files.zadapps.info€¦  · web view[القمر:42]، فهو يمهل -تبارك وتعالى-...

27
م ي ح ر ل ا ن م ح ر ل له ا م الس ب ى سن ح لء ا ما س الأ ر صي ب ل ع ا ي م س ل ا) ت ب س ل ا مان- ث ع ن ب الد / خ خ ي- س ل ا لهده ال ه ي ن م ا، ن ل ما ع ا) ات ن سي ا، و ن س ف ن ور ا ر- ش ن م له ال ب وذ ع نره، و ف ع) ي س ب ه، و ن ي ع) ي س ب مده، و ح ن له، مد ل ح ل ا نR اً مدا ح م ن هد ا- ش له، واW ك ري- ش وخده لأ لهأ ال لR له اR لأ ا ن هد ا- ش له، وا لأ هاذي ف ل ل ض ي ن م له، و ل ض م لأ ف. ن عي م ح ه ا ن ح ص له، وh ى ا عل ه، و ن ل عW ارك م وب سل له و ى ال صل وله، س ده ور ن ع عد: ن ما اW ارك ن) ت- له م ال عل ى لR ع ا جر ي ما م) ه ن) ق را م ل ى ا عل- ت ع ي) ت ى) لنء ا ما س ى الأ عل لأم لك ا بً لأ ض) ب م- ث ي حد ل ال ا لأ ر ف. ) ة ن ط ا ن ل ، وا) ره ه ا م الظ ه ل ما ع م، وا ه ل وا ح ا ه، وب) ق ل ح ن ه) ن ط خاR وا- ى ل عا) ن و{ روا- كي ب ن ا ا ب ن ت وا حR وا ا ن س ف ن ا عظ نل و و) ق نً ما ئ ذا ى) لن ا ى ه ماء، و س ه الأ هد ن ع- ث ي حد ل ا ا ر هد خ وا ا ى ف ن ح ن و وال. ح الأ ن م حال ن خد ه ا ن ع ى ن ع) ي س ب ، لأ) ماسهW لك ى ذ لR ا) ه حاج ل ا ن ، وا ها ي ق ر ظ ب ل ا ن م رض ع) ي س) ب ن) ي ف ل ا) صارت ى) لن ا) ات) وف ه الأ هد ى ف ما ث س ار لأ ن ك لر، وا ا ع ص لء، ا سا لنل، وا ا رخ ل ه ا ن لR ا اج) ت ح ن ها. ي لي طا ن م ال ن م ل ا) ه ن ت ر) ق) م، وصارت ه) ي و ي ت ل خس ذا ا ن ل ل وصاف ه الأ هد ن م ض) ب ت ى) لن ى ا سن ح لء ا ما س ه الأ هد ى ف ل م ا) ن ل وا رذاذ) لي ، وا ى ن عا م ل ه ا هد ى ف ر ظ ب ل ا) ره- كي اج) ت ح ن قأله. ل خ ل خ- له ل) لهام الك ع م- ى ل عا) ن وW ارك ن) ت- له ال) وت ي ت ن م) ت ب ت ى ف) ره ك ا مد ى ه سه، و ف ن سان بR ه الأ ب عظ ن ما ئR ل ا ا) ف ن ي ا الد وهد وم. ل ع ل ا رف- ش ا ى ه ى) لن ا) ه ق رن- ش ل وم ا ل ع ل ، وا ى ن عا م ل ه ا هد ا: اب ض) ق س م ح م ظ) ب ي ي) ر صي ب ل ع، وا ي م س لا( ن مي ئ ر لك ا ن مي س الأ ن ب هد ن ع ا ¯ن ي ي خد ما. ه ا ن ع م ن ع- حدت ن ت ولأ: ا

Upload: others

Post on 03-Jan-2020

0 views

Category:

Documents


0 download

TRANSCRIPT

Page 1: files.zadapps.info€¦  · Web view[القمر:42]، فهو يمهل -تبارك وتعالى- ولا يهمل. الخامس من هذه الآثار: أن العبد إذا استشعر

بسم الله الرحمن الرحيماألسماء الحسنىالسميع البصير

الشيخ/ خالد بن عثمان السبت إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا،

وسيئات أعمالنا، من يهده الله فال مضل له، ومن يضلل فال هادي له، وأشهد أن ال إله إال الله وحده ال شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم

وبارك عليه، وعلى آله، وصحبه أجمعين. أما بعد:

فال زال الحديث متصال بالكالم على األسماء التي تبعث على المراقبة، مما يرجع إلى علم الله -تبارك وتعالى- وإحاطته بخلقه، وبأحوالهم، وأعمالهم الظاهرة،

والباطنة. ونحن في أواخر هذا الحديث عن هذه األسماء، وهي التي دائما نقول ونعظ

أنفسنا وإخواننا بأن يكثروا من النظر فيها، وأن الحاجة إلى ذلك ماسة، ال يستغنيعنه أحد بحال من األحوال.

يحتاج إليه الرجال، والنساء، الصغار، والكبار السيما في هذه األوقات التي صارتالفتن تستعرض للناس داخل بيوتهم، وصارت قريبة المنال من طالبيها.

فنحتاج كثرة النظر في هذه المعاني، والترداد، والتأمل في هذه األسماء الحسنىالتي تتضمن هذه األوصاف الكاملة لله -جل جالله.

وهذا الذي يقال إنما يعظ به اإلنسان نفسه، وهي مذاكرة في بيت من بيوت الله-تبارك وتعالى- مع هذه المعاني، والعلوم الشريفة التي هي أشرف العلوم. حديثنا عن هذين االسمين الكريمين )السميع، والبصير( ينتظم خمس قضايا:

أوال: نتحدث عن معناهما. ثانيا: عن دالئل ذلك في الكتاب، والسنة.

ثالثا: عن وجه االقتران بينهما كثيرا في كتاب الله -تبارك وتعالى. رابعا: في ذكر ما يدل عليه هذان االسمان الكريمان.

خامسا: في الكالم على أثر اإليمان بهذين االسمين على المؤمن. أوال: معنى هذين االسمين:

أما معناهما في لغة العرب: فالسميع من أبنية المبالغة يعني: عظيم السمع،وفرق بين قولك: سامع، وسميع، فالسميع أبلغ، عظيم السمع، كثير السمع.

والسمع صفة معروفة تعني: إدراك المسموعات، وتأتي بمعنى آخر يأتي الكالم عليه -إن شاء الله-، وهو اإلجابة، كما تقول لغيرك: سمعا وطاعة، واسمعوا، فهذا

بمعنى: اإلجابة. أفعال السمع الواردة يراد بها أربعة معان:

األول: سمع إدراك، ومتعلقه األصوات، يسمع المسموعات، يسمع األصوات.الثاني: سمع فهم، وهذا متعلق بالمعاني.

والثالث: هو سمع اإلجابة، وإعطاء من سأل. والرابع: في كالم العرب يأتي هذا الفعل سمع بمعنى: القبول، واالنقياد، بصرف

. (1)النظر عن إضافته إلى الله -تبارك وتعالى }قد سمع الله قول التي تجادلك فيفمن األول: في كتاب الله -تعالى-:

}لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ،[1]المجادلة:زوجها{ ؛ يعني: سمع قولهم. [181]آل عمران:ونحن أغنياء{

(. 2/75)( انظر: بدائع الفوائد )1

Page 2: files.zadapps.info€¦  · Web view[القمر:42]، فهو يمهل -تبارك وتعالى- ولا يهمل. الخامس من هذه الآثار: أن العبد إذا استشعر

}ال تقولوا راعنا وقولوا انظرناومن الثاني: وهو ما يتصل بالفهم: ، على تفسيره بهذا المعنى، ويمكن أن يفسر بمعنى:[104]البقرة:واسمعوا{

اإلجابة. ومن الثالث: قول المصلي: سمع الله لمن حمده، يعني: أجاب.

اعون للكذب{ ومن الرابع: الذي هو القبول: }وفيكم ،[42-41]المائدة:}سماعون لهم{ ، على أحد األقوال في تفسير اآلية، يعني: يقبلون[47]التوبة:سم

اعون لهم{ قولهم، ويصدقون كالمهم، .[47]التوبة:}سماعون لهم{ والمعنى اآلخر -كما هو معلوم- : يسمعون،[47]التوبة:}سم

وينقلون إليهم، يستمعون ما قيل فيهم، وما دار حولهم، ثم ينقلون ذلك إليهم، إلىغير ذلك مما قيل في اآلية.

