلى أن ال يرضى بضعته في بخله وحرمان فضله حتى يأبى التواضع ولين

القول فيتيه ويشمخ بأنفه ويسوم المتعرض له بابا ثانيا من اإلحتمال تناهيا في سخفه أو كالذى ال

يؤيسك من خيره في أول األمر فتستريح إلى اليأس ولكنه يطمعك ويسحب على المواعيد الكاذبة حتى إذا

طال العناء وكثر الجهد تكشف عن غير طائل وحصلت منه على ندم لتعبك في غير حاصل وذلك

مثل ما تجده ألبى تمام من تعسفه في اللفظ وذهابه به في نحو من التركيب ال يهتدى النحو إلى إصالحه

وإغراب في الترتيب يعمى اإلعراب في طريقهويصل في تعريفه كقوله

) ثانية في كبد السماء ولم يكن ** الثنين ثان إذ همافي الغار (

وقوله ) يدي لمن شاء رهن من يذق جرعا ** من راحتيك

درى ما الصاب والعسل (____________________

(1/121)

ولو كان الجنس الذي يوصف من المعاني باللطافة ويعد في وسائط العقود ال يحوجك إلى الفكر وال

يحرك من حرصك على طلبه بمنع جانبه وببعض االدالل عليك واعطائك الوصل بعد الصد والقرب بعد

البعد لكان باقلي حاز وبيت معنى هو عين القالدة وواسطة العقد واحدا ولسقط تفاضل السامعين في

الفهم والتصور والتبيين وكان كل من روى الشعر عالما به وكل من حفظه إذا كان يعرف اللغة على

الجملة ناقدا في تمييز جيده من رديئة وكان قول منقال

) زوامل لألشعار ال علم عندهم ** يجيدها إال كعلماألباعر (

وكقول ابن الرومي ) قلت لمن قال لي عرضت على األخفش ** ما قلته

فما حمده ( ) قصرت بالشعر حين تعرضه ** على مبين العمى إذا

انتقده ( ) ما قال شعرا وال رواه فال ** ثعلبة كان ال وال

أسده ( ) فإن يقل إننى رويت فكالدف ** تر جهال بكل ما

اعتقده ( وما أشبه ذلك دعوى غير مسموعة وال مؤهلة للقبول

فإنما أرادوا بقولهم ما كان معناه إلى قلبك اسبقمن لفظه إلى سمعك أن يجتهد المتكلم

____________________

(1/122)

في ترتيب اللفظ وتهذيبه وصيانته من كل ما أخل بالداللة وعاق دون اإلبانه ولم يريدوا أن خير الكالم

ما كان غفال مثل ما يتراجعه الصبيان ويتكلم بهالعامة في السوق

هذا وليس إذا كان الكالم في غاية البيان وعلى أبلغ ما يكون من الوضوح أغناك ذاك عن الفكرة إذا كان المعنى لطيفا فان المعانى الشريفة اللطيفة ال بد

فيها من بناء ثان على أول ورد تال إلى سابقأفلست تحتاج في الوقوف على الغرض من قوله ) كالبدر أفرط في العلو ** ( إلى أن تعرف البيت

األول فتتصور حقيقة المراد منه ووجه المجاز في كونه دانيا شاسعا وترقم ذلك في قلبك ثم تعود إلى

ما يعرض البيت الثاني عليك من حال البدر ثم تقابل إحدى الصورتين باألخرى وترد البصر من هذه إلى

تلك وتنظر إليه كيف شرط في العلو اإلفراط ليشا كل قوله شاسع ألن الشسوع هو الشديد من البعد ثم

قابله بما ال يشا كله من مراعاة التناهي في القرب فقال جد قريب فهذا هو الذي أردت بالحاجة إلى

الفكر وبأن المعنى ال يحصل لك إال بعد انبعاث منكفي طلبة واجتهاد في نيله

هذا وإن توقفت في حاجتك أيها السامع للمعنى إلى الفكر في تحصيله فهل تشك في أن الشاعر الذي

أداه إليك ونشر بزه لديك قد تحمل فيه المشقة الشديدة وقطع إليه الشقة البعيدة وانه لم يصل إلى درة حتى غاص وانه لم ينل المطلوب حتى كابد منه

االمتناع واالعتياص ومعلوم أن الشىء إذا علم انه لم ينل في اصله أال بعد التعب ولم يدرك أال باحتمال

النصب كان للعلم بذلك من أمره من الدعاء إلى تعظيمه وأخذ الناس بتفخيمه ما يكون لمباشرة الجهد

فيه ومالقاة الكرب دونه وإذا عثرت بالهوينا____________________

(1/123)

على كنز من الذهب لم تخرجك سهولة وجوده إلى أن تنسى جملة انه الذي كد الطالب وحمل المتاعب حتى إن لم تكن فيك طبيعة من الجود تتحكم عليك ومحبة للثناء تستخرج النفيس من يديك كان من أقوى حجج

الضن الذي يخامر اإلنسان أن تقول إن لم يكدنى فقد كد غيري كما يقول الوارث للمال المجموع عفوا

إذا ليم على بخله به وفرط شحه عليه إن لم يكن كسبي وكدي فهو كسب والدي وجدي ولئن لم الق فيه عناء لقد عانى سلفي فيه الشدائد ولقوا في جمعه األمرين أفأضيع ما ثمروه وأفرق ما جمعوه

وأكون كالهادم لما أنفقت األعمار في بنائه والمبيدلما قصرت الهمم على إيمائه

وإنك ال تكاد تجد شاعرا يعطيك في المعانى الدقيقة من التسهيل والتقريب ورد البعيد الغريب إلى

المألوف القريب ما يعطى البحتري ويبلغ في هذا مبلغه فإنه ليروض لك المهر االرن رياضه الماهر

حتى يعنق من تحتك اعناق القارح المذلل وينزع من شماس الصعب الجامع حتى يلين لك لين المنقاد المطيع ثم ال يمكن ادعاء أن جميع شعره في قلةالحاجة إلى الفكر والغنى عن فضل النظر كقوله

) فؤادي منك مآلن ** وسرى فيك إعالن ( وقوله

) عن أي ثغر تبتسم ** (____________________

(1/124)

وهل ثقل على المتوكل قصائده الجياد حتى قل نشاطه لها واعتناؤه بها إال ألنه لم يفهم معانيها كما

فهم معاني النوع النازل الذي انحط له إليه أتراك تستجيز أن تقول إن قوله منى النفس في أسماء لو

تستطيعها من جنس المعقد الذي ال يحمد وإن هذه الضعيفة األسر الواصلة إلى القلوب من غير فكر

أولى بالحمد وأحق بالفضل هذا والمعقد من الشعر والكالم لم يذم ألنه مما تقع حاجة فيه إلى الفكر على الجملة بل ألن صاحبه يعثر

فكرك في متصرفه ويشيك طريقك إلى المعنى____________________

(1/125)

ويوعر مذهبك نحوه بل ربما قسم فكرك وشعب ظنكحتى ال تدرى من أين تتوصل وكيف تطلب

وأما الملخص فيفتح لفكرتك الطريق المستوى ويمهده وإن كان فيه تعاطف أقام عليه المنار وأوقد

فيه األنوار حتى تسلكه سلوك المتبين لوجهته وتقطعه قطع الواثق بالنجح في طيته فترد الشريعة

زرقاء والروضة غناء فتنال الرى وتقطف الزهر الجنى وهل شىء أحلى من الفكرة إذا استمرت

وصادفت نهجا مستقيما ومذهبا قويما وطريقة تنقاد وتبينت لها الغاية فيما ترتاد فقد قيل قرة العين

وسعة الصدر وروح القلب وطيب النفس من أربعة أمور االستبانة للحجة واألنس باألحبة والثقة بالعدة والمعاينة للغاية وقال الجاحظ في أثناء فصل يذكر

فيه ما في الفكر والنظر من الفضيلة وأين تقع لذة البهيمة بالعلوفة ولذة السبع بلطم الدم واكل اللحم من سرور الظفر باألعداء ومن انفتاح باب العلم بعد

إدمان قرعه وبعد فإذا أعدت____________________

(1/126)

الحلبات لجرى الجياد ونصبت األهداف ليعرف فضل الرماة في اإلبعاد والسداد فرهان العقول التي

تستبق ونضالها الذي تمتحن قواها في تعاطيه هوالفكر والروية والقياس واالستنباط

ولن يبعد المدى في ذلك وال يدق المرمى إال بما تقدم من تقرير الشبه بين األشياء المختلفة فإن األشياء المشتركة في الجنس المتفقة في النوع

تستغنى بثبوت الشبه بينها وقيام االتفاق فيها عن تعمل وتأمل في إيجاب ذلك لها وتثبيته فيها وأنها

لصنعة تستدعى جودة القريحة والحذق الذي يلطف ويدق في أن يجمع أعناق المتنافرات المتباينات في

ربقه ويعقد بين األجنبيات معاقد نسب وشبكة وما شرفت صنعة وال ذكر بالفضيلة عمل إال ألنهما

يحتاجان من دقة الفكر ولطف النظر ونفاذ الخاطر إلى ماال يحتاج إليه غيرهما ويحتكمان على من

زاولهما والطالب لهما في هذا المعنى ما ال يحتكم ما عداهما وال يقتضيان ذلك إال من جهة إيجاد االئتالف

في المختلفات وذلك بين لك فيما تراه من الصناعات وسائر األعمال التى تنسب إلى الدقة فإنك تجد الصورة المعمولة فيها كلما كانت أجزاؤها أشد

اختالفا في الشكل والهيئة ثم كان التالؤم بينها مع ذلك أتم واالئتالف أبين كان شأنها اعجب والحذق

لمصورها أوجب____________________

(1/127)

وإذا كان هذا ثابتا موجودا ومعلوما معهودا من حال الصور المصنوعة واألشكال المؤلفة فاعلم أنها

القضية في التمثيل واعمل عليها واعتقد صحة ما ذكرت لك من أخذ الشبه للشيء مما يخالفه في الجنس وينفصل عنه من حيث ظاهر الحال حتى

يكون هذا شخصا يمأل المكان وذاك معنى ال يتعدى األفهام واألذهان وحتى أن هذا إنسان يعقل وذاك

جماد أو موات ال يتصف بأنه يعلم أو يجهل وهذا نور شمس يبدو في السماء ويطلع وذاك معنى كالم

يوعى ويسمع وهذا روح يحيى به الجسد وذاك فضلومكرمة تؤثر وتحمد كما قال

) إن المكارم أرواح يكون لها ** آل المهلب دونالناس أجسادا (

وهذا مقال متعصب منكر للفضل حسود وذاك نار تلتهب في عود وهذا مخالف وذاك ورق خالف كما

قال ابن الرومي ) بذل الوعد لإلخالء سمحا ** وأبى بعد ذاك بذل

العطاء ( ) فغدا كالخالف يورق للعين ** ويأبى اإلثمار كل

اإلباء ( وهذا رجل يروم العدو تصغيره واألزراء به فيأبى

فضله إال ظهورا وقدره إال سموا وذاك شهاب من نارتصوب وهي تعلو وتخفض وهى ترتفع كما قال أيضا

) ثم حاولت بالمثيقيل تصغيري ** فما زدتنى سوىالتعظيم (

) كالذي طأطأ الشهاب ليخفي ** وهو أدنى له إلىالتضريم (

وأخذ هذا المعنى من كالم في حكم الهند وهو أنالرجل ذا المروءة والفضل

____________________

(1/128)

ليكون خامل المنزلة غامض األمر فما تبرح به مروءته وعقله حتى يستبين ويعرف كالشعله من النار التى

يصوبها صاحبها وتأبى إال ارتفاعا هذا هو الموجب للفضيلة والداعى إلى االستحسان

والشفيع الذي أحظى التمثيل عند السامعين واستدعى له الشغف والولوع من قلوب العقالء

الراجحين ولم تأتلف هذه األجناس المختلفة للمتمثل ولم تتصادف هذه األشياء المتعاديه على حكم المشبه

إال ألنه لم يراع ما يحضر العين ولكن ما يستحضر العقل ولم يعن بما تنال الرؤبة بل بما تعلق الروية

ولم ينظر إلى األشياء من حيث توعى فتحويها األمكنة بل من حيث تعيها القلوب الفطنة ثم على

حسب دقة المسلك إلى ما استخرج من الشبه ولطف المذهب وبعد التصعد إلى ما حصل من الوفاق

استحق مدرك ذلك المدح واستوجب التقديم واقتضاك العقل أن تنوه بذكره وتقضى بالجنى في

نتائج فكره نعم وعلى حسب المراتب في ذلك وأعطيته في بعض منزلة الحاذق الصنع والملهم

المؤيد واأللمعي المحدث الذي سبق إلى اختراع نوعمن الصنعة حتى يصير إماما ويكون من بعده

____________________

(1/129)

تبعا له وعياال عليه وحتى تعرف تلك الصنعة بالنسبة إليه فيقال صنعة فالن وعمل فالن ووضعته في بعض موضع المتعلم الذكى والمقتدي المصيب في إقتدائه الذي يحسن التشبه بمن أخذ عنه ويجيد حكاية العمل

الذي استفاد ويجتهد أن يزداد واعلم أنى لست أقول لك انك متى ألفت الشىء

ببعيد عنه في الجنس على الحملة فقد أصبت وأحسنت ولكن أقوله بعد تقييد وبعد شرط وهو أن تصيب بين المختلفين في الجنس وفي ظاهر األمر

شبها صحيحا معقوال وتجد للمالئمة والتأليف السوى بينهما مذهبا وإليهما سبيال وحتى يكون ائتالفهما

الذي يوجب تشبيهك من حيث العقل والحدس في وضوح اختالفهما من حيث العين والحس فإما أن

تستكره الوصف وتروم أن تصوره حيث ال يتصور فال ألنك تكون في ذلك بمنزلة الصانع األخرف يضع في

تأليفه وصوغه الشكل بين شكلين ال يالئمانه وال يقبالنه حتى تخرج الصورة مضطربة وتجىء فيها نتو

ويكون للعين عنها من تفاوتها نبو وإنما قيل شبهت وال تعنى في كونك مشبها أن تذكر حرف التشبيه أو

تستعير إنما تكون مشبها بالحقيقة بأن ترى الشبه وتبينه وال يمكنك بيان ما ال يكون وتمثيل ما ال تتمثله

األوهام والظنون ولم أرد بقولى إن الحذق في إيجاد االئتالف بين

المختلفات في األجناس أنك تقدر أن تحدث هناك مشابهة ليس لها أصل في العقل وإنما المعنى أن

هناك مشابهات خفية بدق المسلك إليها فإذا تغلغلفكرك فأدركها فقد

____________________

(1/130)

استحققت الفضل ولذلك يشبه المدقق في المعانى كالغائص على الدر ووزان ذلك أن القطع التى يجىء

من مجموعها صورة الشنف والخاتم أو غيرهما من الصور المركبة من أجزاء مختلفة الشكل لو لم يكن

بينها تناسب أمكن ذلك التناسب أن يالئم بينها المالئمة المخصوصة ويوصل الوصل الخاص لم يكن

ليحصل لك من تأليفها الصورة المقصودة أال ترى انك لو جئت بأجزاء مخالفة لها في الشكل ثم أردتها على أن تصير إلى الصورة التي كانت من تلك

األولى طلبت ما يستحيل فإنما استحققت األجرة على الغوص وإخراج الدر ال أن الدر كان بك واكتسى

شرفة من جهتك ولكن لما كان الوصول إليه صعبا وطلبه عسيرا ثم رزقت ذلك وجب أن يجزل لك ويكبر

صنيعك أال ترى أن التشبيه الصريح إذا وقع بين شيئين

متباعدين في الجنس ثم لطف وحسن لم يكن ذلك اللطف وذلك الحسن إال التفاق كان ثابتا بين المشبه

والمشبه به من الجهة التى بها شبهت إال أنه كان خفيا ال ينجلى إال بعد التألق في استحضار الصور وتذكرها وعرض بعضها على بعض والتقاط النكتة

المقصودة منها وتجريدها من سائر ما يتصل بها نحو أن يشبه الشىء بالشىء في هيئة الحركة فتطلب

الوفاق بين الهيئة والهيئة والهيئة مجردة من الجسم وسائر ما فيه من اللون وغيره من األوصاف كما

فعل ابن المعتز في تشبيه البرق حيث قال ) وكأن البرق مصحف قار ** فانطباقا مرة وانفتاحا (

____________________

(1/131)

لم ينظر من جميع أوصاف البرق ومعانيه إال إلى الهيئة التى تجدها العين له عن انبساط يعقبه

انقباض وانتشار يتلوه انضمام ثم فكر في نفسه عن هيآت الحركات لينظر أيها أشبه بها فأصاب ذلك فيما يفعله القارىء من الحركة الخاصة في المصحف إذا جعل يفتحه مرة ويطبقه أخرى ولم يكن إعجاب هذا التشبيه لك وإيناسه إياك ألن الشيئين مختلفان في

الجنس أشد االختالف فقط بل ألن حصل بإزاء االختالف اتفاق كأحسن ما يكون واتمه فبمجموع األمرين شدة ائتالف في شدة اختالف حال وحسن

وراق وفتن ويدخل في هذا الموضع الحكاية المعروفة في حديث عدى بن الرقاع قال جرير انشدنى عدى عرف الديار

توهما فاعتادها فلما بلغ إلى قوله تزجى أغن كان ابرة روقة رحمته وقلت قد وقع ما عساه يقول وهو

أعرابي جلف جاف فلما قال قلم أصاب من الدواة مدادها استحالت الرحمة حسدا فهل كانت الرحمة

في األولى والحسد في الثانية____________________

(1/132)

إال أنه رآه حين افتتح التشبيه قد ذكر ما ال يحضر له في أول الفكر وبديهة الخاطر وفي القريب من محل

الظن شبه وحين أتم التشبيه وأداه صادفة قد ظفر بأقرب صفة من أبعد موصوف وعثر على خبىء مكانه

غير معروف وعلى ذلك استحسنوا قول الخليل فيانقباض كف البخيل

) كفاك لم تخلقا للندى ** ولم يك بخلهما بدعه (

) فكف عن الخير مقبوضة ** كما نقصت مائة سبعة (

) وكف ثالثة آالفها ** وتسع مئيها لها منعه ( وذلك انه أراك شكال واحدا في اليدين مع اختالف

العددين ومع اختالف المرتبتين في العدد أيضا ألن أحدهما من مرتبة العشرات واآلحاد واآلخر من مرتبة

المئين واأللوف فلما حصل االتفاق كأشد ما يكون في شكل اليد مع االختالف كأبلغ ما يوجد في

المقدار والمرتبة من العدد كان التشبيه____________________

(1/133)

بديعا قال المرزبانى وهذا مما أبدع فيه الخليل ألنه وصف انقباض اليدين بحالين من الحساب مختلفين

في العدد متشاكلين في الصورة وقوله هذا إجمال مافصلته

ومما ينظر إلى هذا الفصل ويداخله ويرجع إليه حين تحصيله الجنس الذي يراد فيه كون الشىء من

األفعال سببا لضده كقولنا أحسن من حيث قصد اإلساءة ونفع من حيث أراد الضر إذا لم يقنع

التشاغل بالعبارة الظاهرة والطريقة المعروفة وصور في نفس اإلساءة اإلحسان وفي البخل الجود

وفي المنع العطاء وفي موجب الذم موجب الحمد وفي الحالة التي حقها أن تعد على الرجل حكم ما يعتد له والفعل الذي هو بصفة ما يعاب وينكر صفة ما يقبل المنة ويشكر فيدل ذلك بما يكون فيه من الوفاق الحسن مع الخالف البين على حذق شاعرة وعلى جودة طبعه وحدة خاطره وعلو مصعده وبعد

غوصه إذا لم يفسده بسوء العبارة ولم يخطئه التوفيق في تلخيص الداللة وكشف تمام الكشف عن

سرو المعنى وسره بحسن البيان وسحره مثال ماكان من الشعر بهذه الصفة قول أبي العتاهية ) جزى البخيل على صالحة ** عنى لخفته على

ظهرى ( ) أعلى وأكرم عن يديه يدى ** فعلت ونزه قدره

قدرى ( ) ورزقت من جدواه عافية ** أن ال يضيق لشكره

صدري ( ) وغنيت خلوا من تفضله ** أحنو عليه بأحسن

العذر ( ) ما فاتنى خير امرىء وضعت ** عني يداه مؤنة

الشكر (____________________

(1/134)

ومن اللطيف مما يشبه هذا قول اآلخر ) اعتقني سوء ما صنعت من الر ** مق فيا بردها

على كبدي ( ) فصرت عبدا للسوء فيك وما ** احسن سوء قبلي

هذا فن آخر من القول يجمع التشبيه فصلإلى أحد ( والتمثيل جميعا

اعلم أن معرفة الشىء من طريق الجملة غير معرفته من طريق التفصيل فنحن وإن كنا ال يشكل علينا

الفرق بين التشبيه الغريب وغير الغريب إذا سمعنا بهما فإن لوضع القوانين وبيان التقسيم في كل شىء وتهيئة العبارة في الفروق فائدة ال ينكرها

المميز وال يخفي أن ذلك أتم للغرض وأشفى للنفس والمعنى الجامع في سبب الغرابة أن يكون الشبه

المقصود من الشىء مما ال ينزع إليه الخاطر وال يقع في الوهم عند بديهة النظر إلى نظيره الذي يشبه به

بل بعد تثبت وتذكر وفكر للنفس في الصور التي تعرفها وتحريك الوهم في استعراض ذلك واستحضار

ما غاب منه بيان ذلك انك كما ترى الشمس ويجرى في خاطرك

استدارتها ونورها تقع في قلبك المرآة المجلوة ويتراءى لك الشبه منها فيها وكذلك إذا نظرت إلى

الوشى منشورا وتطلبت لحسنه ونقشه واختالف األصباغ فيه شبها حضرك ذكر الروض ممطورا مفترا عن أزهاره متبسما عن أنواره وكذلك إذا نظرت إلى السيف الصقيل عند سلة وبريق متنه لم يتباعد عنك أن تذكر انعقاق البرق وإن كان هذا أقل ظهورا من

األول____________________

(1/135)

وعلى هذا القياس ولكنك تعلم أن خاطرك ال يسرعإلى تشبيه الشمس بالمرآة في كف األشل كقوله

) والشمس كالمرآة في كف األشل ** ( هذا اإلسراع وال قريبا منه وال إلى تشبيه البرق بإصبع السارق

كقول كشاجم ) أرقت أم نمت لضوء بارق ** مؤتلق مثل فؤاد

العاشق ( ) كأنه إصبع كف السارق ** (

وكقول ابن بابك ) ونضنض في حصنى سحائل بارق ** له جذوة من

زبرج الالذ المعه ( ) تعوج في أعلى السحاب كأنها ** بنان يد من كلة

الالذ ضارعه ( وال إلى تشبيه البرق في انبساطه وانقباضه والتماعه

وائتالقه بانفتاح المصحف وانطباقه فيما مضى منقول ابن المعتز

) وكأن البرق مصحف قار ** فانطباقا مرة وانفتاحا (

وال إلى تشبيه سطور الكتاب بأغصان الشوك فيقوله

) بلفظ يأخذ الحرف المحلى ** كأن سطوره أغصانشوك (

وال إلى تشبيه الشقيق بأعالم ياقوت على رماحزبرجد كقول الصنوبري

) وكأن محمر الشقيق ** إذا تصوب أو تصعد (____________________

(1/136)

) أعالم ياقوت نشر ** ن على رماح من زبرجد ( وال إلى تشبيه النجوم طالعات في السماء مفترقات

مؤتلفات في أديمها وقد مازجت زرقة لونها بياض نورها بدر منثور على بساط أزرق كقول أبي طالب

الرقى ) وكأن أجرام النجوم لوامعا ** درر نثرن على بساط

أزرق ( وال ما جرى في هذا السبيل وكان من هذا القبيل بل

تعلم أن الذي سبقك إلى أشباه هذه التشبيهات لم يسبق إلى مدى قريب بل أحرز غاية ال ينالها غير

الجواد وقرطس في هدف ال يصاب إال بعد االحتفالواالجتهاد

واعلم انك إن أردت أن تبحث بحثا ثانيا حتى تعلم لم وجب أن يكون بعض الشبه على الذكر أبدا وبعضه

كالغائب عنه وبعضه كالبعيد عن الحضرة ال ينال إال بعد قطع مسافة إليه وفضل تعطف بالفكر عليه فإن

ههنا ضربين من العبرة يجب أن تضبطهما أوال ثم ترجع في أمر التشبيه فإنك حينئذ تعلم السبب في سرعة بعضه إلى الفكر وإباء بعض أن يكون له ذلك

اإلسراع فإحدى العبرتين أنا نعلم أن الجملة أبدا أسبق إلى النفوس من التفصيل وإنك تجد الرؤية

نفسها ال تصل بالبديهة____________________

(1/137)

إلى التفصيل ولكنك ترى بالنظر األول والوصف على الجملة ثم ترى التفصيل عند إعادة النظر ولذلك قالوا

النظرة األولى حمقاء وقالوا لم ينعم النظر ولم يستقص التأمل وهكذا الحكم في السمع وغيرة من

الحواس فإنك تتبين من تفاصيل الصوت بأن يعاد عليك حتى تسمعه مرة ثانية ما لم تتبينه بالسماع

األول وتدرك من تفصيل طعم الذوق بأن تعيده إلى اللسان ما لم تعرفه في الذوقة األولى وبإدراك

التفصيل يقع التفاضل بين راء وراء وسامع وسامع وهكذا فأما الجمل فتستوى فيها األقدام ثم تعلم أنك

في إدراك تفصيل ما تراه وتسمعه أو تذوقه كمن ينتقى الشىء من بين جملة وكمن يميز الشىء مما قد اختلط به فأنك حين ال يهمك التفصيل كمن يأخذ

الشىء جزافا وجرفا وإذا كانت هذه العبرة ثابتة في المشاهدة وما يجرى

مجراها مما تناله الحاسة فاألمر في القلب كذلك تجد الجمل أبدا هي التى تسبق إلى األوهام وتقع في

الخاطر أوال وتجد التفاصيل مغمورة فيما بينها وتراها ال تحضر إال يعد إعمال الروية واستعانة

بالتذكر ويتفاوت الحال في الحاجة إلى الفكر بحسب مكان الوصف ومرتبته من حد الجملة وحد التفصيل

وكلما كان أوغل في التفصيل كانت الحاجة إلى التوقف والتذكر أكثر والفقر إلى التأمل والتمهل

أشد____________________

(1/138)

وإذ قد عرفت هذه العبرة فاالشتراك في الصفة إذا كان من جهة الجملة على اإلطالق بحيث ال يشوبه

شىء من التفصيل نحو أن كال الشيئين أسود أو أحمر فهو يقل عن أن يحاج فيه إلى قياس وتشبيه فإن دخل في التفصيل شيئا نحو إن هذا السواد صاف

براق والحمرة رقيقة ناصعة احتجت بقدر ذلك إلى إدارة الفكر وذلك مثل تشبيه حمرة الخد بحمرة

التفاح والورد فإن زاد تفصيله بخصوص تدق العبارة عنه ويتعرف بفضل تأمل ازداد األمر قوة في اقتضاء

الفكر وذلك نحو تشبيه سقط النار بعين الديك فيقوله

) وسقط كعين الديك عاورت صحبتى ** (____________________

(1/139)

وذلك أن ما في عينه من تفصيل وخصوص يزيد على كون الحمرة رقيقة ناصعة والسواد صافيا براقا

وعلى هذا تجد هذا الحد من المرتبة التي ال يستوي فيها البليد و والذكي والمهمل نفسه والمتقيقظ

المستعد للفكر والتصور فقوله

) كأن على أنيابها كل سحرة ** صياح البوازي منصريف اللوائك (

أرفع طبقة من قوله ) كأن صليل المرو حين تشذه ** صليل زيوف

ينتقدون بعبقرا ( ألن التفصيل والخصوص في صوت البازي أبين

وأظهر منه في صليل الزيوف وكما أن قوله يصفالفرس

) و للفؤاد وجيب تحت أبهره ** لدم الغالم وراءالغيب بالحجر (

____________________

(1/140)

ال يستوي بتشبيه وقع الحوافر بهزمة الرعد وتشبيهالصوت الذي يكون لغليان القدر بنحو ذلك كقوله ) لها لغط جنح الظالم كأنه ** عجارف غيث رائح

متهزم ( ألن هناك من التفصيل الحسن ما تراه وليس في

كون الصوت من جنس اللغط تفصيل يعتد به وإنما هو كالزيادة والشدة في الوصف ومثال ذلك مثال أن يكون جسم اعظم من جسم في انه ال يتجاوز مرتبة

الجمل كبير تجاوز فإذا رأى الرجل شخصا قد زاد على المعتاد في العظم والضخامة لم يحتج في

تشبيهه بالفيل أو الجبل أو نحو ذلك إلى شىء منالفكر بل يحضره ذلك حضور ما يعرف بالبديهة

والمقابالت التي تريك الفرق بين الجملة والتفصيلكثيرة ومن اللطيف في ذلك أن تنظر إلى قوله

) يتابع ال يبتغي غيره ** بأبيض كالقبس الملتهب (____________________

(1/141)

ثم تقابل به قوله ) جمعت ردينيا كأن سنانه ** سنا لهب لم يتصل

بدخان (

فإنك ترى بينهما من التفاوت في الفضل ما تراه مع أن المشبه به في الموضعين شىء واحد وهو شعلة

النار و ما ذاك إال من جهة أن الثاني قصد إلى تفصيل لطيف ومر األول على حكم الجمل ومعلوم

أن هذا التفصيل ال يقع في الوهم في أول وهلة بل ال بد فيه من أن تتثبت وتتوقف وتروى وتنظر في حال كل واحد من الفرع واألصل حتى يقوم حينئذ

في نفسك أن في األصل شيئا يقدح في حقيقة الشبه وهو الدخان الذي يعلو رأس الشعلة وأنه ليس

في رأس السنان ما يشبه ذلك وأنه إذا كان كذلك كان التحقيق وما يؤدي الشيء كما هو أن تستثنى الدخان

وتنقى اتصاله باللهب وتقصر التشبيه على مجردالسنا وتصور السنان فيه مقطوعا عن الدخان

____________________

(1/142)

ولو فرضت أن يقع هذا كله على حد البديهة من غير أن يخطر ببالك ما ذكرت لك قدرت محاال ال يتصور

كما أنك لو قدرت أن يكون تشبيه الثريا بعنقود مالحية حين نور بمنزله تشبيهها بالنور على اإلطالق

أو تفتح نور فقط كما قال ) كأن الثريا في أواخر ليلها ** تفتح نور (

حتى ترى حاجتهما إلى التأمل على مقدار واحد وحتى ال يحوج أحدهما من الرجوع إلى النفس وبحثها

عن الصور التي تعرفها إال إلى مثل ما يحوج إليه اآلخر أسرفت في المجازفة ونقصت يدا بالصواب

والتحقيق والعبرة الثانية أن مما يقتضى كون الشىء على

الذكر وثبوت صورته في النفس أن يكثر دورانه على العيون ويدوم تردده في مواقع األبصار وأن تدركه

الحواس في كل وقت أو في أغلب األوقات وبالعكس وهو أن من سبب بعد ذلك الشىء عن أن يقع ذكره بالخاطر وتعرض صورته في النفس قلة رؤيته وأنه

مما يحس بالفيئة بعد الفيئة وفي الفرط بعد الفرط وعلى طريق الندرة وذلك أن العيون هي التي تحفظ

صورة األشياء على النفوس وتجدد عهدها بها وتحرسها من أن تدثر وتمنعها أن تزول ولذلك قالوا

من غاب عن العين فقد غاب عن القلب وعلى المعنى كانت المدارسة والمناظرة في العلوم

وكرورها على االسماع سبب سالمتها من النسيانوالمانع لها من التفلت والذهاب

____________________

(1/143)

وإذا كان هذا أمرا ال يشك فيه بان منه أن كل شبه رجع إلى وصف أو صورة أو هيئة من شأنها أن ترى وتبصر أبدا فالتشبيه المعقود عليه نازل مبتذل وما

كان بالضد من هذا وفي الغاية القصوى من مخالفته فالتشبيه المردود إليه غريب نادر بديع ثم تتفاضل

التشبيهات التي تجىء واسطة لهذين الطرفين بحسب حالها منهما فما كان منها إلى الطرف األول أقرب فهو أدنى وأنزل وما كان إلى الطرف الثاني

أذهب فهو أعلى وأفضل وبوصف الغريب أجدر واعلم أن قولنا التفصيل عبارة جامعة ومحصولها

على الجملة أن معك وصفين أو أوصافا فأنت تنظر فيها واحدا واحدا وتفصل بالتأمل بعضها من بعض

وقد أرتك في الجملة حاجة إلى أن تنظر في أكثر من شىء واحد وأن تنظر في الشىء الواحد إلى أكثر من

جهة واحدة ثم إنه يقع على أوجه أحدها وهو األول واألحق بهذه العبارة أن تفصل بان تأخذ بعضا وتدع

بعضا كما فعل في اللهب حين عزل الدخان عن السنا وجرده وكما فعل اآلخر حين فصل الحدق عنالجفون وأثبتها مفردة فيما شبه وذلك قوله

) لها حدق لم تتصل بجفون ** ( ويقع في هذا الوجه من التفصيل لطائف فمنها قول

أبن المعتز ) يطارح النظرة في كل أفق ** ذى منسر أقنى إذا

شك خرق ( ) ومقلة تصدقه إذا رمق ** كأنها نرجسة بال ورق (

____________________

(1/144)

وقوله ) تكتب فيه أيدي المزاج لنا ** ميمات سطر بغير

تعريق ( والثاني أن تفصل بأن تنظر من المشبه في أموره

لتعتبرها كلها وتطلبها فيما يشبه به وذلك كاعتبارك في تشبيه الثريا بالعنقود األنجم نفسها والشكل

منها واللون وكونها مجتمعة على مقدار في القرب والبعد فقد نظرت في األمور واحدا واحدا وجعلتها بتأملك فصال فصال ثم جمعتها في تشبيهك وطلبك للهيئة الحاصلة من عدة أشخاص األنجم واألصناف التي ذكرت لك من الشكل واللون والتقارب على وجه مخصوص هيئة أخرى شبيهة بها فأصبتها في العنقود المنور من المالحية ولم يقع لك التشبيه بينهما إال بأن فصلت أيضا أجزاء العنقود بالنظر وعلمت أنها خصل بيض وأن فيها شكل استدارة

النجم ثم الشكل إلى الصغر ما هو كما أن شكل أنجم الثريا كذلك وأن هذه الخصل ال مجتمعة اجتماع

النظام والتالصق وال هي شديدة االفتراق بل لها مقادير في التقارب والتباعد على نسبة قريبة مماتجده في رأى العين بين تلك األنجم بذلك على أن

____________________

(1/145)

التشبيه موضوع على مجموع هذه األوصاف حتى أنا لو فرضنا في تلك الكواكب أن تفترق وتتباعد تباعدا

أكثر مما هي عليه اآلن أو قدر في العنقود أن ينثرلم يكن التشبيه بحاله

وكذلك الحكم في تشبيه الثريا باللجام المفضض ألنك راعيت الهيئة الخاصة من وقوع تلك القطع

واألطراف بين اتصال وانفصال وعلى الشكل الذي يوجبه موضوع اللجام ولو فرضت أن تركب مثال على

سنن واحد طوال في سير واحد مثال ويلصق بعضهاببعض بطل التشبيه وكذا قوله

) تعرض أثناء الوشاح المفصل ** ( وقد اعتبر فيه هيئة التفصيل في الوشاح والشكل

الذى يكون عليه الخرز المنظوم في الوشاح فصاراعتبار التفصيل اعجب تفصيل في التشبيه

) والوجه الثالث ( أن تفصل بأن تنظر إلى خاصة بعض الجنس كآلتي تجدها في صوت البازى وعين الديك فأنت تأبى أن تمر على جمله أن هذا صوت

وذاك حمرة ولكن تفصل فتقول فيهما ما ليس فيكل صوت وكل حمره

واعلم أن هذه القسمة في التفصيل موضوعه على األغلب األعرف وإال فدقائقه ال تكاد تضبط فمما يكثر

فيه التفصيل ويقوى معناه فيه ما كان____________________

(1/146)

من التشبيه مركبا بين شيئين أو اكثر وهو ينقسمقسمين

أحدهما أن يكون شيئا بقدر المشبه وبصفته أوال يكون ومثال ذلك تشبيه النرجس بمداهن در حشوهن

عقيق وتشبيه الشقيق بأعالم ياقوت نشرت على رماح من زبرجد ألنك في هذا النحو تحصل الشبه بين شيئين يقدر اجتماعهما على وجه مخصوص وبشرط

معلوم فقد حصله في النرجس من شكل المداهن والعقيق بشرط أن تكون المداهن من الدر وأن يكون العقيق في الحشو منها وكذلك أشترط هيئة األعالم

وأن تكون من الياقوت وأن تكون منشورة على رماح من زبرجد فبك حاجة في ذلك إلى مجموع أمور لو

أخللت بواحد منها لم يحصل الشبه وكذلك لو خالفت الوجه المخصوص في اإلجتماع واالتصال بطل الغرض

فكما بك حاجة إلى أن يكون الشكل شكل المدهن وأن يكون من الدر وأن يكون معه العقيق فبك أيضا فقر إلى أن يكون العقيق في حشو المداهن وعلى

هذا القياس والقسم الثاني أن تعتبر في التشبيه هيئة تحصل من اقتران شيئين وذلك االقتران مما يوجد ويكون ومثاله

قوله ) غدا والصبح تحت الليل باد ** كطرف أشهب ملقى

الجالل ( قصد الشبه الحاصل لك إذا نظرت إلى الصبح والليل

جميعا وتأملت حالهما معا وأراد أن يأتي بنظير للهيئة المشاهدة من مقارنة أحدهما اآلخر ولم يرد أن يشبه

الصبح على اإلنفراد والليل على اإلنفراد كما لم يقصد األول أن يشبه الدائرة البيضاء من النرجس بمدهن الدر ثم يستأنف تشبيها للثانية بالعقيق بل

أراد أن يشبه الهيئة الحاصلة من مجموع الشكلين من غير أن يكون بين في البين ثم إن هذا االقتران الذي

وضع عليه التشبيه مما يوجد____________________

(1/147)

ويعهد إذ ليس وجود الفرس األشهب قد ألقى الجلمن المعوز فيقال أنه مقصور على التقدير والوهم

فأما األول فال يتعدى التوهم وتقدير أن يصنع ويعمل فليس في العادة أن تتخذ صورة أعالها ياقوت على مقدار العلم وتحت ذلك الياقوت قطع مطاولة من

الزبرجد كهيئة األرماح والقامات وكذلك ال يكون ههنا مداهن تصنع من الدر ثم يوضع في أجوافها عقيق وفي تشبيه الشقيق زيادة معنى تباعد الصورة من

الوجود وهو شرطة أن تكون أعالما منشورة والنشرفي الياقوت وهو حجر ال يتصور موجودا

وبقى أن تعلم أن الوجه في إلقاء الجل أن تريد أنه أداره عن ظهره وأزاله عن مكانه حتى تكشف أكثر جسده ال أنه رمى به جملة حتى أنفصل منه ألنه إذا أراد ذلك كان قد قصد إلى تشبيه الصبح وحده من غير أن يفكر في الليل ولم يشاكل قوله في أول

البيت ) ^ والصبح تحت الليل باد ** ( وأما قوله

) إذا تبدى البرق منها خلته ** بطن شجاع في كئيبيضطرب (

) وتارة تبصره كأنه ** أبلق مال جله حين وثب ( فال شبه فيه أن يكون القصد إلى تشبيه البرق وحده

ببياض البلق دون أن يدخل لون الجل في التشبيه حتى كأنه يريد أن يريك بياض البرق في سواد الغمام

بل ينبغي أن يكون الغرض بذكر الجل أن البرق____________________

(1/148)

يلمع بغتة ويلوح للعين فجأة فصار لذلك كبياض األبلق إذا ظهر عند وثوبه وميل جله عنه وقد قال

ابن بابك في هذا المعنى ) للبرق فيها لهب طائش ** كما يعرى الفرس األبلق

) إال أن لقول ابن المعتز حين وثب من الفائدة ماال

يخفي وقد عنى المتقدمون أيضا بمثل هذا االحتياطأال تراه قال

) وترى البرق عارضا مستطيال ** مرح البلق جلن فياإلجالل (

فجعلها تمرح وتجول ليكون قد راعى ما به يتم الشبه وهو معظم الغرض من تشبيهه وهو هيئة حركته

وكيفية لمعه ثم اعلم أن هذا القسم الثاني الذي يدخل في الوجود يتفاوت حاله فمنه ما يتسع وجوده ومنه ما يوجد في

النادر ويبين ذلك بالمقابلة فأنت إذا قابلت قوله ) وكأن أجرام النجوم لوامعا ** درر نثرن على بساط

أزرق ( بقول ذي الرمة ) ^ كأنها فضة قد مسها ذهب ** (

علمت فضل الثاني على األول في سعة الوجود وتقدم األول على الثاني في غربته وقلته وكونه نادر الوجود فإن الناس يرون أبدا في الصياغات فضة قد أجرى فيها ذهب وطليت به وال يكاد يتفق ألن يوجد

در قد نثر على بساط أزرق فإذا عرفت أنقسام المركب من التشبيه إلى هذين

القسمين فاعتبر____________________

(1/149)

موضعهما من العبرتين المذكورتين فإنك تراهما بحسب نسبتهما منهما وتحققهما بهما قد أعطتاهما لطف الغرابة ونفضتا عليهما صبغ الحسن وكستاهما روع اإلعجاب فتجد المقدر الذي ال يباشر الوجود نحو

قوله

) أعالم ياقوت نشر ** ن على رماح من زبرجد ( وكقوله في النيلوفر

) كلنا باسط اليد ** نحو نيلوفر ندى ( ) كدبابيس عسجد ** قضبها من زبرجد (

قد اجتمع فيه العبرتان جميعا وتجد العبرة الثانية قد أتت فيه على غاية القوة ألنه ال مزيد في بعد الشىء عن العيون على أن يكون وجوده ممتنعا أصال حتى ال يتصور أال في الوهم وإذا تركت هذا القسم ونظرت

إلى القسم الثاني الذي يدخل في الوجود نحو قوله ) درر نثرن على بساط أزرق ** (

وجدت العبرة الثانية ال تقوى فيه تلك القوة ألنه إذا كان مما يعلم انه يوجد ويعهد بحال وإن كان ال يتسع

بل يندر ويقل فقد دنا من الوقوع في الفكر والتعرض للذكر دنواال ال يدنوه األول الذي ال يطمع

أن يدخل تحت الرؤية للزومه العدم وامتناعه أن يجوز عليه إال التوهم وال جرم لما كان األمر كذلك كان للضرب األول من الروعة والحسن ولصاحبه من

الفضل في قوة الذهن ما لم يكن ذلك في الثاني وقوى الحكم بحسب قوة العلة وكثر الوصف الذي هو

الغرابة بحسب الجالب له____________________

(1/150)

وفي هذا التقرير ما تعلم به الطريق إلى التشبيه من أين تفاوت في كونه غريبا ولم تفاضل في مجيئه

عجيبا وبأي سبب وجدت عند شىء منه من الهزة ما لم تجده عند غيره علما يخرجك عن نقيصة التقليد

ويرفعك عن طبقة المقتصر على اإلشارة دون البيانواإلفصاح بالعبارة

واعلم أن العبرة الثانية التي هي مرور الشىء على العيون هو معنى واحد ال يتكثر ولكنه يقوى ويضعف

كما مضى وأما العبرة األولى وهى التفصيل فإنها في حكم الشىء يتكثر وينضم فيه الشىء إلى

الشىء أال ترى أن احد التفصيلين يفضل اآلخر بأن تكون قد نظرت في أحدهما إلى ثالثة أشياء أو ثالث جهات وفي اآلخر إلى شيئين أو جهتين والمثال في

ذلك قول الشاعر ) كأن مثار النقع فوق رؤسنا ** وأسيافنا ليل تهاوى

كواكبه ( مع قول المتنبي

) يزور األعادى في سماء عجاجه ** أسنته فيجانبيها الكواكب (

أو قول عمر بن كلثوم ) تبنى سنابكها من فوق أرؤسهم ** سقفا كواكبه

البيض المباتير ( التفصيل في األبيات الثالثة كأنه شىء واحد ألن كل

واحد منهم يشبه لمعان السيوف في الغبار بالكواكب في الليل إال أنك تجد لبيت بشار من الفضل ومن

كوم الموقع ولطف التأثير في النفس ماال يقلمقداره

____________________

(1/151)

وال يمكن إنكاره وذلك ألنه راعى ما لم يراعه غيره وهو أن جعل الكواكب تهاوى فاتم الشبه وعبر عن

هيئة السيوف وقد سلت من األغماد وهى تعلو وترسب وتجىء وتذهب ولم يقتصر على أن يريك لمعانها في أثناء العجاجة كما فعل اآلخران وكان

لهذه الزيادة التى زادها حظ من الدقة تجعلها في حكم تفصيل بعد تفصيل وذلك أنا وإن قلنا إن هذه الزيادة وهي إفادة هيئة السيوف في حركاتها إنما

أتت في جملة ال تفصيل فيها فإن حقيقة تلك الهيئة ال تقوم في النفس إال بالنظر إلى أكثر من جهة

واحدة وذلك أن تعلم أن لها في حال احتدام الحرب واختالف األيدى بها في الضرب اضطرابا شديدا

وحركات بسرعة ثم إن لتلك الحركات جهات مختلفة وأحواال تنقسم تنقسم بين االعوجاج واالستقامة واالرتفاع واالنخفاض وإن السيوف باختالف هذه

األمور تتالقى وتتداخل ويقع بعضها في بعض ويصدم بعضها بعضا ثم إن أشكال السيوف مستطيلة فقد

نظم هذه الدقائق كلها في نفسه ثم احضرك صورها بلفظة واحدة ونبه عليها بأحسن التنبيه وأكمله بكلمة

وهي قوله تهاوى ألن الكواكب إذا تهاوت اختلفت جهات حركاتها وكان لها في تهاويها تواقع وتداخل ثم إنها بالتهاوى تستطيل أشكالها فأما إذا لم تزل

عن أماكنها فهي على صورة االستدارة ويشبه هذا الموضع في زيادة أحد التشبيهين مع أن جنسهما جنس واحد وتركيبهما على حقيقة واحدة

بأن في أحدهما فضل استقصاء ليس في اآلخر قولابن المعتز

) وطاف بها ساق أديب بمنزل ** كخنجر عيار صناعتهالفتك (

____________________

(1/152)

) وحمل آذريونة فوق أذنة ** ككأس عقيق فيقرارتها مسك (

مع قوله ) مداهن من ذهب ** فيها بقايا غاليه (

األول ينقص عن الثاني شيئا وذلك أن السواد الذي في باطن اآلذريونة الموضوع بإزاء الغالية والمسك فيه أمران أحدهما أنه ليس بشامل لها والثاني أن هذا السواد ليس صورته صورة الدرهم في قعرها

أعنى أنه لم يستدر هناك بل ارتفع من قعر الدائرة حتى أخذ شيئا من سمكها من كل الجهات وله في منقطعة هيئة تشبه آثار الغالية في جوانب المدهن

إذا كانت____________________

(1/153)

بقية بقيت عن األصابع وقوله في قرارتها مسك يبين األمر األول ويؤمن من دخول النقص عليه كما

كان يدخل لو قال ككأس عقيق فيها مسك ولميشترط أن يكون في القرارة

وأما الثاني من األمرين فال يدل عليه كما يدل قوله

بقايا غالية وذاك من شأن المسك والشىء اليابس إذا حصل في شىء مستدير في القعر ال يرتفع في الجوانب االرتفاع الذي تراه في سواد اآلذريونة وأما

الغاليه فهي رطبة ثم هي تؤخذ باألصابع وإذا كان كذلك فالبد في البقية منها من أن تكون قد ارتفعت

عن القرارة وحصلت بقية شبيهة بذلك السواد ثم هي لنعومتها ترق فتكون كالصبغ الذي ال جرم له يملك المكان وذلك أصدق للتشبيه ومن أبلغ االستقصاء

وعجيبه قول ابن المعتز ) كأنا وضوء الصبح يستعجل الدجى ** نطير غرابا ذا

قوادم جون ( شبه ظالم الليل حين يظهر فيه الصبح بأشخاص

الغربان ثم شرط أن تكون قوادم ريشها بيضا ألن تلك الفرق من الظلمة تقع في حواشيها من حيث يلي معظم الصبح وعموده لمع نور يتخيل منها في العين كشكل قوادم إذا كانت بيضاء وتمام التدقيق

والسحر في هذا التشبيه في شىء آخر وهو أن جعل ضوء الصبح لقوة ظهوره ودفعه لظالم الليل كأنه

يحفز الدجى____________________

(1/154)

ويستعجلها وال يرضى منها بأن تتمهل في حركتها ثم لما بدأ بذلك أوال اعتبره في التشبيه آخرا فقال نظير غرابا ولم يقل غراب يطير مثال وذلك أن الغراب وكل

طائر إذا كان واقعا هادئا في مكان فأزعج وأخيف وأطير منه أو كان قد حبس في يد أو قفص فأرسل

كان ذلك ال محالة أسرع لطيرانه واعجل وأمد له وأبعد ألمده فإن تلك الفزعة التى تعرض له من

تنفيره أو الفرحة التي تدركه وتحدث فيه من خالصة وانفالته مما دعته إلى أن يستمر حتى يغيب عن

األفق ويصير إلى حيث ال تراه العيون وليس كذلك إذا طار عن اختيار ألنه يجوز حينئذ أن يصير إلى مكان قريب من مكانه األول وان ال يسرع في طيرانه بل

يمشي على هينة ويتحرك حركة غير المستعجلفاعرفه

ومما حقه أن يكون على فرط االستقصاء في التشبيه وفضل العناية بتأكيد ما بدا به قول ابن

فارس في صفة البازي ) كأن عينيه إذا ما أثارا ** فصان قيضا من عقيق

أحمرا ( ) في هامة غلباء تهدي منسرا ** كعطفة الجيم بكف

اعسرا ( أراد أن يشبه المنقار بالجيم والجيم خطان األول

الذي مبدأه وهو األعلى والثاني وهو الذي يذهب إلى اليسار وإذا لم توصل فلها تعريق كما ال يخفى

والمنقار إنما يشبه الخط األعلى فقط فلما كانكذلك قال كعطفه

____________________

(1/155)

الجيم ولم يقل كالجيم ثم دقق بان جعلها بكف اعسر ألن جيم األعسر قالوا أشبه بالمنقار من جيم األيمن

ثم إنه اراد ان يؤكد ان الشبه مقصور على الخطاألعلى من شكل الجيم فقال

) يقول من فيها بعقل فكرا ** لو زادها عينا إلى فاءورا (

) فاتصلت بالجيم صارت جعفرا ** ( فأراك عيانا أنه عمد في التشبيه إلى الخط األول من

الجيم دون تعريقها ودون الخط األسفل أما أمر التعريق وإخراجه من التشبيه فواضح ألن الوصل

يسقط التعريق أصال وأما الخط الثاني فهو وإن كان ال بد منه مع الوصل فإنه إذا قال لو زادها عينا إلى

فاء ورا ثم قال فاتصلت بالجيم فقد بين أن هذا الخط الثاني خارج أيضا من قصده في التشبيه من حيث كانت زيادة هذه الحروف ووصلها هي السبب

في حدوثه وينبغي أن يكون قوله بالجيم يعنى بالعطفة المذكورة من الجيم وألجل هذه الدقة قال يقول من فيها بعقل فكرا فمهد لما أراد أن يقول

ونبه على أن بالمشبه حاجة إلى فضل فكر وأن يكون فكره فكرة من يراجع عقله ويستعينه على تمام

البيان

وجملة القول أنك متى زدت في التشبيه على مراعاة وصف واحد أو جهة واحدة فقد دخلت في التفصيل والتركيب وفتحت باب التفاصيل ثم تختلف المنازل

