files.zadapps.info · web view- رواه أحمد، كتاب مسند الكوفيين، باب...

24
م ي ح ر ل ا ن م ح ر ل له ا م الس ب ر ي ث ك ن ب ر ا سي ف ت ب ي هذ ت ي ف ر ي ث م لح ا ا ب ص م ل ا( ه ي0 الآ ن م ل ب ل ل ا ورة س13 ورة س ل ر ا خ0 ى ا لC ا) ت ب س ل ا مان ث ع ن ب الذ / خ خ ي س ل ا. ن عي م حT ه ا ب ح ص له و0 ي ا عل مذ، و ح م ا ب_ ي ب ن ي علb ارك م وب سل له و ي ال صل ، و ن مي ل عا ل ا له رب مذ ل ح ل ا. ن عي م ث س م ل وا ن ب ر ض حال ل ا و ن ح ي س ل و ى لر ف غ م ا هل ل ا ى: ل عا ت وله ق: و- له مه ال حر- ف ن ص م لل ا ا ق{ } يَ ّ ظَ لَ ب اً ارَ بْ مُ كُ بْ رَ ذ بَ T اَ ق ل: بل لا[ 14 ] خَ ّ هَ وَ تْ يَ T : اٌ ذِ اهَ حُ مَ الَ ق ي ل ص- ِ َ ّ اَ ولُ سَ رُ تْ عِ مَ س: ُ ول ُ قَ تُ تُ طْ خَ يٍ ر يِ سَ بَ نْ بَ ان َ مْ عُ ّ ن ل اُ تْ عِ مَ س: ٍ بْ ر َ خِ نْ بِ b اكَ مِ سْ نَ عُ ذ َ مْ حَ T م اا مC روي الآ: ُ ول ُ قَ تُ تُ طْ خَ ي- م سل ه و ب ل ع له ال)) َ ارَ ّ ب ل اُ مُ كُ بْ رَ ذ ْ بَ T ا(( : َ ال َ ا، قَ ذ َ ه يِ م اَ قَ مْ نِ مُ هَ عِ مَ سَ لِ وقُ ّ س ل اِ بَ ان َ آ كً لُ خَ رَ ّ نَ T اْ و َ ل يَ ّ تَ حِ هْ بَ لْ خِ رَ ذْ بِ عِ هِ قِ اتَ ي عَ لَ عْ بَ ي اَ كٌ هَ ص يِ مَ حْ تَ عَ قَ ي وَ ّ تَ ح( 1 ) . ه ل ي ال ل ص- ِ َ ّ اَ ولُ سَ رُ تْ عِ مَ س: ُ ول ُ قَ تَ وُ تُ طْ خَ يٍ ر يِ سَ بَ نْ بَ ان َ مْ عُ ّ ن ل اُ تْ عِ مَ س: حاق سC ا ى بT ا ن عُ ذ َ مْ حَ T م اا مC روي الآ: ُ ولُ قَ ت- م سل ه و ب ل عا م ه من ي ل ع ت ان رب م ح ه ب م ذ ص ق م حT ا يِ فُ عَ ض وُ تٌ ل ُ خَ رِ ه َ امَ بِ فْ ل اَ مْ وَ ت اً ابَ ذ َ عِ ارَ ّ ب ل اِ لْ هَ T اَ نَ وْ هَ T اَ ّ نِ C ا(( )) ُ هُ اغَ مِ د( 2 ) .] ُ ّ يِ ارَ حُ بْ ل اُ اةَ وَ ر[ 1 ( م ق، ر- م ل س ه و ب عل ه ل ي ال ل ص- ي ت لي ا ن ع ر ي س ب ن ب ان م ع ن ل ا ب ي ذ خ اب ، ب ن_ ي ب ف و ك ل ذ ا ب س م اب ب ك ذ، م حT رواة ا- 18398 ،) ( م ق ، رِ ارَ ّ ب ل ا ِ ر يِ ذ ْ حَ ي يِ فُ اب َ ، بِ اق َ قِ ّ ر ل اِ اب َ بِ كْ نِ مَ و اب ب ك، ي م ذار وال2854 ، ت ب ه ر ي ل وا ت ب ع ر ي ل خ ا ي ح ص ي ف ى ب ا ب لT حه الآ ح ص، و) ( م ق ر3659 .) 2 ( م ق ار، ر ب ل وا ة ب ح ل ا ه ق ض اب ، ب اق رق ل ا اب ب ك، اري ح ي ل رواة ا- 6562 ار ب ل ل ا هT ا ون هT ا اب ، ب ان م يC الآ اب ب ك م، ل س م و) ( م ق ا، ر اب عذ213 .)

Upload: others

Post on 31-Dec-2019

0 views

Category:

Documents


0 download

TRANSCRIPT

Page 1: files.zadapps.info · Web view- رواه أحمد، كتاب مسند الكوفيين، باب حديث النعمان بن بشير عن النبي -صلى الله عليه وسلم-،

بسم الله الرحمن الرحيمالمصباح المنير في تهذيب تفسير ابن كثير

( إلى آخر السورة13سورة الليل من اآلية )الشيخ/ خالد بن عثمان السبت

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محم��د، وعلى آل��ه وص��حبهأجمعين.

اللهم اغفر لي ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين. ]اللي99ل:فأنذرتكم ن99ارا تلظى{ }قال المصنف -رحمه الله-: وقوله تعالى:

ج. [14 قال مجاهد: أي توهير يخطب معت النعم99ان بن بش99 روى اإلمام أحمد عن سماك بن حرب: س99ول الله -ص99لى الل99ه علي99ه وس99لم- يخطب يق99ول: معت رس99 يق99ول: س99

معه من مق99امي ه99ذا،))أنذرتكم النار(( وق لس99 حتى لو أن رجال كان بالس.(1)قال: حتى وقعت خميصة كانت على عاتقه عند رجليه

ير يخطب معت النعم99ان بن بش99 روى اإلم99ام أحم99د عن أبي إس99حاق: س99 ))إن أه99ونويقول: سمعت رسول الله -صلى الل99ه علي99ه وس99لم- يق99ول:

أهل النار عذابا يوم القيامة رجل توضع في أخمص قدميه جمرت99ان يغلي]رواه البخاري[. (2)منهما دماغه((

وروى مسلم عن أبي إسحاق عن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله ))إن أه99ون أه99ل النار ع99ذابا من ل99ه نعالن-ص99لى الل99ه علي99ه وس99لم-:

وشراكان من نار يغلي منهما دماغه كما يغلي المرجل، م99ا ي99رى أن أح99دا.(3)أشد منه عذابا، وإنه ألهونهم عذابا((

قى{ }وقوله تعالى: الها إال األش99 أي ال ي99دخلها دخ99وال [15]اللي99ل: ال يص99ره فقال: أي}الذي كذب{يحيط به من جميع جوانبه إال األشقى، ثم فس

أي عن العمل بجوارحه وأركانه. [16]الليل: وتولى{ }بقلبه: روى اإلمام أحمد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -ص99لى الل99ه علي99ه

تي ت99دخل الجنة ي99وم القيام99ة إال من أبى((وسلم-: ق99الوا: ومن))ك99ل أم ))من أطاعني دخ9ل الجن99ة، ومن عص9اني فق9ديأبى يا رسول الله؟ قال:

]ورواه البخاري[.(4)أبى((يجنبها األتقى{ وقول9ه تع9الى: يزحزح عن النار17]اللي9ل:}وس9 [ أي وس9

ره بقوله: ]الليل:}الذي يؤتي ماله يتزكى{التقي النقي األتقى، ثم فسه ومال99ه، وم99ا وهب99ه الله18 [ أي يصرف ماله في طاعة ربه، ليزكي نفس99

من دين ودنيا.د عن9ده من نعم9ة تج9زى{ [ أي ليس بذل9ه مال9ه في19 ]اللي9ل:}وم9ا ألح9

مكافأة من أسدى إليه معروفا، فهو يعطي في مقابلة ذلك، وإنم99ا دفع99هل ل99ه20 ]اللي99ل:}ابتغاء وج99ه ربه األعلى{ذلك: [ أي طمع99ا في أن يحص99

- رواه أحم�د، كت�اب مس�ند الكوف�يين، ب�اب ح�ديث النعم�ان بن بش�ير عن الن�بي -ص�لى الل�ه علي�ه1ار، رقم )18398وسلم-، رقم ) ��اب في تح��ذير الن ق��اق، ب ��اب الر (،2854(، وال��دارمي، كت��اب ومن كت

(.3659وصححه األلباني في صحيح الترغيب والترهيب، رقم ) ( ومس�لم، كت�اب اإليم�ان، ب�اب6562 - رواه البخاري، كتاب الرقاق، باب صفة الجن�ة والن�ار، رقم )2

(.213أهون أهل النار عذابا، رقم )(.213 - رواه مسلم، كتاب اإليمان، باب أهون أهل النار عذابا، رقم )3 - رواه البخاري، كتاب االعتصام بالكتاب والسنة، باب االقتداء بس�نن رس�ول الل�ه -ص�لى الل�ه علي�ه4

(، وأحمد، كتاب المكثرين من الصحابة، باب مسند أبي هريرة -رضي الله عن��ه-،7280وسلم-، رقم )(.8728رقم )

Page 2: files.zadapps.info · Web view- رواه أحمد، كتاب مسند الكوفيين، باب حديث النعمان بن بشير عن النبي -صلى الله عليه وسلم-،

وفرؤيته في الدار اآلخرة في روضات الجنات، قال الله -تعالى-: }ولس99فات.21]الليل: يرضى{ [ أي ولسوف يرضى من اتصف بهذه الص

الحمد لله، والصالة والسالم على رسول الله، أما بعد: قال مجاهد: أي توهج، واخت��اره ابنفأنذرتكم نارا تلظى{ }فقوله -تبارك وتعالى-:

جرير -رحمه الله. من قبل- أن الصلي -ص��ليذكرنا - ال يصالها إال األشقى{}وقوله -تبارك وتعالى-:

النار- ينتظم معنيين:األول: الدخول.