أما البصير: فإن ذلك من أبنية المبالغة، يعني: عظيم البصر، كثير اإلبصار، نافذالبصر -سبحانه وتعالى.

ويأتي البصير بمعنى: العليم بالشيء، تقول: فالن بصير بكذا أي: عليم به، أما ما يتصل بهذه األسماء حينما تضاف إلى الله -جل جالله وتقدست أسماؤه- فإن

السميع: هو الذي يسمع ضجيج األصوات، باختالف اللغات، على تفنن الحاجات، فال يشغله سمع عن سمع، وال تغلطه المسائل، وال يتبرم بإلحاح الملحين في

. (2)سؤاله، كما يقول الحافظ ابن القيم -رحمه الله فهو الذي يرى دبيب النملة السوداء، علي الصخرة الصماء، في الليلة الظلماء، حيث كانت في سهل، أو في جبل، ويرى دقائق األشياء، فهو يرى تفاصيل خلق الذرة الصغيرة، وأعضائها، ومخها، وعروقها، ويرى ما تحت األرضين السبع، كما

يرى ما فوق السموات السبع.وهو السميع يسمع ويرى كل ما *** في الكون من سر ومن إعالن

ولكل صوت منه سمع حاضر *** فالسر واإلعالن مستويان(3)والسمع منه واسع األصوات ال *** يخفى عليه بعيدها والدان

هذا من كالم ابن القيم -رحمه الله-، من أبياته في النونية، ويقول: (4)والحمد لله السميع لسائر الـ. .. أصوات من سر ومن إعالن

فالسميع هو الذي قد استوى في سمعه السر والجهر، السر والعالنية عنده سواء، وسع سمعه األصوات، فال تختلف عليه األصوات مهما تشابهت، ومهما

كثرت، وال يشغله منها سمع عن سمع، وال تغلطه المسائل. فاإلنسان حينما يسمع لواحد فإن ذلك يشغله عن اآلخر، أما الله -تبارك وتعالى-

فهو يسمع جميع الخالئق في كالمهم، ويسمع أنفاسهم، ويسمع نبض قلوبهم، ويسمع دعاءهم على اختالف اللغات، وتداخل األصوات، سواء في ذلك ما إذا

أسروا بهذا الدعاء، أو أعلنوه. فالسر عنده عالنية، والبعيد عنده قريب، وهذا السمع المضاف إلى الله -تبارك

وتعالى- على نوعين: األول: هو سمعه -تبارك وتعالى- لجميع األصوات الظاهرة،والباطنة، الخفية، والجلية، وإحاطته -تبارك وتعالى- بها، ال تخفى عليه منها خافية.

}إنالثاني: هو سمع اإلجابة للسائلين، والداعين، والعابدين، فيجيبهم، ويثيبهم، . [39]إبراهيم:ربي لسميع الدعاء{

فهذا بمعنى اإلجابة، وأيضا يدخل فيه السمع الذي هو إدراك األصوات، فهو يسمع دعاء الداعين، يسمع أصواتهم، وأقوالهم، كما أنه يجيبهم -تبارك وتعالى- على

سؤلهم، ودعائهم، وحاجاتهم. (. 1/3)( انظر: إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان )2(. 204-203)( انظر: نونية ابن القيم )ص: 3(.312)( المصدر السابق )ص: 4

Page 3: files.zadapps.info€¦  · Web view[القمر:42]، فهو يمهل -تبارك وتعالى- ولا يهمل. الخامس من هذه الآثار: أن العبد إذا استشعر

كما أنه -تبارك وتعالى- يجيب، ويثيب الذاكرين، والعابدين بألوان التعبدات }وإذا سألك عبادي عني فإنيالقولية، فذلك من إجابته -تبارك وتعالى-، .[186]البقرة:قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان{

}فليستجيبوا ليفهذا يشمل دعاء المسألة، ويشمل دعاء العبادة؛ ولهذا قال: . [186 ]البقرة:وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون{

فالله -تبارك وتعالى- يجيب من سأل، وطلب، كما أنه يجيب من عبد، فيعطيهؤالء، ويثيب هؤالء.

]إبراهيم:}إن ربي لسميع الدعاء{ أما قول إبراهيم -صلى الله عليه وسلم-: ؛ فهذا من السمع الخاص؛ ألن سمعه -تبارك وتعالى- منه ما هو خاص، ومنه[39

ما هو عام، فهذا سمع اإلجابة، والقبول، وليس بالسمع العام كما يقول الحافظ. (5)ابن القيم

}إن ربيفالله سميع لكل مسموع، وهنا يسمع سماعا خاصا للداعين، فيجيبهم، ، ومن ثم جاء مقيدا في هذا الموضع. [39]إبراهيم:لسميع الدعاء{

فالله -تبارك وتعالى- له سمع يليق بجالله، وعظمته، سمع حقيقي يليق بذاته، وكماله، ال يشبه سمع المخلوقين، وهذا السمع كما أخبر الله -تبارك وتعالى- نثبته

بال تكييف، وال تمثيل، وال تأويل، وال تعطيل. وكذلك فإن البصير: هو الذي يرى المبصرات، ال تخفى عليه منها خافية، يرى

الدقيق، والجليل، تستوي عنده رؤية هذه األشياء المبصرة في الليل والنهار، فيالظالم والضياء.

وهو البصير يرى دبيب النملة السـ *** ــوداء تحت الصخر والصوانويرى مجاري القوت في أعضائها *** ويرى نياط عروقها بعيان

(6)ويرى خيانات العيون بلحظها *** ويرى كذاك تقلب األجفان

ويقول: (7)وكذا بصير وهو ذو بصر ويبصـ *** ـــر كل مرئي وذي األكوان

-جل جالله وتقدست أسماؤه-. فالله -تبارك وتعالى- هو البصير الذي أحاط بصره بجميع المبصرات في أقطار األرض، والسموات، حتى أخفى ما يكون فيها فإن الله يراه، ويبصره، ال يخفى

عليه من ذلك شيء، فهو يرى دبيب النملة السوداء، على الصخرة الصماء، في الليلة الظلماء، ويرى جميع أعضائها الباطنة، والظاهرة، ويرى سريان القوت في

أعضائها الدقيقة، ويرى سريان المياه في أغصان األشجار، وعروقها، وجميع النباتات على اختالف أنواعها، وصغرها، ودقتها، ويرى نياط عروق النملة، والنحلة،

والبعوضة، وما هو أصغر من ذلك. فهذا كله من عظيم بصره -تبارك وتعالى-، كما أنه يرى خيانات األعين، وتقلبات

}الذي يراك حين تقوم * وتقلبك فياألجفان، وحركات القلوب، ميع العليم{ اجدين * إنه هو الس }يعلم خائنة، [2220-218]الشعراء:الس

دور{ ، والله على كل شيء شهيد.[19]غافر: األعين وما تخفي الصوبناء على ذلك فإن البصير له معنيان:

األول: هو أن لله -تبارك وتعالى- بصرا يليق بعظمته، يحيط بأقطار السموات،واألرض، فيرى جميع الخالئق.

الثاني: أنه ذو بصيرة باألشياء، عالم بها، خبير بأمرها، ال تخفى عليه منها خافية. فالبصير بالشيء يعني: العالم به، الذي ال يخفى عليه منه قليل، وال كثير، فاجتمع

(.267، 238، 2/72)( انظر: بدائع الفوائد )5(. 204)( انظر: نونية ابن القيم )ص: 6(.172)( انظر: المصدر السابق )ص: 7

Page 4: files.zadapps.info€¦  · Web view[القمر:42]، فهو يمهل -تبارك وتعالى- ولا يهمل. الخامس من هذه الآثار: أن العبد إذا استشعر

المعنيان في البصير، كما اجتمع المعنيان األوالن في السميع، فصار للسميعمعنيان، وصار للبصير معنيان.

(8)يا من يرى مد البعوض جناحها *** في ظلمة الليل البهيم األليل

ثانيا: دالئل هذين االسمين في الكتاب والسنة: أما السميع: فقد ورد كثيرا في كتاب الله -تبارك وتعالى-، جاء أكثر من أربعين

ميع البصير{ مرة: }والله، [11]الشورى:}ليس كمثله شيء وهو الس }ربنا تقبل منا إنك، [1]المجادلة:يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير{

ميع العليم{ ، فهذا في السميع، وذلك في كتاب الله -[127]البقرة:أنت الستبارك وتعالى- كثير.