في الفضل بحسب الصورة في استنفادك قوةاالستقصاء أو رضاك بالعفو دون الجهد

____________________

(1/156)

فصل اعلم أن مما يزداد به التشبيه دقه وسحرا أن يجىء

في الهيآت التى تقع عليها الحركات والهيئة المقصودة في التشبيه على وجهين أحدهما أن

تقترن بغيرها من األوصاف كالشكل واللون ونحوهما والثاني أن تجرد هيئة الحركة حتى ال يراد غيرها فمن

األول قوله ) والشمس كالمرآة في كف األشل ** (

أراد أن يريك مع الشكل الذي هو االستدارة ومع اإلشراق والتأللؤ على الجملة الحركة التى تراها

للشمس إذا أنعمت التأمل ثم ما يحصل في نورها من أجل تلك الحركة وذاك أن للشمس حركة متصلة دائمة

في غاية السرعة ولنورها بسبب تلك الحركة تموج واضطراب عجب وال يتحصل هذا الشبه إال بان تكون المرآة في يد األشل ألن حركته تدور وتتصل ويكون فيها سرعة وقلق شديد حتى ترى المرآة ال تقر في

العين وبدوام الحركة وشدة القلق فيها يتموج نور المرآة ويقع االضطراب الذي كأنه يسحر الطرف وتلك حال الشمس بعينها حين تحد النظر وتنفذ

البصر حتى تتبين الحركة العجيبة في جرمها وضوئها فإنك ترى شعاعها كأنه يهم بأن ينبسط حتى يفيض

من جوانبها ثم يبدو له فيرجع من االنبساط الذي بدأه إلى انقباض كأنه يجمعه من جوانب الدائرة إلى

الوسط وحقيقة حالها في ذلك مما ال يكمل البصر لتقريره وتصويره في النفس فضال عن أن تكمل

العبارة لتأديته ويبلغ البيان كنه صورته ومثل هذا التشبيه وإن صور في غير المرآة قول

المهلبى الوزير ) الشمس من مشرقها قد بدت ** مشرقة ليس لها

حاجب (____________________

(1/157)

) كأنها بوتقة أحميت ** يجول فيها ذهب ذائب ( وذلك أن الذهب الذائب يتشكل بأشكال البوتقة على النار فإنه يتحرك فيها حركة على الحد الذي وصفت

لك وما في طبع الذهب من النعومة وفي أجزائه من شدة االتصال والتالحم يمنعه أن يقع فيه غليان على الصفة التى تكون في الماء ونحوه مما يتخلله الهواء

فيرتفع وسطه ارتفاعا شديدا ولكن جملته كأنها تتحرك بحركة واحدة ويكون فيها ما ذكرت من

انبساط إلى الجوانب ثم انقباض إلى الوسط فاعرفه

ومن عجيب ما جمع فيه بين الشكل وهيئه الحركةقول الصنوبرى

) كأن في غدرانها ** حواجبا ظلت تمط ( أراد ما يبدو في صفحة الماء من أشكال كأنصاف دوائر صغار ثم إنك تراها تمتد امتدادا ينقص من انحنائها وتحدبها كما تباعد بين طرفي القوس

وتثنيهما إلى ناحية الظهر كأنك تقربها من االستواء وتسلبها بعض شكل التقوس الذي هو إقبال أحد

طرفيها على اآلخر ومتى حدثت هذه الصفة في تلك األشكال الظاهرة على متون الغدران كانت أشبه

شىء بالحواجب إذا مدت ألن الحاجب ال يخفىتقويسه ومده ينقص من تقويسه

ومن لطيف ذلك أيضا أعنى الجمع بين الشكل وهيئه الحركة قول ابن المعتز يصف وقوع القطر على

األرض____________________

(1/158)

) بكرت تعير األرض ثوب شباب ** رحبية محمودة

اإلسكاب ( ) نثرت أوائلها حيا فكأنه ** نقط على عجل ببطن

كتاب ( وأما هيئه الحركة مجردة من كل وصف يكون في

الجسم فيقع فيها نوع من التركيب بان يكون للجسم حركات في جهات مختلفة نحو أن بعضها يتحرك إلى يمين والبعض إلى شمال وبعض إلى فوق وبعض إلى قدام ونحو ذلك وكلما كان التفاوت في الجهات التى

تتحرك أبعاض الجسم إليها أشد كان التركيب في هيئة المتحرك اكثر فحركه الرحا والدوالب وحركة السهم ال تركيب فيها ألن الجهة واحدة ولكن في حركه المصحف في قوله فانطباقا مرة وانفتاحا

تركيب ألنه في إحدى الحالتين يتحرك إلى جهة غير جهته في الحالة األخرى فمما جاء في التشبيه

معقودا على تجريد هيئة الحركة ثم لطف وعرف لما فيه من التفصيل والتركيب قول األعشى يصف

السفينة في البحر وتقاذف األمواج بها ) تقص السفين بجانبيه كما ** ينزو الرباح خالله كرع

) الرباح الفصيل وقيل القرد والكرع ماء السماء شبه

السفينة في انحدارها____________________

(1/159)

وارتفاعها بحركات الفصيل في نزوه وذلك أن الفصيل إذا نزا وال سيما في الماء وحين يعتريه ما

يعترى المهر ونحوه من الحيوانات التى هي في أول متفاوتة تصير لها أعضاؤه5النشء كانت له حركات

في جهات مختلفة ويكون هناك تسفل وتصعد على غير ترتيب وبحيث تكاد تدخل إحدى الحركتين في األخرى فال يثبته الطرف مرتفعا حتى يراه منحطا متسفال ويهوى مرة نحو الرأس ومرة نحو الذنب

وذلك أشبه شيىء بحال السفينة وهيئة حركاتها حينيتدافعها الموج

ونظيره قول اآلخر يصف الفصيل وهو يثب على الناقة ويعلوها ويلقى نفسه عليها ألنها قد بركت فال

يتمكن من أن يرتضع فهو يفعل ذلك لتثور الناقه

) يقتاعها كل فصيل مكرم ** كالحبشى يرتقى فيالسلم (

يقتاعها يفثعل من قولهم قاع البعير الناقه إذا ضربها يقوعها قوعا أراد يعلوها ويثب عليها وشبه

بالحبشي في هذه الحالة المخصوصة لما يكون له عند ارتفاعه في السلم من تصعد بعض أعضائه وتسفل

بعض على اضطراب مفرط وغثارة شديدة وذلك كما ترى في أنه اختالف في جهات أبعاض الجسم على غير نظام مضبوط كحركات الفصيل في الماء وقد خالله وقد عرفتك أن االختالف في جهات الحركات

الواقعة في أبعاض الجسم كالتركيب بين أوصافمختلفة ليحصل من مجموعها شبه خاص

____________________

(1/160)

واعلم أن هذه الجهات يغلب عليها الحكم المستفاد من العبرة الثانية وذلك أن كل هيئة من هيئات

الجسم في حركاته إذا لم يتحرك في جهة واحده فمن شأنها أن تقل وتعز في الوجود فيباعدها ذلك

أيضا من أن تقع في الفكر بسرعة زيادة مباعدة مضمونه إلى ما يوجب حديث التركيب والتفصيل فيها

أال ترى أن الهيئة التى اعتمدها في تشبيه البرق بالمصحف ليست تكون إال في النادر من األحوال وبعد عمد من اإلنسان وخروج عن العادة ومقصد خاص أو عيب غالب على النفس غير معتاد وهكذا حال الفصيل في وثوبه على أمه ليثيرها وانسيابه

في الماء ولزوه كما توجبه رؤيته الماء خاليا وطباع الصغير والفصيلة مما ال ترى إال نادرا وليس األمر

في هذا النحو كاألمر في حركة الدوالب والرحا والسهم ونحو ذلك من الحركات المعتادة التى تقع

في مصارف العيون كثيرا ومما يقوى فيه أن يكون سبب غرابته قلة رؤية

العيون له ما مضى من تشبيه الشمس بالمرآة في كف األشل وذلك أن الهيئة التى تراها في حركة

المرآة إذا كانت في كف األشل مما ترى نادرا في األقل فربما قضى الرجل دهره وال يتفق له أن يرى

مرآة في يد مرتعش هذا وليس موضع الغرابة من التشبيه دوام حركة المرآة في يد األشل فقط بل

النكته المقصودة فيما يتولد من دوام تلك الحركة من االلتماع وتموج الشعاع وكونه في صورة حركات من جوانب الدائرة إلى وسطها وهذه صفة ال تقوم في

نفس الرائي المرآة الدائمة االضطراب إال أن يستأنف تأمال وينظر متثبتا في نظره متمهال فكأن ههنا هيئتين كلتاهما من هيآت الحركة إحداهما حركة

المرآة على الخصوص الذي يوجه ارتعاش اليد____________________

(1/161)

والثانية حركة الشعاع واضطرابه الحادث من تلك الحركة وإذا كان كون المرآة في يد األشل مما ترى

نادرا ثم كانت هذه الصفة التى هي كائنه في الشعاع إنما ترى وتدرك في حال رؤية حركة المرآة بجهد وبعد استئناف إعمال للبصر فقد بعدت عن حد ما

يعتاد رؤيته مرتين ودخلت في النادر الذي ال تألفهالعيون من جهتين فاعرفه

واعلم أنه كما تعتبر هيئة الحركة في التشبيه فكذلك تعتبر هيئة السكون على الجملة وبحسب اختالفه نحو

هيئة المضطجع وهيئة الجالس ونحو ذلك فإذا وقع في شىء من هيئات الجسم في سكونه تركيب

وتفصيل لطف التشبيه وحسن فمن ذلك قول ابنالمعتز يصف سيال

) فلما طغا ماؤه في البالد ** وغص به كل واد صد ( ) نرى الثور في متنه طافيا ** كضجعة ذي التاج في

المرقد ( وكقول المتنبي في صفة الكلب يقعى جلوس البدوي

المصطلى فقد فقد اختص هيئة البدوي المصطلى في تشبيه هيئة سكون أعضاء الكلب ومواقعها فيها

ولم ينل التشبيه حظا من الحسن إال بأن فيه تفصيال من حيث كان لكل عضو من الكلب في إقعائه موقع

خاص وكان مجموع تلك الجهات في حكم أشكالمختلفة تؤلف فتجىء منها صورة خاصة

____________________

(1/162)

ومن لطيف هذا الجنس قوله في صفة المصلوب ) كأنه عاشق قد مد صفحته ** يوم الوداع إلى توديع

مرتحل ( ) أو قائم من نعاس فيه لوثته ** مواصل لتمطيه من

الكسل ( ولم يلطف إال لكثرة ما فيه من التفصيل ولو قال كأنه متمط من نعاس واقتصر عليه كان قريبا من المتناول ألن الشبه إلى هذا القدر يقع في نفس

الرائي المصلوب لكونه من حد الجملة فأما بهذا القيد وعلى هذا التقييد الذي يفيد به استدامة تلك الهيئة فال يحضر إال مع سفر من الخاطر وقوة من التأمل

وذلك لحاجته أن ينظر إلى غير جهة فيقول هو كالمتمطى ثم يقول المتمطى يمد ظهره ويده مدة

ثم يعود إلى حالته فيزيد فيه أنه مواصل لذلك ثم إذا أراد ذلك طلب علته وهي قيام اللوثة والكسل في

القائم من النعاس وهذا أصل فيما يزيد به التفصيل وهو أن يثبت في الوصف أمر زائد على المعلوم

المتعارف ثم يطلب له علة وسبب ويشبه التشبيه في البيت قول اآلخر وهو مذكور معه

في الكتب ) لم أرصفا مثل صف الزط ** تسعين منهم صلبوا

في خط (____________________

(1/163)

) من كل عال جذعه بالشط ** كأنه في جذعهالمشتط (

) أخو نعاس جد في التمطي ** قد خامر النوم ولميغط (

فقوله جد في التمطي شرط يتم التشبيه كما أن قوله مواصل كذلك إال أن في اشتراط المواصلة من

الفائدة ما ليس في هذا وذاك أنه يجوز أن يبالغ

ويجتهد ويجد في تمطيه ثم يدع ذلك في الوقت ويعود إلى الحالة التى يكون عليها في السالمة مما يدعو إلى التمدد وإذا كان كذلك كان المستفاد من هذه العبارة صورة التمطى وهيئته الخاصة وزيادة

معنى وهو بلوغ الصفة غاية ما يمكن أن يكون عليها وهذا كله مستفاد من األول ثم فيه زيادة أخرى وهو

أخص ما يقصد من صفة المصلوب وهي االستمرار على الهيئة واالستدامة لها فأما قوله بعد قد خامر

النوم ولم يغط فهو إن كان كأنة يحاول أن يرينا هذه الزيادة من حيث يقال إنه إذا أخذه النعاس فتمطى ثم خامر النوم فإن الهيئة الحاصلة له من جده في

التمطى تبقى له فليس ببالغ مبلغ قوله مواصل لتمطيه وتقييده من بعد بأنه من الكسل واحتياطه

قبل بقوله فيه لوثته وشبيه باألول في االستقصاء قول ابن الرومي

) كأن له في الجو حبال يبوعه ** إذا ما انقضى حبلأتيح له حبل (

) يعانق أنفاس الرياح مودعا ** وداع رحيل ال يحط لهرحل (

فاشتراطه أن يكون له بعد الحبل الذي ينتهى ذرعه حبل آخر يخرج من بوع األول إليه كقوله مواصل

لتمطيه من الكسل في استيفاء____________________

(1/164)

الشبه والتنبيه على استدامته ألنه إذا كان ال يزال يبوع حيال لم يقبض باعه ولم يرسل يده وفي ذلك

بقاء شبه المصلوب على االتصال فاعرفه واعلم أن من حقك أن ال تضع الموازنة بين الشبهين

في حاجه أحدهما إلى زيادة من التأمل على وقتنا هذا ولكن تنظر إلى حالهما في قوى العقل ولم

تسمع بواحد منهما فتعلم أن لو أرادهما مريد واتفقا له جميعا ولم يكن قد سمع بواحد منهما أيهما كان بكون أسهل عليه وأسرع إليه وأعطى بيديه وأيهما

تجده أدل على ذكاء من يسمعه منه وارجي ليخرج من تقوله وذلك أن تقابل بين تشبيه النجوم بالمصابيح

والمصابيح بها وبين تشبيه سل السيوف بعقائق

البرق وتشبيهها بسل السيوف فإنك تعلم أن األول يقع في نفس الصبي أول ما يحس بنفسه وأن

الثاني ال يجيب إجابته وال يبذل طاعته وكذلك تعلم أن تشبيه الثريا بنور العنقود ال يكون في قرب تشبيهها بتفتح النور وأن تشبيه الشمس بالمرآة المجلوة كما

مضى يقع في نفس الغر العامي والصبي وال يقع تشبيهها بالمرآة في كف األشل إال في قلب

الحصيف وتشبيهها في حركتها تلك بمرآة تضطرب على الجملة من غير أن تجعل في كف األشل قد يقع لمن ال يقع له بهذا التقييد وذلك لما مضى من حاجته

إلى الفكرة في حال الشمس وأن حركتها دائمة متصلة ثم طلب متحرك حركة غير اختياريه وجعل

المرآة صادرة عن تلك الحركة ومأسورة في حكمها دائما وإنما اشترط عليك هذا الشرط ألنه ال يمتنع أن

يسبق األول إلى تشبيه لطيف يحسن تأمله ويدلعلى ذكائه وحدة خاطره ثم يشيع ويتسع

____________________

(1/165)

ويذكر ويشهر حتى يخرج إلى حد المبتذل وإلى المشترك في أصله وحتى يجرى مع دقة تفصيل فيه مجرى المجمل الذي تقوله الوليدة الصغيرة والعجوز الورهاء فإنك تعلم أن قولنا ال يشق غباره اآلن في االبتذال كقولنا ال يلحق وال يدرك وهو كالبرق ونحو

ذلك إال أنا إذا رجعنا إلى أنفسنا علمنا أنه لم يكن كذلك من أصله وان هذا االبتذال أتاه بعد أن قضى

زمانا بطراءة الشباب وجدة الفتاء وبعزة المنيع ولو قد منعك جانبه وطوى عنك نفسه لعرفت كيف يشق مطلبه ويصعب تناوله ومثل هذا وأظهر منه أمرا أن

قولنا أما بعد منسوب في األصل إلى واحد بعينه وإنكان اآلن في البذلة كقولنا هذا بعد ذاك مثال

وهكذا الحكم في الطرق التى ابتدأ بها األولون والعبارات التي لخصها المتقدمون والقوانين التي

وضعوها حتى صارت في االشتراك كالشىء المشترك من أوله والمبتذل الذي لم يكن الصون من شانه

والمبذول الذي لم يعترض دونه المنع في شىء من زمانه ورب نفيس جلب إليك من األمكنة الشاسعة

وركب فيه النوى الشطون وقطع به عرض الفيافي ثم أخفي عنك فضله حتى جهلت قدرة أن سهل مرامه واتسع وجوده ولو انقطع مدده عنك حتى

تحتاج إلى طلبه من مظنته لعلمت إحسان الجائي به إليك والجالب المقرب نيله عليك وألكثرت من شكره

بعد أن أقللت وأخذت نفسك بتالفي ما أهملت وكذلك____________________

(1/166)

رب شىء نال فوق ما يستحقه من شغف النفوس به وأكثر مما توجبه المنافع الراجعة إليه ألنه ال يتسع

اتساع األول الذي فوائده أعم وأكثر ووجود العوض عنه عند الفقد أعسر فكسبت عزة الوجود هذا عزا لم يستحقه بفضله كما منعت سعه اآلخر فضال هو ثابت

له في أصله ويتصل بهذا الموضع حديث عبد الرحمن بن حسان

وذلك أنه رجع إلى أبيه حسان وهو صبي يبكي ويقول لسعنى طائر فقال حسان صفه يا بني فقال كأنه

ملتف في بردى حبرة وكان لسعه زنبور فقال حسان قال ابني الشعر ورب الكعبة أفال تراه جعل هذا

التشبيه مما يستدل به على مقدار قوة الطبع ويجعل عيارا في الفرق بين الذهن المستعد للشعر وغير

المستعد له وسره ذلك من ابنه كما سره نفس الشعرحين قال في وقت آخر

) الله يعلم أنى كنت منتبذا ** في دار حسان اصطاداليعاسيبا (

فإن قلت إن التشبيه يتصور في مكان الصبغ والنقش العجيب ولم يعجب حسان هذا وإنما أعجبه قوله ملتف وحسن هذه العبارة إذ لو قال طائر فيه

كوشى الحبرة لم يكن له هذا الموقع فهو إن يكن مشبها ما أنت فيه فمن حيث داللته على الفطنة في

الجملة قيل مسلم لك أن نكته الحسن في____________________

(1/167)

قوله ملتف ولكن ال يسلم أنه خارج من الغرض بل هو عين المراد من التشبيه وتمامه فيه وذلك انه يفيد

الهيئة الخاصة في ذلك الوشى والصبغ وصورة الرنبور في اكتسائه بهما ويؤدى الشبه كما مضى من طريق التفصيل دون الجملة فما ظننت انه يبعده عما نحن بصدده هو الذي يدنيه منه ولقد نفيت العيب من

في التشبيه المتعدد والفرق فصلحيث أردت إثباتة بينه وبين المركب

اعلم أنى قد قدمت بيان المركب من التشبيه وههنا ما يذكر مع الذي عرفتك أنه مركب ويقرن إليه في

الكتب وهو على الحقيقة ال يستحق صفة التركيب وال يشارك الذي مضى ذكره في الوصف الذي كان له

تشبيها مركبا وذلك أن يكون الكالم معقودا على تشبيه شيئين بشيئين ضربة واحدة إال أن أحدهما اليداخل اآلخر في الشبه ومثاله قول امرئ القيس

) كأن قلوب الطير رطبا ويابسا ** لدى وكرها العنابوالحشف البالى (

وذلك انه لم يقصد إلى أن يجعل بين الشيئين اتصاال وإنما أراد اجتماعا في مكان فقط كيف وال يكون

لمضامة الرطب من القلوب إلى اليابس هيئة يقصد ذكرها أو يعنى بأمرها كما يكون ذلك لتباشير الصبح

في أثناء الظلماء وكون الشقيقة على قامتها الخضراء فيؤدي ذلك الشبه الحاصل من مداخلة أحد المذكورين اآلخر واتصاله به اجتماع الحشف البالى والعناب كيف وال فائدة ألن ترى العناب مع الحشف

أكثر من كونهما في مكان____________________

(1/168)

واحد ولو أن اليابسة من القلوب كانت مجموعه ناحية والرطبة كذلك في ناحية أخرى لكان التشبيه بحاله

ولذلك لو فرقت التشبيه ههنا فقلت كأن الرطب من القلوب عناب وكأن اليابس حشف بال لم تر أحد التشبيهين موقوفا في الفائدة على اآلخر وليس

كذلك الحكم في المركبات التي تقدمت وقد يكون في التشبيه المركب ما إذا فضضت تركيبه

وجدت أحد طرفيه يخرج عن أن يصلح تشبيها لما كان جاء في مقابلته مع التركيب بيان ذلك أن الجالل في قوله كطرف أشهب ملقى الجالل في مقابلة الليلوأنت لو قلت كأن الليل جالل وسكت لم يكن شيئا

وقد يكون الشىء منه إذا فض تركيبه استوى التشبيهفي طرفيه إال أن الحال تتغير ومثال ذلك قوله

) وكأن أجرام النجوم لوامعا ** درر نثرن على بساطأزرق (

فأنت وإن كنت إذا قلت كأن النجوم درر وكأن السماء بساط أزرق وجدت التشبيه مقبوال معتادا مع التفريق فإنك تعلم بعد ما بين الحالتين ومقدار اإلحسان الذي

يذهب من البين وذلك أن المقصود من التشبيه أن يريك الهيئة التى تمألالنواظر عجبا وتستوقف العيون وتستنطق القلوب بذكر الله تعالى من طلوع النجوم

مؤتلقة مفترقة في أديم السماء وهي زرقاء وزرقتها الصافية التى تخدع العين والنجوم تألأل

وتبرق في أثناء تلك الزرقة ومن لك بهذه الصورة إذا فرقت التشبيه وأزلت عنه الجمع والتركيب وهذا

أظهر من أن يخفى وإذ قد عرفت هذه التفاصيل فاعلم أن ما كان من

التركيب في صورة بيت امرىء القيس فإنما يستحقالفضيلة من حيث اختصار اللفظ

____________________

(1/169)

وحسن الترتيب فيه ال ألن للجمع فائدة في عين التشبيه ونظيرة أن للجمع بين عدة تشبيهات في

بيت كقوله ) بدت قمرا وماست خوط بان ** وفاحت عنبرا ورنت

غزاال ( مكانا من الفضيلة مرموقا وشأوا ترى فيه سابقا

ومسبوقا ال أن حقائق التشبيهات تتغير بهذا الجمع أو أن الصور تتداخل وتتركب وتأتلف ائتالف الشكلين يصيران إلى شكل ثالث فكون قدها كخوط البان ال

يزيد وال ينقص في شبه الغزال حين ترنو منه العينان وهكذا الحكم في أنها تفوح فوح العنبر ويلوح وجهها

كالقمر وليس كذلك بيت بشار كأن مثار النقع ألن التشبيه هناك كما مضى مركب وموضوع على أن

يريك الهيئة التى ترى عليها النقع المظلم والسيوف في أثنائه تبرق وتومض وتعلو وتنخفض وترى لها حركات من جهات مختلفة كما يوجبه الحال حين

يحمى الجالد وترتكض بفرسانها الجياد كما أن قولرؤبة مثال

) فيها خطوط من سواد وبلق ** كأنها في الجلدتوليع البهق (

ليس القصد فيه أن يريك كل لون على االنفراد وإنما القصد أن يرى الشبه من اجتماع اللونين وقول

البحترى ) ترى احجاله يصعدن فيه ** صعود البرق في الغيم

الجهام ( ال يريد به تشبيه بياض الحجول على االنفراد بالبرق

بل المقصود الهيئة____________________

(1/170)

الخاصة الحاصلة من مخالطة أحد اللونين اآلخر كذلك اللون المقصود في بيت بشار بتشبيه النقع بالليل

من جانب والسيوف بالكواكب من جانب ولذلك وجب الحكم كما كنت ذكرت في موضع بأن الكالم إلى

قوله وأسيافنا في حكم الصلة للمصدر وجار مجرى األسم الواحد لئال يقع في التشبيه تفريق ويتوهم انه

كقولنا كأن مثار النقع ليل وكأن السيوف كواكب ونصب األسياف ال يمنع من تقدير االتصال وال يوجب أن يكون في تقدير اإلستئناف ألن الواو فيها بمعنى

مع كقوله فإني وقيار بها لغريب وقوله كل رجل وضيعته وهي إذا كانت بمعنى مع لم يكن في معطوفها األنقطاع وأن يكون الكالم في حكم

جملتين أال ترى أن قولهم لو تركت الناقة وفصيلها لرضعها ال يكون بمنزلة أن تقول لو تركت الناقة ولو ترك فصيلها فتجعل الكالم جملتين وكذا ال يمكنك أن تقول كل رجل كذا وضيعته كذا فتفرق الخبز عنهما

كما يجوز في قولك زيد وعمرو كريمان أن تقول زيد

كريم وعمرو كريم و هذا موضع غامض وللكالم فيهموضع آخر

وإن أردت أن تزداد تبيينا ألن التشبيه إذا كان معقودا على الجمع دون التفريق كان حال أحد الشيئين مع اآلخر حال الشيء في صلة الشيء وتابعا له و مبنيا عليه حتى ال يتصور إفراده بالذكر فالذي يفضي بك

إلى معرفة ذلك أنك تجد في هذا الباب ما إذا فرق لميصلح للتشبيه بوجه كقوله

) كأنما المريخ والمشتري ** قدامه في شامخ الرفعة )

) منصرف بالليل عن دعوة ** قد أسرجت قدامهشمعة (

____________________

(1/171)

لو قلت كان المريخ منصرف بالليل عن دعوة وتركت حديث المشتري والشمعة كان خلفا من القول وذاك أن التشبيه لم يكن للمريخ من حيث هو نفسه ولكن من حيث الحالة الحاصلة له من كون المشتري أمامه وأنت وإن كنت تقول المشتري شمعة على التشبيه

العامي الساذج في قولهم كأن النجوم مصابيح وشموع فإنه لم يضع التشبيه على هذا و وإنما قصد

الهيئة التي يكتسبها المريخ من كون المشتري أمامهوهكذا قول إبن المعتز

) كأنه وكأن الكأس في فمه ** هالل أول شهر غابفي شفق (

لم يقصد أن أن يشبه الكأس على األنفراد بالهالل والشفة بالشفق بل أراد أن يشبه مجموع الصورتين أال ترى أنك لو فرقت لم تحك من التشبيه بطائل إذ

ال معنى ألن تقول كان الشفقة شفق وتسكت أالترى أن قوله

) بياض في جوانبه احمرار ** كما احمرت من الخجلالخدود (

لم يستوجب الفضل والخروج من التشبيه العامي وأن يقال قد زاد زيادة لم يسبق إليها إال بالتركيب

والجمع وبأن ترك أن يراعي الحمرة وحدها

وقال القاضي أبو الحسن رحمه الله لو أتفق له أن يقول احمرار في جوانبه بياض لكان قد أستوفى

الحسن وذلك ألن خد الخجل هكذا يحدق البياض فيه بالحمرة ال الحمرة بالبياض إال انه لعله وجد األمر

كذلك في الوردة فشبه على طريق العكس فقال هذا البياض حوله الحمرة كالحمرة حولها البياض هناك

فأنظر اآلن إن فرقت كيف يتفرق عنك الحسن واإلحسان ويحضر العى ويذهب البيان ألن تشبيه

البياض على اإلنفراد ال معنى له____________________

(1/172)

وأما تشبيه الحمرة وإن كانت تصح على الطريقة الساذجة أعنى تشبيه الورد األحمر بالخد فإنه يفسد

من حيث إن المصد إلى جنس من الورد مخصوص وهو ما فيه بياض يحدق به حمرة فيجب أن يكون

وصف المشبه به على هذا الشرط أيضا وبهذا االختصاص وكما ذكرت لك تجد أحد المشبهين في األمر األعم األكثر وقد ذكر في صلة اآلخر ولم

يعطف عليه كقوله ) والشيب ينهض في الشباب ** وبياض في جوانبه

احمرارا ( وأشباه ذلك فإن جاءت الواو كانت واو حال كقوله

) كأنما المريخ والمشتري ** قدامه في شامخ الرفعة )

و هي إذا كانت حالية فهي كالصفة في كونها تابعة وبحيث ال ينفرد بالذكر بل يذكر في ضمن األول

وعلى أنه من تبعة وحاشيته وهكذا الحكم في الطرف اآلخر أال ترى قوله ليل

تهاوي كواكبه فتهاوى كواكبه جمله من الصفة لليل و إذا كان كذلك فالكواكب مذكورة على سبيل التبع

لليل ولو كانت مستبدة بشأنها لقلت ليل و كواكب وكذلك قوله

) ليل يصيح بجانبيه نهار ** ( وأشد من ذلك أن يجىء كما في الطرف الثاني

كقوله كما احمرت من الخجل الخدود وبيت امرئ

القيس على خالف هذه الطريقة ألن أحد الشيئين فيه في الطرفين معطوف على اآلخر أما في طرف

الخبر وهو____________________

(1/173)

طرف المشبه به فبين وهو قوله العناب والحشف البالي وأما في طرف المخبر عنه وهو المشبه فإنك

وإن كنت ترى اسما واحدا وهو القلوب فإن الجمع الذي تفيده الصيغة في المتفق يجرى مجرى العطف

في المختلف فاجتماع شيئين أو أشياء في لفظة تثنية أو جمع ال يوجب أن أحدهما في حكم التابع

لآلخر كما يكون ذلك إذا جرى الثاني في صفة األولأو حاله أو ما أشبه ذلك

هذا وقد صرح بالعطف في البدل وهو المقصودفقال رطبا ويابسا

واعلم انه قد يجئ في هذا الباب شىء له حد آخروهو نحو قوله

) إنى وتزيينى بمدحى معشرا ** كمعلق درا علىخنزير (

هو على الجملة جمع بين شيئين في عقد تشبيه إال أن التشبيه في الحقيقة ألحدهما أال ترى أن المعنى

على أن فعله في التزيين بالمدح كفعل اآلخر في محاولته تزيين الخنزير بتعليق الدر عليه ووجه الجمع أن كل واحد منهما يضع الزينة حيث ال يظهر لها أثر

ألن الشيء غير قابل للتحسين ومتى كان المشبه به كمعلق في البيت فال شك أن التشبيه ال يرجع إلى

ذات الشيء بل إلى المعنى المشتق منه الصفة وإذا رجع إليه مقرونا بصفته على نحو ما مضى في نحو

ما زال يفتل في الذروة والغارب فقد شبه تزيينه بالمدح من ليس من أهله بتعلق الدر على الخنزير

هكذا بجملته ال بالتعليق غير معدى إلى الدر والخنزير فالشبه مأخوذ من مجموع المصدر وما في صلته وال

بد للواو في هذا النحو أن تكون بمعنى مع وأمرها فيه أبين إذ ال يمكن أن يقال إنى كذا وأن تزيينى كذا

ألنه ليس معنا شيئان يكون أحدهما خبرا عن ضمير

المتكلم في إني الذي هو المعطوف عليه واآلخر عن تزيينى المعطوف كما يكون في نحو بيت بشار

شيئان يمكن في ظاهر____________________

(1/174)

اللفظ أن يجعل أحدهما خبرا عن النقع واآلخر عن األسياف إلى أن تجىء إلى فساده من جهة المعنى

فأنت في نحو إنى وتزيينى ملجأ إلى جعل الواو بمعنى مع من كل وجه حتى ال تقدر على إخراج

الكالم إلى صورة تكون فيها الواو عارية من معنىمع ويكون تشبيها بعد تشبيه

فإن قلت إن في معلق معنى الذات والصفة معا فيمكن أن يكون أراد أن يشبه نفسه بذات الفاعل

وتزيينه بالفعل نفسه أقول لو أريد إني كمعلق درا على خنزير وإن تزيينى بمدحى معشرا كتعليق درة على خنزير كان قوال ظاهر السقوط لما ذكرت من

انه ال يتصور أن يشبه المتكلم نفسه من حيث هو زيد مثال بمعلق الدر على الخنزير من حيث هو عمرو

وإنما يشبه الفعل بالفعل فاعرفه فإن قلت فما تقول في قوله

) وحتى الليل حسبت الصبح إذ بدا ** حصانينمختالين جونا وأشقرا (

فإن ظاهرة أنه من جنس المفرق أقول نعم إال أن ثمة شيئا من الحسن وهو أن القتران الحصانين

الجون واألشقر في االختيال ضربا من الخصوصية في الهيئة لكنه ال يبلغ مبلغ ليل تهاوى كواكبه وال

يبلغ قوله والصبح مثل غرة في ادهم كما أن قوله ) دون التعانق ناحلين كشكلتي ** نصب أدقهما وضم

الشاكل ( ال يكون كقوله

____________________

(1/175)

) إني رأيتك في نومى تعانقنى ** كما تعانق المالكاتب األلفا (

فإن هذا قد أدى إليك شكال مخصوصا ال يتصور في كل واحد من المذكورين على االنفراد بوجه وصورة

ال تكون مع التفريق وأما المتنبي فأراك الشيئين في مكان واحد وشدد في الفرق بينهما وذاك انه لم

يعرض لهيئة العناق ومخالفتها صورة االفتراق وإنما عمد إلى المبالغة في فرط النحول واقتصر من بيان حال المعانقة على ذكر الضم مطلقا واألول لم يعن

بحديث الدقة والنحول وإنما عنى بأمر الهيئة التى تحصل في العناق خاصة من انعطاف أحد الشكلين

على صاحبه والتفاف الحبيب بمحبه كما قال ) لف الصبا بقضيب قضيبا ** (

وأجاد وأصاب الشبه أحسن إصابة ألن خطى الالم واأللف في ال ترى رأسيهما في جهتين وتراهما قد تماسا من الوسط وهذه هيئة المعتنقين على األمر

المعروف فأما قصد المتنبي فليس بصفة عناق علىالحقيقة وإنما هو تضام وتالصق وهو بنحو قوله

) ضممته ضمة عدنا بها واحدا ** فلو رأتنا عيون ماخشيناها (

أشبه ألن القصد في مثله شدة االلتصاق من غير تعريج على هيئة االعتناق وذهب القاضي في بيت

المتنبي إلى أنه كأنه معنى مفرد غير ماخوذ من قوله كما تعانق الم الكاتب األلفا وقال ولئن كان أخذه كما

يقولون فليس عليه بعتب ألن التعب في نقله ليسبأقل من التعب في ابتدائه

____________________

(1/176)

وهذا التفضيل والتفصيل من قول القاضي ليس قادحا في غرضى ألنى أردت أن أريك مثاال في وضع التشبيه على الجمع والتفريق واجعل البيتين معيارا

فيما أردت ولئن كان المتنبي قد زاد على األول فليس تلك الزيادة من حيث وضع الشبه على تركيب

شكلين ولكن من جهة أخرى وهى اإلغراق في

الوصف بالنحول وجمع ذلك للخلين معا ثم إصابة مثال له ونظير من الخط فاعرف ذلك وال تظن أن قصدى المفاضلة بين البيتين من حيث القول بين السابق والمسبوق واألخذ والسرقة فتحسب أنى

هذا فن غير ما فصلخالفت القاضي فيما حكم به تقدم في الموازنة بين التشبيه والتمثيل

اعلم أنى قد عرفتك أن كل تمثيل تشبيه وليس كل تشبيه تمثيال وثبت وجه الفرق بينهما وهذا أصل إذا اعتبرته وعرضت كل واحد منهما عليه فوجدته يجئ

في التشبيه مجيئا حسنا وينقاد القياس فيه انقيادا ال تعسف فيه ثم صادفته ال يطاوعك في التمثيل تلك

المطاوعة وال يجرى في عنان مرادك ذلك الجرى ظهر لك نوع من الفرق والفصل بينهما غير ما

عرفت وانفتح منه باب إلى دقائق وحقائق وذلك جعل الفرع أصال واألصل فرعا وهو إذا استقريت

التشبيهات الصريحة وجدته يكثر فيها وذلك نحو أنهم يشبهون الشىء فيها بالشىء في حال ثم يعطفون على الثاني فيشبهونه باألول فترى الشىء مشبها

مرة ومشبها به أخرى فمن اظهر ذلك أنك تقول في النجوم كأنها مصابيح

ثم تقول في حالة أخرى في المصابيح كأنها نجوم ومثله في الظهور والكثرة تشبيه الخد بالورد والورد بالخد وتشبيه الروض المنور بالوشى المنمنم ونحو

ذلك ثم تشبيه النقش____________________

(1/177)

والوشى في الحلل بأنوار الرياض وتشبيه العيون بالنرجس ثم تشبيه النرجس بالعيون كقول أبي

نواس ) لدى نرجس غض القطاف كأنه ** إذا ما منحناه

العيون عيون ( وكذلك تشبيه الثغر باألقاحي ثم تشبيهها بالثغر

كقول ابن المعتز ) وأال قحوان كالثنايا الغر ** قد صقلت أنواره

بالقطر ( وقول التنوخى

) أقحوان معانق لشقيق ** كثغور تعض ورد الخدود ( وبعده وهو تشبيه النرجس بالعيون

) وعيون من نرجس تتراءى ** كعيون موصولة التسهيد ( وكما يشبهون السيوف عند االنتضاء

بعقائق البروق كما قال ثم يعودون فيشبهون البرقبالسيوف المنتضاة كما قال ابن المعتز يصف سحابة ) وسارية ال تمل البكا ** جرى دمعها في خدود الثرى

) ) سرت تقدح الصبح في ليلها ** ببرق كهندية تنتضى

)وكقول اآلخر يصف نار السذق

) وما زال يعلو عجاج الدخان ** إلى أن تكون منهزحل (

) وكنا نرى الموج من فضة ** مذهبة النور حيناشتعل (

) شرارا يحاكى انقضاض النجوم ** وبرقا كإيماضبيض تسل (

____________________

(1/178)

ومن لطيفة قول على بن محمد بن جعفر ) دمن كأن رياضها ** تسكين أعالم المطارف ( ) وكأنما غدرانها ** فيها عشور من مصاحف (

) وكأنما أنوارها ** تهتز في نكباء عاصف ( ) طرر الوصائف يلتقي ** ن بها إلى طرر الوصائف (

) وكان لمع بروقها ** في الجو أسياف المثاقف ( المقصود البيت األخير ولكن البيت إذا قطع عن

القطعة كان كالكعاب تفرد عن األتراب فيظهر فيها ذل االغتراب والجوهرة الثمينة مع أخواتها في العقد

أبهى في العين وامال بالزين منها إذا أفردت عنالنظائر وبدت فذة للناظر

ويشبهون الجواشن والدروع بالغدير يضرب الريحمتنه فيتكسر ويقع فيه ذلك الشنج المعلوم كقوله

____________________

(1/179)

) وبيضاء زغف نثله سلميه ** لها رفرف فوق األناملمن عل (

) واشبرنيها الهالكى كأنها ** غدير جرت في متنهالريح سلسل (

وقال ) وسابغة من جياد الدرو ** ع تسمع للسيف فيها

صليال ( ) كمتن الغدير زهته الدبور ** يجر المدجج منها

فضوال ( وقال البحترى

) يمشون في زغف كان متونها ** في كل معركةمتون نهاء (

وهو من الشهرة بحيث ال يخفى ثم إنهم يعكسون هذا التشبيه فيشبهون الغدران والبرك بالدروع

والجواشن كقول البحترى يصف البركة ) إذا زهتها الصبا أبدت لها حبكا ** مثل الجواشن

مصقوال حواشيها ( ومن فاتن ذلك وفاخرة الستواء أوله في الحسن

وآخره قول أبى فراس الحمدانى ) انظر إلى زهر الربيع ** والماء في البرك البديع (

____________________

(1/180)

) وإذا الرياح جرت علي ** هـ في الذهاب وفيالرجوع (

) نثرت على بيض الصفا ** ئح بيننا حلق الدروع ( وتشبه أنوار الرياض بالنجوم كقوله

) بكت السماء بها رذاذ دموعها ** فغدت تبسم عننجوم سماء (

ثم تشبيه النجوم بالنور كقوله ) قد أقذف العيس في ليل كان به ** وشيا من النور

أو روضا من العشب (

وكقول ابن المعتز ) كأن الثريا في أواخر ليلها ** تفتح نور أو لجام

مفضض ( وقال

) وتوقد المريخ بين نجومها ** كبهارة في روضة مننرجس (

وكذلك تشبيه غرة الفرس األدهم بالنجم أو الصبحويجعل جسمه كالليل كما قال ابن المعتز

) جاء سليال من أب وأم ** أدهم مصقول ظالمالجسم (

) قد سمرت جبهته بنجم ** ( وكما قال كاتب المأمون يصف فرسا

____________________

(1/181)

) قد بعثنا بجواد ** مثله ليس يرام ( ) فرس يزهى به لل ** حسن سرج ولجام ( ) وجهه صبح ولكن ** سائر الجسم ظالم (

) والذي يصلح للمو ** لى على العبد حرام ( وقال ابن نباتة

) وادهم يستمد الليل منه ** وتطلع بين عينيه الثريا (

ثم يعكس فيشبه النجم أو الصبح بالغرة في الفرسكقول ابن المعتز

) والصبح في طرة ليل مسفر ** كأنه غرة مهرأشقر (

وتشبه الجوارى في قدودهن بالسرو تشبيها عاميا مبتذال ثم إنهم قد جعلوا فيه الفرع أصال فشبهوا

السرو بهن كقوله ) حفت بسرو كالقيان ولحفت ** خضر الحرير على

قوام معتدل ( ) فكأنها والريح حين تميلها ** تبغى التعانق ثم

يمنعها الخجل ( المقصود من البيت األول ظاهر وفي البيت الثاني تشبيه من جنس الهيئة المجردة من هيئات الحركة

وفيه تفصيل ظريف فاتن فقد راعى الحركتين حركة

التهيؤ للدنو والعناق وحركة الرجوع إلى أصل االفتراق وأدى ما يكون في الحركة الثانية من سرعة

زائدة تأدية تحسب معها السمع بصرا تبينا للتشبيه كما هو وتصويرا ألن حركة الشجرة المعتدلة في حال رجوعها إلى اعتدالها أسرع ال محالة من حركتها في

خروجها من مكانها من االعتدال____________________

(1/182)

وكذلك حركة من يدركه الخجل فيرتدع أسرع أبدا من حركته إذا هم بالدنو فإزعاج الخوف والوجل أبدا أقوى من إزعاج الرجاء واألمل فمع األول تمهل االختبار وسعة الحوار ومع الثاني حفز االضطرار

وسلطان الوجوب وأعود إلى الغرض

ومن تشبيه السرور بالنساء قول ابن المعتز ) ظللت بملهى خير يوم وليلة ** تدور علينا الكأس

في فتية زهر ( ) بكف غزال ذى عذار وطرة ** وصدغين كالقافين

في طرفي سطر ( ) لدى نرجس غض وسرو كأنه ** قدود جوار ملن في

أزر خضر ( وتشبيه ثدي الكواعب بالرمان كقوله

) ربما تبيت أناملي ** يجنين رمان النحور ( وقال المتنبي

) وقابلني رمانتا غصن بانة ** يميل به بدر ويمسكهحقف (

وقوله يخطن بالعيدان في كل منزل ** ويجنين رمانالثدى النواهد (

ثم يقلب فيشبه الرمان بالثدى كقول القائل ) ورمانة شبهتها إذ رأيتها ** بثدى كعاب أو بحقة

مرمر (____________________

(1/183)

) منمنمة صفراء نضد حولها ** يواقيت حمر في مالءمعصفر (

____________________

(1/184)

وتشبه الجداول واألنهار بالسيوف يراد بياض الماء الصافي وبصيصه مع شكل االستطالة الذي هو شكل

السيف كقول ابن المعتز ) أعددت للجار وللعفاة ** كوم األعالى متساميات (

) روازقا في المحل مطعمات ** ( يعنى نخال ثم قال بعد أبيات

) تسقى بأنهار مفجرات ** على حصى الكافورفائضات (

) مثل السيوف المتفريات ** ( وقول ابن بابك

) فما سيل تخلصه المحاني ** كما سلت من الخللالمناصل ( أبو فراس

) والماء يفصل بين زهر ** الروض في الشطينفصال (

) كبساط وشى جردت ** أيدى العيون عليه نصال ( ) كشاجم وترى الجداول كالسيو ** ف لها سواق

كالمبارد (____________________

(1/185)

آخر ) وفي الجداول أسياف محادثة ** والطير تسجع

إهزاجا وإرماال ( وقال ذو الرمة

) فما انشق ضوء الصبح حتى تبينت ** جداول أمثالالسيوف القواطع (

ابن الرومي ) على حفافي جدول مسجور ** أبيض مثل المهرق

المنشور ( ) أو مثل متن الصارم المشهور (

ثم يقلبون أحد طرفي التشبيه على اآلخر فيشبهونالسيوف بالجداول كقوله

) وتخال ما ضربوا بهن جداوال ** وتخال ما طعنوا بهأشطانا ( ابن بابك

) وأهدى إلى الغارات عزما مشيعا ** وبأسا وباعا فياللقاء ومقصال (

) سفيه مقط الطرتين أشيمه ** فيوحى إلى األعضاءأن تترتال (

____________________

(1/186)

أغر كأني حين أخضب خده ** خرقت به في ملتقىالروض جدوال (

السرى ) وكم خرق الحجاب إلى مقام ** توارى الشمس فيه

بالحجاب ( ) كان سيوفه بين العوالى ** جداول يطردن خالل

غاب ( وله أيضا

) كأن سيوف الهند بين رماحه ** جداول في غابسما وتأشبا (

وتشبه األسنة كما ال يخفي بالنجوم كما قال ) وأسنة زرقا تخال نجوما ** (

وقال البحتري ) وتراه في ظلم الوغى فتخاله ** قمرا يكر على

الرجال بكوكب ( يعني السنان وقال ابن المعتز

) وتراه يصغي في القناة بكفه ** نجما ونجما فيالقناة يجره (

ومثله سواء قوله ) كأنما الحربة في كفه ** نجم دجى شيعه البدر (

ثم قد شبهوا الكواكب بالسنان كقول الصنوبري ) بشر بالصبح كوكب الصبح ** فاض وجنح الدجى كال

جنح ( ) فهو على الفجر كالسنان هوى ** للعين كما هوى

على رمح (____________________

(1/187)

ابن المعتز ) شربتها والديك لم ينتبه ** سكران من نومته

طافح ( ) والحت الشعرى وجوزاؤها ** كمثل زج جره رامح (

وهذه إن أردت الحق قضية قد سبقت وقدمت فقد قالوا السماك الرامح على معنى أن كوكبا يتقدمه

وهو رمحه وال شك أن جل الغرض في جعل ذلك الكوكب رمحا أن يقدروه سنانا فالرمح رمح بالسنان

وإذا لم يكن السنان فهو قناة ولذلك قال ) ورمحا طويل القناة عسوال (

ومن ذلك أن الدموع تشبه إذا قطرت على خدود النساء بالطل والقطر على ما يشبه الخدود من

الرياحين كقول الناشىء ) بكت للحبيب وقد راعها ** بكاء الحبيب لبعد الديار (

) كأن الدموع على خدها ** بقية طل على جلنار ( وشبيه به قول ابن الرومي

) لو كنت يوم الوداع حاضرنا ** وهن يطفين غلةالوجد (

) لم تر إال الدموع ساكبة ** تقطر من مقلة علىخد (

) كأن تلك الدموع قطر ندى ** يقطر من نرجسعلى ورد (

ثم يعكس كقول البحترى ) شقائق يحملن الندى فكأنه ** دموع التصابي في

خدود الخرائد ( ومثله قول ابن المعتز بعد قوله في النرجس

) كأن عيون النرجس الغض حولها ** مداهن در

حشوهن عقوق ( ) إذا بلهن القطن خلت دموعها ** بكاء عيون كحلهن

خلوق (____________________

(1/188)

وفي فن آخر منه خارج عن جنس ما مضى يشبه الشيخ إذا أفناه الهرم وحناه القدم حتى يدخل رأسه

في منكبيه بالفرخ كما قال ) ثالث مئين قد مضين كوامال ** وها أنا هذا أرتجى

مر أربع ( ) فأصبحت مثل الفرخ في العين ثاويا ** إذا رام

تطيارا يقال له قع ( وهو كثير ثم يعكس فيشبه الفرخ بالشيخ كما قال أبو

نواس يرثى خلف األحمر ) لو كان حي وائال من التلف ** لوئلت شغواء في

أعلى شعف ( ) أم فريخ أحرزته في لحف ** مزغب األلغاد لم يأكل

بكف ( ) كأنه مستقعد من الخرف ** (

وأعاده في قصيدة أخرى في مرثيته ) ال تئل العصم في الهضاب وال ** شغواء تغذو

فرخين في لحف ( ) تحنو بجؤشوشها على ضرم ** كقعدة المنحنى من

الخرف (____________________

(1/189)

ويشبه الظليم في حركة جناحيه مع إرسال لهمابالخباء المقوض أنشد أبو العباس لعلقمة

) صعل كأن جناحيه وجؤجؤه ** بيت أطافت به خرقاءمهجوم (

اشترط أن يتعاطى تقويضه خرقاء ليكون أشد

لتفاوت حركاته وخروج اضطرابه عن الوزن وقال ذوالرمة

) وبيض رفعنا بالضحى عن متونها ** سماوة جونكالخباء المقوض (

) هجوم عليها نفسه غير أنه ** متى يرم في عينيهبالشبح ينهض (

قالوا في تفسيره يعنى بالبيض بيض النعام ورفعنا أي أثرنا عن ظهورها وسماوة جون أى شخص نعام جون وسماوة الشىء شخصه والجون األسود ههنا ألنه قابل بين البياض والسواد ثم شبه النعام في حال إثارته عن البيض بالخباء المقوض وهو الذي

نزعت اطنابه للتحويل والبيت الثاني من أبيات الكتاب أنشده شاهدا على إعمال فعول عمل الفعل وذلك

قوله هجوم عليها نفسه فنفسه منصوب بهجوم على انه من هجم متعديا هجم نحو عليها نفسه اى طرحها

عليها كأنه أراد أن يصف الظليم في خوفه بأمرين متضادين بان يبالغ في االنكباب على البيض فعل من

شأنه اللزوم والثبات وأن يثيره عنها الشىء اليسيرنحو أن يقع بصره

____________________

(1/190)

على الشخص من بعد فعل من كان مستوفزا في مكانه غير مطمئن وال موطن نفسه على السكون

وقوله يرم في عينيه بالشبح كالم ليس لحسنه نهاية وقد قال ابن المعتز فعكس هذا التشبيه فشبه حركة

الخباء بالطائر إال أنه راعى أن يكون هناك صفة مخصوصة فشرط في الطائر أن يكون مقصوصا

وذلك قوله ) ورفعنا خباءنا تضرب الر ** ح حشاه كالجاذف

المقصوص ( وأخرجه إلى هذا الشرط انه أراد حركة خباء ثابت غير مقوض إال أن الريح تقع في جوفه فتحرك في جانبيه

على توال كما يفعل المقصوص إذا جذف وذلك أن يرد جناحيه إلى خلفه فيتحرك جانباه فحصل له

أمران أحدهما أن الموفور الجناح يبسط جناحيه في

األكثر وذلك إذا صف في طيرانه فال يدوم ضربه بجناحيه والمقصوص لقصوره عن البسط يديم

ضربهما والثاني تحريك الجناحين إلى خلف وهذا كثير جدا وتتبعه في كل باب ونوع من التشبيه يشغل عن الغرض من هذه الموازنة وإنما يمتنع هذا القلب في

