books.islamway.net · web viewكتبه. صالح بن عبد العزيز بن محمد آل...

342
ه هذ ا ن م ي ه ا ف م لة ن ض ف ل خ ي ش ل ا خ ل صا ل ا خ ي ش ل اwww.islamway.com ه هذ ا ن م ي ه ا ف م ة ب ت ك خ ل صا# ن ب ذ ن ع ز ي ز لع ا# ن ب مذ ح م ل ا خ ي ش ل ا رد ى عل اب ن ك م ي ه ا ف م" ب ج ي# ن< ا خ ح ص ت" مذ ح م ل# ن ب وي ل ع ى لك ما ل اG ة بH تH ن( وه خL الإ ى ل ع ود خ و رس ه ف ى ف ة ي ها ن اب ن ك ل ا) 1

Upload: others

Post on 25-Dec-2019

8 views

Category:

Documents


0 download

TRANSCRIPT

هذه مفاهيمنا

هذه مفاهيمنا لفضيلة الشيخ صالح آل الشيخ www.islamway.com

هذه مفاهيمنا

كتبه

صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ

رد على كتاب

"مفاهيم يجب أن تصحح"

لمحمد بن علوي المالكي

( ننبه الإخوة على وجود فهرس في نهاية الكتاب )

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله،وخير الهدي هدي محمدٍ(، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

وبعد: فإن الفتن في هذا الزمان تتابعت، وتنوعت وتكاثرت، فمنها الفاتن للجوارج، ومنها الفاتن للقلوب، ومنها الفتان للعقول والفهوم، وقد خاض أناس في الفتن غير مبالين، وخاض أناس غير عالمين، وخاض فئام عالمين، وخاضت جماعات مقلدين.

حتى أصبح ذو القلب الحي ينكر من يراه وما يراه، فلا الوجوه بالوجوه التي يعرف، ولا الأعمال بالأعمال التي يعهد، ولا العقول بالعقول المستنيرة، ولا بالفهوم المنيرة.

فهو مخالط للناس بجسمه، مزايل لهم بعمله، يعيش في غربته بين جلدته، حتى يأذن الله بحلول الأجل فيلحق – إن عفا الله وغفر – بمن يفك غربته ويؤنس وحشته.

وإن من أعظم تلك الفتن وأشدها صرفاً عن الصراط المستقيم الفتنة عن تحقيق معنى الشهادتين، شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فكم من فاتنٍ عنها بعلم، وكم من مفتونٍ عنها بتقليد.

ولهذا الفتنة، عن تحقيق معنى الشهادتين صوركثيرة، جمع صورها هذا الزمان وأهله، وما اجتمعت في وقتٍ اجتماعها وتواردها في هذا الزمن، فما أقل الفقيه بها، المجاهد لها، على تنوعها وتشعبها، وظهورها وجلائها.

فطوائف من الناس إذا سئلوا عن معنى كلمة التوحيد ظنوا معناها لا خالق موجود إلا الله، وكأن أهل الجاهلية والعمى ممن بعثت إليهم الرسل يقولون بتعدد المبدعين الخالقين المدبرين، حتى تبعث لهم الرسل

بلا إله إلا الله.

والشأن أن أولئك الجاهلين كانوا يُعَددون معبوديهم لا خالقهم، فأتت الرسل بلا إله إلا الله ومعناها

ما قال نوح لقومه ( (أن لا تعبدوا إلا الله( بالمطابقة.

والعبادة: هي الذل والخضوع والاستكانة في لغة العرب، وسميت العبادات بذلك لأنها تُفْعَل مع الذل والخضوع والاستكانة، وتورثُ الخضوع لرب العالمين في المآل، لأمره ونهيه، والأنسَ به والذل بين يديه والانكسار.

هذا ما تعلمه العرب من كلامها، فلفهمِهم المعنى أبوا أن يخضعوا لـ "لا إله إلا الله" ولو بنطقِ كلمة.

وإذا تدبرت أحوال بعض الناس اليوم وجدت ذلهم وخضوعهم عند القبور وأبنيتها، وتحت قباَبِها وفي المسير إليها أعظم من خضعانهم وانكسارهم إذا كانوا في مسجدٍ لله ليس فيه قبر، ولا قُبَّة.

وعند القبور تلك من نواقض معنى إفراد الله بالعبادة شيء لا تحصر صوره فمن طائف بالقبر سبعاً، ومن قائل: يا ولي الله اشفِ مريضي، وأزأو

أو

أزلِ الدينَ عني، ومن قائل: أنا في حَسْبك ووقايتك ادفعِ الآفات عني. يعتقدون في المقبور أن له تصرفاً في الكون بتفويض الله له التصرف، فمنهم من أُعطيَ بلداً يرزقُ من يشاء ويدفع عمن يشاء، ومنهم من أعطي قُطراً، ومنهم من فُوَّضَ له ربعُ العالم، ومنهم من فُوَّض له أمرُ الأرض كلها، وهو المسمى بالغوثِ، هكذا يزعمُ عبادُ القبور.

وهؤلاء في ذلك كمن اعتقد تفويض الله أمرَ العالم للكواكبِ السبعة.

ومنهم من أبى عقلُه أن يشرك في التصرف، كما فعله أولئك، ولكنه سار مع طائفةٍ أخرى في ما سماه أبو البقاء الكفويُّ في "الكليات" شرك تقريبٍ، وهو سائقٌ لشركِ التصرف.

فادعى مع المدَّعين، وخاض مع الخائضين، وطلب من الأموات المقبورين أن يشفعوا له في غُفْران ذنبه، أو سَعَةِ رزقه، أو رفع كربته، أو شفاء مريضه، يدعون الوسائط أن تتوسط لهم عند الله فتشفع بحاجاتهم.

وكأن الله جل وعلا قد أغلق أبوابه دون حاجاتهم ودعواتهم، وكأنه في ملزمِ فعلِهم لا يعطي ولا يمتع

إلا بتوسطِ وسيطٍ، وفي هذا من التنقص ما فيه.

وتجدهم يتحببون لهذا المقبور بأنواع القُرب: فمن مهريقٍ الدمَ باسمه، ومن ناذرٍ له، ومن طائفٍ حول قبره يتقرب بالسعي والطواف لنيل شفاعته.

فهذان النوعان من الشرك الأكبر قد فَشَيا، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وقد أشرتُ أثناء هذه الورقاتِ إلى أن أول من أحدث الشرك الأكبر في المسلمين من هذه الأمة هم الباطنيون وعلى رأسهم "إخوانُ الصفا" وتولى كبر ذلك الدولة العبيدية.

وكثر انخداعُ الناسِ وخاصة الجهال بها، ووجد أناسُ آخرون في ذلك نعم المصدرُ لاكتساب معايشهم، وراج ذلك أكثر ما راج في الصوفية لكثرة المتعبدين بجهلٍ فيهم، فصاروا لُعْبةً وسلوى لأولئك، يتحكمون فيهم، لأجل الدنيا.

ثم شاع بعد القرن الخامس ذاك في الناس وكثر، فعَمَّ وطَمَّ وقَلَّ أن سَلِمَ منه بلدٌ، وفي كل قرن يعيش أولياء وكل من مات قُبَّبَ على قبره، واتُّخِذَ مزاراً، يستشفعُ به، ويسأل ويدعى.

فكثرت القبور، وكثرت العطايا للقبور، فكثر السدنةُ والمنتفعون، والمالُ فتنة، والجاه فتنة، والسيادة فتنة.

وأحبَّ من لم يتبع التوحيد أن يعظمَه الناسُ في حياته، فمن مقبلٍ للأيدي والأرجل، ومن متمسحٍ بالثياب خاضعٍ بالقول، والقلب والجوارح.

وقد رأيت مرة رجلاً يُظَنُّ عالماً في المطافِ حول البيت العتيق وهو يدور مقهقهاً مع رفيقٍ له، ومن الناس من تمسح به وقَبَّلَ يده!

أي حالٍ تلك، واي قلوبٍ هاتيك القلوبُ التي تقهقه حول الكعبة المشرفة، ثم هم أولياءُ في زعمهم.

ووصفُ أحوال المنتسبين للإسلام اليوم يطولُ، ولكن الإيماءَ كافٍ، فالإطالةُ تضني، وقد جادلت يوماً

ببلدٍ إفريقي أحد المفتونين من كبار العلماء المُحَبَّذين لعبادة القبور والسدنةِ حولها في حالهم، ومعنى

العبادة، ومفهوم الشهادتين، فقال: أنا أعلم أنكم على الحق ولكن(سيب) الناس تعيش!

إن هذا هو الواقع فالمسألةُ ليست نصرةً للحق بدلائله، ولكنها سيادةٌ وجاهٌ وسمعةٌ وأموالٌ ثم يبحث لتثبيتِ هذا المقرر سلفاً في الدلائل الشرعية وإن كانت أحاديث مكذوبة، وفي الدلائل العقلية وإن كانت أوهى من خيوط العناكب.

وإن المحافظة على المجد والسيادة مما يحرص عليها ناصروا المذاهب البدعية، يورثونها أولادهم لحبهم أن يدعوا الورثة أغنياء! وإذا هلك صُيَّر مدفنه ضريحاً إن استطيعَ وتوجَّه قلوبُ الناس إليه، فيزداد الخليفةُ جاهاً وطاعةً ومالاً.

وفي كل صِقْعٍ من الأرض وُجِدَ فيه عبادُ القبور تجد فيه غالباً طائفةً على هدي النبي محمدٍ (

سائرة لا يخدعهم تسيُّدٌ، ولا تؤثرُ فيهم شبهةٌ، وأولئك غرباء في كثير من البلاد يدلون الناس على السنة، ويهدونهم إلى التوحيد، وصَرْفِ القلوب إلى الله، وتعظيمه وإجلاله، والهيبة والخوف منه، ورجاءِ

ما عنده ، يعلقون القلوب بخالفهم وحده، لا بأحدٍ من الخلق، فلا يحبون إلا لله، ولا يبغضون إلا لله،

ولا يعبدون إلا إياه، همهم دعوة الناس إلى توحيد ربهم في الأعمال: أعمال القلوب وأعمال الجوارح.