وأما البصير: فقد ورد -أيضا- في كتاب الله -تبارك وتعالى- أكثر من أربعين مرة،]البقرة: }واتقوا الله واعلموا أن الله بما تعملون بصير{قال -تعالى-:

}إنه بعباده خبير بصير{،[20-15]آل عمران:}والله بصير بالعباد{ ، [233. [27]الشورى:

ثالثا: اقتران هذين االسمين ببعض األسماء الحسنى: أما اسم )السميع( فهو كثيرا ما يرد مقترنا مع اسم الله العليم، ويمكن أن يقال

في وجه هذا االقتران -والله تعالى أعلم-: إن الله -تبارك وتعالى- يسمع جميع األصوات على اختالفها، وتنوعها، وهناك ما ال صوت له، فالله -تبارك وتعالى-

يعلمه، ويعلم حاله، ويعلم أحوال هؤالء الذين تصدر منهم هذه األصواتالمسموعة، وهذا كثير في كتاب الله -تبارك وتعالى.

فجاء االقتران بين السميع، والعليم في أكثر من ثالثين مرة في القرآن، قال - }وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبلتعالى-:

ميع العليم{ }وإن عزموا الطالق فإن، [127]البقرة:منا إنك أنت الس ، وفي كل موضع لربما يكون له تفسير يخصه،[227]البقرة:الله سميع عليم{

يعني في مثل هذا المقام. الطالق له لفظ يعبر به، وله معنى يقصد، فالله -تبارك وتعالى- سميع لما يقوله هؤالء الذين عزموا على الطالق، وهو عليم بمقاصدهم، ونياتهم؛ ولذلك الطالق منه ما يكون صريحا، ومنه ما يكون من قبيل الكناية، والكناية يسأل قائلها ماذا

أردت؟ فالله قد سمع قوله، وهو عالم بمقاصده، فال يستطيع اإلنسان أن يقول شيئا هو

خالف ما وقع في قلبه، فإن ذلك ال يغني عنه من الله شيئا، وإذا عرف العبد مثل هذا المعنى فإنه يكون عليه رقيب من نفسه على نفسه، فال يستطيع أن يتحيل

على القاضي، أو على المفتي؛ ليحصل فتوى، أو حكما يتفق مع ما يهواه. أما اقتران )السميع( بـ)البصير( فقد جاء ذلك في كتاب الله -تبارك وتعالى- في

}ليس كمثله شيء وهوأكثر من عشرة مواضع، كقوله -تبارك وتعالى-: ميع البصير{ }والله يسمع تحاوركما إن الله سميع، [11]الشورى:الس

.[1]المجادلة:بصير{ فهذان الوصفان السمع، والبصر يدالن على اإلحاطة، فال يخرج شيء من كونه

من جملة المسموعات، أو المبصرات، فالله -تبارك وتعالى- يسمع جميعاألصوات، ويرى جميع األشياء، الخفيات، والجليات فهذا كله يدل على اإلحاطة. وكما عرفنا أن كل اسم من أسماء الله -تبارك وتعالى- له معنى، أو معان، فاذا

اقترن مع غيره فإن ذلك يعطي وصفا ثالثا يؤخذ من هذا االقتران. ومن ثم فإن الله -تبارك وتعالى- قد أحاط بالخلق من كل وجه، يسمع كالمهم،

(، والمستطرف في كل فن مستطرف )ص:1/10)( انظر: ربيع األبرار ونصوص األخيار )8352.)

Page 5: files.zadapps.info€¦  · Web view[القمر:42]، فهو يمهل -تبارك وتعالى- ولا يهمل. الخامس من هذه الآثار: أن العبد إذا استشعر

ويرى شخوصهم، وأعيانهم، ال تخفى عليه منهم خافية، فهم تحت سمعه، وبصره،إذا تكلموا سمعهم، وإذا تحركوا فهو يشاهدهم.

وهنا -أيضا- مسألة، وهي أنه في جميع المواضع في كتاب الله -تبارك وتعالى- إذا جاء السميع مع البصير فإن السميع يكون مقدما عليه، سواء ذلك فيما يضاف إلى

الله -تبارك وتعالى-، أو فيما يضاف إلى غيره، في كل المواضع، سواء كان ذلكمع والبصر والفؤاد{بصيغة المصدر، أو الفعل، أو االسم، ]اإلسراء: }إن الس

، فهذا[46]طه: }إنني معكما أسمع وأرى{، فقدم السمع على البصر، [36بصيغة الفعل. }إنه هو، [1، والمجادلة:28، ولقمان:75، 61]الحج:}سميع بصير{ وكذلك أيضا

ميع البصير{ .[56، وغافر:1]اإلسراء:السفهذا يؤخذ منه بالنسبة لألوصاف من حيث هي، يعني: صفة السمع، والبصر - بصرف النظر عن إضافة ذلك إلى الله -تبارك وتعالى-، أيهما أكمل، وأشرف،

وأشمل السمع، أو البصر؟ العلماء -رحمهم الله- تكلموا على هذا.

والراجح وهو المشهور الذي عليه عامة أهل العلم: أن السمع أشرف، ومما يستدل به القائلون بذلك: أنه ال يذكر السمع في كتاب الله -تبارك وتعالى- مع

البصر إال ويقدم السمع عليه. وال يخفى أن البصر بالنسبة للمخلوقين: إنما يكون للمتشخصات، األشياء

المعاينة. أما السمع: فيسمع اإلنسان صوت الهواء، ويسمع أصوات األشياء البعيدة التي ال يراها، ويسمع صوت الزلزلة، ويسمع أصوات الناس، إلى غير ذلك، فهذا أشمل،

كما أنه يسمع من جميع الجهات. أما البصر: فإن اإلنسان، أو المخلوق ال يرى إال ما يتشخص أمام ناظره، وال يرى ما سوى ذلك، كما أن مدى البصر أضيق من مدى السمع -كما هو معلوم-، هذا

بالنسبة للمخلوقين. أما الله -تبارك وتعالى- فصفاته كاملة، وبصره محيط من كل وجه، كما أن سمعه

محيط من كل وجه، لكن ينظر في السياق في كل موضع مما يضاف إلى الله -جل جالله وتقدست أسماؤه.

}فإن زللتم منفأحيانا يكون ذلك في مقام الوعيد، والتهديد، قال تعالى-: ، هذه[209]البقرة:بعد ما جاءتكم البينات فاعلموا أن الله عزيز حكيم{

اآلية في سياق الوعيد، وإن لم يكن ذلك في السميع، البصير، لكن هذا من باب }من كان يريد ثواب الدنيا فعند اللهاإليضاح، والبيان، فالله –تعالى- يقول:

. [134]النساء: ثواب الدنيا واآلخرة وكان الله سميعا بصيرا{ فيكون في مثل هذه المقامات، أو في بعض هذه المقامات كأن الله يقول: هؤالء

بحسب ما يردون عليك، فإني أسمع ما يقولون، وما يقابلون به رسلي منالمقال، والكالم، والجواب، والرد، كما أني أبصر ما يفعلون.

ثم -أيضا- هؤالء الذين يخاطبون بالرسالة إنما يقولون كالما يجيبون به منخاطبهم، وأرسل اليهم، ثم -أيضا- يقابلون ذلك بالفعل.

فاذا قالوا: صدقت، فإن ذلك يستتبع الفعل، وانقياد القلب، وانقياد الجوارح، وإذا قالوا: كذبت، فهذا مقال يتبعه فعل القلب، وفعل الجوارح.

فقدم ما يتعلق بالسمع، )السميع(؛ ألنهم يجيبون بالقول أوال، ثم بعد ذلك يتبعونهبالفعل غالبا.

ولهذا قال الله -عز وجل- لموسى، وهارون -عليهما الصالة والسالم-، -حينما

Page 6: files.zadapps.info€¦  · Web view[القمر:42]، فهو يمهل -تبارك وتعالى- ولا يهمل. الخامس من هذه الآثار: أن العبد إذا استشعر

، أسمع ما[46]طه: }إنني معكما أسمع وأرى{ أرسلهما إلى فرعون-: يجيبون به، وما يتفوهون، وأرى ما يصدر منهم من األفعال.

ثم -أيضا- األفهام الفاسدة إنما يكون إنكارها أشد، يعني: إنكارها لسماع جميعاألصوات مع البعد أشد من اإلنكار للرؤية عن بعد.