طرفي التشبيه لسبب يعرض في البين فيمنع منه وال يكون من صميم الوصف المشترك بين الشيئين

المشبه أحدهما باآلخر فمن ذلك وهو أقواه فيما أظن أن يكون بين الشيئين تفاوت شديد في الوصف الذي ألجله يشبه ثم قصدت أن تلحق الناقص منهما بالزائد مبالغة وداللة على انه

يفضل أمثاله فيه بيان هذا أن ههنا أشياء هي أصول في شدة السواد

كخافية الغراب____________________

(1/191)

والقار ونحو ذلك فإذا شبهت شيئا بها كان طلب العكس في ذاك عكسا لما يوجبه العقل ونقضا للعادة

ألن الواجب أن يثبت المشكوك فيه بالقياس على المعروف ال أن يتكلف في المعروف تعريف بقياسه على المجهول وما ليس بموجود على الحقيقة فأنت

إذا قلت في شئ هو كخافية الغراب فقد أردت أن تثبت له سوادا زائدا على ما يعهد في جنسه وأن تصحح زيادة مجهولة له وإذا لم يكن ههنا ما يزيد

على خافية الغراب في السواد فليت شعرى ما الذي تريد من قياسه على غيره فيه ولهذا المعنى ضعف

بيت البحترى ) على باب قنسرين والليل الطخ ** جوانبه من ظلمة

بمداد ( وذاك أن المداد ليس من األشياء التي ال مزيد عليها

في السواد كيف ورب مداد فاقد اللون والليل بالسود وشدته أحق وأحرى أن يكون مثال أال ترى إلى

ابن الرومي حيث قال ) حبر أبى حفص لعاب الليل ** يسيل لإلخوان أى

سيل (

فبالغ في وصف الحبر بالسواد حين شبهه بالليل وكأن البحترى نظر إلى قول العامة في الشىء

األسود هو كالنقس ثم تركه للقافية____________________

(1/192)

فإن قلت فينبغى على هذا أن ال يجوز تشبيه الصبح بغرة الفرس ألجل أن الصبح بالوصف الذي ألجله

شبه الغرة به أخص وهو فيه أظهر وأبلغ والتفاوت بينهما كالتفاوت بين خافية الغراب والقار وبين ما

يشبه بهما فالجواب أن األمر وإن كان كذلك فإن تشبيه غرة الفرس بالصبح حيث ذكرت لم يقع من

جهة المبالغة في وصفها بالضياء واالنبساط وفرط التأللؤ وإنما قصد أمر آخر وهو وقوع منير في مظلم

وحصول بياض في سواد ثم البياض صغير قليل باإلضافة إلى السواد وأنت تجد هذا التشبيه على هذا

الحد في األصل فإذا عكست فقلت كان الصبح عند ظهور أوله في الليل غرة في فرس أدهم لم تقع في مناقضة كما انك لو شبهت الصبح في الظالم بعلم بياض على ديباج اسود لم تخرج عن الصواب

وعلى نحو من ذلك قول ابن المعتز ) فخلت الدجى والفجر قد مد خيطه ** رداء موشى

بالكواكب معلما ( فالعلم في هذا الرداء هو الفجر بال شبهة وله وهو

صريح ما أردت ) والليل كالحلة السوداء الح به ** من الصباح طراز

غير مرقوم ( وإن كان التفاوت في المقدار بين الصبح والطراز

في االمتداد واالنبساط شديدا وكذلك تشبيه الشمس بالمرآة المجلوة وبالدينار الخارج من السكة كما قال

ابن المعتز ) وكأن الشمس المنيرة دينا ** ر جلته حدائق

الضراب ( حسن مقبول وإن عظم التفاوت بين نور الشمس

ونور المرآة والدينار أو الجرم ألنك لم تضع التشبيه

على مجرد النور واالئتالف وإنما قصدت إلى____________________

(1/193)

مستدير يتألأل ويلمع ثم خصوص في جنس اللون يوجد في المرآة المجلوة والدينار المتخلص من حمى السكة كما يوجد في الشمس فأما مقدار النور وانه زائد أو ناقص ومتناه أو متقاصر وللجرم أعظيم هو

أم صغير فلم تعرض له ويستقيم لك العكس في هذا كله نحو أن تشبه المرآة بالشمس وكذلك لو قلت في

الدينار كأنه شمس أو قلت كأن الدنانير المنثورةشموس صغار لم تتعد

وجملة القول أنه متى لم يقصد ضرب من المبالغة في إثبات الصفة للشىء والقصد إلى إيهام في

الناقص انه كالزائد واقتصر على الجمع بين الشيئين في مطلق الصورة والشكل واللون أو جمع وصفين

على وجه يوجد في الفرع على حد ويوجد هو أو قريب منه في األصل فإن العكس يستقيم في

التشبيه ومتى أريد شىء من ذلك لم يستقم وقد يقصد الشاعر على عادة التخييل أن يوهم في

الشىء هو قاصر عن نظيره في الصفة أنه زائد عليه في استحقاقها واستيجاب أن يجعل أصال فيها فيصح على موجب دعواه وشوقه إلى أن يجعل الفرع أصال وإن كنا إذا رجعنا إلى التحقيق لم نجد األمر يستقيم على ظاهر ما يضع اللفظ عليه ومثاله قول محمد بن

وهيب ) وبدا الصباح كان غرته ** وجه الخليفة حين يمتدح (

فهذا على انه جعل وجه الخليفة كأنه أعرف واشهر وأتم واكمل في النور والضياء من الصباح فاستقام

له بحكم هذه النية أن يجعل الصباح____________________

(1/194)

فرعا ووجه الخليفة أصال واعلم أن هذه الدعوى وإن كنت تراها تشبه قولهم ال

يدرى أوجهه أنور أم الصبح وغرته أضوأ أم البدر وقولهم إذا أفرطوا نور الصباح يخفي في ضوء وجهه أو نور الشمس مسروق في جبينه وما جرى في هذا

األسلوب من وجوه اإلغراق والمبالغة فإن في الطريقة األولى خالبة وشيئا من السحر وهو انه كان

يستكثر للصباح أن يشبهه بوجه الخليفة ويوهم انه قد احتشد له واجتهد في طلب تشبيه يفهم به أمره

وجهته الساحرة أنه يوقع المبالغة في نفسك من حيث ال تشعر ويفيد كها من غير أن يظهر ادعاؤه لها

ألنه وضع كالمه وضع من يقيس على أصل متفق عليه ويزجى الخبر عن أمر مسلم ال حاجة فيه إلى دعوى وال إشفاق من خالف مخالف وإنكار ر منكر وتجهم معترض وتهكم قائل لم ومن أين لك ذلك

والمعانى إذا وردت على النفس هذا المورد كان لها ضرب من السرور خاص وحدث بها نوع من الفرح

عجيب فكانت كالنعمة لم تكدرها المنة والصنيعة لمينغصها اعتداد المصطنع لها

وفي هذا الموضع تشبيه بالنكتة التى ذكرتها في التجنيس ألنك في الموضعين تنال الربح في صورة

رأس المال وترى الفائدة قد مألت يدك من حيث حسبتها قد جازتك وأضلتك وتجد على الجملة الوجود

من حيث توهمت العدم ولطيفة أخرى وهى أن من شأن المدح إذا ورد على

العاقل أن يقفه بين أمرين يصعب الجمع بينهما وتوفيه حقهما معرفة حق المادح على ما احتشد له

من تزيينه وقصده من تفخيم شأنه في عيون الناسباإلصفاء

____________________

(1/195)

إليه واالرتياح له والداللة بالبشر والطالقة على حسن موقعه عنده وملك النفس حتى ال يقلبها السرور

عليه ويخرج بها إلى العجب المذموم وإلى أن يقول

أنا فيقع في ضعة الكبر من حيث ال يشعر ويظهر عليه من إمارته ما يذم ألجله ويحقر فما كبر أحد في

نفسه إال أغان الكبر عقله وفسخ عقده من أجله وهذا موقف نزل فيه األقدام بل تخف عنده الحلوم

حتى ال يسلم من جزع النفس هناك إال أفراد الرجال وإال من أدام التوفيق صحبته ومن أين ذلك وأنى فإذا كان المدح على صورة قوله وجه الخليفة حين يمتدح

خف عنه الشطر من تكاليف هذه الخصلة وإذا قد تبين كيف يكون جعل الفرع أصال واألصل

فرعا في التشبيه الصريح فارجع إلى التمثيل وانظر هل تجىء فيه هذه الطريقة على هذه السعه والقوة ثم تأمل ما حمل من التمثيل عليها كيف حكمه وهل هو مساو لما رأيت في التشبيه الصريح وحاذ حذوه

على التحقيق أم الحال على خالف ذلك والمثال فيما جاء من التمثيل مردودا فيه الفرع إلى موضع األصل

واألصل إلى محل الفرع قوله ) وكأن النجوم بين دجاه ** سنن الح بينهن ابتداع ( وذلك أن تشبيه السنن بالنجوم تمثيل والشبه عقلى

وكذلك تشبيه خالفها من البدعة والضاللة بالظلمة ثم إنه عكس فشبه النجوم بالسنن كما يفعل فيما مضى من المشاهدات إال أنا نعلم انه ال يجرى مجرى قولنا كأن النجوم مصابيح تارة وكأن المصابيح نجوم أخرى وال يجرى مجرى قولك كأن السيوف برق تنعق وكأنالبروق سيوف تسل من أغمادها فتبرق ونظائر ذلك

____________________

(1/196)

فيما مضى وذلك أن الوصف هناك ال يختلف من حيث الجنس والحقيقة وتجده العين في الموضعين وليس

هو في هذا مشاهدا محسوسا وفي اآلخر معقوال متصورا بالقلب ممتنعا فيه اإلحساس فأنت تجد في السيوف لمعانا على هيئة مخصوصة من االستطالة وسرعة الحركة تجده بعينه أو قريبا منه في البروق

وكذلك تجد في المداهن من الدر حشوهن عقيق من الشكل واللون والصورة ما تجده في النرجس حتى يتطرق أن يشتبه الحال في الشىء من خلل فيظن

أن أحدهما اآلخر فلو أن رجال رأى من بعيد بريق سيوف تنتضى من الغمود لم يبعد أن يغلط فيحسب

أن بروقا انعقت وما لم يقع فيه الغلط كان حاله قريبا مما يجوز وقوع الغلط فيه ومحال أن يكون األمر كذلك في التمثيل ألن السنن ليست بشىء

يتراءى في العين فيشتبه بالنجوم وال ههنا وصف من األوصاف المشاهدة يجمع السنن والنجوم وإنما

يقصد بالتشبيه في هذا الضرب ما تقدم من األحكام المتأولة من طريق المقتضى فلما كانت الضاللة

والبدعة وكل ما هو جهل تجعل صاحبها في حكم من يمشى في الظلمة فال يهتدى إلى الطريق وال يفصل

الشىء من غيره حتى يتردى في مهواة ويعثر على عدو قاتل وآفة مهلكة لزم من ذلك أن تشبه بالظلمة

ولزم على عكس ذلك أن تشبه السنة والهدىوالشريعة وكل ما هو علم بالنور

وإذا كان األمر كذلك علمت أن طريقة العكس ال تجىء في التمثيل على حدها في التشبيه الصريح

وإنها إذا سلكت فيه كان مبنيا على ضرب من التأول والتخيل يخرج عن الظاهر خروجا ويبعد عنه بعدا شديدا فالتأويل في البيت انه لما شاع وتعورف

وشهر وصف السنة ونحوها____________________

(1/197)

بالبياض وإالشراق والبدعة بخالف ذلك كما قال النبي أتيتكم بالحنيفية البيضاء ليلها كنهارها وقيل هذه

حجة بيضاء وقيل للشبهة وكل ما ليس بحق أنه مظلم وقيل سواد الكفر وظلمة الجهل يخيل أن

السنن كلها جنس من األجناس التى لها إشراق ونور وابيضاض في العين وأن البدعة نوع من األنواع وأن

لها فضل اختصاص بسواد اللون فصار تشبيهه النجوم بين الدجى بالسنن بين االبتداع على قياس

تشبيههم النجوم في الظالم ببياض الشيب في سواد الشباب أو باألنوار وائتالقها بين النبات الشديد

الخضرة فهذا ههنا كأنه ينظر إلى طريقة قوله وبدا الصباح كان غرته في بناء التشبيه على تأويل هو غير

الظاهر إال أن التأويل هناك انه جعل في وجه الخليفة زيادة من النور والضياء يبلغ بها حال الصباح

أو يزيد والتأويل ههنا أته خيل ما ليس بمتلون كأنهمتلون ثم بنى على ذلك

ومن هذا الباب قول اآلخر ) ولقد ذكرتك والزمان كأنه ** يوم النوى وفؤاد من

لم يعشق ( لما كانت األوقات التي تحدث فيها المكاره توصف

بالسواد فيقال اسود النهار في عينى وأظلمت الدنيا على جعل يوم النوى كأنه اعرف وأشهر بالسواد من

الظالم فشبه به ثم عطف عليه فؤاد من لم يعشق تظرفا وإتماما للصفة وذلك أن الغزل يدعى القسوة

على من لم يعرف العشق والقلب القاسي يوصفبشدة السواد فصار هذا القلب عنده أصال في الكدرة

____________________

(1/198)

والسواد فقاس عليه وعلى ذلك قول العامة ليل كقلب المنافق أو الكافر إال أن في هذا شوبا من

الحقيقة من حيث يتصور في القلب أصل السواد ثم يدعى اإلفراط وال يدعى في البدعة نفس السواد ألنها ليس مما يتلون ألن اللون من صفات الجسم فالذي يساويه في الشبه المساواة الثابتة قولهم

أظلم من الكفر كما قال ابن العميد في كتاب يداعب فيه ويظهر التظلم من هالل الصوم ويدعو على

القمر فقال وارغب إلى الله تعالى في أن يقرب على القمر دورة وينقص مسافة فلكه ثم قال بعد

فصل ويسمعنى النعرة في قفا شهر رمضان ويعرضعلى هالله اخفى من السحر واظلم من الكفر

وإن تأولت في قوله سنن الح بينهن ابتداع أنه أراد معنى قولهم إن سواد الظالم يزيد النجوم حسنا

وبهاء كان له مذهب وذلك أنه لما كان وقوف العاقل على بطالن الباطل وإطالعه على عوار البدعة

وخرقه الستر عن فضيحة الشبهة يزيد الحق نبال في نفسه وحسنا في مرآة عقله جعل هذا األصل من المعقول مثاال للمشاهد المبصر هناك إال أنه على

ذلك ال يخرج من أن يكون خارجا عن الظاهر أن يمثل المعقول في ذلك بالمحسوس كما فعل البحترى في

قوله____________________

(1/199)

) وقد زادها إفراط حسن جوارها ** خالئق أصفار منالمجد خيب (

) وحسن درارى النجوم بان ترى ** طوالع في داجمن الليل غيهب (

فبك مع هذا الوجه حاجة إلى مثل ما مضى تنزيل السنة والبدعة منزلة ما يقبل اللون ويكون له في رأى العين منظر المشرق المبتسم واألسود األقتم

حتى يراد أن لون هذا يزيد في بريق ذاك وبهائه وحسنه وجماله وفي القطعة التى هذا البيت منها

غيرها مما مذهبه المذهب األول وهو ) رب ليل قطعته كالصدود ** وفراق ما كان فيه وداع

) ) موحش كالثقيل تقذى به العين ** وتأبى حديثه

األسماع ( وكأن النجوم البيت وبعده

) مشرقا كأنهن حجاج ** يقطع الخصم والظالمانقطاع (

ومما حقه أن يعد في هذا الباب قول القائل ) كأن انتضاء البدر من تحت غيمه ** نجاء من البأساء

بعد وقوع ( وذلك أن العادة أن يشبه المتخلص من البأساء بالبدر الذي ينحسر عنه الغمام والشبه بين البأساء والغمام

والظلماء من طريق العقل ال من طريق الحسوأوضح منه في هذا القول ابن طباطبا

) صحو وغيم وضياء وظلم ** مثل سرور شابه عارضغم (

ومن حد ما يقع في هذا الباب قول التنوخي فيقطعة وهى قوله

) أما ترى البرد قد وافت عساكره ** وعسكر الحر

كيف انصاع منطلقا (____________________

(1/200)

) فاألرض تحت ضريب الثلج تحسبها ** قد ألبستحبكا أو غشيت ورقا (

) فانهض بنار إلى فحم كأنهما ** في العين ظلموإنصاف قد اتفقا (

) جاءت ونحن كقلب الصب حين سال ** بردا فصرناكقلب الصب إذ عشقا (

المقصود فانهض بنار إلي فحم فإنه لما كان يقال في الحق إنه منير واضح الئح فتستعار له أوصاف األجسام المنيرة وفي الظلم خالف ذلك تخيلهما

شيئين لهما ابيضاض واسوداد وإنارة وإظالم فشبهالنار الفحم بهما

ومن هذا الباب قول ابن بابك ) وأرض كأخالق الكريم قطعتها ** وقد كحل الليل السماك فأبصرا ( لما كانت األخالق توصف بالسعة

والضيق وكثر ذلك واستمر توهمه حقيقة فقابل بينسعة األرض التي هي سعة حقيقة وأخالق الكريم

ومثله قول أبى طالب المامونى ) وفال كآمال يضيق بها الفتى ** ال تصدق األوهام

فيها قيال ( ) أقريتها بشملة تقرى الفال ** عنقا وتقريها الفالة

نحوال ( قاس الفال في السعة وهى حقيقة فيها على اآلمال

وهى إذا وصفت بالسعة____________________

(1/201)

كان مجازا بال شبهة ولكن لما كان يقال آمال طوال وآمال ال نهاية لها واتسعت آماله وأشباه ذلك صارت هذه األوصاف كأنها موجودة فيها من طريق الحس

والعيان وعلى ذكر األمل فمن لطيف ما جاء في التشبيه به على هذا الحد وإن لم يكن في معنى

السعة واالمتداد ولكن في الظلمة واالسوداد قولابن طباطبا

) رب ليل كأنه أملى فيك ** وقد رحت عنك بالحرمان )

) جبته والنجوم تنعش في األفق ** وتطرفن كالعيونالزوانى (

) هاربا من ظالم فعلك في نحو ** ضياء الفتى األغرالهجان (

لما كان يقال في األمر ال يرجى له نجاح قد اظلم علينا هذا األمر وهذا أمر فيه ظلمة ثم أراد أن يبالغ

في التباس وجه النجح عليه في امله تخيل كأن أمله شخص شديد السواد فقاس ليله به كأنه يقول

تفكرت فيما اعلمه من األشياء السود فرأيت صورة أملى فيك زائدة على جميعها في شدة السواد

فجعلته قياسا في ظلمة ليلى الذي جبته ومن الباب وهو حسن قول ابن المعتز

) ال تخلطوا الدوشاب في قدح ** بصفاء ماء طيبالبرد (

) ال تجمعوا بالله ويحكم ** غلظ الوعيد ورقة الوعد (

لما كان يقال اغلظ له القول ويوصف الجافي وكل من أساء وقال ما يكره بالغلظ ويوصف كالم المحسن

ومن يعمد إلى الجميل باللطافة جعل الوعيد____________________

(1/202)

والوعد أصال في الصفتين وقاس عليهما فأما قول اآلخر ) شربت على سالمة فتكين ** شرابا صفوه

صفو اليقين ( فهو على الحقيقة ال يدخل في تشبيه الحقيقة

بالمجاز ألن الصفاء خلوص الشىء وخلوه من شئ يغيره عن صفته إال أنه من حيث يقع في األكثر لما له بريق وبصيص كان كأنه حقيقة في المحسوسات

ومجاز في المعقوالت وأما قولهم هواء أرق من

تشاكي األحباب فمن الباب ألن الرقة في الهواء حقيقة وفي التشاكي مجاز وهكذا قول أبي نواس في خالعته حتى هي في رقة ديني ألن الرقة من

صفات األجسام فهي في الدين مجاز

) تيرشفن من فمى رشفات ** هن فيه أحلى من التوحيد ( وأبعد ما يكون الشاعر من التوفيق إذا دعته

شهوة األغراب إلى أن يستعير للهزل والعبث منالجد ويتغزل بهذا الجنس

ومما هو حسن جميل من هذا الباب قول الصاحب كتب به إلى القاضي أبي الحسن روى عن القاضي

أنه قال انصرفت عن دار الصاحب قبيل العيد فجاءنيرسوله بعطر الفطر ومعه رقعة فيها هذان البيتان

) يا أيها القاضي الذي نفسي له ** مع قرب عهدلقائه مشتاقة (

) أهديت عطرا مثل طيب ثنائه ** فكأنما أهدي لهأخالقه (

وكون هذا التشبيه مما نحن فيه من الترجيح أوضح ما يكون فليس بخاف أن العادة أن يشبه الثناء بالعطر

ونحوه ويشتق منه وقد عكس كما ترى وذلك على ادعاء أن ثناءه أحق بصفة العطر وطيبه من العطر

وأخص____________________

(1/203)

به وأنه قد صار أصال حتى إذا قيس نوع العطر عليه فقد بولغ في صفته بالطيب وجعل له في الشرف

والفضل على جنسه أوفر نصيب وإذ قد عرفت الطريقة في جعل الفرع أصال في

التمثيل فارجع وقابل بينه وبين التشبيه الظاهر تعلم أن حاله في الحقيقة مخالفة للحال ثم وذلك أنك ال تحتاج في تشبيه البرق بالسيوف والسيوف بالبرق

إلى تأويل أكثر من أن العين تؤدي إليك من حيث الشكل واللون وكيفية اللمعان صورة خاصة تجدها في كل واحد من الشيئين على الحقيقة وال يمكننا

أن نقول إن الثريا شبهت باللجام المفضض وبعنقود

الكرم المنور وبالوشاح المفصل لتأويل كذا بل ليس بأكثر من أن أنجم الثريا لونها لون الفضة ثم إن

أجرامها في الصغر قريبة من تلك األطراف المركبة على سيور اللجام ثم إنها في االجتماع واألفتراق

على مقدار من مواقع تلك وكذا القول في العنقود فإن تلك األنوار مشاكلة في البياض وفي أنها ليست

متضامة تضام التالصق وال هي شديدة التباين حتى يبعد الفصل بين بعضها وبعض بل مقاديرها في

القرب والبعد على صفة قريبة مما يتراءى في العينمن مواقع تلك األنجم

وإذا كان مدار األمر على أن العين تصف من هذا ما تصف من ذاك لم يكن تشبيه اللجام المفضض بالثريا إال كتشبيه الثريا به والحكم على أحدهما بأنه فرع أو

أصل يتعلق بقصد المتكلم فما بدأنه في الذكر فقد جعله فرعا وجعل اآلخر أصال وليس كذلك قولنا له

خلق كالمسك وهو في دنوه بعطائه وبعده بعزة وعالئه كالبدر في ارتفاعه مع نزول شعاعه ألن كون

الخلق فرعا والمسك أصال أمر واجب من حيث كان المعلوم من طريق اإلحساس والعيان متقدما على

المعلوم من طريق الروية وهاجس الفكر____________________

(1/204)

وحكم هذا في أن الفرع ال يخرج عن كونه فرعا على الحقيقة حكم ما طريق التشبيه فيه المبالغة من

المشاهدات والمحسوسات كقولك هو كحلك الغراب في السواد لما هو دونه فيه وقولك في الشىء من

الفواكه مثال هو كالعسل فكما ال يصح أن يعكس فيشبه حلك الغراب بما هو دونه في السواد والعسل

بما ال يساويه في صدق الحالوة كذلك ال يصح أن تقول هذا مسك كخلق فالن إال على ما قدمت من التخييل أال ترى أنه كالم ال يقوله إال من يريد مدح

المذكور فأما أن يكون القصد بيان حال المسك على حد قصدك أن تبين حال الشىء المشبه بحلك الغراب

في السواد والمشبه بالعسل في الحالوة فما ال يكون كيف ولوال سبق المعرفة من طريق الحس بحال

المسك ثم جريان العرف بما جرى من تشبيه األخالق

به واستعارة الطيب لها منه لم يتصور هذا الذي تريد تخييله من أنا نبالغ في وصف المسك بالطيب تشبيها بخلق الممدوح وعلى ذلك قولهم كأنما سرق المسك عرفة من خلقك والعسل حالوته من لفظك هو مبنى

على العرف السابق من تشبيه الخلق بالمسك واللفظ بالعسل ولو لم يتقدم ذلك ولم يتعارف ولم

يستقر في العادات لم يعقل لهذا النحو من الكالم معنى ألن كل مبالغة ومجاز فال بد من أن يكون له

استناد إلى حقيقة وإذا ثبتت هذه الفروق والمقابالت بين والتشبيه الصريح الواقع في العيان وما يدركه الحس وبين

التمثيل الذي هو تشبيه من طريق العقل والمقاييس التى تجمع بين الشيئين في حكم تقتضيه الصفة

المحسوسة ال في نفس الصفة كما بينت لك في أولقول ابتدأته في الفرق بين التشبيه الصريح

____________________

(1/205)

وبين التمثيل من انك تشبه اللفظ بالعسل على أنك تجمع بينهما في حكم توجيه الحالوة دون الحالوة

نفسها فتههنا لطيفة أخرى تعطيك للتمثيل مثاال من طريق المشاهدة وذاك انك بالتمثيل في حكم من

يرى صورة واحدة إال انه يراها تارة في المرآة وتارةعلى ظاهر األمر

وأما في التشبيه الصريح فإنك ترى صورتين على الحقيقة يبين ذلك أنا لو فرضنا أن تزول عن أوهامنا

ونفوسنا صور األجسام في القرب والبعد وغيرهما من األوصاف الخاصة باألشياء المحسوسة لم يمكنا تخيل شىء من تلك األوصاف في األشياء المعقولة

فال يتصور معنى كون الرجل بعيدا من حيث العزة والسلطان قريبا من حيث الجود واإلحسان حتى

يخطر ببالك وتطمح بفكرك إلى صورة البدر وبعد جرمه عنك وقرب نوره منك وليس كذلك الحال في

الشيئين يشبه أحدهما اآلخر من جهة اللون والصورة والقدر فإنك ال تفتقر في معرفة كون النرجس وخرطه واستدارته وتوسط أحمره ألبيضه إلى

تشبيهه بمداهن در حشوهن عقيق كيف وهو شىء تعرضه عليك العين وتضعه في قليل المشاهدة وإنما

يزيدك التشبيه صورة ثانية مثل هذه التى معك ويجتلبها لكن من مكان بعيد تراهما معا وتجدهما

جميعا وأما في األولى فإنك ال تجد في الفرع نفس ما في

األصل من الصفة وجنسه وحقيقته وال يحضرك تمثيل األصل على التعيين والتحقيق وإنما يخيل إليك انه

يحضرك ذلك فإنه يعطيك من الممدوح بدرا ثانيا فصار وزان أن المرآة تخيل إليك أن فيها شخصا ثانيا على صورة ما هي مقابلة له ومتى ارتفعت المقابلة

ذهب عنك ما كنت تتخيله فال تجد إلى وجوده سبيالوال تستطيع له تحصيال ال جملة وال تفصيال

____________________

(1/206)

فصل في الفرق بين االستعارة والتمثيل اعلم أن من المقاصد التى تقع العناية بها أن تبين

حال االستعارة مع التمثيل أهي هو على اإلطالق حتى ال فرق بين العبارتين أم حدها غير حده إال أنها

تتضمنه وتتصل به فيجب أن نفرد جملة من القولفي حالها مع التمثيل

قد مضى في االستعارة أن حدها أن يكون للفظ اللغوي أصل ثم بنقل عن ذلك األصل على الشرط

المتقدم وهذا الحد ال يجىء في معنى التمثيل الذي تقدم من أن األصل في كونه مثال وتمثيال هو التشبيه المنتزع من مجموع امور والذي ال يحصله لك إال جملة

من الكالم أو أكثر ألنك قد تجد األلفاظ في الجمل التى يعقد منها جارية على أصولها وحقائقها في

اللغة وإذا كان األمر كذلك بان أن االستعارة يجب أن تفيد

حكما زائدا على المراد بالتمثيل إذ لو كان مرادنا باالستعارة هوالمراد بالتمثيل لوجب أن يصح إطالقها في كل شىء يقال فيه إنه تمثيل ومثل والقول فيها

إنها داللة على حكم ثبت للفظ وهو نقله عن االصل اللغوي وإجراؤه على مالم يوضع له ثم إن هذا النقل يكون في الغالب من أجل شبه بين ما نقل أليه وما

نقل عنه وبيان ذلك ما مضى من انك تقول رأيت أسدا تريد

رجال شبيها به في الشجاعة وظبيه تريد امرأة شبيهة بالظبية فالتشبيه ليس هو االستعارة ولكن االستعارة

كانت من أجل التشبيه وهو كالغرض فيها أو كالعلة والسبب في فعلها فإن قلت كيف تكون االستعارة

من أجل التشبيه____________________

(1/207)

والتشبيه يكون وال استعارة وذلك إذا جئت بحرفه الظاهر فقلت زيد كاألسد فالجواب أن األمر كما قلت ولكن التشبيه يحصل باألستعارة على وجه خاص وهو

المبالغة فقولي من أجل التشبيه أردت من أجل التشبيه على هذا الشرط وكما أن التشبيه الكائن

على وجه المبالغة غرض فيها وعلة كذلك اإلختصار واإليجاز غرض من أغراضها أال ترى أنك تفيد باالسم

الواحد الموصوف والصفة والتشبيه والمبالغة ألنك تفيد بقولك رايت أسدا أنك رأيت شجاعا شبيها

باألسد وأن شبهه به في الشجاعة على اتم ما يكون وأبلغه حتى إنه ال ينقض عن األسد فيها وإذا ثبت

ذلك فكما ال يصح أن يقال إن االستعارة هي االختصار واإليجاز على الحقيقة وأن حقيقتها وحقيقتهما

واحدة ولكن يقال إن االختصار وااليجاز يحصالن بها أو هما غرضان فيها ومن جملة ما دعا إلى فعلها

كذلك حكم التشبيه معها فإذا ثبت أنها ليست التشبيه على الحقيقة كذلك ال تكون التمثيل على الحقيقة ألن التمثيل تشبيه إال أنه تشبيه خاص فكل تمثيل

تشبيه وليس كل تشبيه تمثيال وإذ قد تقرر هذه الجملة فإذا كان المشبه بين

المستعار منه والمستعار له من المحسوس والغرائز والطباع وما يجري مجراها من األوصاف المعروفة

كان حقها أن يقال إنها تتضمن التشبيه وال يقال إن فيها تمثيال وضرب مثل وإذا كان الشبه عقليا جاز

إطالق التمثيل فيها وأن يقال ضرب االسم مثال لكذا كقولنا ضرب النور مثال للقرآن والحياة مثال للعلم

فقد حصلنا من هذه الجملة على أن المستعير يعمد إلى نقل اللفظ عن أصله في اللغة إلى غيره ويجوز به مكانه األصلي إلى مكان آخر ألجل األغراض التي

ذكرنا من____________________

(1/208)

التشبيه والمبالغة واالختصار والضارب للمثل ال يفعل ذلك وال يقصده ولكنه يقصد إلى تقرير الشبه بين

الشيئين من الوجه الذي مضى ثم إن وقع في أثناء ما يعقد به المثل من الجملة والجملتين والثالث

لفظة منقولة عن أصلها فذاك شىء لم يعتمده من جهة المثل الذي هو ضاربه وهكذا كل متعاط لتشبيه صريح ال يكون نقل اللفظ من شأنه وال من مقتضى

غرضه فإذا قلت زيد كاألسد وهذا الخبر كالشمس في الشهرة وله رأى كالسيف في المضاء لم يكن منك نقل للفظ عن موضوعه ولو كان األمر على خالف

ذلك لوجب أن ال يكون في الدنيا تشبيه إال وهو مجاز وهذا محال ألن التشبيه معنى من المعاني وله حروف وأسماء تدل عليه فإذا صرح بذكر ما هو

موضوع للداللة عليه كان الكالم حقيقة كالحكم فيسائر المعاني فأعرفه

واعلم أن اللفظة المستعارة ال تخلو من أن تكون اسما أو فعال فإذا كانت اسما كان اسم جنس أوصفة فإذا كان اسم جنس فإنك تراه في أكثر األحوال التي

تنقل فيها محتمال متكفئا بين أن يكون لالصل وبين أن يكون للفرع الذي من شأنه أن ينقل إليه فإذا

قلت رأيت أسدا صلح هذا الكالم ألن تريد به أنك رأيت واحدا من جنس السبع المعلوم وجاز أن تريد أنك

رأيت شجاعا باسال شديد الجرأة وأنما يفصل لك أحد الغرضين من اآلخر شاهد الحال وما يتصل به من

الكالم من قبل وبعد وإن كان فعال أو صفة كان فيهما هذا اإلحتمال في بعض األحوال وذلك إذا

اسندت الفعل وأجريت الصفة على أسم مبهم يقع على ما يكون اصال في تلك الصفة وذاك الفعل وما

يكون فرعا فيهما نحو أن تقول أنار لي منيره____________________

(1/209)

فهذا الكالم يحتمل أن يكون أنار ومنير فيه واقعين على الحقيقة بأن يعنى بالشيء بعض األجسام ذوات

النور وأن يكونا واقعين على المجاز بأن تريد بالشىء نوعا من العلم والرأى وما اشبه ذلك من المعانى

التى ال يصح وجود النور فيها حقيقة وإنما توصف به على سبيل التشبيه وفي الفعل والصفه شىء آخر وهو أنك كأنك تدعى معنى اللفظ المستعار له فإذا قلت قد أنارت حجته وهذة حجه منيرة فقد ادعيت للحجه النور ولذلك تجىء فتضيفه إليه كما تضاف

المعانى التى يشتق منها الفعل والصفة إلى الفاعل والموصوف فتقول نور هذه الحجة جال بصري وشرح صدري كما تقول نور الشمس والمثل ال يوجب شيئا

من هذه األحكام فال هو يقتضى تردد اللفظ بين احتمال شيئين وال أن يدعى معناه للشىء ولكنه يدع

اللفظ مستقرا على أصله وإذ قد ثبت هذا األصل فاعلم أن ههنا أصال آخر يبنى

عليه وهو أن االستعارة وإن كانت تعتمد التشبيه والتمثيل وكان التشبيه يقتضى شيئين مشبها

ومشبها به وكذلك التمثيل ألنه كما عرفت تشبيه إال أنه عقلى فإن االستعارة من شأنها أن تسقط ذكر

المشبه من البين وتطرحه وتدعى له االسم الموضوع للمشبه به كما مضى من قولك رأيت أسدا تريد رجال

شجاعا ووردت بحرا زاخرا تريد رجال كثير الجود فائض الكف وأبديت نورا تريد علما وما شاكل ذلك

فاالسم الذى هو المشبه غير مذكور بوجه من الوجوه كما ترى وقد نقلت الحديث إلى اسم المشبه به

لقصدك أن تبالغ فيه فتضع اللفظ بحيث تخيل أن معك نفس األسد والبحر والنور كى تقوي أمر

المشابهة وتشدده ويكون لها هذا الصنيع____________________

(1/210)

حيث يقع االسم المستعار فاعال أو مفعوال أو مجرورا بحرف الجر أو مضافا إليه فالفاعل كقولك بدا لى

أسد وانبرى لى ليث وبدا نور وظهرت شمس ساطعةوفاض لى بالمواهب بحر وكقوله

وفي الجيرة الغادين من بطن وجرة ** غزال كحيلالمقلتين (

ربيب والمفعول كما ذكرت من قولك رأيت أسدا والمجرور نحو قولك العار إن فرسن أسد يزأر

والمضاف إليه كقوله ) ياابن الكواكب من أئمة هاشم** والرجح األحساب واألحالم (

وإذا جاوزت هذه األحوال كان اسم المشبه مذكورا وكان مبتدأ واسم المشبه به واقعا في موضع الخبر

كقولك زيد أسد أو على هذا الحد وهل يستحق االسم في هذه الحاله أن يوصف باالستعاره أم ال فيه شبهة

وكالم سيأتيك إن شاء الله تعالى وإذ قد عرفت هذه الجملة فينبغى أن تعلم أنه ليس كل شيء يجيء مشبها به بكاف أو بإضافة مثل إليه

يجوز أن تسلط عليه االستعاره وينفذ حكمها فيه حتى تنقله عن صاحبه وتدعيه للمشبه على حد قولك

أبديت نورا تريد علما وسللت سيفا صارما تريد رأيا نافذا وإنما يجوز ذلك إذا كان الشبه بين الشيئين مما يقرب مأخذه ويسهل متناوله ويكون في الحال دليل

عليه حرف وفي العرف شاهد له حتى يمكن المخاطب إذا أطلقت له االسم أن يعرف الغرض ويعلم ما أردت فكل شيء كان من الضرب األول

الذى ذكرت أنك تكتفي فيه بإطالق األسم داخال عليه التشبيه نحو قولهم هو كاألسد فإنك إذا أدخلت عليه

حكم االستعارة____________________

(1/211)

وجدت في دليل الحال وفي العرف ما يبين غرضك إذا يعلم إذا قلت رأيت أسد وأنت تريد الممدوح أنك

قصدت وصفه بالشجاعة وإذا قلت طلعت شمس وأنت تريد امرأة علم بأنك تريد وصفها بالحسن وإن

أردت الممدوح علم أنك تقصد وصفه بالنباهةوالشرف

فأما إذاكان من الضرب الثاني ال سبيل إلى معرفة المقصود من الشبه فيه إال بعد ذكر الجمل التى يعقد

بها التمثيل فإن األستعارة ال تدخله ألن وجه الشبه إذا كان غامضا لم يجز أن تقتسر االسم وتغصب عليه موضعه وتنقله إلى غير ما هو أهله من غير أن يكون

معك شاهد ينبىء عن الشبه فلو حاولت في قوله فإنك كالليل الذى هو مدركى أن تعامل الليل معاملة

األسد في قولك رأيت أسدا أعنى أن تسقط ذكر الممدوح من البين لم تجد له مذهبا في الكالم وال

صادفت طريقة توصلك إليه ألنك التخلو من أحد أمرين إما أن تحذف الصفه وتقتصر على ذكر الليل

مجردا فتقول إن فررت أظلنى الليل وهذا محال ألنه ليس في الليل دليل على النكتة التى قصدها من أنه

ال يفوته وإن أبعد في الهرب وصار إلى أقصى األرض لسعة ملكه وطول يده وأن له في جميع اآلفاق عامال

وصاحب حبس ومطيعا ألوامره يرد الهارب عليه ويسوقه إليه وغاية ما يتأتى في ذلك أنه يريد إن

هرب عنه اظلمت عليه الدنيا وتحير ولم يهتد فصار كمن يحصل في ظلمة الليل وهذا شىء خارج عن

الغرض وكالمنا على أن تستعير االسم لتؤدى به التشبيه الذى قصد في البيت ولم أرد أنه ال تمكن

استعارته على معنى ما وال يصلح في غرض من األغراض وإن لم تحذف الصفة وجدت طريق

االستعارة فيه يؤدى إلى تعسف إذ لو قلت إن____________________

(1/212)

فررت منك وجدت ليال يدركنى وإن ظننت أن المنتأى واسع والمهرب بعيد قلت ماال تقبله الطباع وسلكت

طريقة مجهولة ألن العرف لم يجر بأن تجعلالممدوح ليال هكذا

فأما قولهم إن التشبيه بالليل يتضمن الداللة على سخطه فإنه ال يفسح في أن يجرى اسم الليل على الممدوح جرى األسد والشمس ونحوهما وإنما تصلح

استعارة الليل لمن يقصد وصفه بالسواد والظلمةكما قال ابن طباطبا

) بعثت معى قطعا من الليل مظلما ** ( يعنى زنجيا قد أنقذه المخاطب معه حين انصرف عنه إلى منزله

هذا ويماثله كلما وجدت ما إن رمت فيه طريقة االستعارة لم تجد فيه هذا القدر من التمحل والتكلف

أيضا وهو كقول النبي الناس كإبل مائة ال تجد فيها فيها راحلة قل اآلن من أى جهة تصل إلى االستعارة ههنا وبأى ذريعة تتذرع إليها هل تقدر أن تقول رأيت

إبال مائة ال تجد فيها راحلة في معنى رأيت ناسا واإلبل المائة التى ال تجد فيها راحلة تريد الناس كما

قلت رأيت أسدا على معنى رجال كاألسد وأطلقت عليه األسد على معنى الذى هو األسد وكذا قول النبي مثل المؤمن كمثل النخلة أو مثل الخامة ال

تستطيع أن تتعاطى االستعارة في شىء منه فتقول رأيت نخلة أو خامة على معنى رأيت مؤمنا إن من

رام مثل هذا كا كما قال صاحب الكتاب ملغزا تاركا لكالم الناس الذى يسبق إلى أفئدتهم وقد قدمت

طرفا من هذا الفصل فيما مضى ولكننى أعدته ههناالتصاله بما نريد ذكره____________________

(1/213)

فقد ظهر أنه ليس كل شىء يجىء فيه التشبيه الصريح بذكر الكاف ونحوها يستقيم نقل الكالم فيه

إلى طريقة االستعارة وإسقاط ذكر المشبه جملة واالقتصار على المشبه به وبقى أن يتعرف الحكم

في الحالة األخرى وهى التى يكون كل واحد من المشبه والمشبه به مذكورا فيها نحو زيد أسد

ووجدته أسدا هل تساوق صريح التشبيه حتى يجوز في كل شيئين قصد تشبيه أحدهما باآلخر أن تحذف

الكاف من الثانى وتجعله خبرا عن األول أو بنزلة الخبر والقول في ذلك أن التشبيه إذا كان صريحا

بالكاف ومثل كان األعرف األشهر في المشبه به أن يكون معرفة كقولك هو كاألسد وهو كالشمس وهو كالبحر وكليث العرين وكالصبح وكالنجم وما شا كل

ذلك وال يكاد يجىء نكرة مجيئا يرتضى نحو هو كأسد وكبحر وكغيث إالأن يخصص بصفة نحو كبحر زاخر فإذا جعلت االسم المجرور بالكاف معربا باإلعراب

الذى يستحقه الخبر من الرفع والنصب كان كال األمرين التعريف والتنكير فيه حسنا جميال تقول زيد

األسد والشمس والبحر وزيد أسد وشمس وبدر وبحر وإذ قد عرفت هذا فارجع إلى نحو فإنك كالليل الذى هو مدركى واعلم أنه قد يجوز فيه أن تحذف الكاف وتجعل المجرور الليل خبرا فتقول فإنك الليل الذى

هو مدركى أو أنت الليل الذى هو مدركى وتقول في قول النبى مثل المؤمن مثل الخامة من الزرع

المؤمن الخامة من الزرع وفي قوله الناس كإبل مائة الناس إبل مائة ويكون تقديره على أنك قدرت مضافا

محذوفا على حد واسئل القرية تجعل األصل فإنكمثل الليل ثم تحذف مثال

____________________

(1/214)

والنكته في الفرق بين هذا الضرب الذي ال بد للمجرور بالكاف ونحوها من وصفه بجملة من الكالم

أو نحوها وبين الضرب األول الذي هو نحو زيد كاألسد أنك إذا حذفت الكاف هناك فقلت زيد األسد فائقصد

أن تبالغ في التشبيه فتجعل المذكور كأنه األسد وتشير إلى مثل ما يحصل لك من المعنى إذا حذفت

ذكر المشبه أصال فقلت رأيت أسدا أو األسد فأما في نحو فإنك كالليل الذي هو مدركي فال يجوز أن تقصد جعل الممدوح الليل ولكنك تنوى أنك أردت أن تقول

فإنك مثل الليل ثم حذفت المضاف من اللفظ وأبقيت المعنى على حاله إذا لم تحذف وأما هناك

فإنه وإن كان يقال أيضا إن األصل زيد مثل األسد ثم تحذف فليس الحذف فيه على هذا الحد بل على أنه جعل كان لم يكن لقصد المبالغة أال تراهم يقولون

جعله األسد وبعيد أن تقول جعله الليل ألن القصد لم يقع إلى وصف في الليل كالظلمة ونحوها وإنما قصد

الحكم الذي له من تعميمه اآلفاق وامتناع أن يصيراإلنسان إلى مكان ال يدركه الليل فيه

وإن أردت أن تزداد علما بأن األمر كذلك أعنى أن ههنا ما يصلح فيه التشبيه الظاهر وال تصلح فيه

المبالغة وجعل األول الثاني فاعمد إلى ما تجد االسم الذي افتتح به المثل فيه غير محتمل لضرب من

التشبيه إذا أفرد وقطع عن الكالم بعده كقوله تعالى ) ^ إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء (

اآلية لو قلت إنما الحياة الدنيا ماء أنزلناه من السماء أو الماء ينزل من السماء فتخضر منه األرض لم يكن

للكالم وجه غير أن تقدر حذف مثل نحو إنما الحياةالدنيا مثل ماء ينزل من السماء فيكون كيت

____________________

(1/215)

وكيت إذ ال يتصور بين الحياة الدنيا والماء شبه يصح قصده وقد أفرد كما قد يتخيل في البيت أنه قصد

تشبيه الممدوح بالليل في السخط وهذا موضع في الجملة مشكل وال يمكن القطع فيه بحكم على

التفصيل ولكن ال سبيل إلى جحد أنك تجد االسم في الكثير وقد يوضع موضعا في التشبيه بالكاف لو

حاولت أن تخرجه في ذلك الموضع بعينه إلى حد االستعارة والمبالغة وجعل هذا ذاك لم ينقد لك

كالنكرة التي هي ماء في اآلية وفي اآلى األخر نحو قوله تعالى ) ^ أو كصيب من السماء فيه ظلمات

ورعد وبرق ( ولو قلت هم صيب وال تضمر مثال ألبتة على حد هو أسد لم يجز ألنه ال معنى لجعلهم صيبا

في هذا الموضع وإن كان ال يمتنع أن يقع صيب في موضع آخر ليس من هذا الغرض في شىء استعارة

ومبالغة كقولك فاض صيب منه تريد جوده وهو صيب يفيض تريد يتدفق في الجود فلسنا نقول إن ههنا

اسم جنس واسما صفة ال يصلح لالستعارة في حالمن األحوال

وهذا شعب من القول يحتاج إلى كالم أكثر من هذا ويدخل فيه مسائل ولكن استقصاءه يقطع عن

الغرض فإن قلت فالبد من أصل يرجع إليه في الفرق بين ما يحسن أن يصرف وجهه إلى االستعارة

والمبالغة وماال يحسن ذلك فيه وال يجيبك المعنى

إليه بل يصد بوجهه عنك متى أردته عليه فالجواب أنهال يمكن أن يقال فيه قول قاطع ولكن ههنا

____________________

(1/216)

نكته يجب االعتماد عليها والنظر إليها وهى أن الشبه إذا كان وصفا معروفا في الشيء قد جرى العرف

بأن يشبه من أجله به وتعورف كونه أصال فيه يقاس عليه كالنور والحسن في الشمس أو االشتهار

والظهور وأنها ال تخفي فيها أيضا وكالطيب في المسك والحالوة في العسل والمرارة في الصاب

والشجاعة في األسد والفيض في البحر والغيث والمضاء والقطع والحدة في السيف والنفاذ في

السنان وسرعة المرور في السهم وسرعة الحركة في شعلة النار وما شاكل ذلك من أالوصاف التي

لكل وصف منها جنس هو أصل فيه ومقدم في معانيه فاستعارة االسم للشيء على معنى ذلك

الشبه تجيء سهلة منقادة وتقع مألوفة معتادة وذلك أن هذه األوصاف من هذه األسماء قد تعورف كونها

أصوال فيها وأنها أخص ما توجد فيه بها فكل أحد يعلم أن أخص المنيرات بالنور الشمس فإذا أطلقت

ودلت الحال على التشبيه لم يخف المراد ولو أنك أردت من الشمس االستدارة لم يجز أن تدل عليه

باالستعارة ولكن إن أردتها من الفلك جاز فإن قصدتها من الكرة كان أبين ألن االستدارة من الكرة أشهر وصف فيها ومتى صلحت االستعارة في شيء

فالمبالغة فيه أصلح وطريقها أوضح ولسان الحال بها أفصح أعني أنك إذ قلت يا ابن الكواكب من أئمة هاشم و يا ابن الليوث الغر فأجريت االسم على

المشبه إجراءه على أصله الذي وضع له وأدعيته لهكان قولك هم الكواكب وهم

____________________

(1/217)

الليوث أو هم كواكب وليوث أحرى أن تقوله وأخفمؤنة على السامع في وقوع العلم له به

واعلم أن المعنى في المبالغة وتفسيرنا لها بقولنا جعل هذا وذاك وجعله األسد وادعى أنه األسد حقيقة

أن المشبه الشيء بالشيء من شأنه أن ينظر إلى الوصف الذي به يجمع بين الشيئين وينفي عن نفسه الفكر فيما سواه جملة فإذا شبه باألسد ألقى صورة

الشجاعة بين عينيه وألقى ما عداها فلم ينظر إليه فإن هو قال زيد كاألسد كان قد أثبت له حظا ظاهرا

في الشجاعة ولم يخرج عن االقتصاد وإذ قال هو األسد تناهى في الدعوى إما قريبا من المحق لفرط بسالة الرجل وإما متجوزا في القول فجعله بحيث ال

تنقص شجاعته عن شجاعة األسد وال يعدم منها شيئا وإذا كان بحكم التشبيه وبأنه مقصوده من ذكر األسد

في حكم من يعتقد أن االسم لم يوضع على ذلك السبع إال للشجاعة التي فيه وان ماعداها من صورته

وسائر صفاته عيال عليها وتبع لها في استحقاقه هذا االسم ثم أثبت لهذا الذي يشبهه به تلك الشجاعة

بعينها حتى ال اختالف وال تفاوت فقد جعل األسد له ال محالة ألن قولنا هو هو على معنيين أحدهما أن

يكون للشيء اسمان يعرفه المخاطب بأحدهما دون اآلخر فإذا ذكر باسمه اآلخر توهم أن معك شيئين فإذا قلت زيد هو أبو عبد الله عرفت أن هذا الذى

تذكر اآلن هو الذى عرفه بأبى عبد الله والثاني أن يراد تحقيق التشابه بين الشيئين وتكميله لهما ونفي

االختالف والتفاوت عنهما فيقال وهو أي ال يمكنالفرق بينهما ألن الفرق يقع إذا اختص

____________________

(1/218)

أحدهما بصفة ال تكون في اآلخر وهذا المعنى الثاني فرع على األول وذلك أن المتشابهين التشابه التام لما كان يحسب أحدهما اآلخر ويتوهم الرائي لهما

في حالين أنه رأى شيئا واحدا صاروا إذا حققوا التشبيه بين الشيئين يقولون وهو والمشبه إذا وقف وهمه كما عرفتك على الشجاعة دون سائر األمور ثم لم يثبت بين شجاعة صاحبه وشجاعة األسد فرقا فقد

صار إلى معنى قولنا وهو بال شبهه وإذا تقررت هذه الجملة فقولنا فإنك كالليل الذي هو

مدركي إن حاولت فيه طريقة المبالغة فقلت فإنك الليل الذي هو مدركي لزمك ال محالة أن تعمد إلى

صفة من أجلها تجعله الليل كالشجاعة التي من أجلها جعلت الرجل األسد فإن قلت تلك الصفة الظلمة وأنه

قصد شدة سخطه وراعى حال المسخوط عليه وتوهم أن الدنيا تظلم في عينيه حسب الحال في

المستوحش الشديد الوحشه كما قال أعيدوا صباحي فهو عند الكواعب قيل لك هذا التقدير إن استجزناه وعملنا عليه فإنا نحتمله والكالم على ظاهره وحرف التشبيه مذكور داخل على الليل كما تراه في البيت

فأما وأنت تريد المبالغة فال يجىء لك ذلك ألن الصفات المذكورة ال يواجه بها الممدوحون وال

تستعار األسماء الدالة عليها لهم إال بعد أن تتدارك وتقرن إليها أضدادها من األوصاف المحبوبة كقوله