والمعنى الثاني: االحتراق فيها، يعني أن يقاسي حرها. واألشقى أفعل تفضيل، والمراد به مطلق االتصاف -واللهال يصالها إال األشقى{ }

تعالى أعلم-، يعني: ال يصالها إال الشقي، وقد مضى نظائره في مواضع من كتاب الل��ه {األشقى}-تبارك وتعالى-، وقد بينا أن "أفعل" التفضيل قد يأتي مرادا به التفضيل:

يعني األكثر شقاء، فإن "أفع��ل" التفض��يل يك��ون بين مش��تركين في ص��فة زاد أح��دهما على اآلخ��ر فيه��ا، فتق��ول: فالن أتقى من فالن، فالن أق��وى من فالن، فالن أغ��نى من فالن، وقد اشتركا في هذه الصفة، وقد يراد به مطل��ق االتص��اف، وذكرن��ا ش��اهد ذل��ك،

كقول الشاعر:ى رجال أن أموت وإن أمت *** فتلك طريق لست فيها بأوحد تمن

يعني ليس فيها بواحد.يعني الشقي.ال يصالها إال األشقى{ }وهنا:

الذي} ق��ال: {األشقى}يقول: "أي ال يدخلها دخوال يحيط ب��ه من جمي��ع جوانب��ه إال إلى آخره، يع��ني ق��د ي��دخل أح��د من أه��ل اإليم��ان والتوحي��د، ولكن��ه"كذب وتولى{

يخرج، فال يخلد فيها..ال يصالها إال األشقى{}

"أفع��ل" تفض��يل،{األشقى}ولو أن أحدا من الناس حمله على ظ��اهره، يع��ني أن: ج هذا؟. فهل يمكن أن يخر

الجواب: نعم، باعتبار أن "أفع�ل" التفض��يل ال تمن��ع من التس�اوي، ولكنه�ا تمن�ع من أن يزيد أحد على هذه الصفة، وهذا الج��واب ذكرن��اه في اآلي��ات ال��تي ق��د يفهم منه��ا أنه��ا

ا في الظ��اهر؛ كقول��ه -تب��ارك وتع��الى-: ومن أظلم ممن}لربما يخالف بعضها بعض��نع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه{ يعني: ال أحد أظلم. [114]البقرة: م

"من" هنا استفهامية، مضمنة معنى النفي، ال أحد أظلم.ر بآيات ربه ثم أع99رض عنه99ا{وفي موضع آخر: ]الس��جدة:}ومن أظلم ممن ذك

ال أحد أظلم ممن ذكر بآيات ربه، ثم أعرض عنها، إلى غير ذلك من اآليات. [22 وذكرنا جوابين أحدهما هو الذي يعنينا هنا، وهو: أن هؤالء جميعا قد اشتركوا في الصفة العليا من الظلم، كلهم قد بلغ في الظلم غايته، فإن "أفعل" التفضيل ال تمنع التساوي،

ولكنها تمنع الزيادة، أن يزيد أحد منهم على هؤالء بهذه الصفة. كلهم بلغ في الظلم غايته، تقول في مناسبة: "فالن أظلم الناس"، وفي مناسبة أخ��رى

تذكر آخر، وتقول: "فالن أظلم الناس" ال تعارض، كلهم قد بلغ الغاية في الظلم. يمكن أن يقال: هؤالء الذين ق��د بلغ��وا في الش��قاءفال يصالها إال األشقى{ }فهنا:

غايته، وهم الكفار. ولكن األول أقرب وأس��هل، وال يحت��اج إلى ه��ذا التخ��ريج، يع��ني حينم��ا نق��ول: إن ذل��ك

المراد به مطلق االتصاف، يعني الشقي.كذب فلم يؤمن بما جاءت به الرسل -عليهم الصالة والسالم. الذي كذب وتولى{} يعني أعرض، ولم يرفع بذلك رأسا.{وتولى}

Page 3: files.zadapps.info · Web view- رواه أحمد، كتاب مسند الكوفيين، باب حديث النعمان بن بشير عن النبي -صلى الله عليه وسلم-،

يجنبها األتقىهنا نفس الكالم: وسيجنبها األتقى{}ثم قال الله -تعالى-: }وس99 -رضي الله تعالى عنه- هو أولى منأبا بكرال شك أن ، والذي يؤتي ماله يتزكى{*

يدخل في هذه اآلية بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- من هذه األمة. وتجد في كثير من اآلثار المنقولة عن السلف -رض��ي الل��ه عنهم-، وفي كتب التفس��ير:

-رضي الله عنه.أبو بكر {األتقى}أن المراد ب� "أفعل" تفضيل، يع��ني{األتقى}وال شك في دخوله فيها، لكن كأنهم نظروا إلى أن:

أكثر تقوى، والذين يجنبون النار هنا ليس أكثرهم تق��وى، وإنم��ا المقص��ود -والل��ه أعلم- مطلق االتصاف، يعني: سيجنبها التقي، يعني أن "أفعل" التفضيل غير مراد.

-رحمه الل��ه- ق��ال: "يص��رف مال��هابن كثيرعبارة تأمل الذي يؤتي ماله يتزكى{ }في طاعة ربه ليزكي نفسه وماله، وما وهبه الله من دين ودنيا".

يعني تزكية النفس تزكية لدينه، وتزكية المال؛ لينمو ويتطهر، ف��ابن كث��ير -رحم��ه الل��ه-جمع بين المعنيين.يحتمل معنيين: }الذي يؤتي ماله يتزكى{بمعنى: أن قوله:

المعنى األول: أن ذلك يرجع إلى المال، يعني: يؤتي ماله، وينفق��ه، ويخرج��ه في س��بيليزكيه بذلك. الذي يؤتي ماله يتزكى{}الله، ليتزكى هذا المال.

والمعنى الثاني: أن ذلك يرجع إليه، إلى المنف��ق، يخ��رج مال��ه، ويبذل��ه؛ ل��يزكي نفس��ه:رهم وتزكيهم بها{} [.103]التوبة: خذ من أموالهم صدقة تطه

ي، يحص��ل به��ا تزكي��ة النف��وس، ويحص��ل به��ا تزكي��ة الم��ال في آن فهذه الصدقات تزكواحد.

يؤتي ماله يت99زكى{ }ولذلك فإن هذين المعنيين داخالن في هذه اآلية -والله أعلم-فإنه يزكي نفسه بذلك، وهو أيضا يزكي هذا المال ويطهره.

فالزكاة والصدقة يحصل فيها التزكيتان، فهي تزكي النفوس، وتزكي األموال. تطهر النفوس من الشح والبخل، وكذلك أيضا تطه��ر الم��ال مم��ا داخل��ه من الش��وائب

والمكاسب التي قد يكون عليه فيها تبعة. وما ألحد عنده من نعمة تج99زى * إال ابتغ99اء}فابن كثير هنا جمع المعنيين، قال:

"أي ليس بذله ماله في مكافأة من أسدى إليه معروفا،وجه ربه األعلى{ وم99ا ألح99د عن99ده من نعم99ة}يع��ني هن��ا قول��ه: فهو يعطي في مقابلة ذلك"،

: م��اابن كث��يرالمشهور الذي عبر به أكثر المفسرين، وهو ال��ذي مش��ى علي��ه تجزى{ ألحد عنده من نعمة تجزى في الماضي، يعني ليس ألحد عليه يد فهو يكافئه به��ا حينم��ا

يعطي وينفق.�ل ه�ؤالء المعطين، يعني هذا العط�اء ليس بمكاف�أة على أي�اد س�ابقة، وإفض�ال من قب

وإنما كل ذلك طلبا لما عند الله -تبارك وتعالى.يعني ليس هو على سبيل المجازاة والمكافأة، هذا معنى.

وما ألحد عنده}والمعنى الثاني الذي ذكره بعض أهل العلم: أن ذلك في المستقبل: يعني ه��و حينم��ا يعطي ال ينتظ��ر ،من نعمة تجزى * إال ابتغاء وجه ربه األعلى{

عائدة من هذا المعطى في المستقبل أن يكافئه على ه��ذا، أو ي��رجي من��ه نفع��ا، أو أنا، وإنما يريد ما عند الله -تبارك وتعالى. يدفع عنه ضر

.وما ألحد عنده من نعمة تجزى{} الكثيرون حملوه على الماضي، ما ألحد عنده شيء متحقق وحاصل، لكن من ق��ال: إن ذلك في المستقبل فإن ظاهر اللفظ -والله تع��الى أعلم- ال يمن��ع من��ه، م��ا ألح��د عن��ده

يعني في نفسه وقصده ونيته. حينما يعطي هو ال ينتظ��ر، ليس في [19]الليل: وما ألحد عنده من نعمة تجزى{}

نفسه أن يكافأ على هذا اإلحسان، واإلفضال والعطاء.والفرق واضح بين المعنيين.