ولهذا جاء في الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-، قال: "اجتمع عند البيت قرشيان، وثقفي -أو ثقفيان وقرشي- كثيرة شحم بطونهم،

قليلة فقه قلوبهم، فقال أحدهم: أترون أن الله يسمع ما نقول؟ قال اآلخر: يسمع إن جهرنا، وال يسمع إن أخفينا -الحظ السماع عن بعد، ما قالوا:

هل يرانا؟ إنما قالوا: هل يسمعنا؟-. .(9)وقال اآلخر: إن كان يسمع إذا جهرنا فإنه يسمع إذا أخفينا"

ومن هنا قال بعض أهل العلم: إنه قدم السمع على البصر؛ ألن اإلنكار فيه منذوي األفهام الفاسدة يكون أكثر.

ويمكن أن يقال: إن أعظم الجوارح فتكا، وأثرا -وهي أكثر ما يصدر عنه ما يتصل ))وهل يكب الناسبالحساب، والجزاء- هو اللسان، قال -عليه الصالة والسالم-:

،(10)على مناخرهم، أو على وجوههم في النار يوم القيامة إال حصائد ألسنتهم؟!((فقدم السمع على البصر ربما يكون في بعض المواضع لذلك، والله تعالى أعلم.

هذه أجوبة ذكرها بعض أهل العلم. بعد ذلك ما وجه االقتران بين السميع، والقريب كما في قوله -تبارك وتعالى-:

}قل إن ضللت فإنما أضل على نفسي وإن اهتديت فبما يوحي إلي ، سميع، قريب، فالله -تبارك وتعالى- يسمع[50]سبأ: ربي إنه سميع قريب{

}وإذا سألك عبادي عنيما يصدر عن العباد، وهو قريب منهم، فإن دعوه فهو قريب من[186]البقرة: فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان{

الداعين، وهذا هو القرب الخاص، يجيب دعاءهم. وكذلك حينما يتفوه اإلنسان بما ال يرضي الله -تبارك وتعالى- فإن الله قادر على

أخذه، ال يحتاج إلى وقت، وزمان حتى يوصل إليه، وإنما يأخذه الله -تباركوتعالى- في أقل من طرفة عين، وهو قادر على أن يهتكه، وأن يفضحه، والله -

}فاستغفروه، ثم توبوا إليه إن ربي قريب مجيب{تبارك وتعالى- يقول: .[61]هود:

فجمع بين القرب، واإلجابة، فإذا رجع العبد إلى ربه، وتاب، وأناب، واستغفر وجد الله قريبا منه، والله -تبارك وتعالى- كما هو معلوم- مع قربه إال أنه عال على

خلقه، مستو على عرشه. بعد ذلك يأتي الكالم على البصير من ناحية اقترانه ببعض األسماء الحسنى.

أما اقترانه بالسميع فقد مضى الكالم عليه، كما أنه يأتي مقترنا بالخبير، وذلك أن الله -تبارك وتعالى- بصير، بصره نافذ في الخلق، ال تخفى عليه منهم خافية، وهو

عالم بمخبآتهم، وخفاياهم، وما ال يظهر من أحوالهم؛ ألن الخبير يعني: أنه الذي يعلم بواطن األشياء، فالله يرى جميع المبصرات، كما أنه يعلم الخفايا، والخبايا،

}وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم)( أخرجه البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب 9 (، ومسلم، كتاب صفات المنافقين4817[، برقم )23 ]فصلت:فأصبحتم من الخاسرين{

(.2775وأحكامهم، برقم ) )( أخرجه الترمذي في السنن، أبواب اإليمان عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، باب10

(، والنسائي في السنن الكبرى، سورة السجدة، قوله –2616ما جاء في حرمة الصالة، برقم ) }فال تعلم[، وقوله –تعالى-: 16 ]السجدة: }تتجافى جنوبهم عن المضاجع{تعالى-:

(. وقال الترمذي:11330[، برقم )17 ]السجدة: نفس ما أخفي لهم من قرة أعين{(.3/115هذا حديث حسن صحيح، وصححه األلباني بمجموع طرقه، انظر: السلسلة الصحيحة )

Page 7: files.zadapps.info€¦  · Web view[القمر:42]، فهو يمهل -تبارك وتعالى- ولا يهمل. الخامس من هذه الآثار: أن العبد إذا استشعر

والبواطن. فإذا كان الله -تبارك وتعالى- يبصر العباد، ال يخفى عليه من أمرهم قليل، وال

كثير، وهو أيضا -جل جالله وتقدست أسماؤه- يعلم بواطنهم، وخفاياهم، فإلى أينالمفر؟.

الفرار إلى الله -تبارك وتعالى- بمراقبته، كما سيأتي في الكالم على اآلثار. وهذه األسماء تدل على إحاطة علم الرب -جل جالله- بأحوال الخلق، ما يرى،وما يسمع، وما يصدر عنهم من األفعال، والمزاوالت، كل ذلك قد أحاط الله -

مع وهوتبارك وتعالى- به، وهذا فيه تنبيه }لمن كان له قلب، أو ألقى الس، بأن يراقب ربه، وأن يكون عليه حسيب من نفسه. [37]ق:شهيد{

رابعا: ما يدل عليه هذان االسمان الكريمان: السميع يدل بداللة المطابقة على صفة السمع، وكذلك البصير يدل على ذات الله

-تبارك وتعالى-، وعلى صفة البصر. وبداللة التضمن: تكون الداللة متوجهة إلى أحدهما، يعني: الذات، أو الصفة.

وأما بداللة االلتزام: فإن ذلك والبد حينما يكون سميعا بصيرا يدل على الحياة،وكذلك العلم، واإلحاطة، وما إلى ذلك من أوصاف الكمال.

وداللة اللزوم تقدم الكالم عليها، لكن الناس يتفاوتون فيها، وفي معرفة ما ينطوي تحتها في كل اسم بحسب ما يكون عندهم من العلم، والمعرفة في هذا

الباب، يعني: من جهة اللزوم الذي يكون من إثبات هذه الصفة، أو تلك، وقد تكلم. (11)الحافظ ابن القيم -رحمه الله- على هذا المعنى بكالم يحسن مراجعته

}قد سمعوصفة السمع لله -تبارك وتعالى- جاءت بصيغ متعددة، قال تعالى-: ، بصيغة الفعل، وهذا يثبت الصفة، بل هو[1]المجادلة:الله قول التي تجادلك{

،[1]المجادلة: }قد سمع الله{من أصرح ما يثبتها، جاء بصيغة الماضي، ، وهو -تبارك[1]المجادلة:}يسمع تحاوركما{ والمضارع، واسم الفاعل،

، هذا كله في[1]المجادلة:}إن الله سميع بصير{ وتعالى- أيضا سميع، بصير، آية واحدة.

خامسا: أثر اإليمان بهذين االسمين الكريمين: فأول ذلك: أن ندعو الله -تبارك وتعالى- بهذه األسماء، والدعاء على نوعين:

دعاء المسألة، ودعاء العبادة. أما دعاء المسألة: فيكون اإلنسان مضمنا لدعائه ذكر هذه األسماء الحسنى في

}وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيتكل موضع، بحسب ما يناسبه، ميع العليم{ ، فهو[127]البقرة:وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت الس

سميع ألقوالهم، ولدعائهم. وهو -أيضا- يجيب دعاء الداعين، وهو عليم بأحوالهم، ومقاصدهم، ونياتهم،

وأعمالهم، والجهود التي بذلوها، واألعمال التي زاولوها. }إذ قالت امرأت عمران رب إني نذرت لكوهكذا في قيل امرأة عمران:

ميع العليم{ را فتقبل مني إنك أنت الس ]آل عمران: ما في بطني محر35].