أنت الصاب والعسل وال تقول وأنت مادح أنت الصاب وتسكت وحتى أن الحاذق ال يرضى بهذا االحتراز

وحده حتى يزيد ويحتال في دفع ما يغشى النفس من الكراهة بإطالق الصفة التي ليست من الصفات

المحبوبة فيصل بالكالم ما يخرج به إلى نوع منالمدح كقول المتنبي____________________

(1/219)

حسن في وجوه أعدائه أقبح من ضيفه رأته السوام بدأ فجعله حسنا على اإلطالق ثم أراد أن يجعله قبيحا

في عيون أعدائه على العادة في مدح الرجل بأن عدوه يكرهه فلم يقنعه ما سبق من تمهيده وتقدم من احترازه في تالفي ما يجنيه إطالق صفة القبح

حتى وصل به هذه الزيادة من المدح وهي كراهة سوامه لرؤية أضيافه وحتى حصل ذكر القبح مغمورا بين حسنين فصار كما يقول المنجمون يقع النحس

مضغوطا بين سعدين فيبطل فعله وينمحق أثره وقد عرفت ما جناه التهاون بهذا النحو من االحتراز على أبي تمام حتى صار ما ينعى عليه منه أبلغ شيء في بسط لسان القادح فيه والمنكر لفضله وأخصر حجة

للمتعصب عليه وذلك أنه لم يبال في كثير من مخاطبات الممدوح بتحسين ظاهر اللفظ واقتصر على صميم التشبيه وأطلق اسم الجنس الخسيس

كإطالق الشريف النبيه كقوله ) وإذا ما أردت كنت رشاء ** وإذا ما أردت كنت

قليبا ( فصك وجه الممدوح كما ترى بأنه رشاء وقليب ولم

يحتشم أن قال ) ما زال يهذي بالمكارم والعلى ** حتى ظننا أنه

محموم ( فجعله يهذي وجعل عليه الحمى وظن أنه إذا حصل له

المبالغة في إثبات المكارم له وجعلها مستبدة بأفكاره وخواطره حتى ال يصدر عنه غيرها فال ضير

أن يتلقاه بمثل هذا الخطاب الجافي والمدحالمتنافي فكذلك

____________________

(1/220)

أنت هذه قصتك وهذه قضيتك في اقتراحك علينا أن نسلك بالليل في البيت طريق المبالغة على تأويل

السخط فإن قلت افترى أن تأبى هذا التقدير في البيت أيضا حتى يقصر التشبيه على ما تفيده الجملة الجارية في

صلة الذي قلت فإن ذلك الوجه فيما أظنه فقد جاء في الخبر عن النبي ليدخلن هذا الدين ما دخل عليه الليل فكما تجرد المعنى ههنا للحكم الذي هو الليل

من الوصول إلى كل مكان ولم يكن العتبار ما اعتبروه من شبه ظلمته وجه كذلك يجوز أن يتجرد في البيت له ويكون ما ادعوه من اإلشارة بظلمة

الليل إلى إدراكه له ساخطا ضربا من التعمق والتطلب لما لعل الشاعر لم يقصده وأحسن ما يمكن

أن ينتصر به لهذا التقدير أن يقال إن النهار بمنزلة الليل في وصوله إلى كل مكان فما من موضع من

األرض إال ويدركه كل واحد منهما فكما أن الكائن في النهار ال يمكنه أن يصير إلى مكان ال يكون به ليل كذلك الكائن في الليل ال يجد موضعا ال يلحقه فيه نهار فاختصاصه الليل دليل على أنه قد روى في

نفسه فلما علم أن حالة إدراكه وقد هرب منه حالة سخط رأى التمثيل بالليل أولى ويمكن أن يزاد في

نصرته بقوله ) نعمة كالشمس لما طلعت ** بثت اإلشراق في كل

بلد ( وذاك أنه قصد ههنا نفس ما قصده النابغة في تعميم

األقطار والوصول إلى كل مكان إال أن النعمة لما كانت تسر وتؤنس أخذ المثل لها من الشمس ولو أنه

ضرب المثل لوصول النعمة إلى أقاصي البالد وانتشارها في العباد بالليل ووصوله إلى كل بلد

وبلوغه كل أحد لكان قد أخطأ خطأ____________________

(1/221)

فاحشا إال أن هذا وإن كان يجىء مستويا في الموازنة ففرق بين ما تكره من الشبه وما تحب ألن

الصفة المحبوبة إذا اتصلت بالغرض من التشبيه نالت من العناية بها والمحافظة عليها قريبا مما يناله الغرض نفسه وأما ما ليس بمحبوب فيحسن أن

تعرض عنها صفحا وتدع الفكر فيها وأما تركه أن يمثل بالنهار وإن كان بمنزلة الليل فيما

أراده فيمكن أن يجاب عنه بأن هذا الخطاب من النابغة كان بالنهار ال محالة وإذا كان يكلمه وهو في

النهار بعد أن يضرب المثل بإدراك النهار له وكان الظاهر أن يمثل بإدراك الليل الذي إقباله منتظر

وطريانه على النهار متوقع فكأنه قال وهو في صدر النهار أو آخره لو سرت عنك لم أجد مكانا يقيني

الطلب منك ولكان إدراكك لي وإن بعدت واجبا كإدراك هذا الليل المقبل في عقب نهاري هذا إياي

ووصوله إلى أي موضع بلغت من األرض وههنا شىء آخر وهو أن تشبيه النعمة في البيت بالشمس وإن كان من حيث الغرض الخاص وهو الداللة على العموم فكان الشبه اآلخر من كونها

مؤنسة للقلوب وملبسة العالم البهجة والبهاء كما تفعل الشمس حاصال على سبيل العرض وبضرب من التطفل فإن تجريد التشبيه لهذا الوجه الذي هو اآلن

تابع وجعله أصال ومقصودا على االنفراد مألوف

معروف كقولنا نعمتك شمس طالعة وليس كذلك الحكم في الليل ألن تجريده لوصف الممدوح بالسخط مستكره حتى لو قلت أنت في حال السخط ليل وفي الرضى نهار فطفقت هكذا تجعله بسخطه لم يحسن

وإنما الواجب أن يقول النهار ليل على من يغضب عليه والليل نهار لمن يرضى عنه وزمان عدوك ليل

كله وأوقات وليك نهار كلها كما قال____________________

(1/222)

) أيامنا مصقولة أطرافها ** بك والليالي كلهاأسحار (

وقد يقول الرجل لمحبوبه أنت ليلي ونهاري أي بك تضئ الدنيا وتظلم فإذا رضيت فدهري نهار وإذا غضبت فليل كما تقول أنت دائي ودوائي وبرئي

وسقامي وال تكاد تجد أحدا يقول أنت ليل على معنى أن سخطك تظلم به الدنيا ألن هذه العبارة بالذم

وبالوصف بالظلمة وسواد الجلد وتجهم الوجه أخص وبأن يراد بها أخلق وهذا المعنى منها إلى القلب

فصلأسبق فاعرفه أعلم أنك تجد االسم وقد وقع من نظم الكالم الموقع الذي يقتضي كونه مستعارا ثم ال يكون مستعارا وذاك

ألن التشبيه المقصود منوط به مع غيره وليس له شبه ينفرد به على ما قدمت لك من أن الشبه يجىء

منتزعا من مجموع جملة من الكالم فمن ذلك قولداود بن علي حين خطب فقال

شكرا شكرا إنا والله ما خرجنا لنحفر فيكم نهرا وال لنبني فيكم قصرا أظن عدو الله أن لن نظفر به

أرخى له في زمامه حتى عثر في فضل خطامه فاآلن عاد األمر في نصابه وطلعت الشمس من مطلعها

واآلن قد أخذ القوس باريها وعاد النبل إلى النزعة ورجع األمر إلى مستقره في أهل بيت الرأفة

والرحمة____________________

(1/223)

فقوله اآلن أخذ القوس باريها وإن كان القوس يقع كناية عن الخالفة والباري عن المستحق لها فإنه ال يجوز أن يقال إن القوس مستعار للخالفة على حد

استعارة النور والشمس ألجل أنه ال يتصور أن يخرج للخالفة شبه من القوس على االنفراد وأن يقال هي قوس كما يقال هي نور وشمس وإنما الشبه مؤلف

بحال الخالفة مع القائم بها ومن حال القوس مع الذي براها وهو أن الباري للقوس أعرف بخيرها

وشرها وأهدى إلى توتيرها وتصريفها إذ كان العامل لها فكذلك الكائن على األوصاف المعتبرة في اإلمامة

والجامع لها يكون أهدى إلى توفية الخالفة وأعرف بما بحفظ مصارفها عن الخلل وأن يراعى في

سياسة الخلق باألمر والنهي التي هي المقصود منها ترتيبا ووزنا تقع به األفعال مواقعها من الصواب كما

أن العارف بالقوس يراعي في تسوية جوانبها وإقامة وترها وكيفية نزعتها ووضع السهم الموضع

الخاص منها ما يوجب في سهامه أن تصيب األغراض وتقرطس في األهداف وتقع في المقاتل وتصيب

شاكلة الرمى وهكذا قول القائل وقد سمع كالما حسنا من رجل دميم عسل طيب في ظرف سوء ليس عسل ههنا

على حده في قولك ألفاظه عسل ألجل أنه لم يقصدإلى بيان حال اللفظ الحسن وتشبيهه بالعسل في

____________________

(1/224)

هذا الكالم الحسن من المتكلم المشنوء في منظره وإنما قصد إلى قياس اجتماع فضل المخبر مع نقص المنظر بالشبه المؤلف من العسل والظرف أال ترى أن الذي يقابل الرجل هو ظرف سوء وظرف سوء ال

يصلح تشبيه الرجل به على االنفراد ألن الدمامة ال تعطيه صفة الظرف من حيث هي دمامة ما لم يتقدم شئ يشبه ما في الظرف من الكالم الحسن أو الخلق الجميل أو سائر المعاني التي تجعل األشخاص أوعية

لها

فمن حقك أن تحافظ على هذا األصل وهو أن الشبه إذا كان موجودا في الشيء على األنفراد من غير أن

تكون نتيجة بينه وبين شئ آخر فاالسم مستعار لما أخذ الشبه منه كالنور للعلم والظلمة للجهل

والشمس للوجه الجميل أو الرجل النبيه الجليل وإذا لم تكن نسبة الشبه إلى الشيء على االنفراد وكان

مركبا من حاله مع غيره فليس االسم بمستعار ولكنمجموع الكالم مثل

وأعلم أن هذه األمور التي قصدت البحث عنها أمور كأنها معروفة مجهولة وذلك أنها معروفة على الجملة

ال ينكر بيانها في نفوس العارفين ذوق الكالم والمتمهرين في فصل جيده من رديئه ومجهوله من

حيث لم تتفق فيها أوضاع تجرى مجرى القوانين التي يرجع إليها فتستخرج منها العلل في حسن ما استحسن وقبح ما استهجن حتى تعلم علم اليقين

غير الموهوم ويضبط ضبط المزموم المخطوم ولعلالمالل إن عرض

____________________

(1/225)

لك أو النشاط إن فتر عنك قلت ما الحاجة إلى كل هذه اإلطالة وإنما يكفي أن يقال االستعارة مثل كذا

ثم تعقد كلمات وتنشد أبيات وهكذا يكفينا المؤنة في التشبيه والتمثيل يسير من القول فإنك تعلم أن قائال

لو قال الخبر مثل قولنا زيد منطلق ورضي به وقنع ولم تطالبه نفسه بأن يعرف حدا للخبر إذا عرفه تميز

في نفسه من سائر الكالم حتى يمكنه أن يعلم أن ههنا كالما لفظه لفظ الخبر وليس هو بخبر ولكنه دعاء كقولنا رحمة الله عليه وغفر الله له ولم يجد

في نفسه طلبا ألن يعرف أن الخبر هل ينقسم أو ال ينقسم وأن أول أمره في القسمة أنه ينقسم إلى

جملة من الفعل والفاعل وجملة من مبتدأ وخبر وأن ما عدا هذا من الكالم ال يأتلف بفم ولم يحب أن يعلم أن هذه الجملة يدخل عليها حروف بعضها يؤكد كونها خبرا وبعضها يحدث فيها معاني تخرج بها عن الخبرية

واحتمال الصدق والكذب وهكذا يقول إذا قيل له االسم مثل زيد وعمرو اكتفيت وال أحتاج إلى وصف

أو حد يميزه من الفعل والحرف أو حد لهما إذا عرفتهما عرفت أن ما خالفهما هو االسم على

طريقة الكتاب ويقول ال احتاج إلى أن أعرف أن االسم ينقسم فيكون متمكنا أو غير متمكن والمتمكن

يكون منصرفا وغير منصرف وال إلى أن أعلم شرح غير المنصرف واألسباب التسعة التي يقف هذا

الحكم على اجتماع سببين منها أو تكرر سبب في االسم وال أنه ينقسم إلى المعرفة والنكرة وأن النكرة ما عم شيئين فأكثر وما أريد به واحد من

الجنس ال بعينه والمعرفة ما أريد____________________

(1/226)

به واحد بعينه أو جنس بعينه على اإلطالق وال إلى أن أعلم شيئا من االنقسامات التي تجئ في االسم كان

قد أساء االختيار وأسرف في دعوى االستغناء عماهو محتاج إليه إن أراد هذا النوع من العلم

ولئن كان الذي يتكلف شرحه ال يزيد على مؤدي ثالثة أسماء وهي التمثيل والتشبيه واالستعارة فإن ذلك

يستدعي جمال من القول يصعب استقصاؤها وشعبا من الكالم ال تستبين ألول النظر أنحاؤها إذ قلنا

شىء يحتوي على ثالثة أحرف ولكنك إذا مددت يدا إلى القسمة وأخذت في بيان ما تحويه هذه اللفظة

احتجت إلى أن تقرأ أوراقا ال تحصى وتتجشم من المشقة والنظر والتفكير ما ليس بالقليل النزر

والجزء الذي ال يتجزأ يفوت العين ويدق عن البصر والكالم عليه يمأل أجالدا عظيمة الحجم فهذا مثلك إن

أنكرت ما عنيت به من هذا التتبع ورأيته من البحث وآثرته من تجشم الفكرة وسومها أن تدخل في جوانب هذه المسائل وزواياها وتستثير كوامنها

وخفاياها فإن كنت ممن رضي لنفسه أن يكون هذا مثله وههنا محله فعب كيف شئت وقل ما هويت وثق

بأن الزمان عونك على ما ابتغيت وشاهدك فيما ادعيت وأنك واجد من يصوب رأيك ويحسن مذهبك

ويخاصم عنك ويعادي المخالف لك____________________

(1/227)

في األخذ والسرقة وما في ذلك من التعليلفصلوضروب الحقيقة والتخييل القسم العقلي

اعلم أن الحكم على الشاعر بأنه أخذ من غيره وسرق واقتدى بمن تقدم وسبق ال يخلو من أن يكون في

المعنى صريحا أو في صيغة تتعلق بالعبارة ويجب أن نتكلم أوال على المعاني وهي تنقسم أوال قسمين عقلي وتخيبلي وكل واحد منهما يتنوع فالذي هو العقلي على أنواع أولها عقلي صحيح مجراه في

الشعر والكتابة والبيان والخطابة مجرى األدلة التي تستنبطها العقالء والفوائد التي تثيرها الحكماء

ولذلك تجد األكثر من هذا الجنس منتزعا من أحاديث النبي وكالم الصحابة رضي الله عنهم ومنقوال من

آثار السلف الذين شأنهم الصدق وقصدهم الحق أو ترى له أصال في األمثال القديمة والحكم المأثورة

عن القدماء فقوله ) وما الحسب الموروث ال دردره ** بمحتسب إال بآخر

مكتسب ( ونظائره كقوله

) إني وإن كنت إبن سيد عامر ** وفي السر منهاوالصريح المهذب (

) فما سودتني عامر عن وراثة ** أبى الله أن أسموبأم وال أب (

) معنى صريح محض يشهد له العقل بالصحة ويعطيهمن نفسه (

____________________

(1/228)

أكرم النسبة وتتفق العقالء على األخذ به والحكم بموجبه في كل جيل وأمة ويوجد له أصل في كل

لسان ولغة وأعلى مناسبة وأنورها وأجلها وأفخرها قول الله تعالى ) ^ إن أكرمكم عند الله أتقاكم ( وقول النبي من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه

وقوله عليه السالم يا بني هاشم ال تجيئني الناس باألعمال وتجيئوني باألنساب وذلك أنه لو كانت

القضية على ظاهر يغتر به الجاهل ويعتمده المنقوص ألدى ذلك إلى إبطال النسب أيضا وإحالة التكثر به

والرجوع إلى شرفه فإن األول لو عدم الفضائل المكتسبة والمساعي الشريفة ولم يبن من أهل

زمانه بأفعال تؤثر ومناقب تدون وتسطر لما كان أوال ولكان العلم من أمره مجهال ولما تصور افتخار الثاني

باالنتماء إليه وتعويله في المفاضلة عليه ولكان ال يتصور فرق بين أن يقول هذا أبي ومنه نسبي وبين

أن ينسب إلى الطين الذي هو أصل الخلق أجمعين ولذلك قال كلكم آلدم وآدم من التراب وقال محمد

ابن الربيع الموصلي ) الناس في صورة التشبيه أكفاء ** أبوهم آدم واألم

حواء ( ) فإن لم يكن لهم في أصلهم شرف ** يفاخرون به

فالطين والماء ( ) ما الفضل إال ألهل العلم إنهم ** على الهدى لمن

استهدى أدالء ( ) ووزن كل امرىء ما كان يحسنه ** والجاهلون ألهل

العلم أعداء ( فهذا كما ترى باب من المعاني التي تجمع فيها

النظائر وتذكر األبيات____________________

(1/229)

الدالة عليها فإنها تتالقى وتتناظر وتتشابه وتتشاكل ومكانه من العقل ما ظهر لك واستبان ووضح

واستنار وكذلك قوله ) وكل امرىء يولي الجميل محبب ** (

صريح معنى ليس للشعر في جوهره وذاته نصيب وإنما له ما يلبسه من اللفظ ويكسوه من العبارة

وكيفية التأدية من االختصار وخالفه والكشف أو ضده وأصله قول النبي جبلت القلوب على حب من أحسن

إليها بل قول الله عز وجل ) ^ إدفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم (

وكذا قوله ) ال يسلم الشرف الرفيع من األذى ** حتى يراق على جوانبه الدم ( معنى معقول لم يزل العقالء

يقضون بصحته ويرى العارفون بالسياسة األخذ بسنته وبه جاءت أوامر الله سبحانه وعليه جرت

األحكام الشرعية والسنن النبوية وبه استقام ألهل الدين دينهم وانتفى عنهم أذى من يفتنهم ويضرهم

إذ كان موضوع الجبلة على أن ال تخلو الدنيا من الطغاة الماردين والغواة المعاندين الذين ال يعون

الحكمة فتردعهم وال يتصورون الرشد فيكفهم النصح ويمنعهم وال يحسون بنقائص الغي والضالل وما في الجور والظلم من الضعة والخبال فيجدوا لذلك مس

ألم يحبسهم على األمر ويقف بهم عند الزجر بل كانوا كالبهائم والسباع ال يوجعهم إال ما يخرق

األبشار من حد الحديد وسطو البأس الشديد فلو لمتطبع

____________________

(1/230)

ألمثالهم السيوف ولم تطلق فيهم الحتوف لما استقام دين وال دنيا وال نال أهل الشرف ما نالوه من الرتبة العليا فال يطيب الشرب من منهل لم تنف عنه

األقذاء وال تقر الروح في بدن لم تدفع عنه األدواءوكذلك قوله

) إذا أنت أكرمت الكريم ملكته ** وإن أنت أكرمتاللئيم تمردا (

) ووضع الندى في موضع السيف بالعلي ** مضر القسم التخييليكوضع السيف في موضع الندى (

واما القسم التخييلي فهو الذي ال يمكن أن يقال إنه صدق وإن ما أثبته ثابت وما نفاه منفى وهو مفتن المذاهب كثير المسالك ال يكاد يحصر إال تقريبا وال

يحاط به تقسيما وتبويبا ثم أنه يجيء طبقات ويأتي على درجات فمنه ما يجيء مصنوعا قد تلطف فيه

واستعين عليه بالرفق والحذق حتى أعطى شبها من الحق وغشى رونقا من الصدق باحتجاج يخيل وقياس

يصنع فيه ويعمل ومثاله قول أبي تمام ) ال تنكري عطل الكريم من الغنى ** فالسيل حرب

للمكان العالي ( فهذا قد خيل إلى السامع أن الكريم إذا كان موصوفا بالعلو والرفعة في قدره وكان

الغني كالغيث في حاجة الخلق إليه وعظم نفعه وجب

بالقياس أن ينزل عن الكريم نزول ذلك السيل عن الطود العظيم ومعلوم أنه قياس تخييل وإيهام ال تحصيل وإحكام فالعلة أن السيل ال يستقر على

األمكنة العالية أن الماء سيال ال يثبت إال إذا حصل في موضع له جوانب تدفعه عن اإلنصباب وتمنعنه عن االنسياب وليس في الكريم والمال شيء من

هذه الخالل____________________

(1/231)

واقوى من هذا في أن يظن حقا وصدقا وهو علىالتخيل قوله

) الشيب كره وكره أن يفارقني ** أعجب بشيء على البغضاء مودود ( هو من حيث الظاهر صدق وحقيقة

ألن اإلنسان ال يعجبه أن يدركه الشيب فإذا هو أدركه كره أن يفارقه فتراه لذلك ينكره ويكرهه على أن إرادته أن يدوم له إال أنك إذا رجعت إلى التحقيق

كانت الكراهة والبغضاء الحقة للشيب على الحقيقة فأما كونه مرادا ومودودا فمتخيل فيه وليس بالحق والصدق بل المودود الحياة والبقاء إال أنه لما كانت

العادة جارية بأن في زوال رؤية اإلنسان للشيب زواله عن الدنيا وخروجه منها وكان العيش فيها

محببا إلى النفوس صارت محبته لما ال يبقى له حتىيبقى الشيب كأنها محبة للشيب

ومن ذلك صنيعهم إذا أرادوا تفضيل شيء أو نقصه أو مدحه أو ذمه فتعلقوا ببعض ما يشاركه في

أوصاف ليست هي سبب الفضيلة والنقيصة وظواهر أمور ال تصحح ما قصدوه من التهجين والتزيين على

الحقيقة كما تراه في باب الشيب والشباب كقولالبحتري

) وبياض البازي أصدق حسنا ** أن تأملت من سواد الغراب ( وليس إذا كان البياض في البازي آنق في العين واخلق بالحسن من السواد في الغراب وجب لذلك كله ان ال يذم الشيب وال تنفر منه طباع ذوي

األلباب ألنه ليس الذنب كله لتحول الصبغ وتبدل اللون وال أتت الغواي ما أتت من الصد واإلعراض

لمجرد البياض فإنهن يرينه في قباطي____________________

(1/232)

مصر فيأنسن وفي أنوار الروض وأوراق النرجس الغض فال يعبسن فما أنكرن ابيضاض شعر الفتى لنفس اللون وذاته بل لذهاب بهجاته وادباره في

حياته وإنك لترى الصفرة الخالصة في أوراق األشجار المتناثرة عند الخريف وإقبال الشتاء وهبوب الشمال فتكرهها وتنفر منها وتراها بعينها في إقبال الربيع في الزهر المتفتق وفيما ينشئه ويشيه من الديباج

المونق فتجد نفسك على خالف تلك القضية وتمتلىء من األريحية ذاك ألنك رأيت اللون حيث النماء

والزيادة والحياة المستفادة وحيث أبشرت أرواح الرياحين وبشرت أنواع التحاسين ورأيته في الوقت

اآلخر حين ولت السعود وأقشر العود وذهبت البشاشة والبشر وجاء العبوس والعسر هذا ولو عدم البازي فضيلة انه جارح وأنه من عتيق الطير لم تجد

لبياضه الحسن الذي تراه ولم يكن للمحتج به على____________________

(1/233)

من ينكر الشبب ويذمه ما تراه من اإلستظهار كما أنه لوال ما يهدي إليك المسك من رياه التي تتطلع إليها

األرواح وتهش لها النفوس وترتاح لضعفت حجة المتعلق به في تفضيل الشباب وكما لم تكن العلة

في كراهة الشيب بياضه ولم يكن هو الذي غض عنه األبصار ومنحه العيب واإلنكار كذلك لم يحسن سواد الشعر في العيون لكونه سوادا فقط بل ألنك رأيت

رونق الشباب ونضارته وبهجته وطالوته ورأيت بريقه وبصيصه يعدانك اإلقبال ويريانك االقتبال ويحضرانك

الثقة بالبقاء ويبعدان عنك الخوف من الفناء وإنك لترى الرجل وقد طعن في السن وشعره لم يبيض

ولكنه على ذاك قد عدم إبهاجه الذي كان وعاد ال يزين كما زان وظهر فيه من الكمود والجمود ما

يريكه غير محمود وهكذا قوله

) والصارم المصقول أحسن حالة ** يوم الوغى من صارم لم يصقل ( احتجاج على فضيلة الشيب وأنه

أحسن منظرا من جهة التعلق باللون وإشارة إلى أن السواد كالصدأ على صفحة السيف فكما أن السيف

إذا صقل وجلي وأزيل عنه الصدأ ونقى كان أبهى واحسن وأعجب إلى الرائى وفي عينه أزين كذلك

يجب أن يكون حكم الشعر في إنجالء صدأ السواد عنه وظهور بياض الصقال فيه وقد ترك أن يفكر فيما

عدا ذلك من المعاني التي يكره لها الشيب ويناط بهاالعيب

____________________

(1/234)

وعلى هذا موضوع الشعر والخطابة أن يجعلوا اجتماع الشيئين في وصف علة الحكم يريدونه وإن لم يكن في المعقول ومقتضيات العقول وال يؤخذ الشاعر بان يصحح كون ما جعله أصال وعلة كما ادعاه فيما يبرم أو ينقض من قضية وأن يأتي على ما صيره

قاعدة وأساسا ببينة عقلية بل تسلم مقدمته التي اعتمدها بينة كتسليمنا أن عائب الشيب لم ينكر منه

إال لونه وتناسينا سائر المعاني التي لها كره ومناجلها عيب وكذلك قول البحتري

) كلفتمونا حدود منطقكم ** في الشعر يكفي عنصدقة كذبه (

أراد كلفتمونا أن نجرى مقاييس الشعر على حدود المنطق ونأخذ نفوسنا فيه بالقول المحقق حتى ال ندعى إال ما يقوم عليه من العقل برهان يقطع به

ويلجىء إلى موجبه مع أن الشعر يكفى فيه التخييل والذهاب بالنفس إلى ما ترتاح إليه من التعليل وال

شك انه إلى هذا النحو قصد وإياه عمد إذ يبعد أن يريد بالكذب إعطاء الممدوح حظا من الفضل والسؤدد ليس له ويبلغه بالصفة حظا من التعظيم يجاوز به

من اإلكثار محله ألن هذا الكذب ال يبين بالحجج المنطقية والقوانين العقلية وإنما يكذب فيه القائل

بالرجوع____________________

(1/235)

إلى حال المذكور واختباره فيما وصف به والكشف عن قدره وخسته ورفعته أوضعته ومعرفة محله

ومرتبته وكذلك قول من قال خير الشعر اكذبه فهذا مراده

ألن الشعر ال يكتسب من حيث هو شعر فضال ونقصا وانحطاطا وارتفاعا بان ينحل الوضيع من الرفعة ما هو منه عار أو يصف الشريف بنقص وعار فكم جواد

بخله الشعر وبخيل سخاه وشجاع وسمه بالجبن وجبان ساوى به الليث وذي ضعة أوطأه قمة العيوق

وغبى قضى له بالفهم وطائش ادعى له طبيعة الحكم ثم لم يعتبر ذلك في الشعر نفسه حيث تنتقد

دنانيره وتنشر ديابيجه ويفتق مسكة فيضوع أريجه وأما من قال في معارضة هذا القول خير الشعر

أصدقه كما قال ) وإن أحسن بيت أنت قائله ** بيت يقال إذا أنشدته

صدقا ( فقد يجوز أن يراد به أن خير الشعر ما دل على حكمة يقبلها العقل وادب يجب به الفضل

وموعظة تروض جماح الهوى وتبعث على التقوى وتبين موضع القبح والحسن في األفعال وتفصل بين

المحمود والمذموم من الخصال وقد ينحى بها نحو الصدق في مدح الرجال كما قيل كان زهير ال يمدح

الرجل إال بما فيه واألول أولى ألنهما قوالن يتعارضان في اختيار

نوعى الشعر فمن قال خيره اصدقه كان ترك اإلغراق والمبالغة والتجوز إلى التحقيق والتصحيح واعتماد ما يجرى من العقل على أصل صحيح أحب

إليه وآثر عنده إذ كان ثمره أحلى وأثره أبقى وفائدته أظهر وحاصله أكثر ومن قال اكذبه ذهب إلى أن

الصنعة إنما يمد باعها وينشر____________________

(1/236)

شعاعها ويتسع ميدانها وتتفرع أفنانها حيث يعتمد االتساع والتخييل ويدعى الحقيقة فيما أصله

التقريب والتمثيل وحيث يقصد التلطف والتأويل ويذهب بالقول مذهب المبالغة واإلغراق في المدح

والذم والوصف والبث والفخر والمباهاة وسائر المقاصد واألغراض وهناك يجد الشاعر سبيال إلى أن يبدع ويزيد ويبدىء في اختراع الصور ويعيد ويصادف مضطربا كيف شاء واسعا ومددا من المعاني متتابعا

ويكون كالمغترف من غدير ال ينقطع والمستخرج منمعدن ال ينتهي

واما القبيل األول فهو فيه كالمقصور المدانى قيده والذي ال تتسع كيف شاء يده وأيده ثم هو في األكثر يورد على السامعين معاني معروفة وصورا مشهورة

ويتصرف في أصول هي وإن كانت شريفة فإنها كالجواهر تحفظ اعداداها وال يرجى ازديادها

وكاألعيان الجامدة التي ال تنمى وال تزيد وال تربح وال تفيد وكالحسناء العقيم والشجرة الرائعة ال تمتع

بجني كريم هذا ونحوه يمكن أن يتعلق به في نصرة التخييل وتفضيله والعقل بعد على تفضيل القبيل األول وتقديمه وتفخيم قدره وتعظيمه وما كان العقل

ناصره والتحقيق شاهده فهو العزيز جانبه والمنيع مناكبه وقد قيل الباطل مخصوم وإن قضى له والحق

مفلج وإن قضى عليه هذا ومن سلم أن المعانيالمعرقة في الصدق المستخرجة من معدن

____________________

(1/237)

في حكم الجامد الذي ال ينمى والمحصور الذي ال يزيد وإن أردت ان تعرف بطالن هذه الدعوى فانظر إلى

قول أبى فراس ) وكنا كالسهام إذا أصابت ** مراميها فراميها اصابا (

الست تراه عقليا عريقا في نسبه معترفا بقوة سببه

وهو على ذلك من فوائد أبى فراس التي هو أبوعذرها والسابق إلى إثارة سرها

واعلم أن االستعارة ال تدخل في قبيل التخييل ألن المستعير ال يقصد إلى إثبات معنى اللفظة

المستعارة وإنما يعمد إلى إثبات شبه هناك فال يكون مخبره على خالف خبره وكيف يعرض الشك في أن ال

مدخل لالستعارة في هذا الفن وهى كثيرة في التنزيل على ما ال يخفى كقوله عز وجل واشتعل الرأس شيبا ثم ال شبهة في أن ليس المعنى على

إثبات االشتعال ظاهرا وإنما المراد إثبات شبهه وكذلك قول النبي المؤمن مرآة المؤمن ليس على

إثبات المرآة من حيث الجسم الصقيل لكن من حيث الشبه المعقول وهو كونها سببا للعلم بما لوالها لم يعلم ألن ذلك العلم طريقة الرؤية وال سبيل إلى أن يرى اإلنسان وجهه إال بالمرآة وما جرى مجراها من

األجسام الصقيلة فقد جمع بين المؤمن والمرآة في صفة معقولة وهي أن المؤمن ينصح أخاه ويريه

الحسن من القبيح كما ترى المرآة الناظر فيها ما يكون بوجهه من الحسن وخالفه وكذا قوله إياكم

وخضراء الدمن معلوم أن ليس القصد____________________

(1/238)

إثبات معنى ظاهر اللفظين ولكن الشبه الحاصل منمجموعهما وذلك حسن الظاهر مع خبث األصل وإذا كان هذا كذلك بان منه أيضا أن لك مع لزوم

الصدق والثبوت على محض الحق الميدان الفسيح والمجال الواسع وان ليس األمر على ما ظنه ناصر اإلغراق والتخييل الخارج على أن يكون الخبر على

خالف المخبر من انه إنما يتسع المقال ويفتن وتكثر موارد الصنعة ويغزر ينبوعها وتكثر اغصانها وتتشعب فروعها إذا بسط من عنان الدعوى فادعى ما ال يصح

دعواه وأثبت ما ينفيه العقل ويأباه وجملة الحديث الذي اريده بالتخييل ههنا ما يثبت فيه

الشاعر امرا هو غير ثابت أصال ويدعى دعوى ال طريق إلى تحصيلها ويقول قوال يخدع فيه نفسه

ويريها ما ال ترى أما االستعارة فإن سبيلها سبيل الكالم المحذوف في انك إذا رجعت إلى أصله وجدت قائله وهو يثبت أمرا عقليا صحيحا ويدعى دعوى لها شبح في العقل وستمر بك ضروب من التخييل هي أظهر أمرا في البعد عن الحقيقة تكشف وجهه في أنه خداع للعقل وضرب من التزويق فتزداد استبانه

الغرض بهذا الفصل وأزيدك حينئذ إن شاء الله كالما في الفرق بين ما يدخل في حيز قولهم خير الشعر

اكذبه وبين ما ال يدخل فيه مما يشاركه في أنه اتساعوتجوز فاعرفه

وكيف دار المر فإنهم لم يقولوا خير الشعر أكذبه وهم يريدون كالما غفال ساذجا يكذب فيه صاحبهويفرط نحو أن يصف الحارس بأوصاف الخليفة

____________________

(1/239)

ويقول للبائس المسكين إنك أمير العراقين ولكن ما فيه صنعة يتعمل لها وتدقيق في المعاني يحتاج معه

إلى فطنة لطيفة وفهم ثاقب وغوص شديد واللهالموفق للصواب

واعود إلى ما كنت فيه من الفصل بين المعنىالحقيقي وغير الحقيقي

واعلم أن ما شانه التخييل امره في عظم شجرته إذ تؤمل نسبه وعرفت شعوبه وشعبه على ما أشرت

إليه قبيل ال يكاد تجيء فيه قسمة تستوعبه وتفصيل يستغرقه وإنما الطريق فيه أن يتتبع الشيء بعد

الشيء ويجمع ما يحصره االستقراء فالذي بدأت به من دعوى أصل وعلة في حكم من األحكام هما كذلك

ما تركت المضايقة وأخذ بالمسامحة ونظر إلى الظاهر ولم ينقر عن السرائر وهو النمط العدل والنمرقة الوسطى وهو شئ تراه كثيرا باآلداب

والحكم البريئة من الكذب ومن األمثلة فيه قول أبىتمام

) إن ريب الزمان يحسن أن يه ** دى الرزايا إلى ذوىاألحساب (

) فلهذا يجف بعد اهتزاز ** قبل روض الوهاد روض

الروابي ( وكذا قوله يذكر الممدوح قد زاده مع بعده عنه وغيبته

في العطايا على الحاضرين عنده الالزمين خدمته ) لزموا مركز الندى وذراه ** وعدتنا عن مثل ذاك

العوادى ( ) غير أن الربى إلى سبل األنو ** اء أدنى والحظ حظ

الوهاد ( لم يقصد من الربى إلى العلو ولكن إلى الدنو فقط

وكذلك لم يرد بذكر الوهاد الضعة والتسفل والهبوط كما أشار إليه في قوله والسيل حرب للمكان العالي وإنما أراد أن الوهاد ليس لها قرب الربى من فيض

األنواء____________________

(1/240)

ثم أنها تتجاوز الربى التي هي دانية قريبة إليها إلىالوهاد التي ليس لها ذلك القرب

ومن هذا النمط في أنه تخيل شبيه بالحقيقة إلعتدال أمره وان ما تعلق به من العلة موجود على ظاهر ما

ادعى قوله ) ليس الحجاب بمقص عنك لي أمال ** إن السماء

ترجى حين تحتجب فإستتار السماء بالغيم هو سبب رجاء الغيث الذي يعد

في مجرى العادة جودا منها ونعمة صادرة عنها كماقال إبن المعتز

) ما ترى نعمة السماء على األر ** ض وشكر الرياضلألمطار (

وهذا نوع آخر وهو دعواهم في الوصف هو خلقة في الشيء وطبيعة أو واجب على الجملة من حيث هو أن

ذلك الوصف حصل له من الممدوح ومنه استفاده وأصل هذا التشبيه ثم يتزايد فيبلغ هذا الحد ولهم فيه عبارات منها قولهم إن الشمس تستعير منه

النور وتستفيده أو تتعلم منه اإلشراق وتكتسب منهاإلضاءة

وألطف ذلك أن يقال تسرق وأن نورها مسروق من الممدوح وكذلك يقال المسك يسرق من عرفه وأن

طيبه مسترق منه ومن أخالقه قال إبن بابك

) أال يا رياض الحزن من أبرق الحمى ** نسيمكمسروق ووصفك منتحل (

) حكيت أبا سعد فنشرك نشره ** ولكن له صدقالهوى ولك الملل (

ونوع آخر وهو أن يدعي في الصفة الثابتة للشيء أنه إنما كان لعلة يضعها الشاعر ويختلقها إما ألمر يرجع

إلى تعظيم الممدوح أو تعظيم أمر من األمور فمنالغريب في ذلك معنى بيت فارسي ترجمته

) لو لم تكن نية الجوزاء خدمته ** لما رأيت عليهاعقد منتطق (

فهذا ليس من جنس ما مضى أعنى ما أصله التشبيهثم أريد التناهي في المبالغة

____________________

(1/241)

واإلغراق واإلغراء ويدخل في هذا الفن قول المتنبي

) لم يحك نائلك السحاب وإنما ** حمت به فصبيبهاالرحضاء (

ألنه وإن كان أصله التشبيه من حيث يشبه الجواد بالغيث فإنه وضع المعنى وضعا وصوره في صورة

خرج معها إلى ما ال أصل له في التشبيه فهو كالواقع بين الضربين وقريب منه في أن أصل التشبيه ثم باعده بالصنعة في تشبيهه وخلع عنه صورته خلعا

قوله ) وما ريح الرياض لها ولكن ** كساها دفنهم في

التراب طيبا ( ومن لطيف هذا النوع قول أبيالعباس الضبي

) ال تركنن إلى الفرا ** ق وإن سكنت إلى العناق ( ) فالشمس عند غروبها ** تصفر من فرق الفراق (

أدعى لتعظيم الفراق أن ما يرى من الصفرة في الشمس حين يرق نورها بدنوها من األرض إنما هو ألنها تفارق األفق الذي كانت فيه أو الناس الذين

طلعت عليهم وانست بهم وانسوا بها وسرتهمرؤيتها ونوع آخر منه قول اآلخر

) قضيب الكرم نقطعه فتبكي ** وال تبكي وقد قطع الحبيب ( وهو منسوب إلى إنشاد الشبلي ويقال أيضا

إن أبا البأس أخذ معناه في بيته من قول بعضالصوفية وقيل له لم تصفر الشمس عند الغروب

____________________

(1/242)

فقال من حذر الفراق ومن لطيف هذا الجنس قولالصولي

) الريح تحسدني عليك ** ولم أخلها في العدا ( ) لما هممت بقبلة ** ردت على الوجه الردا ( وذلك

أن الريح إذا كان وجهها نحو الوجه فواجب في طباعها أن ترد الرداء عليه وأن تلف من طرفيه وقد ادعى أن ذلك منها لحسدها وغيره لمحبوبة وهي من

أجل ما في نفسها تحول بينه وبين أن ينال منوجهها وفي هذه الطريقة قوله

) وحاربني فيه ريب الزمان ** كأن الزمان له عاشق ( إال انه لم يضع علة ومعلوال من طريق النص

على شيء بل أثبت محاربة من الزمان في معنى الحبيب ثم جعل دليال عليها جواز أن يكون شريكا في عشقه وإذا حققنا لم يجب ألجل أن جعل العشق علة للمحاربة وجمع بين الزمان والريح في إدعاء العداوة

لهما أن يتناسب البيتان من طريق الخصوص والتفصيل وذاك أن الكالم في وضع الشاعر لألمر

الواجب علة غير معقول كونها علة لذلك األمر وكون العشق علة للمعاداة في المحبوب معقول معروف غير بدع وال منكر فإذا بدأ فادعى أن الزمان يعاديه

ويحاربه فيه فقد أعطاك أن ذلك لمثل هذه العلة وليس إذا أردت الريح الرداء فقد وجب أن يكون لذلك

لعلة الحسد أو لغيرها ألن رد الرداء شأنها فاعرفه فإن من حكم المحصل أن ال ينظر في تالقي المعاني وتناظرها إلى جمل األمور وإلى اإلطالق والعموم بل ينبغي أن يدقق النظر في ذلك ويراعي التناسب من طريق الخصوص والتفاصيل فأنت في نحو بيت إبن

وهيب وحاربني الخ تدعى صفة غير ثابتة إذا هيثبتت اقتضت مثل العلة التي

____________________

(1/243)

ذكرها وفي نحو بيت الريح تذكر صفة ثابتة حاصلة على الحقيقة ثم تدعى لها علة من عند نفسك وضعا

واختراعا وهكذا قول المتنبي ) مالمى النوى في ظلمها غاية الظلم ** لعل بها

مثل الذي بي من السقم ( ) فلو لم تغر لم تزو عني لقاكم ** ولو لم ترد كم لم

تكن فيكم خصمي ( الدعوى في إثبات الخصومة وجعل النوى كالشيء الذي يعقل ويميز ويريد ويختار

وحديث الغيرة والمشاركة في هوى الحبيب يثبتبثبوت ذلك من غير أن يفتقر منك إلى وضع واختراع

ومما يلحق بالفن الذي بدأت به قوله ) بنفسي ما يشكوه من راح طرفه ** ونرجسه مما

دها حسنه ورد ( ) أراقت دمي عمدا محاسن وجههه ** فأضحى وفي

عينيه آثاره تبدو ( ألنه قد أتى بحمرة العين وهي تعرض لها من حيث هي عين معلة واتى بإراقة الدم

في صورة العلة وهو يعلم أنها مخترعة موضوعةفليس ثم إراقة دم واصل هذا القول إبن المعتز

) قالوا اشتكت عينه فقلت لهم ** من كثرة القتلنالها الوصب (

) حمرتها من دماء من قتلت ** والدم في النصلشاهد عجب

____________________

(1/244)

وبين هذا الجنس وبين نحو الريح تحسدني فرق وذلك أن لك هناك فعال هو ثابت واجب في الريح وهو رد

الرداء على الوجه ثم أحببت أن تتطرف فادعيت لذلك الفعل علة من عند نفسك واما ههنا فنظرت إلى

صفة موجودة فتأولت فيها أنها صارت إلى العين من غيرها وليست هي من شأنها أن تكون في العين فليس معك هنا إال معنى واحد واما هناك فعندك

معنيان احدهما موجود معلوم واآلخر مدعى موهومفاعرفه

ومما يشبه هذا الفن الذي هو تأول في الصفة فقط من غير أن يكون معلول وعلة ما تراه من تأولهم في األمراض والحميات انها ليست بأمراض ولكنها فطن

ثاقبة واذهان متوقدة وعزمات كقوله ) وحوشت أن تضرى بجسمك علة ** إال أنها تلك

العزوم الثواقب ( وقال ابن بابك

) فترت وما وجدت أبا العالء ** سوى فرط التوقدوالذكاء (

ولكشاجم بقوله في على بن سليمان األخفش ) ولقد أخطأ قوم زعموا ** انها من فضل برد في

العضب ( ) هو ذاك الذهن اذكى ناره ** والمزاج المفرط الحر

التهب ( وال يكون قول المتنبي

) ومنازل الحمى الجسوم فقل لنا ** ما عذرها فيتركها خيراتها (

) أعجبتها شرفا فطال وقوفها ** لتأمل األعضاء الألذاتها (

____________________

(1/245)

من هذا في شيء بأكثر من أن كال القولين في ذكر الحمى وفي تطيب النفس عنها فهو اشتراك في

العرض والجنس فأما في عمود المعنى وصورته الخاصة فال ألن المتنبي لم ينكر أن ما يجده الممدوح

حمى كما انكره اآلخر ولكنه كأنه سال نفسه كيف اجترأت الحمى على الممدوح مع جاللته وهيبته أم

كيف جاز أن يقصد شيء إلى أذاه مع كرمه ونبله وأن المحبة من النفوس مقصورة عليه فتحمل لذلك جوابا ووضع للحمى فيما فعلته من األذى عذرا وهو تصريح

ما اقتصر فيه على التعجب في قوله ) أيدرى ما أرابك من يريب ** وهل ترقى إلى الفلك

الخطوب ( ) وجسمك فوق همة كل داء ** فقرب أقلها منه

عجيب (

اال أن ذلك اإليهام أحسن من هذا البيان وذلك التعجب موقوفا غير مجاب اولى باإلعجاب وليس كل زيادة

تفلح وكل استقصاء يملح ومن واضح هذا النوع وجيده قول ابن المعتز

) صدت سرير وأزمعت هجرى ** وصغت ضمائرها إلىالغدر (

) قالت كبرت وشبت قلت لها ** هذا غبار وقائعالدهر (

أال تراه أنكر أن يكون الذي بدأ به شيبا ورأى االعتصام بالجحد أخصر طريقا إلى نفى العيب وقطع الخصومة ولم يسلك الطريقة العامية فيثبت المشيب

ثم يمنع العائب أن يعيب ويريه الخطأ في عيبه به ويلزمه المناقضة في مذهبه كنحو ما مضى اعنى

كقول البحتري وبياض البازى وهكذا____________________

(1/246)

إذا تأولوا في الشيب أنه ليس بابيضاض الشعر الكائن في مجرى العادة وموضوع الخلقة ولكنه نور العقل

واألدب قد إنتشر وبان من وجهه وظهر كقولالطائي الكبير

) وال يروعك إيماض القتير به ** فإن ذاك إبتسامالرأي واألدب (

وينبغي أن باب التشبيهات قد حظي من هذه الطريقة بضرب من السحر ال تأتي الصفة على

غرابته وال يبلغ البيان كنه ما ناله من اللطف والظرف فإنه قد بلغ حدا يبز المعروف في طباع

الغزل ويلهي الثكالن وينفث في عقد الوحشة وينشد ما ضل عنك من المسرة ويشهد للشعر بما يطيل

لسانه في الفخر ويبين جملة ما للبيان من القدرةوالقدر فمن ذلك قول ابن الرومي

) خجلت خدود الورد من تفضيله ** خجال توردها عليهشاهد (

) لم يخجل الورد المورد لونه ** إال وناحله الفضيلةعاند (

) للنرجس الفضل المبين وإن أبى ** آب وحاد عنالطريقة حائد (

) فصل القضية أن هذا قائد ** زهر الرياض وان هذاطارد (

) شتان بين إثنين هذا موعد ** بتسلب الدنيا وهذاواعد (

) ينهى النديم عن القبيح بلحظه ** وعلى المدامةوالسماع مساعد (

____________________

(1/247)

) اطلب بعقلك في المالح سميه ** أبدا فإنك المحالة واجد (

) والورد إن فكرت فرد في إسمه ** ما في المالح لهسمي واحد (

) هذي النجوم هي التي ربتهما ** بحيا السحاب كمايربي الوالد (

) فانظر إلى األخوين من أدناهما ** شبها بوالدهفذاك الماجد (

) أين الخدود من العيون نفاسة ** ورياسة لوالالقياس الفاسد (

وترتيب الصنعة في القطعة أنه عمل أوال على قلب طرفي التشبيه كما مضى في فصل التشبيهات

فشبه حمرة الورد بحمرة الخجل ثم تناسى ذلك وخدع عنه نفسه وحملها على أن تعتقد أنه خجل على

الحقيقة ثم لما اطمأن ذلك في قلبه واستحكمت صورته طلب لذلك الخجل علة فجعل علته أن فضل

على النرجس ووضع في منزلة ليس يرى نفسه اهال لها فصار يثوب من ذلك ويتخوف عيب العائب

وغميزة المستهزىء ويجد ما يجد من مدح مدحة يظهر الكذب فيها ويفرط حتى تصير كالهزء بمن

قصد بها ثم زادته الفطنة الثاقبة والطبع المثمر في سحر البيان ما رأيت من وضع حجاج في شأن

النرجس وجهة استحقاقه الفضل على الورد فجاءبحسن وإحسان ال تكاد تجد مثله إال له

ومما هو خليق أن يوضع في منزلة هذه القطعة ويلحق بها في لطف الصنعة قول أبي هالل

العسكري

) زعم البنفسج انه كعذاره ** حسنا فسلوا من قفاهلسانه (

) لم يظلموا في الحكم إذ مثلوا به ** فلشد ما رفعالبنفسج شانه (

وقد اتفق للمتأخرين من المحدثين في هذا الفن نكت ولطف وبدع وظرائف ال يستكثر لها الكثير من

الثناء وال يضيق مكانها من الفضل عن سعة____________________

(1/248)

اإلطراء فمن ذلك قول ابن نباتة في صفة الفرس ) وأدهم يستمد الليل منه ** وتطلع بين عينيه الثريا (

) سرى خلف الصباح يطير مشيا ** ويطوى خلفهاألفالك طيا (

) فلما خاف وشك الفوت منه ** تشبث بالقوائموالمحيا (

وأحسن من هذا واحكم صنعة قوله في قطعة أخرى ) فكأنما لطم الصباح جبينه ** فاقتص منه وخاض

في أحشائه ( واول القطعة

) قد جاءنا الطرف الذي اهديته ** هاديه يعقد أرضهبسمائه (

) أوالية وليتنا فبعثته ** رمحا سبيب العرف عقدلوائه (

) نختال منه على اغر محجل ** ماء الدياجى قطرةمن مائه (

) فكأنما لطم الصباح جبينه ** فاقتص منه وخاضفي احشائه (

) متمهال والبرق من أسمائه ** متبرقعا والحسن مناكفائه (

) ما كانت النيران تكمن حرها ** لو كان للنيران بعضذكائه (

____________________

(1/249)

) ال تعلق األلحاظ في أعطافه ** إال إذا كفكفت منغلوائه (

) ال يكمل الطرف المحاسن كلها ** حتى يكونالطرف من أسرائه (

ومما له في هذا التفضيل الفضل الظاهر لحسناإليداع مع السالمة من التكلف قوله

) وماذا على الرضراض يجرى ( ) كأن بها من شدة الجرى جنة ** وقد البستهن

الرياح سالسال ( وإنما ساعده التوفيق من حيث وطىء له من قبل الطريق فسبق العرف بتشبيه الحبك على صفحات الغدران بحلق الدروع فتدرج من ذلك إلى أن جعلها

سالسل كما فعل ابن المعتز في قوله ) وانهار ماء كالسالسل فجرت ** لترضع اوالد

الرياحين والزهر ( ثم أتم الحذق بأن جعل للماء صفة تقتضي أن

يسلسل وقرب مأخذ ما حاول عليه فإن شدة الحركة وفرط سرعتها من صفات الجنون كما أن التمهل

فيها والتأنى من أوصاف العقل____________________

(1/250)

ومن هذا الجنس قول ابن المعتز في السيف فيأبيات قالها في الموفق وهى

) وفارس أغمد في جنة ** يقطع السيف إذا ما ورد (

) كأنه ماء عليه جرى ** حتى إذا ما غاب فيه جمد ( ) في كفه عضب إذا هزه ** حسبته من خوفه يرتعد (