يسمون أنفسهم أتباع السلف الصالح، وأكْرِمْ به من اتباع مقابلةً باتباع غيرهم للخلف الطالح، وأسْفِلْ به من اتباع.

ويسميهم أعداؤهم: الوهابية أو المتطرفة، ويسعى أعداؤهم في نشر الكتب الناقضة دعوة الشيخ المصلح محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى، رداً عليهم، وعلى أتباع الدعوة السلفية الخالصة.

وتتخذ هذه الردود أشكالاً تتناسبُ البلدَ المنشور فيه الرد، فبينما يُصَرَّحُ بذلك في بلدٍ، يُسَرُّ به في بلدٍ ويأتي تلويحاً لا تصريحاً.

والحملةُ واحدة، والطريق قديمة سابلةٌ، ولها وُرَّادٌ، ودعاةٌ على جنباتها، اذا صَرَخَ داعٍ تجاوبَ الجميعُ بالصَرُّاخ.

والطريقُ ليست علميةً كما قد يُظَن، ولكنها سبيلٌ غايتُها التمكين لدعاة الباطلِ في أرضِهم، وأرضِ غيرهم.

ومن تلك الردود على الدعوة الإصلاحية كتابٌ سماه كاتبهُ: "مفاهيم يجب أن تصحح" طبع بمصر سنة 1405هـ، ثم طبع بالتصوير "الأفست" في المملكة العربية السعودية بأعداد كبيرة، ووُزَّع سراً وعَلَناً في كثير من أرجاء البلاد، وفي الحرمين وما جوارها أكثر.

وفي هذا الكتاب"مفاهيم يجب أن تصحح" تجويزُ كاتبه - وتحبيذُه حيناً - سؤال النبي( الشفاعةَ

في قبره، وسؤاله التوسط، وتجويزه ودعوته لطلب الغوث منه (، فالاستغاثة به منجاة عنده، وطلبُ شفاعتهِ مشروعٌ عنده بعد موته، وسؤاله الاعانة ونحو ذلك، وطرد هذا في الصالحين ونحوهم.

بل زاد بأن قول القائل: يا رسول الله أريدُ أن تردَّ عيني، أو يزولَ عنا البلاءُ، أو أن يذهبَ مرضي: من الجائزاتِ، التي لا عَتْبَ على قائلها، كما ذكره في(ص98) من كتابه.

وفي كتابه من التدليل لشبهة المتهافتةِ بالأحاديث الموضوعة، والواهية، والمنكرة، والباطلة والضعيفة جداً، والضعيفة شيءٌ كثير، وكثير منها يَسْتَدِلُّ به بتعسفٍ مع وهاء الدليل وضعفه.

والقوم لهم وَلَعٌ بالمكذوبات الواهيات، وإعراض عن الصحاح العاليات الغاليات.

وليس هذا جديداً، بل شأنُ كل من نهج غير سبيل السلف وأتباعهم حبُّ البدع، وإغلاؤها، حتى صار وضعُ الحديث عند طائفةٍ من أولئك والكذب على رسول الله ( سهلاً خفيفاً.

ومنهم من يضع الحديث ويفتري على رسول الله ( عالماً، ومنهم من يكون جاهلاً، وهاك مثالاً لهؤلاء وأولئك تُبْصِرْ به ما وراء ذلك.

جاء في كتاب "الدرر السنية في الرد على الوهابية" لأحمد بن زيني دحلان(ص55)(1) : (ذكر العلامة السيد علوي بن أحمد بن حسن بن القطب السيد عبد الله الحداد باعلوي في كتابه الذي ألفه في الرد على ابن عبد الوهاب المسمى "جلاء الظلام في الرد على النجدي الذي أضل العوام" وهو كتاب جليل ذكر فيه جملة من الأحاديث.

منها حديث مروي عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه عم النبي ( أسنده إلى النبي ( قال فيه "سيخرج في ثاني عشر قرناً في وادي بني حنيفة رجل كهيئة الثور، لا يزال يلعق براطمه، يكثر في زمانه الهرج والمرج، يستحلون أموال المسلمين ويتخذونها بينهم متجراً، ويستحلون دماء المسلمين ويتخذونها بينهم مفخراً، وهي فتنة يعتز فيها الأرذلون والسفل تتجارى بينهم الأهواء كما تتجارى الكلب بصاحبه".

قال: ولهذا الحديث شواهد تقوي معناه، وإن لم يعرف من خرجه) انتهى.

فهذا من وضع الرجل المذكور أو شبهه، يكذب على الرسول ( عياناً أمام الخلق، فيالها من قلوبٍ تلك التي تتجرؤ على ذلك، ويالها من قلوبٍ تلك التي تحبُّ أولئك.

يكذبون على النبي (، ويدعون محبةَ النبي (.

فهل يجتمعان في قلبٍ كلا والله، إلا في قلب مبتدع مأفون كاذب.

ومن العجب أنه قال (لم يعرف من خرجه) ولو أسنده إلى كتاب معدوم مفقودٍ لراج كذبُه أكثر على الجهال، لا على العلماء الذين يعرفون نورَ كلامِ النبوة.

ومن الصنف الثاني الذين كذبوا على جهل ما جاء في "الرد المحكم المنيع"(ص17) قال: (المعلوم لطلبة العلم، والعامة، فكيف للعلماء قوله (: (الناس مؤتمنون على أنسابهم)) اهـ والمعروف عند العلماء

بل طلاب العلم بل صغار طلبة العلم أن جملة(الناس مؤتمنون على أنسابهم) من قول الإمام مالك بن أنس

رحمه الله تعالى.

وكل من أحب البدع هَجَرَ السننَ، وكل من زين البدعة فسينقص من معرفته بسنة رسول الله( بقدر ذلك، ومن تأمل ذلك في الخلق عَلِمَه.

وكتابُ "مفاهيم يجب أن تصحح" مَجْلَبٌ لما تفرق من شُبَه الذين عارضوا دعوةَ الشيخِ محمدِ بن عبد الوهاب، فهو يتابعُهم حتى في أوهامهم، وفي عَزْوِهم، وفي فِكْرِهم، حتى إنه لم يتكلفْ عناء توثيقِ أقوالهم، أو تعنَّى فوجدَ خلاف ما كتبوا، فأثبته كما أرادوا.

ولما كان هذا الكتابُ يعبر فيه كاتبهُ عن رأيه، وفيه من الشطاطِ عن فهم التوحيد ما فيه، ومن عدم الفهمِ لدعوة الشيخ ما فيه، ومن الخوض في الدفاع عن الداعين أصحاب القبور من الأنبياء والصالحين، وفي تجويز ما قال الفقهاء في باب "الردة" إنه كفرٌ بالإجماع، ولما لكاتبه من تَبَعٍ ومريدين استعنتُ اللهَ في كشفِ ذلك، وبيان الحق فيه، وبيان أن ما جوزَه الكاتبُ في "مفاهيمه" من الشرك الذي بُعِثَ الرسلُ جميعاً وآخرهم محمدُ بنُ عبد الله ( لقمعه.

والشركُ في الإلهيةِ له صورٌ يزينها الشيطانُ للواقعين فيه، وهو شَغِفٌ لهَفٌ على أن يخوضوا فيما نهاهم الله عنه، ويُقْنعهم بأنهم لم يخوضوا فيما نهى الله عنه.

فله طرقٌ وسبلٌ، وعلى كل سبيل زينةٌ وبهجةٌ يخدعُ بها الناسَ.

والمنكرُ واجب الإزالةِ بحسب المراتب التي جاءت في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

فعسى أن يأذنَ الله لهذه الورقات بالقبول عنده، وأن يُنْتَفَعَ بها، فإن المُنْيَةَ الإنتفاعُ بها، وليس وراء القبول مُبْتَغَىَ، ولا سواه مُرْتَجى.

وسميتُ هذا الردَّ "الورقات الكاسرة للمفاهيم الخاسرة".

ولما أطلعتُ على هذا الكتاب سماحةَ والدي ومن له بعد اللهِ الفضلُ علَّي نصر المولى به الحق، وجزاه الله أحسنَ الجزاء، ورفع درجتَه، وأمْتَعَ به، أشار بتسميته "هذه مفاهيمنا"، وإشارته أمرٌ، وطاعَتُه غُنْمٌ، فسميتهُ بما سماه به طرحاً لما أرى عند ما يَرَى، ورَفْعاً لرأيِه، واتهاماً لقولي عند مقاله.

وكتبته مقطعاً(1)، والقلب مشتَّتُ الشواغلِ، في كل وادٍ منه مُزْعَة، والهمومُ لتدني الأحوال مترادفة، والفتنُ الطاغية صادةٌ عن صفاء المقال، وإحكام الأقوال، والأنيس قليلٌ، بل عزيز، فاللهم إن مفزعَنَا إليك لا إلى غيرك، فثبت أقدامنا على الحق، وبَصَّرْنا بأنفسنا، ولا تجعل من عملنا لأحدٍ سواك شيئاً، ونعوذ بك أن نشركَ بك على علم، ونستغفرك مما لا نعلم، فإنَّ صفتنا التقصير، وصفة الرب العفو والغفران، فاغفر اللهم جَمَّاً، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ رَبَّ العالمين.

كتبه

صالح بن عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ

يوم الخميس13/5/1406هـ.

الباب الأول

وفيه مباحث 1ـ معنى الوسيلة. 2ـ تخريج الآثار والأخبار التي استدل بها كاتب "المفاهيم". 3ـ رد استدلالات الكاتب بما ساقه من آثار.