Page 4: files.zadapps.info · Web view- رواه أحمد، كتاب مسند الكوفيين، باب حديث النعمان بن بشير عن النبي -صلى الله عليه وسلم-،

لكن المشهور هو األول: أن هذا العطاء ليس بمقابل نف��ع س��ابق، وي��د س��ابقة يري��د أنيكافئ عليها، إنما هو لوجه الله.

ولهذا قال بعض أهل العلم: إنه يحسن لإلنسان أن يكون أمره لله من أول�ه إلى آخ�ره،وهذا ال يتأتى إال أن ال يكون ألحد عليه يد.

بمعنى أنه إن كان ألحد عليه يد هذا قدم له مساعدة، وهذا أحسن إليه، وهذا شفع ل��ه،وهذا كذا، وهذا.. فهو مأسور بهذه األيادي.

فهو حينما يقدم اإلحسان إلى الناس ويب��ذل فكأن��ه يك��افئ ه��ؤالء، ه��ذا من جه��ة، ومن جهة أخرى قد يقول قائل: إنه يعطي من ليس له يد عنده، يعطي هؤالء الفقراء وليس لهم يد، فنظروا إلى ملحظ أدق من هذا، وهو النفي المطلق، قالوا: هذا اإلنس��ان ليس ألحد عنده نعمة تجزى مطلقا، ف�"أحد" هن��ا نك��رة في س��ياق النفي، فتعم، ليس ألح��د:

أي أحد، عنده من نعمة تجزى: أي نعمة، سواء كانت حسية أو معنوية. فإن "نعمة" هنا نكرة مسبوقة أيضا ب�"من" وهذا نص ص��ريح[�� 19]الليل: من نعمة{}

في العموم. ليس ألحد: أي أحد، نعمة: أي نعمة دقت أو جلت، ليس عنده نعم��ة تج��زى، ق��الوا: هن��ا

قيدت باإلجزاء. -رض��ي الل�هأب�و بكرفكل نعمة يمكن أن تج��زى إال نعم�ة اإليم�ان واإلس�الم، يقول��ون:

��د إالتعالى عنه- أخبر النبي -صلى الله علي�ه وس�لم- عن��ه بقول�ه: ��دنا ي ))م�ا ألح��د عنه يوم القيامة(( .(5)كافأناه ما خال أبا بكر، فإن له عندنا يدا يكافئه الل

فإذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول في حقه هذا!، ق��الوا: وأم��ا غ��يره كعلي -رضي الله تعالى عنه- مثال فقد تربى في حجر النبي -صلى الله عليه وسلم-، ف��النبي - صلى الله عليه وسلم- ل�ه نعم�ة علي�ه غ�ير نعم�ة اإليم�ان واإلس�الم، وهداي�ة اإلرش�اد،

فالنبي -صلى الله عليه وسلم- له نعمة. فالشاهد هنا أنهم نظروا إلى القيد "ما ألحد عنده من نعمة تجزى"، ما هي النعمة التي

تجزى؟. يعني: كل واح��د ل��ه ي��د ))إال كافأناه ما خال أبا بكر((قال النبي -صلى الله عليه وسلم-:

جوزي عليها، إال الصديق -رضي الله تعالى عنه وأرضاه. فالنعمة الوحيدة ال��تي ال يمكن أن يج��ازي عليه��ا نعم��ة اإليم��ان واإلس��الم، فهن��ا قي��دت

}وما، النعمة بأنها تجزى، "وما ألحد عنده من نعم��ة تج��زى"، نظ��روا إليه��ا به��ذا القيد[.20]الليل: ألحد عنده من نعمة تجزى * إال ابتغاء وجه ربه األعلى{

-رضي الله تعالى عنه.أبي بكرقالوا: وهذا ال يتحقق إال في -19]اللي��ل: }وما ألحد عنده من نعمة تجزى * إال ابتغ99اء وج99ه ربه األعلى{

فهذه النعمة التي ال تجزى هي نعمة اإليمان، فنفى أي نعمة أخرى.[20 -رضي الله عنه- ليس ألحد عليه يد أو نعمةأبو بكر قالوا: أبو بكريعني الذين قالوا: هو

أسداها إليه يمكن أن يجزى عليها، إنما كان هو الذي يعطي، هو ال��ذي ك��ان ينف��ق، ه��والذي كذا.

وهناك نعمة ال تجزى، ال يستطيع أن يجزي عليها هي اإلسالم واإليمان، فهذه من الن��بي -صلى الله عليه وسلم- ألبي بكر -رضي الله عنه-، هو الذي دعاه، وه��و ال��ذي أرش��ده،

والله وفقه، فقالوا: والنعمة المنفية هنا هي النعمة التي تجزى. -رضي الله تعالى عنه.أبو بكركل هذا توجيه لقول من قال: إن المقصود به

بعض أهل العلم قال في هذا الموضع: إنه ينبغي لإلنسان أن ال يكون ألح�د عن��ده نعم�ة تجزى، وإنما تكون الي��د العلي��ا خ�يرا من الي�د الس�فلى، بحيث يك��ون ه�ذا اإلنس�ان في إحسانه، وعطائه، وبذله، وفي كذا، ال يكون للناس أياد تطوقه، وإفضال وإحسان يحتاج

(3661 - رواه الترمذي، كتاب أبواب المناقب، باب مناقب أبي بكر الصديق -رضي الله عنه-، رقم )5(.13وصححه األلباني في تخريج أحاديث مشكلة الفقر وكيف عالجها اإلسالم، رقم )

Page 5: files.zadapps.info · Web view- رواه أحمد، كتاب مسند الكوفيين، باب حديث النعمان بن بشير عن النبي -صلى الله عليه وسلم-،

أن يرد ذلك، وإنما ينعتق من هذا كله، فيكون عطاؤه لله، ومنعه لله، ويكون أم��ره كل��هلله.

لكن اآلخر تطوقه األيادي، فهذا أحسن إليه بنوع من اإلحسان، وهذا، والثالث، والراب��ع،والعاشر، وهكذا..

فهذه األمور التي ذكروها يحتاج لربما استيعابها وفهمها إلى إعمال لل��ذهن، وش��يء من الجهد الذهني، ومثل هذا غير متبادر وال ظاهر، لكن لو بقينا مع الظ��اهر: أن ه��ذا ال��ذي ينفق ويعطي إنما يعطي لوجه الله -عز وجل-، وليس في مقابل إحسان سابق يك��افئ

عليه، هذا القدر الذي دل عليه ظاهر اآلية.��ا لوج��ه رب��ه، ه��ذا [20]اللي��ل: إال ابتغاء وجه ربه األعلى{}وقوله: يع��ني إال طلب

االستثناء منقطع، واالستثناء المنقط��ع -كم��ا ه��و معل��وم- أن يك��ون المس��تثنى من غ��يرجنس المستثنى منه.

]اللي��ل: إال ابتغ99اء وج99ه ربه األعلى{* وما ألحد عنده من نعمة تجزى }فهنا: 19 -20] .

من جنس النعمة التي تجزى؟. }ابتغاء وجه ربه األعلى{فهل المستثنى: الجواب: ال، ليس منه.

فإذا هو استثناء منقطع بمعنى: "لكن". لكن إنم��ا يبتغي وج��ه الل��ه به��ذا اإلنف��اقوم99ا ألح99د عن99ده من نعم99ة تج99زى{ }

واإلحسان. وأجاز الفراء النصب على التأويل، يعني كقولهم: ما أعطيتك ابتغ��اء جزائ��ك، ب��ل ابتغ��اء

وجه الله -تعالى. هنا "إال ابتغاء وجه رب��ه األعلى" ق��ال: أي طمع��ا في إال ابتغاء وجه ربه األعلى{}

أن يحصل له رؤيته في الدار اآلخرة في روضات الجنات.يعني هنا فسر ابتغاء وجه الله بالنظر إلى وجهه. إال ابتغاء وجه ربه األعلى{}

وهذا يحتمل، لكن الذي يعبر به كثيرا في مث��ل ه��ذا أن يق��ال: إال ابتغ��اء وج��ه الل��ه، أن يكون المقصود إال طلبا لما عند الله -تبارك وتع��الى- من الج��زاء والث��واب، وي��دخل في

وم99ا}هذا الجزاء والثواب وهو أعظمه: النظر إلى وجهه الك��ريم، ق��ال الل��ه -تع��الى-: ابتغاء وجه الل99ه{ ،[272]البق��رة: تنفقوا من خير فألنفسكم وما تنفقون إال

يعني طلب ما عنده، يعني أنك ال تفعل ذلك لغرض آخر كأن تريد من ه��ؤالء الن��اس أن يردوا هذا اإلحسان في يوم من الدهر، كما يفعله بعض الناس، ولهذا ذكر شيخ اإلسالم -رحمه الله- أن صاحب اإلحس��ان، أو الهدي��ة، أو الص��دقة، أو الهب��ة إذا ك��ان ينتظ��ر من الناس الشكر فقط فإن هذا ال يكون عمله خالصا، وإنما هو يبتغي أم�را يع�ود علي�ه من

هؤالء الناس.وذكرنا في بعض المناسبات: حديث عائشة -رضي الل��ه عنه��ا-: أه��ديت لرس��ول الل��ه -