فقد أراد أن يخترع لهزة السيف علة فجعلها رعدة تناله من خوف الممدوح وهيبته ويشبه أن يكون ابن

بابك نظر إلى هذا البيت وعلق منه الرعدة في قوله ) فإن عجمتني نيوب الخطوب ** وأوهى الزمان قوى

منتى ( ) فما اضطرب السيف من خيفة ** وال أرعد الرمح

من قرة ( ) إال أنه ذهب بها في أسلوب آخر وقصد إلى أن

يقول إن كون حركات الرمح في ظاهر حركة المرتعد ال يوجب أن يكون ذلك من ألم عارض وكأنه عكس

القضية فأبى أن تكون صفة المرتعد في الرمح للعلل التي لمثلها تكون في الحيوان واما ابن المعتز فحقق

كونها في السيف على حقيقة العلة التي لها تكون في الحيوان فاعرفه وقد أعاد هذا االرتعاد على

الجملة التي وصفت لك فقال____________________

(1/251)

) قالوا طواه حزنه فانحنى ** فقلت والشك عدواليقين (

) ما هيف النرجس من صبوة ** وال الضنى فيصفرة الياسمين (

) وال ارتعاد السيف من قرة ** وال انعطاف الرمح منفرط لين (

ومما حقه أن يكون طرازا في هذا النوع قولالبحتري

) يتعثرن في النحور وفي األو ** جه سكرا لما شربن 9الدماء

جعل فعل الطاعن بالرماح تعثرا منها كما جعل ابن المعتز تحريكه للسيف وهزه له ارتعادا ثم طلب

للتعثر علة كما طلب هو لالرتعاد فاعرفه ومن هذا الباب قول علبة

) وكأن السماء صاهرت األر ** ض فصار النثار منكافور (

وقول ابي تمام ) كأن السحاب الغر غيبن تحتها ** حبيبا فما ترقى

لهن مدامع ( وقال السرى يصف الهالل

) جاءك شهر السرور شوال ** وغال شهر الصياممغتال ( ثم قال

) كأنه قيد فضة حرج ** فض عن الصائمين فاختالوا (

كل واحد من هؤالء خدع نفسه عن التشبيه وغالطها واوهم أن الذي جرى العرف بان يؤخذ منه الشبه قد

حضر وحصل بحضرتهم على الحقيقة____________________

(1/252)

ولم يقتصر على دعوى حصوله حتى يصيب له علة وأقام عليه شاهدا فاثبت علبة زفافا بين السماء

واألرض وجعل أبو تمام للسحاب حبيبا قد غيب في التراب وادعى السرى أن الصائمين كانوا في قيد وانه كان حرجا فلما فض عنهم انكسر بنصفين أو

اتسع فصار على شكل الهالل والفرق بين بيت السرى وبيتي الطائيين أن تشبيه الثلج بالكافور معتاد عامي جار على األلسن وجعل القطر الذي

ينزل من السحاب دموعا ووصف السحاب والسماء بأنها تبكى كذلك فأما تشبيه الهالل بالقيد فغير معتاد

نفسه إال أن نظيره معتاد ومعناه من حيث الصورة موجود واعنى بالنظير ما مضى من تشبيه الهالل

بالسوار المنفصم كما قال ) حاكيا نصف سوار ** من نضار يتوقد (

وكما قال السرى نفسه ) والح لنا الهالل كشطر طوق ** على لبات زرقاء

اللباس ( إال أنه ساذج ال تعليل فيه يجب من أجله أن يكون

سوارا وطوقا فاعرفه ورأيت بعضهم ذكر بيت السرى الذي هو كأنه قيد

فضه حرج مع أبيات شعر جمعه إليها وأنشد قطعةابن الحجاج

) با صاحب البيت الذي ** قد مات فيه الصيف جوعا (

) مالي أرى فلك الرغيف ** لديك مشترفا رفيعا ( ) كالبدر ال نرجو إلى ** وقت المساء له طلوعا (

____________________

(1/253)

قال إنه شبه الرغيف بالبدر لعلتين إحداهما االستدارة والثاني طلوعه مساء قال وخير التشبيه ما

جمع معنيين كقول ابن الرومى ) يا شبيه البدر في الحسن ** وفي بعد المنال (

) جد فقد تنفجر الصخرة ** بالماء الزالل ( وانشد أيضا إلبراهيم بن المهدي

) ورحمت افراخا كأفراخ القطا ** وحنين والهةكقوس النازع (

ثم قال ومثله قول السرى كأنه قيد فضة حرج وهو ال يشبه ما ذكره إال أن يذهب إلى حديث أنه افاد شكل

الهالل بالقيد المفضوض ولونه بالفضة فأما إن قصد النكته التي هي موضع اإلغراب فال يستقيم الجمع

بينه وبين ما أنشد ألن شيئا من تلك األبيات ال يتضمن تعليال وليس فيها أكثر من ضم شبه إلى شبه

كالحنين واالنحناء من القوس واالستدارة والطلوع مساء من البدر وليس احد المعنيين بعلة لآلخر كيف وال حاجة بواحد من الشبهين المذكورين إلى تصحيح

غيره له ومما هو نظير لبيت السرى وعلى طريقة قول ابن

المعتز ) سقاني وقد سل سيف الصبا ** ح والليل من خوفه

قد هرب ( لم يقنع ههنا بالتشبيه الظاهر والقول المرسل كما

اقتصر في قوله ) حتى بدا الصباح من نقاب ** كما بدا المنصل من

قراب ( وقوله

) أما الظالم فحين رق قميصه ** واتى بياض الصبحكالسيف الصدى (

ولكنه احب أن يحقق دعواه أن هناك سيفا مسلوال ويجعل نفسه كأنها ال تعلم أن ههنا تشبيها وانالقصد إلى لون البياض في الشكل المستطيل

____________________

(1/254)

فتوصل إلى ذلك بأن جعل الظالم كالعدو المنهزم الذي سل السيف في قفاه فهو يهرب مخافة أن

يضرب به ومثل هذا في أن جعل الليل يخاف الصبح ال في

الصنعة التي أنا في سياقها قوله ) سبقنا إليها الصبح وهو مقنع ** كمين وقلب الليل

منه على حذر ( وقد أخذ الخالدى بيته األول أخذا فقال

) والصبح قد جردت صوارمه ** والليل قد هم منهبالهرب (

وهذه قطعة البن المعتز بيت منها هو المقصود ) وانظر إلى دنيا ربيع أقبلت ** مثل البغي تتوجت

لزناة ( ) جاءتك زائرة كعام أول ** وتلبست وتعطرت بنبات (

) وإذا تعرى الصبح من كافوره ** نطقت صنوفطيورها بلغات (

) والورد يضحك من نواظر نرجس ** قذيت وآذنحيها بممات (

هذا البيت األخير هو المراد وذلك أن الضحك في الورد وكل ريحان ونور يتفتح مشهور معروف وقد قاله في هذا البيت وجعل الورد كأنه يعقل ويميز

فهو يشمت بالنرجس النقضاء مدته وإبار دولته وبدوأمارات الفناء فيه وأعاد هذا الضحك من الورد فقال ) ضحك الورد في قفا المنثور ** واسترحنا من رعدة

المقرور ( أراد إقبال الصيف وحر الهواء أال تراه قال بعده

____________________

(1/255)

) واستطبنا المقيل في برد ظل ** وشممنا الريحانبالكافور (

) فالرحيل الرحيل يا عسكر الل ** ذات عن كلروضة وغدير (

فهذا من شأن الورد الذي عابه به ابن الرومي في

قوله ) فصل القضية أن هذا قائد ** زهر الرياض وإن هذا

طارد ( وقد جعله ابن المعتز لهذا الطرد ضاحكا ضحك من

استولى وظفر وابتز غيره والية الزمان واستبد بها ومما يشوب الضحك فيه شيء من التعليل قوله أيضا ) مات الهوى منى وضاع شبابي ** وقضيت من لذاته

أرابي ( ) وإذا أردت تصابيا في مجلس ** فالشيب يضحك بي

مع األحباب ( ال شك أن لهذا الضحك زيادة معنى على الضحك في

نحو قول دعبل ) ضحك المشيب براسه فبكى ** (

وما تلك الزيادة إال انه جعل المشيب يضحك ضحك المتعجب من تعاطى الرجل ما ال يليق به وتكلفه الشيء ليس هو من أهله وفي ذلك ما ذكرت من إخفاء صورة التشبيه وأخذ النفس بتناسيه وهكذا

قوله ) لما رأونا في خميس يلتهب ** في شارق يضحك

من غير عجب ( ) كأنه صب على األرض ذهب ** وقد بدت اسيافنا

في القرب ( ) حتى تكون لمناياهم سبب ** نرفل في الحديد

واألرض تجب (____________________

(1/256)

) وحن شريان ونبع فاصطخب ** تترسوا من القتالبالهرب (

المقصود قوله يضحك من غير عجب وذاك أن نفيه العلة إشارة إلى انه من جنس ما يعلل وانه ضحك

قطعا وحقيقة اال ترى انك لو رجعت إلى صريح التشبيه فقلت هيئته في تاللؤه كهيئة الضاحك ثم

قلت من غير عجب قلت قوال غير مقبول واعلم انكإن عددت قول بعض العرب

) ونثرة تهزأ بالنصال ** كأن فيها حدق الهالل (

الهالل الحية ههنا واالم للجنس في هذا القبيل لم وهذا نوع آخر في التعليل فصليكن لك ذلك

وهو أن يكون للمعنى من المعاني والفعل من األفعال علة مشهورة من طريق العادات والطباع ثم يجىء الشاعر فيمنع أن يكون لتلك المعروفة ويضع

له علة أخرى مثاله قول المتنبي ) ما به قتل أعاديه ولكن ** يتقى إخالف ما ترجو

الذئاب ( الذي يتعارفه الناس أن الرجل إذا قتل اعاديه فال

رادته هال كهم وأن يدفع مضارهم عن نفسه وليسلم ملكه ويصفو من منازعاتهم وقد ادعى المتنبي كما

ترى أن العلة في قتل هذا الممدوح ألعدائه غير ذلك واعلم أن هذا ال يكون حتى يكون في استئناف هذه العلة المدعاة فائدة شريفة فيما يتصل بالممدوح أو

يكون لها تأثير في الذم كقصد المتنبي____________________

(1/257)

ههنا في أن يبالغ في وصفه بالسخاء والجود وأن طبيعة الكرم قد غلبت عليه ومحبته أن يصدق رجاء الراجين وأن يجنبهم الخيبة في آمالهم قد بلغت به

هذا الحد فلما علم إذا غدا للحرب غدت الذئاب تتوقع أن يتسع عليها الرزق ويخصب لها الوقت من قتلى عداه كره أن يخلفها وأن يخيب رجاءها وال يسعفها وفيه نوع آخر من المدح وهو يهزم العدا ويكسرهم

كسرا ال يطمعون بعده في المعاودة فيستغنى بذلك عن قتلهم وإراقة دمائهم وأنه ليس ممن يسرف في

القتل طاعة للغيظ والحنق وال يعفوا إذا قدر ومايشبه هذه األوصاف الحميدة فاعرفه

ومن الغريب في هذا الجنس على تعمق فيه قول أبى طالب المامونى في قصيدة يمدح بها بعض

الوزراء ببخارى ) مغرم بالثناء صب بكسب الم ** جد يهتز للسماح

ارتياحا ( ) ال يذوق اإلغفاء إال رجاء ** أن يرى طيف مستميح

رواحا ( وكأنه شرط الرواح على معنى أن العفاة والراجين

إنما يحضرونه في صدر النهار على عادة السالطين فإذا كان الرواح ونحوه من األوقات التي ليست من

أوقات اإلذن قلوا فهو يشتاق إليهم فينام ليأنس برؤية طيفهم واإلفراط في التعمق ربما أخل

بالمعنى من حيث يراد تأكيده به أال ترى أن هذا الكالم قد يوهم أنه يحتج له أنه ممن ال يرغب كل

واحد في أخذ عطائه وأنه ليس في طبقة من قيلفيه

) عطاؤك زين المرىء إن أصبته ** بخير وما كلالعطاء يزين (

____________________

(1/258)

ومما يدفع عنه االعتراض ويوجب قلة االحتفال به أى باالعتراض أن الشاعر يهمه أبدا إثبات ممدوحه جوادا أو تواقا إلى السؤال فرحا بهم وأن يبرئه من عبوس البخل وقطوب المتكلف في البذل الذي يقاتل نفسه

عن ماله حتى يقال جواد ومن يهوى الثناء والثراءمعا وال يتمكن في نفسه معنى قول أبى تمام

) ولم يجتمع شرق وغرب لقاصد ** وال المجد فيكف امرىء والدراهم (

فهو يسرع إلى استماع المدائح وال يبطىء عن صلة المادح نعم فإذا سلم للشاعر هذا الغرض لم يفكر في خطرات الظنون وقد يجوز بشيء من الوهم

الذي ذكرته على قول المتنبي ) يعطى المبشر بالقصاد قبلهم ** كمن يبشره بالماء

عطشانا ( وهذا شيء عرض والستقصائه موضع آخر إن وفق

الله وأصل بيت الطيف المستميح من نحو قوله

) وأني ألستغشى وما بي نعسه ** لعل خياال منكيلقى خياليا (

وهذا األصل غير بعيد أن يكون أيضا من باب ما استؤنف له علة غير معروفة إال أنه ال يبلغ في القوة ذلك المبلغ في الغرابة والبعد من العادة وذلك أنه قد يتصور أن يريد المغرم المتيم إذا بعد عهده بحبيبه أن

يراه في المنام وإذا أراد ذلك جاز أن يريد النوم لهخاصة فاعرفه

ومما يلحق بهذا الفصل قوله____________________

(1/259)

) رحل العزاء برحلتي فكأنني ** اتبعته األنفاسللتشييع (

وذلك أنه علل تصعد األنفاس من صدره بهذه العلة الغريبة وترك ما هو المعلوم المشهور من السبب

والعلة فيه وهو التحسر والتأسف والمعنى رحل عنى العزاء بارتحالي عنكم أي عنده ومعه أو به وبسببه فكأنه لما كان محل الصبر الصدر وكانت األنفاس

تصعد منه أيضا صار العزاء وتنفس الصعداء كأنهما نزيالن ورفيقان فلما رحل ذاك كان حق هذا أن

يشيعه قضاء لحق الصحبة ومما يالحظ هذا النوع ويجرى في مسلكه وينتظم

في سلكه قول ابن المعتز ) عاقبت عيني بالدمع والسهر ** إذ غار قلبي عليك

من بصري ( واحتملت ذاك وهى رابحة ** فيك وفازت بلذة

النظر ( وذاك أن العادة في دمع العين وسهرها أن يكون

السبب فيه إعراض الحبيب أو اعتراض الرقيب ونحو ذلك من األسباب الموجبة لالكتئاب وقد تزك ذلك كله

كما ترى وادعى أن العلة ما ذكره من غيرة القلب منها على الحبيب وإيثاره أن يتفرد برؤيته وأنه

بطاعة القلب وامتثال رسمه رام للعين عقوبة فجعل ذاك أن أبكاها ومنعها النوم وحماها وله أيضا في

عقوبة العين بالدمع والسهر من قصيدة أولها____________________

(1/260)

) قل ألحلى العباد شكال وقدا ** ابجدا ذا الهجر أمليس جدا (

) ما بذا كانت المنى حدثتني ** لهف نفسي أراك قدخنت ودا (

) ما ترى في متيم بك صب ** خاضع ال يرى من الذلبدا (

) إن زنت عينه بغيرك فاضرب ** ها بطول السهادوالدمع حدا (

قد جعل البكاء والسهاد عقوبة على ذنب اثبته للعين كما فعل في البيت األول إال أن صورة الذنب ههنا

غير صورته هناك فالذنب ههنا نظرها إلى غير الحبيب واستجازتها من ذلك ما هو محرم محظور

والذنب هناك نظرها إلى الحبيب نفسه ومزاحمتها القلب في رؤيته وغيره القلب من العين سبب

العقوبة هناك فأما ههنا فالغيرة كائنه بين الحبيبوبين شخص آخر فاعرفه

وال شبهة في قصور البيت الثاني عن األول وأن لألول عليه فضال كبيرا وذلك بان جعل بعضه يغار من

بعض وجعل الخصومة في الحبيب بين عينيه وقلبه وهو تمام الظرف واللطف فأما الغيرة في البيت

األخير فعلى ما يكون أبدا هذا ولفظ زنت وإن كان ما يتلوها من إحكام الصنعة يحسنها وورودها في الخبر العين تزنى يؤنس بها فليست تدع ما هو حكمها من

إدخال نفرة على النفس وإن أردت أن ترى هذا المعنى بهذه الصنعة في

أعجب صورة____________________

(1/261)

أظرفها فانظر إلى قول القائل ) آتتني تؤنبني بالبكا ** فأهال بها وبتأنيبها (

) تقول وفى قولها حشمة ** أتبكى بعين تراني بها (

) فقلت إذا استحسنت غيركم ** أمرت الدموعبتأديبها (

أعطاك بلفظة التأديب حسن أدب اللبيب في صيانة اللفظ عما يحوج إلى االعتذار ويؤدى إلى النفار إال

أن األستاذيه تعد ظاهرة في بيت ابن المعتز وليس كل فضيلة تبدو مع البديهة بل تعقب النظر

والروية وبأن يفكر في أول الحديث وآخره وأنت تعلم أنه ال يكون أبلغ في الذي أراد من تعظيم شان الذنب

من ذكر الحد وإن ذلك ال يتم إال بلفظة زنت ومن هذه الجهة يلحق الضيم كثيرا من شانه وطريقة

طريق أبي تمام ولم يكن من المطبوعين وموضع البسط في ذلك غير هذا فغرضي اآلن أن اريك انواعا من التخييل وأضع شبه القوانين ليستعان بها على ما

في تخييل بغير فصليراد من التفصيل والتبيين تعليل

وهذا نوع آخر من التخييل وهو يرجع إلى ما مضى من تناسى التشبيه وصرف النفس عن توهمه إال أن

ما مضى معلل بيان ذلك أنهم يستعيرون الصفة المحسوسة من صفات األشخاص لألوصاف المعقولة

ثم تراهم كأنهم____________________

(1/262)

قد وجدوا تلك الصفة بعينها وادركوها بأعينهم على حقيقتها وكان حديث االستعارة والقياس لم يجر منهم على بال ولم يروه وال طيف خيال ومثاله

استعارتهم العلو لزيادة الرجل على غيره في الفضل والقدر والسلطان ثم وضعهم الكالم وضع من يذكرعلوا من طريق المكان اال ترى إلى قول أبي تمام

) ويصعد حتى يظن الجهول ** بأن له حاجة فيالسما (

فلوال قصده أن ينسى التشبيه ويرفعه بجهده ويصمم على إنكاره وجحده بجعله صاعدا في السماء من حيث

المسافة الكائنة لما كان لهذا الكالم وجه ومن أبلغ ما يكون في هذا المعنى قول ابن الرومي

) اعلم الناس بالنجوم بنونو ** بخت علما لم يأتهمبالحساب (

) بل بأن شاهدوا السماء سمرا ** بترق في

المكرمات الصعاب ( ) مبلغا لم يكن ليبلغه الطا ** لب إال بتلكم األسباب (

واعاده في موضع آخر فزاد الدعوى قوة ومر فيهامرور من يقول صدقا يذكر حقا

) يا آل نوبخت العدمتكم ** وال تبدلت بعدكم بدال ( ) إن صح علم النجوم كان لكم ** حقا إذا ما سواكم

انتحال ( ) كم عالم فيكم وليس بأن ** قاس ولكن بان رقى

فعال ( ) أعالكم في السماء مجدكم ** فلستم تجهلون ما

جهال ( ) شافهتم البدر بالسؤال عن ** األمر إلى أن بلغتم

زحال ( وهذا الحكم إذا استعاروا اسم الشيء بعينه من نحو

شمس او بدر أو بحر أو أسد فإنهم يبلغون به هذاالحد ويصوغون الكالم صياغات تقضى

____________________

(1/263)

بأن ال تشبيه هناك وال استعارة ومثاله قوله ) قامت تظللني من الشمس ** نفس أعز على من

نفسي ( ) قامت تظللني ومن عجب ** شمس تظللني من

الشمس ( فلوال أنه أنس نفسه أن ههنا استعارة ومجازا من القول وعمل على دعوى شمس على الحقيقة لما

كان لهذا التعجب معنى فليس ببدع وال منكر أن يظل إنسان حسن الوجه إنسانا ويقيه وهجا بشخصه وهكذا

قول البحتري ) طلعت لهم وقت الشروق فعاينوا ** سنا الشمس

من أفق ووجهك من أفق ( ) وما عاينوا شمسين قبلهما التقى ** ضياؤهما وفقا

من الغرب والشرق ( معلوم أن القصد أن يخرج السامعين إلى التعجب لرؤية ما لم يروه قط ولم تجر العادة به ولن يتم

للتعجب معناه الذي عناه وال تظهر صورته على

وضعها الخاص حتى يجترىء على الدعوى جراءة من ال يتوقف وال يخشى إنكار منكر وال يحفل بتكذيب

الظاهر له ويسوم النفس شاءت أم أبت تصور شمس ثابتة طلعت من حيث تغرب الشمس فالتقتا وفقا

وصار غرب تلك القديمة لهذه المتجددة شرقا ومدار هذا النوع الطالب على التعجب وهو والى أمره

وصانع سحره وصاحب سره وتراه ابدا وقد افضى بك إلى خالبة لم تكن عندك وبرز لك في صورة ما

حسبتها تظهر لك أال ترى أن صورة قوله شمس تظللني من الشمس غير صورة قوله وما عاينوا

شمسين وإن اتفق الشعران في انهما يتعجبان منوجود الشيء على خالف ما يعقل ويعرف

وهكذا قول المتنبي____________________

(1/264)

) كبرت حول ديارهم لما بدت ** منها الشموسوليس فيها المشرق (

له صورة غير صورة األولين وكذا قوله ) ولم أر قبلي من مشى البدر نحوه ** وال رجال

قامت تعانقه األسد ( تعرض تلك الصور كلها واالشتراك بينها عامي ال يدخل في السرقة إذ ال اتفاق بأكثر من أن أثبت

الشيء في جميع ذلك على خالف ما يعرفه الناس فأما إذا جئت إلى خصوص ما يخرج به عن المتعارف

فال اتفاق وال تناسب ألن مكان األعجوبة مرة أن تظلل الشمس من الشمس وأخرى أن ترى الشمس

مثال لها تطلع من الغرب عند طلوعها من الشرق وثالثة أن ترى الشمس طالعة من ديارهم وعلى هذا الحد قوله ولم أر قبلي من مشى البدر نحوه العجب

من أن يمشى البدر إلى آدمي وتعانق األسد رجال واعلم أن في هذا النوع مذهبا هو كأنه عكس مذهب التعجب ونقيضه وهو لطيف جدا وذلك أن تنظر إلى

خاصية ومعنى دقيق يكون في المشبه به ثم تثبت تلك الخاصية وذلك المعنى للمشبه وتتوصل بذلك إلى إيهام أن التشبيه قد خرج من البين وزال عن الوهم

والعين احسن توصل وألطفه ويقام منه شبه الحجةعلى أن ال تشبيه وال مجاز

ومثاله قوله ) ال تعجبوا من بلى غاللته ** قد زر أزراره على

القمر ( قد عمد كما ترى إلى شيء هو خاصية في طبيعة

القمر وأمر غريب من تأثيره ثم جعل يرى أن قوما انكروا بلى الكتان بسرعة وأنه قد اخذ ينهاهم عن

التعجب من ذلك ويقول أما ترونه قد زر أزراره علىالقمر والقمر

____________________

(1/265)

من شأنه أن يسرع بلى الكتان وغرضه بهذا كله أن يعلم أن ال شك وال مرية في أن المعاملة مع القمر

نفسه وأن الحديث عنه بعينه وليس في البين شيء من غيره وأن التشبيه قد نسى وانسى وصار كما

يقول الشيخ أبو على فيما يتعلق به الطرف إنه شريعة منسوخة وهذا موضع في غاية اللطف ال يبين إال إذا كان المتصفح للكالم حساسا يعرف وحى طبع

الشعر وخفى حركته التي هي كالهمس وكمسرى النفس في النفس وإن أردت أن تظهر لك صحة

عزيمتهم في هذا النحو على إخفاء التشبيه ومحو صورته من الوهم فابرز صفحة التشبيه واكشف عن وجهه وقل ال تعجبوا من بلى غاللته فقد زر أزراره

على من حسنه حسن القمر ثم انظر هل ترى إال كالما فاترا ومعنى نازال واخبر نفسك هل تجد ما كنت

تجده من األريحيه وانظر في اعين السامعين هل ترى ما كنت تراه من ترجمة عن المسرة وداللة على

اإلعجاب ومن أين ذلك وأني وأنت بإظهار التشبيه تبطل على نفسك ما له وضع البيت من االحتجاج

على وجوب البلى في الغاللة والمنع من العجب فيهبتقرير الداللة

وقد قال آخر في هذا المعنى بعينه إال أن لفظة ال ينبىء عن القوة التي لهذا البيت في دعوى القمر

وهو قوله

) ترى الثياب من الكتان يلمحها ** نور من البدرأحيانا فيبليها (

) فكيف تنكر أن تبلى معاجرها ** والبدر في كلوقت طالع فيها (

ومما ينظر إلى قوله قد زر أزراره على القمر في أنه بلغ في دعواه في المجاز حقيقة مبلغ االحتجاج

به كما يحتج بالحقيقة قول العباس بن األحنف____________________

(1/266)

) هي الشمس مسكنها في السماء ** فعز الفؤادعزاء جميال (

) فلن تستطيع إليها الصعود ** ولن تستطيع إليكالنزوال (

صورة هذا الكالم ونصبته والقالب الذي فيه أفرغ يقتضي أن التشبيه لم يجر في خلده وانه معه كما

يقال لست منه وليس منى وأن األمر في ذلك قد بلغ مبلغا ال حاجة معه إلى إقامة دليل وتصحيح دعوى بل

هو في الصحة والصدق بحيث تصحح به دعوى ثابتة أال تراه كأنه يقول للنفس ما وجه الطمع في الوصول وقد علمت أن حديثك مع الشمس ومسكن السماء افال تراه قد جعل كونها الشمس حجة على نفسه

يصدفها بها عن أن ترجو الوصول إليها ويلجئها إلى العزاء وردها في ذلك إلى ماال تشك فيه وهو مستقر

ثابت كما تقول أو ما علمت ذلك وأليس قد علمت ويبين لك هذا التفسير والتقرير فضل بيان بان

تقابل هذا البيت بقول اآلخر ) فقلت ألصحابي هي الشمس ضوءها ** قريب ولكن

في تناولها بعد ( وتتأمل أمر التشبيه فيه فإنك تجده على خالف ما وصفت لك وذلك انه لم يجعل كونها الشمس حجة

على ما ذكر بعد من قرب شخصها ومثالها في العين مع بعد منالها بل قال هي الشمس كذا قوال مرسال يومىء فيه بل يفصح بالتشبيه ولم يرد أن يقول ال تعجبوا أن تقرب وتبعد بعد أن علمتم أنها الشمس حتى كأنه يقول ما وجه شككم في ذلك ولم يشك

عاقل في أن الشمس كذلك كما أراد العباس أنيقول كيف الطمع في____________________

(1/267)

الوصول إليها مع علمك بأنها الشمس وأن الشمس مسكنها السماء فبيت ابن أبي عيينه في أن لم

ينصرف عن التشبيه جملة ولم يبرز في صورة الجاحد له والمتبرىء منه كبيت بشار الذي صرح فيه بالتشبيه

وهو ) أو كبدر السماء غير قريب ** حين يوفى والضوء

فيه اقتراب ( وكبيت المتنبى ) كأنها الشمس يعيى كف قابضه ** شعاعها ويراه

الطرف مقتربا ( فإن قلت فهذا من قولك يؤدى إلى أن يكون الغرض

من ذكر الشمس بيان حال المرأة في القرب من وجه والبعد من وجه آخر دون المبالغة في وصفها

بالحسن وإشراق الوجه وهو خالف المعتاد ألن الذي يسبق إلى القلوب أو يقصد من نحو قولنا هي

كالشمس أو هي شمس الجمال والحسن والبهاء فالجواب أن األمر وإن كان على ما قلت فإنه في

نحو هذه األحوال التي يقصد فيها إلى بيان أمر غير الحسن يصير كالشىء الذي يعقل من طريق العرف

وعلى سبيل التبع فأما أن يكون الغرض الذي له وضعالكالم فال وإذا تأملت قوله

) فقلت ألصحابي هي الشمس ضوءها ( وقول بشار أو كبدر السماء وقول المتنبي كأنها

الشمس علمت أنهم جعلوا جل غرضهم أن يصيبوا لها شبها في كونها قريبة بعيدة وهو القياس أيضا

فأما حديث الحسن فدخل في القصد على الحد الذيمضى في قوله

) نعمة كالشمس لما طلعت ** بثت اإلشراق في كلبلد (

فكما أن هذا لم يضع كالمه لجعل النعمة كالشمس في الضياء واإلشراق ولكنها عمت كما تعم الشمس

بإشراقها كذلك لم يضع هؤالء أبياتهم____________________

(1/268)

على أن يجعلوا المرأة كالشمس والبدر في الحسن ونور الوجه بل أموانحو المعنى اآلخر ثم حصل هذا

لهم من غير ان احتاجوا فيه إلى تجشم وإذا كان األمر كذلك فلم يقل إن النعمة إنما عمت ألنها

شمس ولكن أراك لعمومها وشمولها قياسا تحرى أن يكون ذلك القياس من شيء شريف له بالنعمة شبه من جهة اوصافه الخاصة فاختار الشمس وكذلك لم

يرد ابن أبى عيينه أن يقول إنها إنما دنت ونأت ألنها شمس أو ألنها الشمس بل قاس أمرها في ذلك كما

عرفتك وأما العباس فإنه قال إنها إنما كانت بحيث ال تنال ووجب اليأس من الوصول إليها ألجل أنها

الشمس فاعرفه فرقا واضحا ومما هو على طريقة بيت العباس في االحتجاج وإن

خالفه فيما أذكره لك قول الصابىء في بعض الوزراءيهنئه بالتخلص من االستتار

) صح أن الوزير بدر منير ** إذ توارى كما توارىالبدور (

) غاب ال غاب ثم عاد كما كان ** على األفق طالعايستنير (

) ال تسلني عن الوزير فقد بينت ** بالوصف أنهسابور (

) ال خال منه صدر دست إذا ما قر ** فيه تقر منهالصدور (

فهو كما تراه يحتج أن ال مجاز في البين فإن ذكر البدر وتسمية الممدوح به حقيقة واحتجاجه صريح

لقوله صح أنه كذلك واما احتجاج العباس وصاحبه في قوله قد زر أزراره على القمر فعلى طريق الفحوى

فهذا وجه الموافقة وأما وجه المخالفة فهو انهماادعيا الشمس والقمر بانفسهما

____________________

(1/269)

وادعى الصابىء بدرا ال البدر على اإلطالق ومن ادعاءالشمس على اإلطالق قول بشار

) بعثت بذكرها شعري ** وقدمت الهوى شركا ( ) فلما شاقها قولي ** وشب الحب فاحتنكا ( 9) اتتنى الشمس زائرة ** ولم تك تبرح الفلكا

) وجدت العيش في سعدى ** وكان العيش قد هلكا (

فقوله ولم تك تبرح الفلكا يريك أنه ادعى الشمسنفسها

وقال أشجع يرثى الرشيد فبدأ بالتعريف ثم نكرفخلط إحدى الطريقتين باألخرى وذلك قوله

) غربت بالمشرق الش / ** س فقل للعين تدمع ( ) ما رأينا قط شمسا ** غربت من حيث تطلع (

فقوله غربت بالمشرق الشمس على حد قول بشار أتتنى الشمس زائرة في أنه خيل إليك شمس السماء

وقوله بعد ما رأينا قط شمسا يفتر أمر هذا التخييل ويميل بك إلى أن تكون الشمس في قوله غربت بالمشرق الشمس غير شمس السماء أعنى غير مدعى أنها هي وذلك مما يضطرب عليه المعنى

ويقلق ألنه إذا لم يدع الشمس نفسها لم يجب أن تكون جهة خراسان شرقا لها وإذا لم يجب ذلك لم

يحصل ما أراده من الغرابة في غروبها من حيث تطلع وأظن الوجه فيه أن تتأول تنكيره للشمس في

الثاني على قولهم خرجنا في شمس حارة يريدون في يوم كان للشمس فيه حرارة وفضل توقد فيصير

كأنه قال ما عهدنا يوما غربت فيه____________________

(1/270)

الشمس من حيث تطلع وهوت في جانب المشرق وكثيرا ما يتفق في كالم الناس ما يوهم ضربا من

التنكير في الشمس كقولهم شمس صيفية وكقوله ) والله ال طلعت شمس وال غربت ** ( وال فرق بين

هذا وبين قول المتنبي ) لم يرقرن الشمس في شرقة ** فشكت األنفس

في غربة ( ويجىء التنكير في القمر والهالل على هذا الحد فمنه

قول بشار ) أملى ال تأت في قمر ** بحديث واتق الدرعا (

) وتوق الطيب ليلتنا ** إنه واش إذا سطعا ( فهذا بمعنى ال تأت في وقت قد طلع فيه القمر

وهكذا قول عمر بن أبي ربيعة ) وغاب قمير كنت أرجو غيوبه ** وروح رعيان ونوم

سمر ( ظاهرة يوهم أنه كقولك جاءنى رجل وليس كذلك في

الحقيقة ألن االسم ال يكون نكرة حتى يعم شيئين وأكثر وليس هنا شيئان يعمهما اسم القمر وهكذا

قول أبى العتاهية____________________

(1/271)

) تسر إذا نظرت إلى هالل ** ونقصك إذ نظرت إلىالهالل (

ليس المنكر غير المعرف على أن للهالل في هذا التنكير فضل تمكن ليس للقمر أال تراه قد جمع في

قوله تعالى ) ^ يسألونك عن األهلة ( ولم يجمعالقمر على هذا الحد

ومن لطيف هذا التنكير قول البحتري ) وبدرين أنضيناهما بعد ثالث ** أكلناه بااليجاف حتى

تمحقا ( ومما أتى مستكرها نابيا يتظلم منه المعنىوينكره قول أبى تمام

) قريب الندى نأئى المحل كأنه ** هالل قريب النورناء منازله (

سبب االستكراه وأن المعنى ينبو عنه انه يوهم بظاهره أن ههنا أهلة ليس لها هذا الحكم أعنى أنه

يتناءى مكانه ويدنو نوره وذلك محال فالذي يستقيم عليه الكالم أن يؤتى به معرفا على حده في بيت

البحتري ) كالبدر أفرط في العلو وضوءه ** للعصبة السارين

جد قريب ( فإن قلت أقطع واستأنف فأقول كأنه هالل وأسكت

ثم أبتدىء وآخذ في الحديث عن شأن الهالل بقولي قريب النور ناء منازله أمكنك ولكنك تعلم ما يشكوه

إليه المعنى من نبو اللفظ وسوء مالءمة العبارة واستقصاء هذا الموضع يقطع عن الغرض وحقه أن

يفرد له فصل واعود إلى حديث المجاز وإخفائه ودعوى الحقيقة

وحمل النفس على تخيلها فما يدخل في هذا الفن ويجب أن يوازن بينه وبين ما مضى قول سعيد بن

حميد____________________

(1/272)

) وعد البدر بالزيارة ليال ** فإذا ما وفى قضيتنذورى (

) قلت يا سيدى ولم تؤثر اللي ** يل على بهجةالنهار المنير (

) قال لي ال احب تغيير رسمي ** هكذا الرسم فيطلوع البدور (

قالوا وله في ضده ) قلت زوري فأرسلت ** أنا آتيك سحره (

) قلت فالليل كان أخ ** في وأدنى مسره ( ) فأجابت بحجة ** زادت القلب حسره ( ) أنا شمس وإنما ** تطلع الشمس بكره

وينبغي أن تعلم أن هذه القطعة ضد األولى من حيث اختار النهار وقتا للزيارة في تلك والليل في هذه فأما من حيث يختلف جوهر الشعر ويتفق خصوصا

من حيث ينظر اآلن فمثل وشبيه وليس بصد والنقيض

ثم اعلم أنا إن وازنا بين هاتين القطعتين وبين ما تقدم من بيت العباس هي الشمس مسكنها في

السماء وما هو في صورته وجدناهما امرا بين أمرين بين ادعاء البدر والشمس انفسهما وبين إثبات بدر ثان وشمس ثانية وراينا الشاعر قد شاب في ذلك

اإلنكار باإلعتراف وصادفت صورة المجاز تعرض عنك مرة وتعرض لك أخرى فقوله البدر بالتعريف مع قوله

ال أحب تغيير رسمي وتركه أن يقول رسم مثلى

يخيل إليك البدر نفسه وقوله في طلوع البدور بالجمع دون أن يفرد فيقول هكذا الرسم في طلوع

البدور يلتفت بك إلى بدر ثان ويعطيك االعتراف بالمجاز على وجه وهكذا القول في القطعة الثانية

ألن قولك أنا شمس بالتنكير اعتراف بشمس ثانيه أوكاالعتراف

____________________

(1/273)

ومما يدل داللة واضحة على دعوى الحقيقة واليستقيم إال عليها قول المتنبي

) واستقبلت قمر السماء بوجهها ** فأرتني القمرينفي وقت معا (

أراد فأرتني الشمس والقمر ثم غلب اسم القمركقول الفرزدق

) أخذنا بآفاق السماء عليكم ** لنا قمراها والنجومالطوالع (

لوال تخيل أنها الشمس نفسها لم يكن لتغليب اسم القمر والتعريف باأللف والالم معنى وكذلك لوال ضبطة نفسه حتى ال يجرى المجاز والتشبيه في

وهمه لكان قوله في وقت معا لغوا من القول فليس بعجيب أن يتراءى لك وجه غادة حسناء في وقت طلوع القمر وتوسطه السماء وهذا أظهر من أن

يخفى واما تشبيه أبي الفتح لهذا البيت بقول القائل ) وإذا الغزالة في السماء ترفعت ** وبدا النهار لوقته

يترجل ( ) أبدت لوجه الشمس وجها مثله ** تلقى السماء

بمثل ما تستقبل ( فتشبيه على الجملة ومن حيث أصل المعنى وصورته

في المعقول فاما الصورة الخاصة التي تحدث لهبالصنعة فلم يعرض لها

ومما له طبقة عاليه في هذا القبيل وشكل يدل علىشدة الشكيمة وعلو المأخذ قول الفرزدق

) أبي أحمد الغيثين صعصعه الذي ** متى تخلفالجوزاء والدلو يمطر (

) أجاز بنات الوائدين ومن يجر ** على الموت تعلم

أنه غير مخفر (____________________

(1/274)

أفال تراه كيف ادعى ألبيه اسم الغيث ادعاء من سلم له ذلك ومن ال يخطر بباله أنه مجاز فيه ومتناول له

من طريق التشبيه وحتى كأن األمر في هذه الشهرة بحيث يقال أي الغيثين أجود فيقال صعصعه وحتى

بلغ تمكن ذلك في العرف إلى أن يتوقف السامع عند إطالق االسم فإذا قيل اتاك الغيث لم تعلم أيراد

صعصعه أم المطر وإن أردت أن تعرف مقدار ماله من القوة في هذا التخييل وأن مصدره مصدر الشيء

المتعارف الذي ال حاجة به إلى مقدمة يبنى عليها نحو أن تبدأ فتقول أبي نظير الغيث ثان وغيث وثان ثم تقول وهو خير الغيثين ألنه ال يختلف إذا اختلفت

األنواء فانظر إلى موقع االسم فإنك تراه واقعا موقعا ال سبيل لك فيه إلى حل عقد التثنيه وتفريق

المذكورين باالسم وذلك أن أفعل ال تصح إضافته إلى اسمين معطوف أحدهما على اآلخر فال يقال جاءني أفضل زيد وعمرو وال أتى اعلم بكر وخالد عندي بل

ليس إال أن تضيف إلى اسم مثنى أو مجموع في نفسه نحو أفضل الرجلين وأفضل الرجال وذلك أن

أفعل التفضيل بعض ما يضاف إليه أبدا فحقه أن يضاف إلى اسم يحويه وغيره وإذا كان األمر كذلك علمت أن اللفظ بالتشبيه والخروج عن صريح جعل

اللفظ للحقيقة متعذر عليك إذ ال يمكنك أن تقول أبى أحمد الغيث والثاني له والشبيه به وال شيئا من هذا النحو ألنك تقع بذلك في إضافة أفعل إلى اسمين

معطوف أحدهما على اآلخر وإذ قد عرفت هذا فانظر إلى قول اآلخر

____________________

(1/275)

) قد قحط الناس في زمانهم ** حتى إذا جئت جئتبالدرر (

) غيثان في ساعة لنا اتفقا ** فمرحبا باألميروالمطر (

فإنك تراه ال يبلغ هذه المنزلة وذلك أنه كالم من يثبته اآلن غيثا وال يدعى فيه عرفا جاريا وأمرا مشهورا

متعارفا يعلم كل واحد منه ما يعلمه وليس بمتعذر أن يقول عيث وثان للغيث اتفقا أو يقول األمير ثاني

الغيث والغيث اتفقا فقد حصل من هذا الباب أن االسم المستعار كلما كان قدمه أثبت في مكانه وكان

موضعه من الكالم أضن به وأشد محاماة عليه وامنع لك من أن تتركه وترجع إلى الظاهر وتصرح بالتشبيه

فأمر التخييل فيه أقوى ودعوى المتكلم له أظهروأتم

واعلم أن قول البحتري ) غيثان إن جدب تتابع أقبال ** وهما ربيع مؤمل

وخريفه ( ال يكون مما نحن بصدده في شيء ألن كل واحد من

الغيثين في هذا البيت مجاز ألنه أراد أن يشبه كل واحد من الممدوحين بالغيث والذي نحن بصدده هو أن يضم المجاز إلى الحقيقة في عقد التثنية ولكن

إن ضممت إليه قوله ) فلم أر ضرغامين أصدق منكما ** عراكا إذا الهيابة

النكس كذبا ( كان لك ذلك ألن أحد الضرغامين حقيقة واآلخر مجاز

فإن قلت فههنا شيء يردك إلى ما أبينه من بقاءحكم التشبيه في جعله إياه الغيث وذلك

____________________

(1/276)

أن تقدير الحقيقة في المجاز إنما يتصور في نحو بيت البحتري فلم أر ضرغامين من حيث عمد إلى

واحد من األسود ثم جعل الممدوح أسدا على الحقيقة قد قارنه وضامه وال سبيل للفرزدق إلى

ذلك ألن الذي يقرنه إلى أبيه هو الغيث على اإلطالق

وإذا كان الغيث على اإلطالق لم يبق شيء يستحق هذا االسم ويدخل تحته وإذا كان كذلك حصل منه أن ال يكون أبو الفرزدق غيثا على الحقيقة فالجواب أن

مذهب ذلك ليس على ما تتوهمه ولكن على أصل في التشبيه وهو أن يقصد إلى المعنى الذي من أجله

يشبه الفرع باألصل كالشجاعة في األسد والمضاء في السيف وينحى سائر األوصاف جانبا وذلك المعنى

في الغيث هو النفع العام وإذا قدر هذا التقدير صار جنس الغيث كأنه عين واحدة وشىء واحد وإذا عاد بك األمر إلى أن تتصوره تصور العين الواحده دون

الجنس كان ضم أبي الفرزدق إليه بمنزلة ضمك إلى الشمس رجال أو إمرأة تريد أن تبالغ في وصفهما بأوصاف الشمس وتنزيلهما منزلتها كما تجده في

نحو قوله ) فليت طالعة الشمسين غائبة ** وليت غائبة

الشمسين لم تغب (____________________

(1/277)

فصل في الفرق بين التشبيه واالستعارة إن االسم إذا قصد إجراؤه على غير ما هو له

لمشابهة بينهما كان ذلك على ما مضى من الوجهين أحدهما أن يسقط ذكر المشبه من البين حتى ال يعلم

من ظاهر الحال انك أردته وذلك أن تقول عنت لنا ظبية وأنت تريد امرأة ووردنا بحرا وأنت تريد

الممدوح فأنت في هذا النحو من الكالم إنما تعرف أن المتكلم لم يرد ما االسم موضوع له في أصل

اللغة بدليل الحال أو إفصاح المقال بعد السؤال أو بفحوى الكالم وما يتلوه من األوصاف مثال ذلك أنك

إذا سمعت قوله ) ترنح الشرب واغتالت حلومهم ** شمس ترجل

فيهم ثم ترتحل ( استدللت بذكر الشرب واغتيال الحلوم واالرتحال أنه

أراد قينة ولو قال ترجلت شمس ولم يذكر شيئا غيره من أحوال اآلدميين لم يعقل قط أنه أراد امرأة إال

بإخبار مستأنف او شاهد آخر من الشواهد ولذلك تجد الشيء يلتبس منه حتى على أهل المعرفة

كما روى أن عدى ابن حاتم اشتبه عليه المراد بلفظ الخيط في قوله تعالى ) ^ حتى يتبين لكم الخيط

األبيض من الخيط األسود ( وحمله على ظاهره فقد روى أنه قال لما نزلت هذه اآلية أخذت عقاال أسود وعقاال أبيض فوضعتهما تحت وسادتي فنظرت فلم

أتبين فذكرت ذلك النبي وسلم فقال إن وسادكلطويل عريض إنما هو الليل والنهار

____________________

(1/278)

والوجه الثاني أن يذكر كل واحد من المشبه والمشبه به فتقول زيد أسد وهند بدر وهذا الرجل الذي تراه

سيف صارم على أعدائك وقد كنت ذكرت فيما تقدم أن في إطالق االستعارة على هذا الضرب الثاني بعض الشبهة ووعدتك بكالم يجيء في ذلك وهذا

موضعه اعلم أن الوجه الذي يقتضيه القياس وعليه يدل كالم

القاضي في الوساطة أن ال تطلق االستعارة على نحو قولنا زيد أسد وهند بدر ولكن نقول هو تشبيه

فإذا قال هو أسد لم تقل استعار له اسم األسد ولكن تقول شبهه باألسد وتقول في األول إنه استعارة ال تتوقف فيه وال تتحاشى البته وإن قلت في القسم األول إنه تشبيه كنت مصيبا من حيث تخبر عما في

نفس المتكلم وعن أصل الغرض وإن أردت تمام البيان قلت أراد أن يشبه المرأة بالظبية فاستعار لها

اسمها مبالغة فإن قلت فكذلك فقل في قولك زيد أسد إنه أراد تشبيهه باألسد فأجرى اسمه عليه أال

ترى أنك ذكرته بلفظ التنكير فقلت زيد أسد كما تقول زيد واحد من األسود فما الفرق بين الحالين وقد جرى االسم في كل واحد منهما على المشبه

فالجواب أن الفرق بين وهو أنك عزلت في القسم األول االسم األصلي عنه واطرحته وجعلته كأن ليس باسم له وجعلت الثاني هو الواقع عليه والمتناول له فصار قصدك التشبيه أمرا مطويا في نفسك مكنونا

في ضميرك وصار في ظاهر الحال وصورة الكالم

وقضيته كأنه الشيء الذي وضع له____________________

(1/279)

االسم في اللغة وتصور أن تعلقه الوهم كذلك وليس كذلك القسم الثاني ألنك قد صرحت فيه بالمشبه وذكرك له صريحا يأبى أن تتوهم كونه من جنس

المشبه به وإذا سمع السامع قولك زيد اسد وهذا الرجل سيف صارم على األعداء استحال أن يظن وقد صرحت له بذكر زيد أنك قصدت اسدا وسيفا وأكثر ما يمكن أن يدعى تخيله في هذا أن يقع في نفسه من

قولك زيد اسد حال األسد في جراءته وإقدامه وبطشه فأما أن يقع في وهمه أنه رجل وأسد معا

بالصورة والشخص فمحال ولما كان كذلك كان قصد التشبيه من هذا النحو بينا

الئحا وكائنا من مقتضى الكالم وواجبا من حيث موضوعه حتى إن لم يحمل عليه كان محاال فالشيء الواحد ال يكون رجال واسدا وغنما يكون رجال وبصفة

األسد فيما يرجع إلى غرائز النفوس وأألخالق أو خصوص في الهيئة كالكراهة في الوجه وليس كذلك

األول ألنه يحتمل الحمل على الظاهر على الصحة فلست بممنوع من أن تقول عنت لنا ظبية وانت تريد

الحيوان وطلعت شمس وأنت تريد الشمس كقولك طلعت اليوم شمس حارة وكذلك تقول هززت على

األعداء سيفا وأنت تريد السيف كما تقوله وأنت تريد رجال باسال استعنت به او رأيا وفقت ماضيا فيه

وأصبت به من العدو فأرهبته واثرت فيه وإذا كان األمر كذلك وجب أن يفصل بين القسمين

فيسمى األول استعارة على اإلطالق ويقال في الثاني إنه تشبيه فاما تسمية األول تشبيها فغير

ممنوع وال غريب إال انه على انك تخبر عن الغرض وتنبىء عن مضمون الحال فأما أن يكون موضوع

الكالم وظاهره موجبا له صريحا فال فإن قلت فكذلكقولك هو اسد ليس في ظاهره تشبيه ألن التشبيه

____________________

(1/280)

يحصل بذكر الكاف أو مثل او نحوهما فالجواب أن األمر وإن كان كذلك فإن موضوعه من حيث الصورة

يوجب قصدك التشبيه الستحالة أن يكون له معنى وهو على ظاهره وله مثال من طريق العادة وهو أن

مثل االسم مثل الهيئة التي يستدل بها على األجناس كزى الملوك وزي السوقة فكما أنك لو خلعت من الرجل أثواب السوقة ونفيت عنه كل شيء يختص

بالسوقة وألبسته زي الملوك فأبديته للناس في صورة الملوك حتى يتوهموه ملكا وحتى ال يصلوا إلى

معرفة حاله إال بإخبار أو اختبار واستدالل من غير الظاهر كنت قد اعرته هيئة الملك وزيه على الحقيقة ولو انك القيت عليه بعض ما يلبسه الملك من غير أن تعريه من المعاني التي تدل على كونه سوقة لم تكن قد اعرته بالحقيقة هيئة الملك ألن المقصود من هيئة

الملك أن يحصل بها المهابة في النفس وأن يتوهم العظمة وال يحصل ذلك مع وجود األوصاف الدالة على

أن الرجل سوقة افرض هذه الموازنة في الشيء الواحد كالثوب

الواحد يعاره الرجل فيلبسه على ثوبه أو منفردا وإنما اعتبر الهيئة وهي تحصل بمجموع أشياء وذلك

أن الهيئة هي التي يشبه حالها حال االسم ألن الهيئه تخص جنسا كما أن االسم كذلك والثوب على اإلطالق ال يفعل ذلك إال بخصائص تقترن به وتراعى معه فإذا كان السامع قولك زيد أسد ال يتوهم أنك قصدت أسدا

على الحقيقة لم يكن االسم قد لحقه ولم تكن قد أعرته إياه إعارة صحيحة كما انك لم تعر الرجل هيئة

الملك حين لم تزل عنه ما يعلم به انه ليس بملك هذا وإذا تأملنا حقيقة االستعارة في اللغة والعادة

كان في ذلك أيضا بيان لصحة هذه الطريقة ووجوبالفرق بين القسمين وذاك أن من

____________________

(1/281)

شرط المستعار أن يحصل للمستعير منافعه على

الحد الذي يحصل للمالك فإن كان ثوبا لبسه كما لبسه وإن كان اداة استعملها في الشيء تصلح له

حتى إن الرائي إذا رآه معه لم تنفصل حاله عنده من حال ما هو ملك يد ليس بغارية وإنما يفضله المالك