قال (ص45):

(الوسيلة: كل ما جعله الله سببا في الزلفى عنده، ووصلة إلى قضاء الحوائج منه. والمدار فيها على أن يكون للوسيلة قدر وحرمة عند المتوسل إليه) ا هـ. أقول: كلامه حوى جملتين الأولى من الحق، والثانية فيها إجمال به يتوصل إلى ما نهى الله عنه، ولم يجعله وسيلة. فقول: (والمدار فيها.. الخ)! مجمل يمكن تفسيره على أحد وجهين: الأول: أن يدخل في ذلك ذوات الأنبياء والصالحين باعتبار أن لهم من المنزلة والزلفى عند الله ما يجل عن الوصف. فإن كان هذا معنيا، فالله سبحانه وتعالى لم يجعل ذوات الأنبياء والصالحين أو جاههم أو حرمتهم وسيلة إليه ولا سببا للزلفى لديه. وإنما جعل الوسيلة إليه هو اتباعهم وتصديق ما أخبروا به، وأتباع النور الذي جاءوا به، والجهاد من أجل تقريره وتثبيته بين الخلق، فهذا من الوسائل المشروعة التي يشرع للداعي بمسألة أن يقدمها بين يدي مسألته،ولا يصح للداعي دعاء عبادة دعاؤه إلا باتباعهم وتصديقهم. فهذا من الوسائل المشروعة التي أمر الله بها، وشرعها. وأما الأنبياء والصالحون فليس من المشروع التوسل بذواتهم ولا جاههم ولا حرمتهم كما سيأتي بيانه.

وإنما يشرع التوسل بدعائهم في حياتهم كما كان يفعله المسلمون زمنه ( وبعده من طلب الدعاء في الاستسقاء وغيره. وأما بعد مماتهم فليس التوسل بدعائهم ولا ذواتهم مشروعا بإجماع القرون المفضلة. الثاني: أن تكون الوسائل من الأعمال ونحوها مشروعة، لم تتبع فيها سبل المبتدعة، وإنما اتبع فيها السنة، وهذا حق. والكاتب أجمل ليدخل الوسيلة المبتدعة في خلل كلمات الحق، وقد بينا ما فيها، وما كان ينبغي له

ذلك وهو يفسر آية من كتاب الله.

وفي الوسيلة قولان ذكرهما أهل التفسير، وقربهما ابن الجوزي في "زاد المسير" (2/348) قال: (أحدهما: أنه القربة، قاله ابن عباس وعطاء ومجاهد والفراء. وقال قتادة: تقربوا إليه بما يرضيه.

قال أبو عبيدة: يقال: توسلت إليه، أي: تقربت إليه. وأنشد:

إذا غفل الواشون غدنا لوصلنا وعاد التصافي بيننا والوسائل

الثاني: المحبة، يقول: تحببوا إلى الله. هذا قول ابن زيد) اهـ. وفي أسئلة نافع بن الأزرق لابن عباس: أخبرني عن قوله تعالى: (وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ( ]المائدة: 35[، قال: الوسيلة الحاجة. قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم. أما سمعت عنترة وهو يقول:

إن الرجال لهم إليك وسيلة أن يأخذوك تكحلي وتخضبي

وفي المادة شواهد غير ما ذكر. فالوسيلة: التقرب إلى الله بأنواع القرب والطاعات، وأعلاها إخلاص الدين له، والتقرب إليه بمحبته ومحبة رسوله ومحبة دينه ومحبة من شرع حبه، بهذا يجمع ما قاله السلف، وقولهم من اختلاف التنوع. وتأمل قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ( ]المائدة: 35[، ففي تقديم الجار والمجرور (إليه( إفادة اختصاص الوسائل بالله، لا يشركه معه فيها أحد.كما في(إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ

نَسْتَعِينُ( ]الفاتحة: 5[.

قال العلامة الشنقيطي رحمه الله في"تفسيره" (2/98): (التحقيق في معنى الوسيلة هو ما ذهب إليه عامة العلماء من أنها التقرب إلى الله تعالى بالإخلاص له في العبادة على وفق ما جاء به الرسول ( وتفسير ابن عباس داخل في هذا، لأن دعاء الله والابتهال إليه في طلب الحوائج من أعظم أنواع عبادته التي هي الوسيلة إلى نيل رضاه ورحمته. وبهذا التحقيق تعلم أن ما يزعمه كثير من ملاحدة أتباع الجهال، المدعين للتصوف من أن المراد

بالوسيلة في الآية الشيخ الذي يكون له واسطة بينه وبين ربه أنه تخبط في الجهل والعمى، وضلال مبين،

وتلاعب بكتاب الله تعالى. واتخاذ الوسائط من دون الله من أصول كفر الكفار كما صرح به تعالى في قوله عنهم: (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى( ]الزمر: 3[،وقوله: (وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ( ]يونس: 18[.

فيجب على كل مكلف أن يعلم أن الطريقة الموصلة إلى رضا الله وجنته ورحمته هي اتباع رسوله (، ومن حاد عن ذلك فقد ضل سواء السبيل (لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ( ]النساء: 123[) انتهى كلامه. قال الكاتب (ص43):

(إن التوسل ليس أمرا لازماً أو ضرورياً، وليست الإجابة متوقفة عليه، بل الأصل دعاء الله تعالى مطلقا،كما قال تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيب( ]البقرة: 186[) انتهى.

أقول: إذا كان الأصل هو دعاء الله تعالى بلا واسطة، فلم العدول عن الأصل إلى غيره، ولا يخفى أن غير الأصل لا يتمسك به إلا من عدم الأصل، والله جل جلاله حي قيوم، لا تأخذه سنة ولا نوم، يحب أن يدعوه عبده، وأن يرجوه، وأن يخافه، وأن يتوسل إليه بأسمائه وصفاته.

فإذا كان هذا لا ينقطع عن مسلم في أي بقعة كان وهو الأصل الأصيل، فَلِم العدول عنه، والتنكب له؟! أ فتعدل إلى طريق هي أهدى؟!. تقولُ: إن التوسل الذي ننكره وهو التوسل بالذوات وعمل غير الداعي ونحوها، ليس الأصل،

بل الأصل. معكم وأنتم حقيقون بالأصل. تقر لنا بالهداية والاتباع، وترغب في مخالفة الأصل دون دليلٍ صحيح! أما في الأصل لك كفاية؟! أما في دعاء الله وحده بلا واسطة لك مقنع؟! إذا كان الحي القيوم الذي يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء، يحب أن يدعوه عبده كل حين: دعاء عبادة أو دعاء مسألة، وهو الذي يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيب( ]البقرة: 186[ إذا كان كذلك فلم العدول إلى الأموات تتوسل بذواتهم أو جاههم أو حرمتهم وغيرها من الألفاظ البدعية؟!

لِمَ لا يُعلَّم المسلمون دعاء الله وحده، فتخلص قلوبهم من الالتفات إلى غيره في دفع كربة أو رفع بلاء، أو جلب نفع؟ علموهم هذا ولا تعلقوا قلوبهم بغير الله فيتخذوهم أنداداً، فيذهب ذكرهم لربهم وحده، وحبهم له وحده، إذ نفعهم معلق في أذهانهم بوسائط . إن من انفتح عليهم باب البدعة في التوسل ألقى بهم ولو بعد حين إلى دائرة الإشراك، إذ هو طريقه وسبيله ومنه يتدرج إلى دعاء الأموات أنفسهم أو سؤالهم الشفاعة، أو الإغاثة، أو الإعانة.

وكل هذه صرح كاتب المفاهيم بتجويزها في مواضع من كتابه، كما سيأتي في مباحث الشفاعة. وكل ذلك من سيئات ترك الأصول المتفق عليها، واتباع المتشابهات المنهي عنها. قال الكاتب (ص44):

(ونحن نرى أن الخلاف شكلي، وليس بجوهري، لأن التوسل بالذوات يرجع في الحقيقة إلى توسل الإنسان بعمله، وهو المتفق على جوازه). أقول: هذا خطل من القول، ومخادعة للنفس ظاهرة، إذ المتوسلون بالذوات يعلمون بُعد هذا التبرير والتأويل، وأن الخلاف جوهري لا صوري، وبرهان ذلك فساد الدليل الذي ادعيتموه، وهو راجع إلى المجاز العقلي، والكلام فيه سيأتي مفصلاً، ثم هل عمل الذات المتوسَّل بها عمل للمتوسِّل المتفق على جوازه؟ ولكنى أقول هنا على سبيل المجاراة والمناظرة: هب أن الخلاف شكلي. أفلا يجب عليكم ترك الألفاظ الموهمة لأمور غير شرعية؟ فإن القائل: أتوسل بفلان، دالٌ ظاهر لفظه على التوسل بالذات المجردة عن الجامع بين الذاتين، ولا قرينة لفظية ولا غير لفظية متصلة ولا غير متصلة تصرفه عن هذا الظاهر.