}هنالك دعا زكريا ربه قالوهكذا في دعاء زكريا -صلى الله عليه وسلم-: ية طيبة إنك سميع الدعاء{ . [38]آل عمران:رب هب لي من لدنك ذر

إذن هذا دعاء المسألة، تقول: رب إنك تسمع مقالي، وتبصر حالي فارفع ما بي من ضر، واغنني من الفقر، اغفر ذنبي، ارحمني، تقبل توبتي, إلى غير ذلك مما

يدعو العبد به ربه. (.1/54)( راجع: مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد، وإياك نستعين )11

Page 8: files.zadapps.info€¦  · Web view[القمر:42]، فهو يمهل -تبارك وتعالى- ولا يهمل. الخامس من هذه الآثار: أن العبد إذا استشعر

أما دعاء العبادة فيندرج تحت ذلك أمور متعددة: فأولها: أن يثبت العبد هذه األسماء لله -تبارك وتعالى- وما تضمنته من األوصاف، نثبت لله سمعا، وبصرا يليقان بجالله، وعظمته، وهذه من أوصاف الكمال، والبد،

}قل هل يستوي األعمى والبصير أفالكما قال الله -تبارك وتعالى-: }مثل الفريقين كاألعمى واألصم والبصير، [50]األنعام:تتفكرون{

رون{ ميع هل يستويان مثال أفال تذك .[24]هود:والس وقال إبراهيم -صلى الله عليه وسلم- منكرا على قومه حيث عبدوا األصنام التي

}لم تعبد ما ال يسمع وال يبصر وال يغنيال تسمع، وال تبصر، يقول ألبيه: . [42]مريم: عنك شيئا{

}ألهم أرجل يمشون بهاوكذلك وبخ المشركين حينما عبدوا األصنام، فقال: . [195]األعراف:أم لهم أيد يبطشون بها أم لهم أعين يبصرون بها{

فنحن نثبت هذه األسماء، وما تضمنته من هذه األوصاف الكاملة لله -تباركوتعالى.

ثانيا: أن ذلك يبعث على المراقبة لله -جل جالله وتقدست أسماؤه- حيث يستوي عنده السر، والعالنية، ومن يختفي ويتوارى من أعين الناس، ومن يفعل ذلك

}سواء منكم من أسر القول ومن جهر بهبجالء، ويجاهر بذنبه، ومعصيته، }ألم تر أن الله، [10]الرعد:ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار{

موات وما في األرض ما يكون من نجوى ثالثة إال هو يعلم ما في الس رابعهم وال خمسة إال هو سادسهم وال أدنى من ذلك وال أكثر إال هو

معهم أين ما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل. [7]المجادلة: شيء عليم{

وكان اإلمام أحمد -رحمه الله- كثيرا ما يردد: إذا ما خلوت الدهر يوما فال تقل *** خلوت ولكن قل علي رقيب

(12)وال تحسبن الله يغفل ساعة *** وال أن ما يخفى عليه يغيب

ومن ثم فإن اإلنسان إذا أراد أن يتكلم فإنه يستشعر أن هذا الكالم يسمعه ربه -تبارك وتعالى- وأن الملك يكتبه.

وإذا أراد اإلنسان أن يكتب شيئا فإنه يستشعر أن ذلك يقع في صحيفة الملك قبل أن يقع في هذا الكتاب، أو هذا الورق، أو هذه الوسائط التي نتعامل، ونتواصل

بها، فينبغي علينا أن نزن الحرف، ال تكتب إال ما تحاسب عليه نفسك تماما، هلهذا صدق، أو كذب؟

هل هذا يراد به وجه الله -تبارك وتعالى-، أو يراد به الرياء، والسمعة؟ هل هذا الكالم فيه مصلحة، أو ليس فيه مصلحة؟

هل ينشأ عنه ضرر، أو ال ينشأ عنه ضرر؟ هل هذا الكالم مما يحبه الله -تبارك وتعالى- ويثيب عليه، أو أن هذا الكالم مما

يسخطه؟ هذه أمور يحتاج العبد أن يقف عندها.

إذا أراد أن ينظر، إذا أراد أن يفعل فعال، إذا أراد أن يتعبد، إذا أراد أن يصف قدميه ليصلي فإنه يتذكر أن الله -تبارك وتعالى- يراه، وهذا يورث أمورا كثيرة مما

يتصل بالنشاط للعبادة، وكذلك -كما سيأتي- اإلخالص لله رب العالمين. هذا عبد الله بن أحمد بن داسة البصري، يقول: إنه جاء رجل من الجند، فأخذ

امرأة بالقوة، وجعل يجذبها، ويجرها مع جنوده، وأعوانه، فقام الجيران ليخلصوها، فقام هؤالء الجند، فضربوهم، وحالوا بينهم وبين هذه المرأة، فأدخلها في بيته، فدافعته، فتمكن منها، فلما قعد منها مقعد الرجل من المرأة، وغلق األبواب،

(. 551)( انظر: الجليس الصالح الكافي واألنيس الناصح الشافي )ص: 12

Page 9: files.zadapps.info€¦  · Web view[القمر:42]، فهو يمهل -تبارك وتعالى- ولا يهمل. الخامس من هذه الآثار: أن العبد إذا استشعر

قالت: يا هذا بقي باب واحد لم يغلق، فأغلقه. قال: أي باب؟

قالت: الذي بينك وبين الله، -غلق األبواب التي بينه وبين المخلوقين-، فهذا الرجل هزته هذه الكلمة، فكانت موعظة بليغة، فقال لها: اخرجي قد فرج الله

عنك، ولم يتعرض لها. هذه يحتاج العبد أن يتذكرها حينما يغلق األبواب، ويخلو بمعصية الله -تبارك

وتعالى. تعجبني كلمة أرسلها أحد اإلخوان الظرفاء قبل أيام، أن رجال من كبار السن

الذين ال يعرفون القراءة، وال الكتابة، يقول: إنه سئل عن التقوى، والصحيح أن هذا أعلق بالمراقبة، سئل عن التقوى، ولنقل: سئل عن المراقبة، فقال: "التقوى

ويش حالك -بلغته العامية- إذا كنت لحالك؟". كلمه معبرة، يعني: ما حالك إذا كنت وحدك؟

هذه هي التقوى، ويش حالك إذا كنت لحالك؟ إذا انفردت، إذا خلوت ما حالك؟، تقوم، وتتوضأ، وتصلي، وتعبد، وتذكر إلى آخره،

تنشط للعبادة؟ هل تتفرغ للمعاصي؟

هل هذه فرصة لمزاولة ما ال يليق مما يسخطه الله -تبارك وتعالى- مما يكون مناآلثام؟

هذه كلمة من رجل لم يتعلم، وال درس في الجامعات، وال سمع كثيرا منالدروس، والمحاضرات، لكنها كلمة بليغة، ومعبرة.

الثالث من هذه اآلثار: أن يلجأ العبد إلى ربه، وفاطره في حاجاتها كلها، أن يضرع إلى الله -تبارك وتعالى-، أن يتوجه بكليته، بقلبه، وجوارحه، ولسانه إلى فاطره،

ومعبوده. فالله -تبارك وتعالى- يراه، ويسمع كالمه، فإذا كان للعبد حاجة فإنه ال يتوجه إلى المخلوقين، وينتظر عائدتهم، وإحسانهم، وإنما يتوجه إلى الخالق الذي بيده أزمة

األمور. ولهذا كان األنبياء -عليهم الصالة والسالم- يتوجهون إلى الله -تبارك وتعالى-

}وإذا سألك عبادي عني فإني قريببدعائهم، وسؤالهم، والله يقول: .[186]البقرة: أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي{

}ربناوهذا إبراهيم -صلى الله عليه وسلم- مع إسماعيل -عليه الصالة والسالم-: ميع العليم{ ، هذا في فعل طاعة من[127]البقرة:تقبل منا إنك أنت الس

}ربنا تقبل مناأجل الطاعات، وقربة من أفضل القربات، بناء البيت، ويقول: ميع العليم{ . [127]البقرة:إنك أنت الس

}الحمد لله الذي وهب لي علىويقول إبراهيم -صلى الله عليه وسلم-: . [39]إبراهيم:الكبر إسماعيل وإسحاق إن ربي لسميع الدعاء{

فالله ال يخيب من رجاه، إذا كان اإلنسان يريد الولد، لم يرزق بأوالد فليتوجه إلىالله -تبارك وتعالى-؛ ألنه هو الذي يملك ذلك.

إذا كان العبد بحاجة إلى المال، أصابه الفقر فيتوجه إلى الله؛ ألن الله سميعالدعاء.

إذا كان أصابه الضر، والمرض فإن الشفاء ال يملكه األطباء، وإنما يملكه الله -تبارك وتعالى-، فليتوجه إليه ضارعا يسأله، والله ال يخيب من رجاه.