في أن له أن يتلف الشيء جملة أو يدخل التلف على بعض أجزائه قصدا وليس للمستعير ذلك ومعلوم أن

ما هو كالمنفعة من االسم أن يوجب ذكره القصد إلى الشيء في نفسه فإذا قلت زيد علم أنك أردت أن

تخبر عن الشخص المعلوم وإذا قلت لقيت أسدا علم أنك علقت اللقاء بواحد من هذا الجنس وإذا كان األمر كذلك ثم وجدنا االسم في قولك عنت ظبية يعقل من إطالقه أنك قصدت الجنس المعلوم وال

يعلم انك قصدت امرأة فقد وقع من المرأة في هذا الكالم موقعه من ذلك الحيوان على الصحة فكان ذلك

بمنزلة أن المستعير ينتفع بالمستعار انتفاع مالكه فيلبسه لبسه ويتجمل به تجمله ويكون مكانه عنده

مكان الشيء المملوك حتى يعتقد من ينظر إلى الظاهر انه له ولما وجدنا االسم في قولك زيد أسد ال

يقع من زيد ذلك الموقع من حيث أن ذكره باسمه يمنع من أن يصير االسم مطلقا عليه ومتناوال له

على حد تناوله ما وضع له وزان ذلك وزان أن يضع الرجل عند الرجل ثوبا ويمنعه أن يلبسه أو بمنزلة أن تطرح عليه طرف ثوب كان عليك فال يكون ذلك عارية صحيحة ألنك لم تدخله في جملته ولم تعطه صورة مايختص به ويصير إليه ويخفى كونه لك دونه فاعرفه

وههنا فصل آخر من طريق موضوع الكالم يبينوجوب الفرق

____________________

(1/282)

بين القسمين وهو أن الحالة التي يختلف في االسم إذا وقع فيها أيسمى استعارة أم ال يسمى هي الحالة

التي يكون االسم فيها خبر مبتدأ او متنزال منزلته أعنى أن يكون خبر كان ومفعوال ثانيا لباب علمت ألن

هذه األبواب كلها أصلها مبتدأ وخبر ويكون حاال ألن الحال عندهم زيادة في الخبر فحكمها حكم الخبر

فيما قصدته ههنا خصوصا واالسم إذا وقع في هذه

المواضع فأنت واضع كالمك إلثبات معناه وإن أدخلتالنفي على كالمك تعلق النفي بمعناه

تفسير هذه الجملة انك إذا قلت زيد منطلق فقد وضعت كالمك إلثبات االنطالق لزيد ولو نفيت فقلت

ما زيد منطلقا كنت نفيت االنطالق عن زيد وكذلك كان زيد منطلقا وعلمت منطلقا ورأيت زيدا منطلقا

انت في ذلك كله واضع كالمك ومزج له لتثبيت االنطالق لزيد ولو خولفت فيه انصرف الخالف إلى ثبوته وإذا كان األمر كذلك فأنت إذا قلت زيد أسد ورأيت أسدا فقد جعلت اسم المشبه به خبرا عن

المشبه واالسم إذا كان خبرا عن الشىء كان خبرا عنه إما إلثبات وصف هو مشتق منه لذلك الشىء

كاالنطالق في قولك زيد منطلق او إثبات جنسية هو موضوع لها كقولك هذا رجل فإذا امتنع في قولنا زيد

أسد أن تثبت شبه الجنسية لزيد على الحقيقة كان إلثبات شبه من الجنس له وإذا كنا إنما نثبت شبه الجنس فقد اجتلبنا االسم لنحدث به التشبيه اآلن

ونقرره وندخله في حين الحصول والثبوت وإذا كان كذلك كان خليقا بأن نسميه تشبيها إذا كان إنما جاء

ليفيده ويوجبه وأما الحالة األخرى التي قلنا إن االسم فيها يكون

استعارة من غير____________________

(1/283)

خالف فهي حالة إذا وقع االسم فيها لم يكن االسم مجتلبا إلثبات معناه للشيء وال الكالم موضوعا لذلك

ألن هذا حكم ال يكون إال إذا كان االسم في منزلة الخبر من المبتدأ فأما إذا لم يكن وكان مبتدأ بنفسه أو فاعال أو مفعوال أو مضافا إليه فأنت واضع كالمك

إلثبات امر آخر غير ما هو معنى االسم بيان ذلك أنك إذا قلت جاءني أسد ورأيت أسدا

ومررت بأسد فقد وضعت الكالم إلثبات المجيء واقعا من األسد والرؤية والمرور واقعين منك عليه وكذلك إن قلت األسد مقبل فالكالم موضوع إلثبات اإلقبال لألسد ال إلثبات معنى األسد وإذا كان األمر كذلك ثم

قلت عنت لنا ظبية وهززت سيفا صارما على األعداء

وأنت تعنى بالظبية امراة وبالسيف رجال لم يكن ذكرك لالسمين في كالمك هذا إلثبات الشبه المقصود

اآلن وكيف يتصور أن يقصد إلى إثبات الشبه منهما لشيء وأنت لم تذكر قبلهما شيئا ينصرف أثبات

الشبه إليه وإنما يثبت الشبه من طريق الرجوع إلى الحال والبحث عن خبىء في نفس المتكلم إذا كان

كذلك بان االسم في قولك زيد أسد مقصود به إيقاعالتشبيه في الحال وإيجابه

واما في قولك عنت لنا ظبية وسللت سيفا على العدو فوضع االسم هكذا انتهازا واقتضابا على

المقصود وادعاء انه من الجنس الذي وضع له االسم في اصل اللغة وإذا افترقا هذا االفتراق وجب أن

يفرق بينهما في االصطالح والعبارة كما أنا نفصل بين الخبر والصفة في العبارة الختالف الحكم فيهما

بان الخبر إثبات في الوقت للمعنى والصفة تبيينوتوضيح وتخصيص

____________________

(1/284)

بأمر قد ثبت واستقر وعرف فكما لم نرض التفاق الغرض في الخبر والصفة على الجملة واشتراكهما

إذا قلت زيد ظريف وجاءني زيد الظريف في التباس زيد في الظرف واكتسائه له أن نجعلهما في الوضع االصطالحي شيئا واحدا وال نفرق بتسميتنا هذا خبرا

وذاك صفة كذلك ينبغي أن ال يدعونا اتفاق قولنا جاءني أسد وهززت سيفا صارما وقولنا زيد أسد

وسيف صارم في مطلق التشبيه إلى التسوية بينهما وترك الفرق من طريق العبارة بل وجب أن نفرق

فنسمى ذاال استعارة وهذا تشبيها فإن أبيت إال أن تطلق االستعارة على هذا القسم الثاني فينبغي أن

تعلم أن إطالقها ال يجوز في كل موضع يحسن دخول حرف التشبيه عليه بسهولة وذلك نحو قولك هو

كاألسد وهو شمس النهار وهو البدر حسنا وبهجة والقضيب عطفا وهكذا كل موضع ذكر فيه المشبه به

بلفظ التعريف فإن قلت هو بحر وهو ليث ووجدته بحرا وأردت أن تقول إنه استعارة كنت أعذر أشبه

بأن تكون على جانب من القياس ومتشبثا بطرف من الصواب وذلك أن االسم قد خرج بالتنكير عن أن

يحسن إدخال حرف التشبيه عليه فلو قلت هو األسد وهو كبحر كان كالما نازال غير مقبول كما يكون قولك

هو كاألسد إال أنه وإن كان ال تحسن فيه الكاف فإنه يحسن فيه كأن كقولك كأنه أسد أو ما يجرى مجرى كأن في نحو تحسبه أسدا وتخاله سيفا فإن غمض

مكان الكاف وكأن بأن يوصف االسم الذي فيه____________________

(1/285)

التشبيه بصفة ال تكون في ذلك الجنس وأمر خاص غريب فقيل هو بحر من البالغة وهو بدر يسكن

األرض وهو شمس ال تغيب وكقوله ) شمس تألق والفراق غروبها ** عنا وبدر والصدود كسوفه ( فهو اقرب إلى أن تسمية إستعارة ألنه قد غمض تقدير حرف التشبيه فيه إذ ال تصل إلى الكاف

حتى تبطل بنية الكالم وتبدل صورته فتقول هو كالشمس المتألقة إال أن فراقها هو الغروب وكالبدر

إال أن صدوده الكسوف وقد يكون في الصفات التي تجيء في هذا النحو

والصالت التي توصل بها ما يختل به تقدير التشبيه فيقرب حينئذ من القبيل الذي تطلق عليه اإلستعارة

من بعض الوجوه وذلك مثل قوله ) أسد دم األسد الهزبر خضابه ** موت فريص الموت منه ترعد ( ال سبيل لك إلى أن تقول هو كاألسد وهو كالموت لما يكون في ذلك من التناقض النك إذا قلت

هو كاألسد فقد شبهته بجنس السبع المعروف ومحال أن تجعله محموال في الشبه على هذا الجنس

أوال ثم تجعل دم الهزبر الذي هو اقوى الجنس خضاب يده ألن حملك له عليه في الشبه دليل على انه دونه

وقولك بعد دم الهزبر من األسود خضابه دليل على أنه فوقها وكذلك محال أن تشبهه بالموت المعروف

ثم تجعله يخافه وترتعد منه اكتافه وكذا قوله ) سحاب عداني سيله وهو مسبل ** وبحر عداني

فيضه وهو مفعم ( ) وبدر اضاء األرض شرقا ومغربا ** وموضع رحلي

منه اسود مظلم (____________________

(1/286)

إن رجعت فيه إلى التشبيه الساذج فقلت هو كالبدر ثم جئت تقول اضاء األرض شرقا ومغربا وموضع رحلي مظلم لم يضيء به كنت كأنك تجعل البدر

المعروف يلبس األرض الضياء ويمنعه رحلك وذلك محال وإنما أردت أن تثبت من الممدوح بدرا مفردا له

هذه الخاصة العجيبة التي لم تعرف للبدر وهذا إنما يأتي بكالم بعيد من هذا النظم وهو أن يقال هل

سمعت بأن البدر يطلع في أفق ثم يمنع ضوءه موضعا من المواضع التي هي معرضه له وكائنه في

مقابلته حتى ترى األرض الفضاء قد أضاءت بنوره وفيما بينها قدر رحل مظلم يتجافى عنه ضوءه

ومعلوم بعد هذا من طريقة البيت فهذا النحو موضوع على تخييل انه زاد في جنس البدر واحد له حكم

وخاصة لم تعرف وإذا كان األمر كذلك صار كالمك موضوعا ال إلثبات الشبه بينه وبين البدر ولكن إلثبات

الصفة فى واحد متجدد حادث من جنس البدر لم تعرف تلك الصفة للبدر فيصير بمنزلة قولك زيد رجل

يقري الضيوف ويفعل كيت وكيت فال يكون قصدك إثبات الصفة التي ذكرتها له فإذا خرج االسم الذي

يتعلق به التشبيه من أن يكون مقصودا باإلثبات تبين انه خارج عن األصل الذي تقدم من كون االسم

إلثبات الشبه فالبحتري في قوله وبدر اضاء األرض قد بنى كالمه على أن كون الممدوح بدرا أمر قد

استقر وثبت وإنما يعمل في إثبات الصفة الغريبة والحاله التي هي موضع التعجب وكما يمتنع دخول

الكاف في هذا النحو كذلك يمتنع دخول كأن وتحسب وتخال فلو قلت كأنه بدر أضاء األرض شرقا ومغربا

وموضع رحلي منه مظلم كان خلفا من القول وكذلك إن قلت تحسبه بدرا أضاء األرض ورحلي منه مظلم

كان كاألول في الضعف____________________

(1/287)

ووجه بعده من القبول بين وهو أن كان وحسبت وخلت وظننت تدخل إذا كان الخبر والمفعول الثاني امرا معقوال ثابتا في الجملة إال انه في كونه متعلقا

بما هو اسم كأن أو المفعول األول من حسبت مشكوك فيه كقولنا كان زيدا منطلق أو مجاز يقصد

به خالف ظاهره نحو كأن زيدا أسد فاألول على الجملة ثابت معروف والغريب هو كون زيد إياه ومن

جنسه والنكرة في نحو هذه األبيات موصوفة بأوصاف تدل على انك تخبر بظهور شيء ال يعرف وال يتصور

وإذا كان كذلك كان إدخال كان وحسبت عليهكالقياس على المجهول

وتأمل هذه النكته فإنه يضعف ثانيا إطالق االستعارة على هذا النحو أيضا الن موضوع االستعارة كيف

دارت القضية على التشبيه وإذا بان بما ذكرت أن هذا الجنس إذا قلبت عن سره ونقرت عن خبيئه

فمحصوله أنك تدعى حدوث شيء هو من الجنس المذكور إال انه اختص بصفة غريبة وخاصية بعيدة لم يكن يتوهم جوازها على ذلك الجنس كأنك تقول ما

كنا نعلم أن ههنا بدرا هذه صفته كان تقدير التشبيه فيه نقضا لهذا الغرض ألنه ال معنى لقولك اشبه ببدر

حدث خالف البدور ما كان يعرف وهذا موضع لطيف جدا ال تنتصف منه إال باستعانة

الطبع عليه وال يمكن توفية الكشف فيه حقه بالعبارة لدقة مسلكه ويتصل به أن في االستعارة الصحيحة ماال يحسن دخول كلم التشبيه عليه وذلك إذا قوى

الشبه بين األصل والفرع حتى يتمكن الفرع في النفس بمداخله ذلك األصل واالتحاد به وكونه إياه

وذلك في نحو النور إذا استعير للعلم واإليمان____________________

(1/288)

والظلمة للكفر والجهل فهذا النحو لتمكنه وقوة شبهه ومتانة سببه قد صار كأنه حقيقة وال يحسن

لذلك أن تقول في العلم كأنه نور وفي الجهل كأنه ظلمة وال تكاد تقول للرجل في هذا الجنس كأنك قد

أوقعتني في ظلمة بل تقول أوقعتنى في ظلمة

وكذلك األكثر على األلسن واألسبق إلى القلوب أن تقول فهمت المسالة فانشرح صدري وحصل في

قلبي نور وال تقول كان نورا حصل في قلبي ولكن إذا تجاوزت هذا النوع إلى نحو قولك سللت منه سيفا

على األعداء وجدت كأن حسنة هناك كثيرا كقولك بعثته إلى العدو فكأني سللت سيفا وكذلك في نحو زيد اسد كان زيدا أسد وهكذا يتدرج الحكم فيه حتى

كلما كان مكان الشبه بين الشيئين أخفى واغمض وابعد من العرف كان اإلتيان بكلمة التشبيه أبين

وأحسن واكثر في االستعمال ومما يجب أن تجعله على ذكر منك ابدا وفيه البيان

الشافي أن بين القسمين تباينا شديدا أعنى بين قولك زيد اسد وقولك رأيت أسدا وهو ما قدمته لك من انك قد تجد الشيء يصلح في نحو زيد أسد حيث

يذكر المشبه باسمه أوال ثم يجري اسم المشبه به عليه وال يصلح في القسم اآلخر الذي ال يذكر فيه المشبه أصال وتطرحه ومن االمثلة البينه في ذلك

قول ابي تمام ) وكان المطل في بدء وعود ** دخانا للصنيعة وهي نار ( قد شبه المطل بالدخان والصنيعة بالنار ولكنه

صرح بذكر المشبه وأوقع____________________

(1/289)

المشبه به خبرا عنه وهو كالم مستقيم ولو سلكت به طريقة ما يسقط فيه ذكر المشبه فقلت مثال أقبستني نارا لها دخان كان ساقطا ولو قلت

أقبستني نورا أضاء أفقي به تريد علما كان حسنا حسنه إذا قلت علمك نور في افقي والسبب في ذلك

أن اطراح ذكر المشبه واالقتصار على اسم المشبه به وتنزيله منزلته وإعطاءه الخالفة على المقصود

إنما يصح إذا تقرر الشبه بين المقصود وبين ما تستعير اسمه له وتستنيبه في الداللة وقد تقرر في

العرف الشبه بين النور والعلم وظهر واشتهر كما تقرر الشبه بين المرأة والظبية وبينها وبين الشمس ولم يتقرر في العرف شبه بين الصنيعة والنار وإنما

هو شىء يضعه اآلن أبو تمام ويتحمله ويعمل في

تصويره فالبد له من ذكر المشبه والمشبه به جميعا حتى يعقل عندما يريده ويبين الغرض الذي يقصده

وإال كان بمنزلة من يريد إعالم السامع أن عنده رجال هو مثل زيد في العلم مثال فيقول له عندى زيد

ويسومه أن يعقل من كالمه أنه أراد أن يقول عندي رجل مثل زيد أو غيره من المعاني وذلك تكليف علم

الغيب فاعرف هذا األصل وتبينه فإنك تزداد به بصيرة في وجوب الفرق بين الضربين وذلك انهما لو كانا

يجريان مجرى واحدا في حقيقة االستعارة لوجب أن يستويا في القضية حتى إذا استقام وضع االسم في

احدهما استقام وضعه في اآلخر فاعرفه____________________

(1/290)

فإن قلت فما تقول في نحو قولهم لقيت به أسدا ورأيت به ليثا فإنه مما ال وجه لتسميته استعارة أال

تراهم قالوا لئن لقيت فالنا ليلقينك منه األسد فأتوا به معرفة على حده إذا قالوا احذر األسد وقد جاء

على هذه الطريقة ماال يتصور فيه التشبيه فيظن أنه استعارة وهو قوله عز وجل ) ^ لهم فيها دار الخلد ( والمعنى والله أعلم أن النار هي دار الخلد وأنت تعلم أن ال معنى ههنا ألن يقال إن النار شبهت بدار الخلد

إذ ليس المعنى على تشبيه النار بشىء يسمى دار الخلد كما تقول في زيد إنه مثل األسد ثم تقول هو األسد وإنما هو كقولك النار منزلهم ومسكنهم نعوذ

بالله منها وكذا قوله ) بأبي الظالمة منه النوفل الزفر ** (

المعنى على أنه النوفل الزفر وليس النوفل الزفر باسم لجنس غير جنس الممدوح كاألسد فيقال إنه شبه الممدوح به وإنما هو صفة كقولك هو الشجاعوهو السيد وهو النهاض بأعباء السيادة وكذا قوله ) يا خير من يركب المطى وال ** يشرب كأسا بكف

من بخال ( ال يتصور فيه التشبيه وإنما المعنى أنه ليس ببخيل

هذا وإنما يتصور الحكم على االسم باالستعارة إذا جرى بوجه على ما يدعى أنه مستعار له واالسم في

قولك لقيت به أسدا ولقبني منه األسد ال يتصور

جريه على المذكور بوجه ألنه ليس بخبر عنه وال صفة له وال حال وإنما هو بنفسه مفعول لقيت وفاعل

لقيني ولو جاز أن يجرى االسم ههنا مجرى االستعارة المتناولة المستعار له لوجب أن يقول في

قوله____________________

(1/291)

) حتى إذا جن الظالم واختلط ** جاءوا بمذق هلرأيت الذئب قط (

إنه استعار اسم الذئب للمذق وذلك بين الفساد وكذانحو قوله

) نبئت أن أبا قابوس اوعدني ** وال قرار على زأرمن األسد (

ال يكون استعارة وإن كنت تجد من يفهم البيت قد يقول أراد باألسد النعمان أو شبهه باألسد ألن ذلك

بيان للغرض فأما القضية الصحيحة وما يقع في نفس العارف ويوحيه نقد الصيرف فإن األسد واقع على حقيقته حتى كأنه قال وال قرار على زأر هذا

األسد وأشار إلى األسد خارجا من عرينه مهددا موعدا بزئيره وأي وجه للشك في ذلك وهو يؤدى إلى أن

يكون الكالم على حد قولك وال قرار على زأر من هوكاألسد وفيه من إلعى والفجاجة شيء غير قليل

هذا ومن حق غالط غلط في نحو ما ذكرت على قلةعذره أن ال يغلط في قول الفرزدق

) هذا ومن حق غالط غلط في نحو ما ذكرت على قلةعذرة أن ال يغلط في قول الفرزدق

) قياما ينظرون إلى سعيد ** كأنهم يرون به هالال ( وال يتوهم أن هالال إستعارة لسعيد ألن الحكم على األسم باإلستعارة مع وجود التشبيه الصريح محال

جار مجرى أن يكون كل إسم دخل عليه كاف التشبيه مستعارا وإذا لم يغلط في هذا فالباقي بمنزلته

فاعرفه____________________

(1/292)

فصل في االتفاق في األخذ والسرقة واالستمداد اعلم أن الشاعرين إذا اتفقا لم يخل ذلكواالستعانة

من أن يكون في الغرض على الجملة والعموم أو في وجه الداللة على الغرض واالشتراك في الغرض على

العموم أن يقصد كل واحد منهما وصف ممدوحه بالشجاعة والسخاء أو حسن الوجه والبهاء او وصف

فرسه بالسرعة أو ما جرى هذا المجرى وأما وجه الداللة على الغرض فهو أن يذكر ما يستدل به على

اثباته له الشجاعة والسخاء مثال وذلك ينقسم أقساما منها التشبيه بما يوجد هذا الوصف فيه على الوجه البليغ والغاية البعيدة كالتشبيه باألسد وبالبحر في

البأس والجود وبالبدر والشمس في الحسن والبهاء واإلنارة واإلشراق ومنها ذكر هيآت تدل على الصفة

من حيث كانت ال تكون إال فيمن له الصفة كوصف الرجل في حال الحرب باالبتسام وسكون الجوارح

وقلة الفكر كقوله ) كأن دنانيرا على قسماتهم ** وإن كان قد شف

الوجوه لقاء ( وكذلك الجواد يوصف بالتهلل عند ورود العفاة

واالرتياح لرؤية المحتدين والبخيل بالعبوس والقطوب وقلة البشر مع سعة ذات اليد ومساعدة

الدهر____________________

(1/293)

فأما االتفاق في عموم الغرض فما ال يكون االشتراك فيه داخال في األخذ والسرقة واالستمداد واالستعانة

ال ترى من به حس يدعى ذلك ويأبى الحكم بأنه ال يدخل في باب اآلخذ وإنما يقع الغلط من بعض من ال يحسن التحصيل وال ينعم التأمل فيما يؤدى إلى ذلك

حتى يدعى عليه في المحاجة انه بما قاله قد دخل في حكم من يجعل أحد الشاعرين عياال على اآلخر

في تصور معنى الشجاعة وأنها مما يمدح به وان الجهل مما يذم به فأما أن يقوله صريحا ويرتكبه

قصدا فال

وأما االتفاق في وجه الداللة على الغرض فيجب أن ينظر فإن كان مما اشتراك الناس في معرفته وكان

مستقرا في العقول والعادات فإن حكم ذلك وإن كان خصوصا في المعنى حكم العموم الذي تقدم ذكره من ذلك التشبيه باألسد في الشجاعة وبالبحر في

السخاء وبالبدر في النور والبهاء وبالصبح في الظهور والجالء ونفى االلتباس عنه والخفاء وكذلك قياس الواحد في خصلة من الخصال على المذكور

بذلك والمشهور به والمشار إليه سواء كان ذلك ممن حضرك في زمانك أو كان ممن سبق في األزمنة

الماضية والقرون الخالية ألن هذا مما ال يختص بمعرفته قوم دون قوم وال يحتاج في العلم به إلى

روية واستنباط وتدبر وتأمل وإنما هو في حكم الغرائز المركوزة في النفوس والقضايا التي وضع

العلم بها في القلوب وإن كان مما ينتهي إليه المتكلم بنظر وتدبر ويناله

بطلب واجتهاد ولم يكن كاألول في حضوره إياه وكونه في حكم ما يقابله الذي ال معاناة عليه فيه وال حاجة به إلى المحاولة والمزاولة والقياس والمباحثة

واالستنباط____________________

(1/294)

واالستنارة بل كان من دونه حجاب يحتاج إلى خرقة بالنظر وعليه كم يفتقر إلى شقة بالتفكر وكان درا في قعر بحر ال بد له من تكلف الغوص لليه وممتنعا

في شاهق ال يناله إال بتجشم الصعود إليه وكامنا كالنار في الزند ال يظهر حتى يقتدحه ومشابكا لغيره كعروق الذهب التي ال تبدى صفحتها بالهوينا بل تنال

بالحفر عنها وبعرق الجبين في طلب التمكن منها نعم إذا كان هذا شأنه وههنا مكانه وبهذا الشرط

يكون امكانه فهو الذي يجوز أن يدعى فيه االختصاص والسبق والتقدم واألولية وان يجعل فيه سلف وخلف

ومفيد ومستفيد وأن يقضى بين القائلين فيه بالتفاضل والتباين وان أحدهما فيه أكمل من اآلخر وأن الثاني زاد على األول ونقص عنه وترقى إلى

غاية أبعد من غايته او انحط إلى منزلة هي دون

منزلته واعلم أن ذلك األول وهو المشترك العامي والظاهر الجلي والذي قلت إن التفاضل ال يدخله والتفاوت ال يصح فيه إنما يكون كذلك منه ما كان صريحا ظاهرا لم تلحقه صنعة وساذجا لم يعمل فيه نقش فأما إذا

ركب عليه معنى ووصل به لطيفة ودخل إليه من باب الكناية والتعريض والرمز والتلويح فقد صار بما غير

من طريقته واستؤنف من صورته واستجد له من المعرض وكسى من ذلك التعرض داخال في قبيل الخاص الذي يملك بالفكرة والتعمل ويتوصل إليه

بالتدبر والتأمل____________________

(1/295)

وذلك كقولهم وهم يريدون التشبيه سلبن الظباءالعيون كقول بعض العرب

) سلبن ظباء ذى نفر طالها ** ونجل األعين البقرالصوارا (

وكقوله ) إن السحاب لتستحي إذا نظرت ** إلى نداك

فقاسته بما فيها ( وكقوله

) لم تلق هذا الوجه شمس نهارها ** إال بوجه ليسفيه حياء (

وكقوله ) واهتز في درع الندى فتحركت ** حركات غصن

البانة المتأود ( وكقوله

) فأقصيت من قرب إلى ذي مهابة ** اقابل بدراألفق حين أقابله (

) إلى مسرف في الجود لو أن حاتما ** لديه ألمسىحاتم وهو عاذله (

فهذا كله في أصله ومغزاه وحقيقة معناه تشبيه ولكن كنى لك عنه وخودعت فيه وأتيت به من طريق

الخالبة في مسلك السحر ومذهب التخييل فصار لذلك غريب الشكل بديع الفن منيع الجانب ال يدين

لكل أحد يأبى العطف ال يدين به إال للمروى المجتهد وإذا حققت النظر فالخصوص الذي تراه والحالة التي

تراها تنفى االشتراك وتاباه إنما هما من أجل انهم جعلوا التشبيه مدلوال عليه بأمر آخر ليس هو من

قبيل الظاهر المعروف بل هو في حد لحن القولوالتعمية اللذين يتعمد فيهما

____________________

(1/296)

إلى إخفاء المقصود حتى يصير المعلوم اضطرارايعرف امتحانا واختبارا كقوله

) مررت بباب هند فكل متنى ** فال والله ما نطقتبحرف (

فكما يوهمك باتفاق اللظ أنه أراد الكالم وان الميم موصولة بالالم كذلك المشبه إذا قال سرقن الظباء العيون فقد أوهم ان ثم سرقة وأن العيون منقولة

إليها من الظباء وإن كنت تعلم إذا نظرت أنه يريد أن يقول إن عيونها كعيون الظباء في الحسن والهيئة

وفترة النظر وكذلك يوهمك بقوله إن السحاب لتستحيى إن السحاب حي يعرف ويعقل وأنه يقيس

فيضه بفيض كف الممدوح فيخزى ويخجل فاالحتفال والصنعة في التصويرات التي تروق السامعين

وتروعهم والتخيالت التي تهز الممدوحين وتحركهم وتفعل فعال شبيها بما يقع في نفس الناظر إلى

التصاوير التي يشكلها الحذاق بالتخطيط والنقش او بالنحت والنقر فكما أن تلك تعجب وتخلب وتروق

وتونق وتدخل النفس من مشاهدتها حالة غريبة لم تكن قبل رؤيتها ويغشاها ضرب من الفتنة ال ينكر

مكانه وال يخفى شأنه فقد عرفت قضية األصنام وما عليه أصحابها من االفتتان بها واإلعظام لها كذلك

حكم الشعر فيما يصنعه من الصور ويشكله من البدع ويوقعه في النفوس من المعاني التي يتوهم بها الجامد الصامت في صورة الحي الناطق والموات

األخرس في قضية الفصيح المعرب والمبين المميز والمعدوم المفقود في حكم الموجود المشاهد كما

قدمت القول عليه في باب التمثيل حتى يكسب

الدنى رفعة والغامض القدر نباهة وعلى العكس يغض من شرف الشريف ويطأ من قدر

ذي العزة____________________

(1/297)

المنيف ويظلم الفضل ويتهضمه ويخدش وجه الجمال ويتخونه ويعطى الشبهة سلطان الحجة ويرد الحجة إلى صيغة الشبهة ويصنع من المادة الخسيسة بدعا

يغلو في القيمة ويعلو ويفعل من قلب الجواهر وتبديل الطبائع ما ترى به الكيمياء وقد صحت ودعوى اإلكسير وقد وضحت إال انها روحانيه تتلبس باألوهام

واألفهام دون اإلجسام واألجرام وكذلك قال ) يرى حكمة ما فيه وهو فكاهة ** ويقضى بما يقضى

به وهو ظالم ( وقال

) عليم بإبدال الحروف وقامع ** لكل خطيب يقمعالحق باطلة (

وقال ابن سكرة فأحسن ) والشعر نار بال دخان ** وللقوافي رقى لطيفة (

) لو هجى المسك وهو أهل ** لكل مدح لصار جيفة (

) كم من معتل في المحل سام ** هوت به احرفخفيفة (

وقد عرفت ما كان سبيله من أهي القبيلة الذينكانوا يعيرون بأنف الناقة حين قال الحطيئة

) قوم هم األنف واألذناب غيرهم ** ومن يسوىبأنف الناقة الذنبا (

فنفى العار ووضح االفتخار وجعل ما كان نقصا وشينا فضال وزينا وما كان لقبا ونبزا يسوء السمع

شرفا وعزا يرفع الطرف وما ذاك إال بحسن االنتزاعولطف القريحة الصناع والذهن الناقد في دقائق

____________________

(1/298)

اإلحسان واإلبداع كما كساهم الجمال من حيث كانوا عروا منه وأثبتهم في نصاب الفضل من حيث نفوا

عنه فلرب أنف سليم قد وضع الشعر عليه حده فجدعه واسم رفيع قلب معناه حتى حط به صاحبه

ووضعه كما قال ) يا حاجب الوزراء إنك عندهم ** سعد ولكن أنت سعد

الذابح ( ومن العجب في ذلك قول القائل في كثير بن أحمد ) لو علم الله فيه خيرا ** ما قال ال خير في كثير ( فانظر من إي مدخل دخل عليه وكيف بالهوينا هدى

البالء إليه وكثير هذا هو الذي يقول فيه الصاحب ومثل كثير في الزمان قليل فقد صار االسم الواحد

وسيلة إلى الهدم والبناء والمدح والهجاء وذريعة إلىالتزيين والتهجين

ومن عجيب ما اتفق في هذا الباب قول ابن المعتز في ذم القمر واجتراؤه بقدرة البيان على تقبيحه

وهو األصل والمثل وعليه االعتماد والمعول في تحسين كل حسن وتزيين كل مزين وأول ما يقع في النفوس إذ أريد المبالغة في الوصف بالجمال والبلوغ

فيه غاية الكمال فيقال وجه كأنه القمر وكأنه فلقة قمر ذلك لثقته بأن هذا القول إذا شاء سحر وقلب

الصور وأنه ال يهاب أن يخرق اإلجماع ويسحر العقولويقتسر الطباع وهو

) يا سارق األنوار من شمس الضحى ** يا مشكليطيب الكرى ومنغصي (

) أما ضياء الشمس فيك فناقص ** وأرى حرارة نارهالم تنقص (

) لم يظفر التشبيه منك بطائل ** متسلخ بهقا كلوناألبرص (

____________________

(1/299)

وقد علم أنه ليس في الدنيا مثله أخزى وأشنع ونكال أبلغ وأفظع ومنظر أحق بأن يمأل النفوس إنكارا وتنزعج القلوب استفظاعا له واستنكارا ويغرى

األلسنة باالستعاذة من سوء القضاء ودرك الشقاء من أن يصلب المقتول ويشبح في الجذع ثم قد ترى

مرثية أبي الحسن البن بقية حين صلب وما صنع فيها من السحر حتى قلب جملة ما يستنكر من أحوال

المصلوب إلى خالفها وتأول فيها تأويالت أراك فيهاوبها ما يقضى منه العجب

) علو في الحياة وفي الممات ** بحق أنت إحدىالمعجزات (

) كأن الناس حولك حين قاموا ** وفود ندك أيامالصالت (

) كأنك قائم فيهم خطيب ** وكلهم قيام للصالة ( ) مددت يديك نحوهم احتفاء ** كمدهما إليهم بالهبات

) ) ولما ضاق بطن األرض عن أن ** يضم عالك من بعد

الممات ( ) اصاروا الجو قترك واستنابوا ** عن االكفان ثوب

السافيات ( ) لعظمك في النفوس تبيت ترعى ** بحراس وحفاظ

ثقات ( ) وتشعل عندك النيران ليال ** كذلك كنت أيام

الحياة ( ) ركبت مطية من قبل زيد ** عالها في السنين

الماضيات ( ) وتلك فضيلة فيها تأس ** تباعد عنك تعيير العداة (

) أسأت إلى الحوادث فاستثارت ** فأنت قتيل ثأرالنائبات (

____________________

(1/300)

) ولو أنى قدرت على قيامي ** بفرضك والحقوقوالواجبات (

) مألت األرض من نظم القوافي ** ونحت بها خاللالنائحات (

) ولكنى أصبر عنك نفسي ** مخافة أن أعد منالجناة (

) وما لك تربة فأقول تسقى ** ألنك نصب هطل

الهاطالت ( ) عليك تحية الرحمن تترى ** برحمات غواد رائحات (

ومما هو من هذا الباب إال أنه مع ذلك احتجاج عقليصحيح قول المتنبي

) وما التأنيث السم الشمس عيب ** وال التذكير فخرللهالل (

فحق هذا أن يكون عنوان هذا الجنس وفي صدر صحيفته وطرازا لديباجته ألنه دفع النقص وإبطال له

من حيث يشهد العقل للحجة التي نطق بها بالصحة وذلك أن الصفات الشريفة شريفة بأنفسها وليس شرفها من حيث الموصوف وكيف واألوصاف سبب

التفاضل بين الموصوفات فكان الموصوف شريفا أو غير شريف من حيث الصفة ولم تكن الصفة شريفة أو خسيسة من حيث الموصوف وإذا كان األمر كذلك وجب أن ال يعترض على الصفات الشريفة بشيء إن

كان نقصا فهو في خارج منها وفيما ال يرجع إليها أنفسها وال حقيقتها وذلك الخارج ههنا هو كون

الشخص على صورة دون صورة وإذا كان كذلك كان األمر فمقدار ضرر التأنيث إذا وجد في الخلقة على

األوصاف الشريفة مقداره إذا وجد في االسم الموضوع للشيء الشريف ألنه في أن ال تأثير له من

طريق العقل في تلك األوصاف في الحالين على صورة واحدة ألن الفضائل التي بها فضل الرجل على

المرأة لم تكن فضائل ألنها قارنت صورة التذكير وخلقته وال أوجبت ما أوجبت من التعظيم القترانها

بهذه الخلقة دون تلك بل____________________

(1/301)

إنما أوجبته ألنفسها ومن حيث هي كما ان الشيء لم يكن شريفا أو غير شريف من حيث أنث اسمه أو ذكر

بل يثبت الشرف وغير الشرف للمسميات من حيث أنفسها وأوصافها ال من حيث أسماؤها الستحالة أن

يتعدى من لفظ هو صوت مسموع نقص أو فضل إلىما جعل عالمة له فاعرفه

واعلم أن هذا هو الصحيح في تفسير هذا البيت

والطريقة المستقيمة في الموازنة بين تأنيث الخلقة وتأنيث االسم ال أن يقال إن المعنى أن المرأة إذا

كانت في كمال الرجل من حيث العقل والفضل وسائر الخالل الممدوحة كانت من حيث المعنى رجال

وان عدت في الظاهر امرأة ألجل أنه يفسد من وجهين أحدهما أنه قال وال التذكير فخر للهالل

ومعلوم أنه ال يريد أن يقول أن الهالل وأن ذكر في لفظه فهو مؤنث في المعنى لفساد ذلك وألجل أنه

إن كان يريد أن يضرب تأنيث اسم الشمس مثال لتأنيث المؤنثة على معنى أنها في المعنى رجل وان

يثبت لها تذكيرا فأى معنى ألن يعود فينحنى على التذكير ويغض منه ويقول إنه ليس بفخر للهالل هذا

بين التناقض____________________

(1/302)

فصل في حدى الحقيقة والمجاز واعلم ان كل واحد من وصفي المجاز والحقيقة إذا

كان الموصوف به الفرد غير حده إذا كان موصوفا به الجملة وإنا نحدهما في المفرد كل كلمة أريد بها ما

وقعت له في وضع واضع وإن شئت قلت في مواضعه وقوعا ال يستند فيه إلى غيره فهي حقيقة وهذه عبارة تنتظم الوضع األول وما تأخر عنه كلغة تحدث في قبيلة من العرب أو في جميع العرب أو في جميع الناس مثال أو تحدث اليوم ويدخل فيها

األعالم منقولة كانت كزيد وعمرو أو مرتجلة كغطفان وكل كلمة استؤنف بها على الجملة مواضعة أو ادعى

االستئناف فيها وإنما اشترطت هذا كله ألن وصف اللفظه بأنها

حقيقة أو مجاز حكم فيها من حيث أن لها داللة على الجملة ال من حيث هي عربية أو فارسية أو سابقة في الوضع أو محدثة مولدة فمن حق الحد أن يكون

بحيث يجرى في جميع األلفاظ الدالة ونظير هذا نظير أن تضع حدا لالسم والصفة في أنك تضعه

بحيث لو اعتبرت به لغة غير لغة العرب وجدته يجرى فيها جريانه في العربية ألنك تحد من جهة ال

اختصاص لها بلغة دون لغة أال ترى أن حدك الخبر بأنه

ما احتمل الصدق والكذب مما ال يخص لسانا دون لسان ونظائر ذلك كثيرة وهو أحد ما غفل عنه الناس

ودخل عليهم اللبس فيه حتى ظنوا أنه ليس لهذا العلم قوانين عقليه وأن مسائلة كلها مشبهة باللغة

في كونها اصطالحا يتوهم عليها النقل والتبديل ولقد فحش غلطهم فيه وليس هذا موضع القول في

ذلك وإن أردت أن تمتحن هذا الحد فانظر إلى قولك األسد

تريد به____________________

(1/303)

السبع فإنك تراه يؤدى جميع شرائطه ألنك قد أردت به ما يعلم أنه وقع له في وضع واضع اللغة وكذلك تعلم أنه غير مستند في هذا الوقوع إلى شيء غير

السبع أي ال يحتاج أن يتصور له أصل أداة إلى السبع من أجل التباس بينهما ومالحظة وهذا الحكم إذا

كانت الكلمة حادثة ولو وضعت اليوم متى كان وضعها كذلك وكذلك األعالم وذلك أنى قلت ما وقعت له في

وضع واضع أو مواضعة على التنكير ولم أقل في وضع الواضع الذي ابتدأى اللغة أو في المواضعة

اللغوية فيتوهم أن األعالم أو غيرها مما تأخر وضعه عن أصل اللغة يخرج عنه ومعلوم أن الرجل يواضع قومه في اسم ابنه فإذا سماه زيدا فحاله اآلن فيه

كحال واضع اللغة حين جعله مصدرا لزاد يزيد وسبق واضع اللغة في وضعه للمصدر المعلوم ال يقدح في اعتبارنا ألنه يقع عند تسميته به ابنه وقوعا باتا وال

تستند حاله هذه إلى السابق من حاله بوجه منالوجوه

وأما المجاز فكل كلمة أريد بها غير ما وقعت له في وضع واضعها لمالحظة بين الثاني واألول فهي مجاز

وإن شئت قلت كل كلمة جزت بها ما وقعت له في وضع الواضع إلى ما لم توضع له من غير أن تستأنف فيها وضعا لمالحظة بين ما تجوز بها إليه وبين أصلها الذي وضعت له في وضع واضعها فهي مجاز ومعنى

المالحظة هو أنها تستند في الجملة إلى غير هذا

الذي تريده بها اآلن إال أن هذا االستناد يقوى ويضعف بيانه ما مضى من أنك إذا قلت رأيت أسدا

تريد رجال شبيها باألسد لم يشتبه عليك األمر في حاجة الثاني إلى األول إذ ال يتصور أن يقع األسد للرجل على هذا المعنى الذي أردته على التشبيه

على حد المبالغة وإيهام أن معنى من األسد____________________

(1/304)

حصل فيه إال بعد أن تجعل كونه اسما للسبع إزاء عينيك فهذا استناد تعلمه ضرورة ولو حاولت دفعه عن وهمك حاولت محاال فمتى عقل فرع من غير

أصل ومشبه من غير مشبه به وكل ما طريقه التشبيه فهذا سبيله أعنى كل اسم جرى على الشيء

لالستعارة فاإلسناد فيه قائم ضرورة وأما ما عدا ذلك فال يقوى استناده هذه القوة حتى لو

حاول محاول أن ينكره أمكنه في ظاهر الحال ولم يلزمه به خروج إلى المحال وذلك كاليد للنعمة لو

تكلف متكلف فزعم أنه وضع مستأنف أو في حكم لغة مفردة لم يمكن دفعه إال برفق وباعتبار خفي

وهو ما قدمت من أنا رأيناهم ال يوقعون هذه اللفظة على ما ليس بينه وبين هذه الجارحة التباس

واختصاص ودليل آخر وهو أن اليد ال تكاد تقع للنعمة إال وفى الكالم إشارة إلى مصدر تلك النعمة وإلى المولى لها وال تصلح حيث تراد النعمة مجردة من

إضافة لها إلى المنعم أو تلويح به بيان ذلك أن تقول اتسعت النعمة في البلد وال تقول اتسعت اليد في

البلد وتقول اقتنى نعمه وال تقول اقتنى يدا وأمثال ذلك تكثر إذا تأملت وإنما يقال جلت يده عندي وكثرت

أياديه لدى فتعلم أن األصل صنائع يده وفوائده الصادرة عن يده وآثار يده ومحال أن تكون اليد اسما للنعمة هكذا على اإلطالق ثم ال تقع موقع النعمة لو

جاز ذلك لجاز أن يكون المترجم للنعمة باسم لها في لغة أخرى واضعا اسمها من تلك اللغة في مواضع ال

تقع النعمة فيها من لغة العرب وذلك محال ونظير هذا قولهم في صفة راعى اإلبل إن له عليها

أصبعا أي أثرا حسنا وأنشدوا____________________

(1/305)

) ضعيف العصا بادي العروق ترى له ** عليها إذا ماأجدب الناس أصبعا (

وأنشد شيخنا رحمه الله مع هذا البيت قول اآلخر صلب العصا بالضرب قد دماها أي جعلها كالدمى في

الحسن وكأن قوله صلب العصا وإن كان ضد قول اآلخر ضعيف العصا فإنهما يرجعان إلى غرض واحد وهو حسن الرعية والعمل بما يصلحها ويحسن أثره عليها فأراد األول يجعله ضعيف العصا أنه رفيق بها

مشفق عليها ال يقصد من حمل العصا ان يوجعها بالضرب من غير فائدة فهو يتخير ما الن من العصى وأراد الثاني أنه جيد الضبط لها عارف بسياستها في

الرعي يزجرها عن المراعى التي ال تحمد ويتوخى بها ما تسمن عليه ويتضمن أيضا أنه يمنعها عن التشرد

والتبدد وأنها لما عرفت من شدة شكيمته وقوة عزيمته تنساق وتستوثق في الجهة التي يريدها من غير أن يجدد لها في كل حال ضربا وقال آخر صلب العصا جاف عن التغزل فهذا لم يبين ما بينه اآلخر

وأعود إلى الغرض فأنت اآلن ال تشك أن األصبع مشار بها إلى أصبع اليد وأن وقوعها بمعنى األثر الحسن ليس على أنه وضع

مستأنف في إحدى اللغتين أال تراهم ال يقولون رأيت أصابع الدار بمعنى آثار الدار وله أصبع حسنة وأصبع

قبيحة على معنى أثر حسن وأثر قبيح ونحو ذلك وإنما أرادوا أن يقولوا له عليها أثر حذق فدلوا عليه باألصبع ألن األعمال الدقيقة لها اختصاص باألصابع

وما من حذق في عمل يد إال وهو مستفاد من حسنتصريف األصابع

____________________

(1/306)

واللطف في رفعها ووضعها كما يعلم في الخط والنقش وكل عمل دقيق وعلى ذلك قالوا في تفسير قوله عز وجل ) ^ بلى قادرين على أن نسوى بنانه (

أي نجعلها كخف البعير فال تتمكن من األعمال اللطيفة فكما علمت مالحظة األصبع ألصلها وامتناع

أن تكون مستأنفة بأنك رأيتها ال يصح استعمالها حيث يراد األثر على اإلطالق وال يقصد اإلشارة إلى حذق

في الصنعة وأن تجعل أثر األصبع أصبعا كذلك ينبغي أن تعلم ذلك في اليد لقيام هذه العلة فيها أعنى إن لم تجعل أثر اليد يدا لم تقع للنعمة مجردة من هذه اإلشارات وحيث ال يتصور ذلك كقولنا اقتنى نعمة

فاعرفه ويشبه هذا في أن عبر عن أثر اليد واألصبع باسمهما

وضعهم الخاتم موضع الختم كقولهم عليه خاتم الملك وعليه طابع من الكرم والمحصول أثر الخاتم

والطابع قال ) وقلن حرام قد أحل بربنا ** وتترك أموال عليها

الخواتم ( وكذا قول اآلخر

) إذا فضت خواتمها وفكت ** يقال لها دم الودجالذبيح (

وأما تقدير الشيخ أبى على في هذين البيتين حذف المضاف وتأويله على معنى وتترك أموال عليها نقش

الخواتم وإذا فض ختم خواتمها فبيان لما يقتضيه الكالم في أصله دون أن يكون األمر على خالف ما

ذكرت من جعل أثر الخاتم خاتما وأنت إذا نظرت إلى الشعر من جهته الخاصة به وذقته بالحاسة المهيأة

لمعرفة طعمه لم تشك في ان األمر على ما أشرت لك إليه ويدل على أن المضاف قد وقع في المنسأة

وصار كالشريعة المنسوخة تأنيث الفعل في قوله____________________

(1/307)

إذا فضت خواتما ولو كان حكمه باقيا لذكرت الفعلكما تذكره مع اإلظهار والستقصاء هذا موضع آخر

وينظر إلى هذا المكان قولهم ضربته سوطا ألنهم عبروا عن الضربة التي هي واقعة بالسوط باسمه

وجعلوا أثر السوط سوطا ويعلم على ذلك أن تفسيرهم له بقولهم إن المعنى ضربته ضربه بسوط بيان لما كان عليه الكالم في أصله وأن ذلك قد نسى

ونسخ وجعل كأن لم يكن فاعرفه وأما إذا أريد باليد القدرة فهي إذن أحن إلى موضعها الذي بدئت منه واضبت بأصلها ألنك ال تكاد تجدها تراد

معها القدرة إال والكالم مثل صريح ومعنى القدرة منتزع من اليد مع غيرها أو هناك تلويح بالمثل فمن

الصريح قولهم فالن طويل اليد يراد فضل القدرة فأنت لو وضعت القدرة ههنا في موضع اليد أحلت

كما أنك لو حاولت في قول النبي وقد قالت له نساؤه أيتنا أسرع لحاقا بك يا رسول الله فقال

أطولكن يدا يريد السخاء والجود وبسط اليد بالبذل إن تضع موضع اليد شيئا مما أريد بهذا الكالم خرجت

عن المعقول وذلك أن الشبه مأخوذ من مجموع الطول واليد مضافا ذلك إلى هذه وطلبه من اليد

وحدها طلب الشيء على غير وجهه ومن الظاهر في كون الشبه مأخوذا ما بين اليد

وغيرها قوله تعالى ) ^ يا أيها الذين آمنوا ال تقدموابين يدي الله ورسوله ( المعنى على أنهم

____________________

(1/308)

أمروا باتباع األمر فلما كان المتقدم بين يدي الرجل خارجا عن صفة المتابع له ضرب له جملة هذا الكالم

مثال لألتباع في األمر فصار النهى عن التقدم متعلقا باليد نهيا عن ترك األتباع فهذا مما ال يخفى على ذي عقل أنه ال تكون فيه اليد بانفرارها عبارة عن شىء

كما يتوهم أنها عبارة عن النعمة ومتناولة لها كالوضع المستأنف حتى عن كأن لو لم تكن قط اسم

جارحة وهكذا قول النبي المؤمنون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم ادناهم وهم يد على من سواهم المعنى وإن كان على قولك وهم عون على من

سواهم فال تقول إن اليد بمعنى العون حقيقة بل

المعنى أن مثلهم مع كثرتهم في وجوب االتفاق بينهم مثل اليد الواحدة فكما ال يتصور أن يخذل بعض

أجزاء اليد بعضا وأن تختلف بها الجهة في التصرف كذلك سبيل المؤمنين في تعاضدهم عل المشركين

ألن كلمة التوحيد جامعة لهم فلذلك كانوا كنفس واحدة فهذا كله مما يعترف لك كل أحد فيه بأن اليد على انفرادها ال تقع على شئ فيتوهم لها نقل من

معنى إلى معنى على حد وضع االسم واستئنافه فأما ما تكون اليد فيه للقدرة على سبيل التلويح

بالمثل دون التصريح حتى ترى كثيرا من الناس يطلق القول أنها بمعنى القدرة ويجريها مجرى اللفظ يقع

لمعنيين فكقوله تعالى ) ^ والسموات مطويات بيمينه ( تراهم يطلقون أن اليمين بمعنى القدرة

ويصلون إليه قول الشماخ ) إذا ما راية رفعت لمجد ** تلقاها عرابة باليمين (

____________________

(1/309)

كما فعل أبو العباس في الكامل فإنه أنشد البيت ثم قال قال أصحاب المعاني معناه بالقوة وقالوا مثل

ذلك في قوله تعالى ) ^ والسموات مطويات بيمينه ( وهذا منهم تفسير على الجملة وقصد إلى نفى

الجارحة بسرعة خوفا على السامع من خطرات تقع للجهال وأهل التشبيه جل الله وتعالى عن شبه

المخلوقين ولم يقصدوا إلى بيان الطريقة والجهة التي منها يحصل على القدرة والقوة وإذا تأملت

علمت أنه على طريقة المثل وكما أنا نعلم في صدر هذه اآلية وهو قوله عز وجل ) ^ واألرض جميعا

قبضته يوم القيامة ( أن محصول المعنى على القدرة ثم ال نستجيز ان نجعل القبضة اسما للقدرة بل نصير

إلى القدرة من طريق التأويل والمثل فنقول إن المعنى والله أعلم أن مثل األرض في تصرفها تحت

أمر الله وقدرته وأنه ال يشذ شيء مما فيها عن سلطانه عز وجل مثل الشيء يكون في قبضة اآلخذ

له مناو الجامع يده عليه كذلك حقنا أن نسلك بقوله ) ^ مطويات بيمينه ( هذا المسلك فكان المعنى والله

أعلم انه عز وجل يخلق فيها صفة الطي حتى ترى كالكتاب المطوي بيمين الواحد منكم وخص اليمين

لتكون أغلى وأفخم للمثل وإذا كنت تقول األمر كله لله فتعلم انه على سبيل أن ال سلطان الحد دونه وال

استبداد وكذلك إذا قلت للمخلوق األمر بيدك أردت المثل وأن األمر كالشيء يحصل في يده من حيث ال