والقرينة المدعاة قلبية خفية، والحكم على ما في قلوب الناس فرع الاطلاع عليها، ولا سبيل إلى ذلك. ومن المتقرر أن الشريعة المطهرة جاءت بترك الألفاظ الموهمة لما ينهى عنه شرعأ، كما قال تعالى:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ( ]البقرة: 104[.فقد كانت يهود تستعمل (راعنا) للسب، والمسلمون حين قالوها لا يشركونهم في ما عقدت قلوبهم عليه من تفسير اللفظ، ومن اليقين أن الصحابة لم يقولوا اللفظ وهم يعنون المعنى الفاسد، فهذه من أقوى القرائن القلبية. ومع هذا نهوا عن ذلك. قال القرطبي في "تفسيره " (2/57): (في هذه الآية دليلان: أحدهما: على تجنب الألفاظ المحتملة التي فيها التعريض للتنقيص والغض. الدليل الثاني: التمسك بسد الذرائع وحمايتها) انتهى. وقال الجصاص في "أحكام القرآن" (1/58): (وقوله (رَاعِنَا( وان كان يحتمل المراعاة والانتظار، فإنه لما احتمل الهزء على النحو الذي كانت اليهود تطلقه نهوا عن إطلاقه، لما فيه من احتمال المعنى المحظور إطلاقه، ومثله موجود في اللغة) ثم قال: (وهذا يدل على أن كل لفظ احتمل الخير والشر فغير جائز إطلاقه حتى يقيد بما يفيد الخير) انتهى كلام الجصاص. فتأمل كيف أن الصحابة استعملوا هذا اللفظ وهم أبعد الناس عن إرادة معنى الهزء والتنقص، فنهاهم الله تعالى عن ذلك اللفظ لما فيه من الاشتراك، ولم يكف في تجويز استعماله ما قام بقلوبهم و نياتهم من المعنى الخير الصحيح. وهذا جلي لمن تجرد! قال (ص44):

(ومحل الخلاف في مسألة التوسل هو التوسل بغير عمل المتوسل، كالتوسل بالذوات والأشخاص. بأن يقول اللهم إني أتوسل إليك بنبيك محمد ( ، أو أتوسل إليك بأبي بكر الصديق أو بعمر بن الخطاب أو بعثمان أو بعلي رضي الله عنهم). أقول: الواجب عند الاختلاف الرد إلى كتاب الله وسنة رسوله ( وفهم أصحابه الكرام رضى الله عنهم، كما قال تعالى: (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ

مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً( ]النساء: 115[.

ومسألة التوسل بالذوات، وكذا التوسل بأعمال من انقضى سعيهم، لا خلاف عند السلف من الصحابة والتابعين أنها ليست من الدين، ولا هي سائغة في الدعاء. وبرهان ذلك أنه لم ينقل عن واحد منهم بنقل صحيح مصدق أنه توسل بأحد الخلفاء الأربعة أو العشرة أو البدريين. والعمل على وفق

ما فهموه هو المنجي كما فضل في "السلف والسلفية، من هذا الكتاب، ومن ابتغى نهجا جديدا فهو الخَلَفي، وليس له حظ منهم. إذا تقرر هذا، فالتوسل بالذوات ونحو ذلك ممنوع لأوجه: الأول: أنه بدعة لم تكن معروفة عند الصحابة والتابعين، وكل بدعة ضلالة، وليس على الله أكرم من الدعاء، وفي الحديث: ( الدعاء هو العبادة ( أخرجه أبو داود والترمذي وغيرهما بإسناد صحيح عن النعمان بن بشير. فإذا كان عبادة بل هو العبادة فإحداث أمر في العبادة مردود باتفاق العلماء. الثاني: أن قول القائل: أتوسل بأبي بكر وعمر... خطأ محض، جره إليه سقم فهمه، وكثافة ذهنه، واعتقاده أن كل شيء توسل به يكون وسيلة، وهذا غلط. فمن قال أتوسل بأبي بكر مثلاً فقد جمع بين ذاتين لا وسيلة ولا طريق توصل وتجمع أحدهما بالآخر، فكأنما هذا القائل قد لفظ لفظاً لا معنى له، بمنزلة من سرد الأحرف الهجائية، إذ لا اتصال بين ذات المتوسَّل والمتوسَّل به حتى يجمع بينهما. فلا بد من جامع يتوسل به، وهو حب الصحابة مثلا، وهو من عمل المتوسل، فإذا قال: أتوسل إليك رب بحبي لأبي بكر، أو بحبي لعمر، أو بحبي لصحابة نبيك كان هذا حسناً مشروعاً.

وكذا إن قال: أتوسل إليك بتوقيري وتعزيري وحبي واتباعي لنبيك نبي الرحمة كان هذا من الوسائل النافعة. فلازمٌ ذكر الإيمان أو العمل الصالح الذي يصل بين ذاتين لا يجمع بينهما إلا بجامع.

كما حكى الله عن عباده المؤمنين قولهم: (رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ( ]آل عمران: 53[، وقوله: (رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ( ]آل عمران: 193[، والآيات في هذا الباب كثرة. فإذا كان خيرةُ الخلق الأنبياء والرسل واتباعهم وحواريوهم لم يحيلوا على ما في قلوبهم بل قالوا بلسانهم ما حواه جنانهم، وهم الذين لا يشك بما في قلوبهم أفلا يكون الخلوف الذين جاؤوا من بعدهم أولى وأحرى أن يفصحوا وأن يظهروا، وأن لا يتحيلوا لفاسد قولهم بالمجاز العقلي؟! الثالث: أن الصحابة فهموا من التوسل التوسل بالدعاء لا بالذوات، فعمر بن الخطاب رضى الله عنه توسل بدعاء العباس عم النبي ( ، ومعاوية بن أبي سفيان توسل بدعاء يزيد بن الأسود. ولو كان التوسل بالذوات جائزا عندهم لأغناهم عن تكلف غيره، ولتوسلوا بذات أكرم الخلق وأفضل البشر وأعظمهم عند الله قدرا ومنزلة، فعدلوا عن ذات رسول الله ( الموجودة في القبر، إلى الأحياء ممن هم دونه منزلة ورتبة. فعلم أن المشروع ما فعلوه، لا ما تركوه. قال الشهاب الألوسي في "روح المعاني" (6/113) في الكلام على عدول الصحابة: (وحاشاهم أن يعدلوا عن التوسل بسيد الناس إلى التوسل بعمه العباس وهم يجدون أدنى مساغ لذلك.

فعدولهم مع أنهم السابقون الأولون، وهم أعلم منا بالله تعالى ورسوله (، وبحقوق الله تعالى، ورسوله عليه الصلاة والسلام، وما يشرع من الدعاء وما لا يشرع، وهم في وقت ضرورة ومخمصة، يطلبون تفريج الكربات وتيسير العسير وإنزال الغيث بكل طريق: دليل واضح على أن المشروع ما سلكوه دون غيره) انتهى.

الرابع: أن يقال تنزلا: لا يخلو التوسل بالذوات أن يكون أفضل من التوسل بأسماء الله وصفاته، والأعمال الصالحة أو لا. فإن قيل التوسل بالذوات أفضل فهو قول كفري باطل.

وإن كان التوسل بأسماء الله وصفاته وبالأعمال الصالحة أفضل فلم ينافح عن المفضول، وتترك نصرة الفاضل وتأييده ونشره وتعليمه للناس؟! قال كاتب المفاهيم (ص46):

(وقد جاء في الحديث أن آدم توسل بالنبي ( .قال الحاكم في المستدرك: حدثنا أبو سعيد عمرو

بن محمد بن منصور العدل حدثنا أبو الحسن محمد بن إسحاق بن إبراهيم الحنظلي حدثنا أبو الحارث

عبد الله بن مسلم الفهري حدثنا إسماعيل بن مسلمة أنبأنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم أعن أبيه، عن جده عن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله ( : ( لما اقترف آدم الخطيئة قال: يا رب أسألك بحق محمد لما غفرت لي... ( الحديث. أخرجه الحاكم في "المستدرك" وصححه (ج2 ص651) ورواه الحافظ السيوطي في "الخصائص النبوية" وصححه. ورواه البيهقي في "دلائل النبوة"، وهو لا يروي الموضوعات، كما صرح بذلك في مقدمة كتابه. وصححه أيضا القسطلاني، والزرقاني في "المواهب اللدنية" (2/62)، والسبكي في "شفاء السقام". قال الحافظ الهيثمي: رواه الطبراني في "الأوسط "وفيه من لم أعرفهم. "مجمع الزوائد"، (8/253))

اهـ كلام الكاتب. أقول: هذه الأسطر حوت أغلاطاً، واستغفالاً، وتحريفاً، مما سأبينه إن شاء الله. وما كنت أظن أن يتجاهل الجاني على نفسه، المعجب بعلمه، علماء زمانه، ومن انتسب للعلم من أتباعه حتى يكتب

ما كتب على هذا الحديث وما بعده من الأحاديث. ولي مع الكاتب هنا وقفات ثلاث: الأولى: في ما كتبه، وفي عزوه الحديث لمن خرجه. الثانية: في الكلام على رواية الحديث. الثالثة: في النظر في متن الحديث ودرايته. أما الأولى: فينتظم عقدها أمورا: الأول: عزوه الحديث فيه قصور، فقد رواه جماعة من طبقة مشايخ الحاكم ومن نحو طبقته ومن بعدهم، وكلهم رووه من طريق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، فكثرتهم لا تفيد الخبر قوة، ولذا لن أذكر أولئك حتى لا يستكثر بهم الجهول بالحديث واصطلاحات أهله. الثاني: ساق إسناد الحاكم ولم يحسن النقل فقد سقط من الإسناد [عن أبيه] وألحقتها بالإسناد، ووهم أيضا في توثيق النقل من "المستدرك"، فذكره مرتين (ج 2ص651) وهذا قلب وخطأ، وليس سبق قلم لأنه تكرر مرات.ثم طالعت رسالة "إعلام النبيل" لواعظ بالبحرين فوجدته عزاه كما هنا (ج2 ص651)، وقد طبع قبل "المفاهيم"، فتأمل تواردهم على التقليد في كل شيء! وصواب التوثيق (2/615)، و"المستدرك" لم يطبع إلى هذه السنة إلا طبعة هندية واحدة. وقال: وصححه، يعني الحاكم وهذا غلط، فالحاكم كتب: (صحيح الإسناد)، والمشتغلون بالحديث يفرقون بين صحة الإسناد وصحة الحديث. الثالث: قوله: (ورواه الحافظ السيوطي... وصححه) من عجائب مفاهيمه، ومما يدل على عدم تعاطيه علم الحديث - وإن أعطي - شهادة الزور - لأن قوله (رواه) خطأ لا يستعمله المحدثون، فمن يذكر الحديث ويسوقه في كتاب له مستدلا به على مراده لا يجوز أن يقال إنه رواه. فكلمة (رواه) لا تقال إلا لمن ساق حديثا أسنده عن مشايخه، إلى منتهاه. وأما قوله: (وصححه) فأعجب، إذ أن السيوطي لم يعقب الحديث بتصحيح في "الخصائص" الذي نقل منه تصحيحه، وهذا افتراء على السيوطي.