وانظروا أدب زكريا -صلى الله عليه وسلم- حينما قال مقدما بين يدي دعائه:.[4]مريم:}ولم أكن بدعائك رب شقيا{

يقول-على أحد المعنيين-: يا رب عودتني اإلجابة، لم أشق بدعائك في سالف

Page 10: files.zadapps.info€¦  · Web view[القمر:42]، فهو يمهل -تبارك وتعالى- ولا يهمل. الخامس من هذه الآثار: أن العبد إذا استشعر

ا األيام، وما مضى من الدهور، واألعوام، ما سألتك إال وأعطيتني، فلم أكن شقي حينما كنت أتوجه إليك، وأضرع إليك، وأسألك، فهكذا ينبغي أن يكون العبد متوجها

إلى الله، مع إحسان الظن به، لطالما دعوناه فأعطانا، وأجابنا، ولكن العبد.[8]الزمر:}نسي ما كان يدعو إليه من قبل{ سرعان ما ينسى:

، لما نذرت ما في[35]آل عمران:}فتقبل مني{ وهكذا امرأة عمران، قالت: ميع العليم{ بطنها، .[35]آل عمران:}فتقبل مني إنك أنت الس

.[38]آل عمران:}إنك سميع الدعاء{ وزكريا لما دعا ربه بالذرية، قال: وهكذا يوسف -صلى الله عليه وسلم- دعا ربه أن يخلصه من كيد النسوة

ميع العليم{ ]يوسف:}فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن إنه هو الس34].

لذلك اإلنسان ال يعتمد على قدراته، وإمكانياته، ويقول: أنا تربيتي تربية ذات أسس صحيحة، ودعائم قويمة، أنا ال أخشى على نفسي، ال، يبتعد عن مواطن

الفتن، ويسأل ربه أن يصرف عنه الشرور، واآلثام، والفتن ما ظهر منها وما بطن. }ربنا تقبل مناوهكذا حينما يتوجه اإلنسان في عمل صالح قد عمله، ويقول:

ميع العليم{ ينبغي أن يعرف، وأن يدرك ما تحت[127]البقرة:إنك أنت الس هذه الكلمات التي يدعو بها، السميع تسمع دعائي، العليم بما قام في قلبي، فإذا

ميع العليم{ كان في قلبه غير اإلخالص فكيف يقول: ]البقرة:}إنك أنت الس ، إذا كان هذا العمل لم يرد به وجه الله -تبارك وتعالى- هل[35، وآل عمران:127

ميع العليم{ يستطيع العبد أن يقول: ]البقرة:}ربنا تقبل منا إنك أنت الس؟ [127

فهذا كله يحمله على اإلخالص لله -تبارك وتعالى-، كما سيأتي. وهكذا حينما تتسلط عليه الشياطين بالوساوس، والخواطر السيئة؛ ألن الشيطان

يطان لكم عدو فاتخذوه عدوا{عدو كما قال الله -عز وجل-: }إن الش ، يعني: أن تتعامل معه(13)، وكما قال الحافظ ابن كثير -رحمه الله-[6]فاطر:

تعاملك مع عدوك اللدود الذي يكيد لك بكل طريق مستطاع، فإذا كان األمر كذلك فكما سبق أن اإلنسان إذا فتح نافذة -ولو صغيرة- للشيطان، لعدوه إبليس،

تسلط عليه بألوان الخواطر، والوساوس، فيلقي في قلبه كثيرا من األوهام. قد يكون أصل المشكلة صغيرا، أو محدودا، ولكنه يلقي في قلبه من األوهام أمثال الجبال، حتى يتكدر عيشه، وتتنغص حياته، فمن الذي يصرف عنه هذه

األمور التي تتعاظم في قلبه حتى إنه لربما يتمنى الموت على الحياة؟ ، الذين جربوا -نسأل الله العافية للجميع- عرفوا حقيقة ما وليس الخلي كالشجي

أقول، يتكدر على اإلنسان كل شيء فال يلتفت للمراكب الجيدة، والمساكن الفارهة، واألثاث الوثير، واألموال، وما إلى ذلك، يزهد بهذا جميعا، فال يجد للطعام

طعما، وال للنوم معنى.يطان نزغفأقول: يحتاج العبد أن يلجأ إلى الله، ا ينزغنك من الش }وإم .[200]األعراف:فاستعذ بالله إنه سميع عليم{

الحظ في شياطين الجن: سميع عليم؛ وذلك أن هذا العدو من شياطين الجن النراه، فنستعيذ بالسميع العليم الذي يعلم كيده، وشره.

فالله يسمع االستعاذة، وهو عليم بحال هذا المستعيذ، وما يالقيه، ويعانيه، وهو عليم بحال عدوه الذي يكيد له، إذا علم العبد أن ربه سميع عليم فإنه يقوى قلبه

على مدافعة هذه الخواطر، والوساوس، وما يلقيه الشيطان في قلب العبد. فالمقصود أن وساوس الشيطان هي من قبيل الخواطر التي يلقيها في القلب،

وهذا شيء ال يرى، وهؤالء الشياطين ال نراهم، وإنما نعلم بوجودهم، ويعلم(. 6/534)( انظر: تفسير ابن كثير )13

Page 11: files.zadapps.info€¦  · Web view[القمر:42]، فهو يمهل -تبارك وتعالى- ولا يهمل. الخامس من هذه الآثار: أن العبد إذا استشعر

اإلنسان ذلك من نفسه حينما تقع هذه الوساوس في قلبه؛ ولذلك جاءت االستعاذة من شياطين الجن مختومة بهذين االسمين: )السميع(، و)العليم( كما

في سورة األعراف، وفي سورة فصلت. }إن الذينأما ما يتعلق بكيد اإلنس، وأذاهم كما في قوله -تبارك وتعالى:

يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم إن في صدورهم إال كبر }إنه هو، هؤالء من اإلنس، [56]غافر:ما هم ببالغيه فاستعذ بالله{

ميع البصير{ . [56]غافر:الس فهؤالء نشاهدهم، ونراهم، ويخالطوننا، فجاء ذكر البصير فيما يتصل باإلنس،

وفيما يتعلق بالجن أصحاب الخطرات، والوساوس )السميع العليم(، هذه فائدة. (14)ذكرها الحافظ ابن القيم -رحمه الله-

الرابع من هذه اآلثار: أن العبد إذا أيقن أن ربه سميع بصير، هان عليه ما يلقى من المشاق، واآلالم، والتعب في العبادة، وهان عليه ما يلقى من األذى من

الناس. هذا الذي يستشعر أنه تحت سمع الله، وبصره حينما يمشي في طاعة الله -

تبارك وتعالى- حينما يتعب، ويكدح، وينهك سواء كان في مزاوالت في الحج، أو كان ذلك في غيره، كالجهاد، ما يصيبه من األذى، والجراح، الجوع، العطش، حينما

يصوم فيجوع، ويعطش في أيام الصيف الطويلة، الحارة. حينما يستشعر أن الله سميع، وأنه بصير يراه، ويسمع كالمه، وما يقول، وما

يصدر عنه فإنه ينسى هذا التعب، وال يتعاظم ذلك في نفسه، وال يتغير، بل تتغير أخالقه حينما يقوم بمثل هذه األعمال الشاقة، من الناس من إذا صام تغيرت حاله، وأخالقه، وإذا حج تغيرت أخالقه، وهكذا في األمور التي لربما يلحقه بها

كثير من المشقات. فإذا عرف العبد أن ربه يراه، ويسمع كالمه، إذا كان المخلوق حينما يستشعر أن

رئيسه يراه وهو يقوم بهذه األعمال ينشط، ولربما ال يشعر بالتعب، أو يتلذذبالتعب.

فالله -تبارك وتعالى- هو العظيم األعظم، فهذا ينسينا التعب. حينما يقوم اإلنسان من الليل يغالب النوم، ويتوضأ، ويصلي، هو يستشعر أن الله

يراه، ويسمع ذكره، وقراءته، فهذا ينسيه لذة النوم، ويهون عليه ما يلقاه من المكابدة، والمصابرة في مزاولة هذه األعمال، وهكذا حينما يلقى اإلنسان األذى

من المخلوقين فإنه يتذكر أن الله يسمع، ويرى. }ال تخافا إنني معكماالله يقول لموسى وهارون -عليهما الصالة والسالم-:

. [46]طه:أسمع وأرى{ فإذا استشعر العبد مثل هذا رفع رأسه عاليا؛ ألن الله يسمع، ويرى، يسمع ما تقولون، ويرى ما تفعلون، ويسمع ما يجيبكم به، وما يصدر عنهم من األفعال،

هم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم }أم يحسبون أنا ال نسمع سر. [80]الزخرف:يكتبون{

إذا كان اإلنسان يؤمن بهذا حقيقة فال يمكن أن يصدر منه شيء من األذى إلخوانه المسلمين، أو الكيد ألهل اإليمان، أو لهذا الدين، ولكن ذلك يكون حينما تضعف

هذه المعاني التي هي من جملة اإليمان، فإن اإليمان -كما هو معلوم- يشمل ذلكجميعا، وهذا من أعظم ما يقويه، ويثبته في القلوب.