يمتنع عليه فما معنى التوقف في أن اليمين مثل وليست باسم للقدرة وكاللغة المستأنفة ومن أين يتصور ذلك وأنت ال تراها تصلح حيث ال وجه للمثل والتشبيه فال يقال هو عظيم اليمين بمعنى عظيم

القدرة وقد عرفت يمينك على هذا كما نقول عرفت قدرتك وهكذا شأن البيت إذا حسنت النظر وجدته إذا

لم تأخذه من طريق المثل____________________

(1/310)

ولم تأخذ مجموع المعنى من مجموع التلقي واليمينعلى حسد قولهم تقبله بكلتا اليدين وكقوله

) ولكن تلقت باليدين ضمانتي ** وحل بفلج والقنافذعودي (

وقبل هذا البيت ) لعمرك ما ملت ثواء ثويها ** دليجة إذ ألقى مراسى

مقعد ( وهو يشكوك إلى طبع الشعر ورأيت المعنى يتألم

ويتظلم وإن أردت ان تختبر ذلك فقل ) إذا ما راية رفعت لمجد ** تناولها عرابة باليمين (

ثم انظر هل تجد ما كنت تجد إن كنت ممن يعرف طبع الشعر ويفرق بين التفه الذي ال يكون له طعم

وبين الحلو اللذيذ ومما يبين ذلك من جهة العبارة أن الشعر كما تعلم لمدح الرجل بالجود والسخاء ألنه سأل الشماخ عما أقدمه فقال جئت المتار فأوقر

رواحله تمرا وبرا وأتحفه بغير ذلك وإذا كان كذلك كان المجد الذي تطاول له ومد إليه

يده من المجد الذي أراده أبو تمام بقوله ) توجع ان رأت جسمي نحيفا ** كان المجد يدرك

بالصراع (

ولو كان في ذكر البأس والبطش وحيث تراد القوة والشدة لكان حمل اليمين على صريح القوة أشبه وبان يقع منه في القلب معنى يتماسك اجدر فإن

قال أراد تلقاها بجد وقوة رغبة قيل فينبغي أن يضعاليمين في مثل هذه

____________________

(1/311)

المواضع ومن التزم ذلك فالسكوت عنه أحسن وما زال الناس يقولون للرجل إذا أرادوا حثه على األمر

وان يأخذ فيه بالجد أخرج يدك اليمنى وذاك أنها أشرف اليدين وأقواهما والتي ال غناء لألخرى دونها

فال عنى إنسان بشيء إال بدأ بيمينه فهيأها لنيله ومتى ما قصدوا جعل الشيء في جهة العناية جعلوه

في اليد اليمنى وعلى ذلك قول البحتري ) وإن يدي وقد أسندت أمري ** إليه اليوم في يدك

اليمين ( أليه يعنى إلى يونس بن بغا وكان حظيا عند الممدوح

وهو المعتز بالله ولو ان قائال قال ) إذا ما راية رفعت لمجد ** ومكرمة مددت لها اليمينا

) لم تره عادال باليمين عن الموضع الذي وضعها

الشماخ فيه ولو أن هذا التأويل منهم كان في قولسليمان بن قته العدوى

) بنى تيم بن مرة إن ربى ** كفاني أمركموكفاكمونى (

) فحيوا ما بدا لكم فإنى ** شديد الفرس للضغنالحرون (

) يعانى فقدكم أسد مدل ** شديد األسر يضبثباليمين (

لكانوا أعذر فيه ألن المدح مدح بالقوة والشدة وعلى ذلك فإن اعتبار األصل الذي قدمت وهو أنك ال ترى

اليمين حيث ال معنى لليد يقف بنا____________________

(1/312)

على الظاهر كأنه قال إذا ضبث ضبث باليمين ومما يبين موضع بيت الشماخ إذا اعتبرت به قول

الخنساء ) إذا القوم مدوا بأيديهم ** إلى المجد مد إليه يدا (

) فنال الذي فوق أيديهم ** من المجد ثم مضىمصعدا (

إذا رجعت إلى نفسك لم تجد فرقا بين أن يمد إلى المجد يدا وبين أن يتلقى رايته باليمين وهذا إن أردت

الحق أبين من أن تحتاج فيه إلى فضل قول إال أن هذا الضرب من الغلط كالداء الدوي حقه أن

يستقصي في الكي عليه والعالج منه فجنايته على معاني ما شرف من الكالم عظيمة وهو مادة

للمتكلفين في التأويالت البعيدة واألقوال الشنيعة ومثل من توقف في التفات هذه األسامى إلى

معانيها األول وظن أنها مقطوعة عنها قطعا يرفع الصلة بينها وبين ما جازت إليه مثل من إذا نظر في

قوله تعالى ) ^ ان في ذلك لذكرى لمن كان له قلب ( فرأى المعنى على الفهم والعقل أخذه ساذجا وقلبه غفال وقال القلب ههنا بمعنى العقل وترك أن يأخذه من جهته ويدخل إلى المعنى من طريق المثل

فيقول انه حين لم ينتفع بقلبه ولم يفهم بعد أن كان القلب للفهم جعل كأنه قد عدم القلب جملة وخلع

من صدره خلعا كما جعل الذي ال يعي الحكمة وال يعمل الفكر فيما تدركه عينه وتسمعه أذنه كأنه عادم

للسمع والبصر وداخل في العمى والصمم ويذهب عن أن الرجل إذا قال قد غاب عنى قلبي وليس

يحضرني قلبي فإنه يريد أن يخيل إلى السامع انه قدفقد قلبه دون أن يقول

____________________

(1/313)

غاب عنى علمي وعزب عقل وإن كان المرجع عند التحصيل إلى ذلك كما انه إذا قال لم أكن ههنا يريد شدة غفلته عن الشيء فهو يضع كالمه على تخييل

أنه كان غاب هكذا بجملته وبذاته دون أن يريد الرجل

األخبار بان علمه لم يكن هناك وغرضي بهذا أن أعلمك أن من عدل عن الطريقة

في الخفي أفضى به األمر إلى أن ينكر الجلي وصار من دقيق الخطأ إلى الجليل ومن بعض االنحراف إلى ترك السبيل والذي جلب التخليط والخبط الذي تراه

في هذا الفن أن الفرق بين أن يكون التشبيه مأخوذا من الشيء وحده وبين أن يؤخذ ما بين شيئين وينتزع

من مجموع كالم هو كما عرفتك في الفرق بين االستعارة والتمثيل من أن من القول ما تدخل فيه

الشبهة على اإلنسان من حيث ال يعلم وهو من السهل الممتنع يريك أن قد انقاد وبه اباء ويوهمك

أن قد أثرت فيه رياضتك وبه بقية شماس ومن خاصيته أنك ال تفرق فيه بين الموافق

والمخالف والمعترف به والمنكر له فانك ترى الرجل يوافقك في الشىء منه ويقر بأنه مثل حتى إذا صار

إلى نظير له خلط إما في أصل المعنى وإما في العبارة فالتخليط في المعنى كما مضى من تأول اليمين على القوة وكذكرهم أن القلب في اآلية

بمعنى العقل ثم عدهم ذلك وجها ثانيا والتخليط فيالعبارة كنحو ما ذكره بعضهم في قوله

) هون عليك فإن األمور ** بكف اإلله مقاديرها ( فإنه استشهد به في تأويل خبر جاء في عظم الثواب

على الزكاة إذا كانت____________________

(1/314)

من الطيب ثم قال الكف ههنا بمعنى السلطان والملك والقدرة قال وقيل الكف ههنا بمعنى النعمة والخبر هو ما رواه أبو هريره عن النبي إن أحدكم إذا

تصدق بالتمرة من الطيب وال يقبل الله إال الطيب جعل الله ذلك في كفه فيربيها كما يربى أحدكم فلوه

حتى يبلغ بالتمرة مثل احد ما يظن بمن نظر في العربية يوما ان يتوهم أن الكف تكون على هذا

اإلطالق وعلى اإلنفراد بمعنى السلطان والقدرة والنعمة ولكنه أراد المثل فأساء العبارة إال أن من

سوء العبارة ما أثر التقصير فيه أظهر وضرره على الكالم أبين فاستقصاء هذا الباب ال يتم حتى يفرد

بكالم والوجه الرجوع إلى الغرض ويجب أن يعلم قبل ذلك أن خالف من خالف في اليد واليمين وسائر ما هو مجاز ال من طريق التشبيه الصريح او التمثيل ال

يقدح فيما قدمت من حد الحقيقة والمجاز ألنه ال يخرج في خالفه عن واحد من االعتبارين فمتى جعل اليمين على انفرادها تفيد القوة فقد جعلها حقيقة

وأغناها عن أن تستند في داللتها إلى شيء وإن اعترف بضرب من المجاز إلى الحاجة والنظر إليها

فقد وافق في أنها مجاز وكذا القياس في الباب كلهفاعرفه

____________________

(1/315)

فصل في المجاز العقلي والمجاز اللغوي والفرق بينهما

والذي ينبغي أن يذكر اآلن حد الكلمة في الحقيقة والمجاز إال أنك تحتاج أن تعرف في صدر القول عليها ومقدمته أصال وهو المعنى الذي من أجله

اختصت الفائدة بالجملة ولم تجز حصولها بالكلمة الواحدة كاالسم الواحد والفعل من غير اسم يضم إليه والعلة في ذلك أن مدار الفائدة في الحقيقة على اإلثبات والنفي أال ترى أن الخبر أول معاني

الكالم وأقدمها والذي تستند سائر المعاني إليه وتترتب عليه وهو ينقسم إلى هذين الحكمين وإذا ثبت ذلك فإن اإلثبات يقتضي مثبتا ومثبتا له ونحو

أنك إذا قلت ضرب زيد أو زيد ضارب فقد أثبت الضرب فعال أو وصفا وكذلك النفي يقتضي منفيا

ومنفيا عنه فإذا قلت ما ضرب زيد ما زيد ضارب فقد نفيت الضرب عن زيد وأخرجته عن أن يكون فعال له

فلما كان األمر كذلك احتيج إلى شيئين يتعلق اإلثبات والنفي بهما فيكون احدهما مثبتا واآلخر مثبتا له

وكذلك يكون أحدهما منفيا واآلخر منفيا عنه فكان ذانك الشيئان المبتدأ والخبر والفعل والفاعل وقيل للمثبت وللمنفى مسند وحديث وللمثبت له والمنفى

عنه مسند إليه ومحدث عنه وإذا رمت الفائدة أن تحصل لك من االسم الواحد أو الفعل وحده صرت

كأنك تطلب أن يكون الشيء الواحد مثبتا ومثبتا له

ومنفيا ومنفيا عنه وذلك محال فقد حصل من هذا أن لكل واحد من حكمى اإلثبات

والنفي حاجة إلى تقييده مرتين وتعلقه بشيئينتفسير ذلك أنك إذا قلت ضرب

____________________

(1/316)

زيد فقد قصدت إثبات الضرب لزيد فقولك إثبات الضرب تقييد لإلثبات بإضافته إلى الضرب ثم ال

يكفيك هذا التقييد حتى تقيده مرة أخرى فتقول إثبات الضرب لزيد فقولك لزيد تقييد ثان وفى حكم

إضافه ثانية وكما ال يتصور أن يكون ههنا إثبات مطلق غير مقيد بوجه أعنى أن يكون إثباتا وال مثبت له وال شىء يقصد بذلك اإلثبات إليه ال صفة وال حكم وال موهوم بوجه من الوجوه كذلك ال يتصور أن يكون ههنا إثبات مقيد تقييدا واحدا نحو إثبات شىء فقط

دون أن تقول إثبات شىء لشيء كما مضى من إثبات الضرب لزيد والنفي بهذه المنزلة فال يتصور نفى مطلق وال نفى شيء فقط بل يحتاج إلى قيدين

كقولك نفى شيء عن شيء فهذه هي القضية المبرمة الثابتة التي تزول

الراسيات وال تزول وال تنظر إلى قولهم فالن يثبت كذا أي يدعى أنه موجود وينفى كذا أي يقضى بعدمه

كقولنا أبو الحسن يثبت مثال جحدب بفتح الدال وصاحب الكتاب ينفيه ألن الذي قصدته هو اإلثبات

والنفي في الكالم ثم اعلم أن في اإلثبات والنفي بعد هذين التقييدين

حكما آخر هو كتقييد ثالث وذلك أن لإلثبات جهة وكذلك النفي ومعنى ذلك أنك تثبت الشيء للشيء

مرة من جهة وأخرى من جهة غير تلك األولى وتفسيره أنك تقول ضرب زيد فتثبت الضرب فعال

لزيد وتقول مرض زيد فتثبت المرض وصفا له وهكذا سائر ما كان من أفعال الغرائز والطباع وذلك في الجملة على ماال يوصف اإلنسان بالقدرة عليه نحو كرم وظرف وحسن وقبح وطال وقصر وقد يتصور

في الشيء الواحد أن تثبته من الجهتين____________________

(1/317)

جميعا وذلك في كل فعل دل على معنى يفعله اإلنسان في نفسه نحو قام وقعد إذا قلت قام زيد

فقد أثبت القيام فعال له من حيث تقول فعل القيام وأمرته بأن يفعل القيام وأثبته أيضا وصفا له من

حيث إن تلك الهيئه موجودة فيه وهو في اكتسابه لها كالشخص المنتصب والشجرة القائمة على ساقها التي توصف بالقيام ال من حيث كانت فاعلة له بل

من حيث كان وصفا موجودا فيها وإذ قد عرفت هذا األصل فههنا أصل آخر يدخل في غرضنا وهو أن األفعال على ضربين متعد وغير متعد

فالمتعدى على ضربين ضرب يتعدى إلى شيء هو مفعول به كقولك ضربت زيدا زيدا مفعول به ألنك

فعلت به الضرب ولم يفعله بنفسه وضرب يتعدى إلى شيء هو مفعول على اإلطالق وهو في الحقيقة

كفعل وكل ما كان مثله في كونه عاما غير مشتق من معنى خاص كصنع وعمل وأوجد وأنشأ ومعنى قولي من معنى خاص انه ليس كضرب الذي هو مشتق من الضرب أو أعلم الذي هو مأخوذ من العلم وهكذا كل

ما كان له مصدر ذلك المصدر في حكم جنس من المعاني فهذا الضرب إذا أسند إلى شيء كان

المنصوب له مفعول لذلك الشيء على اإلطالق كقولك فعل زيد القيام فالقيام مفعول في نفسه

وليس بمفعول به وأحق من ذلك أن تقول خلق الله األناسى وأنشأ العالم وخلق الموت والحياة المنصوب

في هذا كله مفعول مطلق ال تقييد فيه إذ منالمحال أن يكون معنى خلق العالم

____________________

(1/318)

فعل الخلق به كما تقول في ضربت زيدا فعلت الضرب بزيد ألن الخلق من خلق كالفعل من فعل فلو

جاز أن يكون المخلوق كالمضروب لجاز أن يكون المفعول نفسه كذلك حتى يكون معنى فعل القيام

فعل شيئا بالقيام وذلك من شنيع المحال وإذ قد عرفت هذا فاعلم أن اإلثبات في جميع هذا

الضرب أعنى فيما منصوبة مفعول وليس مفعوال به يتعلق بنفس المفعول فإذا قلت فعل زيد الضرب

كنت أثبت الضرب فعال لزيد وكذلك تثبت العالم في قولك خلق الله العالم خلقا لله تعالى وال يصح في شيء من هذا الباب أن تثبت المفعول وصفا البته

وتوهم ذلك خطأ عظيم وجهل نعوذ بالله منه وأما الضرب اآلخر وهو الذي منصوبة مفعول به فإنك

تثبت فيه المعنى الذي اشتق منه فعل فعال للشيء كإثباتك الضرب لنفسك في قولك ضربت زيدا فال

يتصور أن يلحق اإلثبات مفعوله ألنه إذا كان مفعوال به ولم يكن فعال لك استحال أن تثبته فعال وإثباته

وصفا أبعد في اإلحالة فأما قولنا في نحو ضربت زيدا أنك أثبت زيدا مضروبا فإن ذلك يرجع إلى انك تثبت الضرب واقعا به منك فأما أن تثبت ذات زيد لك فال يتصور ألن اإلثبات معنى ال بد له من جهة وال جهة

ههنا وهكذا إذا قلت أحيا الله زيدا كنت في هذا الكالم مثبتا الحياة فعال لله تعالى في زيد فأما ذات زيد فلم تثبتها فعال لله بهذا الكالم وإنما يتأتى لك ذلك بكالم آخر نحو أن تقول خلق الله زيدا وأوجده

وما شاكله كله مما ال يشتق____________________

(1/319)

من معنى خاص كالحياة والموت ونحوهما منالمعاني

وإذ قد تقررت هذه المسائل فينبغي أن تعلم أن من حقك إذا أردت أن تقضى في الجملة بمجاز أو حقيقة

أن تنظر إليها من جهتين إحداهما أن تنظر إلى ما وقع بها من اإلثبات أهو في حقه وموضعه أم قد زال عن الموضع الذي ينبغي أن

يكون فيه والثانية أن تنظر إلى المعنى المثبت أعنى ما وقع

عليه اإلثبات كالحياة في قولك أحيا الله زيدا والشيب في قولك أشاب الله رأسي أثابت هو على الحقيقة أم قد عدل به عنها وإذا مثل لك دخول المجاز على الجملة من الطريقين عرفت إثباتها على الحقيقة

منها فمثال ما دخله المجاز من جهة اإلثبات دون المثبت

قوله ) وشيب أيام الفراق مفارقي ** وأنشرن نفسي

فوق حيث تكون ( وقوله

) أشاب الصغير وأفنى الكبير ** كر الغداة ومرالعشى (

) المجاز واقع في اثبات الشيب فعال لأليام ولكر الليالي وهو الذي أزيل عن موضعه الذي ينبغي أن

يكون فيه ألن من حق هذا اإلثبات أعنى إثبات الشيب فعال أن ال يكون إال مع أسماء الله تعالى فليس يصح وجود الشيب فعال لغير القديم سبحانه وقد وجه في البيتين كما ترى إلى األيام والليالي وذلك ماال يثبت له فعل بوجه ال الشيب وال غير الشيب وأما المثبت فلم يقع فيه مجاز ألنه الشيب وهو موجود كما ترى وهكذا إذا قلت سرني الخبر وسرني لقاؤك فالمجاز في اإلثبات دون المثبت الن المثبت هو السرور وهو

حاصل على حقيقته ومثال ما دخل المجاز في مثبته دون إثباته قوله عز

وجل ) ^ أو من____________________

(1/320)

كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشى به في الناس ( وذاك أن المعنى والله أعلم على أن جعل العلم والهدى والحكمة حياة للقلوب على حد قوله

) ^ وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ( فالمجاز في المثبت وهو الحياة فأما اإلثبات فواقع على حقيقته

ألنه ينصرف إلى أن الهدى والعلم والحكمة فضل من الله وكائن من عنده ومن الواضح في ذلك قوله عز

وجل ) ^ فأحيينا به األرض بعد موتها ( وقوله ) ^ إن الذي أحياها لمحيى الموتى ( جعل خضرة األرض ونضرتها وبهجتها بما يظهره الله تعالى فيها من النبات واألنوار واألزهار وعجائب الصنع حياة لها

فكان ذلك مجازا في المثبت من حيث جعل ما ليس بحياة حياة على التشبيه فأما نفس اإلثبات فمحض

الحقيقة ألنه إثبات لما ضرب الحياة مثال له فعال للهتعالى وال حقيقة أحق من ذلك

وقد يتصور أن يدخل المجاز للجملة من الطريقين جميعا وذلك أن يشبه معنى بمعنى وصفة بصفة فيستعار لهذه اسم تلك ثم تثبت فعال لما ال يصح

الفعل منه أو فعل تلك الصفة فيكون أيضا في كل واحد من اإلثبات والمثبت مجاز كقول الرجل لصاحبه

أحيتني رؤيتك يريد آنستني وسرتني ونحوه فقد جعل األنس والمسرة الحاصلة بالرؤية حياة أوال ثم جعلالرؤية فاعلة لتلك الحياة وشبيه به قول المتنبي

) وتحيى له المال الصوارم والقنا ** ويقتل ما يحيىالتبسم والجدا (

جعل الزيادة والوفور حياة في المال وتفريقه في العطاء قتال ثم أثبت الحياة فعال للصوارم والقتل فعال

للتبسم مع العلم بأن الفعل ال يصح منهما ونوع منه أهلك الناس الدينار والدرهم جعل الفتنة هالكا على المجاز ثم أثبت الهالك فعال للدينار والدرهم وليسا

مما يفعالن فاعرفه____________________

(1/321)

وإذ قد تبين لك المنهاج في الفرق بين دخول المجاز في اإلثبات وبين دخوله في المثبت وبين أن

ينتظمهما وعرفت الصورة في الجميع فاعلم أنه إذا وقع في اإلثبات فهو متلقي من العقل فإذا عرض

في المثبت فهو متلقي من اللغة فإن طلبت الحجة على صحة هذه الدعوى فإن فيما قدمت من القول ما

بينها لك ويختصر لك الطريق إلى معرفتها وذلك أن اإلثبات إذا كان من شرطه أن يقيد مرتين كقولك إثبات شيء لشيء ولزم من ذلك أن ال يحصل إال

بالجملة التي هي تأليف بين حديث ومحدث عنه ومسند ومسند إليه علمت أن مأخذه العقل وأنه

القاضي فيه دون اللغة ألن اللغة لم تأت لتحكم بحكم أو لتثبت وتنفى وتنقض وتبرم فالحكم بأن الضرب فعل لزيد أو ليس بفعل له وأن المرض صفة له أو ليس بصفة له شيء يضعه المتكلم ودعوى يدعيها

وما يعترض على هذه الدعوى من تصديق أو تكذيب أو اعتراف أو إنكار وتصحيح أو إفساد فهو اعتراض على

المتكلم وليس اللغة في ذلك بسبيل وال منه فيقليل وال كثير

وإذا كان كذلك كان كل وصف يستحقه هذا الحكم من صحة وفساد وحقيقة ومجاز واحتمال واستحالة

فالمرجع فيه والوجه إلى العقل المحض وليس للغة فيه حظ فال تحلى وال تمر والعربي فيه كالعجمي

والعجمي كالتركي ألن قضايا العقول هن القواعد واألسس التي يبنى غيرها عليها واألصول التي يرد

ما سواها إليها فأما إذا كان المجاز في المثبت كنحو قوله تعالى ) ^

فأحيينا به األرض ( فإنما كان مأخذه اللغة ألجل أن طريقه المجاز بأن أجرى اسم الحياة على ما ليس بحياة تشبيها وتمثيال ثم اشتق منها وهى في هذا

التقدير الفعل الذي____________________

(1/322)

هو أحيا واللغة هي التي اقتضت أن تكون الحياة اسما للصفة التي هي ضد الموت فإذا تجوز في

االسم فأجرى على غيرها فالحديث مع اللغة فاعرفه إن قال قائل في أصل الكالم الذي وضعته على أن المجاز يقع تارة في اإلثبات وتارة في المثبت وأنه

إذا وقع في اإلثبات فهو طالع عليك من جهة العقل وبادلك من أفقه وإذا عرض في المثبت فهو آتيك من

ناحية اللغة ما قولكم إن سويت بين المسألتين وادعيت أن المجاز بينهما جميعا في المثبت وأنزل

هكذا فأقول الفعل الذي هو مصدر فعل قد وضع في اللغة للتأثير في وجود الحادث كما أن الحياة

موضوعة للصفة المعلومة فإذا قيل فعل الربيع النور جعل تعلق النور في الوجود بالربيع من طريق السبب

والعادة فعال كما تجعل خضرة األرض وبهجتها حياة والعلم في قلب المؤمن نورا وحياة وإذا كان كذلك كان المجاز في أن جعل ما ليس بفعل فعال وأطلق اسم الفعل على غير ما وضع له في اللغة كما جعل

ما ليس بحياة حياة وأجرى اسمها عليه فإذا كان ذلكمجازا لغويا فينبغي أن يكون هذا كذلك

فالجواب أن الذي يدفع هذه الشبهة أن تنظر إلى مدخل المجاز في المسألتين فإن كان مدخلهما من

جانب واحد فاألمر كما ظننت وإن لم يكن كذلك استبان لك الخطأ في ظنك والذي يبين اختالف دخوله فيهما أنك تحصل على المجاز في مسألة

الفعل باإلضافة ال بنفس االسم فلو قلت اثبت النور فعال لم تقع في مجاز النه فعل لله تعالى وإنما تصير

إلى المجاز إذا قلت اثبت النور فعال للربيع وأما في مسألة الحياة فإنك تحصل على المجاز بإطالق االسم

فحسب من غير إضافة____________________

(1/323)

وذلك قولك اثبت بهجة األرض حياة أو جعلها حياة أفال ترى المجاز قد ظهر لك في الحياة من غير أن

أضفتها إلى شيء أي من غير أن قلت لكذا وهكذا إذا عبرت بالنفي تقول في مسألة الفعل جعل ما ليس بفعل للربيع فعال له وتقول في هذه جعل ما ليس

بحياة حياة وتسكت وال تحتاج أن تقول جعلت ما ليس بحياة لألرض حياة لألرض بل ال معنى لهذا الكالم ألنه يقتضي أنك أضفت حياة حقيقة إلى األرض وجعلتها

مثال تحيا بحياة غيرها وذلك بين اإلحالة ومن حق المسائل الدقيقة أن تتأمل فيها العبارات التي تجرى

بين السائل والمجيب وتحقق فإن ذلك يكشف عن الغرض ويبين جهة الغلط وقولك جعل ما ليس بفعل فعال احتذاءا لقولنا جعل ما ليس بحياة حياة ال يصح

ألن معنى هذه العبارة أن يراد باالسم غير معناه لشبه يدعى أو شيء كالشبه ال أن يعطل االسم من

الفائدة فيراد بها ما ليس بمعقول فنحن إذا تجوزنا في الحياة فأردنا بها العلم فقد اودعنا االسم معنى وأردنا به صفة معقولة كالحياة نفسها وال يمكنك أن

تشير في قولك فعل الربيع النور إلى معنى تزعم أن لفظ الفعل ينقل عن معناه إليه فيراد به حتى يكون ذلك المعنى معقوال منه كما عقل التأثير في الوجود وحتى تقول لم أرد به التأثير في الوجود ولكن أردت المعنى الفالنى الذي هو شبيه به أو كالشبيه أو ليس بشبيه مثال إال انه معنى خلف معنى آخر على االسم إذ ليس وجود النور بعقب المطر أو في زمان دون زمان فما يعطيك معنى في المطر أو في الزمان

فتؤديه بلفظ الفعل فليس إال أن نقول لما كان النور ال يوجد إال بوجود الربيع توهم للربيع تأثير في وجوده

فاثبت له ذلك اثبات الحكم أو الوصف لما ليس له قضية عقلية ال تعلق لها في صحة وفساد باللغة

فاعرفه____________________

(1/324)

ومما يجب ضبطه في هذا الباب أن كل حكم يجب في العقل وجوبا حتى ال يجوز خالفه فإضافته إلى داللة

اللغة وجعله مشروطا فيها محال ألن اللغة تجرى مجرى العالمات والسمات وال معنى للعالمة والسمة

حتى يحتمل الشيء ما جعلت العالمة دليال عليه وخالفه فإنما كانت ما مثال علما للنفي ألن ههنا

نقيضا له وهو اإلثبات وهكذا إنما كانت من لما يعقل ألن ههنا ماال يعقل فمن ذهب يدعى أن في قولنا فعل وصنع ونحوه داللة من جهة اللغة على القادر

فقد أساء من حيث قصد اإلحسان ألنه والعياذ بالله يقتضي جواز أن يكون ههنا تأثير في وجود الحادث

لغير القادر حتى يحتاج إلى تضمين اللفظ الداللة على اختصاصه بالقادر وذلك خطأ عظيم فالواجب أن

يقال الفعل موضوع للتأثير في وجود الحادث في اللغة والعقل قد قضى وبت الحكم بأن ال حظ في

هذا التأثير لغير القادر وما يقوله أهل النظر من أن من لم يعلم الحادث موجودا من جهة القادر عليه فهو

لم يعلمه فعال ال يخالف هذه الجملة بل ال يصح حق صحته إال مع اعتبارها وذلك أن الفعل إذا كان

موضوعا للتأثير في وجود الحادث وكان العقل قد بين بالحجج القاطعة والبراهين الساطعة استحالة أن

يكون لغير القادر تأثير في وجود الحادث وأن يقع شيء مما ليس له صفة القادر فمن ظن الشىء

واقعا من غير القادر فهو لم يعلمه فعال ألنه ال يكون مستحقا هذا االسم حتى يكون واقعا من غيره ومن

نسب وقوعه إلى ماال يصح وقوعه منه وال يتصور أن يكون له تأثير في وجوده وخروجه من العدم فلم

يعلمه واقعا من شيء البتة وإذا لم يعلمه واقعا من شيء لم يعلمه فعال كما أنه إذا لم يعلمه كائنا بعد إن

لم يكن لم يعلمه واقعا وال حادثا فاعرفه____________________

(1/325)

واعلم أنك إن أردت أن ترى المجاز وقد وقع في نفس الفعل والخلق ولحقهما من حيث هما ال

اثباتهما وإضافتهما فالمثال في ذلك قولهم في الرجل يشفى على هلكة ثم يتخلص منها هو إنما خلق

اآلن وإنما أنشىء اليوم وقد عدم ثم انشىء نشأة ثانية وذلك أنك تثبت ههنا خلقا وإنشاء من غير أن

يعقل ثابتا على الحقيقة بل على تأويل وتنزيل وهو إن جعلت حالة اشفائه على الهلكة عدما وفناء

وخروجا من الوجود حتى أنتج هذا التقدير أن يكون خالصه منها ابتداء وجود وخلقا وإنشاء أفيمكنك أن تقول في نحو فعل الربيع النور بمثل هذا التأويل

فتزعم أنك أثبت فعال وقع على النور من غير أن كان ثم فعل ومن غير أن يكون النور مفعوال أو هو مما

يتعوذ بالله منه وتقول الفعل واقع على النور حقيقة وهو مفعول مجهول على الصحة إال أن حق الفعل

فيه أن يثبت لله تعالى وقد تجوز بإثباته للربيع أفليس قد بان أن التجوز ههنا في إثبات الفعل

للربيع ال في الفعل نفسه فإن التجوز في مسئله المتخلص من الهلكة حيث قلت إنه خلق مرة ثانية في الفعل ال في إثباته فلك كيف نظرت فرق بين المجاز

في اإلثبات وبينه في المثبت وينبغى أن تعلم أن قولى في المثبت مجاز ليس مرادي أن فيه مجازا من

حيث هو مثبت ولكن المعنى أن المجاز في نفس الشيء الذي تناوله اإلثبات نحو إنك أثبت الحياة صفة لألرض في قوله تعالى ) ^ يحيى األرض بعد موتها ( والمراد غيرها فكان المجاز في نفس الحياة ال في إثباتها هذا وإذا كان ال يتصور إثبات شيء ال لشيء استحال أن يوصف المثبت من حيث هو مثبت بأنه

مجاز أو حقيقة ومما ينتهي في البيان إلى الغاية أن يقال للسائل

هبك تغالطنا بان____________________

(1/326)

مصدر فعل نقل أوال عن موضوعة في اللغة ثم اشتق منه فقل لنا ما نصنع باألفعال المشتقة من معاني

خاصة كنسج وصاغ ووشى ونقش أتقول إذا قيل نسج الربيع وصاغ الربيع ووشى أن المجاز في

مصادر هذه األفعال التي هي النسج والوشى والصوغ أم تعرف أنه في إثباتها فعال للربيع وكيف تقول إن في أنفسها مجازا وهى موجودة بحقيقتها بل ماذا

يغنى عنك دعوى المجاز فيها لو أمكنك وال يمكنك أن تقتصر عليها في كون الكالم مجازا أعنى ال تملك أن

تقول إن الكالم مجاز من حيث لم يكن إئتالف تلك األنوار نسجا ووشيا وتدع حديث نسبتها إلى الربيع

جانبا هذا وههنا ماال وجه لك لدعوى المجاز في صدور الفعل كقولك سرني الخبر فإن السرور

بحقيقته موجود والكالم مع ذلك مجاز وإذا كان كذلك علمنا ضرورة أن ليس المجاز إال في إثبات السرور

فعال للخير وإيهام أنه اثر في حدوثه وحصوله ويعلم كل عاقل أن المجاز لو كان من طريق اللغة لجعل ما ليس بالسرور سرورا فأما الحكم بأنه فعل للخير فال

يجرى في وهم أنه يكون من اللغة بسبيل فاعرفه فإن قال النسج فعل معنى وهو المضامة بين األشياء

وكذلك الصوغ فعل الصورة في الفضة ونحوها وإذا كان كذلك قدرت أن لفظ الصوغ مجاز من حيث دل

على الفعل والتأثير في الوجود حقيقة من حيث دل على الصورة كما قدرت حيا الله األرض أن أحيا من

حيث دل على معنى فعل حقيقة ومن حيث دل على الحياة مجاز قيل ليس لك أن تجيء إلى لفظ امرين فتفرق داللته وتجعله منقوال عن أصله في احدهما

دون اآلخر لو جاز هذا لجاز أن تقول في اللطم الذيهو ضرب باليد أن

____________________

(1/327)

يجعل مجازا من حيث هو ضرب وحقيقة من حيث هو باليد وذلك محال ألن كون الضرب باليد ال ينفصل عن

الضرب فكذلك كون الفعل فعل للصورة ال ينفصل عن الصورة وليس األمر كذلك في قولنا احيا الله

األرض ألن معنا هناك لفظين أحدهما مشتق وهو أحيا واآلخر مشتق منه وهو الحياة فنحن نقدر في

المشتق منه أنه نقل عن معناه األصلي في اللغة إلى معنى آخر ثم اشتق منه أحيا بعد هذا التقدير ومعه وهو مثل لفظ اليد ينقل إلى النعمة ثم يشتق منه

يديت فاعرفه ومما يجب أن يعلم في هذا الباب أن اإلضافة في

االسم كاإلسناد في الفعل فكل حكم يجب في إضافة المصدر من حقيقة أو مجاز فهو واجب في إسناد

الفعل فانظر اآلن إلى قولك أعجبني وشى الربيع الرياض وصوغه تبرها وحوكه ديباجها هل تعلم لك

سبيال في هذه اإلضافات إلى التعلق باللغة وأخذ الحكم عليها منها أم تعلم امتناع ذلك عليك وكيف واإلضافة ال تكون حتى تستقر اللغة ويستحيل أن

يكون للغة حكم في اإلضافة ورسم حتى يعلم بها أن حق االسم أن يضاف إلى هذا دون ذلك وإذا عرفت

ذلك في هذه المصادر التي هي الصوغ والوشى والحوك فضع مصدر فعل الذي هو عمدتك في سؤالك

وأصل شبهتك موضعها وقل ما ترى إلى فعل الربيع لهذه المحاسن ثم تأمل هل تجد فصال بين إضافته وإضافة تلك فإذا لم تجد الفصل البتة فاعلم صحة

قضيتنا وانفض يدك بمسئلتك ودع النزاع عنك وإلى

الله تعالى الرغبة في التوفيق____________________

(1/328)

فصلقال أبو القاسم اآلمدى في قول البحتري

) فصاغ ما صاغ من تبر ومن ورق ** وحاك ما حاكمن وشى وديباج (

صوغ الغيث وحوكه النبات ليس باستعارة بل هو حقيقة ولذلك ال يقال هو صائغ وال كأنه صائغ وكذلك ال يقال حائك وكأنه حائك على أن لفظة حائك خاصة

في غاية الركاكة إذا أخرج على ما أخرجه عليه أبوتمام في قوله

) إذا الغيث غادى نسجه خلت أنه ** خلت حقب حرسله وهو حائك (

وهذا قبيح جدا والذي قاله البحتري وحاك ما حاك حسن مستعمل فانظر ما بين الكالمين لتعلم ما بين

الرجلين قد كتبت هذا الفصل على وجهه والمقصود منه منعه

أن تطلق االستعارة على الصوغ والحوك وقد جعال فعال للربيع واستدالله على ذلك بامتناع أن يقال

وكأنه صائغ حائك اعلم أن هذا االستدالل كأحسن ما يكون إال أن الفائدة تتم بأن تبين جهته ومن أين كان

كذلك____________________

(1/329)

والقول فيه أن التشبيه كما ال يخفى يقتضي شيئين مشبها ومشبها به ثم ينقسم إلى الصريح وغير

الصريح فالصريح أن تقول كان زيدا األسد فتذكر كل واحد من المشبه والمشبه به باسمه وغير الصريح أن

تسقط المشبه به من الذكر وتجرى اسمه على المشبه كقولك رأيت اسدا تريد رجال شبيها باألسد إال

أنك تغير اسمه مبالغة وإيهاما أن ال تصل بينه وبين

األسد وأنه قد استحال إلى األسديه فإذا كان األمر كذلك وأنت تشبه شخصا بشخص فإنك إذا شبهت فعال

بفعل كان هذا حكمه فأنت تقول مرة كان تزيينه لكالمه نظم در فتصرح بالمشبهه والمشبه به وتقول

اخرى إنما ينظم درا تجعله كأنه ناظم درا على الحقيقة وتقول في وصف الفرس كان سيره سباحة وكأن جريه طيران طائر هذا إذا صرحت وإذا أخفيت واستعرت قلت يسبح براكبه ويطير بفارسه فتجعل

حركته سباحة وطيرانا ومن لطيف ذلك ما كان كقول أبى دالمة يصف بغلته

) أرى الشهباء تعجن إذ غدونا ** برجليها وتخبزباليمين (

شبه حركة رجليها حين لم تثبتا على موضع تعتمد بهما عليه وهوتا ذاهبين نحو يديها بحركة يدي العاجن

فإنه ال يثبت اليد في موضع بل نزلها إلى قدام وتزول من عند نفسها لرخاوة العجين وشبه حركة

يديها بحركة يد الخابز من حيث كان الخابز يثنى يده نحو بطنه ويحدث فيها ضربا من التقويس كما يجد

في يد الدابة إذا اضطربت في سيرها ولم تقف على ضبط يديها وأن ترمى بها إلى قدام وان تشد

اعتمادها حتى تثبت في الموضع الذي تقع عليه فالتزل عنه وال تنثني واعود إلى المقصود

____________________

(1/330)

فإذا كان ال تشبيه حتى يكون معك شيئان وكان معنى االستعارة أن تغير لفظ المشبه بلفظ المشبه به ولم

يكن معنا في صاغ الربيع أو حاك الربيع إال شيء واحد وهو الصوغ أو الحوك كان تقدير االستعارة فيه

محاال جاريا مجرى أن يشبه الشيء بنفسه وتجعل اسمه عارية فيه وذلك بين الفساد فإن قلت أليس

الكالم على الجملة معقودا على تشبيه الربيع بالقادر في تعلق وجود الصوغ والنسج به فكيف لم يجز

دخول كأن في الكالم من هذه الجهة فإن هذا التشبيه ليس هو التشبيه الذي يعقد في الكالم ويفاد بكأن

والكاف ونحوهما وإنما هو عبارة عن الجهة التي

راعاها المتكلم حين أعطى الربيع حكم القادر في إسناد الفعل إليه ووزانه وزان قولنا إنهم يشبهون ما

بليس فيرفعون بها المبتدأ وينصبون بها الخبر فيقولون ما زيد منطلقا فنخبر عن تقدير قدروه في نفوسهم وجهة راعوها في إعطاء ما حكم ليس في العمل فكما ال يتصور أن يكون قولنا ما زيد منطلقا تشبيها على حد كأن زيدا األسد كذلك ال يكون صاغ الربيع من التشبيه فكالمنا إذن في تشبيه منقول منطوق به وأنت في تشبيه معقول غير داخل في النطق هذا وإن يكن ههنا تشبيه فهو في الربيع ال

في الفعل المسند إليه واختالفنا في صاغ وحاك هل يكون تشبيها واستعارة أم ال فال يلتقي التشبيهان أو

يلتقي المشئم والمعرق وهذا هو القول على الجملة إذا كانت حقيقة او مجازا

وكيف وجه الحد فيها فكل جملة وضعتها على أن الحكم المفاد بها على ما هو عليه في العقل وواقع موقعه فهي حقيقة ولن تكون كذلك حتى تعرى من

التأول وال فصل____________________

(1/331)

بين أن تكون مصيبا فيما أفدت بها من الحكم أو مخطئا وصادقا أو غير صادق فمثال وقوع الحكم

المفاد موقعه من العقل على الصحة واليقين والقطع قولنا خلق الله تعالى الخلق وانشأ العالم

واوجد كل موجود سواه فهذه من أحق الحقائق وأرسخها في العقول واقعدها نسبا في المعقول

والتي إن رمت أن تغيب عنها غبت عن عقلك ومتى هممت بالتوقف في ثبوتها استولى النفي على

معقولك ووجدتك كالمرمى به من حالق إلى جيث ال مقر لقدم وال مساغ لتأخر وتقدم كما قال اصدق القائلين جلت اسماؤه وعظمت كبرياؤه ) ^ ومن

يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أوتهوى به الريح في مكان سحيق (

واما مثال ان توضع الجماة على أن الحكم المفاد بها واقع موقعه من العقل وليس كذلك إال انه صادر عن

اعتقاد فاسد وظن كاذب فمثل ما يجيء في التنزيل من الحكاية عن الكفار نحو ) ^ وما يهلكنا إال الدهر (

فهذا ونحوه من حيث لم يتكلم به قائله على انه متاول بل اطلقه بجهله وعماه إطالق من يضع الصفة في موضعها ال يوصف بالمجاز ولكن يقال عند قائله

إنه حقيقة وهو كذب وباطل وإثبات لما ليس بثابت أو نفى لما ليس بمنتف وحكم ال يصححه العقل في

الجملة بل يرده ويدفعه إال أن قائله جهل مكانالكذب والبطالن فيه أو جحد وباهت

وال يتخلص لك الفصل بين الباطل وبين المجاز حتى تعرف حد المجاز وحده أن كل جملة أخرجت الحكم

المفاد بها عن موضوعه في العقل لضرب من التأول فهي مجاز ومثاله ما مضى من قولهم فعل الربيع

وكما جاء في الخبر____________________

(1/332)

إن مما ينبت الربيع ما يقتل حبطا أو يلم قد أثبتاالنبات للربيع

____________________

(1/333)

وذلك خارج عن موضعه من العقل ألن إثبات الفعللغير القادر ال يصح

____________________

(1/334)

في قضايا العقول إال أن ذلك على سبيل التأول وعلى العرف الجاري بين الناس ان يجعلوا الشيء إذا كان سببا أو كالسبب في وجود الفعل من فاعله كأنه

فاعل فلما أجرى الله سبحانه العادة وانفذ القضية

أن تورق األشجار وتظهر األنوار وتلبس األرض ثوب شبابها في زمان الربيع صار يتوهم في ظاهر األمر

ومجرى العادة كأن لوجود هذه األشياء حاجة إلىالربيع فأسند الفعل إليه على هذا التأويل والتنزيل وهذا الضرب من المجاز كثير في القرآن فمنه قوله

تعالى ) ^ تؤتى أكلها كل حين بإذن ربها ( وقوله عز اسمه ) ^ وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا ( وفى األخرى ) ^ فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا ( وقوله ) ^ وأخرجت األرض أثقالها ( وقوله عز وجل

) ^ حتى إذا أقلت سحابا ثقاال سقناه لبلد ميت ( أثبت الفعل في جميع ذلك لما ال يثبت له فعل إذا

رجعنا إلى المعقول على معنى السبب وإال فمعلوم أن النخلة ليست تحدث األكل وال اآليات توجد العلم

في قلب السامع لها وال األرض تخرج الكامن في بطنها من األثقال ولكن إذا حدثت فيها الحركة بقدرة

الله ظهر ما كنز فيها واودع جوفها وإذا ثبت ذلك فالمبطل والكاذب ال يتأول في إخراج الحكم عن

موضعه واعطائه غير المستحق وال يشبه كون المقصود سببا بكون الفاعل فاعال بل يثبت القضية

من غير أن ينظر فيها من شيء إلى شيء ويرد فرعا إلى أصل وتراه أعمى أكمه يظن ماال يصح صحيحا وما ال يثبت ثابتا وما ليس في موضعه من الحكم

موضوعا موضعه وهكذا المتعمد للكذب يدعى أن األمرعلى ما وضعه تلبيسا وتمويها وليس هو من التأول

والنكتة أن المجاز لم يكن مجازا ألنه إثبات الحكملغير مستحقه بل ألنه____________________

(1/335)

أثبث لما ال يستحق تشبيها وردا له إلى ما يستحق وانه ينظر من هذا إلى ذاك وإثباته ما أثبت للفرع

الذي ليس بمستحق يتضمن اإلثبات لألصل الذي هو المستحق فال يتصور الجمع بين شيئين في وصف أو

حكم من طريق التشبيه والتأويل حتى يبدأ باألصلفي إثبات ذلك الوصف والحكم له

أال تراك ال تقدر على أن تشبه الرجل باألسد في

الشجاعة ما لم تجعل كونها من أخص اوصاف األسد وأغلبها عليه نصب عينيك وكذلك ال يتصور أن يثبت

المثبت الفعل للشيء على انه سبب ما لم ينظر إلى ما هو راسخ في العقل من أن ال فعل على الحقيقة

إال للقادر ألنه لو كان نسب الفعل إلى هذا السبب نسبة مطلقة ال يرجع فيها إلى حكم القادر والجمع بينهما من حيث تعلق وجوده بهذا السبب من طريق

العادة كما يتعلق بالقادر من طريق الوجوب لما اعترف بأنه سبب وال ادعى انه أصل بنفسه مؤثر في وجود الحادث كالقادر وإن تجاهل متجاهل فقال بذلك

على ظهور الفضيحة وإسراعها إلى مدعيه كان الكالم عنده حقيقة ولم يكن من مسئلتنا في شىء ولحق بنحو قول الكفار وما يهلكنا إال الدهر وليس

ذلك المقصود في مسئلتنا ألن الغرض ههنا ما وضعفيه الحكم واضعه على طريق التأول فاعرفه

ومن أوضح ما يدل على أن إثبات الفعل للشيء ألنه سبب يتضمن إثباته للمسبب من حيث ال يتصور دون تصوره ان تنظر إلى األفعال المسندة إلى األدوات

واآلالت كقولك قطع السكين وقتل السيف فإنك تعلم انه ال يقع في النفس من هذا اإلثبات صورة ما لم تنظر إلى إثبات الفعل لمعمل األداة والفاعل بها

فلو فرضت أن ال يكون ههنا قاطع بالسكين____________________

(1/336)

ومصرف لها أعناك أن تعقل من قولك قطع السكين معنى بوجه من الوجوه وهذا من الوضوح بحيث ال

يشك عاقل فيه و هذه األفعال المسندة إلى من تقع تلك األفعال بأمره كقولك ضرب األمير الدراهم و

بنى السور ال تقوم في نفسك صورة إلثبات الضرب والبناء فعال لألمير بمعنى األمر به حتى تنظر إلى

ثبوتهما للمباشر لهما على الحقيقة واألمثلة في هذاالمعنى كثيرة تتلقاك من كل جهة وتجدها أنى شئت

واعلم انه ال يجوز الحكم على الجملة بأنها مجاز إال بأحد أمرين فأما أن يكون الشيء الذي أثبت له الفعل

مما ال يدعى أحد من المحقين والمبطلين أنه مما يصح أن يكون له تأثير في وجود المعنى الذي أثبت له

وذلك نحو قول الرجل محبتك جاءت بي إليك وكقول عمرو بن العاص في ذكر الكلمات التي استحسنها هن مخرجاتي من الشام فهذا ماال يشتبه على أحد انه مجاز واما أنه يكون قد علم من اعتقاد المتكلم

أنه ال يثبت الفعل إال للقادر وأنه ممن ال يعتقد االعتقادات الفاسدة كنحو ما قاله المشركون وظنوه

من ثبوت الهالك فعال للدهر فإذا سمعنا نحو قوله ) أشاب الصغير وأفنى الكبي ** ر كر الغداة ومر

العشى ( وقول أبي األصبع

) اهلكنا الليل والنهار معا ** والدهر يغدو مصمماجذعا (

كان طريق الحكم عليه بالمجاز أن تعلم اعتقادالتوحيد إما بمعرفة أحوالهم

____________________

(1/337)

السابقة أو بان تجد في كالمهم من بعد إطالق هذا النحو ما يكشف عن قصد المجاز فيه كنحو ما صنع

أبو النجم فإنه قال أوال ) قد أصبحت أم الخيار تدعى ** على ذنبا كله لم

أصنع ( ) من أن رأت رأسي كرأس األصلع ** ميز عنه قنزعا

عن قنزع ( ) مر الليالي ابطىء او أسرعي ** (

فهذا على المجاز وجعل الفعل لليالي ومرورها إال أنه خفي غير بادى الصفحة ثم فسر وكشف عن وجه

التأول وأفاد أنه بنى أول كالمه على التخيل فقال ) أفناه قيل الله للشمس أطلعي ** حتى إذا وأراك

أفق فأرجعي ( فبين أن الفعل لله وانه المعيد والمبدىء والمنشىء والمفنى ألن المعنى في قيل الله أمر الله وإذ جعل

الفناء بأمره فقد صرح بالحقيقة وبين ما كان عليهمن الطريقة

واعلم أنه ال يصح أن يكون قول الكفار وما يهلكنا إال الدهر من باب التأويل والمجاز وان يكون اإلنكار

عليهم من جهة ظاهر اللفظ وان فيه إيهاما للخطأ

كيف وقد قال تعالى بعقب الحكاية عنهم ) ^ وما لهم بذلك من علم إن هم إال يظنون ( والمتجوز أو المخطىء في العبارة ال يوصف بالظن إنما الظان من يعتقد أن األمر على ما قاله وكما يوجبه ظاهر

كالمه وكيف يجوز أن يكون اإلنكار من طريق إطالق اللفظ دون إثبات الدهر فاعال للهالك وأنت ترى في

نص القرآن ما جرى فيه اللفظ على إضافة فعل____________________

(1/338)

الهالك إلى الريح مع استحالة أن تكون فاعلة وذلك قوله عز وجل ) ^ مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صر أصابت حرث قوم ظلموا

أنفسهم فأهلكته ( وأمثال ذلك كثير ومن قدح في المجاز وهم أن يصفه بغير الصدق فقد

خبط خبطا عظما وتهدف لما ال يخفى ولو لم يجب البحث عن حقيقة المجاز والعناية به حتى تحصل ضروبه وتضبط أقسامه إال للسالمة من مثل هذه

المقالة والخالص مما نحا نحو هذه الشبهة لكان من حق العاقل أن يتوفر عليه ويصرف العناية إليه فكيف

وبطالب الدين حاجة ماسة إليه من جهات يطول عدها وللشيطان من جانب الجهل به مداخل خفية

يأتيهم منها فيسرق دينهم من حيث ال يشعرون ويلقيهم في الضاللة من حيث ظنوا انهم يهتدون

وقد اقتسمه البالء فيه من جانبي اإلفراط والتفريط فمن مغرور مغرى بنفيه دفعة والبراءة منه جملة

يشمئز من ذكره وينبو عن اسمه يرى أن لزوم الظواهر فرض الزم وضرب الخيام حولها حتم واجب

وآخر يغلو فيه ويفرط ويتجاوز حده ويخبط فيعدل عن الظاهر والمعنى عليه ويسوم نفسه التعمق في

التأويل وال سبب يدعو إليه أما التفريط فما تجد عليه قوما نحو قوله تعالى ) ^

هل ينظرون إال أن يأتيهم الله ( وقوله ) ^ وجاء ربك والرحمن على العرش استوى ( وأشباه ذلك من النبو

عن أقوال أهل التحقيق فإذا قيل لهم إن اإلتيان والمجيء انتقال من مكان إلى مكان وصفة من