والكاتب- لضعفه العلمي- أخذ قول السيوطي في مقدمة "الخصائص" (1/8): (ونزهته عن

الأخبار الموضوعة وما يرد) فعممه، وقول السيوطي لا يفيد صحة كل ما يورده. ولذا صرح بضعف إسناد الحديث في كتابه الآخر "مناهل الصفا في تخريج أحاديث الشفاء" (ص30) (طبع بمصر طبعة حجرية سنة 1276).

والسيوطي في"الخصائص" اتبع أبا نعيم في "الخصائص" له، وإن كان الإسناد مظلما، أو كان المتن منكرا، صرح بهذا في كتابه (1/47) فقال بعد ذكره حديثين شديدي النكارة: (ولم تكن نفسي تطيب بإيرادهما، ولكني تبعت الحافظ أبا نعيم في ذلك) اهـ. الرابع: قال عن البيهقي (وهو لا يروي الموضوعات) اهـ. أقول: لِم لَم ينقل ما قاله البيهقي نصا بعد رواية الحديث، لم يجعل ديدنه التلبيس والإجمالات التي تلبس على البسطاء، فهو دائما طاوٍ للذي يقوض دليله.

قال البيهقي في "دلائل النبوة" (489/5) بعد سياقه الحديث: (تفرد به عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وهو ضعيف) اهـ. وكلمة البيهقي هذه غالية،يعرف قدرها المحدثون، أما المبتدعة فلا يعرفون إلا الإجمال، شأن الطلبة الذين لا يعرفون مصطلحات أهل العلم. قال الحافظ الذهبي في "ميزان الاعتدال" (3/140-141): (وإن تفرد الصدوق ومن دونه يعد منكرا) اهـ. فإذا كان هذا شأن الصدوق، وشأن من دونه ممن خف حفظهم وكثر نسيانهم وضاع أكثر ضبطهم، فما بالك بتفرد الضعيف الذي أجمع أهل العلم بالجرح والتعديل على عدم تعديله، فقال بعضهم كالحاكم أحاديثه موضوعة، مما ستقف عليه إن شاء الله تعالى. الخامس: قال الكاتب: (وصححه القسطلاني). أقول: هذا كتاب "المواهب" فهل صححه، أم أنه ذكر كلام البيهقي الذي سلف. ونصه (1/76 مع شرحه): (وقال - أي البيهقي-: تفرد به عبد الرحمن) هذا كلام القسطلاني، وفهم مراده شارح

المواهب الزرقاني فقال: (تفرد به عبد الرحمن، أي: لم يتابعه عليه غيره، فهو غريب مع ضعف

راويه) اهـ. والقسطلاني في المواهب وبعض كتبه الأخرى ينقل عن السيوطي في مؤلفاته دون عزو إليه، وجرت في ذلك كائنة تحكى نقلها ابن العماد في "شذرات الذهب"، وأسوقها ليعلم أن القسطلاني في المواهب يأخذ كلام غيره فلا يكترث به في (التصحيح)، وليس معدودا في أهل التخريج والتعديل والتجريح وإنما هو

ناقل( 1 )، قال ابن العماد(8/122ـ123): (ويحكى أن الحافظ السيوطي كان يغض منه ويزعم أنه يأخذ من كتبه ويستمد منها، ولا ينسب النقل إليها، وأنه ادعى عليه بذلك بين يدي شيخ الإسلام زكريا، فألزمه ببيان مدعاه، فعدد مواضع قال إنه نقل فيها عن البيهقي، وقال: إن للبيهقي عدة مؤلفات فليذكر لنا ذكره في أي مؤلفاته لنعلم أنه نقل عن البيهقي فنقله برمته، وكان الواجب أن يقول: نقل السيوطي عن البيهقي. وحكى الشيخ جار الله بن فهد أن الشيخ رحمه الله قصد إزالة ما في خاطر الجلال السيوطي، فمشى من القاهرة إلى الروضة إلى باب السيوطي ودق الباب. فقال له: من أنت؟ فقال: أنا القسطلاني، جئت إليك حافيا مكشوف الرأس ليطيب خاطرك علي، فقال له: قد طاب خاطري عليك، ولم يفتح له الباب، ولم يقابله) انتهى النقل عن "الشذرات". وللسيوطي كتاب سماه: "الفارق بين المصنف والسارق" لعله- ولا أجزم- يعني القسطلاني حيث قال فيه: (وأغار على عدة كتب لنا أقمنا في جمعها سنين، وتتبعنا فيها الأصول القديمة، وعمد إلى كتابي "المعجزات والخصائص" الطويل والمختصر، فسرق جميع ما فيها بعباراتي التي يعرفها أولو البصر( 2 )) انتهى. السادس: قوله: وصححه الزرقاني في "المواهب اللدنية" (ج2 ص62). أقول: ليس للزرقاني كتاب باسم المواهب، وكأن الكاتب أراد شرح المواهب. ثم إن الزرقاني ضعفه ولم يصححه، فقال (1/ 76): (هو غريب مع ضعف راويه)، فلم ينقل الكاتب ما ليس صحيحاً، ويحرف وكم هو يجيد التلبيس، ولمَ يوثق نقله توثيقا خطأ فيحيل إلى - ج 2 - وهو في الجزء الأول. السابع: قال في تعداد من صحح الحديث: (والسبكي في "شفاء السقام")، والسبكي قلد الحاكم في تصحيحه، والمقلد لا يستكثر به، قال السبكي (ص163): (وقد اعتمدنا في تصحيحه على الحاكم) اهـ. والسبكي مقر بوجه ضعفه لكنه قال: (عبد الرحمن بن زيد بن أسلم لا يبلغ في الضعف إلى الحد الذي ادعاه). الثامن: أسقط من نقله عن الهيثمي عزو الحديث إلى "المعجم الصغير" للطبراني، فلزم التنبيه.

الوقفة الثانية: الكلام على الرواية، وإسناد الحديث.

مما سبق سطره ورسمه تجلى أن الحديث لم يقل بصحة إسناده إلا الحاكم، قال الحاكم في "المستدرك"

(2/615): (صحيح الإسناد( 1 ) وهو أول حديث ذكرته لعبد الرحمن بن زيد بن أسلم) انتهى، ومدار الحديث عند كل من أخرجه مرفوعا على عبد الرحمن بن زيد بن أسلم. ومما ينبغي التنبيه عليه في هذا الموضع أن الحاكم لا يقبل كلامه هنا عند التحقيق العلمي، وذلك لأمور: الأول: أنه قال في كتابه "المدخل إلى الصحيح" (1/154): (عبد الرـحمن بن زيد بن أسلم روى عن أبيه أحاديث موضوعة لا يخفى على من تأملها من أهل الصنعة أن الحمل فيها عليه) اهـ وكان قال في أول "المدخل" (1/114): (وأنا مبين بعون الله وتوفيقه أسامي قوم من المجروحين ممن ظهر لي جرحهم اجتهادا، ومعرفة بجرحهم، لا تقليدا فيه لأحد من الأئمة، وأتوهم أن رواية أحاديث هؤلاء

لا تحمل إلا بعد بيان حالهم لقول المصطفى ( في حديثه: ( من حدث بحديث وهو يرى أنه كذب

فهو أحد الكاذبين () انتهى. وسردهم وذكر منهم عبد الرحمن بن زيد بن أسلم كما نقلناه لك. فهذا تعارض وتناقض من الحاكم، فما السبب فيه؟! وما الحامل له على تصحيح إسناد حديث فيه عبد الرحمن؟! الجواب معلوم عند أهل الحديث والنظر السالم من الهوى، وهو أنه ابتدأ كتابة كتابه "المستدرك" سنة 393 هـ( 1 ) أي بعد بلوغه 72 سنة من عمره، قال الحافظ ابن حجر في "لسان الميزان" (5/233): (ذكر بعضهم أنه حصل له تغير وغفلة في آخر عمره، ويدل على ذلك: أنه ذكر جماعة في كتاب "الضعفاء" له، وقطع بترك الرواية عنهم، ومنع من الاحتجاج بهم، ثم أخرج أحاديث بعضهم في "مستدركه" وصححها، من ذلك: أنه أخرج حديثا لعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وكان قد ذكره في الضعفاء، فقال: إنه روى عن أبيه أحاديث موضوعه لا تخفى على من تأملها من أهل الصنعة أن الحمل فيها عليه) انتهى كلام الحافظ ابن حجر. وجرى على هذا علماء الحديث في شأن المستدرك، ومنه قول السخاوي في "فتح المغيث" (1/36): (يقال إن السبب في ذلك أنه صنفه في أواخر عمره وقد حصلت له غفلة وتغير، أو أنه لم يتيسر له تحريره وتنقيحه، ويدل له أن تساهله في قدر الخمس الأول منه قليل جدا بالنسبة لباقيه، فإنه وجد عنده إلى هنا انتهى إملاء الحاكم) انتهى. وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم راوي الحديث الذي احتج به مجيزوا التوسل بالذوات ضعيف جدا في الحديث، قاله علي بن المديني، وقال أبو حاتم الرازي: كان في نفسه صالحاً، وفي الحديث واهياً. وضعفه أحمد وابن معين والبخاري والنسائي والدار قطني وغيرهم كثير، وقال الطحاوي: (حديثه عند أهل العلم بالحديث في النهاية من الضعف).