وهكذا لما عرض النبي -صلى الله عليه وسلم- نفسه على القبائل، يدعوهم إلى. (15)))إن الله قد سمع قول قومك لك((اإلسالم جاء في الحديث:

(. 2/239)( انظر: بدائع الفوائد )14 )( أخرجه البخاري، كتاب بدء الخلق، باب إذا قال أحدكم: آمين والمالئكة في السماء آمين15

Page 12: files.zadapps.info€¦  · Web view[القمر:42]، فهو يمهل -تبارك وتعالى- ولا يهمل. الخامس من هذه الآثار: أن العبد إذا استشعر

فيبقى اإلنسان غير هياب، يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، وينصح لمن أساء، وقصر؛ ألن الله يسمع، ويرى، وال يتعاظم في نفسه كيد األعداء مهما بلغ؛ ألن

الله يسمع، ويرى، وهو بما يعملون محيط، ومن ثم فإنه ال يقترح على الله، ويتقدم بين يديه، فالله يسمع كالمهم، ويطلع من أحوالهم على ما لم نطلع على

عشر معشاره، ومع ذلك يمهلهم، ويؤخرهم لحكمة يعلمها، ثم بعد ذلك إذا أخذهم، فهو يمهل -تبارك وتعالى- وال يهمل. [42]القمر:}أخذ عزيز مقتدر{ أخذهم

الخامس من هذه اآلثار: أن العبد إذا استشعر أن الله يسمع، ويرى فإنه يكون مخلصا لربه، وخالقه -تبارك وتعالى-، يعلم أن الله يعلم ما في قلبه، يعلم إلى أين

يلتفت هذا القلب. كثير من األشياء تنطلي على الناس، ولكن ذلك ال يجري، وال يفوت الله -تبارك وتعالى-، فهو يعلم هذه النفوس، وما يدور فيها، هناك أشياء لربما تكون خفية،

ولكن الله يعلم مقاصد العباد فيها. كنت أتساءل في نفسي كثيرا، هل يستطيع اإلنسان أن يرسل في ساعة متأخرة

رسالة إلى أحد من الناس، دعاء مثال، وأتذكر كالما لبعض السلف حينما لدغ، قال: "أيكم رأى الكوكب الذي انقض البارحة؟ ثم قال: أما إني لم أكن في صالة،

. (16)ولكني لدغت" يقول: أنا رأيت الكوكب، لكن ما كنت في صالة، لكني لدغت، فأنظر في مثل

هذا، مع إمكان إرسال رسالة ألحد في وقت األسحار، فيقول: أسأل الله لك كذا،وكذا.

أنا ال أقول أبدا: إن من يفعل هذا نيته مختلة، إطالقا، الله هو الذي يعلم، لكنيصعب مع هذا ضبط المقاصد.

أنا ال يمكن أن تأتيني رسالة، وأظن بصاحبها غير الحسن من النيات والمقاصد،أبدا، ال أظن غير هذا، لكني أقول: يصعب ضبط النية، يصعب ضبط القلب.

نية اإلنسان تتقلب عليه بال شيء، فكيف مع هذه األشياء، وقبل أيام اكتشفتشيئا ما كنت أعرفه في هذه المحادثات )الواتس آب(.

كان جهازي باإلنجليزي، وأنا ال أعرف شيئا في اإلنجليزي، فتبين لما ترجم، وضع بالعربي أنه فيه أوقات االتصال، آخر دخول، وقت الدخول، متصل اآلن، يكتب إلى

آخره، أشياء كانت باإلنجليزي، ما كنت أعرف ما هي. فمعنى ذلك أنه إذا أرسل، أو فتح الجهاز فقط -ما هو أرسل- يمكن أن يعرف

متى دخل. فأنا أقول: يمكن لإلنسان أن يقرأ الرسائل، ثم بعد ذلك يدخل في وقت آخر،

ويفتح الجهاز، فيكون آخر دخول مع صالة أو مع أذان الفجر. هذه األمور دقيقة، ولكنها ذات معان عميقة إذا علم العبد أن ربه سميع بصير

يخاف ويراقب أفعاله وأقواله. أنا أعظ نفسي بهذا الكالم الذي أقوله لكم: نحن جميعا بحاجة إلى هذا، إذا كانت

مثل هذه األمور الدقيقة قد تخفى على الخلق، والله أعلم بمقاصد الناس، اإلنسان قد ال يقصد هذا، لكن إذا كان يقصده فهؤالء لن يغنوا عنه من الله شيئا،

فيفوته ثواب العمل، ويكون عليه من الوزر، فيقع في الشرك األصغر، فنحتاجدائما إلى أن نالحظ هذه األعمال.

[، ومسلم،114( ]ص:3231فوافقت إحداهما األخرى غفر له ما تقدم من ذنبه، برقم ) كتاب الجهاد والسير، باب ما لقي النبي -صلى الله عليه وسلم- من أذى المشركين

(. 1795والمنافقين، برقم ) )( أخرجه مسلم، كتاب اإليمان، باب الدليل على دخول طوائف من المسلمين الجنة بغير16

(.220حساب، وال عذاب، برقم )

Page 13: files.zadapps.info€¦  · Web view[القمر:42]، فهو يمهل -تبارك وتعالى- ولا يهمل. الخامس من هذه الآثار: أن العبد إذا استشعر

الله سميع عليم، هذا الذي يحج، ويأتي، ماذا يريد بهذا العمل؟ هل يريد زيادة في العداد أنه وصل الحجة العاشرة، أو األربعين، أو الخمسين، أو

السابعة والعشرين هو يريد هذا؟ أو أنه مخبت يريد ما عند الله، وال يحسب أصال هذه األشياء؟، وقل مثل ذلك في كثير من ألوان التكثر الذي نتكثر به مع نيات قد تكون مختلة، فهذا من أعظم ما

ينمي اإلخالص في قلوبنا. الله سميع وعليم، يعلم بعملك، إذن ال داعي للمخلوقين، وهو سميع، بصير يراك،

ويعلم، ويسمع كالمك، فيعلم ما تريد من هذا الكالم، أو من هذا الفعل، فهذهأشياء ال تخفى على الله -جل جالله.

فقضية اإلخالص قضية كبرى، هي التي يترتب عليها قبول األعمال، والنجاة عند }الذي يراك حين تقوم * وتقلبكالله -تبارك وتعالى-، والفوز بالدار اآلخرة،

اجدين{ . [219]الشعراء:في الس إذا وصل المؤمن إلى هذه الحقيقة بعد ذلك يكون ظاهره، وباطنه سواء، يستوي

الظاهر والباطن، ما عنده شيء يمكن أن يجده في صحيفة أعماله مما يخالف هذا االعتقاد، وإن بدر منه شيء فإن اإلنسان ال يخلو، يبادر بالتوبة؛ ألنه يعلم أن

الله سميع بصير. ))أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكنومن هنا يصل العبد إلى مرتبة اإلحسان:

، فيكون دائما يالحظ حركات هذا القلب، وتوجه هذا القلب،(17)تراه فإنه يراك(( فتكون عباداته على الوجه المرضي، تكون هذه العبادات على درجة من اإلخالص،

ومراقبة الله -عز وجل- فيها. يراقبه في نيته، وقصده، كما يراقبه -أيضا- في صفة القيام بهذا العمل، يأتي به

على الوجه المشروع، الله سميع، بصير. ليست القضية أن نحج، ونأتي لنتحدث أننا قد اختصرنا هذا الحج بأضيق نطاق

ممكن من الوقت، وجئنا قبل الناس، ووصلنا مزدلفة قبل الناس، ورمينا الجمارقبل الناس، هل هذا هو المطلوب؟