فك��انت عائش��ة إذا رجعت الخ��ادم،،((اقس��ميها))صلى الله عليه وسلم- ش��اة، فق��ال: تقول: ما قالوا؟ تقول الخادم: ق��الوا: ب��ارك الل��ه فيكم، فتق��ول عائش��ة: "وفيهم ب��ارك

. (6)الله، نرد عليهم مثل ما قالوا، ويبقى أجرنا لنا" بمعنى: أن هذا الذي قال لك: بارك الله فيك، أو جزاك الل��ه خ��يرا يك��ون ق��د أوفى في

))ومن ص��نع إليكم معروف��ا فك��افئوه، ف��إن لم تج��دوا م��ا تكافئون��هالج��زاء والمكاف��أة: .(7)فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه((

�ة، ب�اب م�ا يق�ول لمن أه�دى ل�ه، رقم )6 يل - رواه النسائي في السنن الكبرى، كتاب عمل اليوم والل(.239(، وصححه األلباني في تخريج الكلم الطيب، رقم )10062

(، وصححه األلباني في ص��حيح1672 - رواه أبو داود، كتاب الزكاة، باب عطية من سأل بالله، رقم )7(.1469أبي داود، رقم )

Page 6: files.zadapps.info · Web view- رواه أحمد، كتاب مسند الكوفيين، باب حديث النعمان بن بشير عن النبي -صلى الله عليه وسلم-،

فإذا عجزنا عن هذه المكافأة فمثل هذا الدعاء له ب��الجزاء ب��الخير، ح��تى ن��رى أنن��ا ق��د��ل به��ذا ال��رد ال��ذي تحص��ل ب��ه كافأناه، فإن هذا يك��ون في مقاب��ل ه��ذا اإلحس��ان، يقاب

المكافأة، فكانوا يتحرجون حتى من هذا؛ من أجل أن ال يكافئوا على إحسانهم. فال��ذي ينتظ��ر من الن��اس أن يش��كروه على إال ابتغ99اء وج99ه ربه األعلى{}فهن��ا:

.إال ابتغاء وجه ربه األعلى{}اإلحسان ال يكون كذلك: فالذي ينتظر من الن��اس ال�ذين يحس��ن إليهم ويعطيهم أن يلهج��وا بال��دعاء ل�ه، ويف�رح بذلك ويسر، أو يقول لهم ذلك بلسان المقال: ادعوا لنا! نحن نحتاج إلى دع��ائكم! ف��إذا رآهم يرفعون أيديهم ويدعون فإنه يس��ر ب��ذلك ويط��رب، ه�ذا ليس بمح��رم أي مس��ألة

الدعاء، أنهم يدعون له، اإلنسان بحاجة إلى الدعاء. لكن األكمل أن ال يكافأ على هذه النعم�ة ب�أي وج�ه من الوج�وه، ف�إن ه�ذا ال�دعاء ق�د

يكون مكافأة له، كما دل عليه الحديث. }إنما نطعمكم لوجه ومن ثم فإنه ينبغي لإلنسان أن ال ينتظر منهم ال دعاء وال ثناء:

[.9]اإلنسان: الله ال نريد منكم جزاء وال شكورا{هل المقصود نطعمكم من أجل أن نرى وجه الله؟. نطعمكم لوجه الله{}

الجواب: ال، وإنما ذلك اإلخالص، يعني ابتغاء ما عند الله -تبارك وتعالى-، وليس لعائ��دة تعود عليه من هؤالء الناس، سواء كان ذلك من األمور المادية، كما يفعل بعض الن��اس، قد يعطي وينتظر الرد، الهدية مثال، ولهذا النبي -صلى الله عليه وسلم- هم أن ال يقب��ل من أحد هدية إال من قرشي، لما أعطاه األعرابي وتأذى النبي -صلى الله عليه وس��لم- بذلك، يعني هذا الرجل كان ينتظر أن ترد هذه الهدية بمثلها، كم��ا يفع��ل بعض��هم، فإن��ه ق���د يهب، ق���د يعطي في مناس���بة، أو في غ���ير مناس���بة، بعض الن���اس يعط���ون في الزواجات، ولربما يشعر أنها من قبيل المغرم، فهو يأتي لهذا اإلنسان ال��ذي عن��ده ه��ذاد هذا بس��جل: فالن ج��اء بك��ذا، الزواج، فيعطيه شاة، أو شاتين، أو ثالثا، أو أكثر، ثم يقي فإذا صار عنده مناسبة يرد عليه بالمثل، وذاك ينتظر المثل، فلو لو يرد عليه ه��و يش�عر أنها مغرم، وأن هذا لم يرد، وأنها كالدين، وهو لم يعطهم إلرادة ما عند الله، ولإلحسان

المجرد، وإنما هو ينتظر في مقابل ذلك، والله المستعان. هذا أصل في هذا الباب كبير، وهو أن يكون اإلحس��ان بجمي��ع أنواع��ه، س��واء ك��ان ه��ذاا، ا في النفق��ة في الص��دقة، وم��ا إلى ذل��ك، أو ك��ان ه��ذا اإلحس��ان معنوي اإلحسان مادي أرشد إنسانا إلى الطريق، أو علمه، أو أنه دع��اه إلى الل��ه، فاهت��دى، أو غ��ير ذل��ك مم��ا يصنعه من المعروف، فهو ال ينتظر من هؤالء أن يعرفوا ل��ه ق��دره، وحرمت��ه، ومنزلت��ه، وفضله، وإحسانه السالف، وإال فهم جاح��دون في نظ��ره، متنك��رون للمع��روف، س��واء

كانوا من قراباته، أو من غيرهم. }إنما نطعمكم لوجه الله ال نري99دالشعار الكبير الذي ينبغي أن يكون عليه المرء:

اجعل ه�ذه منهج�ا ل�ك في الحي�اة، ت�ريح وتس�تريح، ت�ريح، منكم جزاء وال شكورا{��ا أن ي��ردوا ل��ك ه��ذه الجماي��ل، ��ف تط��البهم به��ا، وتكلفهم عنت الناس من مطالبات وكل وكذلك أيضا ترتاح أنت من التعب النفسي: فالن ما شكر، فالن ما ق�در، فالن م�ا ص��نع كما صنعت ل��ه، فالن أحس��نت إلي��ه، ولم يكن من��ه إال النك��ران، الي��وم ال تحس��ن ألح�د، وعبارات وجمل كل ذل��ك ي��دور ح��ول ه��ذا األص��ل الفاس��د في نف��وس الكث��يرين، وه��وا على الوج��ه المطل��وب، انتظار العائدة على هذا اإلحسان، فعملهم هذا ال يكون خالص��

فقد يذهب ثوابه بالكلية، وقد ينقص بحسب ما داخله، وهذا يغفل عنه الكثيرون.ى{}هذه "الالم" موطئ��ة للقس��م ولسوف يرضى{} من اتص��فولسوف يرض99

بهذه الصفات. والرضا هنا يدخل فيه الرضا األخروي، كما قال الله -عز وجل- لنبي��ه -ص��لى الل��ه علي��ه

ى{}وسلم- كما سيأتي في السورة ال��تي بع��دها-: وف يعطي9ك ربك فترض99 ولس99فعامة المفسرين يحملونه على الرضا األخروي.[ 5]الضحى:

Page 7: files.zadapps.info · Web view- رواه أحمد، كتاب مسند الكوفيين، باب حديث النعمان بن بشير عن النبي -صلى الله عليه وسلم-،

ضي الله عنهم ورضوا عنه{ } بع��دما))ه��ل رض��يتم؟((ويق��ول لهم: [8]البين��ة: ر.(8)يدخلون الجنة

فالله -تبارك وتعالى- يرضي هؤالء من أهل اإليمان والبر واإلحسان بم��ا يك��ون لهم منالجزاء في اآلخرة.

وهكذا هذا الرضا أيضا يلحقهم في الدنيا، فيحصل لهم من الرضا مما يت��نزل عليهم من ألطاف الله -تبارك وتعالى-، ولذلك تجد الذي يحسن إلى الن��اس وينفعهم، ويب��ذل لهم، يريد بذلك ما عند الله -عز وجل- تجده من أكثر الناس رض��ا، ومن أك��ثر الن��اس راح��ة،

ومن أكثر الناس انشراحا وسعادة. وكما ذكرت في بعض المناسبات: أن أسرع األمور المس��ببة لالنش��راح، ودف��ع الض��يق، الذي قد يعرض لإلنسان فيجده في نفس��ه: اإلحس��ان المتع��دي، ه��ذا عالج مباش��ر، أن��ا أقول: ليس كالذي يأكل المهدئات -البنادول أو نحو هذا- إذا أصابه صداع، ب��ل ه��و أبل��غ

من هذا، لكنه عالج وقتي سريع، يعني أريد شيئا اآلن. هناك عالج طويل المدى: االرتباط بالله -عز وج��ل-، ك��ثرة ذك��ره، اإلقب��ال على كالم��ه،

الة{}التدبر، إلى آخره، تكون صلته بربه قوية: بر والص99 ]البق��رة: واستعينوا بالص99فيروض النفس على هذا. [45

لكن هناك عالجات سريعة، هذه العالجات السريعة مثل: "كان النبي -ص��لى الل��ه علي��ه فزع إلى الصالة.(9)أمر صلى" وسلم- إذا حزبه

اإلحسان المتعدي للناس: خذ شيئا واذهب إلى هذا الفقير بنفسك وأعطه، إم��ا تعطيهم نقودا، وإما توزع على العمال ماء باردا في الشمس في الحر، أو أنك تقف م��ع إنس��ان قد تعطل في الطريق، وتشتغل معه في سيارته، ونحو هذا، وتدفعها معه، ه��ذا يس��بب االنشراح المباشر، هذا في الض��يق الع��ارض، ال��ذي يحص��ل لإلنس��ان، وج��د في نفس��ه انقباضا، وجد في قلبه عصرة، أو نحو ذل�ك، ي��ذهب ويحس��ن إلى الن��اس، وال ي��دري ب��ه أحد، ال يشعر به أحد، يأخذ لهم ش��يئا من الص��دقة، أو نح��و ذل��ك، وي��ذهب إلى بي��وتهم، ويعطيهم، ف��إذا رأى ه��ؤالء األطف��ال يتق��افزون، ويفرح��ون، ويس��رون، يعطيهم أش��ياء جيدة، ولو كانت رخيصة، يعني ال يعطيهم بقاي��ا طع��ام، ويطلب االنش��راح بس��بب ه��ذا،فمثل هذا هو بقدر ما ينفق بقدر ما يحصل له من اللذة والسعادة والسرور واالنشراح.

إال ابتغاء وج99ه ربه}وهنا تعليق البن القيم يقول -رحمه الله-: "ونبه سبحانه بقوله: على أن من ليس لمخلوق علي��ه نعم��ة تج��زى ال يفع��ل م��ا يفعله [20]الليل: األعلى{

بخالف من تطوق نعم المخلوقين ومننهم، [20]الليل: }إال ابتغاء وجه ربه األعلى{ فإنه مضطر إلى أن يفعل ألجلهم، ويترك ألجلهم، وله��ذا ك��ان من كم��ال اإلخالص أن ال يجعل العبد عليه منة ألح��د من الن��اس، لتك��ون معاملت��ه كله��ا لل��ه ابتغ��اء وج��ه، وطلب مرضاته، فكما أن هذه الغاية أعلى الغايات، وه��ذا المطل��وب أش��رف المط��الب، فه��ذا

.(10)الطريق أقصر الطرق إليه، وأقربها وأقومها، وبالله التوفيق" يعني الحظ أحيانا اإلنسان يفعل معروفا ألحد من الناس، فإذا شكره ذلك اإلنسان، قال

له: ال، هذا رد لبعض جميلكم، لبعض معروفكم، لبعض إحسانكم، أليس كذلك؟. فهنا يكون فعله كأنه مكافأة، هذا حسن وجيد أن اإلنسان يكافئ، لكن أين هذا من ذاك

الذي ال يوجد ألحد عليه يد أصال؟، فليست المسألة مقايضة.رين أن هذه اآليات ن99زلت فيقال رحمه الله: وقد ذكر غير واحد من المفس

هم حكى اإلجم99اع من ديق -رض99ي الل99ه عن99ه-، حتى إن بعض99 أبي بك99ر الص99 (، ومس��لم، كت��اب الجن��ة وص��فة6549 - رواه البخاري، كتاب الرقاق، باب صفة الجنة والن��ار، رقم )8

(.2829نعيمها وأهلها، باب إحالل الرضوان على أهل الجنة فال يسخط عليهم أبدا، رقم ) - رواه أب�و داود، كت�اب الص�الة، ب�اب وقت قي�ام الن�بي -ص�لى الل�ه علي�ه وس�لم- من اللي�ل، رقم )9

(.4703(، وحسنه األلباني في صحيح الجامع، برقم )1319(.72 - التبيان في أقسام القرآن، ص )10

Page 8: files.zadapps.info · Web view- رواه أحمد، كتاب مسند الكوفيين، باب حديث النعمان بن بشير عن النبي -صلى الله عليه وسلم-،

ة بعمومها، فإن رين على ذلك، وال شك أنه داخل فيها، وأولى األم المفس.لفظها لفظ العموم

أين العموم؟. [17]الليل: وسيجنبها األتقى{ }الحظ: إذا قلنا: إن هذا "أفعل" تفضيل يتوهم كثيرون -كما سبق- أنه أتقى واحد، األكثر تق��وى

-رضي الله عنه-، ولكن -كما سبق- أن "أفعل" التفضيل ال تمن��عأبو بكرمن هو؟ التساوي.

ف��التقي هن��اوسيجنبها األتقى{ }وإذا قلنا: المقصود مطلق االتصاف، فهذا أوضح: ا.أبو بكرعام، يدخل فيه -رضي الله عنه- دخوال أولي

يجنبها األتقى}وهو قوله تع99الى: قال -رحمه الله-: * الذي ي99ؤتي مال99هوس99ة[18-17]اللي99ل: يتزكى وما ألحد عنده من نعمة تج99زى{ دم األم ولكنه مق99

اف الحمي99دة، فإنه ك99ان وسابقهم في جميع هذه األوصاف، وسائر األوص99 صديقا تقيا كريما جوادا بذاال ألمواله في طاعة مواله ونصرة رسول الل9ه -صلى الله علي99ه وس99لم-، فكم من دراهم ودن99انير ب99ذلها ابتغ99اء وج99ه ربه الك99ريم، ولم يكن ألح99د من الناس عن99ده منة يحت99اج إلى أن يكافئه به99ا،ائر القبائل، اء من س99 ؤس99 ادات والر انه على الس99 له وإحس99 ولكن كان فض99لح الحديبي99ة: يد ثقي99ف- ي99وم ص99 ولهذا قال له عروة بن مسعود -وه99و س99

وكان الص99ديق ق99د. "أما والله لوال يد لك كانت عندي لم أجزك بها ألجبتك.أغلظ له في المقالة

ا"أي قال عروة بن مسعود للنبي -ص�لى الل��ه علي�ه وس��لم: "م�ا أرى حول�ك إال أوباش��ا، يع��ني يقصد الصحابة، يعني يقول: اقب��ل بم��ا نملي علي��ك، فم��ا أرى حول��ك إال أوباش��

-رض��ي الل��هأب��و بكرأناسا ليسوا بشيء، يعني إذا جاء الجد ف��روا وترك��وك، فق��ال ل��ه ( 11عنه-: "امصص بظر الالت، أنحن نفر عنه وندعه؟!")

اء القبائ99لقال -رحمه الله-: ادات الع99رب ورؤس99 فإن كان ه99ذا حال99ه م99ع س99!.فكيف بمن عداهم؟ إال ابتغ99اء وج99ه ربهوما ألحد عنده من نعم99ة تج99زى * }ولهذا قال تعالى:

[.20-19]الليل: األعلى ولسوف يرضى{حيحين: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ))من أنفقوفي الص

-من أنف��ق زوجين في سبيل الله دعته خزنة الجنة: يا عبد الله ه99ذا خي99ر((ول الله، م99ا على منزوجين يعني صنفين من الصدقة- فقال أبو بك99ر: ي99ا رس99

))نعم، وأرج99و أنيدعى منها ضرورة، فهل يدعى منها كله99ا أح99د؟ ق99ال: .(12)تكون منهم((

.آخر تفسير سورة الليل، ولله الحمد والمنة -رضي الله عنه- جمع من خصال الخير والبر واإليمان ما لم يجمعه غيره بعدأبا بكرإن

رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فق��د وزن باألم��ة، فوزنه��ا -ص��لى الل��ه علي��ه -رضي الله عنه-أبي بكروسلم-، فرجح، ومن أراد أن يعرف شيئا أو طرفا من فضائل

فلينظر في جزئية واحدة مثال، انظر في العشرة المبشرين بالجن�ة، كم منهم من دخ�ل حتى تعرف قدر هذا الخليف��ة الراش��د -رض��ي الل��ه تع��الىأبي بكرفي اإلسالم على يد

عنه وأرضاه-، فقط انظر في ترجمته من الذين أسلموا على يده، وانظ��ر في العش��رةالمبشرين بالجنة من الذين دخلوا على يده في اإلسالم منهم.

هذا فضل الله يؤتيه من يشاء.