فهذه عبارة إمام الحنفية في وقته وشيخ المصريين في زمانه،أفيستحل الكاتب أن يتقرب إلى الله ويتعبد بحديث في النهاية من الضعف، كيف تقوى قدماك على التماسك وأنت تسأل أمام ربك، وبم تحتج، وعلى من تتكى، أعد للمسألة جوابا، فإن الأمر عظيم. الثاني: أن في إسناد الحاكم والبيهقي رجلا اسمه عبد الله بن مسلم الفهري ترجمه الحافظ الذهبي في "الميزان" (2/405) وقال: (روى عن إسماعيل بن مسلمة بن قعنب عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم خبرا باطلا فيه "يا آدم لولا محمد ما خلقتك" رواه البيهقي في دلائل النبوة" انتهى. قال الحافظ ابن حجر في "لسان الميزان" (3/360): (قلت: لا أستبعد أن يكون هو الذي قبله فإنه من طبقته) اهـ.

يعني بالذي قبله الترجمة السابقة لترجمة الفهري، وهو عبد الله بن مسلّم بن رُشيد قال الذهبي: ذكره ابن حبان متهم بوضع الحديث... الثالث: أن إسناد الحديث ضعفه جماعة كثيرون: فمنهم: البيهقي في "دلائل النبوة" (5/486). ومنهم: الذهبي في "تلخيص المستدرك" (2/615)، قال: (موضوع)، وفي "الميزان": قال: (باطل)، فهو موضوع الإسناد باطل المتن. ومنهم: الشيخ تقي الدين بن تيمية حكم بوضعه في "الرد على البكري" (ص6) من مختصره. ومنهم: ابن عبد الهادي الحافظ نصر القول بوضعه في "الصارم المنكي". ومنهم: الحافظ ابن كثير في "البداية والنهاية" (2/323) قال عن راويه: (وهو متكلم فيه) ونقل كلام البيهقي بضعف راويه. ومنهم: الهيثمي في "مجمع الزوائد" (8/253). ومنهم: السيوطي في "تخريج أحاديث الشفاء" (ص30). ومنهم: الزرقاني في "شرح المواهب" (1/76). ومنهم الشهاب الخفاجي في "شرح الشفاء" (2/242). ومنهم ملا علي القاري في "شرح الشفاء" (1/215).

ومنهم ابن عراق في "تنزيه الشريعة" (1/67) وذكر القول ببطلانه.

الوقفة الثالثة: في النظر في متن الحديث ودرايته. إن الثابت أن الدعاء الذي به قبل الله توبة آدم هو ما قاله الله في سورة الأعراف: (قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ( ]الأعراف: 23[.فهذه هي الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه. كما قال تعالى: (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ(

]البقرة: 37[.

قال ابن كثير الحافظ في "تفسيره" (1/116): (روي هذا عن مجاهد، وسعيد بن جبير، وأبي العالية، والربيع بن أنس، والحسن، وقتادة، ومحمد بن كعب القرظي، وخالد بن معدان، وعطاء الخراساني

وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم) اهـ. عشرة من أهل العلم فسرها بآية الأعراف، ومنهم عبد الرحمن بن زيد بن أسلم راوي الحديث المنكر في توسل آدم. وهذا مما يزيد في توهين روايته الحديث المنكر الواهي وهنا على وهن، ولم يذكر أن أحداً من الصحابة أو التابعين أو تابعيهم فسر الكلمات بتوسل آدم بالنبي محمد( ، بطريق صحيحة ولا ضعيفة، إلا أن تكون واهية موضوعة ولعل قصة مغفرة ذنب آدم بتوسله بمحمد ( تلقاها جهلة المسلمين من أهل الكتاب في عيسى عليه السلام، فأرادوا إثبات فضيلة لنبينا محمد ( فقالوا ما قالوا. نقل الشهرستاني في كتابه"الملل والنحل"(1/524) عن عقائد النصارى قولهم: (والمسيح عليه السلام درجته فوق ذلك، لأنه الابن الوحيد، فلا نظير له، ولا قياس له إلى غيره من الأنبياء. وهو الذي به غفرت زلة آدم. عليه السلام) اهـ. فهذا من اعتقاد النصارى، فنافسهم جهلة المسلمين في ذلك. قال (ص47): بعد سياق حديث لما اقترف...واستشهاد ابن تيمية به.قال:

(فهذا يدل على أن الحديث عند ابن تيمية صالح للاستشهاد والاعتبار لأن الموضوع أو الباطل

لا يستشهد به عند ا لمحدثين) الخ.. أقول: بل إن شيخ الإسلام ذكر الحديث في "الرد على البكري" في أوله وحكم عليه بالوضع وأنه أشبه بحكايات بني إسرائيل قال (ص6): (هذا الحديث وأمثاله لا يحتج به في إثبات حكم شرعي لم يسبقه أحد من الأئمة إليه وإثبات عبادة لم يقلها أحد من الصحابة ولا التابعين وتابعيهم إلا من هو أجهل الناس بطرق الأحكام الشرعية، وأضلهم في المسالك الدينية، فإن هذا الحديث لم ينقله أحد عن النبي (

لا بإسناد حسن ولا صحيح، بل ولا ضعيف يستأنس به و يعتضد به). وشيخ الإسلام ذكر في غير موضع أن الحديث موضوع، ولكنه لما كان فيما نقل الكاتب طرفا منه في كلام مع أهل وحدة الوجود ذكر هذين الحديثين بأسانيدهما على خلاف عادته فهو لا يذكر إسناداً

إلا نادراً وإنما ساق الأسانيد ليعلم حالهما من طالعهما، وعادة العلماء أن من ساق إسنادا فقد أدى عهدته، والحكم عليه بعد ذلك بوضع أو غيره إنما يكون إذا أراد الرد على من يعتمده في لفظ من ألفاظه. ولهذا تجد حفاظ الحديث كأبي نعيم والخطيب ونحوهما، والبيهقي أحيانا يذكرون من الأحاديث الموضوعة أو شديدة الضعف ما يعرفه أهل النظر، واعتذر عنهم بأنهم يسوقون الأسانيد ومن ساق الإسناد فقد ذكر عواره أو ظلامه إن كان فيه عوار أو ظلمة.

قال (ص50):

(وفي الحديث التوسل برسول الله ( قبل أن يتشرف العالم بوجوده فيه، وأن المدار في صحة التوسل

على أن يكون للمتوسل به القدر الرفيع عند ربه عز وجل وأنه لا يشترط كونه حيا في دار الدنيا) اهـ.

أقول: لم يكتف الكاتب بتصحيح حديث موضوع بل استخرج للحكم الوارد فيه علة ثم عدى العلة بالقياس إلى غير محل الحكم وإلى غير زمان الحكم. وتوضيح هذا: أن في الحديث توسل آدم بالنبي ( قبل وجوده، أي قبل حياته،أي: وهو فاقد الحياة، ولا معنى لتوسله بمن كان كذلك إلا جوازه في الحياة، وقبلها وبعدها. كذا استنتاج الهوى وقياس الردى. ثم إن تخصيص النبي ( عند هذا الكاتب بالتوسل لا معنى له حيث قاس كل من كان له عند الله القدر الرفيع على النبي، بجامع النبوة، أو الولاية، أو الكرامة.

وهذا هو عين احتجاج أصحاب القبور المفتونين بعبادتها من دون الله، عدوا بالقياس دعاء الميت والطلب منه على طلب الدعاء من الحي، وجادلوا في ذلك، فلما ظنوا أنه ثبت لهم ما زعموه في حق النبي ( قالوا: لا معنى لاختصاص النبي محمد ( بالدعاء أو الاستشفاع أو نحوه من العبادات، بل يعدى جواز هذا الفعل إلى غيره ( بجامع النبوة إن كان نبيا أو الكرامة.

أو كما قال هذا القائل هنا: (المدار في صحة التوسل على أن يكون للمتوسل به القدر الرفيع عند ربه عز وجل)، وهذا تمهيد وتقعيد لمسائل لم يفصح عنها في هذا الموضع. فانظر هذا التجرؤ على أحكام الشرع: تصحح الموضوعات، وقياس فاسد لم يقل به عالم قط منذ بعث محمد ( إلى انتهاء القرون الثلاثة الأولى حتى ظهرت القرامطة الباطنية، وأتباعهم (إخوان الصفا) وهم جماعة مشهورة ظهروا في أول القرن الرابع، وهم الذين جلبوا هذا الذي تبناه الكاتب وقبله أخذه أهل الضلالة، فانظر ما قاله إخوان الصفا وكيف شرعوا هذا الدين الذي لم يعرفه المسلمون في المئات الثلاث، فسبحان من صير القلوب إلى قلبين. جاء في الرسالة 42 من رسائل "إخوان الصفا" (4/21). قولهم: (اعلم يا أخي أن من الناس من

يتقرب إلى الله بأنبيائه ورسله وبأئمتهم وأوصيائهم أو بأولياء الله وعباده الصالحين، أو بملائكة الله

المقربين والتعظيم لهم ومساجدهم والاقتداء بهم وبأفعالهم والعمل بوصاياهم وسننهم على ذلك بحسب ما يمكنهم ويتأتى لهم ويتحقق في نفوسهم ويؤدي إليه اجتهادهم. فأما من يعرف الله حق معرفته فهو