صفات األجسام وأن االستواء إن حمل على ظاهره لم يصح إال في جسم يشغل حيزا ويأخذ مكانا والله

عز وجل خالق األماكن واألزمنة ومنشىء كل ما تصحعليه الحركة والنقلة

____________________

(1/339)

والتمكن والسكون واالنفصال واالتصال والمماسة والمحاذاة وان المعنى على ) ^ إال أن يأتيهم أمر الله

وجاء أمر ربك ( وأن حقه أن يعبر بقوله تعالى ) ^ فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا ( وقول الرجل آتيك

من حيث ال تشعر يريد أنزل بك المكروه وأفعل ما يكون جزاء لسوء صنيعك في حال غفلة منك ومن

حيث تأمن حلوله بك وعلى ذلك قوله ) أتيناهم من أيمن الشق عندهم ** ويأتي الشقي

الحين من حيث ال يدرى ( جنبيه نعم إذا قلت ذلك للواحد منهم رأيته إن أعطاك

الوفاق بلسانه فبين جنبيه قلب يتردد في الحيرة ويتقلب ونفس تفر من الصواب وتهرب وفكر واقف ال يجيء وال يذهب يحضره الطبيب بما يبرئه من دائه ويريه المرشد وجه الخالص من عنائه ويأبى إال نفارا

عن العقل ورجوعا إلى الجهل ال يحضره التوفيق بقدر ما يعلم به أنه إذا كان ال يجرى في قوله تعالى

) ^ واسئل القرية ( على الظاهر ألجل علمه أن الجماد ال يسأل مع أنه لو تجاهل متجاهل فادعى أن

الله تعالى خلق الحياة في تلك القرية حتى عقلت السؤال وأجابت عنه ونطقت لم يكن قال قوال يكفر به ولم يزد على شيء يعلم كذبه فيه فمن حقه أن ال

يجثم ههنا على الظاهر وال يضرب الحجاب دون سمعة وبصره حتى ال يعى وال يراعى مع ما فيه إذا أخذ على ظاهره من التعرض للهالك والوقوع في

الشرك فأما اإلفراط فيما يتعاطاه قوم يحبون اإلعراب في

التأويل ويحرصون____________________

(1/340)

على تكثير الوجوه وينسون أن احتمال اللفظ شرط في كل ما يعدل به عن الظاهر فهم يستكرهون

األلفاظ على األمثلة من المعاني يدعون السليم من المعنى إلى السقيم ويرون الفائدة حاضرة وقد ابدت

صفحتها وكشفت قناعها فيعرضون عنها حباللتشوف وقصدا إلى التمويه وذهابا في الضاللة

وليس القصد ههنا بيان ذلك فأذكر أمثلته على أن كثيرا من هذا الفن يرغب عن ذكره لسخفه وإنما

غرضي بما ذكرت أن أريك عظم اآلفة على الجهل بحقيقة المجاز وتحصيله وإن الخطأ فيه مورط

صاحبه وفاضح له ومسقط قدره وجاعله ضحكة يتفكه به وكاسيه عارا يبقى على وجه الدهر وفي مثل هذا

قال رسول الله يحمل هذا العلم من كل خلف عدو له ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين وليس حمله روايته وسرد ألفاظه بل العلم

بمعانيه ومخارجه وطرقه ومناهجه والفرق بين الجائزوالممتنع والمنقاد المصحب والنافي النافر

وأقل ما كان ينبغي أن تعرفه الطائفة األولى وهم المنكرون للمجاز أن التنزيل كما لم يقلب اللغة في اوضاعها المفردة عن أصولها ولم يخرج األلفاظ عن داللتها وان شيئا من ذلك إن زيد إليه ما لم يكن قبل

الشرع يدل عليه أو ضمن ما لم يتضمنه أتبع ببيانمن عند النبي وذلك كبيانه

____________________

(1/341)

للصالة والحج والزكاة والصوم كذلك لم يقض بتبديل عادات أهلها ولم ينقلهم عن أساليبهم وطرقهم ولم

يمنعهم ما يتعارفونه من التشبيه والتمثيل والحذف واالتساع وكذلك كان من حق الطائفة األخرى أن

تعلم أنه عز وجل لم يرض لنظم كتابه الذي سماه هدى وشفاء ونورا وضياء وحياة تحيا بها القلوب

وروحا تنشرح عنه الصدور ما هو عند القوم الذين خوطبوا به خالف البيان وفى حد اإلغالق والبعد من

التبيان وأنه تعالى لم يكن ليعجز بكتابه من طريق

اإللباس والتعمية كما يتعاطاه الملغز من الشعراء والمحاجي من الناس كيف وقد وصفه بأنه عربي

مبين هذا وليس التعسف الذي يرتكبه بعض من يجهل

التأويل من جنس ما يقصده أصحاب األلغاز واألحاجي بل هو شيء يخرج عن كل طريق ويباين كل مذهب

وإنما هو سوء نظر منهم ووضع الشيء في غير موضعه وإخالل بالشريطة وخروج عن القانون وتوهم أن المعنى إذا دار في نفوسهم وعقل من تفسيرهم

فقد فهم من لفظ المفسر وحتى كان األلفاظ تنقلب عن سجيتها وتزول عن موضوعها فتحمل ما ليس من شأنها أن تحتمله وتؤدى ماال يوجب حكمها

ان تؤديه ) بسم الله الرحمن الرحيم ( ) هذا كالم في ذكر المجاز وفى بيان معناه وحقيقته ( وفيه بيان

المنقول والمشترك والمجاز المرسل وعالقته المجاز مفعل من جاز الشيء يجوزه إذا تعداه وإذا

عدل باللفظ عما يوجبه أصل اللغة وصف بأنه مجاز على معنى أنهم جازوا به موضعه األصلي أو جاز هو

مكانه الذي وضع فيه أوال____________________

(1/342)

ثم اعلم بعد أن في إطالق المجاز على اللفظ المنقول عن أصله شرطا وهو أن يقع نقله على وجه ال يعرى معه من مالحظة األصل ومعنى المالحظة أن

االسم يقع لما تقول انه مجاز فيه بسبب بينه وبين الذي تجعله حقيقة فيه نحو أن اليد تقع للنعمة

وأصلها الجارحة ألجل أن االعتبارات اللغوية تتبع أحوال المخلوقين وعاداتهم وما يقتضيه ظاهر البنية وموضوع الجبلة ومن شان النعمة أن تصدر عن اليد

ومنها تصل إلى المقصود بها والموهونة هي منه وكذلك الحكم إذا أريد باليد القوة والقدرة ألن القدرة

أكثر ما يظهر سلطانها في اليد وبها يكون البطش واألخذ والدفع والمنع والجذب والضرب والقطع وغير

ذلك من األفاعيل التي تخبر فضل اخبار عن وجوه القدرة وتنبىء عن مكانها ولذلك تجدهم ال يريدون

باليد شيئا ال مالبسة بينه وبين هذه الجارحة بوجه ولوجوب اعتبار هذه النكتة في وصف اللفظ بأنه

مجاز لم يجز استعماله في األلفاظ التي يقع فيها اشتراك من غير سبب يكون بين المشتركين كبعض األسماء المجموعة في المالحن مثل أن الثور يكون اسما للقطعة الكبيرة من االقط والنهار اسم لفرخ

الحبارى والليل لولد الكروان كما قال ) أكلت النهار بنصف النهار ** وليال أكلت بليل بهيم (

____________________

(1/343)

وذلك أن اسم الثور لم يقع على االقط ألمر بينه وبين الحيوان المعلوم وال النهار على الفرخ ألمر بينه

وبين ضوء الشمس أداه إليه وساقه نحوه والغرض المقصود بهذه العبارة أعنى قولنا المجاز أن

تبين أن للفظ أصال مبدوءا به في الوضع ومقصودا وإن جريه على الثاني إنما هو على سبيل النقل إلى الشيء من غيره وكما يعبق الشيء برائحة ما يجاوره

وينصبغ بلون ما يدانيه ولذلك تراهم ال يطلقون المجاز في األعالم اطالقهم لفظ النقل فيها حيث

قالوا العلم على ضربين منقول ومرتجل وإن المنقول منها يكون منقوال عن اسم جنس كأسد

وثور وزيد وعمرو او صفة كعاصم وحارث أو فعل كيزيد ويشكر أو صوت كببه فاثبتوا لهذا كله النقل

من غير العلمية إلى العلمية ولم يروا أن يصفوه بالمجاز فيقولوا مثال إن يشكر حقيقة في مضارع شكر ومجاز في كونه اسم رجل وإن حجرا حقيقة

في الجماد ومجاز في اسم الرجل وذلك أن الحجر لم يقع اسما للرجل اللتباس كان بينه وبين الصخر على

حسب ما كان بين اليد والنعمة وبينها وبين القدرة وال كما كان بين الظهر الحامل وبين المحمول في نحو تسميتهم المزادة راوية وهى اسم للبعير الذي

يحملها في األصل وكتسميتهم البعير حفضا وهو اسم لمتاع البيت الذي يحمل عليه وال كنحو ما بين الجزء من الشخص وبين جملة الشخص كتسميتهم الرجل عينا إذا كان ربيئة والناقة نابا وال كما بين

النبت والغيث وبين السماء والمطر حيث قالوا رعينا الغيث يريدون النبت الذي الغيث سبب في كونه وقالوا أصابنا السماء يريدون المطر وقال تلقه

األرواح والسمى وذلك ان في هذا كله تأوال____________________

(1/344)

وهو الذي أفضى باإلسم إلى ما ليس بأصل فيه فالعين لما كانت المقصودة في كون الرجل ربيئة صارت كأنها الشخص كله إذ كان لوال هداها ال يغى

شيئا مع فقدها والغيث لما كان النبت يكون عنه صار كانه هو والمطر لما كان ينزل من السماء عبروا عنه

باسمها واعلم أن هذه األسباب الكائنة بين المنقول

والمنقول عنه تختلف في القوة والضعف والظهور وخالفه فهذه األسماء التي ذكرتها إذا نظرت إلى

المعاني التي وصلت بين ما هي له وبين ما ردت إليه وجدتها أقوى من نحو ما تراه في تسميتهم الشاة

التي تذبح عن الصبي إذا حلقت عقيقته عقيقة وتجد حالها بعد أقوى من حال العقيرة في وقوعها للصوت

في قولهم رفع عقيرته وذلك أنه شيء جرى اتفاقا وال معنى يصل بين الصوت وبين الرجل المعقورة على أن القياس يقتضي أن ال يسمى مجازا ولكن

يجرى مجرى الشيء يحكم فيه بعد وقوعه كالمثل إذا حكى فيه كالم صدر عن قائله من غير قصد إلى

قياس وتشبيه بل األخبار عن أمر من قصده بالخطابكقولهم الصيف ضيعت اللبن

ولهذا الموضع تحقيق ال يتم إال بان يوضع له فصل مفرد والمقصود اآلن غير ذلك ألن قصدي في هذاالفصل ان أبين أن المجاز أعم من االستعارة وان

____________________

(1/345)

الصحيح من القضية في ذلك أن كل استعارة مجاز وليس كل مجاز استعارة وذلك أنا نرى كالم العارفين

بهذا الشأن اعنى علم الخطابة ونقد الشعر والذين وضعوا الكتب في أقسام البديع يجرى على ان

االستعارة نقل االسم عن أصله إلى غيره للتشبيهعلى حد المبالغة

قال القاضي أبو الحسن في أثناء فصل ذكرها فيه ومالك االستعارة تقريب الشبه ومناسبة المستعار

للمستعار منه وهكذا تراهم يعدونها في أقسام البديع حيث يذكر التجنيس والتطبيق والتوشيح ورد العجز على الصدر وغير ذلك من غير ان يشترطوا شرطا

ويعقبوا ذكرها بتقييد فيقولوا ومن البديع االستعارة التي من شأنها كذا فلوال أنها عندهم لنقل االسم

بشرط التشبيه على المبالغة إما قطعا وإما قريبا من المقطوع عليه لما استجازوا ذكرها مطلقة غير

مقيدة يبين ذلك أنها إن كانت تسارق____________________

(1/346)

المحاز وتجرى مجراه حتى تصلح لكل ما تصلح له فذكرها في أقسام البديع يقتضي أن كل موصوف

بأنه مجاز فهو بديع عندهم حتى يكون إجراء اليد على النعمة بديعا وتسمية البعير حفضا والناقة نابا

والربيئة عينا والشاة عقيقة بديعا كله وذلك بينالفساد

واما ما نجده في كتب اللغة من إدخال ما ليس طريق نقله التشبيه في االستعارة كما صنع أبو بكر بن دريد في الجمهرة فإنه ابتدأ بابا فقال باب االستعارات ثم

ذكر فيه أن الوغى اختالط األصوات في الحرب ثمكثرت وصارت الحرب وغى وأنشد

) أضمامه من دونها الثالثين ** لها وغى مثل وغىالثمانين (

يعنى اختالط أصواتها وذكر قولهم رعينا الغيث والسماء يعنى المطر وذكر ما هو أبعد من ذلك فقال

الخرس ما تطعمه النفساء ثم صارت____________________

(1/347)

الدعوة للوالدة خرسا واألعذار الختان وسمى الطعام للختان إعذارا وأن الظعينه أصلها المرأة في الهودج ثم صار البعير والهودج ظعينه والخطر ضرب البعير

بذنبه جانبي وركيه ثم صار ما لصق من البول بالوركين خطرا وذكر أيضا الراوية بمعنى المزادة

والعقيقة وذكر فيما بين ذكره لهذه الكلم أشياء هي استعارة على الحقيقة على طريقة أهل الخطابة

ونقد الشعر ألنه قال الظمأ العطش وشهوة الماء ثم كثر ذلك حتى قالوا ظمئت إلى لقائك وقال الوجور ما اوجره اإلنسان من دواء او غيره ثم قالوا اوجره

الرمح إذا ظعنه في فيه فالوجه في هذا الذي رواه من إطالق االستعارة على ما هو تشبيه كما هو شرط أهل العلم بالشعر وعلى ما ليس من التشبيه في شيء ولكنه نقل اللفظ عن

الشيء إلى الشيء بسبب اختصاص وضرب من المالبسة بينهما وخلط احدهما باآلخر أنهم كانوا

نظروا إلى ما يتعارفه الناس في معنى العارية وأنها شيء حول عن مالكه ونقل عن مقره الذي هو أصل في استحقاقه إلى ما ليس بأصل ولم يراعوا عرف

القوم ووزانهم في ذلك وزان من يترك عرف النحويين في التمييز واختصاصهم له بما احتمل

أجناسا مختلفة كالمقادير واألعداد وما شاركها في ان اإلبهام الذي يراد كشفه منه هو احتماله األجناس

فيسمى الحال مثال تمييزا من حيث أنك إذا قلت راكبا فقد ميزت المقصود وبينته كما فعلت ذلك في قولك

عشرون____________________

(1/348)

درهما ومنوان سمنا وقفيزان برا ولى مثله رجال ولله دره رجال وليس هذا المذهب بالمذهب المرضى بل

الصواب ان تقصر االستعارة على ما نقله نقل

التشبيه للمبالغة ألن هذا نقل بطرد على حد واحد وله فوائد عظيمة ونتائج شريفة فالتطفل به على

غيره في الذكر وتركه مغمورا فيما بين أشياء ليس لها في نقلها مثل نظامه وال أمثال فوائده ضعف من

الرأي وتقصير في النظر وربما وقع في كالم العلماء بهذا الشأن االستعارة على تلك الطريقة العامية إال انه ال يكون عند ذكر

القوانين وحيث تقرر األصول ومثاله أن أبا القاسم اآلمدى قال في أثناء فصل يبحث عن شيء اعترض

به على البحتري في قوله____________________

(1/349)

) فكأن مجلسه المحجب محفل ** وكأن خلوتهالخفية مشهد (

إن المكان ال يسمى مجلسا إال وفيه قوم ثم قال أال ترى إلى قوم المهلهل واستب بعدك يا كليب

المجلس على االستعارة فاطلق لفظ االستعارة على وقوع المجلس هنا بمعنى القوم الذين يجتمعون في األمور وليس المجلس إذا وقع على القوم من طريق التشبيه بل على وجه وقوع الشيء على ما يتصل به

وتكثر مالبسته إياه وأي شبه يكون بين القوم ومكانهم الذي يجتمعون فيه إال أنه ال يعتد بمثل هذا

فإن ذلك قد يتفق حيث ترسل العبارة وقال اآلمدى نفسه ثم قد يأتي في الشعر ثالثة أنواع أخر يكتسي المعنى العام بها بهاء وحسنا حتى يخرج

بعد عمومه إلى أن يصير مخصوصا ثم قال وهذه األنواع هي التي وقع عليها اسم البديع وهى

االستعارة والطباق والتجنيس فهذا نص في موضع القوانين على ان االستعارة من أقسام البديع ولن يكون النقل بديعا حتى يكون من أجل التشبيه على

المبالغة كما بينت لك وإذا كان كذلك ثم جعل االستعارة على اإلطالق بديعا فقد أعلمك أنها اسم

للضرب المخصوص من النقل دون كل نقل فاعرفه واعلم أنا إذا أنعمنا النظر وجدنا المنقول من أصل

التشبيه على المبالغة أحق بان يوصف باالستعارة من

طريق المعنى بيان ذلك أن ملك المعير ال يزول عن المستعار واستحقاقه إياه ال يرتفع فالعارية إنما

كانت عارية ألن يد المستمير يد عليها ما دامت يدالمعير باقية وملكه غير زائل فال يتصور

____________________

(1/350)

أن يكون للمستعير تصرف لم يستفده من المالك الذي أعاره وال أن تستقر يده مع زوال اليد المنقول

عنها وهذه جملة ال تراها إال في المنقول نقل التشبيه ألنك ال تستطيع أن تتصور جرى االسم على الفرع من غير أن تخرجه إلى األصل كيف وال يعقل

تشبيه حتى يكون ههنا مشبه ومشبه به هذا والتشبيه ساذج مرسل فكيف إذا كان على معنى المبالغة

وعلى أن تجعل الثاني كأنه انقلب مثال إلى جنس األول فصار الرجل أسدا وبحرا وبدرا والعلم نورا والجهل ظلمة ألنه إذا كان على هذا الوجه كانت

حاجتك إلى أن تنظر به إلى األصل أمس ألنه إذا لم يتصور أن يكون هنا سبع من شأنه الجراءة العظيمة والبطش الشديد كان تقديرك شيئا آخر يتحول إلى

صفته ويصير في حكمه من أبعد المحال وأما ما كان منقوال ال ألجل التشبيه كاليد في نقلها

إلى النعمة فال يوجد ذلك فيه ألنك ال تثبت للنعمة بإجراء اسم اليد عليها شيئا من صفات الجارحة

المعلومة وال تروم تشبيها بها البتة ال مبالغا وال غير مبالغ فلو فرضنا أن تكون اليد اسما وضع للنعمة ابتداء ثم نقلت إلى الجارحة لم يكن ذلك مستحيال

وكذلك لو ادعى مدع أن جرى اليد على النعمة أصل ولغة على حدتها وليست مجازا لم يكن مدعيا شيئا يحيله العقل ولو حاول أن يقول في مسئلتنا قوال

شبيها بهذا فرام تقدير شئ يجرى عليه اسم األسد على المعنى الذي يريده باالستعارة مع فقد السبع

المعلوم ومن غير أن يثبت استحقاقه لهذا االسم فيوضع اللغة رام شيئا في غاية البعد

وعبارة أخرى العارية من شانها أن تكون عند المستعير على صفة شبيهة بصفتها هي عند المالك

ولسنا نجد هذه الصورة إال فيما نقل نقل____________________

(1/351)

التشبيه للمبالغة دون ما سواه أال ترى أن االسم المستعار يتناول المستعار له ليدل على مشاركته

المستعار منه في صفة هي أخص الصفات التي من أجلها وضع االسم األول أعني أن الشجاعة أقوى المعاني التي من أجلها سمى األسد أسدا وأنت

تستعير االسم للشيء على معنى إثباتها له على حدها في األسد فأما اليد ونقلها إلى النعمة فليست من هذا في شيء ألنها لم تتناول النعمة لتدل على

صفة من أوصاف اليد بحال ويحرر ذلك نكتة وهى أنك تريد بقولك رأيت أسدا أن تثبت للرجل األسدية

ولست تريد بقولك له عندي يد أن تثبت للنعمة اليديةوهذا واضح جدا

واعلم أن الواجب كان أن ال أعد وضع الشفة موضع الجحفلة والجحفلة في مكان المشفر ونظائره التي

قدمت ذكرها في االستعارة وأضن باسمها أن يقع عليه ولكنى رأيتهم قد خلطوه باالستعارات وعدوه معدها فكرهت التشدد في الخالف واعتددت به في الجملة ونبهت على ضعف أمره بأن سميته استعارة غير مفيدة وكان وزان ذلك أن يقال المفعول على

ضربين مفعول صحيح ومشبه بالمفعول فيتجوز باعتداد المشبه بالمفعول في الجملة ثم يفصل

بالوصف ووجه شبه هذا النحو الذي هو نقل الشفة إلى موضع الجحفلة باالستعارة الحقيقية ألنك تنقل

االسم إلى مجانس له أال ترى أن المراد بالشفة والجحفلة عضو واحد وإنما الفرق أن هذا من الفرس

وذاك من اإلنسان والمجانسة والمشابهة من واد واحد فأنت تقول أعير الشيء اسم الموضوع له

هنالك أي في اإلنسان ههنا أي في الفرس____________________

(1/352)

ألن أحدهما مثل صاحبه وشريكه في جنسه كما أعرت الرجل اسم األسد ألنه شاركه في صفته الخاصة به

وهى الشجاعة البليغة وليس لليد مع النعمة هذا الشبه إذ ال مجانسة بين الجارحة وبين النعمة وكذا ال شبه وال جنسية بين البعير ومتاع البيت وبين المزادة

وبين البعير وال بين العين وبين جملة الشخص فإطالق اسم االستعارة عليه بعيد ولو كان اللفظ يستحق الوصف باالستعارة بمجرد النقل لجاز أن

توصف األسماء المنقولة من األجناس إلى األعالم بأنها مستعارة فيقال حجر مستعار في اسم الرجل

ولزم لذلك في الفعل المنقول نحو يزيد ويشكر وفيالصوت نحو ببه في قوله

) ألنكحن ببه ** جارية خدبه ( ) مكرمة محببه ** تحب أهل الكعبة (

وذلك ارتكاب قبيح وفرط تعصب على الصواب ويلوح ههنا شيء وهو أنا وإن جعلنا االستعارة من صفة

اللفظ فقلنا اسم مستعار وهذا اللفظ استعارة ههنا وحقيقة هناك فإنا على ذلك نشير بها إلى المعنى

من حيث قصدنا باستعارة االسم أن نثبت أخص معانيه للمستعار له يدلك على ذلك قولنا جعله أسدا

وجعله بدرا وجعل للشمال يدا فلوال أن استعارة االسم للشيء تتضمن استعارة معناه له لما كان لهذا

الكالم معنى ألن جعل ال يصلح إال حيث يراد إثبات صفة للشيء كقولنا جعلته أميرا وجعلته لصا تريد أنه أثبت له اإلمارة واللصوصية وحكم جعل إذا تعدى إلى

مفعولين حكم صير فكما ال تقول صيرته أميرا إالعلى معنى انك أثبت له صفة اإلمارة

____________________

(1/353)

كذلك لم يقل جعلته أسدا إال على انه أثبت له معنى من معاني األسود وال يقال جعلته زيدا بمعنى سميته

زيدا وال يقال للرجل اجعل ابنك زيدا بمعنى سمه زيدا وال يقال لفالن ابن فجعله زيدا أي سماه زيدا وإنما يدخل الغلط في ذلك على من ال يحصل هذا

الشأن

فأما قوله تعالى ) ^ وجعلوا المالئكة الذين هم عباد الرحمن إناثا ( فإنما جاء على الحقيقة التي وصفتها

وذلك انهم اثبتوا للمالئكة صفة اإلناث واعتقدوا وجودها فيهم وهذا االعتقاد صدر عنهم لتمثلها في

أذهانهم بصور اإلناث وما صدر من االسم أعنى إطالق اسم البنات وليس المعنى انهم وضعوا لها

لفظ اإلناث أو لفظ البنات اسما من غير اعتقاد معنى وإثبات صفة هذا محال ال يقوله عاقل أو ما يسمعون قول الله عز وجل ) ^ أشهدوا خلقهم ? ستكتب شهادتهم ويسئلون ( فإن كانوا لم يزيدوا

على إجراء االسم على المالئكة ولم يعتقدوا إثبات صفة ومعنى فأي معنى ألن يقال ) ^ أشهدوا خلقهم

( وهذا ولو كانوا لم يقصدوا إثبات صفة ولم يفعلوا اكثر من أن وضعوا اسما لما استحقوا إال اليسير من الذم ولما كان هذا القول كفرا منهم واألمر في ذلك

أظهر من أن يخفى ولكن قد يكون للشيء المستحيل وجوه في االستحالة فتذكر كلها وإن كان في الواحد

منها ما يزيل الشبهة ويتم الحجة____________________

(1/354)

فصل في تقسيم المجاز إلى اللغوي والعقلي واللغوي إلى االستعارة وغيرها

واعلم أن المجاز على ضربين مجاز من طريق اللغة ومجاز من طريق المعنى والمعقول فإذا وصفنا

بالمجاز الكلمة المفردة كقولنا اليد مجاز في النعمة واألسد مجاز في اإلنسان وكل ما ليس بالسبع

المعروف كان حكما أجريناه على ما جرى عليه من طريق اللغة ألنا أردنا أن المتكلم قد جاز باللفظة

أصلها الذي وقعت له ابتداء في اللغة وأوقعها على غير ذلك إما تشبيها وإما لصلة ومالبسة بين ما نقلها

إليه وما نقلها عنه ومتى وصفنا بالمجاز الجملة من الكالم كان مجازا من طريق المعقول دون اللغة وذلك أن األوصاف

الالحقة للجمل من حيث هي جمل ال يصح ردها إلى اللغة وال وجه لنسبتها إلى واضعها ألن التأليف هو

إسناد فعل إلى اسم أو اسم إلى اسم وذلك شئ

يحصل بقصد المتكلم فال يصير ضرب خبرا عن زيدبوضع اللغة بل بمن قصد إثبات الضرب فعال له

وهكذا ليضرب زيد ال يكون أمرا لزيد باللغة وال اضرب أمرا للرجل الذي تخاطبه وتقبل عليه من بين كل من

يصح خطابه باللغة بل بك أيها المتكلم فالذي يعود إلى واضع اللغة أن ضرب إلثبات الضرب وليس إلثبات الخروج وانه إلثباته في زمان ماض وليس إلثباته في

زمان مستقبل فأما تعين من يثبت له فيتعلق بمن أراد ذلك من المخبرين والمعبرين عن ودائع الصدور والكاشفين عن المقاصد والدعاوى صادقة كانت تلك

الدعاوى____________________

(1/355)

أو كاذبة ومجراة على صحتها أو مزالة عن مكانها من الحقيقة وجهتها ومطلقة بحسب ما تأذن فيه العقول

وترسمه أو معدوال بها عن مراسمها نظما لها فيسلك التخييل وسلوكا بها في مذهب التأويل

فإذا قلنا مثال خط أحسن مما وشاة الربيع أو صنعه الربيع كنا قد ادعينا في ظاهر اللفظ أن للربيع فعال

أو صنعا وانه شارك الحي القادر في صحة الفعل منه وذلك تجوز به من حيث المعقول ال من حيث اللغة

ألنه إن قلنا إنه مجاز من حيث اللغة صرنا كأنا نقول إن اللغة هي التي أوجبت أن يختص الفعل بالحي

القادر دون الجماد وإنها لو حكمت بان الجماد يصح منه الفعل والصنع والوشى والتزيين والصبغ

والتحسين لكان ما هو مجاز اآلن حقيقة ولعاد ما هو اآلن يتأول معدودا فيما هو حق محصل وذلك محال

وإنما يتصور مثل هذا القول في الكلم المفردة نحو اليد للنعمة وذاك أنه يصح أن يقال لو كان واضح

اللغة وضع اليد أوال للنعمة ثم عداها إلى الجارحة لكان حقيقة فيما هو اآلن مجاز ومجازا فيما هو

حقيقة فلم يكن بواجب من حيث المعقول أن يكون لفظ اليد اسما للجارحة دون النعمة وال في العقل أن

شيئا بلفظ أن يكون دليال عليه أولى منه بلفظ ال سيما في األسماء األول التي ليست بمشتقة وإنما

وزان ذلك وزان أشكال الخط التي جعلت أمارات

ألجراس الحروف المسموعة في أنه ال يتصور أن يكون العقل اقتضى اختصاص كل شكل منها بما

اختص به دون أن يكون ذلك الصطالح وقع وتواضع اتفق ولو كان كذلك لم تختلف المواضعات في

األلفاظ والخطوط ولكانت اللغات واحدة كما وجب في عقل كل عاقل يحصل ما يقول أن ال يثبت الفعل

على الحقيقة إال للحى القادر فإن قلت فإن اللغة رسمت أن يكون فعل إلثبات

الفعل للشيء____________________

(1/356)

كما زعمت ولكنا إذا قلنا فعل الربيع الوشى أو وشى الربيع فإننا نريد بذلك معنى معقوال وهو أن الربيع سبب في كون األنوار التي تشبه الوشى فقد نقلنا

الفعل عن حكم معقول وضع له إلى حكم آخر معقول شبيه بذلك الحكم فصار ذلك كنقل األسد عن السبع

إلى الرجل الشبيه به في الشجاعة أفتقول األسد على الرجل مجاز من حيث المعقول ال من حيث اللغة كما قلت في صيغة فعل إذا أسندت إلى ماال يصح أن

يكون له فعل إنها مجاز من جهة العقل ال من جهة اللغة فالجواب أن بينهما فرقا وإن ظننتهما

متساويين وذلك أن فعل موضوع إلثبات الفعل للشيء على اإلطالق والحكم في بيان من يستحق

هذا اإلثبات وتعيينه إلى العقل وأما األسد فموضوع للسبع قطعا واللغة هى التي عينت المستحق بها

وبرسمها وحكمها ثبت هذا االستحقاق واالختصاص ولوال نصها لم يتصور أن يكون هذا السبع بهذا االسم أولى من غيره فأما استحقاق الحي القادر أن يثبت

الفعل له واختصاصه بهذا اإلثبات دون كل شيء سواه فبفرض العقل ونصه ال باللغة فقد نقلت األسد

عن شيء هو أصل فيه باللغة ال بالعقل وأما فعل فلم تنقله عن الموضع الذي وضعته اللغة فيه ألنه كما مضى موضوع إلثبات الفعل للشيء في زمان

ماض وهو في قولك فعل الربيع باق على هذه الحقيقة غير زائل عنها ولن يستحق اللفظ الوصف

بأنه مجاز حتى يجرى على شيء لم يوضع له في األصل وإثبات الفعل لغير مستحقه ولما ليس بفاعل على الحقيقة ال يخرج فعل عن أصله وال يجعله جاريا

على شيء لم يوضع له ألن الذي وضع له فعل هوإثبات الفعل للشيء فقط فأما وصف

____________________

(1/357)

ذلك الشيء الذي يقع هذا اإلثبات له فخارج عن داللته وغير داخل في الموضع اللغوي بل ال يجوز

دخوله فيه لما قدمت من استحالة أن يقال إن اللغة هي التي أوجبت أن يختص الفعل بالحي القادر دون

الجماد وما في ذلك من الفساد العظيم فأعرفه فرقاواضحا وبرهانا قاطعا

وههنا نكتة جامعة وهي أن المجاز في مقابلة الحقيقة فما كان طريقا في أحدهما من لغة أو عقل فهو طريق في اآلخر ولست تشك في أن طريق كون األسد حقيقة في السبع اللغة دون العقل وإذا كانت

اللغة طريقا للحقيقة فيه وجب أن تكون هي أيضا الطريق في كونه مجازا في المشبه بالسبع إذا أنت أجريت اسم األسد عليه فقلت رأيت أسدا تريد رجال

ال تميزه عن األسد في بسالته وإقدامه وبطشه وكذلك إذا علمت أن طريق الحقيقة في إثبات الفعل

للشيء هو العقل فينبغي أن تعلم أنه أيضا الطريق إلى المجاز فيه فكما أن العقل هو الذي دلك حين قلت فعل الحي القادر انك لم تتجوز وأنك واضع

قدمك على محض الحقيقة كذلك ينبغي أن يكون هو الدال والمقتضي إذا قلت فعل الربيع أنك قد تجوزت

وزلت عن الحقيقة فاعرفه فإن قال قائل كان سياق هذا الكالم وتقريره يقتضي

أن طريق المجاز كله العقل وأن ال حظ للغة فيه وذاك أنا ال يجري اسم األسد على المشبه باألسد

حتى ندعي له األسدية وحتى نوهم أنه حين أعطاك من البسالة والبأس والبطش ما تجده عند األسد صار

كأنه واحد من األسود قد استبدل بصورته صورة اإلنسان وقد قدمت أنت فيما مضى ما بين انك ال

تتجوز في إجراء اسم المشبه به على المشبه حتى

تخيل إلى نفسك أنه هو بعينه____________________

(1/358)

فإذا كان األمر كذلك فأنت في قولك رأيت أسدا متجوز من طريق المعقول كما أنك كذلك في فعل

الربيع وإذا كان كذلك عاد الحديث إلى أن المجاز فيهما جميعا عقلي فكيف قسمته قسمين لغوي

وعقلي فالجواب أن هذا الذي زعمت من أنك ال تجري اسم المشبه به على المشبه حتى تدعي أنه قد صار من

ذلك الجنس نحو أن نجعل الرجل كأنه في حقيقة األسد صحيح كما زعمت ال يدفعه أحد وكيف السبيل إلى دفعه وعليه المعول في كون التشبيه على حد

المبالغة وهو الفرق بين اإلستعارة وبين التشبيه المرسل إال أن ههنا نكتة أخرى قد أغفلتها وهي أن

تجوزك هذا الذي طريقه العقل يفضي بك إلى أن تجري األسم على شئ لم يوضع له في اللغة على كل حال فتجوز باألسم على الجملة الشيء الذي

وضع له فمن ههنا جعلنا اللغة طريقا فيه فإن قلت ال أسلم أنه جرى على شئ لم يوضع له في

اللغة ألنك إذا قلت ال تجربه على الرجل حتى تدعي له أنه في معنى األسد لم تكن قد أجريته على ما لم يوضع له وإنما كان يكون جاريا على غير ما وضع له أن لو أجريته على شئ لتفيد به معنى غير األسدية

وذلك ما ال يعقل ألنك ال تفيد باألسد في التشبيه أنه رجل مثال أو عاقل أو على وصف لم يوضع هذا اإلسم

للداللة عليه البتة قيل لك قصارى حديثك هذا أنا أجرينا اسم األسد على الرجل المشبه باألسد على

طريق التأويل والتخيل أفليس على كل حال قدأجريناه على ما ليس بأسد على الحقيقة وألسنا قد

____________________

(1/359)

جعلنا له مذهبا لم يكن له في أصل الوضع وهنا قد إدعينا للرجل األسدية حتى استحق بذلك أن نجري

عليه اسم األسد أترانا نتجاوز في هذه الدعوى حديث الشجاعة حتى يدعي الرجل صورة األسد وهيئته

وعبالة عنقه ومخالبه وسائر أوصافه الظاهرة البادية للعيون ولئن كانت الشجاعة من أخص أوصاف األسد وأمكنها فإن اللغة لم تضع اإلسم لها وحدها بل لها

في مثل تلك الجثة وهاتيك الصورة والهيبة وتلك األنياب والمخالب إلى سائر ما يعلم من الصورة الخاصة في جوارحه كلها ولو كانت وضعته لتلك الشجاعة التي تعرفها وحدها لكان صفة ال اسما

ولكان كل شئ يفضي في شجاعته إلى ذلك الحد مستحقا لإلسم استحقاقا حقيقيا ال على طريق

التشبيه والتأويل وإذا كان كذلك فأنا وإن كنا لم ندل به على معنى لم يتضمنه اسم األسد في أصل وضعه فقد سلبناه بعض

ما وضع له وجعلناه للمعاني التي هي باطنة في األسد وغريزة وطبع به وخلق مجردة عن المعاني

الظاهرة التي هي جئة وهيئة وخلق وفي ذلك كفاية في إزالته عن أصل وضع له في اللغة ونقله عن حد جرية فيه إلى حد آخر مخالف له وليس في فعل إذا تجوز فيه شئ من ذلك ألنا لم نسلبه ال بالتأويل وال

غير التأويل شيئا وضعته اللغة ألنه كما ذكرت غير مرة إلثبات الفعل للشيء من غير أن يتعرض لذلك الشيء ما هو وأهو مستحق ألن يثبت له الفعل أو

غير مستحق وإذا كان كذلك كان الذي أرادت اللغة به موجودا فيه ثابتا له في قولك فعل الربيع ثبوته إذا

قلت فعل الحي القادر لم تتغير له صورة ولم ينقصمنه شئ ولم يزل عن حد إلى حد فأعرفه

فإن قلت قد علمنا أن طريق المجاز ينقسم إلى ماذكرت من اللغة

____________________

(1/360)

والمعقول وإن فعل في نحو فعل الربيع مما طريقة المعقول وأن نحو األسد إذا قصد به التشبيه واستعير

لغير السبع طريق مجازه اللغة وبقي أن تعلم لم خصصت المجاز إذا كان طريقة العقل بأن توصف به

الجملة من الكالم دون الكلمة الواحدة وهال جوزت أن يكون فعل على االنفراد موصوفا به فإن سبب ذلك أن المعنى الذي له وضع فعل ال يتصور الحكم عليه

بمجاز أو حقيقة حتى يسند إلى االسم وهكذا كل مثال من أمثلة الفعل ألنه موضوع إلثبات الفعل

للشيء فما لم يبين ذلك الشيء الذي نثبته له ونذكره لم يعقل أن اإلثبات واقع موقعه الذي نجده مرسوما

به في صحف العقول أم قد زال عنه وجازه إلى غيره هذا وقولك هال جوزت أن يكون فعل على االنفراد

موصوفا به ومحال بعد أن نثبت أن ال مجاز في داللةاللفظ وإنما المجاز في أمر خارج عنه

فإن قلت أردت هال جوزت أن تنسب المجاز إلى معناه وحده وهو إثبات الفعل فيقال هو إثبات فعل

على سبيل المجاز فإن ذلك ال يتأتى أيضا إال بعد ذكر الفاعل ألن المجاز أو الحقيقة إنما يظهر ويتصور من المثبت والمثبت له واإلثبات وإثبات الفعل من غير أن يقيد بما وقع اإلثبات له ال يصح الحكم عليه بمجاز أو

حقيقة فال يمكنك أن تقول إثبات الفعل مجاز أو حقيقة هكذا مرسال وإنما تقول إثبات الفعل للربيع

مجاز وإثباته للحي القادر حقيقة وإذا كان األمر كذلك علمت أن ال سبيل إلى الحكم بأن ههنا مجازا وحقيقة من طريق العقل إال في جملة من الكالم وكيف يتصور خالف ذلك ووزان

الحقيقة والمجاز العقليين وزان الصدق والكذب فكمايستحيل

____________________

(1/361)

وصف الكلم المفردة بالصدق والكذب وأن يجري ذلك في معانيها مفرقة غير مؤلفة فيقال رجل على

االنفراد كذب أو صدق كذلك يستحيل أن يكون ههنا حكم بالمجاز أو الحقيقة وأنت تنحو نحو العقل إال

في الجملة المفيدة فاعرفه أصال كبيرا والله الموفق للصواب والمسئول أن يعصم من الزلل بمنه وفضله

في الحذف والزيادة وهل هما من المجاز أم ال فصل

واعلم أن الكلمة كما توصف بالمجاز لنقلك لها عن معناها كما مضى فقد توصف به لنقلها عن حكم كان

لها إلى حكم ليس هو بحقيقة فيها ومثال ذلك أن المضاف إليه يكتسي إعراب المضاف في نحو ) ^

واسأل القرية ( واألصل واسأل أهل القرية فالحكم الذي يجب للقرية في األصل وعلى الحقيقة هو الجر

والنصب فيها مجاز وهكذا قولهم بنو فالن تطؤهم الطريق يريدون أهل الطريق الرفع في الطريق مجاز

ألنه منقول إليه عن المضاف المحذوف الذي هواألهل والذي يستحقه في أصله هو الجر

وال ينبغي أن يقال إن وجه المجاز في هذا الحذف فإن الحذف إذا تجرد عن تغيير حكم من أحكام ما

بقي بعد الحذف لم يسم مجازا أال ترى أنك تقول زيد منطلق وعمرو فتحذف الخبر ثم ال توصف جملة

الكالم من أجل ذلك بأنه مجاز وذلك ألنه لم يؤد إلى تغيير حكم فيما بقي من الكالم ويزيده تقريرا أن

المجاز إذا كان معناه أن تجوز بالشيء موضعه وأصله فالحذف بمجرده ال يستحق الوصف به الن ترك الذكر

وإسقاط____________________

(1/362)

الكلمة من الكالم ال يكون نقال لها عن أصلها إنمايتصور النقل فيما دخل تحت النطق

وإذا امتنع أن يوصف المحذوف بالمجاز نقي القول فيما لم يحذف وما لم يحذف ودخل تحت الذكر ال

يزول عن أصله ومكانه حتى يغير حكم من أحكامه أو يغير عن معانيه فأما وهو على حاله والمحذوف

0مذكور فتوهم ذلك فيه من أبعد المحال فاعرفه وإذا صح امتناع أن يكون مجرد الحذف مجازا أو تحق

صفة باقي الكالم بالمجاز من أجل حذف كان على اإلطالق دون أن يحدث هناك بسبب ذلك الحذف تغير حكم على وجه من الوجوه علمت منه أن الزيادة في هذه القضية كالحذف فال يجوز أن يقال إن زيادة ما

في نحو فيما رحمة مجاز أو أن جملة الكالم تصير مجازا من أجل زيادته فيه وذلك أن حقيقة الزيادة

في الكلمة أن تعرى من معناها وتذكر وال فائدة لها سوى الصلة ويكون سقوطها وثبوتها سواء ومحال أن يكون ذلك مجازا ألن المجاز أن يراد بالكلمة غير

ما ضعت له في األصل أو يزاد فهيا أو يوهم شئ ليس من شأنها كإيهامك بظاهر النصب في القرية

أن السؤال واقع عليها والزائد الذي سقوطه كثبوتهال يتصور فيه ذلك

فأما غير الزائد من أجزاء الكالم الذي زيد فيه فيجب أن ينظر فيه فإن حدث هناك بسبب ذلك الزائد حكم تزول به الكلمة عن أصلها جاز حينئذ أن يوصف ذلك

الحكم أو ما وقع فيه بأنه مجاز كقولك في نحو قوله تعالى ليس كمثله شئ إن الجر في المثل مجاز ألن

أصله النصب____________________

(1/363)

والجر حكم عرض من أجل زيادة الكاف ولو كانوا إذ جعلوا الكاف مزيدة لم يعملوها لما كان لحديث

المجاز سبيل على هذا الكالم ويزيده وضوحا أن الزيادة على اإلطالق لو كانت تستحق الوصف بأنها

مجاز ينبغي أن يكون كل ما ليس بمزيد من الكلم مستحقا الوصف بأنه حقيقة حتى يكون األسد في قولك رأيت أسدا وأنت تريد رجال حقيقة فإن قلت

المجاز على أقسام والزيادة من أحدها قيل هذا لك إذا حددت المجاز بحد تدخل الزيادة فيه وال سبيل لك

إلى ذلك ألن قولنا المجاز يفيد أن تجوز بالكلمة موضعها في أصل الوضع وتنقلها عن داللة إلى داللة

أو ما قارب ذلك وعلى الجملة فإنه ال يعقل من المجاز أن تسلب

الكلمة داللتها ثم ال تعطيها داللة أخرى وأن تخليها من أن يراد بها شئ على وجه من الوجوه ووصف

اللفظ بالزيادة يفيد أن ال يراد بها معنى وأن يجعلكأن لم يكن لها داللة قط

فأن قلت أو ليس يقال إن الكلمة ال تعرى من فائدة ما وال تصير لغوا على اإلطالق حتى قالوا إن نحو ما في نحو فيما رحمة من الله تفيد التوكيد فأنا أقول

إن كون ما تأكيدا نقل لها عن أصلها ومجاز فيها وكذلك أقول إن كون الباء المزيدة في ليس زيد

بخارج لتأكيد النفي مجاز في الكلمة ألن أصلها أن تكون لإللصاق فإن ذلك على بعده ال يقدح فيما أردت

تصحيحه ألنه ال يتصور أن تصف الكلمة من حيث جعلت زائدة بأنها مجاز ومتى ادعينا لها شنئا من

المعنى فأننا نجعلها من تلك الجهة غير مزيدة ولذلك يقول الشيخ أبو علي في الكلمة إذا كانت تزول عن

أصلها من وجه وال تزول من آخر معتد بها من____________________

(1/364)

وجه غير معتد بها من وجه كما قال في الالم من قولهم ال أبا لزيد جعلها من حيث منعت أن يتعرف

األب بزيد معتدا بها ومن حيث عارضها الم الفعل من األب التي ال تعود إال في اإلضافة نحو أبو زيد وأبا زيد

غير معتد بها وفي حكم المقحمة الزائدة وكذلك توصف ال في قولنا مررت برجل ال طويل وال قصير

بأنها مزيدة ولكن على هذا الحد فيقال هي مزيدة غير معتد بها من حيث اإلعراب ومعتد بها من حيث

أوجبت نفى الطول والقصر عن الرجل ولوالها لكانا ثابتين له وتطلق الزيادة على ال في نحو قوله تعالى

) لئال يعلم أهل الكتاب أن ال يقدرون ^ ( ألنها ال تفيد النفي فيما دخلت عليه وال يستقيم المعنى إال على

إسقاطها ثم إن قلنا إن ال هذه المزيدة تفيد تأكيد النفي الذي يجيء من بعد في قوله ) أن ال يقدرون

^ ( وتؤذن به فإنا نجعلها من حيث أفادت هذا التأكيد غير مزيدة وإنما نجعلها مزيدة من حيث لم تفد النفي الصريح فيما دخلت عليه كما أفادته في

المسألة وإذا ثبت أن وصف الكلمة بالزيادة نقيض وصفها باإلفادة علمت إن الزيادة من حيث هي زيادة ال

توجب الوصف بالمجاز فإن قلت تكون سببا لنقل الكلمة عن معنى هو أصل فيها إلى معنى ليس بأصل كدت تقول قوال يجوز اإلصغاء إليه وذلك إن صح نظير

ما قدمت من أن الحذف____________________

(1/365)

أو الزيادة قد تكون سببا لحدوث حكم في الكلمة تدخل من أجله في المجاز كنصب القرية اآلية في

وجر المثل في األخرى فاعرفه واعلم أن من أصول هذا الباب أن من حق المحذوف

أو المزيد أن ينسب إلى جملة الكالم ال إلى الكلمة المجاورة له فأنت تقول إذا سئلت عن القرية في

الكالم حذف واألصل أهل القرية ثم حذف األهل يعنى حذف من بين الكالم وكذلك تقول الكاف زائدة في الكالم واألصل ليس مثله شىء وال تقل هي زائدة

في مثل إذ لو جاز ذلك لجاز أن يقال إن ما في فبما رحمة مزيدة في الرحمة أو في الباء وإن ال مزيدة

في يعلم وذلك بين الفساد ألن هذه العبارة إنما تصلح حيث يراد أن حرفا زيد في صيغة اسم أو فعل على أن ال يكون لذلك الحرف على االنفراد معنى وال

تعده وحده كلمة كقولك زيدت الياء للتصغير في قولك رجيل والتاء للتأنيث في ضاربة ولو جاز غير

ذلك لجاز أن يكون خبر المبتدأ إذا حذف في نحو زيد منطلق وعمرو محذوفا من المبتدأ نفسه على حد

حذف الالم من يد ودم وذلك ما ال يقوله عاقل فنحن إذا قلنا إن الكاف مزيدة في مثل فإنما نعنى أنها لما

زيدت في الجملة وضعت في هذا الموضع منها واألصح في العبارة أن يقال الكاف في مثل مزيدة

يعنى الكاف الكائنة في مثل مزيدة كما تقول الكاف التي تراها في مثل مزيدة ولذلك تقول حذف

المضاف من الكالم وال تقول حذف المضاف من المضاف إليه وهذا أوضح من أن يخفى ولكنى

استقصيته ألني رأيت في بعض العبارات المستعملة في المجاز والحقيقة ما يوهم ذلك فاعرفه ومما

يجب ضبطه هنا أيضا أن الكالم إذا امتنع حمله علىظاهره حتى

____________________

(1/366)

يدعو إلى تقدير حذف أو إسقاط مذكور كان على وجهين أحدهما أن يكون امتناع تركه على ظاهره

ألمر يرجع إلى غرض المتكلم ومثله اآليتان المتقدم تالوتهما أال ترى أنك لو رأيت سل القرية في غير

التنزيل لم تقطع بأن ههنا محذوفا لجواز أن يكون كالم رجل مر بقرية قد خربت وباد أهلها فاراد أن

يقول لصاحبه واعظا ومذكرا أو لنفسه متعظا معتبرا سل القرية عن أهلها وقل لها ما صنعوا على حد

قولهم سل األرض من شق أنهارك وغرس أشجارك وجنى ثمارك فإنها إن لم تجبك حوارا أجابتك اعتبارا

وكذلك إن سمعت الرجل يقول ليس كمثل زيد أحد لم تقطع بزيادة الكاف وجوزت أن يريد ليس كالرجل

المعروف بمماثلة زيد أحد والوجه الثاني أن يكون امتناع ترك الكالم على

ظاهره ولزوم الحكم بحذف أو بزيادة من اجل الكالم نفسه ال من حيث غرض المتكلم به وذلك مثل أن

يكون المحذوف أحد جزئي الجملة كالمبتدأ في نحو قوله تعالى فصبر جميل وقوله متاع قليل ال بد من

تقدير محذوف وال سبيل إلى أن يكون له معنى دونه سواء كان في التنزيل أو في غيره فإذا نظرت إلى

صبر جميل في قول الشاعر ) يشكو إلى جملي طول السرى ** صبر جميل فكالنا

مبتلى ( وجدته يقتضى تقدير محذوف كما اقتضاه في التنزيل وذلك أن الداعي إلى تقدير المحذوف

ههنا هو أن االسم الواحد ال يفيد والصفة والموصوف حكمهما حكم االسم الواحد وجميل صفة للصبر

وتقول للرجل من هذا فيقول زيد يريد هو زيد فتجدهذا اإلضمار واجبا ألن االسم الواحد

____________________

(1/367)

ال يفيد وكيف يتصور أن يفيد االسم الواحد ومدار الفائدة على إثبات أو نفي وكالهما يقتضي شيئين

مثبت ومثبت له ومنفى ومنفى عنه وأما وجوب الحكم بالزيادة لهذه الجهة فكنحو قولهم بحسبك أن

تفعل وكفى بالله إن لم تقض بزيادة الباء لم تجد للكالم وجها تصرفه إليه وتأويال تتأوله عليه البتة فال

بد لك من أن تقول إن األصل حسبك أن تفعل وكفى الله وذلك أن الباء إذا كانت غير مزيدة كانت لتعديه

الفعل إلى االسم وليس في بحسبك أن تفعل تعديه بالباء إلى حسبك ومن أين أن يتصور أن يتعدى إلى

المبتدأ فعل والمبتدأ هو المعرى من العوامل اللفظية وهكذا األمر في كفى أو أقوى وذلك أن

االسم الداخل عليه الباء في نحو كفى بزيد فاعل كفى ومحال أن تعدى الفعل إلى الفاعل بالباء أو

غير الباء ففي الفعل من االقتضاء للفاعل ما الأعلم بالصواب ) تم الكتاب والحمد لله ( حاجة معه إلى متوسط وموصل ومعد فاعرفه والله

____________________

(1/368)

top related