- رواه البخ�اري، كت�اب الش�روط، ب�اب الش�روط في الجه�اد والمص�الحة م�ع أه�ل الح�رب وكتاب�ة11(.2731الشروط، رقم )

(، ومسلم، كتاب الكس��وف، ب��اب1897 - رواه البخاري، كتاب الصوم، باب الريان للصائمين، رقم )12(.1027من جمع الصدقة، وأعمال البر، رقم )

Page 9: files.zadapps.info · Web view- رواه أحمد، كتاب مسند الكوفيين، باب حديث النعمان بن بشير عن النبي -صلى الله عليه وسلم-،

ا من أعطى واتقى * تعلي��ق البن القيم على قول��ه: نى *}فأم دق بالحس99 وص99نى * تغنى * وك99ذب بالحس99 ا من بخ99ل واس99 رى * وأم ره لليس99 فسنيس99

ره للعسرى{ [.10- 5]الليل: فسنيس قال ابن القيم: "فتضمنت اآليتان ذكر شرعه وذكر األعمال وجزائها وحكم��ة الق��در في

وال يظلم ربك}تيسير هذا لليسرى، وهذا للعسرى، وأن العبد ميسر بأعماله لغاياتها .[49 ]الكهف: أحدا{

وذكر للتيسير لليسرى ثالثة أسباب: -هذا كالم مهم في القدر- أحدها: إعط��اء العب��د، وح��ذف مفع��ول الفع��ل إرادة لإلطالق والتعميم، أي أعطى ما أمر ب�ه وس�محت ب�ه طبيعت��ه، وطاوعت��ه نفس�ه، وذل�ك يتن�اول

.(13)إعطاءه من نفسه اإليمان والطاعة واإلخالص والتوبة والشكر.." فهنا حذف المقتضى، أعطى ماذا؟ {أعطى}الحظ، تعميم المعنى وتوسيعه

أعطى الم��ال، الص��دقة، ه��ذا ال��ذي ي��ذكره أك��ثر المفس��رين، لكن هن��ا يق��ول: أعطى اإليمان، أعطى العمل الص��الح، أعطى الص��دقة -الم��ال يع��ني-، أعطى من نفس��ه، من

ا من أعطى واتقى{وقته، من بدنه، من جهده، كل ه��ذا داخ��ل في اإلعط��اء }فأم[.5]الليل:

وكذلك: "اتقى" هنا محمول على هذا اإلطالق، أو العموم، بمعنى: ما قال: اتقى الكبائرمثال.

اتقى كل ما يتقى. قال رحمه الله: "وإعطاءه اإلحسان والنفع بماله ولسانه وبدنه ونيت��ه وقص��ده، فتك��ون نفسه نفسا مطيعة باذلة، ال لئيمة مانعة، فالنفس المطيعة هي النافعة المحس��نة ال��تي

طبعها اإلحسان، وإعطاء الخير الالزم والمتعدي،

.(14)فتعطي خيرها لنفسها ولغيرها"الالزم: العائد إليها مثل اإليمان، والخير المتعدي: الصدقة مثال.

قال: "فهي بمنزلة العين ال��تي ينتف��ع الن��اس بش��ربهم منه��ا، وس��قي دوابهم وأنع��امهم وزرعهم، فهم ينتفعون بها كي��ف ش��اءوا، فهي ميس��رة ل��ذلك، وهك��ذا الرج��ل المب��ارك ميسر للنفع حيث حل، فجزاء هذا أن ييسره الل��ه لليس�رى، كم�ا ك�انت نفس�ه ميس�رة

.للعطاء السبب الثاني: التقوى، وهي اجتناب ما نهى الله عنه، وهذا من أعظم أسباب التيسير، وضده من أسباب التعسير، فالمتقي ميسرة عليه أم�ور دني�اه وآخرت�ه، وت�ارك التق�وى وإن يسرت عليه بعض أمور دنياه تعس��ر علي��ه من أم��ور آخرت��ه بحس��ب م��ا ترك��ه من

.(15)التقوى" الحظ هنا حملها على هذا، وهذا يعني ليس فقط تيسير اليسرى في اآلخرة، وإنما أيضا

ب{}في الدنيا: ومن يتق الله يجعل له مخرجا * ويرزق99ه من حيث ال يحتس99[.3- 2]الطالق:

[.4 ]الطالق: ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا{} قال -رحمه الله-: "وأما تيسير م��ا تيس��ر علي��ه من أم��ور ال��دنيا فل��و اتقى الل��ه لك��انو

تيسيرها عليه أتم، ولو قدر أنها لم تتيسر له فقد يسر الله له من الدنيا ما هو أنف��ع ل��همما ناله بغير التقى.

فإن طيب العيش ونعيم القلب، ولذة الروح، وفرحه��ا وابتهاجه��ا من أعظم نعيم ال��دنيا، ومن يتق الله}وهو أج��ل من نعيم أرب��اب ال��دنيا بالش��هوات والل��ذات، ق��ال تع��الى:

(.56 - التبيان في أقسام القرآن، ص )13(.75-56 - المصدر السابق ص )14(.75 - المصدر السابق ص )15

Page 10: files.zadapps.info · Web view- رواه أحمد، كتاب مسند الكوفيين، باب حديث النعمان بن بشير عن النبي -صلى الله عليه وسلم-،

فأخبر أنه ييسر على المتقي ماال ييسر على [.4 ]الطالق: يجعل له من أمره يسرا{غيره.

ومن يتق الله يجع999ل له مخرج999ا * ويرزق999ه من حيث ال}وق����ال تع����الى: وهذا أيضا ييسر عليه بتقواه. يحتسب{

يئاته ويعظم ل99ه أج99را{}وقال تعالى: ر عنه س99 [،5]الطالق: ومن يتق الله يكفوهذا يتيسر عليه بإزالة ما يخشاه وإعطائه ما يحبه ويرضاه.

ر عنكم}وقال: وا الل9ه يجع9ل لكم فرقان9ا ويكف يا أيها الذين آمن9وا إن تتق9[.29]األنفال: سيئاتكم ويغفر لكم{

وه��ذا يتيس��ر بالفرق��ان المتض��من النج��اة والنص��ر والعلم والن��ور الف��ارق بين الح��قوالباطل، وتكفير السيئات، ومغفرة الذنوب، وذلك غاية التيسير.

والفالح غاية اليس��ر،[،�� 200]آل عمران: واتقوا الله لعلكم تفلحون{}وقال تعالى: كما أن الشقاء غاية العسر.

وله ي99ؤتكم كفلين}وقال تعالى: يا أيها الذين آمنوا اتق99وا الله وآمن99وا برس99حمته ويجعل لكم نورا تمشون به ويغفر لكم{ [.28]الحديد: من ر

فضمن لهم سبحانه بالتقوى ثالثة أمور: أحدها: أعطاهم نصيبين من رحمته، نصيبا في الدنيا، ونصيبا في اآلخ��رة، وق��د يض��اعف

لهم نصيب اآلخرة، فيصير نصيبين.الثاني: أعطاهم نورا يمشون به في الظلمات.

الثالث: مغفرة ذنوبهم، وهذا غاية التيسير، فقد جعل سبحانه التقوى س��ببا لك��ل يس��ر،وت����������������رك التق����������������وى س����������������ببا لك����������������ل عس����������������ر. السبب الثالث: التصديق بالحسنى، وفسرت ب���"ال إل��ه إال الل��ه"، وفس��رت ب���"الجن��ة"،

وفسرت ب�"الخلف"، وهي أقوال السلف.��ة اليس��رى، وهي فعلى من واليس��رى ص��فة لموص��وف مح��ذوف، أي الحال��ة والخل

اليسرى. واألقوال الثالثة ترجع إلى أفضل األعمال وأفضل الجزاء، فمن فسرها ب�"ال إله إال الله" فقد فسرها بمفرد يأتي بكل جمع، فإن التص��ديق الحقيقي ب���"ال إل��ه إال الل��ه" يس��تلزم التصديق بشعبها وفروعها كلها، وجميع أصول الدين وفروع��ه من ش��عب ه��ذه الكلم��ة، فال يكون العبد مصدقا بها حقيقة التص��ديق ح��تى ي��ؤمن بالل��ه ومالئكت��ه وكتب��ه ورس��له

.(16)ولقائه، وال يكون مؤمنا بالله إله العالمين حتى يؤمن بصفات جالله، ونعوت كماله" يع��ني: "ال إل��ه إال [6]اللي��ل: }وصدق بالحسنى{الحظ يجمع األقوال: من قال: إن

الله"، ومن قال: الجنة، ومن قال: العوض والخلف والثواب، هنا يق��ول: ه��ذه يمكن أن تلتئم في المعنى، فمن صدق ب�"ال إل��ه إال الل��ه" ف��إن ذل�ك يقتض��ي أن��ه ص��دق بالجن��ة،وبأسماء الله وصفاته -فهذه وحدانيته وربوبيته-، وبالجزاء والعوض، كل هذا داخل فيه.

قال -رحمه الله-: "وال يكون مؤمنا بأن الله ال إله إال هو ح��تى يس��لب خص��ائص اإللهي��ةعن كل موجود سواه،

ويسلبها عن اعتقاده وإرادته، كما هي منفية في الحقيقة والخارج. وال يكون مصدقا بها من نفى الصفات العليا، وال من نفى كالم��ه وتكليم��ه، وال من نفى استواءه على عرشه، وأنه يرفع إليه الكلم الطيب والعمل الصالح، وأن��ه رف��ع المس��يح إليه، وأسرى برسوله -صلى الله عليه وسلم-، وأنه يدبر األم��ر من الس��ماء إلى األرض ثم يعرج إليه، إلى سائر ما وصف به نفسه، ووص��فه ب��ه رس��وله -ص��لى الل��ه علي��ه

وسلم. وال يكون مؤمنا بهذه الكلمة مصدقا بها على الحقيقة من نفى عموم خلقه لكل ش��يء،

وقدرته على كل شيء، وعلمه بكل شيء، وبعثه األجساد من القبور ليوم النشور.(. 59-57 - المصدر السابق ص )16

Page 11: files.zadapps.info · Web view- رواه أحمد، كتاب مسند الكوفيين، باب حديث النعمان بن بشير عن النبي -صلى الله عليه وسلم-،

وال يكون مصدقا بها من زعم أنه يترك خلقه س��دى لم ي��أمرهم ولم ينههم على ألس��نةرسله.

وكذلك التصديق بها يقتضي: اإلذعان، واإلقرار بحقوقها، وهي شرائع اإلسالم ال��تي هي تفصيل هذه الكلمة بالتص��ديق بجمي��ع أخب��اره، وامتث��ال أوام��ره، واجتن��اب نواهي��ه؛ ه��و

تفصيل "ال إله إال الله"، فالمصدق بها على الحقيقة الذي يأتي بذلك كله.وكذلك لم تحصل عصمة المال والدم على اإلطالق إال بها، وبالقيام بحقها.

وكذلك ال تحصل النجاة من الع��ذاب على اإلطالق إال به��ا وبحقه��ا، فالعقوب��ة في ال��دنياواآلخرة على تركها، أو ترك حقها.

ومن فسر الحسنى ب�"الجنة" فسرها بأعلى أنواع الجزاء وكماله". -الحظ كيف يوج�ه األق��وال- ومن فس��رها ب��الخلف ذك��ر نوع��ا من الج��زاء، فه��ذا ج�زاء دنيوي، والجن��ة الج�زاء في اآلخ�رة، فرج�ع التص�ديق بالحس�نى إلى التص�ديق باإليم�ان

وجزائه.والتحقيق: أنها تتناول األمرين.

وتأمل م��ا اش��تملت علي��ه ه��ذه الكلم�ات الثالث -وهي: اإلعط�اء، والتق��وى، والتص��ديق بالحسنى- من العلم والعمل، وتض��منته من اله��دى ودين الح��ق، ف��إن النفس له��ا ثالث قوى: قوة البذل واإلعطاء، وق��وة الك��ف واالمتن��اع، وق��وة اإلدراك والفهم، ففيه��ا ق��وة العلم والشعور، ويتبعها قوة الحب واإلرادة، وقوة البغض والنفرة، فه��ذه الق��وى الثالث عليها مدار صالحها وسعادتها، وبفسادها يك��ون فس��ادها وش��قاوتها، ففس��اد ق��وة العلم والشعور ي��وجب ل��ه التك��ذيب بالحس��نى، وفس��اد ق��وة الحب واإلرادة ي��وجب ل��ه ت��رك اإلعطاء، وفساد قوة البغض والنفرة يوجب له ترك االتقاء، فإذا كملت قوة حبه وإرادته بإعطائه ما أمر ب��ه، وق��وة بغض��ه ونفرت��ه باتقائ��ه م��ا نهى عن��ه، وق��وة علم��ه وش��عوره بتصديقه بكلمة اإلسالم وحقوقها وجزائها فقد زكى نفسه، وأع��دها لك��ل حال��ة يس��رى،

فصارت النفس بذلك ميسرة لليسرى.ولما كان الدين يدور على ثالث قواعد: فعل المأمور، وترك المحظور، وتصديق الخبر.

وإن شئت قلت: الدين طلب وخبر، والطلب نوعان: طلب فعل، وطلب ترك. فق��د تض��منت ه��ذه الكلم�ات الثالث م��راتب ال��دين أجمعه��ا: فاإلعط��اء فع�ل الم��أمور، والتقوى ترك المحظور، والتصديق بالحسنى تصديق الخ��بر، ف��انتظم ذل��ك ال��دين كل��ه، وأكمل الن��اس من كملت ل��ه ه��ذه التق��وى الثالث، ودخ��ول النقص بحس��ب نقص��انها أو بعضها، فمن الناس من يكون قوة إعطائ��ه وبذل��ه أتم من ق��وة انكفاف��ه وترك��ه، فق��وة الترك فيه أضعف من قوة االعطاء، ومن الناس من يكون ق��وة ال��ترك واالنكف��اف في��ه أتم من قوة اإلعطاء والمن��ع، ومن الن��اس من يك��ون في��ه ق��وة التص��ديق أتم من ق��وة اإلعطاء والمنع، فقوته العلمي��ة والش��عورية أتم من قوت��ه اإلرادي��ة، وب��العكس، في��دخل النقص بحس��ب م��ا نقص من ق��وة ه��ذه الق��وى الثالث، ويفوت��ه من التيس��ير لليس��رى

بحسب ما فاته منها. ره}ومن كملت ل��ه ه��ذه الق��وى يس��ر لك��ل يس��رى، ق��ال ابن عب��اس: فسنيس99

أي نهيئه لعمل الخ��ير، نيس��ر علي��ه أعم��ال الخ��ير، وق��ال مقات��ل[�� 7]الليل: لليسرى{والكلبي والفراء: نيسره للعود إلى العمل الصالح.

وحقيقة اليسرى: أنها الخلة والحالة الس��هلة النافع��ة الواقع��ة ل��ه، وهي ض��د العس��رى، وذلك يتضمن تيسيره للخير وأسبابه، في��دري الخ��ير، وييس��ر على قلب��ه ويدي��ه ولس��انه وجوارحه، فتصير خصال الخير ميسرة عليه، مذللة له منق��ادة، وال تستعص��ي علي��ه، وال تستصعب؛ ألنه مهيأ لها، ميسر لفعلها، يس��لك س�بلها ذلال، وتق��اد ل�ه علم�ا وعمال، ف�إذا

خاللته قلت: هو الذي قيل فيه:مبارك الطلعة ميمونها *** يصلح للدنيا وللدين

Page 12: files.zadapps.info · Web view- رواه أحمد، كتاب مسند الكوفيين، باب حديث النعمان بن بشير عن النبي -صلى الله عليه وسلم-،

تغنى{ ل واس9 ا من بخ9 فعط��ل ق��وة اإلرادة واإلعط��اء عن فع��ل م��ا أم��ر ب��ه}وأم بترك التقوى عن ربه، فعطل قوة االنكف��اف وال��ترك عن فع��ل م��ا نهى}واستغنى{

فعطل قوة العلم والشعور عن التصديق باإليم��ان [9]الليل:}وكذب بالحسنى{عنه، ره للعسرى{}وجزائه [.10]الليل: فسنيس

قال عطاء: سوف أحول بين قلبه وبين اإليمان بي وبرسولي.وقال مقاتل: يعسر عليه أن يعطى خيرا.

-رضي الله عنهما-: نيسره للشر.ابن عباسوقال عكرمة عن قال الواحدي: وهذا هو القول؛ ألن الشر يؤدي إلى العذاب، فهو الخلة العسرى، والخير يؤدي إلى اليسر والراحة في الجن��ة، فه��و الخل��ة اليس��رى، يق��ول: س��نهيئه للش��ر ب��أن

يجريه على يديه. رت غنم فالن إذا تهي��أت لل��والدة، وك��ذلك إذا ول��دتقال الفراء: العرب تقول: ق��د يس��

وغزرت ألبانها، أي يسرت ذلك على أصحابها. انتهى كالمه.والتيسير للعسرى يكون بأمرين:

أح��دهما: أن يح��ول بين��ه وبين أس��باب الخ��ير فيج��ري الش��ر على قلب��ه ونيت��ه ولس��انهوجوارحه.

والثاني: أن يحول بينه وبين الجزاء األيسر، كما حال بينه وبين أسبابه، فإن قي��ل: كي��ف ؟ وه��ل يمكن العب��د أن يس��تغني عن رب��ه طرف��ةاستغنى{}ب��� اتقى{}قابل: عين؟.

قيل: هذا من أحسن المقابلة، فإن المتقي لما استش��عر فق��ره وفاقت��ه، وش��دة حاجت��ه إلى ربه اتقاه، ولم يتعرض لسخطه وغضبه ومقته بارتكاب ما نهاه عنه، ف��إن من ك��ان شديد الحاج��ة والض��رورة إلى ش��خص فإن��ه يتقي غض��به وس��خطه علي��ه غاي��ة االتق��اء، ويجانب ما يكرهه غاية المجانبة، ويعتمد فعل ما يحبه ويؤثره، فقابل التقوى باالس��تغناء تبشيعا لحال تارك التقوى، ومبالغة في ذمه، بأن فعل فعل المستغني عن ربه، ال فع��ل الفقير المضطر إليه الذي ال ملجأ له إال إليه، وال غنى له عن فضله وجوده وبره طرف��ة

عين. فلله ما أحلى هذه المقابلة! وما أجمع هاتين اآليتين للخيرات كله��ا وأس��بابها، والش��رور كلها وأسبابها، فسبحان من تعرف إلى خصائص عباده بكالم��ه، وتجلى لهم في��ه، فهم ال

يطلبون أثرا بعد عين، وال يستبدلون الحق بالباطل، والصدق باليمين. وقد تضمنت هاتان اآليتان فصل الخطاب في مسألة القدر، وإزال��ة ك��ل لبس وإش��كال فيها، وذلك بين بحمد الله لمن وفق لفهمه، وله��ذا أج��اب به��ا الن��بي -ص��لى الل��ه علي��ه وسلم- من أورد عليه السؤال الذي ال يزال الناس يلهجون به في القدر، فأجاب بفصل الخطاب، وأزال اإلشكال، ففي الصحيحين من حديث علي بن أبي ط��الب -رض��ي الل��ه

))ما منكم من أحد إال وقد علم مقعدهعنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: قي��ل: ي��ا رس��ول الل��ه أفال ن��دع العم��ل ونتك��ل على الكت��اب؟ ق��ال:من الجنة والن��ار((

ا من أعطى واتقى * وصدق} ثم ق��رأ: ))اعملوا فكل ميسر لم��ا خل��ق ل��ه(( فأمره لليسرى{ [.7- 5]الليل: (17)بالحسنى* فسنيس

فقد تضمن هذا الحديث الرد على القدري��ة والجبري��ة، وإثب��ات الق��در والش��رع، وإثب��ات الكتاب األول المتضمن لعلم الله -س��بحانه- األش��ياء قب��ل كونه��ا، وإثب��ات خل��ق الفع��ل الجزائي، وهو يبطل أصول القدرية الذين يمنعون خلق الفع��ل مطلق��ا، ومن أق��ر منهم

بخلق فعل الجزاء دون االبتداء هدم أصله، ونقض قاعدته.

لليسرى } - رواه البخاري، كتاب التفسير، باب:17 ره (، ومسلم،4949[ رقم )10]الليل:{ فسنيس كتاب القدر، باب كيفية خلق اآلدمي في بطن أمه وكتابة رزقه وأجله وعمله وشقاوته وس��عادته، رقم

(2647.)

Page 13: files.zadapps.info · Web view- رواه أحمد، كتاب مسند الكوفيين، باب حديث النعمان بن بشير عن النبي -صلى الله عليه وسلم-،

والنبي -صلى الله عليه وسلم- أخبر بمثل ما أخبر به الرب -تعالى- أن العبد ميسر لم��اخلق له، ال مجبور، فالجبر لفظ بدعي، والتيسير لفظ القرآن والسنة.

وفي الحديث داللة على أن الصحابة كانوا أعلم الناس بأصول الدين، فإنهم تلقوه��ا عن أعلم الخلق بالله على اإلطالق، وكانوا إذا استشكلوا شيئا سألوه عنه، وكان يجيبهم بما يزيل اإلشكال، ويبين الصواب، فهم العارفون بأصول الدين حقا، ال أهل البدع واأله��واء

من المتكلمين، ومن سلك سبيلهم. وفي الح��ديث: اس��تدالل الن��بي -ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم- على مس��ائل أص��ول ال��دين بالقرآن وإرشاده الصحابة الستنباطها منه، خالفا لمن زعم أن كالم الله ورسوله ال يفيد العلم بش��يء من أص��ول ال��دين، وال يج��وز أن تس��تفاد معرف��ة الل��ه وأس��مائه وص��فاته

وأفعاله منه، وعبر عن ذلك بقوله: األدلة اللفظية ال تفيد اليقين. وفي الحديث: بيان أن من الناس من خلق للسعادة، ومنهم من خل��ق للش��قاوة، خالف��ا

لمن زعم أنهم كلهم خلقوا للسعادة ولكن اختاروا الشقاوة، ولم يخلقوا لها.وفيه: إثبات األسباب، وأن العبد ميسر لألسباب الموصلة له إلى ما خلق له.

وفيه: دليل على اشتقاق السنة من الكتاب، ومطابقتها له، فتأمل قوله -صلى الله عليها من}، ومطابقت�ه لقول�ه تع�الى: (18)))اعملوا فكل ميسر لم�ا خل�ق ل�ه((وسلم-: فأم

ره لليسرى{ كي��ف [7-�� 5]اللي��ل: أعطى واتقى * وصدق بالحسنى* فسنيس انتظم الشرع والقدر والسبب والمسبب، وهذا الذي أرشد إليه النبي -صلى الل��ه علي��ه وسلم- هو الذي فطر الله عليه عباده، بل الحيوان البهيم، ب��ل مص��الح ال��دنيا وعمارته��ا بذلك، فلو قال كل أحد: إن قدر لي كذا وكذا فالبد أن أناله، وإن لم يقدر فال سبيل إلى نيله، فال أسعى وال أتحرك لعد من السفهاء الجهال، ولم يمكنه طرد ذلك أبدا، وإن أتى به في أمر معين فهل يمكنه أن يطرد ذلك في مص��الحه جميعه��ا من طعام��ه وش��رابه، ولباسه ومسكنه وهروبه مما يضاد بقاءه، وينافي مص��الحه أم يج��د نفس��ه غ��ير منفك��ة

؟))اعملوا فكل ميسر لما خلق له((ألبته عن قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: فإذا كان هذا في مصالح الدنيا، وأس��باب منافعه��ا، فم��ا الم��وجب لتعطيل��ه في مص��الح

اآلخرة، وأسباب السعادة والفالح فيها، ورب الدنيا واآلخرة واحد؟. فكيف يعطل ذلك في شرع الرب وأم��ره ونهي��ه، ويس��تعمل في إرادة العب��د وأغراض��ه

وشهواته؟!. وهل هذا إال محض الظلم والجهل؟، واإلنسان ظلوم جهول، ظلوم لنفسه، جهول بربه، فهذا الذي أرشد إليه النبي -صلى الله عليه وسلم-، وتال عنده هاتين اآليتين موافقا لم��ا جعله الله في عقول العقالء، وركب عليه فطر الخالئق، ح��تى الحي��وان البهيم، وأرس��ل به جميع رسله، وأنزل به جميع كتب��ه، ول��و اتك��ل العب��د على الق��در ولم يعم��ل لتعطلت

الشرائع، وتعطلت مصالح العالم، وفسد أمر الدنيا والدين. وإنما يستروح إلى ذلك معطلو الشرائع، ومن خل��ع ربق��ة األوام��ر والن��واهي من عنق��ه، وذلك ميراث من إخوانهم المشركين ال��ذين دفع��وا أم��ر الل��ه ونهي��ه، وعارض��وا ش��رعه بقضائه وقدره، كما حكى الله -سبحانه- ذلك عنهم في غير موضع من كتابه، فإن قي��ل: فاإلعطاء والتقوى والتص��ديق بالحس��نى هي من اليس��رى، ب��ل هي أص��ل اليس��رى من

يسرها للعبد أوال، وكذلك أضدادها؟ قيل: الله -سبحانه- هو الذي يسر للعبد أس��باب الخ��ير والش��ر، وخل��ق خلق��ه قس��مين: أهل سعادة، فيسرهم لليسرى، وأهل شقاوة فيسرهم للعس��رى، واس��تعمل ه��ؤالء في األسباب التي خلق��وا لغاياته��ا، ال يص��لحون لس��واها، وه��ؤالء في األس��باب ال��تي خلق��وا لغاياتها، ال يصلحون لسواها، وحكمته الباهرة تأبى أن يضع عقوبته في موض��ع ال تص��لح له، كما يأبى أن يضع كرامته وثوابه في محل ال يصلح لهما، وال يلي��ق بهم��ا، ب��ل حكم��ة

آحاد خلقه تأبى ذلك، ومن جعل محل المسك والرجيع واحدا فهو من أسفه السفهاء. - المصدر السابق.18

Page 14: files.zadapps.info · Web view- رواه أحمد، كتاب مسند الكوفيين، باب حديث النعمان بن بشير عن النبي -صلى الله عليه وسلم-،

فإن قيل: فلم جعل هذا ال يليق به إال الكرامة، وهذا ال يليق به إال اإلهانة؟. قيل: هذا سؤال جاهل ال يستحق الجواب، كأنه يقول: لم خلق الله كذا وكذا؟!.

فإن قيل: وعلى هذا، فهل لهذا الجاهل من جواب لعله يشفى من جهله؟. قيل: نعم، شأن الربوبية خلق األشياء وأضدادها، وخلق الملزومات ولوازمها، وذلك ه��و محض الكمال، فالعلو الزم وملزوم للسفل، واللي��ل الزم ومل��زوم للنه��ار، وكم��ال ه��ذا الوجود بالحر والبرد، والصحو والغيم، ومن لوازم الطبيعة الحيواني��ة الص��حة والم��رض، واختالف اإلرادات والم���رادات، ووج���ود الالزم ب���دون ملزوم���ه ممتن���ع، ول���وال خل���ق المتضادات لما عرف كمال القدرة والمشيئة والحكم��ة، ولم��ا ظه��رت أحك��ام األس��ماء والصفات، وظهور أحكامها وآثارها البد منه، إذ هو مقتض��ى الكم��ال المق��دس، والمل��ك التام، وإذا أعطيت اسم الملك حقه -ولن تس��تطيع- علمت أن الخل��ق واألم��ر والث��واب والعقاب، والعطاء والحرمان أم��ر الزم لص��فة المل��ك، وأن ص��فة المل��ك تقتض��ي ذل��ك

.(19)والبد" فهنا يقول: تتجلى معاني أسمائه وصفاته بهذه األمور، يهدي قوما، ويضل آخرين، يغ��ني

قوما، ويفقر آخرين، يعذب أقواما، وينعم آخرين، وهكذا.. "وأن تعطيل هذه الصفة أم�ر ممتن�ع، فالمل�ك الح�ق يقتض��ي إرس��ال الرس��ل، وإن�زال الكتب، وأمر العباد، ونهيهم وثوابهم، وعقابهم وإكرام من يس��تحق اإلك��رام، وإهان��ة من يستحق اإلهانة، كما تستلزم حياة الملك علمه وإرادته وقدرته، وسمعه وبصره، وكالمه ورحمته، ورضاه وغضبه، واستواءه على سرير ملكه، يدبر أم��ر عب��اده، وه��ذه اإلش��ارة تكفي اللبيب في مثل هذا الموضع، ويطلع منها على أرض مونقة، وكنوز من المعرف��ة،

.(20)وبالله التوفيق"

(.68-57 - التبيان في أقسام القرآن، ص )19(.68 - المصدر السابق )20