لا يتوسل إليه بأحد غيره، وهذه مرتبة أهل المعارف الذين هم أولياء الله. وأما من قصر فهمه ومعرفته وحقيقته فليس له طريق إلى الله تعالى إلا بأنبيائه. ومن قصر فهمه معرفته فليس له طريق إلى الله تعالى إلا بالأئمة من خلفائهم وأوصيائهم وعباده. فإن قصر فهمه ومعرفته بهم فليس له طريق إلا اتباع آثارهم والعمل بوصاياهـم والتعلق بسننهم والذهاب إلى مساجدهم ومشاهدهم والدعاء والصلاة والصيام والاستغفار، وطلب الغفران والرحمة عند قبورهم وعند تماثيلهم المصورة على أشكالهم، لتذكار آياتهم وتعرف أحوالهم من الأصنام والأوثان وما يشاكل ذلك طلبا للقربة إلى الله والزلفى لديه. ثم اعلم! أنه على كل حال من يعبد شيئا من الأشياء ويتقرب إلى الله تعالى بأحد فهو أصلح حالا ممن لا يدين شيئا ولا يتقرب إلى الله البتة).اهـ. هكذا أدخل إخوان الصفا الباطنيون الشرك في المسلمين، فانتشر في الجهال انتشارا، واشتعل فيهم اشتعال اللهب في يابس الشجر، فقام جماعات من العلماء ينكرون هذا، وكان أول أمره غير متضحة غايته، ولا مستبين سبيله، لأن المسلمين لم يكن دين الأصنام فيهم، ثم استبان الشأن، وانكشف الغطاء فأنكره العلماء في القرن الرابع والخامس، ومنهم ابن عقيل الحنبلي، فقال:

(لما صعبت التكاليف على الجهال والطغام عدلوا عن أوضاع الشرع إلى تعظيم أوضاع وضعوها لأنفسهم، فسهلت عليهم إذ لم يدخلوا بها تحت أمر غيرهم. وهم عندي كفار لهذه الأوضاع، مثل تعظيم القبور، وخطاب الموتى بالحوائج وكتب الرقاع فيها يا مولاي افعل بي كذا وكذا، وإلقاء الخرق على الشجر اقتداء بمن عبد اللات والعزى). فهذا الشرك الأكبر أصله وسببه هذا القياس الفاسد الباطل الذي قاله صاحب المفاهيم، باب التوسل بالذوات الذي لا نقول بأنه شرك بل هو بدعة من الطرق والوسائل لهذا الشرك الأكبر وكل ما كان وسيلة إلى الكفر والشرك فهو ممنوع يجب سد بابه وإغلاقه ووصده وتتريبه حتى لا يفتح مرة أخرى. ومن في قلبه حب لله وللإسلام الذي جاء به رسوله محمد ( ليغار ويشتد غضباً أن يعود شرك الجاهلية، الذي أزالته بعثة حبيبنا محمد ( . وعقد المؤلف فصلاً (ص51) عنونه بـ: توسل اليهود به (.

وساق فيه أن ابن عباس قال: (كانت يهود خيبر تقاتل غطفان فلما التقوا هزمت يهود، فدعت يهود بهذا الدعاء، وقالوا إنا نسألك بحق النبي الأمي الذي وعدتنا أن تخرجه لنا في آخر الزمان أن تنصرنا عليهم...) "تفسير القرطبي" (2/ 26- 27)) اهـ. وأقول: إن المؤلف أغرب كثيرا في الاستدلال بفعل اليهود الذي نقله، فمن حيث الرواية: فإن قول

ابن عباس ذكره الكاتب غير مخرج ولم يذكر من صحح إسناده لأنه لم يجد من صححه وقد أخرجه الحاكم في "المستدرك" (2/263)، والبيهقي في"دلائل النبوة" (2/ 76) من طريق عبد الملك بن هارون بن عنترة عن أبيه عن جده عن سعيد بن جبير عن ابن عباس من كلامه. وقال الحاكم بعد ذكره الحديث: (أدت الضرورة إلى إخراجه في التفسير وهو غريب) اهـ، قال الذهبي في "تلخيصه": (قلت:

لا ضرورة في ذلك، فعبد الملك متروك هالك) اهـ. وذكر السيوطي في "الدر المنثور" أن إسناده ضعيف، وهو لا يقول ضعيف إلا إذا لم يكن في الإسناد حيلة يصحح بها. والحاكم قد ذكر عبد الملك في "المدخل"(1/170) وقال: (روى عن أبيه أحاديث موضوعة)

وعبد الملك هذا كذبه ابن معين وابن حبان والجوزجاني وغيرهم، وهو الذي وضع حديثا لفظه: (أربعة أبواب من أبواب الجنة مفتحة: الإسكندرية وعسقلان وقزوين وعبادان، وفضل جُدّة على هؤلاء كفضل بيت الله على سائر البيوت). كذب صريح، ويروج ما يرويه جهلة المسلمين، ممن لا يغارون على كلام رسول الله (، والقوم لهم ولع بالكذوبات، وإعراض عن الصحاح. قال شيخ الإسلام في "التوسل والوسيلة" (1/299-300 "مجموع الفتاوى"):

(قوله تعالى: (وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا( ]البقرة: 89[ إنما نزلت باتفاق أهل التفسير والسير في اليهود المجاورين للمدينة أولا، كبني قينقاع وقريظة والنظير، وهم الذين كانوا يحالفون الأوس والخزرج وهم الذين عاهدهم النبي ( لما قدم المدينة ثم لما نقضوا العهد حاربهم... فكيف يقال: نزلت في يهود خيبر وغطفان؟ فإن هذا من كذاب جاهل لا يحسن كيف يكذب. ومما يبين ذلك أنه ذكر فيه انتصار اليهود على غطفان لما دعوا بهذا الدعاء، وهذا مما لم ينقله أحد غير هذا الكذاب) انتهى. إذا ظهر هذا وانجلى فالرواية الثابتة الصحيحة ما أخرجه ابن جرير (2/333 ط.شاكر)، وأبو نعيم في "الدلائل" (1/ من الأصل) والبيهقي في "الدلائل" (2/75) كلهم من طريق ابن إسحاق في "سيرته" (ص63رواية يونس بن بكير) قال: حدثني عاصم بن عمر بن قتادة قال: حدثني أشياخ منا قالوا: لم يكن أحد من العرب أعلم بشأن رسول الله ( منا: كان معنا يهود، وكانوا أهل كتاب وكنا أصحاب وثن وكنا إذا بلغنا منهم ما يكرهون قالوا: إن نبيل مبعوثا الآن قد أظل زمانه نتبعه فنقتلكم قتل عاد وإرم، فلما بعث الله عز وجل رسوله ( اتبعناه وكفروا به،ففينا وفيهم أنزل الله عز وجل: (وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا( ]البقرة: 89[ وهذا إسناد جليل، فإن الأشياخ هؤلاء صحابة أدركوا الأمر وعلموه فما أجل هذا وأحسنه!. وقد جاءت أخبار كثيرة في هذا المعنى عن ابن عباس وغيره، تركتها اجتزاء بما صح، وحذر الملال بسرد الطوال. فاللهم! ألهم وعلم.

ذكر الكاتب (ص52) حديث عثمان بن حنيف رضي الله عنه في توسل الضرير بدعاء النبي (

في حياته. أقول: هذا الحديث رواه الإمام أحمد في "مسنده" (4/138)، والترمذي في "جامعه" (5/569)، والنسائي في "عمل اليوم والليلة" (417-418)، وابن ماجه في "سننه"(1385)، والطبراني في "المعجم الكبير" (9/19) والحاكم في"المستدرك" (1/313 و519) وغيرهم. قال أحمد: ثنا عثمان بن عمر ثنا شعبة عن أبي جعفر قال سمعت غمارة بن خزيمة يحدث عن عثمان بن حنيف به. ثم رواه أحمد قال: ثنا روح قال: حدثنا شعبة عن أبي جعفر المديني به.ثم رواه أحمد قال: ثنا مؤمل قال: حدثنا حماد- يعني ابن سلمة- قال: حدثنا أبو جعفر الخطمي به. قال النسائي في "عمل اليوم والليلة": خالفهما هشام الدستوائي وروح بن القاسم فقالا: عن أبي جعفر عمير بن يزيد بن خراشة عن أبي أمامة بن سهل عن عثمان بن حنيف. وهذا الاختلاف علة، قد يرد بها بعض المحدثين الحديث، وهي موضع تأمل. وإسناد رواية شعبة وحماد حسن لابأس به، فإن أبا جعفر هو الخطمي المدني كما ثبت في روايات أحمد وغيره، وهو عمير بن يزيد الأنصاري الخطمي المدني، قال الحافظ في"التقريب": (صدوق). ورأى طائفة من أهل العلم ضعف الحديث، لأن أبا جعفر فيه كلام، وبعضهم ضعف الإسناد لأجل عدم التثبت أن أبا جعفر هو الخطمي، معتمدين على نفي الترمذي أن يكون هو الخطمي. هذا، ولا حجة في الحديث على ما ادعاه مجيزوا التوسل بالذوات والجاه ونحوها، لأنه جار على أصول الشريعة في باب التوسل، وهو التوسل بدعاء النبي ( في حياته، وهو معنى الشفاعة، فمدلول الحديث التوسل بدعاء النبي ( والتوجه بدعائه في حياته، وهذا مما ثبتت به السنة في أمور غير هذا الحديث، فأثبته أهل السنة والحديث، ولا مراء في هذا، ولا استشكال في معنى الحديث. ومن ظن أن الحديث فيه توسل بالذات فيلزمه تساؤل، وهو أن يقال: كيف يخفى هذا الدعاء الذي

فيه توسل بالذات على عميان ومكفوفي الصحابة فلم يستعملوه في حياته ولا بعد مماته، ولا من بعدهم، والناس حريصون على جوارحهم وحواسهم؟ نعلم من هذا الإلزام أن الحديث إنما فيه التوسل بدعاء

النبي (، لا بذاته، وهذا مقطوع به جزما، فيبقى الحديث خاصا بهذا الأعمى وحده ومعجزة لنبينا محمد (، والحمد لله الموفق للصالحات. ثم قال الكاتب:

(وليس هذا خاصاً بحياته ( بل قد استعمل بعض الصحابة هذه الصيغة من التوسل بعد

وفاته( ). واستدل له بتعليم عثمان بن حنيف رجلا له حاجه عند عثمان أن يدعو فيقول: (اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبينا محمد ( نبي الرحمة يا محمد إني أتوجه بك إلى ربك فيقضي حاجتي، وتذكر حاجتك..) ففعله. فقضى عثمان حاجته. هذا مختصر ما رواه الطبراني. قال: (هذه القصة صححها الحافظ الطبراني والحافظ أبو عبد الله المقدسي). أقول: هنا بدأ صاحب المفاهيم وشرع في تعميته الحقائق، وكفْره النقول الصادقة، وأخذه في التمويه على غير المتتبعين لمقالاته. فقال: هذه القصة صححها الحافظ الطبراني... وما صححها الطبراني وحاشاه، ولو نقلت ما قاله صدقا وأمانة لما لبست على المطالع لكلامك، إذ الثقة فيمن ينتسب إلى العلم تعمي كثيرين عن تتبع نقوله وهل يصدق فيها ولا يحرف أم الشأن استغلال الثقة في نشر وترويج غير الحق؟ قال الطبراني في "الصغير" (1/184): (لم يروه عن روح بن القاسم إلا شبيب بن سعيد أبو سعيد المكي- وهو ثقة- وهو الذي يحدث عنه ابنه( 1 ) أحمد بن شبيب عن أبيه عن يونس بن يزيد الأيلي. وقد روى هذا الحديث شعبة عن أبي جعفر الخطمي واسمه عمير بن يزيد- وهو ثقة- تفرد به عثمان بن عمر بن فارس عن شعبة والحديث صحيح) اهـ. فبهذا النقل اتضح أن تصحيح الطبراني للحديث السابق وهو قول الرسول (، ولكن القصة لم يعترض لها إلطبراني بتصحيح ولا غيره، بل قال: (لم يروه... الخ) وهو يشعر بضعف القصة عنده، وهو الحق.

وبيان هذا أن القصة رواها الطبراني في "الصغير" و"الكبير" (9/17-18) من طريق شيخه طاهر بن عيسى بن قيرس المصري التميمي، حدثنا أصبغ بن الفرج حدثنا عبد الله بن وهب عن شبيب بن سعيد المكي عن روح بن القاسم عن أبي جعفر الخطمي المدني به. وهذا الإسناد آفته رواية عبد الله بن وهب عن شبيب بن سعيد وهي منكرة عند أهل الحديث

لم أر بينهم اختلافا في ذلك. قال ابن عدي في"الكامل في ضعفاء الرجال"(4/1347) (حدث عنه

ابن وهب بأحاديث مناكير)، ثم قال: (ولعل شبيب بمصر في تجارته إليها كتب عنه ابن وهب من حفظه فيغلط ويهم، وأرجو أنه لا يتعمد شبيب هذا الكذب) اهـ. والقصة مدارها على هذا الإسناد، فالمتن منكر، ولا خير في منكر. ثم مما يدلل على هذه النكارة أن الحديث رواه الحاكم (1/526-527) وابن السني في "عمل اليوم والليلة" (ص170ط الهند) من طريق أحمد بن شبيب بن سعيد قال: ثنا أبي عن روح بن القاسم عن أبي جعفر المدني وهو الخطمي عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن عمه عثمان بن حنيف قال: سمعت رسول الله ( وجاءه رجل فذكر الحديث دون القصة. وهذا الرواية أصح، لأنها من روايات أحمد بن شبيب عن أبيه قال الحافظ في "التقريب" في ترجمة شبيب: (لا بأس بحديثه من روايات ابنه أحمد عنه لا من رواية ابن وهب) اهـ. فأحمد بن شبيب وهو الراوي المختص بأبيه لم يذكر القصة عن أبيه وهي من نفس الطريق التي رواها ابن وهب عن شبيب فدل تفرد ابن وهب عن شبيب على نكارتها ودلت مخالفة رواية ابن وهب عن شبيب - وهي منكرة- لرواية أحمد بن شبيب عن أبيه شبيب دل ذلك على شدة نكارتها وبطلانها، وأنها يمكن أن تكون مكذوبة. إذا تبين هذا فالقصة إما مكذوبة أو منكرة للأمور التي ذكرنا، وهي حجة كافية ناصعة بيضاء لمن أراد الله تبصرته، و من يضلل الله فماله من هاد. والعجب من صاحب المفاهيم كيف يكون حبه للمنكرات والواهيات أشد من حبه لما صح من حديث رسول الله (، وكان حقه ( نفي الكذب عنه، وترك الواهيات المنسوبة له، لا نشرها وترويجها.

وفي الإسناد شيخ الطبراني طاهر بن عيسى، وهو مجهول لا يعرف بالعدالة، ذكره الذهبي ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، فهو مجهول الحال، لا يجوز الاحتجاج بخبره لاسيما فيما يخالف نصوص الكتاب والسنة. قاله الشيخ سليمان بن عبد الله في "تيسير العزيز الحميد" (ص212 ط الأولى).

قال (ص54):

(إن عثمان بن حنيف "علم من شكا إليه إبطاء الخليفة عن قضاء حاجته هذا الدعاء الذي فيه: التوسل بالنبي ( والنداء له، مستغيثا به بعد وفاته ( ) اهـ. أقول: هذه ثالثة الأثافي، وقاصمة الظهر، أنستنا ما قبلها من التوسل البدعي، فإذا الشأن في النداء للموتى والاستغاثة بهم، فما كنت أظن أن يبلغ صاحب المفاهيم هذا المبلغ من الهوى حتى رأيت رقمه ببنانه، وقوله بلسانه، فلا حول ولا قوة إلا بالله، ويا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على طاعتك. وهذا القول فاسد مناهض لدين الإسلام، موافق لما عليه أهل الجاهلية من الاستغاثة بالأنبياء والصالحين وندائهم لكشف الملمات ورفع المدلهمات، أفما يقرأ هؤلاء القرآن، ويسمعون قول سلف الأمة من الصالحين؟

أفما قرؤوا قوله تعالى: (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ

وَلا تَحْوِيلاً * أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً( ]الاسراء: 56-57[.

ففي هذه الآية إنكار عام على كل من دعا من دون الله شيئا، جنيا أو نبيا فكلمة (الَّذِينَ( في الآية اسم موصول، والأسماء الموصولة من صيغ العموم عند الأصوليين والنحويين كما هو مقرر في هذين العلمين. فقوله: (الَّذِينَ( يعم كل من دعي من دونه تعالى في كشف الضر أو تحويله،فعمت الأنبياء والصالحين وغيرهم من الملائكة والجن فدعاء هؤلاء لا يجوز، فإنه دين الجاهلية والمشركين وصور هذا الدعاء كثيرة فمنها النداء للموتى أنبياء أو غيرهم كما هو ظاهر من الآية، و منها الاستغاثة. فالأنبياء والصالحون بعد مماتهم لا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا، فكيف يملكون لغيرهم. فهذه الآية تظهر دين المشركين وتبينه فما لهؤلاء يعودون إلى دين المشركين. ما لهم يدعون دين الرسل المتيقن، ويرضون بدين الجاهلية الباطل؟!. وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن (ص24) من رده على ابن جرجيس:

(وقال تعالى: (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ*أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ

وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ( ]النحل: 21[، وليست هذه الآية في الأصنام كما يزعمه من لم يتدبر، لأن

(وَالَّذِينَ( لا يخبر به إلا عن العقلاء، ولأن الأصنام من الأخشاب والأحجار لا يحلها الموت، فإنها لم تحلها الحياة حتى يحلها الموت، ولأنها لا تبعث يوم القيامة بعث الإنسان ليجزى بما كسبت يداه، ولا يعقل منها شعور بهذا البعث حتى ينفيه الله عنها، وقد قال تعالى: (وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ( ]النحل: 21[،فهذه الآية فيمن يموت ويبعث، كما لا يخفى على من تدبرها، وتأمل قوله تعالى: (وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ(

وهذا إنما يستعمل فيمن يعقل كما لا يخفى على من له معرفة باللغة العربية، فالحمد لله على ظهور الحجة

وبيان المحجة). عودٌ إلى استدلاله الفاسد بقول المكروب بعد موت النبي (: ( يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي ( وأي دليل في هذا بعد معرفة بطلان الحديث ونكارته؟! أفيحتج بالمنكرات والأباطيل؟! إنه لعجب عجيب وأمر غريب واستدلال مريب، فنتنزل معهم في المناظرة بالكلام على معنى هذا اللفظ فأقول: أولاً: أيكون قولك وقول المسلمين في "التشهد": (السلام عليك أيها النبي...) نداء للنبي بعد مماته؟ أينادي المسلمون النبي في كل صلاة، أم أن لفظ النداء هنا لاستحضار منزلة الرسول (؛ ليكون أمكن في القلب لما يجب في حقه من تعزيره وتوقيره ونصرته؟ فما استدل واحد من العلماء المهتدين بالتشهد على دعوى جواز مناداة النبي بعد موته، وهذا إجماع لا خلاف فيه. وهذا الأثر- مع نكارته الشديدة- من هذا الباب إنما يكون لاستحضار ما قلنا في لفظ المصلي في التشهد، وهو التفات، والالتفات له مقتضيات معلومة في فنون المعاني والبيان، وأقول هذا تنزلا في المجادلة، وإلا فما ينبغي ابتداءً، والمناسب هنا ما ذكرنا آنفاً. ثانياً: غاية ما في هذا الأثر المنكر الضعيف أنه توجه بالنبي ( في الدعاء، فأين هذا من دعاء الميت؟! فإن التوجه بالمخلوقات سؤال به لا سؤال منه، وكل أحد يفرق بين سؤال الشخص وبين السؤال به، فإنه في السؤال به قد أخلص الدعاء لله، ولكن توجه إلى الله بذاته، وأما في سؤاله نفسه ما لا يقدر عليه إلا الله، فيكون قد جعله شريك الله في عبادة الدعاء، فليس في حديث الأعمى وحديث ابن حنيف هذا إلا إخلاص الدعاء لله كما هو صريح فيه، إلا قوله يا محمد إني أتوجه بك، و