وإذا جئت قبل الناس، ووصلت قبل الناس، ورميت قبل الناس، وإلى آخره،والنتيجة إذا كان يقال للبعيد: ال لبيك، وال سعديك، ما الفائدة؟

، فهذا هو المهم األعظم الذي[2، والملك:7]هود:}ليبلوكم أيكم أحسن عمال{ }خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عمال{خلق الخلق من أجله،

، العبرة بإحسان العمل، وهذا اإلحسان في العمل ال يكون إال بمقاصد[2]الملك: صحيحة أي النيات الصالحة مع اإلتيان بالعمل على وجه صحيح، هذا هو

المطلوب، حجة واحدة تزيد على خمسين حجة ليست كما ينبغي، حجة واحدة فيها إخبات، وإخالص، ومتابعة أفضل من خمسين حجة مقصود صاحبها هو

. }ليبلوكم أيكم أحسن عمال{الخالص بأي طريق كان، وليس اإلخالص السادس من هذه اآلثار: إذا علم العبد أن الله سميع بصير فإنه عند ذلك يطمئن إلى رزقه، وقسمه، وقضائه، وعطائه، ومنعه، فإذا كان لم يعط كثيرا من الدنيا

فإنه يعلم أن الله سميع، بصير، ما نسي. المخلوق قد ينساك، قد يغفل، فإذا ذكرته قال: هال ذكرتني، أما الله -عز وجل-، فال يغفل، وال ينسى، يعلم مكانك، وحالك، وحاجتك، فحينما يمنع العبد فإن ذلك

زق لعباده لبغواعن علم، وهو أدرى بما يصلح الخلق، }ولو بسط الله الر. [27]الشورى:في األرض{

فقد يطغيه هذا العطاء، والغنى، قد يمنع هذا من األبناء الذكور، فيكون ذلك هو )( أخرجه البخاري، كتاب اإليمان، باب سؤال جبريل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن17

(. 8(، ومسلم، كتاب الطهارة، برقم )50اإليمان، واإلسالم، واإلحسان، وعلم الساعة، برقم )

Page 14: files.zadapps.info€¦  · Web view[القمر:42]، فهو يمهل -تبارك وتعالى- ولا يهمل. الخامس من هذه الآثار: أن العبد إذا استشعر

عين المصلحة له، قد يمنع من الذرية بالكلية، فيكون عين المصلحة له، الله مانسيه، سميع بصير، يعلم حاله، اختار له هذا.

اختار لهذه المرأة أن ال تتزوج، بقيت، ال ينقصها شيء، ولكن الله -عز وجل- قدر لها هذا عن علم، وكم من امرأة تزوجت فشقيت، فالزواج ليس هو نهاية

المطاف. كم من امرأة كانت نهاية حياتها بسبب هذا الزواج، كم من امرأة كانت شقية، تتمنى الموت بسبب هذا الزواج، كم من امرأة ذهب دينها بسبب هذا الزواج، فالله يختار لعبده، فال ينبغي أن يكون لنا اختيار مع اختيار الله -تبارك وتعالى-

.[30]اإلسراء:}إنه كان بعباده خبيرا بصيرا{ ولذلك ينبغي على العبد أن يكثر من سؤال الله -عز وجل-، الهداية، فإن الله -

تبارك وتعالى- يعلم أحوال الخلق، ومن يختاره للهدى، ومن يكون من أهلالضالل، والردى.

السابع من هذه اآلثار: أن استشعار هذه األسماء، وما تضمنته من األوصاف يبعث على الحياء من الله حق الحياء، فيحفظ اإلنسان جوارحه عن كل ما ال يليق

باإلنسان. اإلنسان قد يتكلم بكالم، فيدخل داخل ممن يستحيا منهم، فيتلون وجهه، ويقع في

حرج، أو يقال: ترى فالن سمعك، فيقع في حرج. الله يسمع، فال يتكلم اإلنسان إال بما يجمل، وما يليق، حينما يستشعر األفعال

التي يفعلها، لو يفعل بعض األشياء، فيقال: فالن كان ينظر إليك، فهنا يقع له منالحرج ما الله به عليم، أليس الله -عز وجل- أحق أن يستحيا منه؟ وهكذا.

الثامن: األنس بالله -تبارك وتعالى-، يأنس العبد بربه، إذا استشعر أن الله يراه،وأنه يسمعه فإنه ال يستوحش.

حينما يكون منفردا، حينما يخلو، يبتعد عن الناس، سواء كان ذلك باختياره،وطوعه، أو كان ذلك بغير اختياره، ولو بقي مدة طويلة منفردا فإنه يأنس بربه -

تبارك وتعالى- ومن ثم ال يصيبه شيء، تقع في قلبه المخاوف، ويتالعب بهالخلق، وتنكسر نفسه فيقهر، ويذل إذا كان ذلك بفعل المخلوقين.

كذلك إذا كان ذلك باختياره هو فإنه ال يستوحش، هذا حبيب أبو محمد، كان يخلو في بيته، وكان يقول: من لم تقر عينه بك فال قرت عينه، ومن لم يأنس بك فال

أنس. وقيل لمالك بن مغول -وهو جالس في بيته وحده-: أال تستوحش؟

"(18)فقال: "ويستوحش مع الله أحد؟! ويقول مسلم بن يسار: "ما تلذذ المتلذذون بمثل الخلوة بمناجاة الله -عز

. (19)وجل" ومحمد بن المنكدر كان يقول: "إني أل دخل في الليل فيهولني فينقضي، وما

، يقول ما شبعت من مناجاة الله -عز وجل-؛ ألنه يأنس(20)قضيت منه إربي"بالله.

، ففي السابق ما عندهم مثل(21)وبعض السلف كان يقول: إني ألفرح بالظالم هذه األنوار، وال عندهم مثل هذه الوسائل إذا جاء المغرب خيم الظالم في كل

ناحية، وتغير وجه األرض، فكان هذا يفرح بالظالم؛ ألنه يخلو بربه -تبارك وتعالى-يصلي، ويدعو، ويناجي ربه -جل جالله.

(.16)( انظر: العزلة للخطابي )ص: 18(. 31)( انظر: الفوائد، والزهد، والرقائق، والمراثي )ص: 19(.1/380(، وصفة الصفوة )2/297)( انظر: التبصرة البن الجوزي )20(.1/358)( انظر: إحياء علوم الدين )21

Page 15: files.zadapps.info€¦  · Web view[القمر:42]، فهو يمهل -تبارك وتعالى- ولا يهمل. الخامس من هذه الآثار: أن العبد إذا استشعر

ونحن بماذا نأنس؟ نأنس بالقيل، والقال؟

نأنس بكثرة الخلطة في كل يوم، وفي كل ليلة؟ مجالس، واستراحات، وخلطة زائدة، ال نجني منها إال قسوة القلب.

أين األنس بالله -تبارك وتعالى؟ .(22)"القلب فيه وحشة -كما يقول ابن القيم -رحمه الله- ال يزيلها إال األنس بالله"

فهؤالء الذين يشعرون بالوحشة، يشعرون بالضيق؛ ألنهم ال يأنسون بربهم -تبارك وتعالى-، وطريق األنس بالله -جل جالله- هو استشعار معاني هذه األسماء

الحسنى، وأن الله يراه، وأن الله يسمع كالمه، ويعلم بحاله، وأن الله قريب منه،فيقلق لماذا؟ وينزعج لماذا؟

ويخاف لماذا؟ ويتطاول عليه الوقت لماذا؟

حينما يقف يصلي يريد أن ينتهي من هذه الصالة التي يصليها، لربما ال يوتر إالبركعة، لماذا؟

هذا، وأسأل الله -تبارك وتعالى- أن ينفعنا وإياكم بما سمعنا، وأن يجعلنا وإياكمهداة مهتدين.

اللهم ارحم موتانا، واشف مرضانا، وعاف مبتالنا، واجعل آخرتنا خيرا من دنيانا. اللهم انصر إخواننا في بالد الشام نصرا مؤزرا.

اللهم انصرهم على عدوك، وعدوهم، اللهم انصرهم على عدوك، وعدوهم، اللهمانصرهم على عدوك، وعدوهم.

اللهم إنهم ضعفاء فقوهم. اللهم إنهم فقراء فأغنهم.

اللهم اشف مرضاهم، وعاف مبتالهم، وارحم موتاهم، وداو جرحاهم. اللهم انصرهم نصرا مؤزرا.

وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه.

(. 3/156)( انظر: مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين )22